39 بعض الأحداث التي كانت بعد موت محمد واقتتال الصحابة والمسلمين وصراعهم على الحكم وغيره

بعض الأحداث التي كانت بعد موت محمد

 

 

معركة صفين في الشام ين علي ومعاوية كما تخيلها رسام

 

 


 

يفترض بمن يدرس التاريخ أن يقرأه ويدرسه من المصادر والمراجع التاريخية المتنوعة المتعددة له ليصل إلى الحقائق، لكن كنتيجة ثانوية لدراستي لكتب الحديث فهذه بعض الأحداث المذكورة فيها بعد موت محمد من احتلالات وفتوحات إجرامية وحروب داخلية بين المسلمين وبعضهم كذلك، ونزاعات على الملك والسلطة بالحروب والسلاح، وفيها منظور أهل وكتبة ورواة الحديث للتاريخ على علاتها، وإن حاولت نقل العناصر التاريخية العقلانية فقط. وقد طعَّمت قدر الاستطاعة هذا المبحث رغم ذلك بنصوص كثيرة من كتب التاريخ السنية. وتوجد لدي مكتبة إلكترونية ضخمة بأمهات كتب التاريخ الإسلامي مع كتب نقدية معاصرة إسلامية وعلمانية وإلحادية عقلانية ومسيحية أتمنى توفيرها للناس يومًا للتحميل.

 

رفض من حضروا وفاة محمد من أصحابه تركه يكتب كتابًا لهم بوصية عن كيفية اختيار حكامهم

 

روى البخاري:

 

114 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قَالَ ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ قَالَ قُومُوا عَنِّي وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كِتَابِهِ

 

3168 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَحْوَلِ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى قُلْتُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ مَا يَوْمُ الْخَمِيسِ قَالَ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ فَقَالَ ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا مَا لَهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ فَقَالَ ذَرُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فَأَمَرَهُمْ بِثَلَاثٍ قَالَ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَالثَّالِثَةُ خَيْرٌ إِمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا وَإِمَّا أَنْ قَالَهَا فَنَسِيتُهَا قَالَ سُفْيَانُ هَذَا مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ

 

برأيي روايات الشيعة الاثناعشرية التي نطالعها في كتاب سليم بن قيس والكافي للكليني وإكمال الدين وكتاب بحار الأنوار للمجلسي ليست سوى قصص خرافية ظاهرة التلفيق والمبالغة والسخافة، ولعل قصة السنة هذه المذكورة فيها أمانة، لقد خشي عمر أن يضع محمد الخلافة لحكمه أي الامبراطورية العربية في بني هاشم أو بني عبد المطلب أو في نسل علي باعتباره نسلًا لمحمد من فاطمة ابنته أو ربما في العباس ونسله، لا يمكننا معرفة ما كان يدور في ذهن محمد، هل كان مثلًا سيقترح آلية بدائية ما لانتخاب الحاكم بطريقة فيها شورى أم كان بطريقة اعتيادية سيفضل قومه القرشيين أو بني هاشم أو حتى بصورة أخص بني عبد المطلب، لا يمكننا تخمين ما لم يحدث ولم يصرح محمد، ولعل هذه القصة التاريخية تكشف لنا زيف الإيمان واهتمام عمر وغيره أكثر بأطماع السلطة والخشية على فواتها لدرجة منع وتعطيل محمد عن تسجيل وصيته وتعطيله حتى يموت أو يرهق فيلهى عن ذلك. وربما مل محمد من اختلافهم ولم يكن لديه رأي حاسم ولا أتصور أن رجلًا بدويًّا مثله كان سيفكر في تقليد آليات انتخابات اليونان والرومان مثلًا على أي حالٍ.

 

استبعاد اليثاربة من السلطة وعدم حصولهم على أي نصيب فيها

 

خبر سقيفة بني ساعدة

 

روى البخاري:

 

3667 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَالَ { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } وَقَالَ { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } قَالَ فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ قَالَ وَاجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ فَقَالَ قَائِلٌ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَهُ اللَّهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَقَصَّ الْحَدِيثَ قَالَتْ فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهَا لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَى وَعَرَّفَهُمْ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ يَتْلُونَ { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَى الشَّاكِرِينَ }

 

6830 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ وَأَنْ لَا يَعُوهَا وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عُقْبِ ذِي الْحَجَّةِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ فَأَنْكَرَ عَلَيَّ وَقَالَ مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنْ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَلَا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ وَاللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ فَذَكَرَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ فَقَالَا أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَقُلْنَا نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَا لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ اقْضُوا أَمْرَكُمْ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالُوا هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقُلْتُ مَا لَهُ قَالُوا يُوعَكُ فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنْ الْأَمْرِ فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِكَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا حَتَّى سَكَتَ فَقَالَ مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ الْآنَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فَقُلْتُ ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَارُ وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقُلْتُ قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ عُمَرُ وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُتَابَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا

 

وروى أحمد:

 

391- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى رَحْلِهِ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَكُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَنْتَظِرُهُ ، وَذَلِكَ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : إِنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ : إِنَّ فُلاَنًا يَقُولُ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلاَنًا ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي قَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أَمْرَهُمْ ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ ، وَغَوْغَاءَهُمْ ، وَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ إِذَا قُمْتَ فِي النَّاسِ ، فَأَخْشَى أَنْ تَقُولَ مَقَالَةً يَطِيرُ بِهَا أُولَئِكَ فَلاَ يَعُوهَا ، وَلاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا ، وَلَكِنْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ ، وَتَخْلُصَ بِعُلَمَاءِ النَّاسِ وَأَشْرَافِهِمْ ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعُونَ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا ، فَقَالَ عُمَرُ : لَئِنْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ صَالِحًا لأُكَلِّمَنَّ بِهَا النَّاسَ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَكَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ صَكَّةَ الأَعْمَى ، فَقُلْتُ لِمَالِكٍ : وَمَا صَكَّةُ الأَعْمَى ؟ قَالَ : إِنَّهُ لاَ يُبَالِي أَيَّ سَاعَةٍ خَرَجَ ، لاَ يَعْرِفُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَنَحْوَ هَذَا ، فَوَجَدْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ عِنْدَ رُكْنِ الْمِنْبَرِ الأَيْمَنِ قَدْ سَبَقَنِي ، فَجَلَسْتُ حِذَاءَهُ تَحُكُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ طَلَعَ عُمَرُ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قُلْتُ : لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مَقَالَةً مَا قَالَهَا عَلَيْهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ ، قَالَ : فَأَنْكَرَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ذَلِكَ ، فَقَالَ : مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ ، فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ ، قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، فَإِنِّي قَائِلٌ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا ، لاَ أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي ، فَمَنْ وَعَاهَا وَعَقَلَهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ، وَمَنْ لَمْ يَعِهَا فَلاَ أُحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، وَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لاَ نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ قَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوِ الْحَبَلُ أَوِ الاِعْتِرَافُ ، أَلاَ وَإِنَّا قَدْ كُنَّا نَقْرَأُ : لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، فَإِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، أَلاَ وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللهِ فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلاً مِنْكُمْ يَقُولُ : لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلانًا ، فَلا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ فَلْتَةً ، أَلاَ وَإِنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ ، أَلاَ وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَى شَرَّهَا وَلَيْسَ فِيكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ ، مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ أَلاَ وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَخَلَّفَتْ عَنَّا الأَنْصَارُ بِأَجْمَعِهَا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ حَتَّى لَقِيَنَا رَجُلانِ صَالِحَانِ ، فَذَكَرَا لَنَا الَّذِي صَنَعَ الْقَوْمُ ، فَقَالا : أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، فَقُلْتُ : نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاءِ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالا : لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَقْرَبُوهُمْ ، وَاقْضُوا أَمْرَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى جِئْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ رَجُلٌ مُزَمَّلٌ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَقُلْتُ : مَا لَهُ ؟ قَالُوا : وَجِعٌ ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَامَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، وَقَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَكَتِيبَةُ الإِسْلامِ ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ ، مِنْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَيَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ ، فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي ، أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ ، وَقَدْ كُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ ، وَهُوَ كَانَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : عَلَى رِسْلِكَ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلاَّ قَالَهَا فِي بَدِيهَتِهِ ، وَأَفْضَلَ حَتَّى سَكَتَ ، فَقَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ أَهْلُهُ ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْعَرَبُ هَذَا الأَمْرَ إِلاَّ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا ، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ ، أَيَّهُمَا شِئْتُمْ ، وَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا ، وَكَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي ، لاَ يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ ، إِلاَّ أَنْ تَغَيَّرَ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ : أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، فَقُلْتُ لِمَالِكٍ : مَا مَعْنَى أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ ؟ قَالَ : كَأَنَّهُ يَقُولُ أَنَا دَاهِيَتُهَا ، قَالَ : وَكَثُرَ اللَّغَطُ ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ حَتَّى خَشِيتُ الاِخْتِلافَ ، فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ، ثُمَّ بَايَعَهُ الأَنْصَارُ ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : قَتَلْتُمْ سَعْدًا ، فَقُلْتُ : قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَمَا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا أَمْرًا هُوَ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ ، وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ ، أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً ، فَإِمَّا أَنْ نُتَابِعَهُمْ عَلَى مَا لاَ نَرْضَى ، وَإِمَّا أَنْ نُخَالِفَهُمْ فَيَكُونَ فِيهِ فَسَادٌ ، فَمَنْ بَايَعَ أَمِيرًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلا بَيْعَةَ لَهُ ، وَلاَ بَيْعَةَ لِلَّذِي بَايَعَهُ ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلا.

قَالَ مَالِكٌ ، وَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَقِيَاهُمَا : عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، أَنَّ الَّذِي قَالَ : أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ : الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ.

 

واضح جدًّا وجود درجة من ممارسة البلطجة والاستقواء وانظر قوله نزونا على سعد وكان آنذاك مريضًا ليخلعوه من مكانه الذي كان بارزًا فيه بطريقة إقصائية استبعادية.

 

روى البخاري:

 

3792 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا قَالَ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ

 

7057 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا وَلَمْ تَسْتَعْمِلْنِي قَالَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي

 

3794 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيدِ قَالَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالُوا لَا إِلَّا أَنْ تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا قَالَ إِمَّا لَا فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أَثَرَةٌ


3799 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ حَدَّثَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ فَقَالَ مَا يُبْكِيكُمْ قَالُوا ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّا فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ قَالَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أُوصِيكُمْ بِالْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي وَقَدْ قَضَوْا الَّذِي عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ

 

وانظر مسلم 1845 وأحمد12085 و19092 و19094

 

الغرض من هذه الأحاديث الملفقة على الأغلب مواساة اليثاربة لأنفسهم لاستبعادهم التام من السلطة. إن اختيار اليثاربة لدعم محمد واستقبال الهجرات من كل شبه جزيرة العرب أدى إلى انقراض هوية وكيان اليثاربة الأصليين سريعًا، ولم ينالوا أي حظ من كعكة السلطة رغم كل تضحياتهم وأنهم كانوا معظم وقود معارك محمد، بل انفردت بالسلطة قبيلة محمد قريش. لما حاولوا الثورة ودعم قرشيين_مرة أخرى_ كعبد الله بن الزبير وأخيه مصعب، نالهم بعد هزيمتهما عسف وتعذيب وعنف واستباحة المدينة للجيش الشامي الأموي ثلاثة أيام، قيل للنهب فقط، وقيل أنه اغتصبت ألف عذراء منهم. اندثر معظم أو كل نسب اليثاربة سريعًا، ولم يعد سوى ذكريات وأنساب على ورق مخطوطات مع تفكك سريع لكيانهم، نتيجة كل العناصر القبلية الأخرى في يثرب الوافدة وخروج آخرين منهم للفتوحات والاستقرار خارجها في مصر والشام والمغرب والعراق وغيرها. هذا بالطبع حدث لاحقًا لقريش مع تفكك كيانها وهو ما سيحدث لكل قبيلة وكيان قائم على النسب دومًا، لكن هذا لم يحدث لقريش إلا بعد قرون طوال، عكس  اليثاربة.

 

رفض علي سؤال محمد عن توصيته بخصوص السلطة من بعده خشية ألا ينالهم منها نصيب إلى الأبد

 

وروى البخاري:

 

6266 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا يَعْنِي ابْنَ أَبِي طَالِبٍ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ النَّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا فَأَخَذَ بِيَدِهِ الْعَبَّاسُ فَقَالَ أَلَا تَرَاهُ أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ عَبْدُ الْعَصَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيُتَوَفَّى فِي وَجَعِهِ وَإِنِّي لَأَعْرِفُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمَوْتَ فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسْأَلَهُ فِيمَنْ يَكُونُ الْأَمْرُ فَإِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا قَالَ عَلِيٌّ وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَمْنَعُنَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ أَبَدًا وَإِنِّي لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا

 

وكثيرًا ما كان محمد يعطي ويبذل المال لأقاربه لكنه لم يكن يعينهم في المناصب ربما سوى الكفؤ منهم كعلي في منصب عسكري وحاكم مؤقت وقاضٍ لليمن، ولعل هذا هو عنصر من عناصر قوة دولته وقوة دولة أبي بكر وعمر والفترة الأولى من حكم الأمويين حيث اهتموا بالكفاآت. وعرضت في باب (هل هو خير البشر وغيره) أحاديث في ذلك من إعطاء محمد وتزويجه أقاربه من مال الدولة مع رفضه البات لتعيينهم في مناصب، لذلك ربما هذا كان أحكم تصرف من علي فلا أحد يدري ما كان يدور في ذهن محمد أو كان سيفكر فيه ويوصي له لو سألوه.

 

حروب الردة

 

روى البخاري:

 

4986 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُمَرُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ....إلخ

 

وروى أحمد:

12399 - حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إِلَى قَوْلِهِ {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55] ، وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ رَفِيعَ الصَّوْتِ، فَقَالَ: أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبِطَ عَمَلِي، أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَجَلَسَ فِي أَهْلِهِ حَزِينًا، فَتَفَقَّدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: تَفَقَّدَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ ؟ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، وَأَجْهَرُ بِالْقَوْلِ حَبِطَ عَمَلِي، وَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَتَوْا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: " لَا، بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "

قَالَ أَنَسٌ: " وَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ كَانَ فِينَا بَعْضُ الِانْكِشَافِ، فَجَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَقَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ كَفَنَهُ، فَقَالَ: بِئْسَمَا تُعَوِّدُونَ أَقْرَانَكُمْ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ".

 

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وأخرجه عبد بن حميد (1209) ، وأبو عوانة 1/69، والبيهقي في "دلائل النبوة" 6/354 من طريق هاشم بن القاسم، بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" (557) ، ومسلم (119) (188) ، وأبو يعلى (3331) ، وابن حبان (7168) من طرق عن سليمان بن المغيرة، به.

وأخرجه مسلم (119) (188) ، وأبو يعلى (3427) ، والواحدي في "أسباب النزول" ص258 من طريق جعفر بن سليمان، ومسلم (119) (188) ، والنسائي في "الكبرى" (8227) و (11513) ، وأبو يعلى (3381) ، وابن حبان (7169) من طريق سليمان التيمي، كلاهما عن ثابت، به.

وأخرجه البخاري (3613) و (4846) ، وأبو عوانة 1/69، والبغوي (3996) ، وابن الأثير في "أسد الغابة" 1/275 من طريق أزهر بن سعد، والإسماعيلي في "مستخرجه" -كما في "الفتح" 6/620 -من طريق ابن المبارك، كلاهما عن ابن عون، قال: أخبرني موسى بن أنس، عن أبيه أنس.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (1309) من طريق أزهر بن سعد، عن ابن عون، عن ثمامة بن عبد الله، عن أنس. وابن عون: هو عبد الله، وهو من الثقات المكثرين، فلا يبعد أن يكون عنده على الوجهين.

وأخرجه البخاري (2845) من طريق ابن عون، عن موسى بن أنس، عن أنس -بقصة التحنط فقط.

وسيأتي الحديث من طريق ثابت البناني برقم (12480) و (14060) .

وفي الباب عن ثابت بن قيس نفسه، أخرجه ابن حبان (7167) .

قوله: "رفيع الصوت" ، قال السندي: أي: جهيره طبعاً، وكان خطيب الأنصار، وجاء أنه خطب مقدم رسول اللّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فقال: نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فما لنا؟ قال: "الجنة" . قالوا: رضينا. ويقال له: خطيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضاً.

"حبط" ، أي: ضلَّ وبطل.

 

معارك حروب الردة كانت كثيرة ومتعددة الأطراف نقرأ أخبارها في تاريخ الطبري وحروب الردة للواقدي وغيرها، ولعل من أشرسها وأكثرها دموية معركة اليمامة ضد بني حنيفة ومدعي النبوة منهم مسلمة أو مسيلمة الحنفي، ومع الأسود العنسي وحروب اليمن بين المسلمين والتابعين للوثنية ومدعي النبوة الآخرين.

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

34414- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَتْ فِي بَنِي سُلَيْمٍ رِدَّةٌ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ , فَجَمَعَ مِنْهُمْ أُنَاسًا فِي حَظِيرَةٍ ، حَرَّقَهَا عَلَيْهِمْ بِالنَّارِ , فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ , فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ ، فَقَالَ : اِنْزِعْ رَجُلاً يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللهِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاللهِ لاَ أَشِيمُ سَيْفًا سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عَدُوِّهِ ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ يَشِيمُهُ , وَأَمَرَهُ فَمَضَى مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ.

 

حَدِيثُ الْيَمَامَةِ وَمَنْ شَهِدَهَا

 

34407- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ؛ أَنَّ حَبِيبَ بْنَ زَيْدٍ قَتَلَهُ مُسَيْلِمَةُ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ ، خَرَجَ أَخُوهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ وَأُمُّهُ ، وَكَانَتْ أُمُّهُ نَذَرَتْ أَنْ لاَ يُصِيبَهَا غُسْلٌ حَتَّى يُقْتَلَ مُسَيْلِمَةُ ، فَخَرَجَا فِي النَّاسِ ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ : جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ بِالرُّمْحِ , فَمَشَى إِلَيَّ فِي الرُّمْحِ ، قَالَ : وَنَادَانِي رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ : أَنْ آجرْهُ الرُّمْحَ ، قَالَ : فَلَمْ يَفْهَمْ ، قَالَ فَنَادَاهُ : أَنْ أَلْقِ الرُّمْحَ مِنْ يَدِكَ ، قَالَ : فَأَلْقَى الرُّمْحَ مِنْ يَدِهِ , وَغُلِبَ مُسَيْلِمَةُ.

 

34408- حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، وَهُوَ يَتَحنَّطُ ، فَقُلْتُ : أَيْ عَمِ , أَلاَ تَرَى مَا لَقِيَ النَّاسُ ؟ فَقَالَ : الآنَ يَا ابْنَ أَخِي.

 

34409- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمُزَنِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : أَتَيْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَخْرَمَةَ صَرِيعًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ , فَوَقَفْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ , هَلْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَاجْعَلْ لِي فِي هَذَا الْمِجَنِّ مَاءً ، لَعَلِّي أُفْطِرُ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَأَتَيْتُ الْحَوْضَ وَهُوَ مَمْلُوءٌ دَمًا , فَضَرَبْتُهُ بِحَجَفَةٍ مَعِي ، ثُمَّ اغْتَرَفْتُ مِنْهِ فَأَتَيْتُهُ ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ قَضَى.

34410- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنِ الْبَرَاءِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، قَالَ : فَبَعَثَ خَالِدٌ الْخَيْلَ ، فَجَاؤُوا مُنْهَزِمِينَ , قَالَ : وَجَعَلَ الْبَرَاءُ يُرْعَدُ ، فَجَعَلْتُ أَطِدُهُ إِلَى الأَرْضِ وَهُوَ يَقُولُ , إِنِّي أَجِدُنِي أَفْطُرُ ، قَالَ : ثُمَّ بَعَثَ خَالِدٌ الْخَيْلَ فَجَاؤُوا مُنْهَزِمِينَ ، قَالَ : فَنَظَرَ خَالِدٌ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ بَلَدَ إِلَى الأَرْضِ , وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَ الأَمْرَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا بَرَاءُ , أَوحدْ فِي نَفْسِهِ ، قَالَ : فَقَالَ : الآنَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : نَعَمَ الآنَ ، قَالَ : فَرَكِبَ الْبَرَاءُ فَرَسَهُ ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهَا بِالسَّوْطِ , وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَهِيَ تَمْصعُ بِذَنَبِهَا ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ ، إِنَّهُ لاَ مَدِينَةَ لَكُمْ ، وَإِنَّمَا هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَالْجَنَّةُ ، ثُمَّ حَمَلَ وَحَمَلَ النَّاسُ مَعَهُ , فَانْهَزَمَ أَهْلُ الْيَمَامَةِ ، حَتَّى أَتَى حِصْنَهُمْ ، فَلَقِيَهُ مُحَكِّمُ الْيَمَامَةِ , فقال : يَا بَرَاءُ , فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ ، فَاتَّقَاهُ الْبَرَاءُ بِالْحَجَفَةِ , فَأَصَابَ الْحَجَفَةَ ، ثُمَّ ضَرَبَهُ الْبَرَاءُ فَصَرَعَهُ ، فَأَخَذَ سَيْفَ مُحَكِّمِ الْيَمَامَةِ فَضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى انْقَطَعَ ، فَقَالَ : قَبَّحَ اللَّهُ مَا بَقِيَ مِنْك , وَرَمَى بِهِ وَعَادَ إِلَى سَيْفِهِ.

 

34411- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَامٌ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : كَانَ الزُّبَيْرُ يَتْبَعُ الْقَتْلَى يَوْمَ الْيَمَامَةِ , فَإِذَا رَأَى رَجُلاً بِهِ رَمَقٌ أَجْهَزَ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَانْتَهَى إِلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ مَعَ الْقَتْلَى, فَأَهْوَى إِلَيْهِ بِالسَّيْفِ ، فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ السَّيْفِ وَثَبَ يَسْعَى , وَسَعَى الزُّبَيْرُ خَلْفَهُ وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا ابْنُ صَفِيَّةَ الْمُهَاجِرِ ، قَالَ : فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرجل ، فَقَالَ : كَيْفَ تَرَى شَدَّ أَخِيك الْكَافِرَ ؟ قَالَ : فَحَاصَرَهُ حَتَّى نَجَا.

 

34412- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ بْنِ الْهَادِّ ، قَالَ : أُصِيبَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ.

 

34415- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ أَنَسٍ ؛ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَجَّهَ النَّاسَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، فَأَتَوا عَلَى نَهَرٍ ، فَجَعَلُوا أَسَافِلَ أَقْبِيَتِهِمْ فِي حُجَزِهِمْ ، ثُمَّ قَطَعُوا إِلَيْهِمْ ، فَتَرَامَوْا ، فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ , فَنَكَّسَ خَالِدٌ سَاعَةً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَرَاءِ , وَكَانَ خَالِدٌ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ سَاعَةً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُفَرَى لَهُ رَأْيُهُ , فَأَخَذَ الْبَرَاءَ أَفكَلٌ , فَجَعَلْتُ أطِدُهُ إِلَى الأَرْضِ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي , إِنِّي لأَفْطُرُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا بَرَاءُ ، قُمْ ، فَقَالَ الْبَرَاءُ : الآنَ ؟ قَالَ : نَعَمَ ، الآنَ.

فَرَكِبَ الْبَرَاءُ فَرَسًا لَهُ أُنْثَى , فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ مَا إِلَى الْمَدِينَةِ سَبِيلٌ , إِنَّمَا هِيَ الْجَنَّةُ ، فَحَضَّهُمْ سَاعَةً ، ثُمَّ مَصَعَ فَرَسَهُ مَصَعَاتٍ , فَكَأَنِّي أَرَاهَا تَمْصَعُ بِذَنَبِهَا ، ثُمَّ كَبَسَ وَكَبَسَ النَّاسُ.

قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ : فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كَانَ فِي مَدِينَتِهِمْ ثُلْمَةٌ , فَوَضَعَ مُحَكِّمُ الْيَمَامَةِ رِجْلَيْهِ عَلَيْهَا , وَكَانَ عَظِيمًا جَسِيمًا فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ , أَنَا مُحَكِّمُ الْيَمَامَةِ , أَنَا مدارُ الْحلَّةِ , وَأَنَا وَأَنَا.

قَالَ : وَكَانَ رَجُلاً هَمِرًا ، فَلَمَّا أَمْكَنَهُ مِنَ الضَّرْبِ ضَرَبَهُ ، وَاتَّقَاهُ الْبَرَاءُ بِحَجَفَتِهِ ، ثُمَّ ضَرَبَ الْبَرَاءُ سَاقَهُ فَقَتَلَهُ , وَمَعَ مُحَكِّمِ الْيَمَامَةِ صَفِيحَةٌ عَرِيضَةٌ , فَأَلْقَى سَيْفَهُ ، وَأَخَذَ صَفِيحَةَ مُحَكِّمٍ ، فَحَمَلَ فَضَرَبَ بِهَا حَتَّى انْكَسَرَتْ ، فَقَالَ : قَبَحَ اللَّهُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ.

 

34416- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا مِسْعرٌ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا أَتَاهُ فَتْحُ الْيَمَامَةِ سَجَدَ.

 

34413- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ , يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

 

إشاعة أن أبا بكر قد سم

 

روى أحمد:

 

3873 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبدِ اللهِ، قَالَ: " لَأَنْ أَحْلِفَ تِسْعًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ قَتْلًا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ جَعَلَهُ نَبِيًّا، وَاتَّخَذَهُ شَهِيدًا " قَالَ الْأَعْمَشُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: " كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْيَهُودَ سَمُّوهُ وَأَبَا بَكْرٍ "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو مكرر (3617) . سفيان: هو الثوري. وأورده الهيثمي في "المجمع" 9/34، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

وسيأتي برقم (4139) .

فلنتأمل هذا: محمد يقال أن السم الذي أكل منه القليل ساهم في موته أو سبب له معاناة، وتدعي بعض الأحاديث أن سبب موته أو تعجيل موته، ولو أني أرى أن الأصح أن السبب هو مرض ذات الجنب من الأمراض الرئوية الوبائية، وأبو بكر تقول إشاعة أنه سم ربما من اليهود أو غيرهم كما تدعي الأحاديث أو من أحد الطامعين في السلطة أو كاره ما له، وعمر قتله أبو لؤلؤة الفارسي، وعلي قتله من الخوارج ابن ملجم، والحسين قتله جيش يزيد بن معاوية، والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن الزبير بن العوام ماتوا كلهم في حروب أهلية، والحسن يقال أنه سممه معاوية عن طريق إحدى زوجات الحسن، ألا ترى أن هذه هي ثمار ديانة الإسلام وطريقته في تداول السلطة الوحيدة التاريخية وأن الإسلام بنشره الإرهاب والكراهية والشر والتعصب هو الذي يسبب أحداثًا كهذه والتاريخ الإسلامي أغلبه كله عنف ودموية وشرور.

 

وعند الشيعة الاثناعشرية في اعتقادات الصدوق:

 

اعتقادنا في النبي صلى الله عليه وآله أنه سم في غزاة خيبر ، فما زالت هذه الاكلة تعاوده حتى قطعت أبهره فمات منها ، وأمير المؤمنين عليه السلام قتله عبدالرحمان بن ملجم لعنه الله ، ودفن بالغري ، والحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام سمته امرأته جعدة بنت الاشعث الكندي لعنهما الله فمات من ذلك، والحسين بن علي عليهما السلام قتل بكربلاء قتله سنان بن أنس النخعي لعنه الله ، وعلي بن الحسين سيد العابدين عليه السلام سمه الوليد بن عبدالملك فقتله ، والباقر محمد بن علي عليه السلام سمه إبراهيم ابن الوليد فقتله ، والصادق جعفر بن محمد عليه السلام سمه أبوجعفر المنصور فقتله ، وموسى بن جعفر عليه السلام سمه هارون الرشيد فقتله ، والرضا علي بن موسى عليه السلام قتله المأمون بالسم ، وأبوجعفر محمد بن علي الثاني عليه السلام ، قتله المعتصم بالسم ، وعلي بن محمد عليه السلام قتله المتوكل بالسم ، والحسن بن علي عليه السلام قتله المعتضد بالسم .

واعتقادنا أن ذلك جرى عليهم على الحقيقة والصحة لا على الحسبان و الحيلولة ولا على الشك والشبهة ، فمن زعم أنهم شبهوا أو واحد منهم فليس من ديننا على شئ ونحن منه برآء ، وقد أخبر النبي والائمة عليهم السلام أنهم مقتولون ، ومن قال : إنهم لم يقتلوا فقد كذبهم ومن كذبهم فقد كذب الله ومن كذب الله فقد كفر به وخرج به عن الاسلام ، ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.

 

قال المجلسي في بحار الأنوار تعليقًا عليه:


بيان : أقول : رأيت في بعض الكتب المعتبرة أنه روي عن الصدوق رحمه الله مثله إلا أنه قال : وسم المعتز علي بن محمد الهادي عليه السلام ، وسم المعتمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، وهو أظهر في الاول ، لانه يشهد بعض الروايات بأن المتوكل لعنه الله قتل في زمان الهادي عليه السلام إلا أن يقال : إنه فعل ذلك بأمره بعده ، وهو بعيد وكذا في الثاني ، المعتمد هو المعتمد ، لما سيأتي من قول أكثر العلماء والمورخين أنه عليه السلام توفي في زمانه .

 

أسلوب أهل الحل والعقد والصفوة واقتصار الحكم على لجنة مختارة أسلوب غير ديمقراطي يصادر حقوق الشعوب في اختيار الحكام- مثال للتطبيق في وصية عمر وكيفية اختيار عثمان

 

روى البخاري:

3700 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ كَيْفَ فَعَلْتُمَا أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ قَالَا حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ قَالَ انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ قَالَ قَالَا لَا فَقَالَ عُمَرُ لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا قَالَ فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ قَالَ إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ اسْتَوُوا حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلًا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أَوْ النَّحْلَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ قَتَلَنِي أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ حِينَ طَعَنَهُ فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ فَمَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلَاةً خَفِيفَةً فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ غُلَامُ الْمُغِيرَةِ قَالَ الصَّنَعُ قَالَ نَعَمْ قَالَ قَاتَلَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مِيتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ أَيْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا قَالَ كَذَبْتَ بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ فَقَائِلٌ يَقُولُ لَا بَأْسَ وَقَائِلٌ يَقُولُ أَخَافُ عَلَيْهِ فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَجَاءَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيْهِ وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدَمٍ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ ثُمَّ شَهَادَةٌ قَالَ وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الْأَرْضَ قَالَ رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ قَالَ إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِلَّا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ وَلَا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا وَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي فَقَالَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَقَالَتْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلَأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ قَالَ ارْفَعُونِي فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا لَدَيْكَ قَالَ الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ فَاحْمِلُونِي ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ فَوَلَجَتْ دَاخِلًا لَهُمْ فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنْ الدَّاخِلِ فَقَالُوا أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ قَالَ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوْ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَالَ يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ فَإِنْ أَصَابَتْ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ وَقَالَ أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا { الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَتْ أَدْخِلُوهُ فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ فَقَالَ الزُّبَيْرُ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ طَلْحَةُ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ وَقَالَ سَعْدٌ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُ عَنْ أَفْضَلِكُمْ قَالَا نَعَمْ فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ

 

7207 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ قَالَ الْمِسْوَرُ طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنْ اللَّيْلِ فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ فَشَاوَرَهُمَا ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ ادْعُ لِي عَلِيًّا فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي عُثْمَانَ فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ

 

ولا يختلف أسلوب اختيار أبي بكر في سقيفة بني ساعدة ولا اختيار عمر عن ذلك، فالأول لم ينتخبه أو يختاره كل الشعوب المسلمة والمسيحية والزردشتية والشامانية المحتلة بل سكان يثرب فقط وبغصب بعض اليثاربة على ذلك عن طريق القرشيين، وكذلك عمر جاء بوصية وتعيين.

 

احتلال مصر

 

روى أحمد:

 

17329 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيُّ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيِّ – وَيَزَنُ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ -، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِصْرَ غَازِيًا - وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْسٍ الْجُهَنِيُّ أَمَّرَهُ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ - قَالَ: فَحَبَسَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ بِالْمَغْرِبِ، فَلَمَّا صَلَّى قَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُقْبَةُ، أَهَكَذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ، أَمَا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ أَوْعَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ " ؟ قَالَ: فَقَالَ: بَلَى . قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ: شُغِلْتُ قَالَ: فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَمَا وَاللهِ مَا بِي إِلَّا أَنْ يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّكَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ هَذَا ".

 

إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين. يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد الزهري.

وأخرجه الدولابي في "الكنى" 1/15، والطبراني في "الكبير" (4083) من طريق يعقوب بن إبراهيم، به. ورواية الطبراني مختصرة.

وأخرجه مطولاً ومختصراً أبو داود (418) ، وابن خزيمة (339) ، والحاكم 1/190، والبيهقي في "السنن" 1/370 من طرق عن محمد بن إسحاق، به.

وسيأتي من طريق ابن إسحاق في مسند أبي أيوب الأنصاري 5/417 و422.

وقد ذكر ابن أبي حاتم في "العلل" 1/177 أن أبا زرعة سُئل عن حديث رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب، ... فذكره بإسناده، ورواه حيوة وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران التُّجيبي، عن أبي أيوب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بادروا بصلاة المغرب طلوع النجوم" قال أبو زرعة: حديث حيوة أصح.

قلنا: وسيأتي من طريق ابن لهيعة- الآنف الذكر- 5/415، وسيأتي في "المسند" أيضاً بنحو لفظ ابن لهيعة 5/421 لكن من طريق ابن أبي ذئب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن رجل، عن أبي أيوب، به.

وفي الباب عن السائب بن يزيد، سلف برقم (15717) . وانظر تتمة شواهده هناك.

قوله: "فحبس"، أي: فأخر المغرب كما في الروايات الأخرى.

وقوله: "حتى تشتبك النجوم"، أي: تظهر جميعها، وتختلط بعضُها ببعض لكثرة ما ظَهرَ منها. قاله ابن الأثير في "النهاية".

 

(23534) 23931- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيِّ ، قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ : مَا هَذِهِ الصَّلاَةُ يَا عُقْبَةُ ؟ فَقَالَ : شُغِلْنَا . قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ مَا بِي إِلاَّ أَنْ يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّكَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ هَذَا ، أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لاَ تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ ، أَوْ عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ ؟.

 

(23535) 23932- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ .. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.(5/417).

 

من يقرأ فتح مصر لسناء المصري وفتح مصر ليوحنا النقيوسي وكتابات المقريزي كلها وتاريخ البطاركة لساويريس بن المقفع وتاريخ الطبري وفتح مصر للواقدي والفتوح لابن الأعثم ويرى الفظائع التي ارتكبها عرب شبه جزيرة العرب القدماء ومن معهم من جنود من الشام والعراق من عنف وتقتيل واستعاد ونهب وتخريب، سيتأكد ويتيقن من وجود خلل في عقول هؤلاء المتطرفين القدماء فهم يعتبرون الفطرة والغريزة في مواعيد الصلاة، ولا يعتبرون من الفطرة ألا تعتدي على الشعوب الأخرى إخوتك في الإنسانية أو أن تقوم بهذه الأفعال الإجرامية الاعتدائية!

 

رفض عمرو بن العاص وعمر بن الخطاب تقسيم مصر على الفاتحين

 

وذلك لكي لا يضيع على باقي المسلمين الواردين عليها فرصة التملك والسكنى فيها، فلم يقم فيها بسنة محمد في تقسيم خيبر على الغزاة، نظرًا لكبر حجم دولة كمصر.

روى أحمد:

 

1424 - حَدَّثَنَا عَتَّابٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُقْبَةَ وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ بْنِ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَمَّنْ سَمِعَ، عَبْدَ اللهِ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ وَهْبٍ الْخَوْلانِيَّ، يَقُولُ: لَمَّا افْتَتَحْنَا مِصْرَ بِغَيْرِ عَهْدٍ، قَامَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، فَقَالَ: " يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ اقْسِمْهَا " . فَقَالَ عَمْرٌو: لَا أَقْسِمُهَا . فَقَالَ الزُّبَيْرُ: " وَاللهِ لَتَقْسِمَنَّهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ "، قَالَ عَمْرٌو: وَاللهِ لَا أَقْسِمُهَا حَتَّى أَكْتُبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ . فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ أَقِرَّهَا حَتَّى يَغْزُوَ مِنْهَا حَبَلُ الْحَبَلَةِ.

 

إسناده ضعيف لجهالة المبهم الذي لم يسم، وعبد الله- ويقال له أيضاً عبيد الله- بن المغيرة بن أبي بردة لم يوثقه غيرُ ابن حبان 5/53، وسفيانُ بن وهب الخولاني صحابي شهد حَجةَ الوداع وفتحَ مصر، وعاش حتى ولي الإمرة لعبدِ العزيز بنِ مروان على الغزو إلى إفريقية سنة 78، فبقي بها إلى أن مات سنة 82. عبد الله: هو ابن المبارك.

وأخرجه ابنُ عبدِ الحكم في "فتوح مصر" ص 263 عن يوسف بن عدي، عن عبد الله بن المبارك، بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو عُبيد في "الأموال" (149) عن ابن أبي مريم- وهو سعيدُ بن الحكم-، ومن طريقه الشاشي في "مسنده" (43) ، وأخرجه ابنُ عبد الحكم ص 88 عن عبد الملك بن مسلمة وعثمان بن صالح، ثلاثتهم عن ابنِ لهيعة، به.

وقال عبدُ الله بنُ لهيعة- بعدما ذكر ابن عبد الحكم ص263 روايةَ ابنِ المبارك ورواية عبد الملك بن مسلمة-: وحدثني يحيى بنُ ميمون، عن عُبيد الله بن المغيرة، عن سفيان بن وهب نحوه. فإن حَفِظَ ابنُ لهيعة هذا، فيمكن أن يحسن الحديث.

قوله: "حتى يغزو منها حَبَل الحبلة"، قال ابن الأثير في "النهاية" 1/334: يريد: حتى يغزو منها أولاد الأولاد، ويكون عاماً في الناس والدوابً، أي: يكثر المسلمون فيها بالتوالد.

وقال أبوعبيد: أراه أراد أن تكون فيئاً موقوفاً للمسلمين ما تناسلُوا يَرِثُه قرن عن قرن، فتكون قوة لهم على عدوهم.

 

وقال ابن أبي شيبة:

 

33648- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عْن أَسْلَمَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ : وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ , لَوْلاَ أَنْ يُتْرَكَ آخِرُ النَّاسِ لاَ شَيْءَ لَهُمْ مَا افْتُتِحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُفَّارِ إِلاَّ قَسَمْتُهَا سُهْمَانًا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ سُهْمَانًا , وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ يَكُونَ جِرْيَةً تَجْرِي عَلَيْهِمْ وَكَرِهْتُ أَنْ يُتْرَكَ آخِرُ النَّاسِ لاَ شَيْءَ لَهُمْ.

 

33652- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حَنْظَلَةَ بْنُ نُعَيم أَنَّ سَعْدًا كَتَبَ إلَى عُمَرَ أَنَّا أَخَذْنَا أَرْضًا لَمْ يُقَاتِلْنَا أَهْلُهَا ، قَالَ : فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ : إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَقْسِمُوهَا بَيْنَكُمْ فَاقْسِمُوهَا , وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَدَعُوهَا فَيَعْمُرُهَا أَهْلُهَا وَمَنْ دَخَلَ فِيكُمْ بَعْدُ كَانَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ , فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَشَاحُّوا فيها وَفِي شُرْبِهَا فَيَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا , فَكَتَبَ إلَيْهِ سَعْدٌ : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ رَأْيَهُمْ لِرَأْيِكَ تَبَعٌ , فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يَرُدُّوا الرَّقِيقَ إلَى امْرَأَةٍ حَمَلَتْ مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

 

تابع أعمال الاحتلال بعد موت محمد-نماذج من كتب الحديث

 

احتلال إيران/ فارس

 

روى البخاري:

 

3159 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الْأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ فَقَالَ إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هَذِهِ قَالَ نَعَمْ مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنْ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلَانِ فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتْ الرِّجْلَانِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ فَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الْآخَرُ نَهَضَتْ الرِّجْلَانِ وَالرَّأْسُ وَإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَتْ الرِّجْلَانِ وَالْجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ فَالرَّأْسُ كِسْرَى وَالْجَنَاحُ قَيْصَرُ وَالْجَنَاحُ الْآخَرُ فَارِسُ فَمُرْ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى وَقَالَ بَكْرٌ وَزِيَادٌ جَمِيعًا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ فَنَدَبَنَا عُمَرُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَقَامَ تَرْجُمَانٌ فَقَالَ لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ سَلْ عَمَّا شِئْتَ قَالَ مَا أَنْتُمْ قَالَ نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلَاءٍ شَدِيدٍ نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنْ الْجُوعِ وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرَضِينَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

34485- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شَاوَرَ الْهُرْمُزَانِ فِي فَارِسَ وَأَصْبَهَانَ وَآذَرْبَيْجَانَ ، فَقَالَ : أَصْبَهَانُ الرَّأْسِ ، وَفَارِسُ وَآذَرْبَيْجَانُ الْجَنَاحَانِ , فَإِنْ قَطَعْت أَحَدَ الْجَنَاحَيْنِ مَالَ الرَّأْسُ بِالْجَنَاحِ الآخَرِ , وَإِنْ قَطَعْتِ الرَّأْسَ وَقَعَ الْجَنَاحَانِ , فَابْدَأْ بِالرَّأْسِ, فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا هُوَ بِالنُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ يُصَلِّي , فَقَعَدَ إِلَى جَنْبِهِ ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ ، قَالَ : مَا أُرَانِي إِلاَّ مُسْتَعْمِلُك ، قَالَ : أَمَّا جَابِيًا فَلا , وَلَكِنْ غَازِيًا ، قَالَ : فَإِنَّك غَازٍ , فَوَجَّهَهُ وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنْ يَمُدَّوهُ. قَالَ : وَمَعَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ، وَعَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ، وَحُذَيْفَةُ ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَالأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ.

قَالَ : فَأَرْسَلَ النُّعْمَانُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ إِلَى مَلِكِهِمْ ، وَهُوَ يُقَالَ لَهُ : ذُو الْحَاجِبَيْنِ , فَقَطَعَ إِلَيْهِمْ نَهَرَهُمْ ، فَقِيلَ لِذِي الْحَاجِبَيْنِ : إِنَّ رَسُولَ الْعَرَبِ هَاهُنَا , فَشَاوَرَ أَصْحَابَهُ ، فَقَالَ : مَا تَرَوْنَ ؟ أَقْعُدُ لَهُ فِي بَهْجَةِ الْمُلْكِ وَهَيْئَةِ الْمُلْكِ ، أَوْ أَقْعُدُ لَهُ فِي هَيْئَةِ الْحَرْبِ ؟ قَالُوا : لاَ ، بَلَ اُقْعُدْ لَهُ فِي بَهْجَةِ الْمُلْك , فَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ ، وَوَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ , وَقَعَدَ أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ سِمَاطَيْنِ , عَلَيْهِمَ الْقِرَطَةُ وَأَسَاوِرُةُ الذَّهَبِ وَالدِّيبَاجِ ، قَالَ : فَأَذِنَ لِلْمُغِيرَةِ ، فَأَخَذَ بِضَبْعِهِ رَجُلاَنِ ، وَمَعَهُ رُمْحُهُ وَسَيْفُهُ ، قَالَ : فَجَعَلَ يَطْعُنُ بِرُمْحِهِ فِي بُسُطِهِمْ يُخْرِقُهَا لِيَتَطَيَّرُوا ، حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، قَالَ : فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ ، وَالتُّرْجُمَانُ يُتَرْجِمُ بَيْنَهُمَا : إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَصَابَكُمْ جُوعٌ وَجُهْدٌ ، فَجِئْتُمْ ، فَإِنْ شِئْتُمْ مِرْنَاكُمْ وَرَجَعْتُمْ.

قَالَ : فَتَكَلَّمَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّا مَعْشَرَ الْعَرَبِ كُنَّا أَذِلَّةً يَطَؤنَا النَّاسُ وَلاَ نَطؤهُمْ , وَنَأْكُلُ الْكِلاَبَ وَالْجِيفَةَ ، وإِنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَ مِنَّا نَبِيًّا ، فِي شَرَفٍ مِنَّا , أَوْسَطَنَا حَسَبًا ، وَأَصْدَقَنَا حَدِيثًا ، قَالَ : فَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَا بَعَثَهُ بِهِ , فَأَخْبَرَنَا بِأَشْيَاءَ وَجَدْنَاهَا كَمَا قَالَ ، وَإِنَّهُ وَعَدَنَا فِيمَا وَعَدَنَا أَنَا سَنَمْلِكُ مَا هَاهُنَا وَنَغْلِبُ عَلَيْهِ , وَإِنِّي أَرَى هَاهُنَا بَزَّةً وَهَيْئَةً ، مَا أَرَى مَنْ خَلْفِي بِتَارِكِيهَا حَتَّى يُصِيبُوهَا . قَالَ : ثُمَّ قَالَتْ لِي نَفْسِي : لَوْ جَمَعْتَ جَرَامِيزَك فَوَثَبْتَ فَقَعَدْتَ مَعَ الْعِلْجِ عَلَى سَرِيرِهِ حَتَّى يَتَطَيَّرَ ، قَالَ : فَوَثَبْتُ وَثْبَةً , فَإِذَا أَنَا مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ , فَجَعَلُوا يَطَؤونِي بِأَرْجُلِهِمْ وَيَجُرُّونِي بِأَيْدِيهِمْ ، فَقُلْتُ : إِنَّا لاَ نَفْعَلُ هَذَا بِرُسُلِكُمْ , فَإِنْ كُنْتُ عَجَزْتُ ، أَوْ اسْتَحْمَقْتُ فَلاَ تُؤَاخِذُونِي , فَإِنَّ الرُّسُلَ لاَ يُفْعَلُ بِهِمْ هَذَا.

فَقَالَ الْمَلِكُ : إِنْ شِئْتُمْ قَطَعْنَا إِلَيْكُمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ قَطَعْتُمْ إِلَيْنَا ، فَقُلْتُ : لاَ ، بَلْ نَحْنُ نَقْطَعُ إِلَيْكُمْ ، قَالَ : فَقَطَعْنَا إِلَيْهِمْ فَتَسَلْسَلُوا كُلَّ خَمْسَةٍ ، وَسَبْعَةٍ ، وَسِتَّةٍ ، وَعَشَرَةٍ فِي سِلْسِلَةٍ ، حَتَّى لاَ يَفِرُّوا , فَعَبَرْنَا إِلَيْهِمْ فَصَافَفْنَاهُمْ ، فَرَشَقُونَا ، حَتَّى أَسْرَعُوا فِينَا ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ لِلنُّعْمَانِ : إِنَّهُ قَدْ أَسْرَعَ فِي النَّاسِ ، قَدْ خَرَجُوا ، قَدْ أَسْرَعَ فِيهِمْ , فَلَوْ حَمَلْتَ ؟ قَالَ النُّعْمَانُ : إِنَّك لَذُو مَنَاقِبَ ، وَقَدْ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلَكِنْ شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ ، انْتَظَرَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ ، وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ ، ويَنْزِلَ النَّصْرَ.

ثُمَّ قَالَ : إِنِّي هَازٌّ لِوَائِي ثَلاَثَ هَزَّاتٍ , فَأَمَّا أَوَّلُ هَزَّةٍ فَلْيَقْضِ الرَّجُلُ حَاجَتَهُ وَلْيَتَوَضَّا , وَأَمَّا الثَّانِيَةُ نَظَرَ رَجُلٌ إِلَى شِسْعِهِ وَرَمَّ مِنْ سِلاَحِهِ , فَإِذَا هَزَزْتُ الثَّالِثَةَ فَاحْمِلُوا , وَلاَ يَلْوِيَنَّ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ , وَإِنْ قُتِلَ النُّعْمَانُ فَلاَ يَلْوِيَنَّ عَلَيْهِ أَحَد , وَإِنِّي دَاعِيَ اللَّهَ بِدَعْوَةٍ ، فَأَقْسَمْتُ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْكُمْ لَمَّا أَمَّنَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اُرْزُقَ النُّعْمَانَ الْيَوْمَ الشَّهَادَةَ فِي نَصْرٍ وَفَتْحٍ عَلَيْهِمْ ، قَالَ : فَأَمَّنَ الْقَوْمُ ، قَالَ : وَهَزَّ ثَلاَثَ هَزَّاتٍ ، قَالَ : ثُمَّ نَثَلَ دِرْعَهُ ، ثُمَّ حَمَلَ وَحَمَلَ النَّاسُ ، قَالَ : وَكَانَ أَوَّلَ صَرِيعٍ ، قَالَ مَعْقِلٌ : فَأَتَيْتُ عَلَيْهِ ، فَذَكَرْتُ عَزْمَتَهُ ، فَلَمْ أَلْوِ عَلَيْهِ ، وَأَعْلَمْتُ عَلَمًا حَتَّى أَعْرِفَ مَكَانَهُ ، قَالَ : فَجَعَلْنَا إِذَا قَتَلْنَا الرَّجُلَ شُغِلَ عَنَّا أَصْحَابُهُ بِهِ.

قَالَ : وَوَقَعَ ذُو الْحَاجِبَيْنِ عَنْ بَغْلَةٍ لَهُ شَهْبَاءَ ، فَانْشَقَّ بَطْنُهُ , فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَأَتَيْتُ مَكَانَ النُّعْمَانِ وَبِهِ رَمَقٌ , فَأَتَيْتُهُ بِإِدَاوَةٍ فَغَسَلْتُ عَنْ وَجْهِهِ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْتُ : مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ ، قَالَ : مَا فَعَلَ النَّاسُ ؟ قُلْتُ : فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، قَالَ : لِلَّهِ الْحَمْدُ , اُكْتُبُوا بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ , وَفَاضَتْ نَفْسُهُ , وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ أُمِّ وَلَدِهِ : هَلْ عَهِدَ إِِلَيْك النُّعْمَانُ عَهْدًا ، أَمْ عِنْدَكَ كِتَابٌ ؟ قَالَ : سَفْطٌ فِيهِ كِتَابٌ , فَاخْرُجُوهُ ، فَإِذَا فِيهِ : إِنْ قُتِلَ النُّعْمَانُ فَفُلاَنٌ , وَإِنْ قُتِلَ فُلاَنٌ فَفُلاَنٌ.

قَالَ حَمَّادٌ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ : فَحَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ ، قَالَ : ذَهَبْتُ بِالْبِشَارَةِ إِلَى عُمَرَ ، فَقَالَ : مَا فَعَلَ النُّعْمَانُ ؟ قُلْتُ : قُتِلَ ، قَالَ : وَمَا فَعَلَ فُلاَنٌ ؟ قُلْتُ : قُتِلَ ، قَالَ : مَا فَعَلَ فُلاَنٌ ؟ قُلْتُ : قُتِلَ , وَفِي ذَلِكَ يَسْتَرْجِعُ , قُلْتُ : وَآخَرُونَ لاَ أَعْلَمُهُمْ ، قَالَ : لاَ تَعْلَمُهُمْ ، لَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُمْ.

34486- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : لَمَّا حَمَلَ النُّعْمَانُ ، قَالَ : وَاللهِ مَا وَطِئَنَا كَتِفَيْهِ حَتَّى ضُرِبَ فِي الْقَوْمِ.

34487- حَدَّثَنَا شَاذَانُ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : شَاوَرَ عُمَرُ الْهُرْمُزَانَ ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ عَفَّانَ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ : فَأَتَاهُمَ النُّعْمَانُ بِنَهَاوَنْد ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ نَهَرٌ ، فَسَرَّحَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، فَعَبَرَ إِلَيْهِمَ النَّهَرَ , وَمَلِكُهُمْ يَوْمَئِذٍ ذُو الْحَاجِبَيْنِ.

 

نموذج لهوس العقلية الإرهابية وتبرير الإجرام والأفعال الإجرامية والاحتلال عقلية الاستعلاء العربي القديمة البدوية لسكان شبه جزيرة العرب القدماء وهي كانت نتيجة عقد ومركبات نقص.

 

34488- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ ، عَنِ السُّدِّيِّ ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ ؛ وَقَعَ لَهُ فِي سَهْمِهِ عَجُوزٌ يَهُودِيَّةٌ , فَمَرَّ بِرَأْسِ الْجَالُوتِ ، فَقَالَ : يَا رَأْسَ الْجَالُوتِ , تَشْتَرِي مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ ؟ فَكَلَّمَهَا فَإِذَا هِيَ عَلَى دِينِهِ ، قَالَ : بِكَمْ ؟ قَالَ : بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ ، قَالَ : لاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا , فَحَلَفَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ : لاَ يُنْقِصُهُ , فَسَارَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ بِشَيْءٍ ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ : {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ} الآيَةَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ : أَنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : لَتَشْتَرِيَنَّهَا ، أَوْ لَتَخْرُجَنَّ مِنْ دِينِكَ ، قَالَ : قَدْ أَخَذْتُهَا ، قَالَ : فَهَبْ لِي مَا شِئْتَ ، قَالَ : فَأَخَذَ مِنْهُ أَلْفَيْنِ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ.

 

من الخسة أن تتاجر وتبيع البشر سواء من أهل دينك وقومك السابقين أو من أي البشر عمومًا فكل ذلك واحد في الخسة لأن كل البشر  إخوة وأحرار.

 

وفي المعجم الكبير للطبراني ج2:

 

4168 - حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري و عبدان بن أحمد قالا ثنا أبو السكين ثنا عم أبي زحر بن حصن عن جده حميد بن منهب قال: قال خريم بن أوس سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي وهذه الشيماء بنت بقيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود فقلت : يا رسول الله فإن نحن دخلنا الحيرة ووجدتها على هذه الصفة فهي لي قال : هي لك ثم ارتدت العرب فلم يرتد أحد من طيىء وكنا نقاتل بني أسد وفيهم طليحة بن خويلد الفقعسي فامتدحنا خالد بن الوليد وكان فيما قال فينا :

 ( جزى الله عنا طيئا في ديارها ... بمعترك الأبطال خير جزاء )

 ( هم أهل رايات السماحة والندى ... إذا ما الصبا الوت بكل خباء )

 ( هم ضربوا قيسا على الدين بعدما ... أجابوا منادي ظلمة وعماء )

 ثم سار خالد إلى مسيلمة فسرنا معه فلما فرغنا من مسيلمة وأصحابه أقبلنا إلى ناحية البصرة فلقينا هرمز بكاظمة في جمع عظيم ولم يكن أحد أعدى للعرب من هرمز قال أبو السكين : وبه يضرب المثل تقول العرب : أنت أكفر من هرمز فبرز له خالد بن الوليد ودعا إلى البراز فبرز له هرمز فقتله خالد رضي الله عنه وكتب بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فنفله سلبه فبلغت قلنسوة هرمز مئة ألف درهم ثم سرنا على الطريق الطف حتى دخلنا الحيرة فكان أول من تلقانا فيها شيماء بنت بقيلة الأزدية على بغلة لها شهباء بخمار أسود كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فتعلقت بها وقلت : هذه وهبها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني خالد عليها البينة فأتيته بها فسلمها إلي ونزل إلينا أخوها عبد المسيح فقال لي بعنيها فقلت : لا أنقصها والله من عشر مئة شيئا فدفع إلي ألف درهم فقيل لي : لو قلت مئة ألف لدفعها إليك فقلت : ما أحسب أن مالا أكثر من عشر مئة وبلغني في غير هذا الحديث أن الشاهدين كانا محمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر

 

نبوءة فاشلة على أية حال فقد قرأت في مراجع أخرى أن تلك الحسناء الشهيرة التي كان يتمنى الرجل خطفها لنفسه ويدعي وعد محمد له بها كانت قد صارت عجوزًا لذلك تخلص منها بقبول الفدية الإرهابية وهي الأسلوب القديم للقائمين بالغارات الإجرامية كشعوب بدو العرب والـﭭايكنج وشعوب الشمال!

 

نموذجان للغدر في عمليات احتلال فارس

 

روى ابن أبي شيبة:

 

34512- حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ حَبِيبٍ أَبِي يَحْيَى ؛ أَنَّ خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ ، وَكَانَتْ عَيْنُهُ أُصِيبَتْ بِالسَّوسِ ، قَالَ : حَاصَرْنَا مَدِينَتَهَا ، فَلَقِينَا جَهْدًا ، وَأَمِيرُ الْجَيْشِ أَبُو مُوسَى , وَأَخَذَ الدِّهْقَانُ عَهْدَهُ وَعَهْدَ مَنْ مَعَهُ ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى : اعْزِلْهُمْ , فَجَعَلَ يَعْزِلْهُمْ ، وَجَعَلَ أَبُو مُوسَى يَقُولُ لأَصْحَابِهِ : إِنِّي لأَرْجُوَ أَنْ يَخْدَعَهُ اللَّهُ عَنْ نَفْسِهِ , فَعَزَلَهُمْ وَبَقَيَ عَدُوُّ اللهِ , فَأَمَرَ بِهِ أَبُو مُوسَى , فَنَادَى وَبَذَلَ لَهُ مَالاً كَثِيرًا , فَأَبَى وَضَرَبَ عُنُقَهُ.

 

ويبدو أن هذا ديدن المسلمين دومًا، ويقول الطبري في تاريخ الرسل والملوك بأحداث سنة ثلاثين هجرية في موضوع ذكر الخبر عن غزو سَعِيد بن الْعَاصِ طبرستان (من بلاد إيران):

 

... وَضَرَبَ يَوْمَئِذٍ سَعِيدٌ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَخَرَجَ السَّيْفُ مِنْ تَحْتِ مِرْفَقِهِ، وَحَاصَرَهُمْ، فَسَأَلُوا الأَمَانَ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى أَلا يَقْتُلَ مِنْهُمْ رَجُلا وَاحِدًا، فَفَتَحُوا الْحِصْنَ، فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا إِلا رَجُلا وَاحِدًا، وَحَوَى مَا كَانَ فِي الْحِصْنِ.

 

وهذه القصة أوردها النويريّ في كتابه نهاية الإرب في فنون الأدب ج6، كمثال على الخداع والخيانة والدهاء:

 

ويقال: إن سعيد بن العاص صالح أهل حصن من حصون فارس على ألا يقتل منهم رجلاً واحداً، فقتلهم كلهم إلا رجلاً واحداً

 

روى أحمد:

 

23726 - حدثنا الزبيري محمد بن عبد الله، حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن سلمان: أنه انتهى إلى حصن أو مدينة، فقال لأصحابه: دعوني أدعوهم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم، فقال: " إنما كنت رجلا منكم، فهداني الله للإسلام، فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أنتم أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون، فإن أبيتم نابذناكم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين، يفعل ذلك بهم ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الرابع غدا الناس إليها ففتحوها "

 

إسناده ضعيف لانقطاعه بين أبي البختري -واسمه سعيد بن فيروز- وبين سلمان، وعطاء بن السائب كان قد اختلط. وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (2470) عن جرير بن عبد الحميد، وابن أبي شيبة 12/237 و361 عن محمد بن فضيل، والترمذي (1548) من طريق أبي عوانة، ثلاثتهم عن عطاء بن السائب، بهذا الإسناد. قال الترمذي: حديث سلمان حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب. سمعت محمدا (يعني البخاري) يقول: أبو البختري لم يدرك سلمان، لأنه لم يدرك عليا، وسلمان مات قبل علي. وسيأتي برقم (23734) (23739). وانظر في هذا الباب حديث بريدة السالف برقم (22978) .

 

23739 - حدثنا علي بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، قال: حاصر سلمان الفارسي قصرا من قصور فارس، فقال له أصحابه: يا أبا عبد الله، ألا تنهد إليهم ؟ قال: لا، حتى أدعوهم كما كان يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فأتاهم فكلمهم قال: " أنا رجل فارسي وأنا منكم، والعرب يطيعوني، فاختاروا إحدى ثلاث: إما أن تسلموا، وإما أن تعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون غير محمودين، وإما أن ننابذكم فنقاتلكم "، قالوا: لا نسلم، ولا نعطي الجزية، ولكننا ننابذكم، فرجع سلمان إلى أصحابه، قالوا: ألا تنهد إليهم ؟ قال: لا . قال: " فدعاهم ثلاثة أيام فلم يقبلوا، فقاتلهم ففتحها "

 

23734 - حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، أن سلمان حاصر قصرا من قصور فارس فقال لأصحابه: دعوني حتى أفعل ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل: " فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني امرؤ منكم، وإن الله رزقني الإسلام، وقد ترون طاعة العرب، فإن أنتم أسلمتم وهاجرتم إلينا، فأنتم بمنزلتنا، يجري عليكم ما يجري علينا، وإن أنتم أسلمتم وأقمتم في دياركم فأنتم بمنزلة الأعراب، يجري لكم ما يجري لهم، ويجري عليكم ما يجري عليهم، فإن أبيتم وأقررتم بالجزية فلكم ما لأهل الجزية، وعليكم ما على أهل الجزية عرض عليهم ذلك ثلاثة أيام "، ثم قال لأصحابه: " انهدوا إليهم ففتحها "

 

إسناده ضعيف لانقطاعه. حماد: هو ابن سلمة. وأخرجه البزار في "مسنده" (2545) من طريق عفان، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو عبيد في "الأموال" (61) عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، به. وانظر (23726) .

23590 - حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ ابْنِ تِعْلَى، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَأُتِيَ بِأَرْبَعَةِ أَعْلَاجٍ مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُتِلُوا صَبْرًا بِالنَّبْلِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا أَيُّوبَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَنْهَى عَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ "

 

المرفوع منه صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف، فإن فيه -على الصواب- بين بكير بن عبد الله وبين ابن تِعْلى والدَ بكيرٍ عبدَ الله بن الأشجِّ، وهو مجهول كما سلف بيانه في الحديث السابق .

سريج: هو ابن النعمان، وابن وهب: اسمه عبد الله .

وأخرجه سعيد بن منصور (2667) ، وعنه أبو داود (2687) ، وأخرجه ابن حبان (5610) من طريق حرملة بن يحيى، كلاهما (سعيد وحرملة) عن عبد الله بن وهب، بهذا الإسناد .

وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/182 عن أحمد بن عبد الرحمن .

ابن وهب، والطبراني في "الكبير" (4002) ، ومن طريقه المزي في ترجمة عبيد بن تعلى من "تهذيب الكمال" 19/190-191، من طريق أحمد بن صالح، كلاهما عن ابن وهب، به - وذكر فيه عبدَ الله بنَ الأشج، وقرن أحمد بن عبد الرحمن بعمرو بن الحارث ابن لهيعة، وسيأتي حديثه في الرواية التالية .

 

وكان للخيانات والجبن دور كبير فروى ابن أبي شيبة:

 

34200- حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ أَبِي حُرَّةَ ، قَالَ : سُئِلَ الْحَسَنُ عَنِ الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي الْغَزْوِ ، فَيَأْخُذُونَ الْعِلْجَ فَيُسَخِّرُونَهُ يَدُلَّهُمْ عَلَى عَوْرَةِ الْعَدُوِّ ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ : قَدْ كَانَ يُفْعَلُ ذَلِكَ.

 

34201- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ جُنْدُبًا الْبَجَلِيَّ ، يَقُولُ : كُنَّا نَأْخُذُ الْعِلْجَ فَيَدُلُّنَا مِنَ الْقَرْيَةِ إِلَى الْقَرْيَةِ.

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

34484- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ حَيْثُ فُتِحَتْ نَهَاوَنْد ، أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ سَبَايَا مِنْ سَبَايَا الْيَهُودِ ، قَالَ : وَأَقْبَلَ رَأْسُ الْجَالُوتِ يُفَادِي سَبَايَا الْيَهُودِ ، قَالَ : وَأَصَابَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَارِيَةً بُسْرة صَبِيحَة ، قَالَ : فَأَتَانِي ، فَقَالَ : هَلْ لَكَ أَنْ تَمْشِيَ مَعِي إِلَى هَذَا الإِنْسَاْن عَسَى أَنْ يُثَمِّنَ لِي بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ ؟ قَالَ : فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ ، فَدَخَلَ عَلَى شَيْخٍ مُسْتَكْبِرٍ لَهُ تُرْجُمَانٌ ، فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ : سَلْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ , هَلْ وَقَعَ عَلَيْهَا هَذَا الْعَرَبِيُّ ؟ قَالَ : وَرَأَيْتُهُ غَارٌ حِينَ رَأَى حُسْنَهَا ، قَالَ : فَرَاطَنَهَا بِلِسَانِهِ فَفَهِمْتِ الَّذِي قَالَ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَثمْت بِمَا فِي كِتَابِكَ بِسُؤَالِكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ عَلَى مَا وَرَاءَ ثِيَابِهَا ، فَقَالَ لِي : كَذَبْتَ ، مَا يُدْرِيك مَا فِي كِتَابِي ؟ قُلْتُ : أَنَا أَعْلَمُ بِكِتَابِكَ مِنْك ، قَالَ : أَنْتَ أَعْلَمُ بِكِتَابِي مِنِّي ؟ قُلْتُ : أَنَا أَعْلَمُ بِكِتَابِكَ مِنْك ، قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ ، قَالَ : فَانْصَرَفْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ. ....إلخ

 

بهذه الصورة كرروا نفس منهج محمد الإرهابي في احتلال المدن بتبرير اختلاف السكان في الدين وأنه من حقهم وواجب عليهم ممارسة النهب والاحتلال وفرض الجزية والإتاوة ضدهم لأسباب دينية خرافية قائمة على الكراهية. هم خيروا المدن بين شيئين إما الإكراه على الإسلام بالسيف أو دفع الجزية والنهبة أو خوض القتال. هل تبدو لك هذه خيارات ديمقراطية رائعة؟! ربما لو أنك من الجهاديين ستكون هذه رؤيتك لاختلال القيم والمفاهيم بالتأكيد. سلمان مثال للشخص الخائن لوطنه شارك في احتلال بلده ونهبها واستعباد بعض نسائها وأطفالها، وتحطيم حضارتها وثقافتها، إنه لغير مفهوم ما معنى أن تطلب من كامل سكان مدينة الهجرة إليك، أو الانضمام لك، ولأجل ماذا؟ لامساعدتك في احتلال بلدهم؟! وللأسف فإن كثيرًا ممن احتلوا تعرضوا لغسل الأدمغة والإغراآت المادية بحيث كان بعد ذلك في جيش المسلمين شوام ومصريون وبربر ساعدوا على تكرار نفس ما حدث في دولهم. كما قيل فهؤلاء ناس لا يقرؤون التاريخ ولا يتعلمون شيئًا. طبيعة الشخصية السلفية الجهادية هي خيانة الوطن في سبيل التعاليم الدينية الخرافية ولأجل وعود وهمية دينية بجنة خرافية، فلنذكر حديث مرشد الإخوان بقوله "طز في مصر" ولا نمانع أن يحكم مصر ماليزي، ولا يجوز أن يحكمها مسيحي مصري، وغيرها من مقولات تنطوي على الخيانة وعدم الوطنية وضيق الأفق. هؤلاء باعوا الوطن لما استلموا الحكم سنة واحدة فقط لدرجة تسليم وثائق المخابرات وأمن الدولة إلى تركا وقطر وغيرهما. وكان أسلوب الفتوحات العربية والرومية والفارسية واليونانية والآشورية قبلهم كلهم وغارات دول الشمال الإسكندناﭬية على أوربا في الأغلب هو التقتيل بطرق بشعة وتعذيب المقاومين والمتمردين على الاحتلال والاجتياح بدون رحمة وذلك لتخويف وإفزاع جنود الدولة المراد احتلالها وهي سياسة اتبعها المغول من منغوليا ضد العرب والشرق لاحقًا واتبعتا الدولة العثمانية ضد المعارضين والمفكرين والمتمردين من داخل الدول الإسلامية والعربية والمسيحية المحتلة واشتهر بعض حكام العثمانيين بأساليب تعذيب رهيبة منها الوضع على الخازوق، وهي أساليب لم تجلها دول أوربا في القرون الوسطى بدورها.

 

احتلال رودس

 

رودس: جزيرة في البحر الأبيض المتوسط تبعد عن جزيرة قبرص أربعين ميلاً، افتتحت (احتلت) في خلافة معاوية، ثم انصرف عنها المسلمون في عهد يزيد بن معاوية، ثم افتتحها السلطان العثماني المسلم سليمان القانوني سنة (929 هـ) الموافق (1522 م) ، وقد تم احتلالها من الإيطاليين سنة (1912 م) وأصبحت أخيراً لليونان سنة (1947 م)

 

روى مسلم:

 

[ 968 ] وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو حدثنا بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث ح وحدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثنا بن وهب حدثني عمرو بن الحارث في رواية أبي الطاهر أن أبا علي الهمداني حدثه وفي رواية هارون أن ثمامة بن شفي حدثه قال كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها

 

 

23934 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ ثُمَامَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ، وَكَانَ عَامِلًا لِمُعَاوِيَةَ عَلَى الدَّرْبِ، فَأُصِيبَ ابْنُ عَمٍّ لَنَا فَصَلَّى عَلَيْهِ فَضَالَةُ، وَقَامَ عَلَى حُفْرَتِهِ حَتَّى وَارَاهُ، فَلَمَّا سَوَّيْنَا عَلَيْهِ حُفْرَتَهُ قَالَ: أَخِفُّوا عَنْهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " يَأْمُرُنَا بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ

 

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، محمد بن إسحاق صدوق، وقد صرَّح بسماعه فيما سيأتي برقم (23936) ، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح. محمد ابن عبيد. هو ابن أبي أُمية الطنافسي، وثمامة: هو ابن شْفَي.// وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنَّفه" 3/336-337 و341، والطبراني 18/ (809) ، والبيهقي 3/411 من طرق عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد زاد الطبراني في إسناده بين ابن إسحاق وثمامة يزيدَ بنَ أبي حبيب، وشيخه فيه أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، وهو لا بأس به، لكن خالفه أبو زرعة الدمشقي الحافظ عند البيهقي فأسقطه، وهو الصواب، على أنه قد روي عن يزيد بن أبي حبيب، عن ثمامة، رواه عنه ابن لهيعة فيما سيأتي برقم (23959) . وأخرجه مسلم (968) (92) ، وأبو داود (3219) ، والنسائي 4/88، والطبراني 18/ (811) من طريق عمرو بن الحارث، عن ثمامة بن شُفَي، به. وأخرجه الطبراني في "الكبير" 18/ (812) من طريق أبي إبراهيم السبئي، عن أبي علي الهمداني، عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَوُّوا القبور على وجه الأرض إذا دفنتُم". وأبو إبراهيم مجهول، وأبو علي الهمداني: هو ثمامة ابن شفي نفسه. وفي الباب عن علي بن أبي طالب، سلف برقم (741) .

الدَّرْب: يقال لكل مَدخلٍ إلى بلاد الروم، وقد جاء تعيينه في رواية عمرو بن الحارث عند مسلم وأبي داود بجزيرة رُودِس، وكانت هي وعامة الجزر في البحر الأبيض المتوسط بأيدي المسلمين، وهي الآن إحدى جزر الأَرخبيل اليوناني، وقد سلف الكلام عليها عند الحديث رقم (15462) . قوله: "أخِفُّوا عنه" أي: خفِّفوا عن قبره التراب ولا ترفعوه. وقوله: وكان يأمرنا بتسوية القبور، ليس المراد أن يدرس القبر بحيث يُسوَّى بالأرض، ولا يبقى له أثر، وإنما المراد أن لا يُزادَ على ما استُخرِج من الحفرة من التراب،

 

 

15462 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ الدَّارِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ، أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَنَحْنُ فِي غَزْوَةِ رُودِسَ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ عَبْسٍ...إلخ

 

هذا الأثر إسناده ضعيف، تفرد به عبيد الله بن أبي زياد: وهو القَدَّاح، وهو ممن لا يحتمل تفرده ، فقد قال أبو حاتم: ليس بالقوي ولا المتين، هو صالح الحديث، يكتب حديثه، وقال أبو داود: أحاديثه مناكير. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم، وقال العقيلي: كان يروي المراسيل، ولا يقيم الحديث، وقال ابن حبان في "المجروحين" 2/66: كان رديء الحفظ، كثير الوهم، لم يكن في الإتقان بالحال التي يقبل ما انفرد به، ولا يجوزُ الاحتجاج بأخباره إلا بما وافق الثقات، وقال ابن حجر في "التقريب": ليس بالقوي، وقد اختلف قول ابن معين والنسائي فيه، فوثقاه مرة، وضعفاه أخرى، وانفرد أحمد بقوله: ليس به بأس، وقال يحيى بن سعيد القطان: كان وسطاً، لم يكن بذاك، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. محمد بن بكر: هو البُرْساني، ومجاهد: هو ابن جبر المكي. وأخرجه ابن الأثير في "أسد الغابة" 6/342 من طريق أحمد، بهذا الإسناد.

واتبعوا سنة محمد في الاحتلال والنهب والسلب

 

روى الطبراني في المعجم الكبير ج4:

 

3533- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ : نَزَلْنَا دَابِقَ وَعَلَيْنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَبَلَغَ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ أَنَّ بَنَّهُ صَاحِبَ قُبْرُسَ خَرَجَ يُرِيدُ بِطَرِيقِ أَذْرِبِيجانَ وَمَعَهُ زُمُرُّدٌ وَيَاقُوتٌ وَلُؤْلُؤٌ وَذَهَبٌ ودِيبَاجٌ فِي خَيْلٍ فَقَتَلَهُ وَجَاءَ بِمَا مَعَهُ ، فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَهُ ، فَقَالَ حَبِيبٌ : لاَ تَحْرِمْنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ ، فَقَالَ مُعَاذٌ : يَا حَبِيبُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ.

 

وروى أحمد:

 

23499 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ قَالَ: كُنَّا فِي الْبَحْرِ وَعَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ وَمَعَنَا أَبُو قَالُوا: فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ وَلَدِهَا حَتَّى وَضَعَهُ فِي يَدِهَا، فَانْطَلَقَ صَاحِبُ الْمَقَاسِمِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ فَأَخْبَرَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحِبَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".

 

حسن بمجموع طرقه وشواهده، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة، وحيي بن عبد الله المعافري، وقد توبعا . أبو عبد الرحمن الحبلي: اسمه عبد الله بن يزيد .

وأخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص 270 عن النضر بن عبد الجبار وعثمان بن صالح، عن عبد الله بن لهيعة، بهذا الإسناد - دون القصة .

وأخرجه الترمذي (1283) و (1566) ، والطبراني في "الكبير" (4080) والدارقطني 3/67، والحاكم 2/55، والقضاعي في "مسند الشهاب" (456) ، والبيهقي 9/126 من طريق عبد الله بن وهب، عن حيي بن عبد الله المعافري، به - دون القصة . وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب .

وأخرجه الدارمي (2479) من طريق الليث بن سعد، عن عبد الرحمن بن جنادة، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، به . وعبد الرحمن بن جنادة هذا لم نتبيَّنه .

وأخرجه البيهقي في "السنن" 9/126، وفي "شعب الإيمان" (11081) من طريق بقية بن الوليد، عن خالد بن حميد، عن العلاء بن كثير، عن أبي أيوب الأنصاري، به - دون القصة . وفيه بقية وهو ضعيف يعتبر به، ثم إنه منقطع، فإن العلاء بن كثير -وهو ثقة- لم يدرك أبا أيوب .

وسيرد مختصراً برقم (23513) ، إلا أنه قيده بالبيع .

في الباب عن أبي موسى الأشعري عند ابن ماجه (2250) . وإسناده ضعيف .

وعن علي بن أبي طالب عند أبي داود (2696) ، وسنده منقطع . وانظر حديث علي في "المسند" برقم (800) .

وعن عبد الله بن مسعود، سلف برقم (3690) ، وسنده ضعيف .

وعن ضميرة بن أبي ضميرة عند البيهقي 9/126 . وسنده ضعيف جداً .

مراحم الأشرار قاسية.

 

وهذه التشريعات ثابتة من حروب محمد كغزوة بني عبس وغزوة أو سرية مينا (جبل أبي ميناء) بمصر وغيرهما.

 

حروبهم مع بيزنطة (تركيا حاليًّا) لمحاولة احتلالها

 

روى أحمد:

 

21962 - حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، أَنَّ أَبَا الْمُصَبِّحِ الْأَوْزَاعِيَّ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: بَيْنَا نَسِيرُ فِي دَرْبِ قَلَمْيَةَ إِذْ نَادَى الْأَمِيرَ مَالِكَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْخَثْعَمِيَّ، رَجُلًا يَقُودُ فَرَسَهُ فِي عِرَاضِ الْجَبَلِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَلَا تَرْكَبُ ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ "

 

إسناده صحيح، ابن جابر: هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، وأبو المُصَبِّح الأوزاعي: هو المَقْرَئي الحمصي، وأبو عبد الله المذكور في القصة: هو جابر بن عبد الله الصحابي، وهو الذي روى هذا الحديث عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومالك بن عبد الله الخثعمي ذكره البخاري في "تاريخه" في الصحابة، وتبعه ابن حبان، وقيل: لم يكن له صحبة وإنما كان من التابعين والله أعلم، وهذا الحديث قد سمعه من جابر بن عبد الله، وقد مضى في مسنده برقم (14947) من طريق أبي المُصبِّح، عنه بالمرفوع دون ذكر القصة . وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 16/ورقة 216 من طريق عبد الله ابن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في "الكبير" 19/ (661) ، وفي "مسند الشاميين" (609) و (780) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" 3/55، وابن عساكر 16/ورقة 216 من طريق الوليد بن مسلم، به . وقرن الطبراني في رواياته جميعاً بابن جابر عبدَ الله بن العلاء . وأخرجه ابن المبارك في "الجهاد" (33) عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، به . وأخرجه بنحوه الدارمي (2397) ، والطبراني 19/ (662) من طريق عبد الله ابن سليمان بن أبي زينب، وابن أبي عاصم في "الجهاد" (114) ، وفي "الآحاد والمثاني" (2777) من طريق زرعة بن عبد الله الوحاظي، وأبو يعلى في "مسنده الكبير" كما في "إتحاف الخيرة" (5963) من طريق سليمان بن موسى الدمشقي، ثلاثتهم عن مالك بن عبد الله الخثعمي، به . ووقع في رواية ابن أبي زينب وحده: أن مالك بن عبد الله مرَّ على حبيب بن مسلمة، بدل جابر . وهذا خطأ، وابن أبي زينب هذا لم نجد له ترجمة . وانظر ما بعده. وانظر أحاديث الباب عند حديث جابر المذكور .

قوله: "في درب قلمية" قال السندي: الدرب في الأصل كل مدخل إلى بلاد الروم، وقلمية، قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان": بفتح أوله وثانيه، وسكون الميم وياء خفيفة: كُورة واسعة من بلاد الروم قرب طَرَسُوس .

 

ترى هنا استماتة عجيبة في الحرص على احتلال الدول الأخرى وأذية الناس تصل إلى حد الهوس الديني.

 

احتلال قبرس

 

روى أحمد:

 

23955 - حدثنا عصام بن خالد الحضرمي، حدثنا صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد، أن فضالة بن عبيد الأنصاري كان يقول: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فجهد بالظهر جهدا شديدا، فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما بظهرهم من الجهد، فتحين بهم مضيقا فسار النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فقال: " مروا بسم الله " فمر الناس عليه بظهرهم، فجعل ينفخ بظهرهم: "اللهم احمل عليها في سبيلك، إنك تحمل على القوي والضعيف، وعلى الرطب واليابس، في البر والبحر " قال: فما بلغنا المدينة حتى جعلت تنازعنا أزمتها قال فضالة: " هذه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على القوي والضعيف، فما بال الرطب واليابس، فلما قدمنا الشام غزونا غزوة قبرس في البحر، فلما رأيت السفن في البحر وما يدخل فيها، عرفت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم".

 

حديث صحيح، وهذا إسناد قوي، عصام بن خالد صدوق لا بأس به، ومن فوقه ثقات. صفوان بن عمرو: هو ابن هرم السكسكي. وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2110) ، وابن حبان (4681) ، والطبراني في "مسند الشاميين" (971) من طريق الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو، بهذا الإسناد. وأخرجه البزار في "مسنده" (3758) ، والطبراني في "الكبير" 18/ (771) ، وفي "مسند الشاميين" (931) من طريق يحيى بن عبد الله البابلتي، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن فضالة. فخالف يحيى بن عبد الله في إسناده، وهو ضعيف.

 

وللاطلاع على حروب الفتوحات والاحتلال  وحروب التعصب الديني (الردة) يمكن للقارئ العودة إلى كتب التاريخ الإسلامي والكتابات النقدية لتاريخ الإسلام وأتعشم أن أوفرها على مكتبة إلكترونية يومًا للقراء، ومنها كتابات القرآني أحمد صبحي منصور، ويمكن مراجعة كتاب البعوث والسرايا من مصنف ابن أبي شيبة وهو متوفر بصيغة المكتبة الشاملة الخفيفة وبه الكثير التاريخ وأعمال العنف في الاحتلالات الإسلامية للدول.

 

 

الاستماتة والهوس الإرهابي في معركة احتلال اليرموك

 

روى أحمد:

 

344 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ عِيَاضًا الْأَشْعَرِيَّ ، قَالَ : شَهِدْتُ الْيَرْمُوكَ ، وَعَلَيْنَا خَمْسَةُ أُمَرَاءَ : أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَابْنُ حَسَنَةَ ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَعِيَاضٌ - وَلَيْسَ عِيَاضٌ هَذَا بِالَّذِي حَدَّثَ سِمَاكًا - قَالَ : وَقَالَ عُمَرُ : إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ . قَالَ : فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ ، وَاسْتَمْدَدْنَاهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْنَا : إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونِي ، وَإِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا وَأَحْضَرُ جُنْدًا : اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَاسْتَنْصِرُوهُ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نُصِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي أَقَلَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ ، فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا فَقَاتِلُوهُمْ، وَلا تُرَاجِعُونِي .

قَالَ : فَقَاتَلْنَاهُمْ فَهَزَمْنَاهُمْ ، وَقَتَلْنَاهُمْ أَرْبَعَ فَرَاسِخَ ، قَالَ : وَأَصَبْنَا أَمْوَالًا ، فَتَشَاوَرُوا ، فَأَشَارَ عَلَيْنَا عِيَاضٌ أَنْ نُعْطِيَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عَشْرَةً. ...إلخ

 

(1) في (ب) وعلى حاشية (س) و (ص) : " عري " . أي : بدون سرج .

والخبر إسناده حسن ، سماك - وهو ابن حرب - من رجال مسلم ، وكذا عياض وهو ابن عمرو الأشعري ، وهو مختلف في صحبته ، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين .

وأخرجه ابن أبي شيبة 13 / 34 - 35 ، وابن حبان (4766) من طريق محمد بن جعفر ، بهذا الإسناد .

قوله : " جاش إلينا الموت " ، أي : تدفّق وفاض . والعقيصة : الشعر المقصوص ، وهو نحو مِن المضفور . وتنقزان ، أي : تهتزان وتثبان من شِدة العَدْو والجري .

 

وتوجد عشرات الكتب الإسلامية والعلمانية عن حروب الفتوحات البشعة ومنها تاريخ الطبري وفتوح الشام للأزدي وفتوح الشام المنسوب للواقدي وفتح مصر المنسوب للواقدي والكامل في التاريخ لابن الأثير والمنتظم لابن الجوزي وفتح مصر ليوحنا النقيوسي ومئات الكتب من مكتبتي الإلكترونية الحاوية التي أتمنى توفيرها للناس على النت يومًا، ولابن أبي شيبة في مصنفه باب البعوث والسرايا وفيه كثير من ذكر هذه الأحداث الإرهابية وأعمال الاحتلال.

 

أسلوب تعامل العرب الفج المتعالي والمهين لعمد ورؤساء القرى الفارسية

 

روى البخاري:

 

5632 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِقَدَحِ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا عَنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ هُنَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ

 

5426 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ وَقَالَ لَوْلَا أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ

 

ورواه مسلم 2067 وأحمد 23357 و23374 و23364 و23401.

 

غزو المغرب

 

روى أحمد:

 

2522 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّا نَغْزُو أَهْلَ الْمَغْرِبِ، وَأَكْثَرُ أَسْقِيَتِهِمْ - وَرُبَّمَا قَالَ حَمَّادٌ: وَعَامَّةُ أَسْقِيَتِهِمْ - الْمَيْتَةُ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " دِبَاغُهَا طُهُورُهَا "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وأخرجه الطيالسي (2761) عن حماد بن سلمة، بهذا الإِسناد. وانظر (1895) .

 

 

نماذج لأعمال السبي والاستعباد في الفتوحات بعد موت محمد/ جزيرة جربة في تونس

 

روى أحمد:

 

(16997) 17122- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ ، مَوْلَى تُجِيبَ ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ ، قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ ، قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهَا : جَرَبَّةُ ، فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي لاَ أَقُولُ فِيكُمْ إِلاَّ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَامَ فِينَا يَوْمَ حُنَيْنٍ ، فَقَالَ : لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ ، يَعْنِي إِتْيَانَ الْحَبَالَى مِنَ السَّبَايَا ، وَأَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً ثَيِّبًا مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ، يَعْنِي إِذَا اشْتَرَاهَا ، وَأَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ ، وَأَنْ يَرْكَبَ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ ، وَأَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ.(4/108).

 

صحيح بشواهده، وهذا إسناد حسن من أجل ابن إسحاق- وهو محمد- وقد صرح بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه. وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح غير أبي مرزوق مولى تجيب، فمن رجال أبي داود وابن ماجه، وهو ثقة. وصحابيه روى له البخاري في "الأدب المفرد" وأصحاب السنن، ما خلا ابن ماجه. يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (4485) من طريق إبراهيم بن سعد، بهذا الإسناد مختصراً. وأخرجه مطولاً ومختصراً سعيد بن منصور (2722) ، وأبو داود (2159) ، وابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2194) ، والبيهقي 7/449 من طريق أبي معاوية، وأبو داود (2158) ، والبيهقي 7/449 من طريق محمد بن سلمة، والدارمي (2488) ، والطبراني في "الكبير" (4482) ، وابن أبي عاصم في  "الآحاد والمثاني" (2193) من طريق أحمد بن خالد الوهبي، والطبراني (4486) من طريق زهير بن معاوية، والبيهقي 7/449 و9/124، وابن الأثير في "أسد الغابة" 2/240 من طريق يونس بن بكير، ستتهم عن ابن إسحاق، به. وجاء في رواية أبي معاوية: "حتى يستبرئها بحيضة"، قال أبو داود: "الحيضة" ليست محفوظة. قلنا: يعني من حديث رويفع، وقال ابن التركماني: وهو صحيح من حديث أبي سعيد الخدري. قلنا: الذي سلف برقم (11228) . وجاء في رواية يونس بن بكير: "خيبر"، بدل: "حنين"، وهو وهم نبه عليه البيهقي. وأخرجه مطولاً ومختصراً ابن الجارود (731) ، والطبراني (4484) و (4489) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/251 من طرق عن جعفر بن ربيعة، عن أبي مرزوق التجيبي، به. وأخرجه ابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2195) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/251، وابنُ قانع في "معجم الصحابة" 1/217، وابن حبان (4850) ، والطبراني (4483) ، والبيهقي في "السنن" 9/62، من طريقين، عن ربيعة بن سُلَيم، عن حنش الصنعاني، به. وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 2/162، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (2198) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/129-130، والطبراني (4487) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1332) ، وابن الأثير في "أسد الغابة" 1/269 من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، وأبو نعيم (1331) من طريق سوار بن مصعب، كلاهما عن زياد المصفر، عن الحسن البصري، قال: حدثني ثابت بن رفيع، به، مختصراً. قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 2/451: ثابت بن رفيع له صحبة، روى عنه الحسن البصري، سمعت أبي يقول: هذا الرجل عندي شامي، وهو عندي رويفع بن ثابت، والحديث حديث شامي. قلنا: وذكر نحو هذا مطولاً ابن الأثير في "أسد الغابة" 1/268-269. //  وقد سلف برقم (16990) ، وسيأتي مطولا ومختصراً بالأرقام (16992) و (16993) و (16997) و (16998) و (16999) . ويشهد للنهي عن وطء الحُبْلى حديثُ ابنِ عباس السالف برقم (2318) ، وذكرنا هناك بقية أحاديث الباب التي يصح بها. ويشهد للنهي عن بيع المغنم قبل أن يُقسم حديثُ أبي هريرة السالف برقم (9017) ، وذكرنا هناك بقية أحاديث الباب. ويشهد للنهي عن لُبس الثوب من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه ردَّه فيه، وكذا ركوب الدابة ما جاء في النهى عن الغلول من أحاديث عدد من الصحابة، حيث سمى رويفع ذلك غلولاً.

 

جربة جزيرة تقع اليوم في تونس المعاصرة، أتمنى أن نتذكر كيف اكتوت كل البلدان المفتوحة المستعمرة بالفتح الإسلامي كاحتلال إجرامي استعبادي للناس.

 

23499 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ قَالَ: كُنَّا فِي الْبَحْرِ وَعَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ وَمَعَنَا أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَمَرَّ بِصَاحِبِ الْمَقَاسِمِ وَقَدْ أَقَامَ السَّبْيَ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُ هَذِهِ ؟ قَالُوا: فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ وَلَدِهَا حَتَّى وَضَعَهُ فِي يَدِهَا، فَانْطَلَقَ صَاحِبُ الْمَقَاسِمِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ فَأَخْبَرَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحِبَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "

 

حسن بمجموع طرقه وشواهده، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة، وحيي بن عبد الله المعافري، وقد توبعا . أبو عبد الرحمن الحبلي: اسمه عبد الله بن يزيد .// وأخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص 270 عن النضر بن عبد الجبار وعثمان بن صالح، عن عبد الله بن لهيعة، بهذا الإسناد - دون القصة .//وأخرجه الترمذي (1283) و (1566) ، والطبراني في "الكبير" (4080) والدارقطني 3/67، والحاكم 2/55، والقضاعي في "مسند الشهاب" (456) ، والبيهقي 9/126 من طريق عبد الله بن وهب، عن حيي بن عبد الله المعافري، به - دون القصة . وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب .// وأخرجه الدارمي (2479) من طريق الليث بن سعد، عن عبد الرحمن بن جنادة، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، به . وعبد الرحمن بن جنادة هذا لم نتبيَّنه .// وأخرجه البيهقي في "السنن" 9/126، وفي "شعب الإيمان" (11081) من طريق بقية بن الوليد، عن خالد بن حميد، عن العلاء بن كثير، عن أبي أيوب الأنصاري، به - دون القصة . وفيه بقية وهو ضعيف يعتبر به، ثم إنه منقطع، فإن العلاء بن كثير -وهو ثقة- لم يدرك أبا أيوب .// وسيرد مختصراً برقم (23513) ، إلا أنه قيده بالبيع .

 

احتلال أفغانستان ونهبها بالطريقة المحمدية البدوية

 

روى أحمد:

20619 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ كَابُلَ، فَأَصَابَ النَّاسُ غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا ، فَأَمَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، مُنَادِيًا يُنَادِي: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَنِ انْتَهَبَ نُهْبَةً فَلَيْسَ مِنَّا، فَرُدُّوا هَذِهِ الْغَنَمَ "، فَرَدُّوهَا، فَقَسَمَهَا بِالسَّوِيَّةِ

 

صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل أبي لَبيد - هو لِمازة بن زَبَّار الأزدي- وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه الدارمي (1995) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1311) من طريق وهب بن جرير، وأبو داود (2703) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/167-168 من طريق سليمان بن حرب، كلاهما عن جرير بن حازم، بهذا الإسناد.

وسيأتي برقم (20626) و (20631) .

وفي الباب عن أبي هريرة، سلف برقم (8317) ، وانظر تتمة شواهده هناك.

ونزيد عليها هنا عن عمران بن حصين، سلف برقم (19929) .

قوله: "نُهبة" بالضم، أي: الشيء المنهوب.

 

معيشتهم على النهب والإغارة على الشعوب الأخرى واحتلالها ونهب خيراتها

 

روى البخاري:


3897 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ عُدْنَا خَبَّابًا فَقَالَ هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ إِذْخِرٍ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا

 

ورواه البخاري 1276 و3913 و4047 و4082 و6432 و6448 و1274 و1275 و4045 ومسلم 940 وأحمد 21058 و21069 و21077.

 

عزل عمر خالد بن الوليد عن قيادة الجيوش ثم عن الأعمال المالية

 

روى أحمد:

 

15905 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ يَعْنِي ابْنَ مُبَارَكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ أَبُو شُجَاعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ نَاشِرَةَ بْنِ سُمَيٍّ الْيَزَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، ، يَقُولُ فِي يَوْمِ الْجَابِيَةِ، وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَنِي خَازِنًا لِهَذَا الْمَالِ، وَقَاسِمَهُ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: بَلِ اللهُ يَقْسِمُهُ، وَأَنَا بَادِئٌ بِأَهْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَشْرَفِهِمْ ، فَفَرَضَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَشْرَةَ آلَافٍ إِلَّا جُوَيْرِيَةَ، وَصَفِيَّةَ، ومَيْمُونَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَنَا، فَعَدَلَ بَيْنَهُنَّ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي بَادِئٌ بِأَصْحَابِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَإِنَّا أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا ظُلْمًا، وَعُدْوَانًا، ثُمَّ أَشْرَفِهِمْ فَفَرَضَ لِأَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْهُمْ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَلِمَنْ كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَلِمَنْ شَهِدَ أُحُدًا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، قَالَ: وَمَنْ أَسْرَعَ فِي الْهِجْرَةِ أَسْرَعَ بِهِ الْعَطَاءُ، وَمَنْ أَبْطَأَ فِي الْهِجْرَةِ أَبْطَأَ بِهِ الْعَطَاءُ، فَلَا يَلُومَنَّ رَجُلٌ إِلَّا مُنَاخَ رَاحِلَتِهِ ، وَإِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكُمْ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، إِنِّي أَمَرْتُهُ أَنْ يَحْبِسَ هَذَا الْمَالَ عَلَى ضَعَفَةِ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَعْطَاهُ ذَا الْبَأْسِ، وَذَا الشَّرَفِ، وَذَا اللَّسَانَةِ (1) ، فَنَزَعْتُهُ، وَأَمَّرْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: وَاللهِ مَا أَعْذَرْتَ يَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ، " لَقَدْ نَزَعْتَ عَامِلًا اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَمَدْتَ سَيْفًا سَلَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَضَعْتَ لِوَاءً نَصَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَلَقَدْ قَطَعْتَ الرَّحِمَ، وَحَسَدْتَ ابْنَ الْعَمِّ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّكَ قَرِيبُ الْقَرَابَةِ، حَدِيثُ السِّنِّ، مُغْضَبٌ مِنْ ابْنِ عَمِّكَ (2)

 

(1) في (ظ 12) و (ص) : اللِّسان، قال السندي: وذا اللسانة : لعله من لَسِنَ- كسمع- إذا تكلم بكلام فصيح.

(2) هذا الأثر رجاله ثقات. علي بن إسحاق: هو السُّلَمي المروزي.

وأخرجه مختصراً بذكر اعتذار عمر من عزل خالد البخاريُ في "الكنى" 9/54، والنسائي في "الكبرى" (8283) ، والدولابي في "الكنى" 1/45، والطبراني في "الكبير" 22/ (761) من طرق عن عبد الله بن المبارك، به.

وأخرجه مختصراً كذلك الطبراني في "الكبير" 22/ (760) من طريق ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، به.

وأورده مختصراً الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/349، وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه، ورجالهما ثقات.

قال السندي: قوله: أعتذر من خالد، أي: من عزله.

قوله: "ما أعذرت": على بناء الفاعل، من أعذر: إذا صار ذا عذر، أو على بناء المفعول: من أعذره إذا عذره.

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

34532- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عْن أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا أَتَى أَبُو عُبَيْدَةَ الشَّامَ حُصِرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، وَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ، أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ شِدَّةٌ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا فَرْجًا , وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ , وَكَتَبَ إِلَيْهِ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ : سَلاَمٌ ، أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ ، قَالَ : {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ ، قَالَ : فَخَرَجَ عُمَرُ بِكِتَابِ أَبِي عُبَيْدَةَ ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ , إِنَّمَا كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعَرِّضُ بِكُمْ ، وَيَحُثُّكُمْ عَلَى الْجِهَادِ.

قَالَ زَيْدٌ : قَالَ أَبِي : فَإِنِّي لَقَائِمٌ فِي السُّوقِ ، إِذْ أَقْبَلَ قَوْمٌ مُبَيَّضِينَ ، قَدْ هَبَطُوا مِنَ الثَّنِيَّةِ ، فِيهِمْ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانَ يُبَشِّرُونَ ، قَالَ : فَخَرَجْتُ أَشْتَدُّ حَتَّى دَخَلْتَ عَلَى عُمَرَ ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَبْشِرْ بِنَصْرِ اللهِ وَالْفَتْحِ ، فَقَالَ عُمَرُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، رُبَّ قَائِلٍ لَوْ كَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ.

من الناحية الدينية عمومًا من المعروف كما عرضت في (حروب محمد الإجرامية) أن عمر لم يكن يحب خالدًا إطلاقًا رغم قرابتهما الوثيقة بسبب قيام خالد في حياة محمد أكثر من مرة بقتل مسلمين رغم إعلانهم إسلامهم في حروبه، ونقدت هناك عدم إدانة محمد لخالد ومحاكمته على قتل مسلمين ناهيك عن إباحة الإسلام قتل الوثنيين وهو تشريع إرهابي إجرامي من الأساس. وكذلك قالت كتب التاريخ أن خالدًا كان أشبه الناس بعمر في الشكل والشخصية، وعندما ولاه عمر على الأموال مارس أسلوب تفضيل ومحاباة الأقارب والأثرياء، وكذلك فلعل عمر خاف من شخصية قوية ذكية كهذه ذات طموحات أن تنقلب عليه، ونلاحظ كما قلت في التشريعات الشاذة أن حتى أكثرهم اشتراكية ومساواة وهو عمر كان يقوم بأسلوب توزيعات إقطاعية وطبقية بدرجة معينة. وهذه المسألة منذ عصر محمد نفسه كما عرضت في حروب محمد الإجرامية. وخبر توزيع عمر للعطاآت ذكرته من مصنف عبد الرزاق وكتب أخرى في حروب محمد الإجرامية عند حديثي عن سبايا زوجات محمد حيث كان يريد إعطاء جويرية وصفية أقل من الباقيات ثم عدل عن ذلك وأعطى عائشة فقط أكثر منهن وساوى بينهن. وأسلوب توزيع العطاآت في دولة عمر هو مكافأة على أعمال الفتوحات والاحتلال والإرهاب، وعلى أساس تقييمات دينية عنصرية تصنف البشر طبقات وفقًا لذلك، وهو نهج دول كإيران اليوم فالمخلص أكثر للحكومة وليس للشعب والقيم الإنسانية ومصالح الشعب على الأغلب هو من سينال الترقيات.

 

وقال الطبري في تاريخه:

 

ذكر خبر عزل خالد بن الْوَلِيد

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سيف، عن أبي عثمان وأبي حارثة، قالا: فما زال خالد على قنسرين حتى غزا غزوته التي أصاب فيها، وقسم فيها ما أصاب لنفسه.

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن أبي المجالد مثله.

قالوا: وبلغ عمر أن خالدا دخل الحمام فتدلك بعد النورة بثخين عصفر معجون بخمر، فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر، وإن اللَّه قد حرم ظاهر الخمر وباطنه، كما حرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر إلا أن تغسل كما حرم شربها، فلا تمسوها أجسادكم فإنها نجس، وإن فعلتم فلا تعودوا.

فكتب إليه خالد: إنا قتلناها فعادت غسولا غير خمر فكتب إليه عمر: إني أظن آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء، فلا أماتكم اللَّه عليه! فانتهى إليه ذلك.

وفي هذه السنة- أعني سنة سبع عشرة- أدرب خالد بن الوليد وعياض ابن غنم في رواية سيف عن شيوخه ذكر من قال ذلك:

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان وأبي حارثة والمهلب، قالوا: وأدرب سنة سبع عشرة خالد وعياض، فسارا فأصابا أموالا عظيمة، وكانا توجها من الجابية، مرجع عمر إلى المدينة، وعلى حمص أبو عبيدة وخالد تحت يديه على قنسرين، وعلى دمشق يزيد بْن أبي سفيان، وعلى الأردن معاوية، وعلى فلسطين علقمة بْن مجزز، وعلى الأهراء عمرو ابن عبسة، وعلى السواحل عبد اللَّه بْن قيس، وعلى كل عمل عامل.

فقامت مسالح الشام ومصر والعراق على ذلك إلى اليوم لم تجز أمة إلى أخرى عملها بعد، إلا أن يقتحموا عليهم بعد كفر منهم، فيقدموا مسالحهم بعد ذلك، فاعتدل ذلك سنة سبع عشرة.

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سَيْفٍ، عن أبي المجالد وأبي عثمان والربيع وأبي حارثة، قالوا: ولما قفل خالد وبلغ الناس ما أصابت تلك الصائفة انتجعه رجال، فانتجع خالدا رجال من أهل الآفاق، فكان الأشعث بْن قيس ممن انتجع خالدا بقنسرين، فأجازه بعشرة آلاف.

وكان عمر لا يخفى عليه شيء في عمله، كتب إليه من العراق بخروج من خرج، ومن الشام بجائزة من أجيز فيها- فدعا البريد، وكتب معه إلى أبي عبيدة أن يقيم خالدا ويعقله بعمامته، وينزع عنه قلنسوته حتى يعلمهم من أين إجازة الأشعث، أمن ماله أم من إصابة أصابها؟ فإن زعم أنها من إصابة أصابها فقد أقر بخيانة، وإن زعم أنها من ماله فقد أسرف.

واعزله على كل حال، واضمم إليك عمله فكتب أبو عبيدة إلى خالد، فقدم عليه، ثم جمع الناس وجلس لهم على المنبر، فقام البريد فقال: يا خالد، أمن مالك أجزت بعشرة آلاف أم من إصابة؟ فلم يجبه حتى أكثر عليه، وأبو عبيدة ساكت لا يقول شيئا، فقام بلال إليه، فقال: إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا، ثم تناول قلنسوته فعقله بعمامته وقال: ما تقول! أمن مالك أم من إصابة؟ قال: لا بل من مالي، فأطلقه وأعاد قلنسوته ثم عممه بيده، ثم قال: نسمع ونطيع لولاتنا، ونفخم ونخدم موالينا قالوا: وأقام خالد متحيرا لا يدري أمعزول خرج نحو المدينة حتى قدم على عمر، فشكاه وقال: لقد شكوتك إلى المسلمين، وبالله إنك في أمري غير مجمل يا عمر، فقال عمر: من اين هذا الثراء؟

قال: من الأنفال والسهمان، ما زاد على الستين ألفا فلك فقوم عمر عروضه فخرجت إليه عشرون ألفا، فأدخلها بيت المال ثم قال: يا خالد، والله إنك علي لكريم، وإنك إلي لحبيب، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء.

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُسْتَوْرِدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ سُهَيْلٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى الأَمْصَارِ: إِنِّي لَمْ أَعْزِلْ خَالِدًا عَنْ سَخْطَةٍ وَلا خِيَانَةٍ، وَلَكِنَّ النَّاسَ فُتِنُوا بِهِ، فَخِفْتُ أَنْ يوكلوا إِلَيْهِ وَيُبْتُلُوا بِهِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الصَّانِعُ، وَأَلا يَكُونُوا بِعَرَضِ فِتْنَةٍ.

كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشر، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ خَالِدٍ عَلَى عُمَرَ قَالَ عُمَرُ مُتَمَثِّلا:

صَنَعْتَ فَلَمْ يَصْنَعْ كَصُنْعِكَ صَانِعٌ ... وَمَا يَصْنَعُ الأَقْوَامُ فَاللَّهُ يَصْنَعُ

فَأَغْرَمَهُ شَيْئًا، ثُمَّ عَوَّضَهُ، وَكَتَبَ فِيهِ إِلَى الناس بهذا الكتاب ليعذره عندهم وليبصرهم

 

.... وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَمْرِ خَالِدٍ وَعَزْلِ عُمَرَ إِيَّاهُ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّمَا نَزَعَ عُمَرُ خَالِدًا فِي كَلامٍ كَانَ خَالِدٌ تَكَلَّمَ بِهِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- وَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ عَلَيْهِ سَاخِطًا وَلأَمْرِهِ كَارِهًا فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ كُلِّهِ، لِوَقْعَتِهِ بِابْنِ نُوَيْرَةَ، وَمَا كَانَ يَعْمَلُ بِهِ فِي حَرْبِهِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ كَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عَزْلُهُ، فَقَالَ: لا يَلِي لِي عَمَلا أَبَدًا، فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: إِنْ خالد أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ فَأَنْتَ الأَمِيرُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْزَعْ عمامته عن رَأْسِهِ، وَقَاسِمْهُ مَالَهُ نِصْفَيْنِ فَلَمَّا ذَكَرَ أَبُو عبيده ذلك لخالد، قال: انظرنى استشر أُخْتِي فِي أَمْرِي، فَفَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَدَخَلَ خَالِدٌ عَلَى أُخْتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ- وَكَانَتْ عِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ- فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ:

وَاللَّهِ لا يُحِّبُكَ عُمَرُ أَبَدًا، وَمَا يُرِيدُ إِلا أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَكَ ثُمَّ يَنْزَعَكَ فَقَبَّلَ رَأْسَهَا وَقَالَ: صَدَقْتِ وَاللَّهِ! فَتَمَّ عَلَى أَمْرِهِ، وَأَبَى أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَقَامَ بِلالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: مَا أُمِرْتَ بِهِ فِي خَالِدٍ؟ قَالَ:

أُمِرْتُ أَنْ أَنْزِعَ عِمَامَتَهُ، وَأُقَاسِمَهُ مَالَهُ فَقَاسَمَهُ مَالَهُ حَتَّى بَقِيَتْ نَعْلاهُ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّ هَذَا لا يَصْلُحُ إِلا بِهَذَا، فَقَالَ خَالِدٌ: أَجَلْ، مَا أَنَا بِالَّذِي أَعْصِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ! فَأَخَذَ نَعْلا وَأَعْطَاهُ نَعْلا.

ثُمَّ قَدِمَ خَالِدٌ عَلَى عُمَرَ الْمَدِينَةَ حِينَ عَزَلَهُ.

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بْنِ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ كُلَّمَا مَرَّ بِخَالِدٍ قَالَ: يَا خَالِدُ، أَخْرِجْ مَالَ اللَّهِ مِنْ تَحْتِ اسْتِكَ، فَيَقُولُ:

وَاللَّهِ مَا عِنْدِي مِنْ مَالٍ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ عُمَرُ قَالَ لَهُ خَالِدٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا قِيمَةُ مَا أَصَبْتُ فِي سُلْطَانِكُمْ! أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ! فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ أَخَذْتُ ذَلِكَ مِنْكَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، قَالَ: هُوَ لَكَ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ ولم يكن لخالد مال إِلا عِدَّةٌ وَرَقِيقٌ، فَحُسِبَ ذَلِكَ، فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَنَاصَفَهُ عُمَرُ ذَلِكَ، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَخَذَ الْمَالَ فَقِيلَ لَهُ:

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ رَدَدْتَ عَلَى خَالِدٍ مَالَهُ! فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا تَاجِرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَاللَّهِ لا أَرُدُّهُ عَلَيْهِ أَبَدًا فَكَانَ عُمَرُ يَرَى أَنَّهُ قَدِ اشْتَفَى مِنْ خَالِدٍ حِينَ صَنَعَ بِهِ ذَلِكَ.

 

وتدل مصادة عمر لنصف مال خالد على وجود فساد مالي وإداري سلطوي في عصر عمر نفسه! وهذا طبيعي لأن المبادئ الأخلاقية الإنسانية الحقيقية لا تنقسم ولا فصام فيها، كيف تسرق من أمم خيراتها وتستعبد وتغتصب نساءها وتستعبد أطفالها وتقوم بالتقتيل ثم في نفس الوقت تكون رجلًا أمينًا؟! هذا يتطلب شخصية أصولية سلفية تتبع التعاليم الدينية بحرفية ولا تفكير  ولا شعور وبلادة شديدة. موقف خالد كان متسقًا أخلاقيًّا أو بالأصح متسقًا لا أخلاقيًّا.

 

فساد ولاة عمر

 

ذكر البلاذري في أنساب الأشراف في الجزء العاشر في ترجمته لسيرة عمر بن الخطاب:

 

[ابن الصعق يدعو عمر إلى محاسبة عماله]

الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمَّادٍ وَسُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا: قَالَ أَبُو الْمُخْتَارِ يَزِيدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الصَّعْقِ كَلِمَةً رَفَعَ فِيهَا عَلَى عُمَّالِ الأَهْوَازِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهِيَ:

أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رِسَالَةً ... فَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ فِي النَّهْيِ وَالأَمْرِ

وَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ فِينَا وَمَنْ يَكُنْ ... أَمِينًا لِرَبِّ الْعَرْشِ يَسْلَمْ لَهُ صَدْرِي

فَلا تَدَعَنْ أَهْلَ الرَّسَاتِيقِ وَالْقُرَى ... يُسِيغُونَ مَالَ اللَّهِ فِي الآدَمِ الْوَفْرِ

فَأَرْسِلْ إِلَى الْحَجَّاجِ فاعرف حسابه ... وأرسل إِلَى جزء وأرسل إِلَى بِشْرِ

وَلا تَنْسَيَنَّ النَّافِعَيْنَ كِلَيْهِمَا ... وَلا ابْنَ غَلابٍ مِنْ سَرَاةِ بَنِي نَصْرِ

وَمَا عَاصِمٌ مِنْهَا بِصِفْرٍ عِيَابُهُ (1)... وَذَاكَ الَّذِي فِي السُّوقِ مَوْلَى بَنِي بَدْرِ

وَأَرْسِلْ إِلَى النُّعْمَانِ فَاعْرِفْ حِسَابَهُ ... وَصِهْرِ بَنِي غَزْوَانَ إِنِّي لَذُو خُبْرِ

وَشِبْلا فَسَلْهُ الْمَالَ وَابْنَ مُحَرِّشٍ ... فَقَدْ كَانَ فِي أَهْلِ الرَّسَاتِيقِ ذَا ذِكْرِ

فَقَاسِمْهُمُ نَفْسِي فِدَاؤُكَ إِنَّهُمْ ... سَيَرْضَوْنَ إِنْ قَاسَمْتَهُمْ مِنْكَ بِالشَّطْرِ

وَلا تَدَعُونِي لِلشَّهَادَةِ إِنَّنِي ... أَغِيبُ وَلَكِنِّي أَرَى عجب الدهر

نؤوب إذا آبوا ونغزو إِذَا غَزَوْا ... فَأَنَّى لَهُمْ وَفْرٌ وَلَسْنَا ذَوِي وَفْرِ

 

[1] العياب جمع عيبة وهي الوعاء يكون من أدم للمتاع. اللسان.

 

فَقَاسَمَ عُمَرُ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ، فَأَخَذَ شَطْرَ أموالهم حتى أخذ نعلا وترك نَعْلا، وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَمْ أَلِ لَكَ شَيْئًا، فَقَالَ: أَخُوكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَعُشُورِ الأُبُلَّةَ فَهُوَ يُعْطِيكَ الْمَالَ تَتَّجِرُ فِيهِ، فَأَخَذَ مِنْهُ عَشْرَةَ آلافٍ، وَيُقَالُ قَاسَمَهُ فَأَخَذَ شَطْرَ مَالِهِ، قَالَ: وَالْحَجَّاجُ الَّذِي ذَكَرَهُ: الْحَجَّاجُ بْنُ عَتِيكٍ الثَّقَفِيُّ، وَكَانَ عَلَى الْفُرَاتِ، وَجُزْءُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَمُّ الأَحْنَفِ وَكَانَ عَلَى سُرَّقَ [1] ، وَبِشْرُ بْنُ الْمُحْتَفزِ، وَكَانَ على جنديسابور. وَالنَّافِعَانِ: نُفَيْعُ أَبُو بَكْرةَ، وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِث بْنِ كَلْدَةَ أَخُوهُ، وَابْنُ غَلابٍ: خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي دُهْمَانَ بْن نَصْرِ بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْرِ بْن هَوَازِنَ وَكَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِأَصْبَهَانَ، وَعَاصِمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الصَّلْتِ كَانَ عَلَى مَنَاذِرَ، وَالَّذِي فِي السُّوقِ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ كَانَ عَلَى سُوقِ الأَهْوَازِ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَضْلَةَ- وَيُقَالُ نُضَيْلَةُ- بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَرْثَانَ أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، كَانَ عَلَى كُوَرِ دِجْلَةَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ:

مَنْ مُبْلِغِ الْحَسْنَاءَ أَنَّ حَلِيلَهَا ... بِمِيسَانَ يُسْقَى مِنْ زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ

وَقَدْ كَتَبْنَا هَذَا الْخَبَر وَالشِّعْرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَخْبَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَصِهْرُ بَنِي غَزْوَانَ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّلَمِيِّ كَانَتْ عِنْدَهُ ابْنَةُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، وَكَانَ عَلَى صَدَقَاتِ الْبَصْرَةِ وَشِبْلِ بْنِ معَبْدٍ الْبَجْلِيِّ ثُمَّ الأَحْمَسِيِّ كَانَ عَلَى قَبْضِ الْمَغَانِمِ وَابْنِ مُحَرِّشٍ أَبُو مَرْيَمَ الْحَنَفِيِّ كَانَ عَلَى رَامَهُرْمُزَ، وَكَانَ جُزْءٌ عَلَى الفرات.

 

[1] سرق: من كور الأهواز. معجم البلدان.

 

وانتقد الشيعة الاثناعشرية ولهم كل الحق في هذه النقطة فعل عمر_رغم تحفظي على كثير من تجنياتهم وتحيزاتهم_، فوضعوا على لسان علي بن أبي طالب الانتقاد كالتالي كما ورد في كتاب سليم بن قيس الهلالي، الحديث أو الخبر رقم 14:

 

....لئن كان عماله خونة وكان هذا المال في أيديهم خيانة ما كان حل له تركه، وكان له أن يأخذه كله فإنه فيئ المسلمين، فما له يأخذ نصفه ويترك نصفه؟ ولئن كانوا غير خونة فما حل له أن يأخذ أموالهم ولا شيئا منهم قليلا ولا كثيرا، وإنما أخذ أنصافها. ولو كانت في أيديهم خيانة ثم لم يقروا بها ولم تقم عليهم البينة ما حل له أن يأخذ منهم قليلا ولا كثيرا وأعجب من ذلك إعادته إياهم إلى أعمالهم لئن كانوا خونة ما حل له أن يستعملهم، ولئن كانوا غير خونة ما حلت له أموالهم. أمير المؤمنين عليه السلام يتعجب من ميل الناس إلى البدع ثم أقبل علي عليه السلام على القوم فقال: العجب لقوم يرون سنة نبيهم تتبدل وتتغير شيئا شيئا وبابا بابا ثم يرضون ولا ينكرون، بل يغضبون له ويعتبون على من عاب عليه وأنكره ثم يجيئ قوم بعدنا، فيتبعون بدعته وجوره وأحداثه ويتخذون أحداثه سنة ودينا يتقربون بها إلى الله....

 

وفي الحديث رقم 13 منه:

 

عن أبان، قال سليم: كتب أبو المختار بن أبي الصعق(1) إلى عمر بن الخطاب هذه الأبيات:

ألا أبلغ أمير المؤمنين رسالة * فأنت أمين الله في المال والأمر

وأنت أمين الله فينا ومن يكن * أمينا لرب الناس يسلم له صدري

فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى * يخونون مال الله في الأدم الحمر

وأرسل إلى النعمان وابن معقل * وأرسل إلى حزم وأرسل إلى بشر

وأرسل إلى الحجاج واعلم حسابه * وذاك الذي في السوق مولى بني بدر

ولا تنسين التابعين كليهما * وصهر بني غزوان في القوم ذا وفر

وما عاصم فيها بصفر عيابه * ولا ابن غلاب من رماة بني نصر

واستل ذاك المال دون ابن محرز * وقد كان منه في الرساتيق ذا وقر (2)

فأرسل إليهم يصدقوك ويخبروا * أحاديث هذا المال من كان ذا فكر

وقاسمهم أهلي فداؤك إنهم * سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر

ولا تدعوني للشهادة إنني * أغيب ولكني أرى عجب الدهر

أرى الخيل كالجدران والبيض كالدمى(1) * وخطية (2) في عدة النمل والقطر

ومن ريطة (3) مطوية في قرابها * ومن طي أبراد مضاعفة صفر

إذ التاجر الداري جاء بفأرة * من المسك راحت في مفارقهم تجري

ننوب إذا نابوا ونغزو إذا غزوا * فإن لهم مالا وليس لنا وفر

 

فقال ابن غلاب المصري (4):

ألا أبلغ أبا المختار إني أتيته * ولم أك ذا قربى لديه ولا صهر

وما كان عندي من تراث ورثته * ولا صدقات من سبي ولا غدر

ولكن دراك الركض في كل غارة * وصبري إذا ما الموت كان ورا السمر

بسابغة يغشى اللبان فصولها (5)* أكفكفها عني بأبيض ذي وفر

قال سليم: فأغرم عمر بن الخطاب تلك السنة جميع عماله أنصاف أموالهم لشعر أبي المختار

 

(هامش)

(1). أبو المختار هو يزيد بن قيس بن يزيد. (2). قوله: بصفر عيابه، الصفر بمعنى الخالي والعياب جمع العيبة بمعنى الزنبيل من الأدم. وقوله (ابن محرز) جاء في فتوح البلاذري: ابن محرش. (*)

(1). الدمى جمع الدمية وهي الصور المزينة فيها حمرة. (2). جمع الخطي وهو الرمح المنسوب إلى الخط وهو مرفأ بالبحرين. (3). الريطة: كل ثوب يشبه الملحفة. (4). ابن غلاب هو خالد بن الحرث من بني دهمان كان على بيت المال بإصبهان. (5). السابغة كناية عن الدرع الواسعة، واللبان هو الصدر. (*)

خلاف على عجز ميزانية في عصر عمر

 

روى ابن ابي شيبة

 

31217- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ، عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : شَهِدْت عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ جَاءَ يَتَقَاضَى سَعْدًا دَرَاهِمَ أَسْلَفَهَا إيَّاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَقَالَ : رُدَّ هَذَا الْمَالَ ، فَقَالَ سَعْدُ : أَظُنُّك لاَقِيًا شَرًّا ، قَالَ : رُدَّ هَذَا الْمَالَ ، قَالَ : فَقَالَ سَعْدُ : هَلْ أَنْتَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلاَّ عَبْدٌ مِنْ هُذَيْلٍ ؟ قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللهِ : هَلْ أَنْتَ إلاَّ ابْنُ حُمَيْنَةَ ، قَالَ : فَقَالَ ابْنُ أَخِي سَعْدٌ : أَجَل ، أَنَّكُمَا لَصَاحِبَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ النَّاسُ إلَيْكُمَا ! فَرَفَعَ سَعْدُ يَدَيْهِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : وَيْحَك ، قُلْ قَوْلاً وَلاَ تَلْعَنْ ، قَالَ : فَقَالَ سَعْدٌ : أَمَ وَاللهِ أَنْ لَوْلاَ مَخَافَةُ اللهِ لَدَعَوْت عَلَيْك دَعْوَةً لاَ تُخْطِئُك ، قَالَ : فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللهِ كَمَا هُوَ.

إذا كان هذا حدث في عصر عمر الأمين على الأموال المنهوبة من أهل الأديان والشعوب الأخرى كشيخ مغيرين وناهبين أمين يوزع على المسلمين القدماء بطريقة عادلة معقولة فيها درجة ما من الطبقية الدينية، فما بالك بما حدث بعد عهده مما سنعرض لبعضه لاحقًا هنا.

 

خيانة المغيرة الجنسية وقصته معروفة في كتب التاريخ والتراجم

 

روى ابن ابي شيبة

 

31223- حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ : أَنَّ عَلِيًّا بَلَغَهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ شَيْءٌ ، فَقَالَ : لأَنْ أَخَذْته لأَتْبَعْتهُ أَحْجَارُهُ.

 

سقوط المنظومة الأخلاقية الدينية عن فرد أو أمة رغم عيوبها وعد صحتها يعني سقوط كامل المنظومة الأخلاقية الإنسانية معها كذلك بالتداخل، لأنهم أقاموا الأخلاق على أساس الخرافات فمتى ما اهتز إيمانهم بها اهتزت كامل المنظومة الهشة المبنية على أساس الوهم بدلًا من الأساس العقلاني. وكما قلت في باب (همجية التشريعات) أن الخيانة الزوجية فعل غير أخلاقي لكنه ليس جريمة بالتعريف القانوني المتمدن ولا يستوجب عقابًا مدنيًّا ولا وحشيًّا إسلاميًّا مما ورد في الأحاديث المحمدية بجنونها وهوسها، لكن قد يترتب على إثباته أخذ الزوجة لكافة حقوقها من الرجل الخائن عند الطلاق أو في حالة إثباته على الزوجة إسقاط معظم حقوقها عند الطلاق عدا نفقة الطفل والحامل وما شابه.

 

نماذج لبلاهة تطبيق تشريعات وتدخلها في حريات البشر

 

روى ابن أبي شيبة:

 

28991- حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَن حَسَّانَ بْنِ مُخَارِقٍ ، قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً سَايَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي سَفَرٍ وَكَانَ صَائِمًا ، فَلَمَّا أَفْطَرَ أَهْوَى إِلَى قِرْبَةٍ لِعُمَرَ مُعَلَّقَةٍ فِيهَا نَبِيذٌ قَدْ خَضْخَضَهَا الْبَعِيرُ ، فَشَرِبَ مِنْهَا فَسَكِرَ ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ الْحَدَّ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّمَا شَرِبْت مِنْ قِرْبَتِكَ ؟فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : إِنَّمَا جَلَدْنَاك لِسُكْرِك.

 

ومن عصر علي ذكر ابن ابي شيبة كذلك:

 

28997- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَن مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : كَانَ عَلِيٌّ يَرْزُقُ النَّاسَ الطِّلاءَ فِي دِنَانٍ صِغَارٍ ، فَسَكِرَ مِنْهُ رَجُلٌ ، فَجَلَدَهُ عَلِيٌّ ثَمَانِينَ ، قَالَ : فَشَهِدُوا عَندَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا سَكِرَ مِنَ الَّذِي رَزَقَهُمْ ، قَالَ : وَلِمَ شَرِبَ مِنْهُ حَتَّى سَكِرَ؟.

 

إعادة عمر وعثمان لتحريم الإقران والجمع بين طقسي الحج والعمرة، عكس سنة مناسك محمد وعودةً إلى النسك الوثني وهو تحريم قدماء العرب لذلك

 

روى أحمد:

 

104 - حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ ، فَقَالَ : " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ رَخَّصَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَضَى لِسَبِيلِهِ ، فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَحَصِّنُوا فُرُوجَ هَذِهِ النِّسَاءِ.

 

إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح . أبو نضرة : هو المنذر بن مالك بن قُطَعة العبدي. وأخرجه ابن أبي داود في " المصاحف " : ص 113 من طريق يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ، عن داود بن أبي هند ، بهذا الإسناد. وأخرجه بنحوه الطيالسي (1792) ، ومسلم (1217) ، وابن حبان (3940) من حديث جابر ، عن عمر .

وقوله : " رخَّص لنبيه ... " يريد أن المتعتين : متعة الحج ، ومتعة النكاح ، جوازهما في وقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مخصوصاً به للتخفيف على خلاف الأصل ، وكان مَنُوطاً بإذنه ، متى أَذن جاز ، ومتى لم يأذن لم يَجُز ، فرجع الأمر بموته إلى الأصل الذي هو عدم الجواز فيهما

 

351 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي مُوسَى : أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : رُوَيْدَكَ بِبَعْضِ فُتْيَاكَ ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدَكَ . حَتَّى لَقِيَهُ بَعْدُ ، فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ ، وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا بِهِنَّ مُعَرِّسِينَ فِي الْأَرَاكِ ، ثُمَّ يَرُوحُونَ بِالْحَجٍّ تَقْطُرُ رُؤُوسُهُمْ .

إسناده صحيح على شرط مسلم ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير إبراهيم بن أبي موسى ، فمن رجال مسلم . الحكم : هو ابن عتيبة. وأخرجه مسلم (1222) ، وابن ماجه (2979) ، والبزار (226) ، والنسائي 5 / 153 ، والبيهقي 5 / 20 من طريق محمد بن جعفر ، بهذا الإسناد .

 

342 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ . قَالَ: وَأَخْبَرَنِي هُشَيْمٌ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ عُمَرَ قَالَ : هِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي الْمُتْعَةَ - وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ يُعَرِّسُوا بِهِنَّ تَحْتَ الْأَرَاكِ ، ثُمَّ يَرُوحُوا بِهِنَّ حُجَّاجًا.

 

صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين غيرَ حجاج بن أرطاة ، فقد روى له مسلم مقروناً بغيره ، وأصحابُ السنن ، وهو مدلس وقد عنعن ، وقد خالف حجاجاً في إسناد هذا الحديث شعبةُ ، فقال : عن الحكم ، عن عمارة بن عمير ، عن إبراهيم بن أبي موسى ، عن أبيه ، عن عمر ، وسيأتي في " المسند " برقم (351) وإسناده صحيح على شرط مسلم . قال الدارقطني في " العلل " 2 / 126 : وقول شعبة هو الصواب.

 

369 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ . قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ : إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ ، وَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهَا . قَالَ : فَقَالَ لِي : عَلَى يَدِي جَرَى الْحَدِيثُ ، تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَفَّانُ : وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ - فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ خَطَبَ النَّاسَ ، فَقَالَ : إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْقُرْآنُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الرَّسُولُ ، وَإِنَّهُمَا كَانَتَا مُتْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِحْدَاهُمَا مُتْعَةُ الْحَجِّ ، وَالْأُخْرَى مُتْعَةُ النِّسَاءِ.

 

إسناده صحيح على شرط مسلم ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي نضرة - وهو المنذر بن مالك بن قُطَعة - فمن رجال مسلم . بهز : هو ابن أسد العمِّي ، وعفان:هو ابن مسلم ، وهمام : هو ابن يحيى العَوْذي. وأخرجه مسلم (1217) عن زهير بن حرب ، عن عفان ، بهذا الإسناد. وأخرجه البيهقي 7 / 206 من طريق موسى بن إسماعيل ، عن همام ، به. وأخرجه الطيالسي (1792) ، ومسلم (1217) ، وابن حبان (3940) ، والبيهقي 5 / 21 من طريق شعبة ، عن قتادة ، به . وانظر حديث جابر في " المسند " (3 / 325 الطبعة الميمنية) .

 

273 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ ، فَقَالَ : " بِمَ أَهْلَلْتَ ؟ " قُلْتُ : بِإِهْلالٍ كَإِهْلالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ ؟ " قُلْتُ : لَا . قَالَ : " طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، ثُمَّ حِلَّ " . فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَّطَتْنِي ، وَغَسَلَتْ رَأْسِي ، فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ بِإِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَإِمَارَةِ عُمَرَ ، فَإِنِّي لَقَائِمٌ فِي الْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ ، فَقُلْتُ : أَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ فُتْيَا فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ ، فَبِهِ فَاْئتَمُّوا ، فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ : مَا هَذَا الَّذِي قَدْ أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ ؟ قَالَ : إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ ، فَإِنَّ اللهَ قَالَ : {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة : 196] ، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ.

إسناده صحيح على شرط الشيخين . وأخرجه مسلم (1221) (155) ، والنسائي 5 / 154 من طريق عبد الرحمن ، بهذا الإسناد . وأخرجه البخاري (1559) عن محمد بن يوسف ، عن سفيان ، به. وأخرجه الطيالسي (67) و (516) ، والبخاري (1565) و (1724) و (1795) و (4346) و (4397) ، ومسلم (1221) (154) ، والنسائي 5 / 156 من طرق عن قيس بن مسلم ، به . وسيأتي في مسند أبي موسى الأشعري رضي الله عنه 4 / 393 الطبعة الميمنية .

 

وروى البخاريّ:

 

بَاب { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ }

4518 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْزَلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ

وروى مسلم:

 

[ 1217 ] حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة قال كان عباس يأمر بالمتعة وكان بن الزبير ينهى عنها قال فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام عمر قال إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن قد نزل منازله ف { أتموا الحج والعمرة لله } كما أمركم الله وأبتوا نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة

 

ظلم جباة وعمال وولاة عثمان

 

روى عبد الرزاق:

 

6795 - عبد الرزاق عن بن عيينة قال أخبرني محمد بن سوقه قال أخبرني أبو يعلى منذر الثوري عن محمد بن الحنفية قال جاء ناس من الناس إلى أبي فشكوا سعاة عثمان فقال أبي خذ هذا الكتاب فاذهب إلى عثمان بن عفان فقل له قال أبي ان ناسا من الناس قد جاؤوا شكوا سعاتك وهذا أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الفرائض فليأخذوا به فانطلقت بالكتاب حتى دخلت على عثمان فقلت له ان أبي أرسلني اليك وذكر أن ناسا من الناس شكوا سعاتك وهذا أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الفرائض فأمرهم فليأخذوا به فقال لا حاجة لنا في كتابك قال فرجعت إلى أبي فأخبرته فقال أبي لا عليك اردد الكتاب من حيث أخذته قال فلو كان ذاكرا عثمان بشيء لذكره يعني بسوء قال وإنما كان في الكتاب ما في حديث علي

 

وروى البخاري:

 

3111 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُنْذِرٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ لَوْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَاكِرًا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ فَقَالَ لِي عَلِيٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ أَغْنِهَا عَنَّا فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا

 

ورواه أحمد 1196

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

38862- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، قَالَ : حدثني العلاء بن المنهال قَالَ : حدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُنْذَرُ الثَّوْرِيُّ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، قَالَ : فَنَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ مِنْ عُثْمَانَ فَقَالَ : مَهْ ، فَقُلْنَا لَهُ : كَانَ أَبُوك يَسُبُّ عُثْمَانَ ، قَالَ : مَا سَبَّهُ ، وَلَوْ سَبَّهُ يَوْمًا لَسَبَّهُ يَوْمَ جِئْته وَجَاءَهُ السُّعَاةُ ، فَقَالَ : خُذْ كِتَابَ السُّعَاةِ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ ، فَأَخَذْته فَذَهَبْت بِهِ إلَيْهِ ، فَقَالَ : لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهِ ، فَجِئْت إلَيْهِ فَأَخْبَرْته ، فَقَالَ : ضَعْهُ مَوْضِعَهُ ، فَلَوْ سَبَّهُ يَوْمًا لَسَبَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ.

 

باختصار ضرب عثمان بشريعة محمد عرض الحائط وألقاها وراء ظهره. ولم يهتم بنصائح علي والناس له بالعدل وعدم الجور في الجباية من الناس.

 

فساد أبي موسى الأشعري في عصر عثمان

 

قال الطبري في تاريخه:

 

ذكر الخبر عن سبب عزل عُثْمَان أبا مُوسَى عن الْبَصْرَة

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، يَذْكُرُ أَنَّ شُعَيْبًا حَدَّثَهُ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا: لَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ أَقَرَّ أَبَا مُوسَى عَلَى الْبَصْرَةِ ثَلاثَ سِنِينَ، وَعَزَلَهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَأَمَّرَ عَلَى خُرَاسَانَ عُمَيْرَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، وَعَلَى سِجِسْتَانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ الليثى- وهو من كنانه- فَأَثْخَنَ فِيهَا إِلَى كَابُلَ، وَأَثْخَنَ عُمَيْرٌ فِي خُرَاسَانَ حَتَّى بَلَغَ فَرْغَانَةَ، فَلَمْ يَدَعْ دُونَهَا كُورَةً إِلا أَصْلَحَهَا، وَبَعَثَ إِلَى مُكْرَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْمَرٍ التَّيْمِيَّ، فَأَثْخَنَ فِيهَا حَتَّى بلغ النهر وَقَالَ آخَرُونَ: لا وَاللَّهِ لا نَعْجَلُ بِشَيْءٍ حَتَّى نَنْظُرَ مَا صَنِيعُهُ؟ فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلَهُ فِعْلُهُ فَعَلْنَا كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُنَا.

فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ خَرَجَ أَخْرَجَ ثِقَلَهُ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى أَرْبَعِينَ بَغْلا، فَتَعَلَّقُوا بِعِنَانِهِ، وَقَالُوا: احْمِلْنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْفُضُولِ، وَارْغَبْ مِنَ الرَّجْلَةِ فِيمَا رَغَّبْتَنَا فِيهِ، فَقَنَعَ الْقَوْمَ حَتَّى تَرَكُوا دَابَّتَهُ وَمَضَى، فَأَتَوْا عُثْمَانَ، فَاسْتَعْفُوهُ مِنْهُ، وَقَالُوا: مَا كُلُّ مَا نَعْلَمُ نُحِبُّ أَنْ نَقُولَهُ، فَأَبْدِلْنَا بِهِ، فَقَالَ: مَنْ تُحِبُّونَ؟ فَقَالَ غَيْلانُ بْنُ خَرَشَةَ: فِي كُلِّ أَحَدٍ عِوَضٌ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي قَدْ أَكَلَ أَرْضَنَا، وَأَحْيَا أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ فِينَا، فَلا نَنْفَكُّ مِنْ أَشْعَرِيٍّ كَانَ يُعَظِّمَ مُلْكَهُ عَنِ الأَشْعَرِينَ، وَيَسْتَصْغِرُ مَلِكَ الْبَصْرَةِ، وَإِذَا أَمَّرْتَ عَلَيْنَا صَغِيرًا كَانَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْهُ، أَوْ مُهْتَرًّا كَانَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْهُ، وَمَنْ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْهُ.

فَدَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ وَأَمَّرَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ، ...إلخ

 

أليس لي أن أعجب كما عجب فرج فودة من قبل؟! كثير من المشهورين بالزهد والتقوى الزائفة اتضح لنا أنهم مختلسون لمال الناس ونصابون!

 

اعتراض أبي ذر الغفاري على فساد عثمان وواليه معاوية ونفيه

 

روى أحمد:

 

21724 - حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامٍ، حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ، أَنَّهُ زَارَ أَبَا الدَّرْدَاءِ بِحِمْصَ، فَمَكَثَ عِنْدَهُ لَيَالِيَ، فَأَمَرَ بِحِمَارِهِ فَأُوكِفَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَا أَرَانِي إِلَّا مُتَّبِعَكَ . فَأَمَرَ بِحِمَارِهِ، فَأُسْرِجَ، فَسَارَا جَمِيعًا عَلَى حِمَارَيْهِمَا، فَلَقِيَا رَجُلًا شَهِدَ الْجُمُعَةَ بِالْأَمْسِ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بِالْجَابِيَةِ، فَعَرَفَهُمَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَعْرِفَاهُ، فَأَخْبَرَهُمَا خَبَرَ النَّاسِ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ قَالَ: وَخَبَرٌ آخَرُ كَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَكُمَا، أُرَاكُمَا تَكْرَهَانِهِ . فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: فَلَعَلَّ أَبَا ذَرٍّ نُفِيَ . قَالَ: نَعَمْ وَاللهِ . فَاسْتَرْجَعَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَصَاحِبُهُ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ، كَمَا قِيلَ لِأَصْحَابِ النَّاقَةِ، اللهُمَّ إِنْ كَذَّبُوا أَبَا ذَرٍّ، فَإِنِّي لَا أُكَذِّبُهُ اللهُمَّ وَإِنْ اتَّهَمُوهُ، فَإِنِّي لَا أَتَّهِمُهُ، اللهُمَّ وَإِنْ اسْتَغَشُّوهُ، فَإِنِّي لَا أَسْتَغِشُّهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتَمِنُهُ حِينَ لَا يَأْتَمِنُ أَحَدًا، وَيُسِرُّ إِلَيْهِ حِينَ لَا يُسِرُّ إِلَى أَحَدٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَطَعَ يَمِينِي مَا أَبْغَضْتُهُ بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ مِنْ ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ "

 

إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، والمرفوع في آخره حسن لغيره . أبو النضر: هو هاشم بن القاسم .

وأخرجه مختصراً البزار (2714) ، والحاكم 3/344 من طريق شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، بهذا الإسناد . ولم يذكر البزار في روايته المرفوع منه .

وأخرجه المصنف بنحوه في "الزهد" ص 147-148 من طريق قتادة، عن شهر بن حوشب، به . وأسقط من الإسناد عبد الرحمن بن غنم .

وانظر ما سيأتي 6/442 رقم (27493).

ويشهد للمرفوع منه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص سلف (6519) .

وانظر شواهده هناك .

قوله: فأوكف: أي: وضع عليه الوِكاف، وهو كالسَّرْج .

 

روى البخاري:

 

1404 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا  فَوَيْلٌ لَهُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ

                                                                                                                                                        
1405 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ

 

وفي الأحاديث الشهيرة الطويلة في مسند أحمد مثل 72 و4634، ومصنف عبد الرزاق في أوله، تحدد نسب معينة على عدد الأغنام والمواشي للزكاة، وعند البخاري 1454 و1448.

 

وعلى النقيض بعض الوعّاظ الزاهدين ذوي الميول الاشتراكية تمسكوا بنصها، لذلك تعرض أحدهم للنفي والتكدير وعزله عن الناس على يد عثمان لفساده هو وحاشيته وعشيرته، وهو أبو ذر الغفاري:

 

1406 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلكَ هَذَا قَالَ كُنْتُ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي {الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ مُعَاوِيَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُلْتُ نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَشْكُونِي فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ اقْدَمْ الْمَدِينَةَ فَقَدِمْتُهَا فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لِي إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ

 

وادعاؤهم أن أبا ذر اختار النفي والعيش في الصحراء بنفسه بدون إجبار باطل حتمًا ولا يصدقه طفل.

 

تحريم اكتناز الذهب والفضة والادخار عمومًا

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} التوبة

 

ما أن قام دين الإسلام كدين مؤسسي حتى حدث فيه نفس الشيء، طبيعة الدين عمومًا أنه خداع للسذج والمستغفَلين، وحصول على الأموال والخضوع منهم، العيب الذي في بعض رجال الدين المسيحي يوجد كذلك في رجال الدين الإسلامي وكل الأديان الأخرى كاليهودي والهندوسي والبودي، وقد تختلف درجات ذلك، ويظل هناك رجال دين أشرف من آخرين بالتأكيد، لكن معظم ربح ورواتب رجال الدين هي مقابل أدائهم لا شيء، مجرد ترويج خرافات وجهل وعزاآت وهمية، أما وصفهم بأنهم يصدون عن "سبيل الله" ودينه، ففي دولة متحضرة متمدنة لا يكون هناك تمييز على أساس ديني، أو تحديد دين على أنه الحق والحقيقة ودين الدولة الذي تميز أتباعه على باقي المواطنين المعتقدين بمذاهب وأديان أخرى، لأن المعتقد نفسه أيًّا كان ليس فضيلة أو مفخرة في حد ذاته، بما فيه العقلانية – الإلحاد، بل أخلاق الإنسان وقيمته الإنسانية وتساميه وتعاطفه وإحسانه للآخرين وأمانته وشرفه هي ما تعلي من شأنه وكذلك كفاءته وإخلاصه في عمله.

 

تتضمن هذه الآية كذلك تحريضًا على تمويل الإرهاب، ونهيًا للناس عن اكتناز الذهب والفضة، والتبرع بها لحروب محمد وإرهابه وشروره بدعوى أنه من باب أفعال الخير والإحسان، لم يعمل أحد من الأثرياء المعروفين عمومًا في زمنه كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان بتعاليم كهذه ولم يصيروا فقراء، ادعى البعض أن هذه آية منسوخة، لكن هذا باطل لأنها في إحدى أواخر السور التي قالها محمد، سنة 9ه، ورأى فيها البعض تناقضًا مع الآيات المحددة لنصيب معين كنسبة من أموال الأثرياء:

 

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}

 

لكن كما نعلم من كتب السيرة وتأريخ القرآن، ففرض تشريع الزكاة كان سنة 2 ه بعد موقعة بدر، قال ابن كثير في السيرة:

 

... قُلْتُ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فُرِضَتِ الزَّكَاةُ ذَاتُ النُّصُبِ: كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ.

 

.... وَفِيهَا حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، عَلَى مَا سَلَفَ.

وَفِيهَا فُرِضَ الصِّيَامُ، صِيَامُ رَمَضَانَ، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَفِيهَا فُرِضَتِ الزَّكَاةُ ذَاتُ النُّصُبِ وَفُرِضَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ.

وَفِيهَا خَضَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْيَهُودِ الَّذِينَ هُمْ بِهَا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَبَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ وَيَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ وَصَانَعُوا الْمُسْلِمِينَ، وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ مُنَافِقُونَ، مِنْهُمْ مَنَ هُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ انْحَلَّ بِالْكُلِّيَّةِ فَبَقِيَ مُذَبْذَبًا لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ.

 

وكانت أحكام محمد المتشددة المبكرة تتضمن ذلك التحريم لجمع الأموال:


2289 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْهَا فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا لَا قَالَ فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا لَا فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قِيلَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ فَهَلْ عَلَيْهِ

وروى أحمد:

 

16527 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِجِنَازَةٍ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: " هَلْ تَرَكَ شَيْئًا ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: " هَلْ تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا ؟ "، قَالُوا: لَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: " هَلْ تَرَكَ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: " هَلْ تَرَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ "، قَالُوا: ثَلَاثَ دَنَانِيرَ، قَالَ: " ثَلَاثُ كَيَّاتٍ "، قَالَ: فَأُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالَ: " هَلْ تَرَكَ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " هَلْ تَرَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو قَتَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مختصراً النسائي في "المجتبى" 4/65، وابن حبان (3264) ، وبتمامه الطبراني في "الكبير" (6291) ، والبيهقي في "السنن" 6/72 من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد. وقد سلف برقم (16510) .

 

16510 - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: " هَلْ تَرَكَ مِنْ دَيْنٍ ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: " هَلْ تَرَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِأُخْرَى فَقَالَ: " هَلْ تَرَكَ مِنْ دَيْنٍ ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: " هَلْ تَرَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، قَالَ: فَقَالَ: بِأَصَابِعِهِ ثَلَاثَ كَيَّاتٍ، قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ، فَقَالَ: " هَلْ تَرَكَ مِنْ دَيْنٍ ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " هَلْ تَرَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين كسابقه. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (6290) من طريق حاتم بن إسماعيل، عن يزيد، بهذا الإسناد. وسمى الرجل من الأنصار بأنه أبو قتادة. قلنا: سيأتي التصريح به كذلك في الرواية الآتيه برقم (16527) ، وسيأتي من حديث قتادة 5/297. وأخرجه البخاري (2295) مختصراً، والبيهقي 6/75 من طريق أبي عاصم، عن يزيد، به. إلا أن في رواية البيهقي في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أتي بجنازة ثانية: "هل ترك من دين؟" قالوا: نعم أو قالوا: لا، على الشك. وأخرجه بنحوه البخاري (2289) - ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (2153) - عن مكي بن إبراهيم، عن يزيد، به. وأخرجه البيهقي 6/72 من طريق عبد الملك بن محمد الرقاشي، عن مكي ابن إبراهيم، به، إلا أنه خالف في قوله: "هل عليه دين؟ " قالوا: لا، قال: "هل ترك شيئاً؟ " قالوا: نعم، فصلى عليه، ورواية البخاري من طريق مكي: "هل عليه دين؟" قالوا: لا، قال: "فهل ترك شيئاً؟ " قالوا: لا، فصلى عليه. وعبد الملك صدوق يخطئ، قال الدارقطني: صدوق كثير الخطأ في الأسانيد والمتون، كان يحدث من حفظه فَكثُرَتِ الأوهام في روايته.  وأخرجه بنحوه مختصراً ابن أبي شيبة 3/371، والطبراني في "الكبير" (6258) من طريق إياس بن سلمة، عن أبيه، به. وسيأتي برقم (16527) ، وانظر حديث عبد الله بن مسعود السالف برقم (3843). وفي الباب من حديث أبي هريرة، وقد سلف برقم (7899) ، وذكرنا هناك تتمة أحاديث الباب.

 

9538 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى رَجُلٍ تَرَكَ دِينَارَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيَّتَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ ".

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. أبو حازم: هو سلمان الأشجعي. وأخرجه البزار (3650 - كشف الأستار) من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة 3/372 عن عبد الله بن نمير، عن فضيل بن غزوان، به. وسيأتي برقم (10400) .

3843 - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ أَسْوَدُ فَمَاتَ، فَأُوذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " انْظُرُوا هَلْ تَرَكَ شَيْئًا ؟ " فَقَالُوا: تَرَكَ دِينَارَيْنِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيَّتَانِ ".

 

إسناده حسن من أجل عاصم بن أبي النجود، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. معاوية: هو ابن عمرو الأزدي، وزائدة: هو ابن قدامة، وزر: هو ابن حبيش. وأخرجه ابن أبي شيبة 3/372، وأبو يعلى (4997) ، من طريق أبي أسامة، عن زائدة، بهذا الإسناد. وأورده الهيثمي في "المجمع" 10/240، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وقد وثق. وسيأتي برقم (3943) ، وبنحوه برقم (3914) و (3994) و (4367) . وفي الباب عن علي تقدم برقم (788) و (1155) . وعن أبي هريرة، سيرد 2/356. وعن جابر، سيرد 3/342. وعن أبي أمامة، سيرد 5/253. وأخرجه الطيالسي (357) ، والبزار (3652) "زوائد"، وأبو يعلى (5037) و (5115) ، وابن حبان (3263) ، والبيهقي في "الشعب " (6962) من طرق عن حماد بن زيد. وأورده الهيثمي في "المجمع " 10/240، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه عاصم بن بهدلة، وقد وثقه غير واحد، وبقية رجاله رجال الصحيح.

 

3914 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ ابْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ مَاتَ، فَوُجِدَ فِي بُرْدَتِهِ دِينَارَانِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيَّتَانِ "

 

إسناده حسن من أجل عاصم بن بهدلة، وبقية رجاله ثقات: رجال الشيخين غير حماد بن سلمة، فمن رجال مسلم. وسلف بنحوه برقم (3843) ، وسيأتي برقم (3994) و (4367) . وسيرد تخريجه في الثاني منهما. تخريج 4367: وأخرجه الطيالسي (357) ، والبزار (3652) "زوائد"، وأبو يعلى (5037) و (5115) ، وابن حبان (3263) ، والبيهقي في "الشعب " (6962) من طرق عن حماد بن زيد

 

453 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الزَّبَادِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ : أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَاهُ ، فَقَالَ عُثْمَانُ : يَا كَعْبُ ، إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالًا ، فَمَا تَرَى فِيهِ ؟ فَقَالَ : إِنْ كَانَ يَصِلُ فِيهِ حَقَّ اللهِ فَلا بَأْسَ عَلَيْهِ . فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ فَضَرَبَ كَعْبًا ، وَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا أُحِبُّ لَوْ أَنَّ لِي هَذَا الْجَبَلَ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي ، أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّ أَوَاقٍ " أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ ، أَسَمِعْتَهُ - ثَلاثَ مَرَّاتٍ - ؟ قَالَ : نَعَمْ.

 

إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة ، وجهالة مالك بن عبد الله الزبادي. وهو في " فتوح مصر " ص 286 من طريق ابن لهيعة ، بهذا الإسناد . وفيه " البردادي ". وسيأتي المرفوع منه بنحوه في مسند أبي ذر 5 / 52 و160 - 161 .

 

وروى البخاري ما يشهد لقول حديث أحمد بشبه اللفظ المرويّ عن محمدٍ:

 

1407 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ جَلَسْتُ و حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ بْنُ الشِّخِّيرِ أَنَّ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى مَلَإٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ بَشِّرْ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ وَتَبِعْتُهُ وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ فَقُلْتُ لَهُ لَا أُرَى الْقَوْمَ إِلَّا قَدْ كَرِهُوا الَّذِي قُلْتَ قَالَ إِنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا  1408 - قَالَ لِي خَلِيلِي قَالَ قُلْتُ مَنْ خَلِيلُكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أُحُدًا قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ وَأَنَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ إِنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا لَا وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ

 

6957 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَيَطْلُبُهُ وَيَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ قَالَ وَاللَّهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَبَاعَهَا بِإِبِلٍ مِثْلِهَا أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بِبَقَرٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فِرَارًا مِنْ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيَالًا فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ بِسِتَّةٍ جَازَتْ عَنْهُ

 

وروى مسلم:

 

[ 992 ] وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري عن أبي العلاء عن الأحنف بن قيس قال قدمت المدينة فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه فقام عليهم فقال بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل قال فوضع القوم رؤوسهم فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا قال فأدبر واتبعته حتى جلس إلى سارية فقلت ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم قال إن هؤلاء لا يعقلون شيئا إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم دعاني فأجبته فقال أترى أحدا فنظرت ما علي من الشمس وأنا أظن أنه يبعثني في حاجة له فقلت أراه فقال ما يسرني أن لي مثله ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير ثم هؤلاء يجمعون الدنيا لا يعقلون شيئا قال قلت مالك ولإخوتك من قريش لا تعتريهم وتصيب منهم قال لا وربك لا أسألهم عن دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله

[ 992 ] وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا أبو الأشهب حدثنا خليد العصري عن الأحنف بن قيس قال كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر وهو يقول بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم وبكي من قبل أقفائهم يخرج من جباههم قال ثم تنحى فقعد قال قلت من هذا قالوا هذا أبو ذر قال فقمت إليه فقلت ما شيء سمعتك تقول قبيل قال ما قلت إلا شيئا قد سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم قال قلت ما تقول في هذا العطاء قال خذه فإن فيه اليوم معونة فإذا كان ثمنا لدينك فدعه

 

وروى أحمد:

 

8185 - وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ " قَالَ: " يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَيَطْلُبُهُ وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ " قَالَ: " وَاللهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين.ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البخاري (6957) ، والبغوي بإثر الحديث (1561) . وانظر أحمد برقم (7756) و(8933) ومسلم 988 .

 

17137 - حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْأَشْيَبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ: " كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ الشِّدَّةُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَخِّصُ فِيهِ بَعْدُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو ذَرٍّ، فَيَتَعَلَّقَ أَبُو ذَرٍّ بِالْأَمْرِ الشَّدِيدِ "

 

حديث حسن، حسن الأشيب- وهو ابن موسى، وإن روى عنه ابن لهيعة بعد الاختلاط- متابع، وباقي رجال الإسناد ثقات. عبيد الله بن المغيرة: هو ابن معيقيب السبئي. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (7166) من طريق عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، بهذا الإسناد. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/154، وقال: رواه أحمد، وفيه ابنُ لهيعة، وهو ضعيف، رواه الطبراني في "الكبير".

 

إذن ليس خطأ أبي ذر كون محمد صاحب تعاليم متناقضة متضاربة بصورة لا تقبل التوفيق بين متنافراتها.

 

21384 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِي ذَرٍّ، فَخَرَجَ عَطَاؤُهُ وَمَعَهُ جَارِيَةٌ لَهُ، فَجَعَلَتْ تَقْضِي حَوَائِجَهُ، قَالَ: فَفَضَلَ مَعَهَا سَبْعٌ، قَالَ: فَأَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ فُلُوسًا، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: لَوْ ادَّخَرْتَهُ لِلْحَاجَةٍ تَنُوبُكَ، أَوْ لِلضَّيْفِ يَنْزِلُ بِكَ. قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي عَهِدَ إِلَيَّ " أَنْ أَيُّمَا ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أُوكِيَ عَلَيْهِ، فَهُوَ جَمْرٌ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُفْرِغَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن الصامت، فمن رجال مسلم. وأخرجه البزار في "مسنده" (3926) ، والطبراني (1634) ، وأبو نعيم في "الحلية" 1/162 من طريق عفان بن مسلم، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني (1641) من طريق منصور بن زاذان، عن الحسن البصري، عن عبد الله بن الصامت، به- ولم يذكر فيه قصة. وسيأتي برقم (21561) و (21528) عن يزيد بن هارون عن همام. وسيأتي بنحوه برقم (21480) من طريق أبي مجيبٍ عن أبي ذر.  وانظر (21451) و (21470) .

قوله: "تنوبك" قال السندي: أي: تنزل بك.  "أُوكي" بلا همز في آخره، أي: ربط عليه.

 

21451 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْأَقْنَعِ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَفِرُّ النَّاسُ مِنْهُ حِينَ يَرَوْنَهُ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا أَبُو ذَرٍّ، صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: قُلْتُ: مَا يُفِرُّ النَّاسَ؟ قَالَ: "إِنِّي أَنْهَاهُمْ عَنِ الْكُنُوزِ بِالَّذِي كَانَ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

 

صحيح، وهذا إسناد محتمل للتحسين، عبد الله بن يزيد بن الأقنع روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في "ثقاته" 7/27، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. سفيان: هو الثوري. وأخرجه الحاكم 4/522 من طريق عَبْدان، عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان، بهذا الإسناد. وصحح إسناده ووافقه الذهبي في "تلخيصه" وهو تساهل منهما. وقد تحرف "عبدان" في المطبوع منه إلى: عبد الرزاق، وصححناه من "إتحاف المهرة" 14/103. وسيأتي برقم (21534) عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري. وانظر (21384) و (21425) .

 

21470 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ، حَدَّثَنَا خُلَيْدٌ الْعَصَرِيُّ، قَالَ أَبُو جُرَيٍّ: أَيْنَ لَقِيتَ خُلَيْدًا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا مَعَ أُنَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِذْ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ، حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْهُمْ قَالَ: "لِيُبَشَّرِ الْكَنَّازُونَ بِكَيٍّ مِنْ قِبَلِ ظُهُورِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ بُطُونِهِمْ، وَبِكَيٍّ مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ ". قَالَ: ثُمَّ تَنَحَّى فَقَعَدَ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبُو ذَرٍّ. قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا شَيْءٌ سَمِعْتُكَ تُنَادِي بِهِ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا إِلَّا شَيْئًا قَدْ سَمِعُوهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الْعَطَاءِ؟ قَالَ: خُذْهُ فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ مَعُونَةً، فَإِذَا كَانَ ثَمَنًا لِدِينِكَ فَدَعْهُ.

 

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، خُليدٌ العَصَري -وهو ابن عبد الله- روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى له مسلم هذا الحديث الواحد متابعةً، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. أبو الأشهب: هو جعفر بن حيَّان. وأخرجه مسلم (992) (35) ، وابن حبان (3260) من طريق شيبان بن فَرُّوخ، والبزار في "مسنده" (3901) من طريق حبان بن هلال، كلاهما عن أبي الأشهب، بهذا الإسناد. وسيأتي برقم (21485) و (21486) من طريق أبي نعامةَ عن الأحنف بن قيس. وأخرجه بنحوه البخاري (1407) ، ومسلم (992) (34) ، وابن حبان (3259) من طريق أبي العلاء بن الشخير، عن الأحنف بن قيس، به. ورواية مسلم وابن حبان مطولة، وفيها: "ما يسرني إن لي مثل أحد ذهباً أُنفقه كُلَّه إلا ثلاثة دنانير" وهذه الزيادة سلفت في "المسند" برقم (21425). وأخرجه البزار في "مسنده" (3902) من طريق أبي عقيل بشير بن عقبة الناجي، عن رجل، عن الأحنف، به. وأخرج عبد الرزاق (6865) عن معمر، عن قتادة، عن أبي ذر موقوفاً قال: بشر أصحاب الكنوز بكيٍّ في الجباه، وفي الجنوب، وفي الظهور، وقتادة لم يدرك أبا ذرّ. وانظر ما سلف برقم (21384) و (21451) .

 

21485 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَعَامَةَ، عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَأَنَا أُرِيدُ الْعَطَاءَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَجَلَسْتُ إِلَى حَلْقَةٍ مِنْ حِلَقِ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ أَسْمَالٌ لَهُ قَدْ لَفَّ ثَوْبًا عَلَى رَأْسِهِ، قَالَ: "بَشِّرِ الْكَنَّازِينَ بِكَيٍّ فِي الْجِبَاهِ، وَبِكَيٍّ فِي الظُّهُورِ، وَبِكَيٍّ فِي الْجُنُوبِ "، ثُمَّ تَنَحَّى إِلَى سَارِيَةٍ، فَصَلَّى خَلْفَهَا رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَيْءٌ سَمِعْتُكَ تُنَادِي بِهِ؟ قَالَ: "مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا شَيْئًا سَمِعُوهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". فَقُلْتُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، إِنِّي كُنْتُ آخُذُ الْعَطَاءَ مِنْ عُمَرَ، فَمَا تَرَى؟ قَالَ: خُذْهُ، فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ مَعُونَةً، وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا، فَإِذَا كَانَ دَيْنًا فَارْفُضْهُ.

 

 صحيح على شرط مسلم. أبو نعامة: هو السَّعدي، وقيل: اسمه عبد ربِّه، وقيل: عمرو.

 

21530 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ يَزِيدَ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ، حَدِيثٌ، فَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاهُ فَلَقِيتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ فَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهُ، فَقَالَ: قَدْ لَقِيتَ فَاسْأَلْ. قَالَ: قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ، وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللهُ " قَالَ: نَعَمْ، فَمَا أَخَالُنِي أَكْذِبُ عَلَى خَلِيلِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَلَاثًا يَقُولُهَا، قَالَ: قُلْتُ: مَنِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: رَجُلٌ غَزَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَلَقِيَ الْعَدُوَّ مُجَاهِدًا مُحْتَسِبًا فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4] ، وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ وَيَحْتَسِبُهُ حَتَّى يَكْفِيَهُ اللهُ إِيَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ، وَرَجُلٌ يَكُونُ مَعَ قَوْمٍ فَيَسِيرُونَ حَتَّى يَشُقَّ عَلَيْهِمُ الْكَرَى وَالنُّعَاسُ، فَيَنْزِلُونَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَيَقُومُ إِلَى وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ " قَالَ: قُلْتُ: مَنِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللهُ؟ قَالَ: "الْفَخُورُ الْمُخْتَالُ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18] ، وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ، وَالتَّاجِرُ أَوِ الْبَيَّاعُ (1) الْحَلَّافُ " قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا الْمَالُ؟ قَالَ: فِرْقٌ لَنَا وَذَوْدٌ، يَعْنِي بِالْفِرْقِ: غَنَمًا يَسِيرَةً، قَالَ: قُلْتُ: لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُ، إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنْ صَامِتِ الْمَالِ؟ قَالَ: مَا أَصْبَحَ لَا أَمْسَى، وَمَا أَمْسَى لَا أَصْبَحَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا لَكَ وَلِإِخْوَتِكَ قُرَيْشٍ؟ قَالَ: وَاللهِ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينِ اللهِ حَتَّى أَلْقَى اللهَ وَرَسُولَهُ ثَلَاثًا يَقُولُهَا (2)

 

(1) في (م) و (ر) و (ق) : والبيَّاع.

(2) إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الأسود بن شيبان، فمن رجال مسلم. يزيد شيخ المصنف: هو ابن هارون، ويزيد أبو العلاء: هو ابن عبد الله بن الشِّخِّير. وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2784) من طريق يزيد بن هارون، بهذا الإسناد، دون القطعة الأخيرة منه. وأخرجه الطيالسي (468) ، ومن طريقه ابن أبي عاصم في "الجهاد" (128) ، والبيهقي 9/160، وأخرجه البزار في "مسنده" (3908) ، والطحاوي (2784) من طريق أبي عامر العقدي، والطحاوي أيضاً (2784) ، وابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" 8/132 من طريق أبي نعيم، والطبراني في "الكبير" (1637) ، والحاكم 2/88 - 89 من طريق مسلم بن إبراهيم، أربعتهم (الطيالسي وأبو عامر وأبو نعيم ومسلم بن إبراهيم) عن الأسود بن شيبان، به. وانظر ما سلف برقم (21340) .

 

21425 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلَقَةٍ فِيهَا مَلَأٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. فَقَالَ: إِنَّ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانِي فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ " فَأَجَبْتُهُ فَقَالَ: "هَلْ تَرَى أُحُدًا؟ " فَنَظَرْتُ مَا عَلَا مِنَ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ، فَقُلْتُ: أَرَاهُ. قَالَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ الدَّنَانِيرِ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. إسماعيل: هو ابن إبراهيم المعروف بابن عليَّة، والجُريري: هو سعيد بن إياس، وأبو العلاء بن الشخير: هو يزيد بن عبد الله. وأخرجه مسلم (992) (34) ، وابن حبان (3259) من طريق إسماعيل ابن علية، بهذا الإسناد. وساقاه بتمامه. وأخرجه كذلك البخاري (1407) و (1408) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد الوارث بن سعيد، عن الجريري، به. وانظر ما سيأتي برقم (21451) و (21534) وانظر ما سلف (21322) .وقصة ملأ قريش التي لم يسق المصنف لفظها ستأتي عنده مفردة بالأرقام (21470) و (21485) و (21486) .

وبسبب أسلوب أبي ذر الغليظ نفاه عثمان ونكَّل به ما سأذكر في باب (الأحداث بعد موت محمد) لدرجة حمله على ركوبة عرية بلا سرج من الشام إلى المدينة لتعذيبه وإيلامه، ثم نفيه. الأسلوب الغليظ الشمولي الفارض لنفسه له خيف أن يتحول إلى قيادة ثورة ضد الطبقية التي ازدادت في عصر عثمان بسبب سياساته.

 

محاولة أسامة بن زيد بن حارثة نصح عثمان بترك الفساد وعدم اتباعه للنصيحة

 

روى مسلم:

 

[ 2989 ] حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وإسحاق بن إبراهيم وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قال يحيى وإسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق عن أسامة بن زيد قال قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه فقال أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه ولا أقول لأحد يكون على أميرا إنه خير الناس بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه

 

وروى البخاري:

 

7098 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ قِيلَ لِأُسَامَةَ أَلَا تُكَلِّمُ هَذَا قَالَ قَدْ كَلَّمْتُهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفْتَحُهُ وَمَا أَنَا بِالَّذِي أَقُولُ لِرَجُلٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنْتَ خَيْرٌ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا أَفْعَلُهُ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ

 

ورواه أحمد:

21784 - حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قِيلَ لِأُسَامَةَ: أَلَا تُكَلِّمُ عُثْمَانَ ؟ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنْ لَا أُكَلِّمَهُ إِلَّا سَمْعَكُمْ، إِنِّي لَأُكَلِّمُهُ (2) فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ افْتَتَحَهُ، وَاللهِ لَا أَقُولُ لِرَجُلٍ: إِنَّكَ خَيْرُ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ أَمِيرًا بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ بِهِ أَقْتَابُهُ، فَيَدُورُ بِهَا فِي النَّارِ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا لَكَ ؟ مَا أَصَابَكَ ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَقَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين . يعلى بن عبيد: هو ابن أبي أُمية الطَّنافسي، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة الكوفي .

وأخرجه أبو عوانة في الرقاق كما في "إتحاف المهرة" 1/320، والطبراني في "الكبير" (402) ، والبيهقي 10/95 من طريق يعلى بن عبيد، بهذا الإسناد .

وأخرجه الحميدي (547) ، والبخاري (3267) ، والبغوي في "شرح السنة" (4158) ، وفي "تفسيره" 1/68 من طريق سفيان بن عيينة، ومسلم (2989) ، وأبو القاسم البغوي في "مسند أسامة" (53) من طريق جرير بن حازم، والخطيب في "اقتضاء العلم العمل" (74) من طريق مُحاضر بن المورِّع، ثلاثتهم عن الأعمش، به .

وسيأتي برقم (21800) عن أبي معاوية عن الأعمش، وبرقم (21819) من طريق شعبة عن الأعمش .

وسيأتي عن عبد الصمد عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة برقم (21794) ، وعن محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور بن المعتمر برقم (21819) كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة .

قال السندي: قوله: "ألا تكلِّم عثمان؟" أي: ألا تنصحه في ترك ما يُنكر الناس عليه من الأمور؟ .   "إلا سَمْعَكم" بالنصب والمصدر، بمعنى المفعول، قيل: بل هو بتقدير وقتَ سمعكم .

"ما دون أن أفتتح" أي: ما دون أن آتي بأمرٍ يؤدِّي إلى الفتنة.  "فتندلق" أي: تخرج "به" أي: بسبب الإلقاء "أقتابُه": أمعاؤه من البطن .  "فيُطيف" من أطاف حوله، أي: يجتمعون حوله .

 

عثمان عيَّن جواسيس لنقل كلام المعارضين له إليه بأسلوب الدولة البوليسية

 

روى البخاري:

 

6056 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ

 

أخرجه ابن أبي شيبة 9/91، ومسلم (105) (170) ، وأبو داود (4871) ، وابن خزيمة في "التوحيد" 2/844، وابن منده في "الإيمان" (610) من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد .

وأخرجه مسلم (105) (170) ، وأبو عوانة (86) ، وابن منده (609) و (610) ، والبيهقي في "السنن" 8/166، وفي "الشعب" (11102) ، والبغوي (3570) من طرق عن الأعمش، به .

وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (4204) ، وفي "الصغير" (561) من طريق إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم بن يزيد النخعي، به .

ورواه أحمد من طريق همام بن الحارث بالأرقام (23305) و (23310) و (23331) و (23368) و (23420) و (23434) .

ومن طريق أبي وائل شقيق بن سلمة، عن حذيفة بالأرقام (23325) و (23359) و (23387) و (23450) .

 

وروى أحمد:

 

23368 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا يَرْفَعُ إِلَى عُثْمَانَ الْأَحَادِيثَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين . عبد الرحمن: هو ابن مهدي، وأبو نعيم: هو الفضل بن دُكين، وسفيان: هو الثوري، ومنصور: هو ابن المعتمر، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي .

وأخرجه البخاري في "صحيحه" (6056) ، وفي "الأدب المفرد" (322) ، وأبو عوانة بإثر الحديث (87) ، وابن منده في "الإيمان" (611) ، والبيهقي 10/247 من طريق أبي نعيم وحده، بهذا الإسناد .

وانظر (23247) .

 

23331 - حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ، قَالُوا: هَذَا مُبَلِّغُ الْأُمَرَاءِ قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَدْخُلُ قَتَّاتٌ الْجَنَّةَ".

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي قطن -وهو عمرو بن الهيثم بن قطن- فمن رجال مسلم . الحكم: هو ابن عتيبة، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي .

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (3021) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد .

وانظر (23247) .

 

وأسلوب الدولة البوليسية الشمولية التي تسجن من يتكلم بكلمة اعتراض كان أسلوب دولة جمال عبد الناصر بصورة جنونية متطرفة، وفي عصر محمد حسني مبارك لمن وصل إلى ما يهدد حكمه وعرشه بصورة خطيرة بما كان لديه من معلومات أو أدوات تهدد عرشه، وفي حكم الأسد وابنه بشار في سوريا، وحكم صدام في العراق ومن كانوا قبله، وحكم كل دول الخليج تقريبًا، وهو أسلوب اتبعته كل الحكومات الإسلامية الشمولية منذ القدم، ويبدو أن بعضها فقط صار لديها درجات من حرية الكلام والتعبير منها مصر ولبنان ودول المغرب العربي.

 

رفض عبد الله بن عمر بن الخطاب تولي منصب قاضٍ في حكم عثمان بن عفان

 

روى أحمد:

 

475 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو سِنَانٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَوْهَبٍ: أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ : اقْضِ بَيْنَ النَّاسِ . فَقَالَ : لَا أَقْضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ ، وَلا أَؤُمُّ رَجُلَيْنِ ، أَمَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " مَنْ عَاذَ بِاللهِ فَقَدْ عَاذَ بِمَعَاذٍ ؟ " قَالَ عُثْمَانُ : بَلَى . قَالَ : فَإِنِّي أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تَسْتَعْمِلَنِي . فَأَعْفَاهُ ، وَقَالَ : لَا تُخْبِرْ بِهَذَا أَحَدًا.

 

حسن لغيره ، وهذا إسناد ضعيف ، أبو سنان - واسمه عيسى بن سنان القسملي - ضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي وغيرهم ، وقال أبو حاتم : ليس بقوي في الحديث ، ويزيد بن موهب قال الحافظ في " تعجيل المنفعة " ص 454 : هو يزيد بن عبد الله بن موهب نسب لجده ، ولم يترجم له فيه ولا في " التهذيب " ، وقد ترجم له البخاري في " تاريخه " 8 / 345 ، فقال : يزيد بن عبد الله بن موهب قاضي أهل الشام ، سمع منه رجاء بن أبي سلمة ، وأبو سنان عيسى ، وقال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 9 / 276 : يزيد بن عبد الله بن موهب القاضي الشامي روى عن أبيه ، روى عنه رجاء بن أبي سلمة ، وأبو سنان عيسى بن سنان وابنه خالد بن يزيد سمعت أبي يقول ذلك ، وذكره ابن حبان في " الثقات " 7 / 621 .

وأخرجه ابن سعد 4 / 146 ، عن عفان ، بهذا الإسناد .

وله طريق آخر عند ابن حبان (5056) بسند حسن في الشواهد .

وقوله : " بمَعَاذ " ، قال السندي : أي : عظيم يجب مراعاته بدَفْع ما استعاذ منه عنه .

 

وروى ابن حبان:

 

5056 - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي جَمِيلَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: اذهب فكن قاضيا. قال: أوتعفيني يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: اذْهَبْ فَاقْضِ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ: تُعْفِيَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا ذَهَبْتَ فَقَضَيْتَ. قَالَ: لَا تَعْجَلْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ عَاذَ بِاللَّهِ فَقَدْ عَاذَ مَعَاذًا" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ قَاضِيًا. قَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ يَقْضِي قَالَ: لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ كَانَ قَاضِيًا، فَقَضَى بِالْجَهْلِ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَمَنْ كَانَ قَاضِيًا، فَقَضَى بِالْجَوْرِ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَمَنْ كَانَ قَاضِيًا عَالِمًا يَقْضِي بِحَقٍّ أَوْ بِعَدْلٍ، سَأَلَ التَّفَلُّتَ كَفَافًا" فما أرجو منه بعد ذا؟

 

إسناده ضعيف. عبد الملك بن أبي جميلة: لَمْ يُوَثِّقْهُ غير المؤلِّف 7/103، ولم يَروِ عنه غير معتمر بن سليمان، وقال حاتم: مجهول، وباقي رجاله ثقات. وعبد الله بن وهب: كذا وقع في الأصل "التقاسيم" 2/238 "وهب" بالواو، وقال في آخره: ابْنُ وَهْبٍ هَذَا: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وهب بن زمعة بْنِ الْأَسْوَدِ الْقُرَشِيُّ مِنَ الْمَدِينَةِ، رَوَى عَنْهُ الزهريز قلت: هو ثقة، روى له الترمذي وابن ماجه.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" "13319" عن إبراهيم بن هاشم البغوي، عن أمية بن بسطام، بهذا الإسناد. وقال في آخره: عبد الله بن وهب هذا: هو عندي عبد الله بن وهب بن زمعة، والله اعلم.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" ورقة 268/1 عن شيبان، عن معتمر بن سليمان به.

وأخرجه الترمذي "1322" في أول الأحاكم: باب ماجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن محمد بن بن عبد الأعلى، عن معتمر بن سليمان إلا أنه قال: عن عبد الله بن وهب، قلت: وعبد الله بن موهب هو الشامي، قاضي فلسطين لعمر بن عبد الله عبد العزيز، هوثقة من رجال السته، وقال الترمذي: حديث ابن عمر حديث غريب وليس إسناده عندي بمتصل، وذكره الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/131 - 132 مطولاً وقال: رواه أبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه"، والترمذي باختصار، ثم حكى رأي الترمذي في أنه ليس بمتصل الإسناد، وقال: وهو كما قال فإن عبد الله بن موهب لم يسمع من عثمان.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 4/193 مطولاً وقال: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"،وأحمد، كلاهما باختصار، ورجاله ثقات.

وأخرجه أحمد 1/66 عن عفان عن حماد بن سلمة، عن أبي سنان، عن يزيد بن موهب أن عثمان قال: لابن عمر: اقضي بين الناس، فقال: لا أقضي بين اثنين ولا أوم رجلين، أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ" قال عثمان: بلى, قال: فإني أعوذ بالله أن تستعملني فأعفاه، وقال: لا تخبر بهذا أحداً. وذكره الهيثمي في "المجمع" 5/200 ونسبه لأحمد، وقال: يزيد لم أعرفه.

 

محبة عثمان للمدح كمعظم ملوك العرب

 

روى مسلم:

 

[ 3002 ] وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث أن رجلا جعل يمدح عثمان فعمد المقداد فجثا على ركبتيه وكان رجلا ضخما فجعل يحثو في وجهه الحصباء فقال له عثمان ما شأنك فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب

 

[ 3002 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى جميعا عن بن مهدي واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن حبيب عن مجاهد عن أبي معمر قال قام رجل يثنى على أمير من الأمراء فجعل المقداد يحثي عليه التراب وقال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثي في وجوه المداحين التراب

 

روى أحمد:

 

23823 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، قَالَ: جَعَلَ رَجُلُ يَمْدَحُ عَامِلًا لِعُثْمَانَ فَعَمَدَ الْمِقْدَادُ فَجَعَلَ يَحْثُو التُّرَابَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا هَذَا ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ "

 

حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ميمون بن أبي شبيب، فقد روى له مسلم في المقدمة، والبخاري في "الأدب المفرد" وأصحاب السنن، وهو صدوق كثير الإرسال عن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويغلب على الظن أنه لم يدرك عثمان ولم يحضر هذه القصة، لكنه متابَعٌ.

وأخرجه الطيالسي (1159) ، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (149) ، والطبراني 20/ (574) ، وأبو نعيم 4/377، وأبو محمد البغوي في "شرح السنة" (3573) من طرق عن شعبة، بهذا الإسناد.

وسيأتي من طرق أخرى غير طريق ميمون بن أبي شبيب بالأرقام (23824) و (23826) و (23827) و (23828) و (23830) .

وله شاهد من حديث ابن عمر، سلف برقم (5684) .

 

لا يزال كثير من ملوك العرب محبين للمديح المغالى فيه، خاصة ملوك دول الخليج العربي والأردن بطباعهم وتقاليدهم البدوية القديمة، وبدرجة كبيرة كان كذلك حكم صدام ومن قبله في العراق، وبدرجات مختلفة غير فجة في الأغلب في كثير من الدول الإسلامية والعربية، ولا شك كان حكام كمحمد حسني مبارك محبين للتمجيد والمديح لكن لاختلاف ثقافة ووعي الشعب المصري كمثال عن شعوب الخليج لم يكن يناسب أن يظهر ذلك بفجاجة.

 

فساد المنظومة الأخلاقية الدينية لبعض ولاة عثمان

 

روى أحمد:

 

1230 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ، عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ وَعْلَةَ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ أَرْبَعًا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَزِيدُكُمْ ؟ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُجْلَدَ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ . قَالَ: وَفِيمَ أَنْتَ وَذَاكَ ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: " بَلْ عَجَزْتَ وَوَهَنْتَ، قُمْ، يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَاجْلِدْهُ " فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ فَجَلَدَهُ، وَعَلِيٌّ يَعُدُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ قَالَ لَهُ: أَمْسِكْ، ثُمَّ قَالَ: " ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ، وَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ صَدْرًا مِنْ خِلافَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم. وانظر (624) .

 

624 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ، عَنْ حُضَيْنٍ أَبِي سَاسَانَ الرَّقَاشِيِّ، قَالَ: إِنَّهُ قَدِمَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْوَلِيدِ - أَيْ بِشُرْبِهِ الْخَمْرَ - فَكَلَّمَهُ عَلِيٌّ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: دُونَكَ ابْنَ عَمِّكَ، فَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ . فَقَالَ: يَا حَسَنُ، قُمْ فَاجْلِدْهُ . قَالَ: مَا أَنْتَ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ، وَلِّ هَذَا غَيْرَكَ . قَالَ: بَلْ ضَعُفْتَ وَوَهَنْتَ وَعَجَزْتَ، قُمْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ . فَجَعَلَ عَبْدُ اللهِ يَضْرِبُهُ، وَيَعُدُّ عَلِيٌّ، حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ قَالَ: " أَمْسِكْ - أَوْ قَالَ: كُفَّ - جَلَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَكَمَّلَهَا عُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ"

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حضين- وهو ابن المنذر بن الحارث الرقاشي- فمن رجال مسلم. عبد الله الداناج: هو عبد الله بن فيروز، والداناج: هو العالم بالفارسية.

وأخرجه مسلم (1707) (38) ، وأبو داود (4481) ، وابن ماجه (2571) ، وأبو يعلى

(598) من طريق إسماعيل بن عُلية، بهذا الإسناد.

وأخرجه عبد الرزاق (13545) ، والنسائي في "الكبرى" (5269) من طريقين عن سعيد بن أبي عروبة، به.

وأخرجه الطيالسي (173) ، والدارمي (2312) ، ومسلم (1707) (38) ، وأبو داود (4480) ، وابن ماجه (2571) ، والنسائي في "الكبرى" (5270) ، وأبو يعلى (504) من طريق عبد العزيز بن المختار، عن عبد اللهُ الداناج، به. وسيأتي برقم (1184) و (1230) .

قوله: "وكل سنة"، قال النووي في "شرح مسلم" 11/216: معناه أن فِعْلَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر سنة يُعمل بها، وكذا فِعل عمر، ولكن فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر أحبُّ إليَّ (كما في رواية لمسلم) .

المنظومة الأخلاقية الدينية تختلف عن منظومة الأخلاق الإنسانية الحقيقية والصحيحة، لكن انهيار جزء منها يعني في الغالب انهيار كامل تلك المنظومة الدينية حتى بما فيها من جوانب إنسانية وقيم علمانية أخلاقية عامة.

 

أول سبب للثورة على عثمان تعيينه للأقارب

 

روى عبد الرزاق:

 

9770 - عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ما هاجر وجاء الذين كانوا بأرض الحبشة بعث بعثين قبل الشام إلى كلب وبلقين وغسان وكفار العرب الذين في مشارف الشام فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم على أحد البعثين ابا عبيدة بن الجراح وهو أحد بني فهر وأمر على البعث الآخر عمرو بن العاص فانتدب في بعث أبي عبيدة أبو بكر وعمر فلما كان عند خروج البعثين دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص فقال لهما لاتعاصيا فلما فصلا عن المدينة جاء أبو عبيدة فقال لعمرو بن العاص إن رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد إلينا أن لا نتعاصيا فإما أن تطيعني وإما أن أطيعك فقال عمرو بن العاص بل أطعني فأطاعه أبو عبيدة فكان عمرو أمير البعثين كليهما فوجد من ذلك عمر بن الخطاب وجدا شديدا فكلم أبا عبيدة فقال أتطيع بن النابغة وتؤمره على نفسك وعلى أبي بكر وعلينا ما هذا الرأي فقال أبو عبيدة لعمر بن الخطاب بن أم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد إلي وإليه أن لا نتعاصيا فخشيت إن لم أطعه أن أعصي رسول الله صلى الله عليه و سلم وشكى إليه ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أنا بمؤمريها عليكم إلا بعدكم يريد المهاجرين وكانت تلك الغزوة تسمى ذات السلاسل أسر فيها ناس كثير من العرب وسبوا ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك أسامة بن زيد وهو غلام شاب فانتدب في بعثه عمر بن الخطاب والزبير بن العوام فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يصل ذلك البعث فأنفذه أبو بكر الصديق بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم بعث أبو بكر حين ولي الأمر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث أمراء إلى الشام وأمر خالد بن سعيد على جند وأمر عمرو بن العاص على جند وأمر شرحبيل بن حسنة على جند وبعث خالد بن الوليد على جند قبل العراق ثم إن عمر كلم أبا بكر فلم يزل يكلمه حتى أمر يزيد بن أبي سفيان على خالد بن سعيد وجنده وذلك من موجدة وجدها عمر بن الخطاب على خالد بن سعيد حين قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فلقي علي بن أبي طالب خالد بن سعيد فقال أغلبتم يا بني عبد مناف على أمركم فلم يحملها عليه أبو بكر وحملها عليه عمر فقال عمر فإنك لتترك إمرته على الثعالب فلما استعمله أبو بكر ذكر ذلك فكلم ابا بكر فاستعمل مكانه يزيد بن أبي سفيان فأدركه يزيد أميرا بعد أن وصل الشام بذي المروة وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد فأمره بالمسير إلى الشام بجنده ففعل فكانت الشام على أربعة أمراء حتى توفي ابو بكر فلما استخلف عمر نزع خالد بن الوليد وأمر مكانه أبا عبيدة بن الجراح ثم قدم الجابية فنزع شرحبيل بن حسنة وأمر جنده أن يتفرقوا في الامراء الثلاثة فقال شرجبيل بن حسنة يا أمير المؤمنين أعجزت أم خنت قال لم تعجز ولم تخن قال ففيم عزلتني قال تحرجت أن أؤمرك وأنا أجد أقوى منك قال فاعذرني يا أمير المؤمنين قال سأفعل ولو علمت غير ذلك لم أفعل قال فقام عمر فعذره ثم أمر عمرو بن العاص بالمسير إلى مصر وبقي الشام على أميرين أبي عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان ثم توفي أبو عبيدة بن الجراح فاستخلف خالدا وبن عمه عياض بن غنم فأقره عمر فقيل لعمر كيف تقر عياض بن غنم وهو رجل جواد لا يمنع شيئا يسئله وقد نزعت خالد بن الوليد في أن كان يعطي دونك فقال عمر إن هذه شيمة عياض في ماله حتى يخلص إلى ماله وإني مع ذلك لم أكن لأغير أمرا قضاه أبو عبيدة بن الجراح قال ثم توفي يزيد بن أبي سفيان فأمر مكانه معاوية فنعاه عمر إلى أبي سفيان فقال احتسب يزيد يا أبا سفيان قال يرحمه الله فمن أمرت مكانه قال معاوية قال وصلتك رحم قال ثم توفي عياض بن غنم فأمر مكانه عمير بن سعد الآنصاري فكانت الشام على معاوية وعمير حتى قتل عمير فاستخلف عثمان بن عفان فعزل عميرا وترك الشام لمعاوية ونزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر مكانه سعد بن أبي وقاص ونزع عمرو بن العاص عن مصر وأمر مكانه عبد الله بن سعد بن أبي سرح ونزع أبا موسى الأشعري وأمر مكانه عبد الله بن عامر بن كريز ثم نزع سعد بن أبي وقاص من الكوفة وأمر الوليد بن عقبة ثم شهد على الوليد فجلده ونزعه وأمر سعيد بن العاص مكانه ثم قال الناس ونشبوا في الفتنة فحج سعيد بن العاص ثم قفل من حجه فلقيه خيل العراق فرجعوه من العذيب وأخرج أهل مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح وأقر أهل البصرة عبد الله بن عامر بن كريز فكان كذلك أول الفتنة حتى اذا قتل عثمان رحمه الله بايع الناس على بن ابي طالب فأرسل إلى طلحة والزبير إن شئتما فبايعاني وإن شئتما بايعت احدكما قالا بل نبايعك ثم هربا إلى مكة وبمكة عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم بما يتكلما به فأعانتهما على رأيهما فأطاعهم ناس كثير من قريش فخرجوا قبل البصرة يطلبون بدم بن عفان وخرج معهم عبد الرحمن بن أبي بكر وخرج معهم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وعبد الله بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم في أناس من قريش كلموا أهل البصرة وحدثوهم أن عثمان قتل مظلوما وأنهم جاؤوا تائبين مما كانوا غلوا به في أمر عثمان فأطاعهم عامة أهل البصرة واعتزل الأحنف من تميم وخرج عبد القيس إلى علي بن أبي طالب بعامة من أطاعه وركبت عائشة جملا لها يقال له عسكر وهي في هودج قد ألبسته الدفوف يعني جلود البقر فقالت إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني قالت ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدا قالت فلم يسمع الناس كلامي ولم يلتفتوا إلى وكان القتال فقتل يومئذ سبعون من قريش كلهم يأخذ بخطام جمل عائشة حتى يقتل ثم حملوا الهودج حتى أدخلوه منزلا من تلك المنازل وجرح مروان جراحا شديدة وقتل طلحة بن عبيد الله يومئذ وقتل الزبير بعد ذلك بوادي السباع وقفلت عائشة ومروان بمن بقي من قريش فقدموا المدينة وانطلقت عائشة فقدمت مكة فكان مروان والأسود بن أبي البختري على المدينة واهلها يغلبان عليها وهاجت الحرب بين علي ومعاوية فكانت بعوثهما تقدم المدينة وتقدم مكة للحج فأيهما سبق فهو أمير الموسم أيام الحج للناس ثم أنها أرسلت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم إلى أم سلمة قالت أحداهما للأخرى تعال نكتب إلى معاوية وعلي أن يعتقا من هذه البعوث التي تروع الناس حتى تجتمع الأمة على أحدهما فقالت أم حبيبة كفيتك أخي معاوية وقالت أم سلمة كفيتك عليا فكتبت كل واحدة منهما إلى صاحبها وبعثت وفدا من قريش والأنصار فأما معاوية فأطاع أم حبيبة وأما علي فهم أن يطيع أم سلمة فنهاه الحسن بن علي عن ذلك فلم يزل بعوثهما وعمالهما يختلفون إلى المدينة ومكه حتى قتل علي رحمة الله تعالى ثم اجتمع الناس على معاوية ومروان وبن البختري يغلبان على أهل المدينة في تلك الفتنة وكانت مصر في سلطان علي بن ابي طالب فأمر عليها قيس بن سعد بن عبادة الانصاري وكانت حامل راية الانصار مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر وغيره سعد بن عبادة وكان قيس من ذوي الرأي من الناس إلا ما غلب عليه من أمر الفتنة فكان معاوية وعمرو بن العاص جاهدين على إخراجه من مصر ويغلبان على مصر وكان قد امتنع منهما بالدهاء والمكيدة فلم يقدرا على أن يفتحا مصر حتى كاد معاوية قيس بن سعد من قبل علي قال فكان معاوية يحدث رجالا من ذوي الرأي من قريش فيقول ما ابتدعت من مكيدة قط أعجب عندي من مكيدة كايدت بها قيس بن سعد من قبل على وهو بالعراق حين امتنع مني قيس فقلت لاهل الشام لا تسبوا قيسا ولا تدعوني إلى غزوه فإن قيسا لنا شيعة تأتينا كتبه ونصيحته ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من أهل خربتا يجري عليهم أعطيتهم وأرزاقهم ويؤمن سربهم ويحسن إلى كل راغب قدم عليه فلا نستنكره في نصيحته قال معاوية وطفقت أكتب بذلك إلى شيعتي من أهل العراق فسمع بذلك من جواسيس علي الذين هدى من أهل العراق فلما بلغ ذلك عليا ونماه إليه عبد الله بن جعفر ومحمد بن أبي بكر الصديق اتهم قيس بن سعد وكتب إليه يأمره بقتال أهل خربتا وأهل خربتا يومئذ عشرة آلاف فأبى قيس أن يقاتلهم وكتب إلى علي أنهم وجوه أهل مصر وأشرافهم وذوي الحفاظ منهم وقد رضوا مني بأن أؤمن سربهم وأجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم وقد علمت أن هواهم مع معاوية فلست مكايدهم بأمر أهون علي وعليك من أن نفعل ذلك بهم اليوم ولو دعوتهم إلى قتالي كانوا قرناهم أسوادان لعرب وفيهم بسر بن أرطأة ومسلمة بن مخلد ومعاوية بن خديج الخولاني فذرني ورأيي فيهم وأنا أعلم بما أداري منهم فأبى عليه علي إلا قتالهم فأبى قيس أن يقاتلهم وكتب قيس ألى علي إن كنت تتهمني فاعتزلني عن عملك وأرسل إليه غيري فأرسل الاشتر أميرا على مصر حتى إذا بلغ القلزم شرب بالقلزم شربة من عسل فكان فيها حتفه فبلغ ذلك معاوية وعمرو بن العاص فقال عمرو بن العاص إن لله جنودا من عسل فلما بلغت عليا وفاة الأشتر بعث محمد بن أبي بكر أميرا على مصر فلما حدث به قيس بن سعد قادما أميرا عليه تلقاه فخلا به وناجاه وقال إنك قد جئت من عند امرئ لاراي له في الحرب وإنه ليس عزلكم إياي بمانعي أن أنصح لكم وإني من أمركم على بصيرة وإني أدلك على الذي كنت أكايد به معاوية وعمرو بن العاص وأهل خربتا فكايدهم به فإنك إن كايدتهم بغيره تهلك فوصف له قيس المكايدة التي كايدهم بها فاغتشه محمد بن أبي بكر وخالفه في كل شيء أمره به فلما قدم محمد بن أبي بكر مصر خرج قيس قبل المدينة فأخافه مروان والأسود بن أبي البختري حتى إذا خاف أن يؤخذ ويقتل ركب راحلته فظهر إلى علي فكتب معاوية إلى مروان والأسود بن أبي البختري يتغيظ عليهما ويقول أمددتما عليا بقيس بن سعد وبرأيه ومكايدته فوالله لو أمددتماه بثمانية آلاف مقاتل ما كان ذلك بأغيظ لي من إخراجكما قيس بن سعد إلى علي فقدم قيس بن سعد إلى علي فلما بانه الحديث وجاءهم قتل محمد بن أبي بكر عرف علي أن قيس بن سعد كان يداري منهم أمورا عظاما من المكايدة التي قصر عنها رأي علي ورأي من كان يآزره على عزل قيس فأطاع علي قيسا في الأمر كله وجعله على مقدمة أهل العراق ومن كان بأذربيجان وارضها وعلى شرطة الخمسين الذين انتدبوا للموت وبايع أربعون الفا كانوا بايعوا عليا على الموت فلم يزل قيس بن سعد يسد ذلك الثغر حتى قتل علي واستخلف أهل العراق الحسن بن علي على الخلافة وكان الحسن لا يريد القتال ولكنه كان يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم يدخل في الجماعة ويبايع فعرف الحسن أن قيس بن سعد لايوافقه على ذلك فنزعه وأمر مكانه عبيد الله بن العباس فلما عرف عبيد الله بن العباس الذي يريد الحسن أن يأخذ لنفسه كتب عبيد الله إلى معاوية يسأله الآمان ويشترط لنفسه على الاموال التي اصاب فشرط ذلك معاوية له وبعث إليه بن عامر في خيل عظيمة فخرج إليهم عبيد الله ليلا حتى لحق بهم وترك جنده الذين هو عليهم لا أمير لهم ومعهم قيس بن سعد فأمرت شرطة الخمسين قيس بن سعد وتعاهدوا وتعاقدوا على قتال معاوية وعمرو بن العاص حتى يشترط لشيعة علي ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم وما أصابوا من الفتنة فخلص معاوية حين فرغ من عبيد الله والحسن إلى مكايدة رجل هو أهم الناس عنده مكيدة وعنده أربعون ألفا فنزل بهم معاوية وعمرو و أهل الشام أربعين ليلة يرسل معاوية إلى قيس ويذكره الله ويقول على طاعة من تقاتلني ويقول قد بايعني الذي تقاتل على طاعته فأبى قيس أن يقر له حتى أرسل معاوية بسجل قد ختم له في اسفله فقال أكتب في هذا السجل فما كتبت فهو لك فقال عمرو لمعاوية لاتعطه هذا وقاتله فقال معاوية وكان خير الرجلين على رسلك يا أبا عبد الله فإنا لن نخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتل عددهم من أهل الشام فما خير الحياة بعد ذلك وأني والله لا أقاتله حتى لا اجد من ذلك بدا فلما بعث إليه معاوية بذلك السجل اشترط قيس بن سعد لنفسه ولشيعة علي الآمان على ما أصابوا من الدماء والأموال ولم يسأل معاوية في ذلك مالا فأعطاه معاوية ما اشترط عليه ودخل قيس ومن معه في الجماعة وكان يعد في العرب حتى ثارت الفتنة الأولى خمسة يقال لهم ذوو رأي العرب ومكيدتهم يعد من قريش معاوية وعمرو ويعد من الأنصار قيس بن سعد ويعد من المهاجرين عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ويعد من ثقيف المغيرة بن شعبة فكان مع علي منهم رجلان قيس بن سعد وعبد الله بن بديل وكان المغيرة معتزلا بالطائف وأرضها فلما حكم الحكمان فاجتمعا بأذرح وافاهما المغيرة بن شعبه وأرسل الحكمان إلى عبد الله بن عمر وإلى عبد الله بن الزبير ووافى ابو موسى الأشعري وعمرو بن العاص وهما الحكمان وأبى علي وأهل العراق أن يوافوا فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوي رأي أهل قريش هل ترون احدا يقدر على أن يستطيع أن يعلم أيجتمع هذان الحكمان أم لا فقالوا له لانرى أن أحدا يعلم ذلك قال فوالله أني لاظنني سأعلمه منهما حين أخلو بهما فأراجعهما فدخل على عمرو بن العاص فبدأ به فقال يا أبا عبد الله أخبرني عما أسالك عنه كيف ترانا معشر المعتزلة فإنا فد شككنا في هذا الأمر الذي قد تبين لكم في هذا القتال ورأينا نستأني ونتثبت حتى تجتمع الأمه على رجل فندخل في صالح ما دخلت فيه الأمه فقال عمرو أراكم معشر المعتزله خلف الأبرار ومعشر الفجار فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك حتى دخل على أبي موسى الأشعري فخلا به فقال له نحوا مما قال لعمرو فقال أبو موسى أراكم أثبت الناس رأيا وأرى فيكم بقية المسلمين فانصرف فلم يسأله عن غير ذلك قال فلقي أصحابه الذين قال لهم ما قال من ذوي رأي قريش قال أقسم لكم لايجتمع هذان على رجل واحد وليدعون كل واحد منهما إلى رأيه

ما عارضه الثوار قام به لاحقًا الأمويون الذين قمعوا كل معارضة وثورة وتحرك عسكري ثار ضدهم بنجاح، بسبب عدم اتحاد وتضعضع المعارضة. ولك أن تتخيل من النص السابق وسائر نصوص كتب التاريخ الإسلامي وما ورد في كتب كمصف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق ومعجم الطبراني كم الغدر والخداع والمكائد وتقتيلهم بعضهم البعض بهذه الطرق، فما بالك بمشاعرهم كيف كانت اتجاه أهل الأديان والجنسيات الأخرى؟! هذه نفوس سلفية مظلمة العقول والنفوس ومعقدة للنفسيات تقطر كراهية وسمًّا.

عمار شارك الثوار القادمين من مصر في الثورة والتحريض على قتل عثمان

 

جاء في تاريخ الطبري ج4:

 

.... ودعوا فِي السر إِلَى مَا عَلَيْهِ رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إِلَى الأمصار بكتب يضعونها فِي عيوب ولاتهم، ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذَلِكَ، ويكتب أهل كل مصر مِنْهُمْ إِلَى مصر آخر بما يصنعون، فيقرؤه أُولَئِكَ فِي أمصارهم وهؤلاء فِي أمصارهم، حَتَّى تناولوا بِذَلِكَ الْمَدِينَة، وأوسعوا الأرض إذاعة، وهم يريدون غير مَا يظهرون، ويسرون غير مَا يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافيه مما ابتلي بِهِ هَؤُلاءِ، إلا أهل الْمَدِينَة فإنهم جاءهم ذَلِكَ عن جميع الأمصار، فَقَالُوا:

إنا لفي عافية مما فِيهِ الناس، وجامعه مُحَمَّد وَطَلْحَة من هَذَا المكان، قَالُوا:

فأتوا عُثْمَان، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أيأتيك عن الناس الَّذِي يأتينا؟ قَالَ:

لا وَاللَّهِ، مَا جاءني إلا السلامة، قَالُوا: فإنا قَدْ أتانا وأخبروه بِالَّذِي أسقطوا إِلَيْهِم، قَالَ: فأنتم شركائي وشهود الْمُؤْمِنِينَ، فأشيروا علي، قَالُوا:

نشير عَلَيْك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إِلَى الأمصار حَتَّى يرجعوا إليك بأخبارهم.

فدعا مُحَمَّد بن مسلمة فأرسله إِلَى الْكُوفَةِ، وأرسل أُسَامَة بن زَيْد إِلَى الْبَصْرَة، وأرسل عمار بن ياسر إِلَى مصر، وأرسل عَبْد اللَّهِ بن عُمَرَ إِلَى الشام، وفرق رجالا سواهم، فرجعوا جميعا قبل عمار، فَقَالُوا: أَيُّهَا النَّاسُ، مَا أنكرنا شَيْئًا، وَلا أنكره أعلام الْمُسْلِمِينَ وَلا عوامهم، وَقَالُوا جميعا: الأمر أمر الْمُسْلِمِينَ، إلا أن امراءهم يقسطون بينهم، ويقومون عَلَيْهِم واستبطأ الناس عمارا حَتَّى ظنوا أنه قَدِ اغتيل، فلم يفجأهم الا كتاب من عبد الله ابن سَعْدِ بْنِ أبي سرح يخبرهم أن عمارا قَدِ استماله قوم بمصر، وَقَدِ انقطعوا إِلَيْهِ، مِنْهُمْ عَبْد اللَّهِ بن السوداء، وخالد بن ملجم، وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر.

.... كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد ابن ثَابِت ويحيى بن سَعِيدٍ، قَالا: سأل سائل سَعِيد بْنُ الْمُسَيِّبِ عن مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة: مَا دعاه إِلَى الخروج عَلَى عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: كَانَ يتيما فِي حجر عُثْمَان، فكان عُثْمَان والي أيتام أهل بيته، ومحتمل كلهم، فسأل عُثْمَان العمل حين ولي، فَقَالَ: يَا بني، لو كنت رضا ثُمَّ سألتني العمل لاستعملتك، ولكن لست هُنَاكَ! قَالَ: فأذن لي فلأخرج فلأطلب مَا يقوتني، قَالَ: اذهب حَيْثُ شئت، وجهزه من عنده، وحمله وأعطاه، فلما وقع إِلَى مصر كَانَ فيمن تغير عَلَيْهِ أن منعه الولاية قيل: فعمار بن ياسر؟ قَالَ: كَانَ بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عُثْمَان، فأورث ذاك بين آل عمار وآل عتبة شرا حَتَّى اليوم، وكنى عما ضربا عَلَيْهِ وفيه.

 

.... وَقَالَ عُثْمَانُ قَبْلَ قُدُومِهِمْ حِينَ جَاءَهُ رَسُولُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ: هَؤُلاءِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ يُرِيدُونَ- بِزَعْمِهِمُ- الْعُمْرَةَ، وَاللَّهِ مَا أَرَاهُمْ يُرِيدُونَهَا، وَلَكِنَّ النَّاسَ قَدْ دَخَلَ بِهِمْ، وَأَسْرَعُوا إِلَى الْفِتْنَةِ، وَطَالَ عَلَيْهِمْ عُمْرَى، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ فَارَقْتُهُمْ لَيَتَمَنَّوْنَ أَنَّ عُمْرَى كَانَ طَالَ عَلَيْهِمْ مَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ بِسَنَةٍ مِمَّا يَرَوْنَ مِنَ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوكَةِ، وَالإِحَنِ وَالأَثْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَالأَحْكَامِ الْمُغَيِّرَةِ قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ الْقَوْمُ ذَا خَشَبٍ جَاءَ الْخَبَرُ أَنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونَ قَتْلَ عُثْمَانَ إِنْ لَمْ يَنْزَعْ، وَأَتَى رَسُولُهُمْ إِلَى عَلِيٍّ لَيْلا، وَإِلَى طَلْحَةَ، وَإِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ.

وَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَهُمْ إِلَى عَلِيٍّ كِتَابًا، فَجَاءُوا بِالْكِتَابِ إِلَى عَلِيٍّ، فَلَمْ يَظْهَرَ عَلَى مَا فِيهِ، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانَ مَا رَأَى جَاءَ عَلِيًّا فَدَخَلَ عليه بيته، فقال: يا بن عَمِّ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي مترك، وَإِنَّ قَرَابَتِي قَرِيبَةٌ، وَلِي حَقٌّ عَظِيمٌ عَلَيْكَ، وَقَدْ جَاءَ مَا تَرَى مِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ، وَهُمْ مُصَبِّحِي، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ لَكَ عِنْدَ النَّاسِ قَدْرًا، وَأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ مِنْكَ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَرْكَبَ إِلَيْهِمْ فَتَرُدَّهُمْ عَنِّي، فَإِنِّي لا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيَّ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَرْأَةً مِنْهُمْ عَلَيَّ، وَلْيَسْمَعْ بِذَلِكَ غَيْرُهُمْ فَقَالَ عَلِيٌّ: عَلامَ أَرُدُّهُمْ؟ قَالَ: عَلَى أَنْ أَصِيرَ إِلَى مَا أَشَرْتَ بِهِ عَلَيَّ وَرَأَيْتَهُ لِي، وَلَسْتُ أَخْرُجُ مِنْ يَدَيْكَ، [فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي قَدْ كُنْتُ كَلَّمْتُكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ نَخْرُجُ فَتَكَلَّمَ، وَنَقُولُ وَتَقُولُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِعْلُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ عَامِرٍ وَمُعَاوِيَةَ، أَطَعْتَهُمْ وَعَصَيْتَنِي.

قَالَ عُثْمَانُ: فَإِنِّي أَعْصِيهِمْ وَأُطِيعُكَ] قَالَ: فَأَمَرَ النَّاسَ، فَرَكِبُوا مَعَهُ: الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارِ قَالَ: وَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، يُكَلِّمُهُ أَنْ يَرْكَبَ مَعَ عَلِيٍّ فَأَبَى، فَأَرْسَلَ عثمان الى سعد بن ابى وقاص، فكلمه أَنْ يَأْتِيَ عَمَّارًا فَيُكَلِّمُهُ أَنْ يَرْكَبَ مَعَ عَلِيٍّ، قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَمَّارٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، أَلا تَخْرُجُ فِيمَنْ يَخْرُجُ! وَهَذَا عَلِيٌّ يَخْرُجُ فَاخْرُجْ مَعَهُ، وَارْدُدْ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ عَنْ إِمَامِكَ، فَإِنِّي لأَحْسَبُ أَنَّكَ لَمْ تَرْكَبْ مَرْكَبًا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ.

قَالَ: وَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ الْكِنْدِيِّ- وَكَانَ مِنْ أَعْوَانِ عُثْمَانَ- فَقَالَ: انْطَلِقْ فِي إِثْرِ سَعْدٍ فَاسْمَعْ مَا يَقُولُ سَعْدٌ لِعَمَّارٍ، وَمَا يَرُدُّ عَمَّارٌ عَلَى سَعْدٍ، ثُمَّ ائْتِنِي سَرِيعًا.

قَالَ: فَخَرَجَ كَثِيرٌ حَتَّى يَجِدَ سَعْدًا عِنْدَ عَمَّارٍ مَخْلِيًّا بِهِ، فَأَلْقَمَ عَيْنَهُ جُحْرَ الْبَابِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَمَّارٌ وَلا يَعْرِفُهُ، وَفِي يَدِهِ قَضِيبٌ، فَأَدْخَلَ الْقَضِيبُ الْجُحْرَ الَّذِي أَلْقَمَهُ كَثِيرٌ عَيْنَهُ، فَأَخْرَجَ كَثِيرٌ عَيْنَهُ مِنَ الْجُحْرِ، وَوَلَّى مُدْبِرًا مُتَقَنِّعًا فَخَرَجَ عَمَّارٌ فَعَرَفَ أَثَرَهُ، وَنَادَى: يَا قَلِيلُ ابْنَ أُمِّ قَلِيلٍ! أَعَلَيَّ تَطَّلِعُ وَتَسْتَمِعُ حَدِيثِي! وَاللَّهِ لَوْ دَرِيتُ أَنَّكَ هُوَ لَفَقَأْتُ عَيْنَكَ بِالْقَضِيبِ، فان رسول الله ص قَدْ أَحَلَّ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ عَمَّارٌ إِلَى سَعْدٍ، فَكَلَّمَهُ سَعْدٌ وَجَعَلَ يَفْتِلُهُ بِكُلِّ وَجْهٍ، فَكَانَ آخَرُ ذَلِكَ أَنْ قَالَ عَمَّارٌ: وَاللَّهِ لا أَرُدُّهُمْ عَنْهُ أَبَدًا فَرَجَعَ سَعْدٌ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ عَمَّارٌ، فَاتَّهَمَ عُثْمَانُ سَعْدًا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُنَاصِحْهُ، فَأَقْسَمَ لَهُ سَعْدٌ بِاللَّهِ، لَقَدْ حُرِّضَ فَقَبِلَ مِنْهُ عُثْمَانُ.

قَالَ: وركب على ع إِلَى أَهْلِ مِصْرَ، فَرَدَّهُمْ عَنْهُ، فَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ.

 

وذكر الطبري عن رد أبي موسى الأشعري على الدعاة لنصرة علي قبل موقعة الجمل:

 

وَلَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدٌ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْكُوفَةِ وَأَتَيَا أَبَا مُوسَى بِكِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَامَا في الناس بامره، لم يُجَابَا إِلَى شَيْءٍ، فَلَمَّا أَمْسَوْا دَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَى عَلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالُوا: مَا تَرَى فِي الْخُرُوجِ؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّأْيُ بِالأَمْسِ لَيْسَ بِالْيَوْمِ، إِنَّ الَّذِي تَهَاوَنْتُمْ بِهِ فِيمَا مَضَى هُوَ الَّذِي جَرَّ عَلَيْكُمْ مَا تَرَوْنَ، وَمَا بَقِيَ إِنَّمَا هُمَا أَمْرَانِ: الْقُعُودُ سَبِيلُ الآخِرَةِ وَالْخُرُوجُ سَبِيلُ الدُّنْيَا، فَاخْتَارُوا فَلَمْ يَنْفِرْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَغَضِبَ الرَّجُلانِ وَأَغْلَظَا لأَبِي موسى، فقال أَبُو مُوسَى: وَاللَّهِ إِنَّ بَيْعَةَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَفِي عُنُقِي وَعُنُقِ صَاحِبِكُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ قِتَالٍ لا نُقَاتِلُ أَحَدًا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ حَيْثُ كَانُوا فَانْطَلَقَا إِلَى عَلِيٍّ فَوَافَيَاهُ بِذِي قَارٍ وَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ، وَقَدْ خَرَجَ مَعَ الأَشْتَرِ وَقَدْ كَانَ يُعَجِّلُ إِلَى الْكُوفَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَشْتَرُ، أَنْتَ صَاحِبُنَا فِي أَبِي مُوسَى وَالْمُعْتَرِضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، اذْهَبْ أَنْتَ وَعَبْدُ اللَّهَ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَصْلِحْ مَا أَفْسَدْتَ.

فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَمَعَهُ الأَشْتَرُ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ وَكَلَّمَا أَبَا مُوسَى وَاسْتَعَانَا عَلَيْهِ بِأُنَاسٍ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ لِلْكُوفِيِّينَ: أَنَا صَاحِبُكُمْ يَوْمَ الْجَرَعَةِ وَأَنَا صَاحِبُكُمُ الْيَوْمَ، فَجَمَعَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ وَقَالَ: يا ايها النَّاسُ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ صَحِبُوهُ فِي الْمَوَاطِنِ أَعْلَمُ بِاللَّهِ جل وعز وبرسوله ص مِمَّنْ لَمْ يَصْحَبْهُ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْنَا حَقًّا فَأنَا مُؤَدِّيهِ إِلَيْكُمْ: كَانَ الرَّأْيُ أَلا تَسْتَخِفُّوا بِسُلْطَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلا تَجْتَرِئُوا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ الرَّأْيُ الثَّانِي أَنْ تَأْخُذُوا مَنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَتَرُدُّوهُمْ إِلَيْهَا حَتَّى يَجْتَمِعُوا، وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ تَصْلُحُ لَهُ الإِمَامَةُ مِنْكُمْ، وَلا تُكَلَّفُوا الدَّخُولَ فِي هذا، فاما إذ كَانَ مَا كَانَ فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ صَمَّاءُ، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ، وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، فَكُونُوا جُرْثُومَةً مِنْ جَرَاثِيمِ الْعَرَبِ، فَاغْمِدُوا السُّيُوفَ، وَانْصِلُوا الأَسِنَّةَ، وَاقْطَعُوا الأَوْتَارَ، وَآوُوا الْمَظْلُومَ وَالْمُضْطَهَدَ حَتَّى يَلْتَئِمَ هَذَا الأَمْرُ، وَتَنْجَلِي هَذِهِ الْفِتْنَةُ.

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا:

وَلَمَّا رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى عَلِيٍّ بِالْخَبَرِ دَعَا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَأَرْسَلَهُ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ فَأَصْلِحْ مَا أَفْسَدْتَ، فَأَقْبَلا حَتَّى دَخَلا الْمَسْجِدَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَتَاهُمَا مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا، وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَّارٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، عَلامَ قَتَلْتُمْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ قَالَ: عَلَى شَتْمِ أَعْرَاضِنَا وَضَرْبِ أَبْشَارِنَا! فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عَاقَبْتُمْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَكَانَ خَيْرًا لِلصَّابِرِينَ فَخَرَجَ أَبُو مُوسَى، فَلَقِيَ الْحَسَنَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَّارٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، أَعَدَوْتَ فِيمَنْ عَدَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَحْلَلْتَ نَفْسَكَ مَعَ الْفُجَّارِ! فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ، وَلَمْ تسوؤنى؟ [وَقَطَعَ عَلَيْهِمَا الْحَسَنُ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، لِمَ تُثَبِّطِ النَّاسَ عنا! فو الله مَا أَرَدْنَا إِلا الإِصْلاحَ، وَلا مِثْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَخَافُ عَلَى شَيْءٍ] فَقَالَ: صَدَقْتَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! وَلَكِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، [سَمِعْتُ رَسُولَ الله ص يَقُولُ: إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خير من الراكب،] قد جَعَلَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِخْوَانًا، وَحَرَّمَ عَلَيْنَا أموالنا ودماءنا، وقال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» ، «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً» وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ» .

فغضب عمار وساءه وقام وقال: يا ايها النَّاسُ، إِنَّمَا قَالَ لَهُ خَاصَّةً: أَنْتَ فِيهَا قَاعِدًا خَيْرٌ مِنْكَ قَائِمًا وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ لِعَمَّارٍ: اسْكُتْ أَيُّهَا الْعَبْدُ، أَنْتَ أَمْسِ مَعَ الْغَوْغَاءِ وَالْيَوْمَ تُسَافِهُ أَمِيرَنَا، وَثَارَ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَطَبَقَتُهُ وَثَارَ النَّاسُ، وَجَعَلَ أَبُو مُوسَى يُكَفْكِفُ النَّاسَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الْمِنْبَرَ، وَسَكَنَ النَّاسُ، وَأَقْبَلَ زَيْدٌ عَلَى حِمَارٍ حَتَّى وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ الْكِتَابَانِ مِنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَيْهِ وَإِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَدْ كَانَ طَلَبَ كِتَابَ الْعَامَّةِ فَضَمَّهُ إِلَى كِتَابِهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَمَعَهُ كِتَابُ الْخَاصَّةِ وَكِتَابُ الْعَامَّةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَثَبِّطُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَاجْلِسُوا فِي بُيُوتِكُمْ إِلا عَنْ قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكِتَابِ قَالَ: أُمِرَتْ بِأَمْرٍ وَأُمِرْنَا بِأَمْرٍ، أُمِرَتْ أَنْ تَقَرَّ فِي بَيْتِهَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نُقَاتِلَ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ، فَأَمَرَتْنَا بِمَا أُمِرَتْ بِهِ وَرَكِبَتْ مَا أُمِرْنَا بِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ فَقَالَ: يَا عُمَانِيُّ- وَزَيْدٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عُمَانَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ- سَرَقْتَ بِجَلُولاءَ فَقَطَعَكَ اللَّهُ، وَعَصَيْتَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَتَلَكَ اللَّهُ! مَا أَمَرَتْ إِلا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ بِالإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، فَقُلْتُ: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَتَهَاوَى النَّاسُ وَقَامَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَطِيعُونِي تَكُونُوا جُرْثُومَةً مِنْ جَرَاثِيمِ الْعَرَبِ يَأْوِي إِلَيْكُمُ الْمَظْلُومُ وَيَأْمَنُ فِيكُمُ الْخَائِفُ، إِنَّا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعلم بِمَا سَمِعْنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَإِذَا أَدْبَرَتْ بَيَّنَتْ، وَإِنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ بَاقِرَةٌ كَدَاءِ الْبَطْنِ تَجْرِي بِهَا الشَّمَالُ وَالْجَنُوبُ وَالصَّبَا وَالدَّبُورُ، فَتَسْكُنُ أَحْيَانًا فَلا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى، تَذَرُ الْحَلِيمَ كَابْنِ أَمْسِ، شَيِّمُوا سُيُوفَكُمْ وَقَصِّدُوا رِمَاحَكُمْ، وَأَرْسِلُوا سِهَامَكُمْ، واقطعوا أوتاركم، والزموا بيوتكم خلوا قريشا- إذ أَبَوْا إِلا الْخُرُوجَ مِنْ دَارِ الْهِجْرَةِ وَفِرَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالإِمْرَةِ- تَرْتِقُ فَتْقَهَا، وَتُشْعِبُ صَدْعَهَا، فَإِنْ فَعَلَتْ فَلأَنْفُسِهَا سَعَتْ، وَإِنْ أَبَتْ فَعَلَى أَنْفُسِهَا مَنَّتْ سَمْنَهَا تُهْرِيقُ فِي أَدِيمِهَا، اسْتَنْصِحُونِي وَلا تَسْتَغِشُّونِي، وَأَطِيعُونِي يَسْلَمْ لَكُمْ دِينُكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَيَشْقَى بحر هَذِهِ الْفِتْنَةِ مَنْ جَنَاهَا.

فَقَامَ زَيْدٌ فَشَالَ يَدَهُ الْمَقْطُوعَةَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، رُدَّ الْفُرَاتَ عَنْ دِرَاجِهِ، ارْدُدْهُ مِنْ حَيْثُ يَجِيءُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا بَدَأَ، فَإِنْ قَدِرْتَ عَلَى ذَلِكَ فَسَتَقْدِرُ عَلَى مَا تُرِيدُ، فَدَعْ عَنْكَ مَا لَسْتَ مُدْرِكَهُ ثُمَّ قَرَأَ:

«الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا» إِلَى آخِرِ الآيَتَيْنِ، سِيرُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدِ الْمُسْلِمِينَ، وَانْفُرُوا إِلَيْهِ أَجْمَعِينَ تُصِيبُوا الْحَقَّ.

فَقَامَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ، وَعَلَيْكُمْ شَفِيقٌ، أُحِبُّ أَنْ تَرْشُدُوا، وَلأَقُولَنَّ لَكُمْ قَوْلا هُوَ الْحَقُّ، أَمَّا مَا قَالَ الأمير فهو الأَمْرِ لَوْ أَنَّ إِلَيْهِ سَبِيلا، وَأَمَّا مَا قَالَ زَيْدٌ فَزَيْدٌ فِي الأَمْرِ فَلا تَسْتَنْصِحُوهُ فَإِنَّهُ لا يُنْتَزَعُ أَحَدٌ مِنَ الْفِتْنَةِ طَعَنَ فِيهَا وَجَرَى إِلَيْهَا، وَالْقَوْلُ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ إِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ إِمَارَةٍ تُنَظِّمُ النَّاسَ وتزع الظَّالِمَ وَتُعِزُّ الْمَظْلُومَ، وَهَذَا عَلِيٌّ يَلِي بِمَا وُلِّيَ، وَقَدْ أَنْصَفَ فِي الدُّعَاءِ وَإِنَّمَا يَدْعُو إِلَى الإِصْلاحِ، فَانْفُرُوا وَكُونُوا مِنْ هَذَا الأَمْرِ بِمَرْأًى وَمْسَمِعٍ.

وَقَالَ سَيْحَانُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لا بُدَّ لِهَذَا الأَمْرِ وَهَؤُلاءِ النَّاسِ مِنْ وَالٍ يَدْفَعُ الظَّالِمَ وَيُعِزُّ الْمَظْلُومَ وَيَجْمَعُ النَّاسَ، وَهَذَا وَالِيكُمْ يَدْعُوكُمْ لِيَنْظُرَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ، وَهُوَ الْمَأْمُونُ عَلَى الأُمَّةِ، الْفَقِيهُ فِي الدِّينِ، فَمَنْ نَهَضَ إِلَيْهِ فَإِنَّا سَائِرُونَ مَعَهُ وَلانَ عَمَّارٌ بَعْدَ نَزْوَتِهِ الأُولَى فَلَمَّا فَرَغَ سَيْحَانُ مِنْ خُطْبَتِهِ، تَكَلَّمَ عَمَّارٌ فَقَالَ: هَذَا ابن عم رسول الله ص يستنفركم الى زوجه رسول الله ص وَإِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَانْظُرُوا ثُمَّ انْظُرُوا فِي الْحَقِّ فَقَاتِلُوا مَعَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ:

يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، لَهُوَ مَعَ مَنْ شَهِدْتَ لَهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهُ فَقَالَ الْحَسَنُ:

اكْفُفْ عَنَّا يَا عَمَّارُ، فَإِنَّ لِلإِصْلاحِ أَهْلا.

وقام الحسن بن على، فقال: يا ايها النَّاسُ، أَجِيبُوا دَعْوَةَ أَمِيرِكُمْ، وَسِيرُوا إِلَى إِخْوَانِكُمْ، فَإِنَّهُ سَيُوجَدُ لِهَذَا الأَمْرِ مَنْ يَنْفُرُ إِلَيْهِ، وَاللَّهِ لأَنْ يَلِيَهُ أُولُو النُّهَى أَمْثَلُ فِي الْعَاجِلَةِ وَخَيْرٌ فِي الْعَاقِبَةِ، فَأَجِيبُوا دَعْوَتَنَا وَأَعِينُونَا عَلَى مَا ابْتُلِينَا بِهِ وَابْتُلِيتُمْ.

فَسَامَحَ النَّاسُ وَأَجَابُوا وَرَضُوا بِهِ وَأَتَى قَوْمٌ مِنْ طَيِّئٍ عَدِيًّا فَقَالُوا: مَاذَا تَرَى وَمَاذَا تَأْمُرُ؟ فَقَالَ: نَنْتَظِرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، فَأُخْبِرَ بِقِيَامِ الْحَسَنِ وَكَلامِ مَنْ تَكَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ، وَقَدْ دَعَانَا إِلَى جَمِيلٍ، وَإِلَى هَذَا الْحَدَثِ الْعَظِيمِ لِنَنْظُرَ فِيهِ، وَنَحْنُ سَائِرُونَ وَنَاظِرُونَ.

 

والملاحظ أن جيش علي ضم ناسًا ممن ساهموا في قتل عثمان بل أحد من قيل في الروايات التاريخية أنه قتله بيده مثل محمد بن أبي بكر، والأشتر وعمار، والعجيب أن تكون عائشة بنت أبي بكر في جيش معادٍ لعلي ومن معه ومنهم أخوها، والأعجب لو علمنا درجات القرابات والمصاهرات والزيجات بين كل هؤلاء القرشيين!

 

عمار ظل يسب ويلعن عثمان حتى بعد موته

 

روى عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسند:

 

• 16698 - قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الْعَنَزِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، قَالَ: كُنَّا بِوَاسِطِ الْقَصَبِ عِنْدَ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْغَادِيَةِ، اسْتَسْقَى مَاءً، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ مُفَضَّضٍ، فَأَبَى أَنْ يَشْرَبَ، وَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا أَوْ ضُلَّالًا - شَكَّ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ - يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ "

فَإِذَا رَجُلٌ يَسُبُّ فُلَانًا، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْكَ فِي كَتِيبَةٍ . فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ إِذَا أَنَا بِهِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَالَ: فَفَطِنْتُ إِلَى الْفُرْجَةِ فِي جُرُبَّانِ الدِّرْعِ، فَطَعَنْتُهُ، فَقَتَلْتُهُ، فَإِذَا هُوَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: وَأَيَّ يَدٍ كَفَتَاهُ يَكْرَهُ أَنْ يَشْرَبَ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ، وَقَدْ قَتَلَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ.

 

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، كلثوم بن جبر هو البصري، مختلف فيه، فقد وثقه أحمد وابن معين والعجلي، وقال النسائي: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في "لثقات"، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن أحمد، فمن رجال النسائي، وهو ثقة، وصحابيه ليس له رواية في الكتب الستة.

وقد شك ابن عون في هذه الرواية بين قوله: كفاراً أو ضلالاً، وقد روي من طرق عن كلثوم بن جبر: "كفاراً" دون شك كما سيأتي في التخريج، وهي الرواية الصحيحة، وقد سلفت من حديث عبد الله بن مسعود برقم (3815) ، وذكرنا هناك تتمة أحاديث الباب.

وأخرجه البخاري مختصراً في "التاريخ الأوسط" 1/160 من طريق محمد ابن أبي عدي، بهذا الإسناد.

وأخرجه مطولاً ومختصراً البخاري في "التاريخ الأوسط" 1/237، والدولابي في "الكنى" 1/47، والطبراني في "الكبير" 22/ (912) و (913) من طرق عن كلثوم بن جبر، دون شك.

وأورد بعضه الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/298، وقال: رواه كله الطبراني، وعبد الله باختصار، ورجال أحد إسنادي الطبراني رجال الصحيح. وانظر ما بعده.

قال السندي: قوله: فلاناً: أي عثمان.  قوله: لئن أمكنني الله: الجزاء مقدر: أي لأقتلنَّك.  قوله: إلى الفرجة، ضبط بفتح فسكون: وهي التفصي من الهم: أي: التخلص منه. أي رأيت أن الذي يخلصني من هَمِّ قتله هو الطعن في جُرُبَّان الدرع، وفي "القاموس": الفرجه، مثلثة: التفصي من الهم

 

عمرو بن العاص كان يحرض الناس على الثورة على عثمان

 

من مفارقات التاريخ أن الرجل الذي ساهم في مقتل عثمان يكون لاحقًا سببًا هامًّا وحاسمًا ولا غنى له لانتصار معاوية بن أبي سفيان الأموي على علي بخدعة رفع المصاحف أو إرسال المصحف والتحكيم الشهيرة

 

قال الطبري في تاريخه ج4:

 

وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي سَبَبِ مَسِيرِ الْمِصْرِيِّينَ إِلَى عُثْمَانَ وَنُزُولِهِمْ ذَا خَشَبٍ أُمُورًا كَثِيرَةً، مِنْهَا مَا قَدْ تقدم ذكريه، وَمِنْهَا مَا أَعْرَضْتُ عَنْ ذِكْرِهِ كَرَاهَةً مِنِّي لِبَشَاعَتِهِ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مَوْلَى الْمسورِ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ عَامِلا لِعُثْمَانَ، فَعَزَلَهُ عَنِ الْخَرَاجِ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّلاةِ، وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ عَلَى الْخَرَاجِ، ثُمَّ جَمَعَهُمَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ الْمَدِينَةَ جَعَلَ يَطْعَنُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَوْمًا عثمان خاليا به، فقال: يا بن النَّابِغَةِ، مَا أَسْرَعَ مَا قَمِلَ جِرْبَانُ جُبَّتِكَ! إِنَّمَا عَهْدُكَ بِالْعَمَلِ عَاما أَوَّل.

أَتَطْعَنُ عَلَيَّ وَتَأْتِينِي بِوَجْهٍ وَتَذْهَبُ عَنِّي بِآخَرَ! وَاللَّهِ لَوْلا أَكْلَةٌ مَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ وَيَنْقُلُونُ إِلَى وُلاتِهِمْ بَاطِلٌ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي رَعِيَّتِكَ! فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى ظَلْعِكَ، وَكَثْرَةِ الْقَالَةِ فِيكَ فَقَالَ عَمْرٌو: قَدْ كُنْتُ عَامِلا لِعَمُرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَفَارَقَنِي وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَوْ آخَذْتُكَ بِمَا آخَذَكَ بِهِ عُمَرُ لاسْتَقَمْتَ، وَلَكِنِّي لِنْتُ عَلَيْكَ فَاجْتَرَأْتَ عَلَيَّ، أَمَا وَاللَّهِ لأَنَا أَعَزُّ مِنْكَ نَفَرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَبْلَ أَنْ أَلِيَ هَذَا السُّلْطَانَ فَقَالَ عَمْرٌو: دَعْ عَنْكَ هَذَا، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بمحمد ص وَهَدَانَا بِهِ، قَدْ رَأَيْتُ الْعَاصِيَ بْنَ وَائِلٍ ورايت اباك عفان، فو الله لَلْعَاصُ كَانَ أَشْرَفَ مِنْ أَبِيكَ قَالَ: فَانْكَسَرَ عُثْمَانُ، وَقَالَ: مَا لَنَا وَلِذِكْرِ الْجَاهِلِيَّةِ! قَالَ: وَخَرَجَ عَمْرٌو وَدَخَلَ مَرْوَانُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ بَلَغْتَ مَبْلَغًا يَذْكُرُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَبَاكَ! فَقَالَ عُثْمَانُ: دَعْ هَذَا عَنْكَ، مِنْ ذِكْرِ آبَاءِ الرِّجَالِ ذَكَرُوا أَبَاهُ قَالَ: فَخَرَجَ عَمْرٌو مِنْ عِنْدِ عُثْمَانَ وَهُوَ مُحْتَقِدٌ عَلَيْهِ، يَأْتِي عَلِيًّا مَرَّةً فَيُؤَلِّبُهُ عَلَى عُثْمَانَ، وَيَأْتِي الزُّبَيْرَ مَرَّةً فَيُؤَلِّبُهُ عَلَى عُثْمَانَ، وَيَأْتِي طَلْحَةَ مَرَّةً فَيُؤَلِّبُهُ عَلَى عُثْمَانَ، وَيَعْتَرِضَ الْحَاجَّ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَا أَحْدَثَ عُثْمَانُ، فَلَمَّا كَانَ حَصْرُ عُثْمَانَ الأَوَّلُ، خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَرْضٍ لَهُ بِفِلَسْطِينَ يُقَالُ لَهَا السَّبْعُ، فَنَزَلَ فِي قَصْرٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الْعَجْلانُ، وَهُوَ يَقُولُ: الْعَجَبُ مَا يَأْتِينَا عَنِ ابْنِ عَفَّانَ! قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ فِي قَصْرِهِ ذَلِكَ، وَمَعَهُ ابْنَاهُ مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ، وسلامه ابن رَوْحٍ الْجُذَامِيُّ، إِذْ مَرَّ بِهِمْ رَاكِبٌ، فَنَادَاهُ عَمْرٌو: مِنْ أَيْنَ قَدِمَ الرَّجُلُ؟

فَقَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ: مَا فَعَلَ الرَّجُلُ؟ يَعْنِي عُثْمَانَ، قَالَ: تَرَكْتُهُ مَحْصُورًا شَدِيدَ الْحِصَارِ قَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَدْ يَضْرُطُ الْعِيرُ وَالْمِكْوَاةُ فِي النَّارِ فَلَمْ يَبْرَحْ مَجْلِسُهُ ذَلِكَ حَتَّى مَرَّ بِهِ رَاكِبٌ آخَرُ، فَنَادَاهُ عَمْرٌو: مَا فَعَلَ الرَّجُلُ؟ يَعْنِي عُثْمَانَ، قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، إِذَا حَكَكْتُ قَرْحَةً نَكَأْتُهَا، إِنْ كُنْتُ لأُحَرِّضَ عَلَيْهِ، حَتَّى إِنِّي لأُحَرِّضَ عَلَيْهِ الرَّاعِي فِي غَنَمِهِ فِي رَأْسِ الْجَبَلِ فَقَالَ لَهُ سَلامَةُ بْنُ رَوْحٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّهُ كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْعَرَبِ بَابٌ وَثِيقٌ فَكَسَرْتُمُوهُ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَرَدْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ حَافِرَةِ الْبَاطِلِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّاسُ فِي الْحَقِّ شَرْعًا سَوَاءٌ وَكَانَتْ عِنْدَ عَمْرٍو أُخْتُ عُثْمَانَ لأُمِّهِ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَفَارَقَهَا حِينَ عَزَلَهُ.

 

.... قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

لما رجع على ع إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ قَدْ رَجَعُوا، وَكَلَّمَهُ عَلِيٌّ كَلامًا فِي نَفْسِهِ، قَالَ لَهُ: اعْلَمْ أَنِّي قَائِلٌ فِيكَ أَكْثَرَ مِمَّا قُلْتُ.

قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بَيْتِهِ، قَالَ: فَمَكَثَ عُثْمَانُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ جَاءَهُ مَرْوَانُ، فَقَالَ لَهُ: تَكَلَّمْ وَأَعْلِمِ النَّاسَ أَنَّ أَهْلَ مِصْرَ قَدْ رَجَعُوا، وَأَنَّ مَا بَلَغَهُمْ عَنْ إِمَامِهِمْ كَانَ بَاطِلا، فَإِنَّ خُطْبَتَكَ تَسِيرُ فِي الْبِلادِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّبَ النَّاسُ عَلَيْكَ مِنْ أَمْصَارِهِمْ، فَيَأْتِيكَ مَنْ لا تَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ قَالَ:

فَأَبَى عُثْمَانُ أَنْ يَخْرُجَ قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بِهِ مَرْوَانُ حَتَّى خَرَجَ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ كَانَ بَلَغَهُمْ عَنْ إِمَامِهِمْ أَمْرٌ، فَلَمَّا تَيَقَّنُوا أَنَّهُ بَاطِلٌ مَا بَلَغَهُمْ عَنْهُ رَجَعُوا إِلَى بِلادِهِمْ قَالَ: فَنَادَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّكَ قَدْ رَكِبْتَ نَهَابِيرَ وَرَكِبْنَاهَا مَعَكَ، فَتُبْ إِلَى اللَّهِ نَتُبْ.

قَالَ: فناداه عثمان، وانك هناك يا بن النَّابِغَةِ! قَمِلَتْ وَاللَّهِ جُبَّتُكَ مُنْذُ تَرَكْتُكَ مِنَ الْعَمَلِ قَالَ: فَنُودِيَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى: تُبْ إِلَى اللَّهِ وَأَظْهِرِ التَّوْبَةَ يَكُفَّ النَّاسُ عَنْكَ قَالَ: فَرَفَعَ عُثْمَانُ يَدَيْهِ مَدًّا وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ:

اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ تَائِبٍ تَابَ إِلَيْكَ وَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى نَزَلَ مَنْزِلَهُ بِفِلَسْطِينَ، فَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ انى كُنْتُ لأَلْقَى الرَّاعِيَ فَأُحَرِّضُهُ عَلَيْهِ.

 

غدر الحاقدين على عثمان به

 

بسبب أخطاء وظلم عثمان وأغلاطه الفادحة العسكرية وفي إدارة الدولة وتراخيه استغل الحاقدون عليه والكارهون له كذلك الفرصة لأذيته والانقلاب عليه وليس لهدف سامٍ من جهة تحقيق العدل ورد الحقوق للشعوب، ومنهم من رباه وكفله عثمان يتيمًا وذلك لكي يحصل على إمارة مصر نفسه بخيانته وغدره لمن أطعمه ورباه وأحسن إليه حسب ظاهر الخبر وحدود ما نعرفه.

 

روى أحمد:

 

17308 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُلَيْلٍ السَّلِيحِيُّ، وَهُمْ إِلَى قُضَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ جَالِسًا قَرِيبًا مِنَ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَخَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَاسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ، فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ - قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَقْرَإِ النَّاسِ - قَالَ: فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَيَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ رِجَالٌ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ "

 

المرفوع منه صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عبد الملك بن مُلَيْل، وهو من رجال "التعجيل"، لم يرو عنه غير ابنه عبد العزيز، ولم يُؤْثَر توثيقه عن غير ابن حبان، وأما ابنه عبد العزيز، فهو من رجال "التعجيل" أيضاً، لكن روى عنه جمعٌ ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وباقي رجال الإسناد ثقات.

وأخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/507-508، والبيهقي في "السنن" 3/225، من طريق عبد الله بن عثمان، والطبراني في "الكبير" 17/ (898) من طريق نعيم بن حماد الخزاعي، كلاهما عن عبد الله بن المبارك، بهذا الإسناد . واقتصر الطبراني على المرفوع ولم يذكر فيه القصة.

ويشهد للمرفوع منه حديث عبد الله بن مسعود السالف برقم (3831) ، وانظر تتمة شواهده هناك.

التراقي: جمع تَرْقُوَة، وهو العظم بين ثُغرة النحر والعاتق.

والرَّمِيَّة: هي الطَّريدة.

 

ومحمد بن أَبي حذيفة هذا: كان أبوه- وهو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة- من السابقين الأولين البدريين، وكان جدُّه عُتبة بن ربيعة سيد المشركين وكبيرهم، فقتل يوم بدر، واستُشهد أبو حذيفة يوم اليمامة، فنشأ محمد في حجر عثمان رضي الله عنه، ثم كان ممن قام عليه فى الفتنة، واستولى على إمارة مصر. قُتِلَ محمد بفلسطين سنة ست وثلاثين، وكان ممن أخرجه معاويةُ من مصر. انظر "سير أعلام النبلاء" 3/479-481.

 

وفي تاريخ الطبري:

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عمر: وحدثنى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بِمِصْرَ يُحَرِّضَانِ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَدِمَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَأَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بِمِصْرَ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمِصْرِيُّونَ خَرَجَ عبد الرحمن بن عديس البلوى في خمسمائة، وَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْعُمْرَةَ، وَخَرَجُوا فِي رَجَبَ...إلخ

 

... بعثة عَلِيّ بن أبي طالب قيس بن سَعْدِ بْنِ عبادة أميرا عَلَى مصر

وفي هَذِهِ السنة- أعني سنة ست وثلاثين- قتل مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة، وَكَانَ سبب قتله أنه لما خرج الْمِصْرِيُّونَ إِلَى عُثْمَانَ مع مُحَمَّد بن أبي بكر، أقام بمصر، وأخرج عنها عَبْد اللَّهِ بن سَعْدِ بْنِ أبي سرح، وضبطها، فلم يزل بِهَا مقيما حَتَّى قتل عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبويع لعلي، وأظهر مُعَاوِيَة الخلاف، وبايعه عَلَى ذَلِكَ عَمْرو بن الْعَاصِ، فسار مُعَاوِيَة وعمرو إِلَى مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة قبل قدوم قيس بن سَعْد مصر، فعالجا دخول مصر، فلم يقدرا عَلَى ذَلِكَ، فلم يزالا يخدعان مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة حَتَّى خرج إِلَى عريش مصر فِي ألف رجل، فتحصن بِهَا، وجاءه عَمْرو فنصب المنجنيق عَلَيْهِ حَتَّى نزل فِي ثَلاثِينَ من أَصْحَابه وأخذوا وقتلوا رحمهم اللَّه.

وأما هِشَام بن مُحَمَّد فإنه ذكر أن أبا مخنف لوط بن يحيى بن سعيد ابن مخنف بن سليم، حدثه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُف الأَنْصَارِيّ من بني الْحَارِث بن الخزرج، عن عباس بن سهل الساعدي أن مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شمس بن عبد مناف هُوَ الَّذِي كَانَ سرب المصريين إِلَى عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، وإنهم لما ساروا إِلَى عُثْمَانَ فحصروه وثب هُوَ بمصر عَلَى عَبْد اللَّهِ بن سَعْدِ بْنِ أبي سرح أحد بني عَامِر بن لؤي القرشي، وَهُوَ عامل عُثْمَان يَوْمَئِذٍ عَلَى مصر، فطرده منها، وصلى بِالنَّاسِ، فخرج عبد الله ابن سَعْد من مصر فنزل عَلَى تخوم أرض مصر مما يلي فلسطين، فانتظر مَا يكون من أمر عُثْمَان، فطلع راكب فَقَالَ: يَا عَبْد اللَّهِ، مَا وراءك؟ خبرنا بخبر الناس خلفك، قَالَ: أفعل، قتل الْمُسْلِمُونَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن سَعْد: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» !، يَا عَبْد اللَّهِ، ثُمَّ صنعوا ماذا؟ قَالَ: ثُمَّ بايعوا ابن عم رَسُول الله ص عَلِيّ بن أبي طالب، قَالَ عَبْد اللَّهِ بن سَعْد: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» ، قَالَ لَهُ الرجل: كأن ولاية عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ عدلت عندك قتل عُثْمَان! قَالَ: أجل قَالَ:

فنظر إِلَيْهِ الرجل، فتأمله فعرفه وَقَالَ: كأنك عَبْد اللَّهِ بن أبي سرح أَمِير مصر! قَالَ: أجل، قَالَ لَهُ الرجل: فإن كَانَ لك فِي نفسك حاجة فالنجاء النجاء، فإن رأي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فيك وفي أَصْحَابك سيئ، إن ظفر بكم قتلكم أو نفاكم عن بلاد الْمُسْلِمِينَ، وهذا بعدي أَمِير يقدم عَلَيْك قَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ: ومن هَذَا الأمير؟ قَالَ: قيس بن سَعْدِ بْنِ عبادة الأَنْصَارِيّ، قَالَ عَبْد اللَّهِ بن سَعْد: أبعد اللَّه مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة! فإنه بغي عَلَى ابن عمه، وسعى عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ كفله ورباه وأحسن إِلَيْهِ، فأساء جواره، ووثب عَلَى عماله، وجهز الرجال إِلَيْهِ حَتَّى قتل، ثُمَّ ولى عَلَيْهِ من هُوَ أبعد مِنْهُ ومن عُثْمَان، لم يمتعه بسلطان بلاده حولا وَلا شهرا، ولم يره لذلك أهلا، فَقَالَ لَهُ الرجل:

انج بنفسك، لا تقتل فخرج عَبْد اللَّهِ بن سَعْد هاربا حَتَّى قدم على معاويه ابن أَبِي سُفْيَانَ دمشق.

قَالَ أَبُو جَعْفَر: فخبر هِشَام هَذَا يدل عَلَى أن قيس بن سعد ولي مصر ومحمد بن أبي حُذَيْفَة حي.

 

نموذج من فساد عثمان في آخر حياته وعدم التزامه بوعوده وتعهداته عن الرجوع عن فساده، من تاريخ الطبري

 

قَالَ: وركب عليّ ع إِلَى أَهْلِ مِصْرَ، فَرَدَّهُمْ عَنْهُ، فَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صالح، عن عاصم بن عمر، عن محمود بْنِ لبيد، قَالَ: لما نزلوا ذا خشب، كلم عثمان عليا واصحاب رسول الله ص أن يردوهم عنه، فركب علي وركب مَعَهُ نفر من الْمُهَاجِرِينَ، فِيهِمْ سَعِيد بن زَيْدٍ، وأبو جهم العدوي، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، ومروان بن الحكم، وسعيد بن الْعَاصِ، وعبد الرَّحْمَن بن عتاب بن أسيد، وخرج من الأنصار أَبُو أسيد الساعدي وأبو حميد الساعدي، وزَيْد بن ثَابِت، وحسان بن ثَابِت، وكعب بن مَالِكٍ، ومعهم من العرب نيار بن مكرم وغيرهم ثلاثون رجلا، وكلمهم علي ومحمد بن مسلمة- وهما اللذان قدما- فسمعوا مقالتهما، ورجعوا قَالَ محمود: فأخبرني مُحَمَّد بن مسلمة، قَالَ: مَا برحنا من ذي خشب حَتَّى رحلوا راجعين إِلَى مصر، وجعلوا يسلمون علي، فما أنسى قول عبد الرَّحْمَن بن عديس:

أتوصينا يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن بحاجة؟ قَالَ: قلت: تتقي اللَّه وحده لا شريك له، وترد من قبلك عن إمامه، فإنه قَدْ وعدنا أن يرجع وينزع قَالَ ابن عديس: أفعل إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ: فرجع القوم إِلَى الْمَدِينَةِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

لما رجع على ع إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ قَدْ رَجَعُوا، وَكَلَّمَهُ عَلِيٌّ كَلامًا فِي نَفْسِهِ، قَالَ لَهُ: اعْلَمْ أَنِّي قَائِلٌ فِيكَ أَكْثَرَ مِمَّا قُلْتُ.

قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بَيْتِهِ، قَالَ: فَمَكَثَ عُثْمَانُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ جَاءَهُ مَرْوَانُ، فَقَالَ لَهُ: تَكَلَّمْ وَأَعْلِمِ النَّاسَ أَنَّ أَهْلَ مِصْرَ قَدْ رَجَعُوا، وَأَنَّ مَا بَلَغَهُمْ عَنْ إِمَامِهِمْ كَانَ بَاطِلا، فَإِنَّ خُطْبَتَكَ تَسِيرُ فِي الْبِلادِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّبَ النَّاسُ عَلَيْكَ مِنْ أَمْصَارِهِمْ، فَيَأْتِيكَ مَنْ لا تَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ قَالَ:

فَأَبَى عُثْمَانُ أَنْ يَخْرُجَ قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بِهِ مَرْوَانُ حَتَّى خَرَجَ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ كَانَ بَلَغَهُمْ عَنْ إِمَامِهِمْ أَمْرٌ، فَلَمَّا تَيَقَّنُوا أَنَّهُ بَاطِلٌ مَا بَلَغَهُمْ عَنْهُ رَجَعُوا إِلَى بِلادِهِمْ قَالَ: فَنَادَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّكَ قَدْ رَكِبْتَ نَهَابِيرَ وَرَكِبْنَاهَا مَعَكَ، فَتُبْ إِلَى اللَّهِ نَتُبْ.

قَالَ: فناداه عثمان، وانك هناك يا بن النَّابِغَةِ! قَمِلَتْ وَاللَّهِ جُبَّتُكَ مُنْذُ تَرَكْتُكَ مِنَ الْعَمَلِ قَالَ: فَنُودِيَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى: تُبْ إِلَى اللَّهِ وَأَظْهِرِ التَّوْبَةَ يَكُفَّ النَّاسُ عَنْكَ قَالَ: فَرَفَعَ عُثْمَانُ يَدَيْهِ مَدًّا وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ:

اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ تَائِبٍ تَابَ إِلَيْكَ وَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى نَزَلَ مَنْزِلَهُ بِفِلَسْطِينَ، فَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ انى كُنْتُ لأَلْقَى الرَّاعِيَ فَأُحَرِّضُهُ عَلَيْهِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا جَاءَ عُثْمَانُ بَعْدَ انْصِرَافِ الْمِصْرِيِّينَ، فَقَالَ لَهُ: تَكَلَّمْ كَلامًا يَسْمَعُهُ النَّاسُ مِنْكَ وَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي قَلْبِكَ مِنَ النُّزُوعِ وَالإِنَابَةِ، فَإِنَّ الْبِلادَ قَدْ تَمَخَّضَتْ عَلَيْكَ، فَلا آمَنُ رَكْبًا آخَرِينَ يَقْدَمُونَ مِنَ الْكُوفَةِ، فَتَقُولُ: يَا عَلِيُّ، ارْكَبْ إِلَيْهِمْ، وَلا أَقْدِرُ أَنْ أَرْكَبَ إِلَيْهِمْ، وَلا أَسْمَعُ عُذْرًا.

وَيَقْدُمُ رَكْبٌ آخَرُونَ مِنَ الْبَصْرَةِ، فَتَقُولُ: يَا عَلِيُّ ارْكَبْ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ رَأَيْتُنِي قَدْ قَطَعْتُ رَحِمَكَ، وَاسْتَخْفَفْتُ بِحَقِّكَ.

قَالَ: فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الَّتِي نَزَعَ فِيهَا، وَأَعْطَى النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ التَّوْبَةَ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الناس، فو الله مَا عَابَ مَنْ عَابَ مِنْكُمْ شَيْئًا أَجْهَلُهُ، وَمَا جِئْتُ شَيْئًا إِلا وَأَنَا أَعْرِفُهُ، وَلَكِنِّي مَنَّتْنِي نَفْسِي وَكَذَّبَتْنِي، وَضَلَّ عَنِي رُشْدِي، [وَلَقَدْ سمعت رسول الله ص يَقُولُ: مَنْ زَلَّ فَلْيَتُبْ، وَمَنْ أَخْطَأَ فَلْيَتُبْ، ولا يتماد فِي الْهَلَكَةِ، إِنَّ مَنْ تَمَادَى فِي الْجَوْرِ كَانَ أَبْعَدَ مِنَ الطَّرِيقِ،] فَأَنَا أَوَّلُ مَنِ اتَّعَظَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِمَّا فَعَلْتُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَمِثْلِي نَزَعَ وَتَابَ، فَإِذَا نَزَلْت فَلْيَأْتِنِي أَشَرَافُكُمْ فليرونى رأيهم، فو الله لَئِنْ رَدَّنِي الْحَقُّ عَبْدًا لأَسْتَنُّ بِسُنَّةِ الْعَبْدِ، وَلأَذِلَّنَّ ذُلَّ الْعَبْدِ، وَلأَكُونَنَّ كَالْمَرْقُوقِ، إِنْ مُلِكَ صَبَرَ، وَإِنْ عُتِقَ شَكَرَ، وَمَا عَنِ اللَّهِ مَذْهَبٌ إِلا إِلَيْهِ، فَلا يَعْجَزَنَّ عَنْكُمْ خِيَارُكُمْ أَنْ يَدْنُوا إِلَيَّ، لَئِنْ أَبَتْ يَمِينِي لِتُتَابِعَنِي شِمَالِي.

قَالَ: فَرَقَّ النَّاسُ لَهُ يَوْمَئِذٍ، وَبَكَى من بكى منهم، وقام اليه سعيد ابن زَيْدٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ بِوَاصِلٍ لَكَ مَنْ لَيْسَ مَعَكَ، اللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ! فَأَتْمِمْ عَلَى مَا قُلْتَ فَلَمَّا نَزَلَ عُثْمَانُ وَجَدَ فِي مَنْزِلِهِ مَرْوَانَ وَسَعِيدًا وَنَفَرًا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا الْخُطْبَةَ، فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ مَرْوَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَكَلَّمُ أَمْ أَصْمُتُ؟ فَقَالَتْ نَائِلَةُ ابْنَةُ الْفُرَافِصَةِ، امْرَأَةُ عُثْمَانَ الْكَلْبِيَّةُ:

لا بَلِ اصْمُتْ، فَإِنَّهُمْ وَاللَّهِ قَاتِلُوهُ وَمُؤْثِمُوهُ، إِنَّهُ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْزِعَ عَنْهَا فَأَقْبَلَ عليها مروان، فقال: ما أنت وذاك! فو الله لَقَدْ مَاتَ أَبُوكِ وَمَا يُحْسِنُ يتوضأ، فَقَالَتْ لَهُ: مَهْلا يَا مَرْوَانُ عَنْ ذِكْرِ الآبَاءِ، تُخْبِرُ عَنْ أَبِي وَهُوَ غَائِبٌ تَكْذِبُ عَلَيْهِ! وَإِنَّ أَبَاكَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا أَنَّهُ عَمُّهُ، وَأَنَّهُ يَنَالُهُ غَمُّهُ، أَخْبَرْتُكَ عَنْهُ مَا لَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهَا مَرْوَانُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَكَلَّمُ أَمْ أَصْمُتُ؟

قَالَ: بَلْ تَكَلَّمْ، فَقَالَ مَرْوَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ مَقَالَتَكَ هَذِهِ كَانَتْ وَأَنْتَ مُمْتَنِعٌ مَنِيعٌ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ رَضِيَ بِهَا، وَأَعَانَ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّكَ قُلْتَ مَا قُلْتَ حِينَ بَلَغَ الْحِزَامُ الطُّبْيَيْنِ، وَخَلَفَ السَّيْلُ الزُّبَى، وَحِينَ أَعْطَى الْخُطَّةَ الْذَلِيلَةَ الذَّلِيلُ، وَاللَّهِ لإِقَامَةٌ عَلَى خَطِيئَةٍ تَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا أَجْمَلُ مِنْ تَوْبَةٍ تُخَوَّفُ عَلَيْهَا، وَإِنَّكَ إِنْ شِئْتَ تَقَرَّبْتَ بِالتَّوْبَةِ وَلَمْ تُقْرِرْ بِالْخَطِيئَةِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْكَ عَلَى الْبَابِ مِثْلُ الْجِبَالِ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ عُثْمَانُ: فَاخْرُجْ اليهم فكلمهم، فانى استحى أَنْ أُكَلِّمَهُمْ قَالَ: فَخَرَجَ مَرْوَانُ إِلَى الْبَابِ وَالنَّاسُ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ كَأَنَّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ لِنَهْبٍ! شَاهَتِ الْوُجُوهِ! كُلُّ إِنْسَانٍ آخِذٌ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ أَلا مَنْ أُرِيدَ! جِئْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْزَعُوا مُلْكَنَا مِنْ أَيْدِينَا! اخْرُجُوا عَنَّا، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رُمْتُمُونَا لَيَمُرَّنَّ عَلَيْكُمْ مِنَّا أَمْرٌ لا يَسُرُّكُمْ، وَلا تَحْمَدُوا غِبَّ رَأْيِكُمْ ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ، فَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَحْنُ مَغْلُوبِينَ عَلَى مَا فِي أَيْدِينَا قَالَ: فَرَجَعَ النَّاسُ وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ حَتَّى أَتَى عَلِيًّا فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، [فَجَاءَ عَلِيٌّ ع مُغْضَبًا، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَمَا رَضِيتَ مِنْ مَرْوَانَ وَلا رَضِيَ مِنْكَ إِلا بِتَحَرُّفِكَ عَنْ دِينِكَ وَعَنْ عَقْلِكَ، مِثْلَ جَمَلِ الظَّعِينَةِ يُقَادُ حَيْثُ يُسَارُ بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَرْوَانُ بِذِي رَأْيٍ فِي دِينِهِ وَلا نَفْسِهِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ سَيُورِدُكَ ثُمَّ لا يُصْدِرُكَ، وَمَا أَنَا بِعَائِدٍ بَعْدَ مُقَامِي هَذَا لِمُعَاتَبَتِكَ، أَذْهَبْتَ شَرَفَكَ، وَغَلَبْتَ عَلَى أَمْرِكَ] فَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ نَائِلَةُ ابْنَةُ الْفُرَافِصَةِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: أَتَكَلَّمُ أَوْ أَسْكُتُ؟ فَقَالَ: تَكَلَّمِي، فقالت: قد سمعت قول على لك، وانه لَيْسَ يُعَاوِدُكَ، وَقَدْ أَطَعْتَ مَرْوَانَ يَقُودُكَ حَيْثُ شَاءَ قَالَ:

فَمَا أَصْنَعُ؟ قَالَتْ: تَتَّقِي اللَّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَتَتَّبِع سُنَّةَ صَاحِبَيْكَ مِنْ قَبْلِكَ، فَإِنَّكَ مَتَى أَطَعْتَ مَرْوَانَ قَتَلَكَ، وَمَرْوَانُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ قَدْرٌ وَلا هَيْبَةٌ وَلا مَحَبَّةٌ، وَإِنَّمَا تَرَكَكَ النَّاسُ لِمَكَانِ مَرْوَانَ، فَأَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ فَاسْتَصْلِحْهُ، فَإِنَّ لَهُ قَرَابَةً مِنْكَ، وَهُوَ لا يُعْصَى قَالَ: فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى عَلِيٍّ، فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ، وَقَالَ: قَدْ أَعْلَمْتُهُ أَنِّي لَسْتُ بِعَائِدٍ.

قَالَ: فَبَلَغَ مَرْوَانَ مَقَالَةُ نَائِلَةَ فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَ إِلَى عُثْمَانَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَتَكَلَّمُ أَوْ أَسْكُتُ؟ فَقَالَ: تَكَلَّمْ، فَقَالَ: إِنَّ بِنْتَ الْفُرَافِصَةِ فَقَالَ عُثْمَانُ: لا تَذْكُرَنَّهَا بِحَرْفٍ فاسوى لَكَ وَجْهَكَ، فَهِيَ وَاللَّهِ أَنْصَحُ لِي مِنْكَ.

قَالَ: فَكَفَّ مَرْوَانُ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ يَذْكُرُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، قَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ مَرْوَانَ! خَرَجَ عُثْمَانُ إِلَى النَّاسِ فَأَعْطَاهُمُ الرِّضَا، وَبَكَى عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَكَى النَّاسُ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى لِحْيَةِ عُثْمَانَ مُخَضَّلَةً مِنَ الدُّمُوعِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ! وَاللَّهِ لَئِنْ رَدَّنِي الْحَقُّ إِلَى أَنْ أَكُونَ عَبْدًا قِنًّا لأَرْضَيَنَّ بِهِ، إِذَا دَخَلْتُ منزلي فادخلوا على، فو الله لا احتجب منكم، وَلأُعْطِيَنَّكُمُ الرِّضَا، وَلأَزِيدَنَّكُمْ عَلَى الرِّضَا، وَلأُنْحِيَنَّ مَرْوَانَ وَذَوِيهِ قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ أَمَرَ بِالْبَابِ فَفُتِحَ، وَدَخَلَ بَيْتَهُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ، فَلَمْ يَزَلْ يَفْتِلُهُ فِي الذِّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى فَتَلَهُ عَنْ رَأْيِهِ، وَأَزَالَهُ عَمَّا كَانَ يُرِيدُ، فَلَقَدْ مَكَثَ عُثْمَانُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مَا خَرَجَ اسْتِحْيَاءً مِنَ النَّاسِ، وَخَرَجَ مَرْوَانُ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ! أَلا مَنْ أُرِيدَ! ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ، فَإِنْ يَكُنْ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَاجَةٌ بِأَحَدٍ مِنْكُمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِ، وَإِلا قَرَّ فِي بَيْتِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَجِئْتُ إِلَى عَلِيٍّ فَأَجِدُهُ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، وَأَجِدُ عِنْدَهُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَهُمَا يَقُولانِ:

صَنَعَ مَرْوَانُ بِالنَّاسِ وَصَنَعَ قَالَ: [فَأَقْبَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَحَضَرْتَ خُطْبَةَ عُثْمَانَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَحَضَرْتَ مَقَالَةَ مَرْوَانَ لِلنَّاسِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ عَلِيٌّ: عِيَاذُ اللَّهِ، يَا لِلْمُسْلِمِينَ! إِنِّي إِنْ قَعَدْتُ فِي بَيْتِي قَالَ لِي: تَرَكْتَنِي وَقَرَابَتِي وَحَقِّي، وَإِنِّي إِنْ تَكَلَّمْتُ فَجَاءَ مَا يُرِيدُ يَلْعَبُ بِهِ مَرْوَانُ، فَصَارَ سِيقَةً لَهُ يَسُوقُهُ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ كِبَرِ السِّنِّ وَصُحْبَةِ رسول الله ص] .

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ: فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ: ائْتِنِي، فَقَالَ عَلِيٌّ بَصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ عَالٍ مُغْضَبٍ: قُلْ لَهُ: مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْكَ وَلا عَائِدٍ.

قَالَ: فَانْصَرَفَ الرَّسُولُ قَالَ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَيْلَتَيْنِ خَائِبًا، فَسَأَلْتُ نَاتِلا غُلامَهُ: مِنْ أَيْنَ جَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ: فَغَدَوْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ على ع، فَقَالَ لِي:

جَاءَنِي عُثْمَانُ الْبَارِحَةَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنِّي غَيْرُ عَائِدٍ، وَإِنِّي فَاعِلٌ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: بَعْدَ مَا تَكَلَّمْتَ بِهِ عَلَى مِنْبَرِ رسول الله ص، وَأَعْطَيْتَ مِنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ دَخَلْتَ بَيْتَكَ، وَخَرَجَ مَرْوَانُ إِلَى النَّاسِ فَشَتَمَهُمْ عَلَى بَابِكَ وَيُؤْذِيهِمْ! قَالَ: فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: قَطَعْتَ رَحِمِي وَخَذَلْتَنِي، وَجَرَّأْتَ النَّاسَ عَلَيَّ.

فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَذُبُّ الناس عنك، ولكنى كلا جِئْتُكَ بِهَنَةٍ أَظُنُّهَا لَكَ رِضًا جَاءَ بِأُخْرَى، فَسَمِعْتَ قَوْلَ مَرْوَانَ عَلَيَّ، وَاسْتَدْخَلْتَ مَرْوَانَ.

قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ: فَلَمْ أَزَلْ أَرَى عَلِيًّا مُنْكِبًا عَنْهُ لا يَفْعَلُ مَا كَانَ يَفْعَلُ، إِلا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ كَلَّمَ طَلْحَةَ حِينَ حُصِرَ فِي أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ الرَّوَايَا، وَغَضِبَ فِي ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى دَخَلَتِ الرَّوَايَا عَلَى عُثْمَانَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عُثْمَانَ صَعِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَقِمْ كِتَابَ اللَّهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: اجْلِسْ، فَجَلَسَ حَتَّى قَامَ ثَلاثًا، فَأَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ فَجَلَسَ، فَتَحَاثَوْا بِالْحَصْبَاءِ حَتَّى مَا تُرَى السَّمَاءُ، وَسَقَطَ عَنِ الْمِنْبَرِ، وَحُمِلَ فَأُدْخِلَ دَارَهُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ حُجَّابِ عُثْمَانَ، وَمَعَهُ مُصْحَفٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُنَادِي: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ» وَدَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ، وَبَنُو أُمَيَّةَ حَوْلَهُ، فَقَالَ: مالك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَأَقْبَلَتْ بَنُو أُمَيَّةَ بِمَنْطِقٍ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا عَلِيُّ أَهْلَكْتَنَا وَصَنَعْتَ هَذَا الصَّنِيعَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ! أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ بَلَغْتَ الَّذِي تُرِيدُ لَتَمُرَّنَّ عَلَيْكَ الدُّنْيَا فَقَامَ عَلِيٌّ مغضبا

 

... قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ، قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ، دَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَسْتَرْجِعُ مِمَّا يَرَى عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ:

الآنَ تَنْدَمُ! أَنْتَ أَشْعَرْتَهُ فَأَسْمَعُ سَعْدًا يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ النَّاسَ يَجْتَرِئُونَ هَذِهِ الْجُرْأَةَ، وَلا يَطْلُبُونَ دَمَهُ، وَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ الآنَ فَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ لَمْ تَحْضُرْهُ أَنْتَ وَلا أَصْحَابُكَ، فَنَزَعَ عَنْ كُلِّ مَا كُرِهَ مِنْهُ، وَأَعْطَى التَّوْبَةَ، وَقَالَ: لا أَتَمَادَى فِي الْهَلَكَةِ، إِنَّ مَنْ تَمَادَى فِي الْجَوْرِ كَانَ أَبْعَدَ مِنَ الطَّرِيقِ، فَأَنَا أَتُوبُ وَأَنْزِعُ فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَذُبَّ عَنْهُ، فَعَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنَّهُ مُتَسَتِّرٌ، وَهُوَ لا يُجِبْهُ، فَخَرَجَ سَعْدٌ حَتَّى أَتَى عَلِيًّا وَهُوَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَسَنٍ، قُمْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي! جِئْتُكَ وَاللَّهِ بِخَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ أَحَدٌ قَطُّ إِلَى أَحَدٍ، تَصِلُ رَحِمَ ابْنِ عَمِّكَ، وَتَأْخُذُ بِالْفَضْلِ عَلَيْهِ، وَتَحْقِنُ دَمَهُ، وَيَرْجِعُ الأَمْرُ عَلَى مَا نُحِبُّ، قَدْ أَعْطَى خليفتك مِنْ نَفْسِهِ الرِّضَا [فَقَالَ عَلِيٌّ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ يَا أَبَا إِسْحَاقَ! وَاللَّهِ مَا زِلْتُ أَذُبُّ عَنْهُ حَتَّى إِنِّي لأَسْتَحِي، وَلَكِنَّ مَرْوَانَ ومعاويه وعبد الله بن عامر وسعيد ابن الْعَاصِ هُمْ صَنَعُوا بِهِ مَا تَرَى، فَإِذَا نَصَحْتُهُ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يُنَحِّيهِمْ استغشني حَتَّى جَاءَ مَا تَرَى] قَالَ: فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ جَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَسَارَّ عَلِيًّا، فَأَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي، وَنَهَضَ عَلِيٌ وَهُوَ يَقُولُ: وَأَيُّ خير توبته هذه! فو الله مَا بَلَغْتُ دَارِي حَتَّى سَمِعْتُ الْهَائِعَةَ، أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَلَمْ نَزَلْ وَاللَّهِ فِي شَرٍّ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.

دفاعات واحتجاجات عثمان بن عفان الضعيفة عن أخطائه أمام نقد الثوار وإدانتهم له

 

روى أحمد:

 

437 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَعَفَّانُ ، الْمَعْنَى ، قَالا : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فِي الدَّارِ ، فَدَخَلَ مَدْخَلًا كَانَ إِذَا دَخَلَهُ يَسْمَعُ كَلامَهُ مَنْ عَلَى الْبَلَاطِ ، قَالَ : فَدَخَلَ ذَلِكَ الْمَدْخَلَ وَخَرَجَ إِلَيْنَا ، فَقَالَ : إِنَّهُمْ يَتَوَعَّدُونَنِي بِالْقَتْلِ آنِفًا . قَالَ : قُلْنَا : يَكْفِيكَهُمُ اللهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : وَبِمَ يَقْتُلُونَنِي (1) ؟ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاثٍ : رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلامِهِ ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا فَيُقْتَلُ بِهَا " ، فَوَاللهِ مَا أَحْبَبْتُ (2) أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلًا مُنْذُ هَدَانِي اللهُ ، وَلا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ قَطُّ ، وَلا قَتَلْتُ نَفْسًا ، فَبِمَ يَقْتُلُونَنِي ؟ (3) .

 

(1) في (ب) وعلى حاشيتي (ق) و (ص) : يقتلوني .

(2) على حاشية (س) و (ق) و (ص) : ما أحب .

(3) إسناده صحيح على شرط الشيخين . عفان : هو ابن مسلم بن عبد الله الباهلي الصفار ، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري معدود في الصحابة ، له رؤية ولم يسمع من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وأخرجه ابن سعد 3 / 67 عن عفان وسليمان بن حرب ، بهذا الإسناد .

وأخرجه ابن شبة في " تاريخ المدينة " 4 / 1186 ، وأبو داود (4502) ، وابن الجارود (836) ، والحاكم 4 / 350 من طريق سليمان بن حرب ، به. وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .

وأخرجه الشافعي 2 / 96 ، والطيالسي (72) ، والدارمي (2297) ، وابن ماجه (2533) ، والترمذي (2158) ، والبزار (381) ، والنسائي 7 / 91 ، والطحاوي في " مشكل الآثار " 2 / 321 ، والبيهقي 8 / 18 - 19 و194 من طرق عن حماد ، به . وقال الترمذي : حديث حسن . وسيأتي برقم (468) و (509) .

والبلاط : موضع بالمدينة بين مسجد رسول الله وبين سوق المدينة كان مبلطاً بالحجارة .

 

استدل عثمان بنص ديني أجوف كتبرير وادعاء بأن نهبه لخيرات وحقوق الشعوب وتمسكه بالسلطة لا يعني مبررًا لنزعه منها بالقوة والقتل لرفضه خيار الشورى واختيار الشعوب لحاكمها.

 

إدانة عبد الرحمن بن عوف الصحابي المهم سياسيًّا لعثمان بن عفان لتركه عدالة ومساواة عمر بين المسلمين

 

روى أحمد:

 

490 - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ شَقِيقٍ ، قَالَ: لَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ : مَا لِي أَرَاكَ قَدْ جَفَوْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : أَبْلِغْهُ أَنِّي لَمْ أَفِرَّ يَوْمَ عَيْنَيْنِ - قَالَ عَاصِمٌ : يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ - وَلَمْ أَتَخَلَّفْ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَلَمْ أَتْرُكْ سُنَّةَ عُمَرَ . قَالَ : فَانْطَلَقَ فَخَبَّرَ ذَلِكَ عُثْمَانَ ، قَالَ : فَقَالَ : أَمَّا قَوْلُهُ : إِنِّي لَمْ أَفِرَّ يَوْمَ عَيْنَيْنَ ، فَكَيْفَ يُعَيِّرُنِي بِذَنْبٍ وَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران : 155] ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : إِنِّي تَخَلَّفْتُ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَإِنِّي كُنْتُ أُمَرِّضُ رُقَيَّةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَتْ وَقَدْ (1) ضَرَبَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِي ، وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ فَقَدْ شَهِدَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : إِنِّي لَمْ أَتْرُكْ سُنَّةَ عُمَرَ ، فَإِنِّي لَا أُطِيقُهَا وَلا هُوَ ، فَائْتِهِ فَحَدِّثْهُ بِذَلِكَ (2) .

 

(1) في (ق) : ولقد .

(2) إسناده حسن ، رجالُه ثقات رجال الشيخين غيرَ عاصم - وهو ابن أبي النجود - فقد روى له أصحابُ السنن ، وحديثُه في " الصحيحين " مقرون ، وهو حسنُ الحديث .

معاوية بن عمرو : هو ابنُ المهلب الأزدي ، وزائدةُ : هو ابنُ قدامة ، وشقيق : هو ابن سلمة أبو وائل ، والوليد بن عقبة : هو ابن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية القرشي الأموي أخو عثمان لأمه ، له صحبة ، وعاش إلى خلافة معاوية .

وأخرجه الطبراني (135) من طريق معاوية بن عمرو ، بهذا الإسناد مختصراً .

وأخرجه ابن شبَّة في " تاريخ المدينة " 3 / 1032 ، والبزار (395) من طريقين عن عاصم ، به . وسيأتي برقم (556) .

وعينان : قال ياقوت : هضبة جبل أحد بالمدينة ، ويقال : جبلان عند أحد ، ويقال ليوم أحد : عينين .

والمراد بسنة عمر هنا طريقتُه وهديه وسيرته ، فقد كان رضي الله عنه أزهدَهم في الدنيا ، وأرغبَهم في الآخرة ، وأشفقَهم على الرعية ، وأكثرَهم تققداً لأحوالهم ، يُنْصِفُ مظلومَهم ، ويُؤمِّنُ خائِفَهم ، ويَلِيْنُ لأهلِ السلامةِ والدينِ والفضلِ ، ويَشْتَدُّ على أهلِ الفساد والظلم والتعدي ، وقد أتعب مَنْ بعده أن يَلْحَق به ، أويَجْرِيَ في مضمارِه ، ولهذا قال عثمان رضي الله عنه : فإني لا أطيقها ولا هو .

 

محاولة عثمان لاجترار وترديد أفعاله ومآثره القديمة للترويج لنفسه كحاكم له شرعية رغم أخطائه التي فعلها في الحكم والسلطة (وخرافة اهتزاز جبل حراء خرافة سنية)

 

روى أحمد:

 

420 - حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ - عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ: أَشْرَفَ عُثْمَانُ مِنَ الْقَصْرِ ، وَهُوَ مَحْصُورٌ ، فَقَالَ : أَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حِرَاءٍ إِذِ اهْتَزَّ الْجَبَلُ فَرَكَلَهُ بِقَدَمِهِ ، ثُمَّ قَالَ : " اسْكُنْ حِرَاءُ ، لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ " وَأَنَا مَعَهُ ؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ .

قَالَ : أَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ إِذْ بَعَثَنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ ، قَالَ : " هَذِهِ يَدِي ، وَهَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ " فَبَايَعَ لِي ؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ .

قَالَ : أَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ يُوَسِّعُ لَنَا بِهَذَا الْبَيْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ ؟ " فَابْتَعْتُهُ مِنْ مَالِي فَوَسَّعْتُ بِهِ الْمَسْجِدَ (1) ؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ .

قَالَ : وَأَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ ، قَالَ : " مَنْ يُنْفِقُ الْيَوْمَ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةً ؟ " فَجَهَّزْتُ نِصْفَ الْجَيْشِ مِنْ مَالِي ؟ قَالَ : فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ .

وَأَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رُومَةَ يُبَاعُ مَاؤُهَا ابْنَ السَّبِيلِ ، فَابْتَعْتُهَا مِنْ مَالِي ، فَأَبَحْتُهَا لِابْنِ السَّبِيلِ ؟ قَالَ : فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ (2) .

 

(1) في (ص) : في المسجد .

(2) حديث صحيح ، رجاله ثقات رجال الشيخين . أبو قطن : اسمه عمرو بن الهيثم بن قطن .

وأخرجه الدارقطني 4 / 198 من طريق أحمد بن حنبل ، بهذا الإسناد .

وأخرجه ابن أبي عاصم (1309) ، والنسائي 6 / 236 ، والدارقطني 4 / 198 من طريق عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، به .

وأخرجه الدارقطني 4 / 198 من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، به .

وقد خالف يونسَ وإسرائيلَ فيه زيدُ بن أبي أنيسة وشعبة وعبد الكبيرِ بن دينار ، فرووه عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن عثمان .

 

• 555 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِىُّ ، حَدَّثَنَا هِلالُ بْنُ حِقٍّ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ : شَهِدْتُ الدَّارَ يَوْمَ أُصِيبَ عُثْمَانُ ، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمُ اطِّلاعَةً ، فَقَالَ : ادْعُوا لِي صَاحِبَيْكُمِ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ . فَدُعِيَا لَهُ ، فَقَالَ : نَشَدْتُكُمَا اللهَ ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ ضَاقَ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ ، فَقَالَ : " مَنْ يَشْتَرِي هَذِهِ الْبُقْعَةَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ ، فَيَكُونَ فِيهَا كَالْمُسْلِمِينَ ، وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ " فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ خَالِصِ مَالِي ، فَجَعَلْتُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ .

ثُمَّ قَالَ : أَنْشُدُكُمِ اللهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِئْرٌ يُسْتَعْذَبُ مِنْهُ (1) إِلا رُومَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ ، فَيَكُونَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدُلِيِّ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ " فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ خَالِصِ مَالِي ، فَأَنْتُمْ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا .

ثُمَّ قَالَ : هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي صَاحِبُ جَيْشِ الْعُسْرَةِ ؟ قَالُوا : اللهُمَّ نَعَمْ (2) .

 

(1) في (ص) : يستعذب بماء منه .

(2) إسناده حسن ، هلال بن حِقّ روى عنه جمع ، وحديثه عند النسائي في " عمل اليوم والليلة " وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير أمامة بن حزن ، فمن رجال مسلم .

وأخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (1306) عن محمد بن أبي بكر المقدمي ، بهذا الإسناد .

وأخرجه الترمذي (3703) ، وابن أبي عاصم (1305) ، والنسائي 6 / 235 ، وابن خزيمة (2492) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ترجمة عثمان ص 339 من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن الجريري ، به . وحسنه الترمذي وانظر (511) .

 

511 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جَاوَانَ (1) ، قَالَ: قَالَ الْأَحْنَفُ : انْطَلَقْنَا حُجَّاجًا ، فَمَرَرْنَا بِالْمَدِينَةِ ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي مَنْزِلِنَا ، إِذْ جَاءَنَا آتٍ ، فَقَالَ : النَّاسُ مِنْ فَزَعٍ فِي الْمَسْجِدِ . فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَصَاحِبِي ، فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى نَفَرٍ فِي الْمَسْجِدِ ، قَالَ : فَتَخَلَّلْتُهُمْ حَتَّى قُمْتُ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ جَاءَ عُثْمَانُ يَمْشِي ، فَقَالَ : أَهَاهُنَا عَلِيٌّ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : أَهَاهُنَا الزُّبَيْرُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : أَهَاهُنَا طَلْحَةُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : أَهَاهُنَا سَعْدٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ .

قَالَ : أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ يَبْتَاعُ مِرْبَدَ بَنِي فُلانٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ " . فَابْتَعْتُهُ ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُهُ . فَقَالَ : " اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ " ؟ قَالُوا : نَعَمْ .

قَالَ : أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ يَبْتَاعُ بِئْرَ رُومَةَ ؟ " فَابْتَعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُهَا ، يَعْنِي بِئْرَ رُومَةَ ، فَقَالَ : " اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُهَا لَكَ " ؟ قَالُوا : نَعَمْ .

قَالَ : أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ يَوْمَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ ، فَقَالَ : " مَنْ يُجَهِّزُ هَؤُلاءِ غَفَرَ اللهُ لَهُ " فَجَهَّزْتُهُمْ ، حَتَّى مَا يَفْقِدُونَ خِطَامًا وَلا عِقَالًا ؟ قَالُوا : اللهُمَّ نَعَمْ . قَالَ : اللهُمَّ اشْهَدْ ، اللهُمَّ اشْهَدْ ، اللهُمَّ اشْهَدْ . ثُمَّ انْصَرَفَ (2) .

 

(1) في (ص) : عُمر بن جاوان . قال أبو الحسن الدارقطني : قال جرير بن عبد الحميد ، وأبو عوانة ، وسليمان التيمي ، وأبو حفص الأبار ، وعلي بن عاصم : عن حصين ، عن عمرو بن جاوان . وقال شعبة ، وخالد ، وابن إدريس : عن حصين ، عن عمر بن جاوان ، والله أعلم بالصواب . " العلل " 3 / 16 .

(2) حديث صحيح لغيره ، وهذا إسناد ضعيف ، عمرو بن جاوان روى له النسائي ، ولم يرو عنه غير حصين ، ولم يذكره أحد في الثقات غير ابن حبان ، وقال الذهبي : لا يعرف ، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين . بهز : هو ابن أسد ، وحصين : هو ابن عبد الرحمن السلمي ، والأحنف : هو ابن قيس التميمي .

وأخرجه الطيالسي (82) ، وابنُ أبي عاصم (1303) من طريق أبي عوانة ، بهذا الإسناد .

وأخرجه ابنُ أبي شيبة 12 / 39 ، وابن أبي عاصم (1303) و (1304) ، والبزار (390) و (391) ، والنسائي 6 / 46 و233 و234 ، وابن خزيمة (2487) ، وابن حبان (6920) من طريقين عن حصين ، به . وقد تقدم من طريق آخر برقم (420) .

وسيأتي من طريق آخر عن عثمان (555) . وله شاهد من حديث ثمامة بن حزن القشيري عند الترمذي (3703) ، والنسائي 6 / 235 - 236 ، قال الترمذي : حديث حسن .

 

وأمثال هذه المزاعم والدعاوى نقرؤها كذلك في تاريخ الطبري. وكما قلت بباب (التشريعات الباطلة الأول) في موضوع تخدير الضمائر في الأحاديث فإن هذه البشارات والمديح الذي كاله محمد لعثمان كمحسن وممول لدعوته وأتباعه جعلت عثمان يصير مخدر الضمير ويبرر لنفسه السلوكيات الخاطئة والظلم والفساد في حكمه.

 

من اعتراف عثمان بخطاياه كما ورد في تاريخ الطبري في حواره مع بعض الصحابة منهم علي وطلحة ومعاوية والزبير وسعد:

 

... فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقَ ابْنُ أَخِي، إِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنِّي وَعَمَّا وُلِّيتُ، إِنَّ صَاحِبَيَّ اللَّذَيْنِ كَانَا قَبْلِي ظَلَمَا أَنْفُسَهُمَا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا بِسَبِيلٍ احْتِسَابًا، وَإِنَّ رَسُولَ الله ص كَانَ يُعْطِي قَرَابَتَهُ، وَأَنَا فِي رَهْطِ أَهْلِ عَيْلَةٍ، وَقِلَّةِ مِعَاشٍ، فَبَسَطْتُ يَدِي فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ، لِمَكَانِ مَا أَقُومُ بِهِ فِيهِ، وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ لِي، فَإِنْ رَأَيْتُمْ ذَلِكَ خَطَأً فَرُدُّوهُ، فَأَمْرِي لأَمْرِكُمْ تَبَعٌ قَالُوا: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ، قَالُوا: أَعْطَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ وَمَرْوَانَ- وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ أَعْطَى مَرْوَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَابْنَ أُسَيْدٍ خَمْسِينَ أَلْفًا- فَرَدُّوا مِنْهُمَا ذَلِكَ، فَرَضَوْا وَقَبِلُوا، وَخَرَجُوا رَاضِينَ.

 

طلحة بن عبيد الله من ضمن المحاصرين لعثمان وبعض الأخبار الخرافية لتقديس عثمان

 

38832- حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : لَمَّا حُصِرَ عُثْمَان أَتَى عَلِيٌّ طَلْحَةَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى وَسَائِدَ فِي بَيْتِهِ ، فَقَالَ : أَنْشُدُك اللَّهَ ، لَمَا رَدَدْت النَّاسَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ ، فَقَالَ طَلْحَةُ : لاَ وَاللهِ حَتَّى تُعْطِيَ بَنُو أُمَيَّةَ الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِهَا.

 

طلحة يعمل ويساعد على مقتل عثمان

 

38865- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِ الأَشْتَرِ ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى أَتَى طَلْحَةَ ، فَقَالَ : يا طلحة إِنَّ هَؤُلاَءِ ، يَعْنِي أَهْلَ مِصْرَ , يَسْمَعُونَ مِنْك وَيُطِيعُونَك ، فَانْهَهُمْ عَنْ قَتْلِ عُثْمَانَ ، فَقَالَ : مَا أَسْتَطِيعُ دَفْعَ دَمٍ أَرَادَ اللَّهُ إهْرَاقَهُ , فَأَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِ الأَشْتَرِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ : بِئْسَ مَا ظَنَّ ابْنُ الْحَضْرَمِيَّةِ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَ عَمَّتي وَيَغْلِبَنِي عَلَى مُلْكِي بِئْسَ مَا رأى.

 

لا يمكن لوم طلحة كثيرًا على الثورة على حاكم ظالم، لكنه فعل ذلك طمعًا بالسلطة لنفسه، لكن ما لم يرتضوه من حاكم ظالم ضعيف، غصبت عليه أمة الإسلام وعلى ما هو أكثر ظلمًا منه على يد معاوية والأمويين.

 

روى أحمد:

 

• 552 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَادَةَ الزُّرَقِيُّ الْأَنْصَارِيُّ ، مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : شَهِدْتُ عُثْمَانَ يَوْمَ حُوصِرَ فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ ، وَلَوْ أُلْقِيَ حَجَرٌ لَمْ يَقَعْ إِلا عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ ، فَرَأَيْتُ عُثْمَانَ أَشْرَفَ مِنَ الْخَوْخَةِ الَّتِي تَلِي مَقَامَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفِيكُمْ طَلْحَةُ ؟ فَسَكَتُوا ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ طَلْحَةُ ؟ فَسَكَتُوا ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ طَلْحَةُ ؟ فَسَكَتُوا (2) ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ طَلْحَةُ ؟ فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : أَلَا أَرَاكَ هَاهُنَا ؟ مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّكَ تَكُونُ فِي جَمَاعَةٍ تَسْمَعُ نِدَائِي آخِرَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ ثُمَّ لَا تُجِيبُنِي ، أَنْشُدُكَ اللهَ (3) يَا طَلْحَةُ ، تَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ [أَصْحَابِهِ] (*) غَيْرِي وَغَيْرُكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا طَلْحَةُ ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ رَفِيقٌ مِنْ أُمَّتِهِ مَعَهُ (4) فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ هَذَا - يَعْنِينِي – رَفِيقِي مَعِي فِي الْجَنَّةِ " . قَالَ طَلْحَةُ : اللهُمَّ نَعَمْ . ثُمَّ انْصَرَفَ (1) .

 

إسناده ضعيف ، القاسم بن حكم الأنصاري قال البخاري : سمع أبا عبادة ولم يصح حديث أبي عبادة ، وقال أبو حاتم : مجهول ، وليّنه الحافظ في " التقريب " ، وأبو عبادة الزرقي - واسمه عيسى بن عبد الرحمن بن فروة - ضعفه البخاري والنسائي وابن حبان والعقيلي وغيرهم ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث ، ضعيف الحديث ، شبيه بالمتروك .

وأخرجه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (323) من طريق عبد الله بن أحمد ، بهذا الإسناد ، وقال : هذا حديث لا يصح .

وأخرجه البزار (374) ، وابن أبي عاصم (1288) من طريق محمد بن المثنى ، والحاكم 3 / 97 - 98 من طريق عمرو بن ميسرة ، كلاهما عن القاسم بن الحكم ، به . وقد وقع في المطبوع من كتاب السنة لابن أبي عاصم : القاسم بن القاسم . قال الحاكم :

صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بأن القاسم بن الحكم قال عنه البخاري : لا يصح حديثه ، وأن أبا حاتم جهله ولم يتكلم على أبي عبادة الزرقي مع أنه العلة الرئيسة للحديث وهو أشد ضعفاً من القاسم بن الحكم .

 

1402 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبِيدَةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُجَبَّرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَشْرَفَ عَلَى الَّذِينَ حَصَرُوهُ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَفِي الْقَوْمِ طَلْحَةُ ؟ قَالَ طَلْحَةُ: نَعَمْ . قَالَ: فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُسَلِّمُ عَلَى قَوْمٍ أَنْتَ فِيهِمْ فَلا يَرُدُّونَ، قَالَ: قَدْ رَدَدْتُ، قَالَ: مَا هَكَذَا الرَّدُّ أُسْمِعُكَ وَلا تُسْمِعُنِي يَا طَلْحَةُ ؟ أَنْشُدُكَ اللهَ، أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يُحِلُّ دَمَ الْمُسْلِمِ إِلا وَاحِدَةٌ مِنْ ثَلاثٍ: أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ، أَوْ يَزْنِيَ بَعْدَ إِحْصَانِهِ ، أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا فَيُقْتَلَ بِهَا " قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ . فَكَبَّرَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَنْكَرْتُ اللهَ مُنْذُ عَرَفْتُهُ، وَلا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا فِي إِسْلامٍ، وَقَدْ تَرَكْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَكَرُّهًا وَفِي الْإِسْلامِ تَعَفُّفًا، وَمَا قَتَلْتُ نَفْسًا يَحِلُّ بِهَا قَتْلِي

 

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، الحارث بن عبيدة الحمصي الكَلاعي قاضي حمص قال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال الدارقطني: ضعيف، وتناقض ابنُ حبان فذكره في "الثقات" 6/176، وفي "الضعفاء" 1/224، ومحمد بن عبد الرحمن بن مُجَبر قال في "تعجيل المنفعة" ص 369: قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه، وقال النسائي وجماعة: متروك.

وانظر ما تقدم في مسند عثمان برقم (437) .

 

وانظر حديث أحمد 511 أعلاه، وذكر طلحة ضمن المحاصرين لعثمان ومساهمته في منع المناصرين له من الوصول إليه والدخول للكلام معه حتى قام الثوار بمقتله معروفة وذكرها الطبري في تاريخه. والطريف أنه كما جاء في كتب التاريخ ومنها الطبري أنه حارب علي بن أبي طالب ومعه الزبير بن العوام بدعوى المطالبة بالثأر لدم عثمان بن عفان!

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

31338- حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : لَمَّا حُصِرَ عُثْمَان أَتَى عَلِيٌّ طَلْحَةَ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلَى وَسَائِدَ فِي بَيْتِهِ ، فَقَالَ : أُنْشِدُك اللَّهَ لَمَّا رَدَدْت النَّاسَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ طَلْحَةُ : حَتَّى يُعْطُوا الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

 

وذكر الطبري في تاريخه:

....فَلَمَّا نَزَلَ الْقَوْمُ ذَا خَشَبٍ جَاءَ الْخَبَرُ أَنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونَ قَتْلَ عُثْمَانَ إِنْ لَمْ يَنْزَعْ، وَأَتَى رَسُولُهُمْ إِلَى عَلِيٍّ لَيْلا، وَإِلَى طَلْحَةَ، وَإِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ.

 

... قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ: فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ: ائْتِنِي، فَقَالَ عَلِيٌّ بَصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ عَالٍ مُغْضَبٍ: قُلْ لَهُ: مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْكَ وَلا عَائِدٍ.

قَالَ: فَانْصَرَفَ الرَّسُولُ قَالَ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَيْلَتَيْنِ خَائِبًا، فَسَأَلْتُ نَاتِلا غُلامَهُ: مِنْ أَيْنَ جَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ: فَغَدَوْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ على ع، فَقَالَ لِي:

جَاءَنِي عُثْمَانُ الْبَارِحَةَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنِّي غَيْرُ عَائِدٍ، وَإِنِّي فَاعِلٌ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: بَعْدَ مَا تَكَلَّمْتَ بِهِ عَلَى مِنْبَرِ رسول الله ص، وَأَعْطَيْتَ مِنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ دَخَلْتَ بَيْتَكَ، وَخَرَجَ مَرْوَانُ إِلَى النَّاسِ فَشَتَمَهُمْ عَلَى بَابِكَ وَيُؤْذِيهِمْ! قَالَ: فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: قَطَعْتَ رَحِمِي وَخَذَلْتَنِي، وَجَرَّأْتَ النَّاسَ عَلَيَّ.

فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَذُبُّ الناس عنك، ولكنى كلا جِئْتُكَ بِهَنَةٍ أَظُنُّهَا لَكَ رِضًا جَاءَ بِأُخْرَى، فَسَمِعْتَ قَوْلَ مَرْوَانَ عَلَيَّ، وَاسْتَدْخَلْتَ مَرْوَانَ.

قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ: فَلَمْ أَزَلْ أَرَى عَلِيًّا مُنْكِبًا عَنْهُ لا يَفْعَلُ مَا كَانَ يَفْعَلُ، إِلا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ كَلَّمَ طَلْحَةَ حِينَ حُصِرَ فِي أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ الرَّوَايَا، وَغَضِبَ فِي ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى دَخَلَتِ الرَّوَايَا عَلَى عُثْمَانَ.

 

... قَالَ مُحَمَّدٌ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَتَحَدَّثْتُ عِنْدَهُ سَاعَةً، فَقَالَ: يا بن عَيَّاشٍ، تَعَالَ.

فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَسْمَعَنِي كَلامَ مَنْ عَلَى بَابِ عُثْمَانَ، فَسَمِعْنَا كَلامًا، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا تَنْتَظِرُونَ بِهِ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: انْظُرُوا عَسَى أَنْ يُرَاجِعَ، فَبَيْنَا أَنَا وَهُوَ وَاقِفَانِ إِذْ مَرَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَوَقَفَ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عُدَيْسٍ؟

فَقِيلَ: هَا هُوَ ذَا، قَالَ: فَجَاءَهُ ابْنُ عُدَيْسٍ، فَنَاجَاهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ عُدَيْسٍ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: لا تَتَرْكُوا أَحَدًا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، وَلا يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ: فَقَالَ لِي عُثْمَانُ: هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ.

ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ حَمَلَ عَلَيَّ هَؤُلاءِ وَأَلَّبَهُمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مِنْهَا صِفْرًا، وَأَنْ يُسْفَكَ دَمُهُ، إِنَّهُ انْتَهَكَ مِنِّي مَا لا يَحِلُّ لَهُ، [سَمِعْتُ رَسُولَ الله ص يَقُولُ: لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا فِي إِحْدَى ثَلاثٍ: رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلامِهِ فَيُقْتَلُ، أَوْ رَجُلٍ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ فَيُرْجَمُ، أَوْ رَجُلٍ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ،] فَفِيمَ أُقْتَلُ! قَالَ:

ثُمَّ رَجَعَ عُثْمَانُ قَالَ ابْنُ عَيَّاشٍ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ فَمَنَعُونِي حَتَّى مَرَّ بي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: خَلُّوهُ، فَخَلُّونِي.

قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَشْعَرِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْيَوْمَ الَّذِي دُخِلَ فِيهِ عَلَى عُثْمَانَ، فَدَخَلُوا مِنْ دَارِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ خَوْخَةٍ هُنَاكَ حَتَّى دَخَلُوا الدَّارَ، فَنَاوَشُوهُمْ شيئا من مناوشه ودخلوا، فو الله مَا نَسِينَا أَنْ خَرَجَ سُودَانُ بْنُ حُمْرَانَ، فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: أَيْنَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ؟ قَدْ قَتَلْنَا ابْنَ عَفَّانَ!...إلخ

 

وروى أحمد:

 

1414 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا شَدَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قُلْنَا لِلزُّبَيْرِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا جَاءَ بِكُمْ ضَيَّعْتُمُ الْخَلِيفَةَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ جِئْتُمْ تَطْلُبُونَ بِدَمِهِ ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: " إِنَّا قَرَأْنَاهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ} [الأنفال: 25] خَاصَّةً لَمْ نَكُنْ نَحْسَبُ أَنَّا أَهْلُهَا حَتَّى وَقَعَتْ مِنَّا حَيْثُ وَقَعَتْ "

 

إسناده جيد، شداد بن سعيد أبو طلحة الراسبي صدوق، وروى له مسلم في الشواهد، وباقي رجاله ثقات رجال ألشيخين غيرَ أبي سعيد مولى بني هاشم- واسمُه عبدُ الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري- فمن رجال البخاري. مطرف: هو ابن عبد الله بن الشِّخير.

وأخرجه البزار (976) من طريق الحجاج بن نصير، عن شداد بن سعيد، بهذا الإسناد.

وسيأتي بنحوه برقم (1438) من طريق الحسن عن الزبير بن العوام.

 

ومع ذلك موقف أشخاص كالزبير في يوم الدار ودفاعه المجيد عن حياة عثمان بقدر ما استطاع مما يذكره التاريخ له كنبل وشجاعة مذكورين، فهو لم يترك عثمان إلا عندما أصر عثمان على ترك المدافعين عنه داره لأنه مقتول لا محالة والثوار كانوا أكثر ومسيطرين على الوضع ولا قوة لمواجهتهم، وهذا يدل على فشل عسكري وإداري كذلك من عثمان في تأمين مقر حكمه واعتماده على فكرة الشعبية وحب الناس له بظنه وهو ما لم يحدث بل حدث عكسه.

 

محاولة عثمان قبل حصاره النهائي أن يفرق الثوار عنه

 

روى أحمد:

 

558 - حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، حَدَّثَنَا زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ الْقُرَشِيُّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى عُثْمَانَ ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي كَتَمْتُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَرَاهِيَةَ تَفَرُّقِكُمْ عَنِّي ، ثُمَّ بَدَا لِي الْآنَ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ ، لِيَخْتَارَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ ، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ ".

 

حديث حسن ، وقد تقدم برقم (442) و (477) .

 

وروى البخاري:

 

6494 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ رَجُلٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَالنُّعْمَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ أَوْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يُونُسُ وَابْنُ مُسَافِرٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

وروى مسلم:

 

[ 1889 ] حدثنا يحيى بن يحيى التميمي حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن بعجة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه أو رجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس إلا في خير

 

كما قلت في آخر ج1 بهذا أوصَوْا عثمان بعد فوات الأوان:

 

: "فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ: رَأْيِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَأْمُرَهُمْ بِجِهَادٍ يَشْغَلُهُمْ عَنْكَ، وَأَنْ تَجْمُرَهُمْ فِي الْمَغَازِي حَتَّى يَذِلُّوا لَكَ فَلا يَكُونُ هِمَّةُ أَحَدِهِمْ إِلا نَفْسَهُ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ دُبْرَةِ دَابَّتِهِ، وَقَمْلِ فَرْوِهِ"

 

كما ورد في كتب التاريخ كالطبري.

 

في الحقيقة فالخطأ القاتل الذي ارتكبه عثمان بمراجعة تاريخ الطبري أنه أرسل جنود الامبراطورية/ الخلافة هنا وهناك للفتوحات وللحروب مع المتمردين من فرس وآسيويين على الحكم، وترك يثرب بدون أي حماية دون أن يعمل حسابًا لحدوث هجوم وانقلاب من الداخل، كذلك فاختيار يثرب في الصحراء وقلة الموارد بها كعاصمة خطأ إستيراتيجي كبير لمجرد ميراث وتراث محمد في جعلها عاصمة، لكن ما صلح في عصر محمد عسكريًّا وإستيراتيجيًّا لم يكن ليصلح مع ضم أقاليم كبرى من خارج شبه جزيرة العرب من آسيا وأفريقيا، ولعل علي أول من بدأ يحاول اتخاذ الأنصار من العراق ونقل مجريات تحركاته إلى هناك، ومعاوية منافسه جعل الشام مقر وقاعدة تحركاته ثم حكمه لاحقًا.

 

مرويات ابن أبي شيبة في مصنفه عن إصرار عثمان على عدم ترك السلطة ومقتله

 

ما ذكِر فِي عثمان وغيره من الفتن

 

 38809- حدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : أَنْبَأَنِي وَثَّابٌ وَكَانَ مِمَنْ أَدْرَكَهُ عِتْقُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ ، فَكَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ فِي حَلْقِهِ طَعْنَتَيْنِ كَأَنَّهُمَا كَيَّتَانِ طُعِنَهُمَا يَوْمَ الدَّارِ دَارِ عُثْمَانَ ، قَالَ : بَعَثَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان ، فَقَالَ : ادْعُ الأَشْتَرَ ، فَجَاءَ ، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ : أَظُنُّهُ ، قَالَ : فَطُرِحَتْ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وِسَادَةٌ وله وسادة ، فَقَالَ : يَا أَشْتَرُ ، مَا يُرِيدُ النَّاسُ مِنِّي ، قَالَ : ثَلاَثٌ لَيْسَ مِنْ إحْدَاهُنَّ بُد ، يُخَيِّرُونَك بَيْنَ أَنْ تَخْلَعَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ ، فَتَقُولُ : هَذَا أَمْرُكُمْ ، فَاخْتَارُوا لَهُ مَنْ شِئْتُمْ ، وَبَيْنَ أَنْ تُقِصَّ مِنْ نَفْسِكَ ، فَإِنْ أَبَيْت هَاتَيْنِ فَإِنَّ الْقَوْمَ قَاتِلُوك ، قَالَ : مَا مِنْ إحْدَاهُنَّ بُدٌّ ، قَالَ : مَا مِنْ إحْدَاهُنَّ بُدٌّ ، فَقَالَ : أَمَّا أَنْ أَخْلَعَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ فَمَا كُنْت لأَخْلَعَ لَهُمْ سِرْبَالاً سَرْبَلَنِيهِ اللَّهُ أَبَدًا ، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ : وَقَالَ غَيْرُ الْحَسَنِ : لأَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَخْلَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ : وَهَذِهِ أَشْبَهُ بِكَلاَمُهِ ، وأما أَنْ أَقُصَّ لَهُمْ مِنْ نَفْسِي ، فَوَاللهِ لَقَدْ عَلِمْت أَنَّ صَاحِبَيّ بَيْنَ يَدَيّ كَانَا يَقُصَّانِ مِنْ أَنْفُسِهِمَا ، وَمَا يَقُومُ بَدَنِي بِالْقِصَاصِ ، وَأَمَّا أَنْ يَقْتُلُونِي , فَوَاللهِ لَئِنْ قَتَلُونِي لاَ يَتَحَابُّونَ بَعْدِي أَبَدًا ، وَلاَ يُقَاتِلُونَ بَعْدِي جَمِيعًا عَدُوًّا أَبَدًا ، فَقَامَ الأَشْتَرُ فَانْطَلَقَ ، فَمَكَثْنَا فَقُلْنَا : لَعَلَّ النَّاسَ ، ثُمَّ جَاءَ رُوَيْجِلٌ كَأَنَّهُ ذِئْبٌ ، فَاطَّلَعَ مِنَ الْبَابِ ، ثُمَّ رَجَعَ ، ثُمَّ جَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً حَتَّى انْتَهَى إِلَى عُثْمَانَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ ، فَقَالَ بِهَا حَتَّى سَمِعْت وَقْعَ أَضْرَاسِهِ ، وَقَالَ : مَا أَغْنَى ، عَنْك مُعَاوِيَةُ ، مَا أَغْنَى عَنْك ابْنُ عَامِرٍ ، مَا أَغْنَتْ عَنْك كُتُبُك ، فَقَالَ : أَرْسِلْ لِي لِحْيَتِي يَا ابْنَ أَخِي ، أَرْسِلْ لِي لِحْيَتِي يَا أَخِي ، قَالَ : فرَأَيْته اسْتَعْدَى رَجُلاً مِنَ الْقَوْمِ يُعِينه فَقَامَ إلَيْهِ بِمِشْقَصٍ حَتَّى وَجَأَ بِهِ فِي رَأْسِهِ فَأُثْبِتَ ، ثُمَّ مه ؟ ، قَالَ : ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ وَاللهِ حَتَّى قَتَلُوهُ.

 

38811- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ لِي عُثْمَان وَهُوَ مَحْصُورٌ فِي الدَّارِ : مَا تَقُولُ فِيمَا أَشَارَ بِهِ عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ الأَخْنَسِ ، قَالَ : قُلْتُ : وَمَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْك ، قَالَ : إِنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ يُرِيدُونَ خَلْعِي ، فَإِنْ خُلِعْت تَرَكُونِي ، وَإِنْ لَمْ أُخْلَعْ قَتَلُونِي ، قَالَ : قُلْتُ : أَرَأَيْت إِنْ خُلِعْت أَتُرَاك مُخَلَّدًا فِي الدُّنْيَا ، قَالَ َلا ، قُلْتُ : فَهَلْ يَمْلِكُونَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، قَالَ : لاَ ، قُلْتُ : أَرَأَيْت إِنْ لَمْ تُخْلَعْ ، أَيَزِيدُونَ عَلَى قَتْلِكَ ، قَالَ : لاَ ، قُلْتُ : أَرَأَيْت تَسُنُّ هَذِهِ السُّنَّةَ فِي الإِسْلاَم كُلَّمَا سَخِطَ قَوْمٌ عَلَى أَمِيرٍ خَلَعُوهُ ، وَلاَ تَخْلَعُ قَمِيصًا قَمَّصَكَهُ اللَّهُ.

 

38813- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا لَيْلَى الْكِنْدِيَّ يَقُولُ : رَأَيْت عُثْمَانَ اطَّلَعَ عَلَى النَّاسِ وَهُوَ مَحْصُورٌ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، لاَ تَقْتُلُونِي وَاسْتَعْتِبُونِي ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي لاَ تُقَاتِلُونَ جَمِيعًا أَبَدًا وَلاَ تُجَاهِدُونَ عَدُوًّا أَبَدًا ، وَلَتَخْتَلِفُنَّ حَتَّى تَصِيرُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ : {وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} قَالَ : وَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : الْكَفُّ الْكَفُّ ، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ لَكَ فِي الْحُجَّةِ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ.

 

38814- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : أَشْرَفَ عَلَيْهُمْ عُثْمَان مِنَ الْقَصْرِ ، فَقَالَ : ائْتُونِي بِرَجُلٍ أُتَالِيهِ كِتَابَ اللهِ ، فَأَتَوْهُ بِصَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ ، وَكَانَ شَابًّا ، فَقَالَ : مَا وَجَدْتُمْ أَحَدًا تَأْتُونِي غَيْرَ هَذَا الشَّابِّ ، قَالَ : فَتَكَلَّمَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ بِكَلاَمُ ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان : اُتْلُ ، فَقَالَ صَعْصَعَةُ : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} فَقَالَ : لَيْسَتْ لَكَ وَلاَ لأَصْحَابِكَ ، وَلَكِنَّهَا لِي وَلأَصْحَابِي ، ثُمَّ تَلاَ عُثْمَان : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} حَتَّى بَلَغَ {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} .

 

31261- حَدَّثَنَا مالك بن إسْمَاعِيلَ ، قَالَ : حدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا كِنَانَةٌ ، قَالَ : كُنْتُ أَقُودُ بِصَفِيَّةَ لِتَرُدَّ عَنْ عُثْمَانَ ، قَالَ : فَلَقِيَهَا الأَشْتَرُ فَضَرَبَ وَجْهَ بَغْلَتِهَا حَتَّى مَالَتْ وَحَتَّى قَالَتْ : رُدُّونِي لاَ يَفْضَحُنِي هَذَا.

 

صفية المذكورة هي الخيبرية من أصل إسرائيلي يهودي وزوجة محمد وهي بنت حيي بن أخطب، وهو موقف إنساني نبيل منها يدل على اختلاطها التام مع العرب والمسلمين.

 

38815- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، قَالَ : حدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ : لَمَّا حُصِرَ عُثْمَان فِي الدَّارِ ، قَالَ : لاَ تَقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِهِ إِلاَّ قَلِيلٌ ، وَاللهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لاَ تُصَلُّوا جَمِيعًا أَبَدًا.

 

38816- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ : إِنَّ أَعْظَمَكُمْ غِنَاءً عِنْدِي مَنْ كَفَّ سِلاَحَهُ وَيَدَهُ.

 

38817- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : قُلْتُ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ : اُخْرُجْ فَقَاتِلْهُمْ ، فَإِنَّ مَعَك مَنْ قَدْ نَصَرَ اللَّهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ ، وَاللهِ إِنَّ قِتَالُهَمْ لَحَلاَلٌ ، قَالَ : فَأَبَى ، وَقَالَ : مَنْ كَانَ لِي عَلَيْهِ سَمْعٌ وَطَاعَةٌ فَلْيُطِعْ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، وَكَانَ أَمَّرَهُ يَوْمَئِذٍ على الدار ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ صَائِمًا.

 

تقول مرويات الطبري أنهم دافعوا عنه حتى لم يتمكنوا من صد الثائرين يوم الدار، أو معركة دار عثمان، وهو سوء تخطيط إستراتيجي دفع عثمان ثمنه لتركه نفسه والمدينة يثرب مقر وعاصمة الحكم آنذاك بدون حامية عسكرية كافية، قال الطبري في تاريخه:

 

وكتب عُثْمَان إِلَى أهل الأمصار يستمدهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا، فبلغ عن اللَّه مَا أمره بِهِ، ثُمَّ مضى وَقَدْ قضى الَّذِي عَلَيْهِ، وخلف فينا كتابه، فِيهِ حلاله وحرامه، وبيان الأمور الَّتِي قدر، فأمضاها عَلَى مَا أحب العباد وكرهوا، فكان الخليفة أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ أدخلت فِي الشورى عن غير علم وَلا مسألة عن ملإ من الأمة، ثُمَّ أجمع أهل الشورى عن ملإ مِنْهُمْ ومن الناس علي، عَلَى غير طلب مني وَلا محبة، فعملت فِيهِمْ مَا يعرفون وَلا ينكرون، تابعا غير مستتبع، متبعا غير مبتدع، مقتديا غير متكلف.

فلما انتهت الأمور، وانتكث الشر بأهله، بدت ضغائن وأهواء عَلَى غير إجرام وَلا ترة فِيمَا مضى إلا إمضاء الكتاب، فطلبوا أمرا وأعلنوا غيره بغير حجة وَلا عذر، فعابوا علي أشياء مما كَانُوا يرضون، وأشياء عن ملإ من أهل الْمَدِينَة لا يصلح غيرها، فصبرت لَهُمْ نفسي وكففتها عَنْهُمْ منذ سنين وأنا أَرَى وأسمع، فازدادوا عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ جرأة، حَتَّى أغاروا علينا فِي جوار رسول الله ص وحرمه وأرض الهجرة، وثابت إِلَيْهِم الأعراب، فهم كالأحزاب أيام الأحزاب أو من غزانا بأحد إلا مَا يظهرون، فمن قدر عَلَى اللحاق بنا فليلحق.

فأتى الكتاب أهل الأمصار، فخرجوا عَلَى الصعبة والذلول، فبعث مُعَاوِيَة حبيب بن مسلمة الفهري، وبعث عَبْد اللَّهِ بن سَعْد مُعَاوِيَة بن حديج السكوني، وخرج من أهل الْكُوفَة القعقاع بن عَمْرو.

وَكَانَ المحضضين بالكوفة عَلَى إعانة أهل الْمَدِينَة عقبة بن عَمْرو وعبد الله ابن أبي أوفى وحنظلة بن الربيع التميمي، فِي أمثالهم من اصحاب النبي ص وَكَانَ المحضضين بالكوفة من التابعين أَصْحَاب عَبْد اللَّهِ مسروق بن الأجدع، والأسود بن يَزِيدَ، وشريح بن الْحَارِث، وعبد اللَّه بن عكيم، فِي أمثالهم، يسيرون فِيهَا، ويطوفون عَلَى مجالسها، يقولون: يا ايها النَّاسُ، إن الكلام الْيَوْم وليس بِهِ غدا، وإن النظر يحسن الْيَوْم ويقبح غدا، وإن القتال يحل الْيَوْم ويحرم غدا، انهضوا إِلَى خليفتكم، وعصمة أمركم.

وقام بِالْبَصْرَةِ عِمْرَان بن حصين وأنس بن مَالِكٍ، وهشام بن عَامِر في أمثالهم من اصحاب النبي ص يقولون مثل ذَلِكَ، ومن التابعين كعب بن سور وهرم بن حيان العبدي، وأشباه لهما يقولون ذَلِكَ! وقام بِالشَّامِ عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبو أمامة فِي أمثالهم من اصحاب النبي ص يقولون مثل ذَلِكَ، ومن التابعين شريك بن خباشة النميري، وأبو مسلم الخولاني، وعبد الرَّحْمَن بن غنم بمثل ذَلِكَ، وقام بمصر خارجة فِي أشباه لَهُ، وَقَدْ كَانَ بعض المحضضين قَدْ شهد قدومهم، فلما رأوا حالهم انصرفوا إِلَى أمصارهم بِذَلِكَ وقاموا فِيهِمْ. ...إلخ

 

واضح أنهم تأخروا كثيرًا حتى قُتِل عثمان.

 

سقوط العاصمة هو سقوط الدولة في أغلب الأحوال، ربما لسبب وجيه اختار الأمويون دمشق في الشام والعباسيون بغداد في العراق والأيوبيون والمماليك مصر وليس يثرب، حيث توجد إمكانيات مادية وبشرية أكبر في تلك الدول. وحكاية أنه رفض مقاومة الثوار باختياره مجرد أسطورة بلا شك، بل هو فقط لم يرد أن يموت كل الناس المناصرين له وهم قليلون في يثرب بدون فائدة طالما أن الثوار كانوا أكثر وسيقتلونه في جميع الحالات، ومع ذلك كان ذلك تصرفًا نبيلًا وحكيمًا منه.

 

38860- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِي ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : أَتَت الأَنْصَارُ عُثْمَانَ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، نَنْصُرُ اللَّهَ مَرَّتَيْنِ ، نَصَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَنْصُرُك ، قَالَ : لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَاكَ ، ارْجِعُوا ، قَالَ الْحَسَنُ : وَاللهِ لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَمْنَعُوهُ بِأَرْدِيَتِهِمْ لَمَنَعُوهُ.

 

38849- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، قَالَ : جَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ : أَخْتَرِطُ سَيْفِي ؟ قَالَ : لاَ أَبْرَأُ إِلَى اللَّهُ إذًا مِنْ دَمِكَ ، وَلَكِنْ ، شِمْ سَيْفَك وَارْجِعْ إِلَى أَبِيك.

 

38818- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ ، قَالَ : حدَّثَنَا أَبُو الْيَعْفُورِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ : والله لَئِنْ قَتَلُوا عُثْمَانَ لاَ يُصِيبُوا مِنْهُ خَلَفًا.

 

38821- حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ بْنَ قَنَانَ أَبَا مُحَمَّدٍ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ ذُهْلٍ ، قَالَ : أَشْرَفَ عَلَيْنَا عُثْمَان مِنْ كُوَّةٍ وَهُوَ مَحْصُورٌ ، فَقَالَ : أَفِيكُمَ ابْنًا محدوج ، فَلَمْ يَكُونَا ثَمَّ ، كَانَا نَائِمَيْنِ ، فَأُوقِظَا فَجَاءَا ، فَقَالَ لَهُمَا عُثْمَان : أُذَكِّرُكُمَا اللَّهَ ، أَلَسْتُمَا تَعْلَمَانِ ، أَنَّ عُمَرَ ، قَالَ : إنَّمَا رَبِيعَةُ فَاجِرٌ ، أَوْ غَادِرٌ ، فَإِنِّي وَاللهِ لاَ أَجْعَلُ فَرَائِضَهُمْ وَفَرَائِضَ قَوْمٍ جَاؤُوا مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ ، فَهَاجَرَ أَحَدُهُمْ عِنْدَ طَنَبِهِ ، ثُمَّ زِدْتهمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَمِئَةٍ خَمْسَمِئَةٍ ، حَتَّى أَلْحَقْتهمْ بِهِمْ ، قَالاَ : بَلَى ، قَالَ : أُذَكِّرُكُمَا اللَّهَ أَلَسْتُمَا تَعْلَمَانِ أَنَّكُمَا أَتَيْتُمَانِي فَقُلْتُمَا : إِنَّ كِنْدَةَ أَكَلَةُ رَأْسٍ ، وَأَنَّ رَبِيعَةَ هُمَ الرَّأْسُ ، وَأَنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ قَدْ أَكَلَهُمْ فَنَزَعْته وَاسْتَعْمَلَتْكُمَا ، قَالاَ : بَلَى ، قَالَ : اللَّهُمَّ ، إِنْ كَانُوا كَفَرُوا مَعْرُوفِي وَبَدَّلُوا نِعْمَتِي فَلاَ تُرْضِهِمْ عَنْ إمَامٍ وَلاَ تُرْضِ الإِمَامَ عْنهُمْ.

 

38830- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ مُنْذِرِ بْنِ يَعْلَى ، قَالَ : كَانَ يَوْمَ أَرَادُوا قَتْلَ عُثْمَانَ أَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى عَلِيٍّ أَلاَ تَأْتِيَ هَذَا الرَّجُلَ فَتَمْنَعُهُ ، فَإِنَّهُمْ لمْ يُبْرِمُوا أَمْرًا دُونَك ، فَقَالَ عَلِيٌّ : لَنَأْتِيَنَّهُمْ ، قَالَ : فَأَخَذَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ بِكَتِفَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ ، فَقَالَ : يَا أَبَتِ ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَاللهِ مَا يَزِيدُونَك إِلاَّ رَهْبَةً ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ بِعِمَامَتِهِ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ.

 

38831- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : دَخَلْت مَعَ الْمِصْرِيِّينَ عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَمَّا ضَرَبُوهُ خَرَجْتُ أَشْتَدُّ قَدْ مَلأْتُ فُرُوجِي عَدْوًا حَتَّى دَخَلْت الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ فِي نَحْوٍ مِنْ عَشَرَةٍ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقَالَ : وَيْحَك مَا وَرَاك ، قَالَ : قُلْتُ قَدْ وَاللهِ فُرِغَ مِنَ الرَّجُلِ ، قَالَ : فَقَالَ : تَبًّا لَكُمْ آخِرَ الدَّهْرِ ، قَالَ : فَنَظَرْت فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ.

 

هل تلاعب علي بالكلمات لكي يحافظ على أنصاره من قتلة عثمان مضطرًّا؟!

 

38834- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ عَوْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : خَطَبَ عَلِيٌّ بِالْبَصْرَةِ ، فَقَالَ : وَاللهِ مَا قَتَلْته وَلاَ مَالأْت عَلَى قَتْلِهِ ، فَلَمَّا نَزَلَ ، قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : أَيُّ شَيْءٍ صَنَعْت الآنَ يَتَفَرَّقُ عَنْك أَصْحَابُك ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ ، قَالَ : مَنْ كَانَ سَائِلاً عَنْ دَمِ عُثْمَانَ فَإِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُ وَأَنَا مَعَهُ ، قَالَ مُحَمَّدٌ : هَذِهِ كَلِمَةٌ قُرَشِيَّةٌ ذَاتُ وَجْهٍ.

 

من المفهوم طبعًا أن قصده أنه مع عثمان المقتول ومناصر له.

 

38835- حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، قَالَ : حدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ مَيْمُونٍ ، قَالَ : لَمَّا قُتِلَ عُثْمَان ، قَالَ حُذَيْفَةُ هَكَذَا وَحَلَّقَ بِيَدِهِ ، وَقَالَ : فُتِقَ فِي الإِسْلاَم فَتْقٌ لاَ يَرْتِقُهُ جَبَلٌ.

 

38838- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا سَلاَّمُ بْنُ مِسْكِينٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَان يَبْكِي وَيَقُولُ : الْيَوْمَ هَلَكَتِ الْعَرَبُ.

 

لا شك أن هذه رؤية فيها مبالغة فهلاك الناس عامة لا يتسبب فيه مقتل شخص واحد، ومسارات الأمم والبشرية لن يوقفها مقتل حاكم واحد.

 

38839- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ نَاسًا كَانُوا عِنْدَ فُسْطَاطِ عَائِشَةَ فَمَرَّ بِهِمْ عُثْمَان ، أُرَى ذَلِكَ بِمَكَّةَ ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ لَعَنَهُ ، أَوْ سَبَّهُ غَيْرِي ، وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَكَانَ عُثْمَان عَلَى الْكُوفِيِّ أَجْرَأَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ ، فَقَالَ : يَا كُوفِي ، أَتَسُبُّنِي ؟ اقْدُمَ الْمَدِينَةَ ، كَأَنَّهُ يَتَهَدَّدُهُ ، قَالَ : فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ : عَلَيْك بِطَلْحَةِ ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ طَلْحَةُ حَتَّى أَتَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ عُثْمَان : وَاللهِ لأَجْلِدَنَّكَ مِئَة ، قَالَ : فَقَالَ طَلْحَةُ : وَاللهِ لاَ تَجْلِدْهُ مِئَة إِلاَّ أَنْ يَكُونَ زَانِيًا ، قَالَ لأَحْرِمَنَّكَ عَطَاءَك ، قَالَ : فَقَالَ طَلْحَةُ : إِنَّ اللَّهَ سَيَرْزُقُهُ.

 

يدل ذلك على تجرؤ الناس بصورة شديدة عليه كحاكم امبراطورية ضعيف واهن، وخسارته الشعبية إلى حد كبير، الحاكم المستيقظ يعلم ما يدور في أقاليمه ويعالجه قبل استفحاله وتسببه في أزمات وثورات بتحسين صورته العامة والإحسان لرعيته، عاش معاوية وبعض الأمويين معيشة أثرى بكثير من عثمان ماديًّا لكنهم عرفوا كيف يرضون الشعوب باللين ويحكمونها بالقوة كذلك، محافظين على قوة الدولة ومسترضين الرأي العام بوأد أية إشاعات أو تحريضات.

 

 

معارضة علي لفساد عثمان وعدم استماع عثمان لنصيحته وتفكيره في قتله هو وأنصاره

 

38840- حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ ذَكْوَانَ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ ، عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى الْعَبَّاسِ ، قَالَ : أَرْسَلَنِي الْعَبَّاسُ إِلَى عُثْمَانَ أَدْعُوهُ ، قَالَ : فَأَتَيْته فَإِذَا هُوَ يُغَدِّي النَّاسَ ، فَدَعَوْته فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : أَفْلَحُ الْوَجْهُ أَبَا الْفَضْلِ ، قَالَ : وَوَجْهُك أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : مَا زِدْت أَنْ أَتَانِي رَسُولُك وَأَنَا أَغُدِّيَ النَّاسَ فَغَدَّيْتهمْ ، ثُمَّ أَقْبَلْت ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : أُذَكِّرُك اللَّهَ فِي عَلِيٍّ ، فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكَ وَأَخُوك فِي دِينِكَ وَصَاحِبُك مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصِهْرُك ، وَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّك تُرِيدُ أَنْ تَقُومَ بِعَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَاعْفِنِي مِنْ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ عُثْمَان : أَنَا أول مَا أجبتك أَنْ قَدْ شَفَّعْتُك ، أَنَّ عَلِيًّا لَوْ شَاءَ مَا كَانَ أَحَدٌ دُونَهُ ، وَلَكِنَّهُ أَبَى إِلاَّ رَأْيَهُ ، وَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ ، فَقَالَ لَهُ أُذَكِّرُك اللَّهَ فِي ابْنِ عَمِّكَ ، وَابْنِ عَمَّتِكَ وَأَخِيك فِي دِينِكَ وَصَاحِبِكَ مَعَ رَسُولِ اللهِ وَوَلِيِّ بَيْعَتِكَ ، فَقَالَ : وَاللهِ لَوْ أَمَرَنِي أَنْ أَخْرُجَ مِنْ دَارِي لَخَرَجْت ، فَأَمَّا أَنْ أُدَاهِنَ أَنْ لاَ يُقَامَ كِتَابُ اللهِ فَلَمْ أَكُنْ لأَفْعَلَ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ : سَمعْته مَا لاَ أُحْصِي وَعَرَضْته عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ.

 

38841- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو الْكُوفَةَ أَتَى الْحَارِثُ بْنُ الأَزْمَعِ عَمْرًا ، فَخَرَجَ عَمْرٌو وَهُوَ رَاكِبٌ ، فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ : جِئْت فِي أَمْرٍ لَوْ وَجَدْتُك عَلَى قَرَارٍ لَسَأَلْتُك ، فَقَالَ عَمْرٌو : مَا كُنْت لِتَسْأَلَنِي ، عَنْ شَيْءٍ وَأَنَا عَلَى قَرَارٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُك بِهِ الآنَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ ، قَالَ : فَقَالَ : اجْتَمَعَتِ السَّخْطَةُ وَالأَثَرَةُ ، فَغَلَبَتِ السَّخْطَةُ الأَثَرَةَ ، ثُمَّ سَارَ.

 

38843- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْهَيْثُمَّ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لاَ تَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ فَلَئِنْ سَلَلْتُمُوهَا لاَ تُغْمَدُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَقَالَ : أَنْظَرُونِي ثَمَانَ عَشَرَةَ ، يَعْنِي يَوْمَ عُثْمَانَ.

 

مقولات كهذه كثيرة في كتب الحديث والتاريخ وهي أساطير شبيهة بمقولة حسني مبارك: أنا أو الفوضى، ولن تقوم للبلاد قائمة للبلد بدون حكمي.

 

اعتراف عثمان بخطاياه وعدم تراجعه عنها بسبب تحريض أقاربه الأمويين له وسيطرتهم عليه

 

38845- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حدَّثَنِي مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْد الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعَ عُثْمَان ، أَنَّ وَفْدَ أَهْلِ مِصْرَ قَدْ أَقْبَلُوا ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ ، فَكَانَ فِي قَرْيَةٍ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ ، أَوْ كَمَا قَالَ : قَالَ : فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ أَقْبَلُوا نَحْوَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، قَالَ : أُرَاهُ ، قَالَ : وَكَرِهَ أَنْ يَقْدُمُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ ، أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : ادْعُ بِالْمُصْحَفِ ، فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ فَقَالُوا : افْتَحَ السَّابِعَةَ ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ سُورَةَ يُونُسَ السَّابِعَةَ ، فَقَرَأَهَا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيَةِ : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} قَالُوا : أَرَأَيْت مَا حَمَيْت مِنَ الْحِمَى آللَّهُ أَذِنَ لَكَ بِهِ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرِي ، فَقَالَ : أَمْضِهِ ، أنْزلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ، وَأَمَّا الْحِمَى فَإِنَّ عُمَرَ حَمَى الْحِمَى قَبْلِي لإِبِلِ الصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا وُلِّيتُ زَادَتْ إبِلُ الصَّدَقَةِ فَزِدْت فِي الْحِمَى لِمَا زَادَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ ، فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَهُ بِالآيَةِ فَيَقُولُ : أَمْضِهِ ، نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا .

2- وَالَّذِي يَلِي كَلاَمُ عُثْمَانَ يَوْمَئِذٍ فِي سِنِّكَ ، يَقُولُ أَبُو نَضْرَةَ : يَقُولُ لِي ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ ، قَالَ أَبُو نَضْرَةَ : وَأَنَا فِي سِنِّكَ يَوْمَئِذٍ ، قَالَ : وَلَمْ يَخْرُجْ وَجْهِي ، أَوْ لَمْ يَسْتَوِ وَجْهِي يَوْمَئِذٍ ، لاَ أَدْرِي لَعَلَّهُ ، قَالَ مَرَّةً أُخْرَى : وَأَنَا يَوْمَئِذٍ فِي ثَلاَثِينَ سَنَةً .

3- ثُمَّ أَخَذُوهُ بِأَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا مَخْرَجٌ ، فَعَرَفَهَا ، فَقَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُمْ : مَا تُرِيدُونَ فَأَخَذُوا مِيثَاقَهُ ، قَالَ : وَأَحْسِبُهُ ، قَالَ : وَكَتَبُوا عَلَيْهِ شَرْطًا ، قَالَ : وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ ، أَنْ لاَ يَشُقُّوا عَصًا وَلاَ يُفَارِقُوا جَمَاعَةً مَا أَقَامَ لَهُمْ بِشَرْطِهِمْ ، أَوْ كَمَا أَخَذُوا عَلَيْهِ .

4- فَقَالَ لَهُمْ : مَا تُرِيدُونَ فَقَالُوا : نُرِيدُ أَنْ لاَ يَأْخُذَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَطَاءً ، فَإِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ وَلِهَذِهِ الشُّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَرَضُوا ، وَأَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ رَاضِينَ ، فَقَامَ فَخَطَبَ ، فَقَالَ : وَاللهِ إنِّي مَا رَأَيْت وَافِدًا هُمْ خَيْرٌ لِحَوْبَاتِي مِنْ هَذَا الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيَّ ، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى : حَسِبْت ، أَنَّهُ قَالَ : مِنْ هَذَا الْوَفْدِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، أَلاَ مَنْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ فَلْيَلْحَقْ بِزَرْعِهِ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ ضَرْعٌ فَلْيَحْتَلِبْ ، أَلاَ إِنَّهُ لاَ مَالَ لَكُمْ عِنْدَنَا ، إنَّمَا هَذَا الْمَالُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ ، وَلِهَذِهِ الشُّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ النَّاسُ وَقَالُوا : مَكْرُ بَنِي أُمَيَّةَ .

5- ثُمَّ رَجَعَ الْوَفْدُ الْمِصْرِيُّونَ رَاضِينَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الطَّرِيقِ إذْ بِرَاكِبٍ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ ، ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ ، ثُمَّ يُفَارِقُهُمْ وَيَسُبُّهُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : إِنَّ لَكَ لأَمْرًا مَا شَأْنُك ، قَالَ : أَنَا رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَامِلِهِ بِمِصْرَ فَفَتَّشُوهُ فَإِذَا بِالكِتَابٍ عَلَى لِسَانِ عُثْمَانَ ، عَلَيْهِ خَاتَمُهُ إِلَى عَامِلٍ مِصْرَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ ، أَوْ يَقْطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلَهُمْ .

6- فَأَقْبَلُوا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ، فَأَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا : أَلَمْ تَرَ إِلَى عَدُوِّ اللهِ ، أَمَرَ فِينَا بِكَذَا وَكَذَا ، وَاللهِ قَدْ أُحِلَّ دَمُهُ قُمْ مَعَنا إلَيْهِ ، فَقَالَ : لاَ وَاللهِ ، لاَ أَقُومُ مَعَكُمْ ، قَالُوا : فَلِمَ كَتَبْت إلَيْنَا ، قَالَ : لاَ وَاللهِ مَا كَتَبْت إلَيْكُمْ كِتَابًا قطُّ ، قَالَ : فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَلِهَذَا تُقَاتِلُونَ ، أَوْ لِهَذَا تَغْضَبُونَ

وَانْطَلَقَ عَلِيٌّ فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى قَرْيَةٍ ، أَوْ قَرْيَةٍ لَهُ .

7- فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى عُثْمَانَ فَقَالُوا : كَتَبْت فِينَا بِكَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : إنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ ، أَنْ تُقِيمُوا عَلَيَّ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ يَمِينًا : بِاللهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ ، مَا كَتَبْت وَلاَ أَمْلَيْت ، وَقَدْ تَعْلَمُونَ ، أَنَّ الْكِتَابَ يُكْتَبُ عَلَى لِسَانِ الرَّجُلِ وَيُنْقَشُ الْخَاتَمَ عَلَى الْخَاتَمِ ، فَقَالُوا لَهُ : قَدْ وَاللهِ أَحَلَّ اللَّهُ دَمَك ، وَنُقِضَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ ,

8- قَالَ : فَحَصَرُوهُ فِي الْقَصْرِ ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، قَالَ : فَمَا أُسْمِعَ أَحَدًا رَدَّ السَّلاَمَ إِلاَّ أَنْ يَرُدَّ رَجُلٌ فِي نَفْسِهِ ، فَقَالَ : أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ ، هَلْ عَلِمْتُمْ أَنِّي اشْتَرَيْت رُومَةً بِمَالِي لأَسْتَعْذِبَ بِهَا ، قَالَ : فَجَعَلْتُ رِشَائِي فِيهَا كَرِشَاءِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقِيلَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : فَعَلاَمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّى أُفْطِرَ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ .

9- قَالَ : أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ عَلِمْتُمْ أَنِّي اشْتَرَيْت كَذَا وَكَذَا مِنَ الأَرْضِ فَزِدْته فِي الْمَسْجِد ، قِيلَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَهَلْ عَلِمْتُمْ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ مُنِعَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ قبلي قِيلَ قَالَ : وَأَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ سَمِعْتُمْ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذَكَرَ كَذَا وَكَذَا شَيْئًا مِنْ شَأْنِهِ ، وَذَكَرَ أُرَى كِتَابَةَ الْمُفَصَّلِ .

10- قَالَ : فَفَشَا النَّهْي ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ : مَهْلاً ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَفَشَا النَّهْيُ وَقَامَ الأَشْتَرُ ، فَلاَ أَدْرِي يَوْمَئِذٍ أَمْ يَوْم آخَرَ ، فَقَالَ : لَعَلَّهُ قَدْ مَكَرَ بِهِ وَبِكُمْ ، قَالَ : فَوَطِئَهُ النَّاسُ حَتَّى أُلْقِيَ كَذَا وَكَذَا .

11- ثُمَّ إِنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مَرَّةً أُخْرَى فَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ ، فَلَمْ تَأْخُذْ فِيهِم الْمَوْعِظَةُ ، وَكَانَ النَّاسُ تَأْخُذُ فِيهِمَ الْمَوْعِظَةُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُونَهَا ، فَإِذَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِمْ لَمْ تَأْخُذْ فِيهِم الْمَوْعِظَةُ .

12- ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ وَوَضَعَ الْمُصْحَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، قَالَ : فَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان : لَقَدْ أَخَذْت مِنِّي مَأْخَذًا ، أَوْ قَعَدْت مِنِّي مَقْعَدًا مَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ لِيَأْخُذَهُ ، أَوْ لِيَقْعُدَهُ ، قَالَ : فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ .

13- قَالَ : وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللهِ ، فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْمَوْتُ الأَسْوَدُ فَخَنَقَهُ وَخَنَقَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَقَالَ : وَاللهِ مَا رَأَيْت شَيْئًا قَطُّ هُوَ أَلْيَنُ مِنْ حَلْقِهِ ، وَاللهِ لَقَدْ خَنَقْته حَتَّى رَأَيْت نَفَسَهُ مِثْلَ نَفَسِ الْجَانِّ تَرَدَّدَ فِي جَسَدِهِ .

14- ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ ، فَقَالَ : بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللهِ وَالْمُصْحَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَهْوَى إلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَاتَّقَاهُ بِيَدِهِ فَقَطَعَهَا فَلاَ أَدْرِي أَبَانَهَا ، أَوْ قَطَعَهَا فَلَمْ يُبِنْهَا ، فقَالَ : أَمَا وَاللهِ ، إِنَّهَا لأَوَّلُ كَفٍّ قَطُّ خَطَّت الْمُفَصَّلَ .

15- وَحُدِّثْت فِي غَيْرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ التّجوبِيُّ فَأَشْعَرَهُ بِمِشْقَصٍ ....إلخ

 

16- وَأَخَذَتْ بِنْتُ الْفُرَافِصَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حُلِيَّهَا فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ ، فَلَمَّا أَشْعَرَ ، أَوْ قُتِلَ تَجَافَتْ ، أَوْ تَفَاجّتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَاتَلَهَا اللَّهُ ، مَا أَعْظَمَ عَجِيزَتَهَا ، فَعَرَفْت أَنَّ أَعْدَاءَ اللهِ لَمْ يُرِيدُوا إِلاَّ الدُّنْيَا.

 

ابن أبي شيبة يذكر سببًا آخر لضرب عثمان عمارًا مخالف لما زعمه الطبري (كما ذكرته في حديثي عن دور عمار في تحريض الثوار وحصار عثمان)

 

38846- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مِحْصَنٍ أَخُو حَمَّادِ بْنِ نُمَيْرٍ , رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ وَاسِطَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَهْمٌ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ ، قَالَ : أَنَا شَاهِدُ هَذَا الأَمْرِ ، قَالَ : جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ فَأَرْسَلُوا إِلَى عُثْمَانَ أَنِ ائْتِنَا ، فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَذْكُرَ لَكَ أَشْيَاءَ أَحْدَثْتهَا ، أَوْ أَشْيَاءَ فَعَلْتهَا ، قَالَ : فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَنَ انْصَرَفُوا الْيَوْمَ ، فَإِنِّي مُشْتَغِلٌ وَمِيعَادُكُمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى أَشْزنَ ، قَالَ أَبُو مِحْصَنٍ : أَشْزنَ : أَسْتَعِدُّ لِخُصُومَتِكُمْ .

2- قَالَ : فَانْصَرَفَ سَعْدٌ ، وَأَبى عَمَّارٍ أَنْ يَنْصَرِفَ ، قَالَهَا أَبُو مِحْصَنٍ مَرَّتَيْنِ ، قَالَ : فَتَنَاوَلَهُ رَسُولُ عُثْمَانَ فَضَرَبَهُ ، قَالَ : فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْمِيعَادِ وَمَنْ مَعَهُمْ ، قَالَ لَهُمْ عُثْمَان مَا تَنْقِمُونَ مِنِّي ، قَالُوا : نَنْقِمُ عَلَيْك ضَرْبَك عَمَّارًا ، قَالَ : قَالَ عُثْمَان : جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ فَأَرْسَلْت إلَيْهِمَا ، فَانْصَرَفَ سَعْدٌ ، وَأَبى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ ، فَتَنَاوَلَهُ رَسُولٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِي فَوَاللهِ مَا أَمَرْت وَلاَ رَضِيت ، فَهَذِهِ يَدِي لِعَمَّارٍ فَلْيَصْطَبِر ، قَالَ أَبُو مِحْصَنٍ : يَعْنِي : يَقْتَصُّ .

3- قَالُوا : نَنْقِمُ عَلَيْك أَنَّكَ جَعَلْت الْحُرُوفَ حَرْفًا وَاحِدًا ، قَالَ : جَاءَنِي حُذَيْفَةُ ، فَقَالَ : مَا كُنْت صَانِعًا إِذَا قِيلَ : قِرَاءَةُ فُلاَنٍ وَقِرَاءَةُ فُلاَنٍ وَقِرَاءَةُ فُلاَنٍ ، كَمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكِتَابِ ، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنَ اللهِ ، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنْ حُذَيْفَةَ .

4- قَالُوا : نَنْقِمُ عَلَيْك أَنَّك حَمَيْت الْحِمَى ، قَالَ : جَاءَتْنِي قُرَيْشٌ ، فَقَالَتْ : إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعَرَبِ قَوْمٌ إِلاَّ لَهُمْ حِمًى يَرْعَوْنَ فِيهِ غَيْرَنَا ، فَفَعَلْت ذَلِكَ لَهُمْ فَإِنْ رَضِيتُمْ فَأَقِرُّوا ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ فَغَيِّرُوا ، أَوَ قَالَ : لاَ تُقِرُّوا شَكَّ أَبُو مِحْصَنٍ.

5- قَالُوا : وَنَنْقِمُ عَلَيْك أَنَّك اسْتَعْمَلْت السُّفَهَاءَ أَقَارِبَك ، قَالَ : فَلْيَقُمْ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ يَسْأَلُونِي صَاحِبَهُمَ الَّذِي يُحِبُّونَهُ فَأَسْتَعْمِلُهُ عَلَيْهِمْ وَأَعْزِلُ عَنْهُمَ الَّذِي يَكْرَهُونَ ، قَالَ : فَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ : رَضِينَا بِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ ، فَأَقِرَّهُ عَلَيْنَا ، وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ : اعْزِلْ سَعِيدًا ، وَقَالَ الْوَلِيدُ شَكَّ أَبُو مِحْصَنٍ : وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا أَبَا مُوسَى فَفَعَلَ ، قَالَ : وَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ : قَدْ رَضِينَا بِمُعَاوِيَةَ فَأَقِرَّهُ عَلَيْنَا ، وَقَالَ أَهْلُ مِصْرَ : اعْزِلْ عَنَّا ابْنَ أَبِي سَرْحٍ ، وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، فَفَعَلَ ، قَالَ : فَمَا جَاؤُوا بِشَيْءٍ إِلاَّ خَرَجَ مِنْهُ ، قَالَ : فَانْصَرَفُوا رَاضِينَ .

6- فَبَيْنَمَا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إذْ مَرَّ بِهِمْ رَاكِبٌ فَاتَّهَمُوهُ فَفَتَّشُوهُ فَأَصَابُوا مَعَهُ كِتَابًا فِي إدَاوَةٍ إِلَى عَامِلِهِمْ أَنْ خُذْ فُلاَنًا وَفَُلاَنًا فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ ، قَالَ : فَرَجَعُوا فَبَدَؤُوا بِعَلِيٍّ فَأَتَوْهُ فَجَاءَ مَعَهُمْ إِلَى عُثْمَانَ ، فَقَالُوا : هَذَا كِتَابُك وَهَذَا خَاتَمُك ، فَقَالَ عُثْمَان : وَاللهِ مَا كَتَبْت وَلاَ عَلِمْت وَلاَ أَمَرْت ، قَالَ : فَمَنْ تَظُنُّ ؟ قَالَ أَبُو مِحْصَنٍ : تَتَّهِمُ ، قَالَ : أَظُنُّ كَاتِبِي غَدَرَ , وَأَظُنُّك بِهِ يَا عَلِيُّ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : وَلِمَ تَظُنُّنِي بِذَاكَ ، قَالَ : لأَنَّك مُطَاعٌ عِنْدَ الْقَوْمِ ، قَالَ : ثُمَّ لَمْ تَرُدَّهُمْ عَنِّي .

7- قَالَ : فَأَبَى الْقَوْمُ وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ حَتَّى حَصَرُوهُ ، قَالَ : فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ : بِمَ تَسْتَحِلُّونَ دَمِي فَوَاللهِ مَا حَلَّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ : مُرْتَدٌّ ، عَنِ الإِسْلاَم ، أَوْ ثَيِّبٌ زَانٍ ، أَوْ قَاتِلُ نَفْسٍ ، فَوَاللهِ مَا عَمِلْتُ شَيْئًا مِنْهُنَّ مُنْذُ أَسْلَمْتُ...إلخ

 

في حدود دراستي للتاريخ لم تكن الخسة والغدر سمة من سمات علي، لذلك يلوح لي بطلان اتهام عثمان له بذلك، فإما أنه هو من أمر بكتابة الكتاب المذكور للغدر بالثوار بعد تفرقهم وضعفهم، أو أنه لم يكن له تحكم على من هم تحت سلطته وحكمه وإدارته.

 

وذكر ابن أبي شيبة رواية أخرى مناقضة:

 

31281- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا قُطْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، قَالَ : كَتَبَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَيْبَ عُثْمَانَ فَقَالُوا : مَنْ يَذْهَبُ بِهِ إلَيْهِ ، فَقَالَ عَمَّارُ : أَنَا ، فَذَهَبَ بِهِ إلَيْهِ ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ : أَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ ، فَقَالَ عَمَّارُ : وَبِأَنْفِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، قَالَ : فَقَامَ وَوَطِئَهُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَكَانَ عَلَيْهِ تُبَّان.

قَالَ : ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِ الزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ فَقَالاَ لَهُ : اخْتَرْ إحْدَى ثَلاَثٍ : إمَّا أَنْ تَعْفُوَ ، وَإِمَّا أَنْ تَأْخُذَ الأَرْشَ ، وَإِمَّا أَنْ تَقْتَصَّ ، قَالَ : فَقَالَ عَمَّارُ : لاَ أَقْبَلُ مِنْهُنَّ شَيْئًا حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ : سَمِعْت يَحْيَى بْنَ آدَمَ ، قَالَ : ذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، فَقَالَ : مَا كَانَ عَلَى عُثْمَانَ أَكْثَرَ مِمَّا صَنَعَ.

 

وقال الطبري في تاريخه:

 

قال محمد بن عمر: وحدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل، عن أبيه، عن سُفْيَان بن أبي العوجاء، قَالَ: قدم الْمِصْرِيُّونَ القدمة الأولى، فكلم عُثْمَان مُحَمَّد بن مسلمة، فخرج فِي خمسين راكبا من الأنصار، فأتوهم بذي خشب فردهم، ورجع القوم حَتَّى إذا كَانُوا بالبويب، وجدوا غلاما لِعُثْمَانَ مَعَهُ كتاب إِلَى عَبْد اللَّهِ بن سَعْدٍ، فكروا، فانتهوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَدْ تخلف بِهَا مِنَ النَّاسِ الأَشْتَر وحكيم بن جبلة، فأتوا بالكتاب، فأنكر عُثْمَان أن يكون كتبه، وَقَالَ: هَذَا مفتعل، قَالُوا: فالكتاب كتاب كاتبك! قَالَ: أجل، ولكنه كتبه بغير أمري، قَالُوا: فإن الرسول الَّذِي وجدنا مَعَهُ الكتاب غلامك، قَالَ: أجل، ولكنه خرج بغير إذني، قَالُوا: فالجمل جملك، قَالَ: أجل، ولكنه أخذ بغير علمي، قَالُوا: مَا أنت إلا صادق أو كاذب، فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت بِهِ من سفك دمائنا بغير حقها، وإن كنت صادقا فقد استحققت أن تخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك، لأنه لا ينبغي لنا أن نترك عَلَى رقابنا من يقتطع مثل هَذَا الأمر دونه لضعفه وغفلته وَقَالُوا لَهُ: إنك ضربت رجالا من اصحاب النبي ص وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعه الحق عند ما يستنكرون من اعمالك، فأقِد من نفسك من ضربته وأنت لَهُ ظالم، فَقَالَ: الإمام يخطئ ويصيب، فلا أقيد من نفسي، لأني لو أقدت كل من أصبته بخطإ آتي عَلَى نفسي، قَالُوا: إنك قَدْ أحدثت أحداثا عظاما فاستحققت بِهَا الخلع، فإذا كلمت فِيهَا أعطيت التوبة ثُمَّ عدت إِلَيْهَا وإلى مثلها، ثُمَّ قدمنا عَلَيْك فأعطيتنا التوبة والرجوع الى الحق، ولامنا فيك محمد ابن مسلمة، وضمن لنا مَا حدث من أمر، فأخفرته فتبرأ مِنْكَ، وَقَالَ:

لا أدخل فِي أمره، فرجعنا أول مرة لنقطع حجتك ونبلغ أقصى الأعذار إليك، نستظهر بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْك، فلحقنا كتاب مِنْكَ إِلَى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب وزعمت أنه كتب بغير علمك وَهُوَ مع غلامك وعلى جملك وبخط كاتبك وعليه خاتمك، فقد وقعت عَلَيْك بِذَلِكَ التهمة القبيحة، مع مَا بلونا مِنْكَ قبل ذَلِكَ من الجور فِي الحكم والأثرة فِي القسم والعقوبة للأمر بالتبسط مِنَ النَّاسِ، والإظهار للتوبة، ثُمَّ الرجوع إِلَى الخطيئة، وَلَقَدْ رجعنا عنك وما كَانَ لنا أن نرجع حَتَّى نخلعك ونستبدل بك من أَصْحَاب رسول الله ص من لم يحدث مثل مَا جربنا مِنْكَ، ولم يقع عَلَيْهِ من التُّهْمَة مَا وقع عَلَيْك، فاردد خلافتنا، واعتزل أمرنا، فإن ذَلِكَ أسلم لنا مِنْكَ، وأسلم لك منا فَقَالَ عُثْمَان: فرغتم من جميع مَا تريدون؟ قَالُوا: نعم، قال: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن بِهِ، وأتوكل عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أرسله بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* أَمَّا بَعْدُ، فإنكم لم تعدلوا فِي المنطق، ولم تنصفوا فِي القضاء، أما قولكم: تخلع نفسك، فلا أنزع قميصا قمصنيه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وأكرمني بِهِ، وخصني بِهِ عَلَى غيري، ولكني أتوب وأنزع وَلا أعود لشيء عابه الْمُسْلِمُونَ، فإني وَاللَّهِ الفقير إِلَى اللَّهِ الخائف مِنْهُ قَالُوا: إن هَذَا لو كَانَ أول حدث أحدثته ثُمَّ تبت مِنْهُ ولم تقم عَلَيْهِ، لكان علينا أن نقبل مِنْكَ، وأن ننصرف عنك، ولكنه قَدْ كَانَ مِنْكَ من الإحداث قبل هَذَا مَا قَدْ علمت، وَلَقَدِ انصرفنا عنك فِي المرة الأولى، وما نخشى أن تكتب فينا، وَلا من اعتللت بِهِ بِمَا وجدنا فِي كتابك مع غلامك وكيف نقبل توبتك وَقَدْ بلونا مِنْكَ أنك لا تعطي من نفسك التوبة من ذنب إلا عدت إِلَيْهِ، فلسنا منصرفين حَتَّى نعزلك ونستبدل بك، فإن حال من معك من قومك وذوي رحمك وأهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم، حَتَّى نخلص إليك فنقتلك أو تلحق أرواحنا بِاللَّهِ فَقَالَ عُثْمَان: أما أن أتبرأ من الإمارة، فأن تصلبوني أحب إلي من أن أتبرأ من أمر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وخلافته

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير للطبراني ج1:

 

114 - حدثنا أبو خليفة حدثنا أبو عمر حفص بن عمر الحوضي ثنا الحسن بن أبي جعفر ثنا مجالد عن الشعبي قال: لقي مسروق الأشتر فقال مسروق للأشتر : قتلتم عثمان ؟ قال : نعم قال : أما والله لقد قتلتموه صواما قواما قال : فانطلق الأشتر فأخبر عمارا رضي الله عنه فأتى عمار مسروقا فقال : والله ليجلدن عمار وليسيرن أبا ذر وليحمين الحمى وتقول قتلتموه صواما قواما فقال له مسروق : فوالله ما فعلتم واحدا من ثنتين ما عاقبتم به وما صبرتم فهو خير للصابرين قال : فكأنما ألقمه حجرا قال : وقال الشعبي : وما ولدت همدانية مثل مسروق

 

اعتراض البعض على حادثة قتل عثمان وإدانتهم لها

 

وروى البخاري:

 

3862 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَقُولُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ

 

نظرية الحكم بحق وتفويض إلهي عند صحابة كعبد الله بن عمر بن الخطاب

 

روى ابن أبي شيبة:

 

38847- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ : لَمَّا ذَكَرُوا مِنْ شَأْنِ عُثْمَانَ الَّذِي ذَكَرُوا أَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَلاَ تَرَى مَا قَدْ أَحْدَثَ هَذَا الرَّجُلُ ، فَقَالَ : بَخٍ بَخٍ فَمَا تَأْمُرُونِي قَالَ : تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ الرُّومِ وَفَارِسَ إِذَا غَضِبُوا عَلَى مَلِكٍ قَتَلُوهُ ، قَدْ وَلاَّهُ اللَّهُ الَّذِي وَلاَّهُ فَهُوَ أَعْلَمُ لَسْتُ بِقَائِلٍ فِي شَأْنِهِ شَيْئًا.

 

كثير من الصحابة حرضوا الثوار على القدوم ليثرب ولم يكن عليٌّ من المحرضين

 

38856- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عمْرٍو الْخَارِفِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ أَحَدَ النَّفَرِ الَّذِينَ قَدِمُوا فَنَزَلُوا بِذِي الْمَرْوَةِ فَأَرْسَلُونَا إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ نَسْأَلُهُمْ : أَنُقْدِمُ ، أَوْ نَرْجِعُ ، وَقِيلَ لَنَا : اجْعَلُوا عَلِيًّا آخِرَ مَنْ تَسْأَلُونَ ، قَالَ : فَسَأَلْنَاهُمْ فَكُلُّهُمْ أَمَرَ بِالْقُدُومِ فَأَتَيْنَا عَلِيًّا فَسَأَلْنَاهُ ، فَقَالَ : سَأَلْتُمْ أَحَدًا قَبْلِي قُلْنَا : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا أَمَرُوكُمْ بِهِ ؟ قُلْنَا : أَمَرُونَا بِالْقُدُومِ ، قَالَ : لَكِنِّي لاَ آمُرُكُمْ ، إِمَّا لاَ ، بَيْضٌ فَلْيُفْرِخْ.

38863- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، قَالَ : حدَّثَنِي الْعَلاَءُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي فُلاَنٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ بِالرَّصَافَةِ يَقُولُ : وَاللهِ لَقَدْ نَصَحَ عَلِيٌّ وَصَحَّحَ فِي عُثْمَانَ ، لَوْلاَ أَنَّهُمْ أَصَابُوا الْكِتَابَ لَرَجَعُوا.

 

يعني الكتاب الذي فيه أمر عثمان بالغدر بالثوار عند عودتهم لبلدانهم وتفرقهم.

 

38866- حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : مَا عَلِمْت أَنَّ عَلِيًّا اتُّهِمَ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ حَتَّى بُويِعَ فَلَمَّا بُويِعَ اتَّهَمَهُ النَّاسُ.

 

38948- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، قَالَ : كُنَّا فِي الشَّعْبِ فَكُنَّا نَنْتَقِصُ عُثْمَانَ ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَفْرَطْنَا ، فَالْتَفَتُّ إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا عَبَّاسٍ ، تَذْكُرُ عَشِيَّةَ الْجَمَلِ , أَنَا عَنْ يَمِينِ عَلِيٍّ , وَأَنْتَ عَنْ شِمَالِهِ ، إذْ سَمِعْنَا الصَّيْحَةَ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ ، قَالَ : فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : نَعَمَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، فَأَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ وَجَدَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ وَاقِفَةً فِي الْمِرْبَدِ تَلْعَنْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ ، فَقَالَ علِيٌّ : لَعَنَ اللَّهُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فِي السَّهْلِ وَالْجَبَلِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، أَنَا عَنْ يَمِينِ عَلِيٍّ , وَهَذَا عَنْ شِمَالِهِ ، فَسَمِعْته مِنْ فِيهِ إِلَى فِي ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، فَوَاللهِ مَا عِبْت عُثْمَانَ إِلَى يَوْمِي هَذَا.

 

وعي بعض الناس بأن طلحة وبعض أنصاره هم من ساهموا في قتل عثمان ثم رفعوا دعوى الثأر المزعوم له كشعار مضاد لعلي بن أبي طالب في معركة الجمل

 

38867- حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَرِّعِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ عَمِيرَةَ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمْ ، قَالَ : قَامَ رَجُلٌ فِي مَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَ : أَنَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، أَحَدُ بَنِي جُشَمٍ ، فَقَالَ : إِنَّ هَؤُلاَءِ القوم الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْكُمْ ، إِنْ كَانَ إنَّمَا بِهِمَ الْخَوْفُ فَجَاؤُوا مِنْ حَيْثُ يَأْمَنُ الطَّيْرُ ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا بِهِمْ قَتْلُ عُثْمَانَ فَهُمْ قَتَلُوهُ , وَإِنَّ الرَّأْيَ فِيهِمْ أَنْ تُنَخَّس بِهِمْ دَوَابُّهُمْ حَتَّى يَخْرُجُوا.

 

والمقصود بأنهم جاؤوا من مكة حيث في العادة يحرم فيها القتال وحتى الطيور تأمن فيها من الصيد لتحريم الصيد هناك.

الصحابي عدي بن حاتم الطائي كان من المؤيدين لقتل عثمان، واعترافه لاحقًا أن قتل ذلك الخليفة سبب للكوارث بسبب فراغ السلطة والتنازع عليها من بعده في مقولة طريفة أثناء مشاركته في جيش علي بصفين ضد معاوية:

 

38869- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ ، قَالَ : لَمَّا قُتِلَ عُثْمَان ، قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ : لاَ يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنزَانِ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ فُقِئَتْ عَيْنُهُ فَقِيلَ : لاَ تَنْتَطِحُ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ عَنْزَانِ ، قَالَ بَلَى ، وَتُفْقَأُ فِيهِ عُيُونٌ كَثِيرَةٌ.

 

عبد الله بن مسعود أدان عثمان

 

38894- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ شَقِيقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَذَكَرَ رَجُلاً ، فَقَالَ : أَهْلَكَهُ الشُّحُّ وَبِطَانَةُ السُّوءِ.

****

31190- حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ : أَنَّ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالَ لَهُ : ثُمَامَةُ كَانَ عَلَى صَنْعَاءَ ، فَلَمَّا جَاءَه قَتْلُ عُثْمَانَ بَكَى فَأَطَالَ الْبُكَاءَ ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ : الْيَوْمُ اُنْتُزِعَتِ النُّبُوَّةُ - أوَخِلاَفَةُ النُّبُوَّةِ - مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَصَارَتْ مُلْكًا وَجَبْرِيَّةً ، مَنْ غَلَبَ عَلَى شَيْءٍ أَكَلَهُ.

 

لا شك كان هذا هو الحال لفترة طويلة، لكنه لم يدم إلى الأبد وبعض الدول العربية والإسلامية فيها درجات متنوعة من الديمقراطية وسليمة تداول السلطة.

 

تكبر بعض أصحاب محمد

 

روى  أحمد:

 

21264 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ، حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ قَتَادَةَ، عَنْ قَيْسٍ يَعْنِي ابْنَ عُبَادٍ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: "أَسْقَطْتُهُ مِنْ كِتَابِي، هُوَ عَنْ قَيْسٍ إِنْ شَاءَ اللهُ "

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ إِيَاسَ بْنَ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ لِلُقِيِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ رَجُلٌ أَلْقَاهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أُبَيٍّ، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَخَرَجَ عُمَرُ مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْتُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَنَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَعَرَفَهُمْ غَيْرِي، فَنَحَّانِي وَقَامَ فِي مَكَانِي، فَمَا عَقِلْتُ صَلَاتِي، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: يَا بُنَيَّ لَا يَسُوءُكَ اللهُ، فَإِنِّي لَمْ آتِكَ الَّذِي أَتَيْتُكَ بِجَهَالَةٍ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: "كُونُوا فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِينِي " وَإِنِّي نَظَرْتُ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَعَرَفْتُهُمْ غَيْرَكَ. ثُمَّ حَدَّثَ، فَمَا رَأَيْتُ الرِّجَالَ مَتَحَتْ أَعْنَاقَهَا إِلَى شَيْءٍ مُتُوحَهَا إِلَيْهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: هَلَكَ أَهْلُ الْعُقْدَةِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، أَلَا لَا عَلَيْهِمْ آسَى، وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ يَهْلِكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا هُوَ أُبَيٌّ وَالْحَدِيثُ عَلَى لَفْظِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ.

 

إسناده صحيح، إياس بن قتادة قال في "التعجيل": روى عنه نصر ابن عمران وأهل البصرة. وقال ابن سعد في "الطبقات" 7/128: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات" 4/53، وقال: كان مقدماً في بني تميم، وباقي رجال الإسناد ثقات من رجال الشيخين، غير سليمان بن داود -وهو الطيالسي- فمن رجال مسلم، أبو جمرة: هو نصر بن عمران.

وأخرجه عبد بن حميد (177) ، والحاكم 4/526-527 من طريق محمد ابن جعفر، بهذا الإسناد -ورواية عبد بن حميد مقتصرة على المرفوع منه.

وهو في "مسند الطيالسي" (555) ، ومن طريقه أخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1291) ، وأبو نعيم في "الحلية" 1/252.

وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1850) ، وأبو القاسم البغوي (1293) ، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/226، وفي "شرح المشكل" (5833) من طريق وهب بن جرير، به. ورواية الطحاوي مقتصرة على المرفوع منه.

وأخرجه أبو القاسم البغوي (1292) من طريق سهل بن يوسف، عن شعبة، به.

وأخرجه عبد الرزاق (2460) ، والنسائي 2/88، وابن خزيمة (1573) ، وابن حبان (2181) ، والخطابي في "غريب الحديث" 2/318، والحاكم 1/214 و3/303 من طرق عن قبس بن عباد، به. ولم يذكر عند عبد الرزاق والحاكم 3/303 قول أُبيٍّ: هلك أهل العقدة...، واقتصر عليه الخطابي.

وأخرج قولَ أُبي هذا الطبراني في "الأوسط" (7311) من طريق عتي بن ضمرة، عن أُبيٍّ. وتحرفت عتي عنده إلى عيسى، ووقع على الصواب في "مجمع البحرين" (2572) .

وأخرجه ابن سعد 3/501، والحاكم 2/226-227 من طريق جندب بن عبد الله البجلي، عن أُبيِّ ضمن قصة طويلة في لقاء جندب بن عبد الله بأُبيِّ بن كعب. ورجاله ثقات غير جعفر بن سليمان الضبعي، ففيه كلام يُنزله عن رتبة الصحة إلى الحسن. وقد روي نحو قصة جندب مع أُبي، عن عتي بن ضمرة عن أُبيّ عند ابن سعد 3/500-501 بإسناد صحيح إلى عتي. وهو الصواب إن شاء الله، فإن سياق القصة يدل على أن راويها تابعي، وعتي بن ضمرة تابعي، أما جندب البجلي فصحابي معروف.

وفي باب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كونوا في الصف الذي يليني" عن ابن مسعود، وأنس، سلفا برقم (4373) و (11963) ، وانظر تتمة أحاديث الباب عند حديث ابن مسعود.

قوله: "فما رأيتُ الرجال متحت أعناقها" قال ابن الأثير: أي: مدت أعناقها نحوه.

وقوله: "متوحَها" مصدر غير جار على فعلِه، أو يكون كالشُّكور والكُفور.

وقوله: "أهل العقدة" قال الخطابي في "غريب الحديث" 2/318: يروى عن الحسن أنه قال: هم الأمراء، وإنما قيل لهم: أهل العُقدةِ، لأن الناس قد عقدوا لهم البيعة، وأعطَوهم الصفقة، ومعنى العقدة: البيعة المعقودة لهم.

 

قارن هذا مع تعاليم محمد نفسها:

 

[ 2623 ] حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم قال أبو إسحاق لا أدرى أهلكهم بالنصب أو أهلكهم بالرفع

 

وروى أحمد:

 

7685 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا سَمِعْتُمْ رَجُلًا يَقُولُ: قَدْ هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ، يَقُولُ (1) : إِنَّهُ هُوَ هَالِكٌ " (2)

 

(1) في (م) فقط: يقول الله، بزيادة لفظ الجلالة.

(2) إسناده صحيح على شرط مسلم، سهيل بن أبي صالح من رجال مسلم، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه مسلم (2623) ، وأبو داود (4983) . وأبو عوانة في البر والصلة كما في "إتحاف المهرة" 5/ورقة 149، وأبو نعيم في "الحلية" 7/141 من طريق عن سهيل بن أبي صالح، بهذا الإسناد. وقال أبو إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي "صحيح مسلم": لا أدري "أهلكَهم" بالنصب، أو "أهلكُهم" بالرفع.

وسيأتي برقم (8514) و (10005) و (10697) .

قوله: "فهو أهلكهم"، قال السندي: روي برفع الكاف على أنه اسم تفضيل، أي: فهو أشدُّهم هلاكاً، وهذا مبني على أنه يقول: قد هلك الناسُ تحقيراً لهم، وتعظيماً لنفسه، ولا يخفى أن من يقول ذلك بهذا الوجه، فهو أكثرُ هلاكاً بخلاف ما إذا قال ذلك تأسُفاً وتحزناً على وقوع المعصية منهم.

وروي بفتح الكاف على أنه ماضٍ من الإِهلاك، أي: إذا قال ذلك يأَّسهم من رحمة الله، ويريد أنهم استوجبوا النارَ بسوءِ أعمالهم، فهو الذي أوجب لهم النارَ لا الله، أو أنه لما أيَّسَهُم من رحمة الله، فقد حملهم على ترك الطاعة والانهماك في المعاصي، فهو أوقعهم في الهلاك، لأن الناسَ ما داموا يرجون رحمة الله يُطيعونه طمعاً فيها، وحين أيسوا تركوا الطاعة فاستوجبوا الهلاكَ، نعوذ بالله منه، وقول الراوي: يقولُ إنه هو هالك، يدل على أن الرواية ها هنا بالرفع.

 

فتنة عثمان حسب رأي كاتب في موسوعة الويكيبديا العربية:

 

فتنة مقتل عثمان هي أولى الفتن التي وقعت في الدولة الإسلامية، وتعرف كذلك بـالفتنة الأولى، وهي بداية لأحداث جسيمة عُرفت في التاريخ الإسلامي بـالفتنة الكبرى. أدت إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان في سنة 35 هـ، ثم تسببت في حدوث اضطرابات واسعة في الدولة الإسلامية طوال خلافة علي بن أبي طالب.

 

بداية الفتنة

 

لم يغير عثمان الولاة الذين عينهم عمر بن الخطاب عند توليه الخلافة؛ وذلك لوصية عمر بان يبقي على ولاته في مناصِبهم لمدة سنة بعد وفاته خِشية من تغيير مُستعجل يضطرب له أمر المسلمين.[2].

وكان ولاة عمر على الأمصار:

 


وأغلب هؤلاء الولاة ليسوا من قريش، وليس فيهم أحد من عشيرة عمر. حيث كان عمر يختار ولاته على أسس الكفاءة وكان يراقب عماله في أمور الدين والدنيا ولا يتأخر في عزل من ثبت تقصيره.

لم يكد ينتهي العام الأول من خلافة عثمان حتى خرج مما التزم به من وصية عمر بإبقاء الولاة عاماً كاملاً على أعمالهم من دون تغييرهم. فباشر سلطته في العزل والتولية. كانت الولايات تختلف فيما بينها من ناحية الأهمية اختلافاً شديداً. فكان لبعضها خطراً سياسياً وإدارياً وعسكرياً. وهي تلك الولايات البعيدة التي حررت من السيطرة الرومية والفارسية وكانت أربعة : الشام ومصر والكوفة والبصرة.

وكانت كل واحدة من هذه الولايات تواجه جبهة مفتوحة نتيجة الفتوحات الإسلامية المستمرة. وتقاد من هذه الولايات جيوش المسلمين المنطلقين إلى التحرير في الجهات الثلاثة. فكان بحر وبلاد الروم في مواجهة الشام، وكان البحر وشمال أفريقية في مواجهة مصر، وكان ما لم يُفتح بعد من بلاد فارس أمام الكوفة والبصرة. إذن لا ريب أن تكون هذه الولايات الأربع موطن القوة الإسلامية العسكرية. إضافة لذلك فقد كانت هذه الولايات مصدراً لثراء المسلمين وفيها حضارات مستقرة وأراضي خصبة وكان تأتي منها كل غنائم الفتوحات الإسلامية في الشرق والغرب والشمال.

فنجد أن الخارجين من المدينة كانوا يتوجهون إلى هذه الأقاليم الأربعة. حيث كان الصالحون يلتمسون بها ثواب الآخرة في الجهاد والمشاركة في فتوحات المسلمين وكان المكتسبون يبتغون عرض الدنيا يتقلبون في تلك الأقاليم بين التجارة والزراعة وغير ذلك.

لم يُلقِ عثمان أهمية للولايات التي لم يكن لها خطراً سياسياً أو عسكرياً. وأبقى على ولاة عمر في تلك الولايات ولم يغير منهم إلا القليل. إلا أنه سارع في تغيير الولاة في الولايات الخطرة فور انتهاء العام الأول من حكمه. وفيما يلي ذكر مجريات الأحداث في هذه الولايات:

 

الكوفة

 

من أوائل التغييرات السياسية التي قام بها عثمان هو عزل المغيرة عن الكوفة وتولية سعد بن أبي وقاص عليها سنة 24 هـ[3] وكان هذا التعيين بسبب وصية سابقة لعمر بن الخطاب. إلا أن إماره سعد على الكوفة لم تستمر طويلاً. حيث اضطر عثمان إلى عزل سعد اضطراراً.

وقد كان سبب عزل سعد هو خلاف حدث بينه وبين عبد الله بن مسعود المسؤول عن بيت المال. حيث اقترض سعد من بيت المال وأعطى به على نفسه صكاً. فطلب مِنه عبد الله بن مسعود بعد فترة أن يؤدي دينه فرفض سعد ذلك وطلب منه أن ينتظر حتى يتيسر له المال. الأمر الذي رفضه ابن مسعود فنشب شِجار بينهم انتهى بوصول الأمر لعثمان الذي سارع بعزل سعد وولى بدلاً مِنه الوليد بن عقبة سنة 26 هـ[4].

لم يكن أهل الكوفة يطمئنون للوليد. لأنه كان من المذمومين في عهد رسول الله ونزل ذمه في القرآن. حيث غش الرسول وكذب عليه، وأنزل الله فيه قراناً فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وكان هذا الفاسق المقصود هو الوليد[5].

والوليد هو أخ عثمان بن عفان من أمه، وقد تكون هذه القرابة هي التي جعلت الوليد مفضلاً على بقية أعلام المسلمين في إمارة أحد أخطر الأمصار وهي الكوفة[6]. استاء أهل الكوفة من تولية الوليد عليهم فهم لم يكونوا يرون فيه الحاكم الكُفئ، ولا صاحب الدين المستقيم. حتى صلّى بالناس وهو سكران، فذهب وفد من أهل الكوفة يشهد على الوليد بمعاقرة الخمر وجاؤوا بخاتمه الذي استلوه من يده وهو سكران دليلاً على ذلك. الأمر الذي أثار غضب عثمان وعلي بن أبي طالب وكبار أعيان المدينة فقام بعزل الوليد وأتى به إلى المدينة حيث أقام عليه الحد. ونفذ فيه حكم الجلد الإمام علي[7][8][9][10].

وما كان من عثمان إلا أن ولى على الكوفة سعيد بن العاص بديلاً عن الوليد سنة 30 هـ. استقبل أهل الكوفة سعيداً بكل رحابة وكانت الأمور تنبئ بخير بما كان من توافق بين الأمير ورعيته. إلا أن هذا الحال التوافقي لم يستمر طويلاً قبل أن يُعكره سعيد بن العاص نفسه، ففي عام 33 هـ وفي أحد الليالي عندما كان الأمير جالساً مع كبار أهل الكوفة[11] قال في خضم جدال طويل "إنما السواد بستان لقريش" (يعني ان ارض العراق[12] ملك لقريش) الامر الذي اغضب كبار اهل الكوفة الذين لم يتاخروا بالرد عليه[13] وقالوا : "انما السواد فيء افاءه الله علينا، وما نصيب قريش منه إلا كنصيب غيرها من المسلمين." فغضب صاحب الشرطة لأن القوم ردوا رداً غليظاً على الأمير. فحدث تشاجر واشتباك بالأيدي أدى إلى ضرب صاحب الشرطة واغمائه.

والظاهر أن مسألة الأرستقراطية القرشية وشعور القريشيين بتميزهم عن باقي المسلمين كان يجابه بمعارضة كبيرة من أهل الكوفة الذين كانوا يرون أن المسلمين سواسية في كل شيء.

كتب سعيد بن العاص إلى عثمان بما حدث. فارسل عثمان امره بإخراج الذين ردوا على الأمير ونفيهم إلى شام عند معاوية لاستصلاحهم. وبالفعل أبعد هؤلاء القوم بالقوة عن اهلهم في الكوفة ووصلوا إلى معاويه الذي اسكنهم في كنيسة واحسن معاملتهم. وظل معاوية يدخل عليهم فيناظرهم ويعظهم ويذكرهم في فضل قريش على العرب فلم يقنعوا له، وردوا عليه قائلين بأن الإسلام لايعرف لقريش فضلاً غير أن النبي بعث منهم. وان انبعاث النبي من قريش لايبيح لها التحكم في رقاب الناس. كما أن لاحق لقريش بان تمتاز عن بقية العرب فكل الناس في الإسلام سواسية، بل انهم طلبوا منه ان يعتزل الامارة إلى من هو أقدم منه للإسلام عهدا وأكرم منه أبا، وأجدر منه ان يقيم حدود الله[14].

ويظهر أن معاوية قد خاف منهم أن يحرضوا أهل الشام عليه. فكتب إلى عثمان يطلب منه ابعادهم عنه واعادتهم إلى الكوفة. فقبل عثمان بذلك. لم يكادوا يعودون إلى الكوفة حتى اطلقوا لسانهم في سعيد بن العاص وعادت المشحانات بينهم وبينه، فأعاد سعيد الكتابة إلى عثمان يشكو له منهم ويطلب منه ابعادهم عنه. فأمر عثمان بنفيهم مرة أخرى لكن هذه المرة كان النفي إلى الجزيرة عند عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.

تلقاهم عبد الرحمن على عكس معاوية. فجعل يسومهم الخسف ويعظم لهم أمر نفسه وأمر أبيه وأمر قريش، لا بالمناظرة والحجج الدينية وإنما بالقول الغليظ والسيرة التي هي أغلظ من القول. وصار لا يركب إلا وجعلهم يمشون خلفه، يؤنبهم ويزجرهم ويذلهم ويجعلهم للناس نكالاً. فعندما زاد في اذيتهم أظهروا له الطاعة والقبول بسيادة قريش وتميزهم على العرب. وأرسلوا إلى عثمان مالك بن الحارث الأشتر يبين له طاعتهم فقبل عثمان ذلك، لكنهم ظلوا مُقيمين عند عبد الرحمن لكن اقامتهم لم تطل[15].

حيث قدم سعيد على عثمان في المدينة، فاستغل أهل الكوفة خروج سعيد منها فتجمعوا وأقسموا أن لا يدخلها سعيد مرة أخرى وكتبوا إلى أصحابهم المنفيين عند عبد الرحمن، ففروا من عبد الرحمن واقبلوا مسرعين حتى دخلوا الكوفة. فكتب زعيم المنفيين العائدين إلى الكوفة كتابا إلى عثمان جاء فيه:

«من مالك بن الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه النابذ لحكم القرآن وراء ظهره. اما بعد فقد قرانا كتابك؛ فإنهُ نفسك وعمالك عن الظلم والعدوان وتسيير الصالحين، نسمح لك بطاعتنا. وزعمت إنا قد ظلمنا انفسنا، وذلك ظنك الذي أرداك فاراك الجور عدلاً والباطل حقاً. واما محبتنا فان تنزع وتتوب وتستغفر الله من تجنيك على خيارنا، وتسييرك صلحاءنا، واخراجك ايانا من ديارنا، وتوليتك الأحداث علينا، وأن تولي مصرنا عبد الله بن قيس أبا موسى الاشعري وحذيفة، فقد رضيناهما. واحبس عنا وليدك وسعيدك ومن يدعوك اليه الهوى من أهل بيتك إن شاء الله والسلام[16]»

فقبل عثمان بولاية أبي موسى مضطرا. وكان أبو موسى يمني من اصحاب النبي ولاه عمر البصرة[17].

 

مصر

 

كان عمر قد مات وعلى مصر عمرو بن العاص واليا عليها. فما كاد بعض الوقت من ولاية عثمان ينقضي حتى جعلت قرابة عثمان تنظر إلى أحد أهم أمصار المسلمين نظرة لاتخلو عن الطمع والطموح إليها. وكانت مصر جبهة مفتوحة إلى أفريقية حيث لم يقصر عمرو في غزوها لفتحها والعودة من غزواته محملا بالغنيمة، متوليا مهمة فتح البلدان المجاورة طيلة سنين، إلا أن عثمان سرعان ماقرر كف عمرو بن العاص عن غزو أفريقية، وأرسل جيشاً لا يذعن لسلطان الوالي بمصر وإنما يتصل بالمدينة متخطيا عمرو بالعاص على غير المالوف. حيث ان قادة الأمصار هم من يتولون قيادة الغزوات والفتوحات عادة. وكان المكلف بقيادة هذا الجيش عبد الله بن سعد بن ابي سرح وهو أخ عثمان بالرضاعة. ووعده بأنه لو استطاع فتح أفريقية فله خمس الخمس(4%) من الغنيمة.

ومن الطبيعي ان يغضب عمرو لهذا التهميش. لأن عثمان قد خص به عن نظرائه من العمال. فلم يكن عثمان يرسل الجيوش من قبله مباشرة إلى الثغور. وإنما كان ذلك إلى العمال حيث يغزو معاوية الروم ويغزو عامل البصرة والكوفة فارس.

وقد نجح عبد الله بن أبي سرح في فتح الاراضي الواسعة من أفريقية والمجيء منها بعظيم الغنائم، وماان انتهى من غزوه ولاه عثمان خراج مصر (المسؤلية المالية للبلاد) تاركاً لعمرو بن العاص مسؤليتها العسكرية. وكان لابد من حدوث الإختلاف بين عمرو وعبد الله. فكتب كلاهما إلى عثمان يشكو الاخر، وماكان من عثمان إلى أن عزل عمرو بن العاص عن مصر وسلمَ عبد الله بن أبي سرح امارة مصر كلها عام 27 هـ[18].

لم يكن عبد الله بن سعد بن أبي سرح رجل صدق، ولم يكن المسلمين يرضون عنه، فهو كان من الذين اشتدوا على النبي واسرفوا في السخر منه، وقد أرتد بعد إسلامه وأعلن كشفه عن زيف نبوة محمد وأحل الرسول دمه وكاد يقتله عند فتح مكة لولا شفاعة عثمان له واعلان إسلامه. ولايوجد شك في كون سيرة عبد الله في مصر قد اصابت اهلها بالسخط عليه. فكان يكلفهم فوق مايطيقون ويتحملون ويتشدد في.حتى شكوه إلى عثمان. فكتب عثمان له يأمره بالرفق في رعيته فلم يحفل بذلك، وانما عاقب الذين شكوه وضرب منهم رجلاً حتى قتله، وبذلك غضب أهل مصر غضباً عظيماً وغضب معهم أعيان الإسلام في المدينة[19].

 

الشام

 

كان معاوية بن ابي سفيان اعظم الولاة حظاً من كل شيء في ايام عثمان. فكان عمر قد ولى معاوية حكم دمشق وولى أخوه يزيد بن ابي سفيان حكم الأردن، وعندما مات يزيد ضم عمر الأردن إلى سلطة معاوية فاتسع بذلك سلطانه. وبعد موت عمر كان معاوية من المقربين لعثمان حيث ان معاوية ابن عم عثمان فلم يقم بتغييره كما فعل مع غيره. بل على العكس حيث ضم إلى سلطته الكبيرة اصلا فلسطين بعد موت حاكمها عبد الرحمن بن علقمة، ويقوم بعزل عمير بن سعد الأنصاري حاكم حمص ويضمها إلى معاوية أيضا. وبذلك اجتمعت عند معاوية الأجناد الأربعة وبسط قوته على بلاد الشام كلها ليصبح ذا سلطة عالية لاينافسه فيها أحد.

وقد طال حكم معاوية للشام، فأحبه أهل الشام وأصبح لطول ولايته وحسن تدبيره لأمور رعيته أشبه بالملك منه بالوالي. وكان عثمان إذا ما أراد أن يسير أحد من المخالفين له والمعارضين لسياسته فإنه كان يرسلهم إلى الشام عند معاوية، فقد كان حزم معاوية هو الملجأ الذي كان عثمان يلجأ إليه إذا أراد تأديب المُعارضين له. ويبدو أن معاوية كان حازماً حتى على عثمان نفسِه. فهو كان يلتقي المنفيين الذين يرسلون إليهم لإصلاحهم، فاذا لم يقدر عليهم طلب من عثمان ان يخرجهم من عنده ولم يكن عثمان يرد له طلب. حيث كان معاوية شديد الخوف على اهل الشام فلم يكن يبقى اي أحد من المعارضين له بها خشية أن ينقلب اهل الشام ضده[بحاجة لمصدر].

البصرة

 

كان أبو موسى الاشعري عامل عمر على البصرة. وابقاه عثمان على حكمه اعواما. والكثرة من اهل البصرة مضرية، وفيهم ربيعيون وفيهم قلة من اليمانية. ولامر مااحب عمر ان يولي رجلا من اليمن على البصرة، وكثرة اهلها مضرية، وان يولي رجلا ثقفيا وهو المغيرة بن شعبة الكوفة وكثرة اهلها يمانية؛ يريد بذلك في أكبر الظن ان يقاوم العصبية القبلية حتى يزيلها.

كان أبو موسى رجلا من أصحاب النبي مقدماً فيهم، وقد استقامت أمور البصرة في عهده اعواما، لم يشتك فيها اهل البصرة من اميرهم ولم يشكوا الأمير من رعيته. ولكن يبدو أن العصبية القبلية (والقرشية بالاخص) قد عادت في زمن عثمان. فقد كانت ثلاثة من الولايات الاربعة الكبرى يليها أمراء من قريش اقرباء لعثمان: الوليد بن عقبة في الكوفة وبعده سعيد، ومعاوية بن أبي سفيان في الشام، وعمرو بن العاص في مصر وبعده عبد الله بن سعد بن أبي سرح.

فلم يبق الا ولاية واحدة من هذه الولايات الكبرى لم يل امره أموي ولاقرشي وانما وليه رجل من اهل اليمن، فكان مركز أبو موسى بين هؤلاء الولاة غريبا شاذا، حيث أنه اليمني الوحيد الذي يلي ولاية ذات خطر. حتى جاء في أحد الايام رجلا مضريا من بني ضبة، هو غيلان بن خرشة الضبي فقال لعثمان: "اما لكم صغير فتستشبوه فتولوه البصرة؟ حتى متى يلي هذا الشيخ البصرة؟" ويبدو أن غيلان لم يكن وحده بل كان معه مجموعة من اهل البصرة اشتكوا أيضا على أبو موسى[20]. فسارع عثمان في عزل أبو موسى وتوليه ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز عام 29 هـ، فدخل البصرة واليا عليها وهو ابن الخمس وعشرين عاماً.[21]

 

السياسة المالية

 

كانت السياسة المالية لعثمان من أكثر الأمور التي أثارت الرأي العام المعارض له، ويمكن أن نختصر سياسة عثمان المالية في أنه كان يرى أن للخليفة الحق في أن يتصرف بأموال المسلمين حسب مايراه من مصلحة، وأنه مادام قد انقطع بحكم الخلافة لتدبير اموال المسلمين، فله ان ياخذ من اموالهم مايسعه ويسع اهله واقاربه ولايرى بذلك خطا. وانه لم يكن يرى للمسلمين حق في أن يعاقبوه أو حتى ان يراقبوه في تصرفه بالأموال فهو مسئول امام الله وحده[22][23].

فهو قد أعطى مروان بن الحكم خمس (20%) الغنيمة التي غنمها المسلمين في أفريقية[24][25]. كما اعطى عمه الحكم وابنه الحارث ثلاثمائة الف درهم[26]، واعطى عبد الله بن خالد بن اسيد الأموي ثلاثمائة الف درهم، واعطى المزيد حتى رفض عبد الله بن الارقم المسؤل عن بيت المال تنفيذ الامر واستقال من مسؤليته، وعرض عليه عثمان 300 الف درهم فلم يقبلها ورفضها[27]. كما اعطى الزبير بن العوام 600 الف درهم، واعطى طلحة بن عبيد الله 100 الف، وأعطى سعيد بن العاص 100 الف[26]، وزوج ثلاثا أو اربعا من بناته لنفر من قريش فاعطى كل واحد منهم 100 الف. واعطى غيرهم كثير[28].

فقد كان عثمان يستبيح لنفسه هذا العطاء، ولم يكن يبيح لاحد الاعتراض عليه، وقد استباح حكام عثمان على الأقاليم الاخذ من بيت المال فكانوا يقترضون منه وياخذون منه مايشاؤن، حتى استقال عبد الله بن مسعود وهو المسئول عن بيت المال في الكوفة[29] مثلما استقال عبد الله بن الارقم في المدينة. ولم يكن غريبا بعد ذلك ان يحتاج الجنود إلى المال فلا يجدوه ويضطر الخليفة ليُدفع لهم من أموال الصدقة.

وإذ اطلق الخليفة يده في الأموال العامة وأطلق يد عماله فيها على هذا النحو، لم يكن غريباً أن تمتد هذه الايادي حتى إلى اموال الصدقة؛ حيث ارسل عثمان الحارث بن الحكم لاياخذ الصدقة من قضاعة، فلما جاء بها اعطاها له كلها.

وبعد أن امتدت الايادي إلى الأموال العامة على هذا النحو فليس من الغريب ان يحتاج بيت المال إلى المال ليواجه نفقات الفتوحات وسخاء الخليفة والعمال، فيدعو ذلك إلى التشدد على الناس والعنف في اخذ الخراج والجزية والزكاة. الامر الذي جعل المصريين يشكون من تشدد عبد الله بن أبي سرح.

ولم يقتصر سخاء عثمان على المال فقط بل ذهب إلى السخاء في إعطاء الاراضي الكبيرة لاقاربه من بني امية. وقد تسبب هذا السخاء في تكون ملكيات ضخمة فقد مات عبد الرحمن بن عوف تاركا قطع ذهب كسرت بالفوؤس حتى وجلت ايديهم من تكسيره[30].

فنجد أن مطالب الثوار الذين قدموا إلى عثمان بعدم تقديم اموال الفتوحات إلى للذين حاربوا في تلك الفتوحات وانتقدوا اسرافه في انفاق اموال المسلمين ومقدراتهم.

عبد الله بن سبا

 

يعتقد اهل السنة ان سبب بداية القلاقل والسخط على حكم عثمان بسبب شخص يدعى عبد الله بن سبأ. ويعرفه اهل السنة على انه من يهود صنعاء ومعروف بإبن السوداء، أظهر الإسلام ووقف موقف العلماء، حاول التأثير في الأعراب والأمصار والذين دانوا حديثاً بالإسلام.[31] جعل يطعن في الخليفة عثمان ويقول أنه عين الولاة لقرابتهم به، وأنه حرق المصاحف بعد أن صار لعبدالله بن سبأ أتباع. ووصل الأمر إلى الخليفة فجمع أمراء الأمصار في موسم الحج سنة 34 هـ وقد رأى عثمان أن يلين لهم ويؤلف قلوبهم.

في ذي الحجة من عام 35 هـ جمع المتمردون أنفسهم من البصرة، والكوفة، ومصر، وبدءوا في التوجه ناحية المدينة المنورة؛ لمطالبة عثمان بالرجوع عن موقفه وعزل بعض الأمراء الفاسدين من بني أمية، وطلبوا مناظرة عثمان رضي الله عنه في ما وصلوا إليه من مطاعن في حقه وأظهروا أنهم أتوا للحج.

وقد قسموا أنفسهم مجموعات :

  • مجموعة أهل مصر وعليهم الغافقى بن حرب وعبد الله بن سبأ.
  • مجموعة أهل الكوفة وعليهم عمرو بن الأصم وزيد بن صولجان العبدي.
  • مجموعة أهل البصرة وعليهم حرقوص بن زهير السعدي وحكيم بن جبلة العبدي.

وواجهوا عثمان إلا أنه قابلهم بالحجج وأوضح لهم موقفه فلم يقتنعوا وتظاهروا بالطاعة والرجوع إلى بلادهم.

بينما يرى الشيعة وبعض المؤرخين والباحثين ان عبد الله بن سبأ هو مجرد شخصية خيالية لاوجود لها على ارض الواقع وليس هناك اي دليل تاريخي يثبتها. وان "مؤامرة عبد الله بن سبأ" مجرد قصة حبكت بشكل فاشل لإعطاء تفسير لحروب الصحابة بعضهم مع بعض.

 

معارضين

 

أبو ذر الغفاري

 

وكان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه من أكبر المعارضيين للسياسة المالية فكان يرى عطايا عثمان لمروان بن الحكم واخاه حارث فينكر ذلك ويستنكره، وكان يتلو قول الله عز وجل: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقوها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم" وقد شكا مروان بن الحكم إلى عثمان من قول أبو ذر، فارسل عثمان اليه من ينهاه فقال أبو ذر:"أينهاني عثمان عن قراءه كتاب الله؟" ولم يتوقف أبو ذر حتى الح في نقده واستنكاره لهذه السياسات حتى امره عثمان بالخروج من المدينة والذهاب إلى معاوية في الشام.

وعند وصوله الشام صار ينتقد معاوية اشد الانتقاد لجمعه المال وبناء القصور الفارهة فانتقده بشكل كبير لبناء قصر الخضراء وقال:"ان كنت بنيتها من مال المسلمين فهي الخيانة، وان كنت بنيتها من مالك فهذا اسراف" وكان يقول: "ويل للاغنياء من الفقراء" حتى أصبح الناس يسمعون له ويتجمعون حوله، فخاف معاوية من أن ينقلب اهل الشام عليه فكتب إلى عثمان يشكو له أبو ذر، فامر عثمان بان يجلبوا له أبو ذر إلى المدينة، فلما بلغ المدينة أصبح يقول" وبشر الاغنياء بمكاو من نار تكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. وحتى أصبح يطعن بعثمان حتى ضاق به عثمان فنفاه خارج المدينة إلى الربذة فمات هناك غريبا وحيدا حتى عجزت زوجته عن دفنه لولا مرور حجاج من اهل العراق بالصدفة.

 

عمار بن ياسر

 

وكان أحد اشد المعارضين لعثمان وكان ينكر عليه تولية اقاربه وسياسته المالية، ففي أحد الحوادث اخذ عثمان من بيت المال واعطى لاقاربه، فغضب الناس لذلك ولاموا عثمان حتى اغضبوه، فخرج يخطب بالناس متحديا:"لناخذن حاجتنا من هذا الفيء وان رغمت انوف اقوام" فقال له علي"اذن تمنع ويحال بينك وبينه" وقال عمار: "اشهد الله ان انفي اول راغم لذلك" فرد عثمان على عمار ردا قويا وامر به فضربوه حتى اغمي عليه فاخرجوه محمولا إلى بيت ام المؤمنين ام سلمة، وظل مغشيا عليه طول النهار فافتته الظهر والعصر والمغرب. فلما افاق توضا وصلى، وقال الحمد لله ليست هذه أول مرة اوذينا فيها في الله.

واشترك عمار مع جماعة من اصحاب النبي في كتابة كتاب يلومون فيه عثمان، وكان عمار هو من تجرا على حمله والذهاب به إلى عثمان. فقرا عثمان جزءا منه، فشتم عمار وامر به فضربوه حتى اصيب بفتق وكان شيخا كبيرا[32]. وعندما مات أبو ذر منفيا في الصحراء حزن عليه عمار وأصبح يلوم عثمان، فغضب عثمان وامر بنفيه إلى الربذة كما نفي أبو ذر. فغضب لذلك علي بن أبي طالب فاقبل على عثمان ولامه بنفي أبي ذر وطلب منه ان يترك عمار ويتراجع عن قراره. حتى تشاجرا وكاد ينفيه هو أيضا قائلا له :ما انت بأفضل من عمار وما انت اقل استحقاق للنفي منه" وبعد وساطة المهاجرين ووجهاء المدينة تراجع عن قرار النفي بخصوص عمار وعلي.

لكن تلك الحادثة أنكرها العديد من الفقهاء: فمن حيث سند الرواية، الحديث الذي يستند عليه في تلك الرواية مروي عن سالم بن أبي الجعد و هو ضعيف السند.[33] أيضاً، الأعمش عداده في صغار التابعين، لم يدرك عثمان ولا عليا ولا عمارا؛[34] وقد وضح ذلك ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد.[35]

 

طلحة بن عبيد الله

 

كان طلحة أحد اغنياء المدينة ومن أكبر اعلامها. اختاره عمر ليكون أحد اعضاء المجلس الذي اختاره لينصب الخليفة من بعده. الا انه لم يشارك في اختيار الخليفة، حيث كان مسافرا خارج المدينة عندما توفي عمر فارسلوا له يستعجلوه فاقبل إلى المدينة مسرعا ولكن كانت بيعة عثمان قد تمت. وقد اغضبه ذلك فجلس في داره ولم يبايع عثمان.

الا أن مساعي عبد الرحمن بن عوف وعثمان نفسه قد انتهت بقبول طلحة ومبايعته لعثمان بالخلافة. وكانت هناك علاقات تجارية تربط الطرفين لذا فان الامور استقامت بينهما سريعا. ولكن عندما بدات المعارضة بالاشتداد كان طلحة من المسرعين إليها، ومن المنتقدين لسياسة الحكومة فلما اشتدت الامور على عثمان كان طلحة أحد المشاركين في حصار بيته[36].

 

مقتل عثمان

 

وكانت المعارضة تشتد في الولايات وتصل اصداؤها إلى المدينة، وتشتد في المدينة فيصل اصداؤها إلى الولايات البعيدة فتزداد جرأة، حتى كتب اصحاب الرسول المقيمين في المدينة إلى اصحابهم خارج المدينة بالقدوم إليها لتصحيح مااعوج من امور الخلافة. فتكاثر الناس واجتمعوا في المدينة سنة 34 هـ، ولاموا عثمان على سياسته ثم كلفوا الإمام علي بن أبي طالب ان يدخل على عثمان فيكلمه[37]. فدخل عليه وقال له بعد أن مدحه كلاما منه: "تعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، هُدي وهَدى، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة متروكة، فوالله إنَّ كُلّاً لبَيِّن، وإن السنن لقائمة لها أعلام، وإن البدع لقائمة لها أعلام، وان شر الناس عند الله امام جائر، ضَلَّ وضُلَّ به فأمات سنة معلومة، وأحيا بدعةً متروكة".

خطب بعد هذه المقابلة عثمان في الناس ينذرهم ويحذرهم ثم ذهب إلى بعض من اللين ولكنه بقى على موقفه. أرسل بعدها عثمان يطلب قدوم معاوية وعبد الله بن أبي سرح وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص إلى المدينة للاجتماع بهم.

فاستشارهم عثمان عند قدومهم في كيفية التعامل مع المعارضة فاشار له معاوية بان يترك التعامل مع المعارضة على عاتق العمال (حكام الأقاليم) واشار له سعيد بقتل قادة المعارضة واشار له عبد الله بن أبي سرح بان يرشوهم من المال ليسكتوا، واشار اليه عبد الله بن عامر ان يشغل المسلمين في الحرب والفتوحات الإسلامية. فعمل عثمان براي عبد الله بن عامر.

وماان دخل عام 35 هـ ثار اهل الكوفة على حاكمهم سعيد (كما ذكرنا) وطلبوا ان يولى عليهم أبو موسى الاشعري. وظهر للناس بان الثورة هي الطريق الوحيد لتنفيذ مطالبهم.

ولم يكن للمصريين حل سوى ان يرسلوا وفدا إلى المدينة يطلبون فيه من عثمان كف عماله عن التسلط على رقاب المسلمين ومقدارتهم. فخرجوا ب 35 وفدا ضخما في رجب من عام 35 هـ يظهرون انهم يريدون العمرة. فارسل لهم عثمان جماعة من المهاجرين والأنصار على راسهم علي بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة الأنصاري ليلتقوا بهم في قرية خارج المدينة. فخرج لهم علي ومن معه فوعدهم على لسان عثمان ان ينفذ مطالبهم، وقدم وفد منهم إلى عثمان في داخل المدينة فخطب بهم واثنى عليهم واعطى التوبة واستغفر الله، وبكى وبكى الناس ورضوا بما قطعه عثمان على نفسه من عهود. وغادر وفد المصريين المدينة عائدين إلى ديارهم.

وماان عادت وفود المصريين إلى مصر حتى تلقاهم عبد الله بن أبي سرح بعد أن عرف بامرهم، فضرب رجلا منهم فقتله (كما أقدمنا)[38] ومرت الايام بدون أن يعزل عبد الله بن أبي سرح فتواعد المصريين مع اهل الكوفة والبصرة للقدوم إلى المدينة بعد أن استياسوا من وفاء الخليفة بعهوده. فتحركوا في شوال من نفس السنة صوب المدينة. وماان وصلت وفود المعارضين إلى ضواحي المدينة، طلب عثمان من علي ان يخرج لهم فابى، وابى كذلك محمد بن مسلمة وقال: لا اكذب الله في السنة مرتين.

وانتهى الأمر بعزل ابن أبي سرح، وتولية محمد بن أبي بكر، فأرسله إلى مصر[39]، ومعه جمع من الصحابة، وعندما كان محمد بن أبي بكر ومن معه في الطريق إلى مصر. فازعجهم رجل يركب بعيرا فاوقفوه بعد أن شكوا فيه، وظهر انه مبعوث من عثمان إلى والي مصر ويحمل معه كتابا له، ففتحوا الكتاب المختوم وفي الكتاب امرا من الخليفة إلى عبد الله بن أبي سرح يدعوه فيه إلى قتل المعارضين الذين قدموا إلى المدينة[40][41]، وقيل ان حامل الرسالة هذه هو أبو الاعور السلمي[42][43].

فارسل المصريون إلى اهل العراق الذين تفرقوا عنهم يرجعوهم إلى المدينة ودخلوا المدينة بسرعة حتى فاجئوا من فيها، فذهبوا إلى عثمان وقالوا له: هل هذا غلامك (يقصدون حامل الكتاب)؟ فقال: نعم انه غلامي انطلق بغير علمي. قالوا: هل هذا جملك؟ قال: أخذه من الدار بغير أمري. قالوا: هل هذا خاتمك؟ فقال: نقش عليه. فقالوا له ان لم تكتب أنت الكتاب فسلمنا من كتبه[44][45].

وهنا ارتفعت مطالب المعارضين الذين تحولوا إلى ثوار فطالبوا بان يعزل عثمان نفسه وان يولي كبار صحابة المسلمين خليفة جديد بدلا عنه. فرفض عثمان ذلك، وماكان من الثوار الا الاعتصام في المدينة حتى تنفذ مطالبهم، وكانوا خلال ذلك لا يضايقون عثمان وكانوا يصلون وراءه.

حتى كتب عثمان إلى عماله كتابا يدعوهم فيه إلى إرسال مقاتلين حتى ينصروه على الثوار، فعلم الثوار بامر الكتاب فيبدا الحصار وتتغير معه سيرتهم مع عثمان. فخرج عثمان على المنبر يلعن الثوار فتشاجر القوم بالايدي حتى ضرب عثمان فسقط مغشيا عليه وحمل إلى بيته، وضرب الثوار حصارا على بيته ومنعوه من الخروج منه[46].

ثم اخذت الامور تصل إلى حدتها بالتازم عندما قُتل أحد الثوار وهو "نيار بن عياض الاسلمي" عندما رمي أحد المحاصرين في دار عثمان سهما نحوه. فقالوا لعثمان عند ذلك: إدفع إلينا قاتل نيار بن عياض فلنقتله به، فقال: لم أكن لأقتل رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي[47]. حتى بلغ الامر ذروته فاقتحم الثائرون الدار وتشابكوا مع اهله فاصابوا عبد الله بن الزبير بجراحات كثيرة وصرع مروان بن الحكم حتى اعتقدوا انه مات ودخلوا إلى عثمان فقتلوه. في يوم الجمعة 18 من ذى الحجة سنة 35 هـ، ودفن بـالبقيع.

 

الفتنة الكبرى

 

بويع علي بن أبي طالب للخلافة بالمدينة المنورة في اليوم التالي لمقتل عثمان فبايعه أغلب من كان في المدينة من الصحابة والتابعين. يروى إنه كان كارها للخلافة في البداية واقترح أن يكون وزيرا أو مستشارا إلا أن بعض الصحابة حاولوا إقناعه. انتقل على إلى الكوفة ونقل عاصمة الخلافة إلى هناك.

رأى علي تأجيل تنفيذ القصاص حتى تستقر الأمور في المدينة، وكان كثير من الصحابة مع علي في رأيه، ولكن كان هناك مجموعتان يرون رأيًا مخالفًا؛ فكانوا يرون وجوب القصاص الفوري من قتلة عثمان،

 

موقعة الجمل

في شهر جمادى الآخرة سنة 36 هـ خرج الفريق الذي يضم عائشة والزبير وطلحة إلى البصرة، فقرَّرَ علي بدلاً من المسير إلى أهل الشام أن يتجه إلى البصرة ليردهم إلى المدينة، ولكنَّ الحسن بن علي.

لاحت بشائر الصلح، وذَكَر الزبير بقول النبي صلى الله عليه وسلم : [ لتقاتلنه، وأنت ظالم له..][48] وتذكر الزبير ذلك وأراد الصلح فلما علم المتأمرون ببوادر الصلح قاموا بالاختلاط بين الناس في المعسكرين، ويهيجوا الناس على القتال قبل أن يصطلحوا.

التحم الجيشان، واشتدت المعركة أمام الجمل الذي عليه هودج عائشة.

انتهى القتال وانتهت الفتنة جزئياً وبقت مشكلة معاوية.

 

معركة صفين

في محرم سنة 37 هـ أراد علي أن يعزل معاوية من على الشام فخرج إليه بجيشه وبعث إلى معاوية يبين حجته إلا أن هذا لم يجدِ، فدار القتال عند صفين، وقتل عمار بن ياسر على يد جيش معاوية وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وذاك دأب الأشقياء الفجار"[49]، وكاد معاوية أن يهزم فرفع جيشه المصاحف وطلب التحكيم.

شعر علي أنها خديعة إلا أن الصحابة أصروا على قبول التحكيم فقبل به.

التحكيم

اجتمع الحكمان في دومة الجندل، كان عمرو بن العاص المفاوض من قبل جيش معاوية بن أبي سفيان، وكان أبو موسى الأشعري المفاوض من قبل جيش علي بن أبي طالب. فكتبت صحيفة التحكيم وتوقف القتال وأذن على بالرحيل إلى الكوفة، وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام.

ظهور الخوارج

انشق مجموعة من جيش علي (12000) يرفضون التحكيم من أساسه، مع أنهم هم الذين فرضوه عليه، وكفروا علياً. ناظرهم على وفقهاء الصحابة لكنهم لم يسمعوا لأحد.

  • في سنة 38 هـ اجتمع الخوارج في مكان يسمى النهروان، قاتلهم على بعد ما فشلت معهم الحجة فقتل منهم الكثير وفر منه طائفة وانقسموا بعد ذلك إلى 20 فرقة.
  • في سنة 40 هـ رصد الخوارج ثلاثة منهم ليقتلوا معاوية وعلياً وعمرو بن العاص بيد أنهم لم ينجحوا إلا في مقتل الخليفة علي .

 

مقتل الخليفة علي

في 16 رمضان سنة 40 هـ تربص اثنان من الخوارج بعلي عند خروجه كعادته ليوقظ الناس قبيل صلاة الفجر للصلاة، فقتلوه وهو يصلي بالمحراب فصاح قائلاً: "فزت ورب الكعبة".

 

المصادر

 

  1. ^ تاريخ الإمام الطبري: فقام معاوية في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال “أما بعد فإنه كانت لعلي بن أبي طالب يدان يمينان قطعت إحداهما يوم صفين (يعني عمار بن ياسر) وقطعت الأخرى اليوم (يعني الأشتر)”
  2. ^ الفتنة الكبرى\عثمان\\طه حسين\\ص 73
  3. ^ تاريخ الطبري--الجزء الرابع--ص 244
  4. ^ تاريخ الطبري--ج 4 ص 252
  5. ^ تفسير الطبري
  6. ^ نساب الأشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\امر الوليد بن عقبه ص 139
  7. ^ أنساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\امر الوليد بن عقبه ص 143
  8. ^ الاغاني لابو فرج الاصفهاني ج4 /ص 178
  9. ^ ومروج الذهب ج1 / ص435
  10. ^ مروج الذهب ومعادن الجوهر//المسعودي// ج2 ص 263
  11. ^ مالك بن حارث الاشتر النخعي,,زيد وصعصة ابنا صوحان العبديان,,حرقوص بن زهير السعدي,,جندب بن زهير الازدي,,شريح العبسي,,كعب بن عبده النهدي,,عدي بن حاتم الطائي,,كدام بن حضرمي,,مالك بن حبيب,,قيس بن عطار,,زياد بن خصفة,,يزيد بن قيس الارحبي,,وغيرهم...المصدر(انساب الاشراف\الجزء السادس\\152)
  12. ^ سواد العراق : ما بين الكوفة والبصرة وما حولهما من القرى والرساتق، وسمي سوادا لخصبه، فالزرع من الخصوبة يكون أخضر داكنا يميل إلى السواد. ولكثرة ما فيه من "معجم مصطلحات فقهية "
  13. ^ مروج الذهب ومعادن الجوهر//المسعودي//ج2 ص 265
  14. ^ نساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\امرالمسيرين من اهل الكوفة إلى الشام ص 155
  15. ^ تاريخ الطبري--ج 4 ص 322
  16. ^ انساب الاشراف--البلاذري--ج 6 ص 159 (المسيرون من اهل الكوفة إلى الشام)
  17. ^ مروج الذهب ومعادن الجوهر//المسعودي//ج2 ص 266
  18. ^ تاريخ الطبري\الجزء الرابع\أحداث سنة 27 هـ
  19. ^ الفتنة الكبرى (عثمان)\ص 124
  20. ^ تاريخ الطبري\\احداث عام 29
  21. ^ عبدالله بن عامر/ بعض قضاياه
  22. ^ الفتنة الكبرى (عثمان)\\الاحداث المتعلقة بالسياسة المالية ص 190
  23. ^ انساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\ذكر ماانكروا من سيرة عثمان ص134
  24. ^ نساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\ذكر ماانكروا من سيرة عثمان ص 136
  25. ^ الكامل في التاريخ\\ابن اثير\\الجزء الثاني\\احداث سنة 27 هـ ص 484
  26. نساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\ذكر ماانكروا من سيرة عثمان ص 137
  27. ^ نساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\امر عبد الله بن الارقم ص 173
  28. ^ نساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\امر الوليد بن عقبه ص 151
  29. ^ نساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\امر عبد الله الهذلي ص 146
  30. ^ كتاب الطبقات لابن سعد\\الجزء الثالث\\ص 136
  31. ^ موقع الإسلام سؤال وجواب\\ العلاقة بين اليهود وفرق الباطنية\\سؤال رقم 220687
  32. ^ تاريخ المدينة المنورة\\عمر بن شبه\\الجزء الثالث ص 321
  33. ^ موقع الإسلام سؤال وجواب\\شبهات حول الصحابة رضي الله عنهم وردها\\سؤال رقم 220074
  34. ^ التهذيب (4/196)
  35. ^ العقد الفريد (5/ 57)
  36. ^ تاريخ المدينة المنورة\\عمر بن شبه\\الجزء الرابع ص 14
  37. ^ نساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\مسير اهل الاصار إلى عثمان ص 175
  38. ^ انساب الاشراف\\البلاذري\\الجزء السادس\\ذكر مانكروا من سيرة عثمان ص 134
  39. ^ الصحيح من سيرة الإمام علي\\جعفر مرتضى العاملي)\\308
  40. ^ تاريخ المدينة المنورة\\عمر بن شبه\\الجزء الرابع ص 3
  41. ^ نساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\مسيرة اهل الامصار إلى عثمان ص 183
  42. ^ تاريخ ابن خلدون "المبتدا والخبر.." الجزء الثاني ص 599
  43. ^ البداية والنهاية لابن كثير//ج7 "ذكر مجيء الاحزاب لعثمان مرة ثانية" وروى ابن جرير: من طريق محمد بن إسحاق، عن عمه عبد الرحمن بن يسار، أن الذي كان معه الرسالة من جهة عثمان إلى مصر أبو الأعور السلمي، على جمل لعثمان.
  44. ^ تاريخ المدينة المنورة\\عمر بن شبه\\الجزء الرابع ص 4
  45. ^ انساب الاشراف للبلاذري\\الجزء السادس\\مسيرة اهل الامصار إلى عثمان ص 184
  46. ^ الكامل بالتاريخ\\ابن اثير\\المجلد الثالث الاحداث من 30 إلى 62هـ\\ذكر مقتل عثمان ص 62
  47. ^ الكامل بالتاريخ\\ابن اثير\\المجلد الثالث الاحداث من 30 إلى 62هـ\\ذكر مقتل عثمان ص 65
  48. ^ صححه الألباني - رقم الصفحة : صـ 339 حديث رقم 2659
  49. ^ ،مسند الإمام أحمد بن حنبل، حديث رقم 1411، فضائل عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه و أرضاه

 

لبس بعض أتباع محمد للحرير والذهب بعد موته واستمتاعهم بالفنون والأواني الفضية

 

روى أحمد:

 

2932 - حدثنا أبو النضر، عن ابن أبي ذئب، عن شعبة: أن المسور بن مخرمة دخل على ابن عباس، يعوده من وجع، وعليه برد إستبرق ، فقال: يا أبا عباس، ما هذا الثوب ؟ قال: وما هو ؟ قال: هذا الإستبرق قال: والله ما علمت به " وما أظن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا حين نهى عنه، إلا للتجبر والتكبر "، ولسنا بحمد الله كذلك . قال: فما هذه التصاوير في الكانون ؟ قال: " ألا ترى قد أحرقناها بالنار ؟ فلما خرج المسور، قال: انزعوا هذا الثوب عني، واقطعوا رءوس هذه التماثيل . قالوا: يا أبا عباس، لو ذهبت بها إلى السوق، كان أنفق لها مع الرأس ؟ قال: لا . فأمر بقطع رءوسها.

 

إسناده ضعيف، شعبة- وهو ابن دينار مولى ابن عباس- سيىء الحفظ، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه الطيالسي (2730) عن ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات" (2900) ، والطبراني (12218) من طريق علي بن الجعد، عن ابن أبي ذئب، به. وسيأتي برقم (3307) .

قوله: "برد إستبرق"، قال السندي: يحتمل الإضافة والتوصيف. وقوله: "ولسنا بحمد الله كذلك"، قال: الظاهر أنه أراد أنه لا يشملنا النهي لانتفاء معناه، أي: علته فينا، لكن العبرة في النصوص للمنطوق لا لمعناه عند أهل العلم، فكأنه زعم أولا أن العبرة لمعنى النص، فقال ما قال، ثم غلب عنده أن العبرة للمنطوق، فرجع إلى موافقة النص، والله تعالى أعلم.

 

2951 - حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني خصيف، عن سعيد بن جبير، وعن عكرمة، مولى ابن عباس، عن ابن عباس، أنه قال: " إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب الحرير المصمت "، فأما الثوب الذي سداه حرير ليس بحرير مصمت، فلا نرى به بأسا " وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب في إناء الفضة "

 

حديث صحيح، خصيف- وهو ابن عبد الرحمن الجزري، وإن كان سيىء الحفظ- قد توبع، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح. وهو مكرر (2857) ، وهو هناك مختصر. وأخرجه الطبراني (12232) ، والبيهقي 3/270 من طريق أبي عاصم، عن ابن جريج، بهذا الإسناد. ولم يذكر فيه البيهقي النهي عن إناء الفضة، وتحرف فيه "ابن جريج " إلى: ابن جرير. وانظر (1879)

 

وعلى العكس من نهي محمد عن الشرب في الأواني الفضية والذهبية، فذكر ابن أبي شيبة في مصنفه استعمال كثير من أتباع محمد من صحابته وتابعيهم لها:

 

30- فِي الشُّرِبِ مِنَ الإِنَاءِ الْمُفَضَّضٍ ، مَنْ رَخَّصَ فِيهِ.

24621- حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، قَالَ : كَانَ زَاذَانُ ، وَمَيْسَرَةُ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَشْرَبُونَ مِنَ الآنِيَةِ الْمُفَضَّضَةِ.

24622- حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَشْرَبُ فِي إِنَاءٍ مُضَبَّبٍ بِفِضَّةٍ ، وَيَشْرَبُ فِي قَدَحٍ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ وَرِقٍ.

24623- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي الْعَوَّامِ الْقَطَّانِ ، عَنْ قَتَادَةَ ؛ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَا يَشْرَبَانِ فِي الإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ.

24624- حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَحْمُومٌ ، وَعَلَى صَدْرِهِ قَدَحٌ مُفَضَّضٌ فِيهِ مَاءٌ.

24625- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ ، قَالَ : رَأَيْتُ طَاوُوسًا يَشْرَبُ فِي قَدَحٍ مُضَبَّبٍ بِوَرِقٍ.

24626- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد ، قَالاَ : أَتَيْنَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِشَرَابٍ فِي قَدَحٍ مُفَضَّضٍ ، فَوَضَعَ فَاهُ بَيْنَ الضَّبتين فَشَرِبَ ، وَقَالَ : لاَ تُعِيدَاهُ عَلَيَّ.

24627- حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَشْرَبُ فِي قَدَحٍ جيَشَّانِيٍّ كَثِيرِ الْفِضَّةِ ، وَسَقَانِي.

24628- حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ ، قُلْتُ : آتِي الصَّيَارِفَ فَأُوتَى بِقَدَحٍ مِنْ فِضَّةٍ ، أَشْرَبُ فِيهِ ؟ قَالَ : لاَ بَأْسَ.

 

قارن مع ما رواه البخاري:

 

5634 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ

 

ورواه مسلم 2065 وابن أبي شيبة 24613 و24614 وأحمد 24662 و26568

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

24637- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أُمِّ عَمْرٍو بِنْتِ أَبِي عَمْرٍو ، قَالَتْ : كَانَتْ عَائِشَةُ تَنْهَانَا أَنْ نَتَحَلَّى الذَّهَبَ ، أَوْ نُضَبِّبَ الآنِيَةَ ، أَوْ نُحَلِّقَهَا بِالْفِضَّةِ ، فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى رَخَّصَتْ لَنَا وَأَذِنَتْ لَنَا أَنْ نَتَحَلَّى الذَّهَبَ ، وَمَا أَذِنَتْ لَنَا ، وَلاَ رَخَّصَتْ لَنَا أَنْ نُحَلِّقَ الآنِيَةَ ، أَوْ نُضَبِّبَهَا بِالْفِضَّةِ.

 

وروى أحمد أيضًا أن بعض أبناء أصحاب محمد استمتعوا بالفن والحضارة:

 

6326 - حدثنا حفص بن غياث حدثنا ليث، قال: دخلت على سالم بن عبد الله وهو متكئ على وسادة فيها تماثيل طير ووحش فقلت: أليس يكره هذا قال: لا إنما يكره ما نصب نصبا، حدثني أبي عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من صور صورة عذب - وقال حفص مرة: - كلف أن ينفخ فيها، وليس بنافخ "

 

المرفوع منه صحيح سلف الكلام عليه برقم (4792) ، وإسناده هنا ضعيف لضعف ليث- وهو ابن أبي سليم-. وأخرج المرفوع منه البزار (2994) (زوائد) عن عمرو بن علي، عن المعتمر بن سليمان، عن ليث بن أبي سليم، بهذا الإسناد.

 

بعد موت محمد فهم أو كان من الأول يفهم بعض أتباعه الملعوب واللعبة، فترفهوا بحيواتهم، وهذا ليس عيبًا، وعرفوا شيئًا من التمدن، وتركوا التقشف البدوي السنكساري الذي أمر به محمد اتباعًا لسنكسار المسيحيين الزهاد المتشددين منهمن لكن للأسف سقوط قيمة الدين لدى هؤلاء مع عدم وجود بديل من قيم وثقافة أخلاقية علمانية إنسانية جعلهم يصبحون في معظمهم سيئين جدًّا وفاسدين. ذكر فرج فودة في كتابه الحقيقية الغائبة من كتب التاريخ الإسلامي نفسها نماذج فاضحة للغاية من فساد أتباع محمد ومنها اختلاس ابن عباس لبيت المال في مكة مستغلًا انشغال الخليفة علي بن أبي طالب في الحروب فأكل واختلس مال الشعب.

 

سمح لرجل واحد بلبس خاتم ذهب دونًا عن كل الرجال المسلمين الآخرين

 

روى أحمد:

 

18602 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى الْبَرَاءِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ لَهُ: لِمَ تَخَتَّمُ بِالذَّهَبِ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْبَرَاءُ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ غَنِيمَةٌ يَقْسِمُهَا، سَبْيٌ وَخُرْثِيٌّ قَالَ: فَقَسَمَهَا حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْخَاتَمُ، فَرَفَعَ طَرْفَهُ فَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ خَفَّضَ، ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ خَفَّضَ، ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: " أَيْ بَرَاءُ " فَجِئْتُهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ الْخَاتَمَ فَقَبَضَ عَلَى كُرْسُوعِي ثُمَّ قَالَ: " خُذِ الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللهُ وَرَسُولُهُ "، قَالَ: وَكَانَ الْبَرَاءُ يَقُولُ: كَيْفَ تَأْمُرُونِي أَنْ أَضَعَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللهُ وَرَسُولُهُ ؟"

 

إسناده ضعيف على نكارة في متنه كما ذكر الذهبي في "الميزان" 2/520. وأخرجه أبو يعلى (1708) - ومن طريقه ابن عدي في "الكامل" 4/1567- والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/259، والحازمي في "الاعتبار" ص186 من طريق إسحاق بن منصور، عن أبي رجاء، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة 8/281 (25666)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 9/254 من طريق مالك بن مغول، ويعقوب بن سفيان 3/78 من طريق شعبة، والطحاوي أيضا في "شرح معاني الآثار" 4/259 من طريق يونس بن أبي إسحاق، ثلاثتهم عن أبي السفر، عن البراء، به.  وأخرجه ابن أبي شيبة 8/468-469 عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء، به.  وأورده الهيثمي في "المجمع" 5/151، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى باختصار، ومحمد بن مالك مولى البراء وثقه ابن حبان وأبو حاتم، ولكن قال ابن حبان : لم يسمع من البراء، قلت: قد وثقه، وقال: رأيت... فصرح، وبقية رجاله ثقات. قلنا: وعزاه إلى "ثقات" ابن حبان أيضا المزي والحافظ في "تهذيبهما" ولم نجده في المطبوع منه.

وأورده الحافظ في "الفتح" 10/317، وقال: قال الحازمي: إسناده ليس بذاك، ولو صحَّ، فهو منسوخ. قلت: لو ثبت النسخ عند البراء، ما لبسه بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقد روى حديث النهي المتفق على صحته عنه، فالجمع بين روايته وفعله إما بأن يكون حمله على التنزيه، أو فهم الخصوصية له من قوله: "البس ما كساك الله ورسوله" وهذا أولى من قول الحازمي: لعل البراء لم يبلغه النهي. ويؤيد الاحتمال الثاني أنه وقع في رواية أحمد: كان الناس يقولون للبراء: لِمَ تتختم بالذهب، وقد نهى عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فيذكر لهم هذا الحديث، ثم يقول: كيف تأمرونني أن أضع ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "البس ما كساك الله ورسوله"؟  وانظر النهي عن لبس خاتم الذهب من حديث البراء في الرواية (18504) .

قال السندي: قوله: وخُرْثي. بضم معجمة، فسكون راء، فكسر مثلثة، فتشديد مثناة من تحت: هو أثاث البيت ومتاعه.  على كُرسوعي. ضبط بضم الكاف، وهو طرف رأس اليد مما يلي الخنصر.  وكان البراء يقول. كأنه علم أن الأمر كان بعد النهي عن لبس الذهب، فرأى أنه تخصيص له بذلك، وإلا فلو كان قبل النهي، لزم نسخه بالنهي، فلا يجوز استعماله بعده، وكذا فهم أن "ما" في قوله: "ما كساك الله" موصولة، وإلا فلو كان للمدة، لكان الحديث دلَّ بالمفهوم على النسخ، والله تعالى أعلم.

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

25660- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَلَى الْبَرَاءِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ.

ويتضح لنا مخالفة كثيرين لهراء محمد وتعاليمه المتقشفة، روى ابن أبي شيبة:

 

25661- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أُمِّهِ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَتْ : كَانَ فِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ يَاقُوتَةٌ.

25662- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ سَعْدٍ ؛ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ.

 

25663- حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ ، وَسَعْدًا ، وَذَكَرَ سِتَّةً ، أَوْ سَبْعَةً عَلَيْهِم خَوَاتِيمَ الذَّهَبِ.

 

بالتأكيد بالنسبة لقصة البراء هناك احتمال آخر وهو أن البراء كاذب ومحمد لم يقل له شيئًا كهذا. السؤال متى سيزيل السذج من الناس القدسية الوهمية المضحكة المتناقضة مع الحقائق عن محمد وأصحابه أتباعه الأوائل؟!

 

إدانة القتال بين المقاتلين وتكفير كل أطراف القتال

 

روى مسلم:

 

4189 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ قَالَ قَالَ أَبُو وَائِلٍ لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ فَقَالَ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هَذَا الْأَمْرِ مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ

 

4844 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْأَلُهُ فَقَالَ كُنَّا بِصِفِّينَ فَقَالَ رَجُلٌ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ عَلِيٌّ نَعَمْ فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ قَالَ بَلَى قَالَ فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا فَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا فَرَجَعَ مُتَغَيِّظًا فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى جَاءَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ

 

ورواه مسلم 1785 والبخاري 3181 و7308 وأحمد 15974 و15975.

 

روى البخاري:

 

6875 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ قَالَ ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ

 

للأسف فرغم أن السنة أكثر من توجد هذه النصوص في كتبهم شهادةً منهم للمسألة وعلى أنفسهم تاريخيًّا، فهم أكثر فئة إسلامية رفع أفرادها السيوف على بعضهم الآخر، منذ عصر أصحاب وأتباع محمد الأوائل بعد موت محمد، وللعجب فإن السنة رفضوا العمل به اعتقادًا ولم يكفروا الصحابة المتقاتلين كعثمان ومن كانوا ضده، ، وعلي ضد طلحة والزبير في موقعة الجمل، وعلي ومعاوية والخوارج ومن كان مع كل فئة من الثلاثة، وعبد الملك بن مروان الأموي وعبد الله بن الزبير، وغيرهم، ويقول السنة مقولات باردة عديمة المنطق عديدة مثل: كل الصحابة كانوا مجتهدين متأولين المصيب والمخطئ فيهم له أجر، فأي تأوُّل واجتهاد كارثيّ هذا الذي يؤدي إلى اقتتال وموت مئات وآلاف الناس؟! لم يكن لدى هؤلاء آلية سلمية ديمقراطية لتداول السلطة وفقًا لآراء ورغبات الشعوب، بل بالقتال والسيف فقط، لم يوجد لديهم مفهوم ونظام متحضر كاليونان الجريكيين والرومان القدماء وغيرهم للانتخاب والاقتراع، ولعل الأقرب إلى الصدق والصحة من الناحية الإسلامية القرآنية هم أتباع مذهب الإباضية بالنسبة لهذه المسألة فرغم أنك لا تقرأ في كتبهم تكفيرًا تامًّا صريحًا للصحابة المتقاتلين، لكنهم قالوا بأنهم كلهم كانوا مخطئين آثمين فيما فعلوه، وهو الصواب وفقًا لنص القرآن:

 

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)} النساء

 

وروى البخاري:

 

3855 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى قَالَ سَلْ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَا أَمْرُهُمَا { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَمَّا أُنْزِلَتْ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ قَالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ فَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَقَدْ أَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ } الْآيَةَ فَهَذِهِ لِأُولَئِكَ وَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ الرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ الْإِسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ ثُمَّ قَتَلَ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ. فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ إِلَّا مَنْ نَدِمَ


4590 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ آيَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ

 

4766 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ وَعَنْ { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } قَالَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ


121 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ اسْتَنْصِتْ النَّاسَ فَقَالَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ

 

 1739 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ

 

يعني مذهب السنة نفسه على الأقل وفقًا لرأي ابن عباس قال بأن قتل مسلمًا مثله فلا توبة له وقد انتهى مصيره الأبدي النهائي إلى النار، لكن السلطة والثروة المادية والسلطة الحقيقية والحصول عليها بأي طريقة غير أخلاقية كانت أهم عند هؤلاء_ ربما إلى حدٍّ ما عدا عليًّا الذي وجد نفسَه مساقًا إلى العنف كرجلٍ له بيعة شرعية سلطوية وفقًا لتقاليد المسلمين غير تامة الديمقراطية لخروج المنشقين الانقلابيين على سلطته_من تعاليم القرآن والتخويف بمصير أبدي أخروي، مما يدل على أن منطلقات الأخلاق الدينية القائمة على النصوص والتخويف والترغيب الغيبي تفشل في كثير من الأحيان في النهاية، لأنها لا تقوم على زرع وإيقاظ الحس الأخلاقي الغريزي السليم القائم على الحس البشري المشترك عمومًا، وأولى من النهي عن قتل وقتال من هم من نفس الدين، النهي عن قتل أي بشر إلا دفاعًا عن النفس أو لكونه قام بقتل شخصٍ ظلمًا فاستحق الإعدام وفقًا لحكم محكمة قانونية (رغم اختلافات الفكر الغربي حول حكم الإعدام ورغم أن معظم الفكر العلماني ينادي بإلغائه وتحقق هذا في كثير من دول أوربا وبعض ولايات أمِرِكا، فإني أراه عقوبة عادلة)، أو دفاعًا عن حدود بلدك من عدوان لا شك فيه.

وروى البخاري:

 

بَاب { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ }

4650 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا حَيْوَةُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ لَا تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَغْتَرُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا أُقَاتِلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } إِلَى آخِرِهَا قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } قَالَ ابْنُ عُمَرَ قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا يَقْتُلُونَهُ وَإِمَّا يُوثِقُونَهُ حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِيمَا يُرِيدُ قَالَ فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا قَوْلِي فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَمَّا عُثْمَانُ فَكَانَ اللَّهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَهَذِهِ ابْنَتُهُ أَوْ بِنْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ

 

4651 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا بَيَانٌ أَنَّ وَبَرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا أَوْ إِلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ رَجُلٌ كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ فَقَالَ وَهَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ

 

وتوجد أحاديث كثيرة تزعم تنبؤ محمد بالقتال بين المسلمين، وهي على الأغلب ملفقة، مثل ما رواه أحمد:

 

15917 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لِلْإِسْلَامِ مِنْ مُنْتَهَى ؟ قَالَ: " أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ ؟ " وَقَالَ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: " نَعَمْ، أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ، أَوِ الْعُجْمِ أَرَادَ اللهُ بِهِمْ خَيْرًا، أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ " قَالَ: ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ: " ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ كَأَنَّهَا الظُّلَلُ " قَالَ: كَلَّا وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ قَالَ: " بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، ثُمَّ تَعُودُونَ فِيهَا أَسَاوِدَ صُبًّا ، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ "(1)

وَقُرِئَ عَلَى سُفْيَانَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَسَاوِدَ صُبًّا ؟ قَالَ سُفْيَانُ: " الْحَيَّةُ السَّوْدَاءُ تُنْصَبُ: أَيْ تَرْتَفِعُ "(2)

 

(1) إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير صحابيه فإنه لم يرو له أصحاب الكتب الستة. سفيان: هو ابن عُيينة، والزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله، وعروة: هو ابن الزبير. وأخرجه الطيالسي (1290) ، وابن أبي شيبة 15/13، والحميدي (574) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2305) ، والبزار (3353) (زوائد) ، والطبراني في "الكبير" 19/ (443) ، والحاكم 1/34، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص 152، وابن عبد البر في "التمهيد" 10/172 من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح وليس له عِلَّة ولم يخرجاه، لتفرد عروة بالرواية عن كرز بن علقمة، وكرز بن علقمة صحابي مخرج حديثه في مسانيد الأئمة، سمعت علي بن عمر الحافظ يقول: مما يلزم مسلم والبخاري إخراجه حديث كرز بن علقمة هل للإسلام منتهى، فقد رواه عروة بن الزبير، ورواه الزهري وعبد الواحد بن قيس، عنه (انظر الإلزامات للدارقطني) . قال الحاكم: والدليل الواضح على ما ذكره أبو الحسن أنهما جميعاً اتفقا على حديث عتبان ابن مالك الأنصاري الذي صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيته، وليس له راوٍ غير محمود بن الربيع. وأخرجه البزار (3354) (زوائد) ، والطبراني في "الكبير" 19/ (444) و (445) و (446) من طرق عن الزهري، به. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/305، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني بأسانيد، وأحدها رجاله رجال الصحيح. وسيأتي برقم (15918) و (15919) .

قال السندي: قوله: ثم مه، أي: ثم ماذا يكون.  قوله: "الظُّلل"، بضم ففتح: جمع ظلة تحيط به. قوله: كلا: لم يقل إنكاراً لذلك، وإنما قال إظهاراً لمحبته أن يبقى إلى آخر الأمد.  قوله: "أساود": حيات، جمع أسود.  قوله: "صباً"، بضم فتشديد، أي: كأنهم حيات مصبوبة على الناس من السماء.

(1) المفسر لقوله: "الأساود صُبّاً" عند الحميدي والبيهقي وابن عبد البر: هو الزهري، وليس سفيان. ولفظه عندهم: قال الزهري: أساود صباً يعني الحية إذا أراد أن ينهش، ارتفع ثم انصبَّ.

 

15918 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لِلْإِسْلَامِ مِنْ مُنْتَهَى ؟ قَالَ: "نَعَمْ أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ، أَوِ الْعُجْمِ أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمْ خَيْرًا، أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ" قَالَ: ثُمَّ مَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: "ثُمَّ تَقَعُ فِتَنٌ كَأَنَّهَا الظُّلَلُ " فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: كَلَّا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَعُودُنَّ فِيهَا أَسَاوِدَ صُبًّا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين كسابقه. وهو عند عبد الرزَّاق في "المصنف" (20747) ، ومن طريقه أخرجه الطبراني في "الكبير" 19/ (442) ، والحاكم 4/454-455، والبغوي في "شرح السنة" (4235). وأخرجه الحاكم 1/34 من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر، به.

 

معركة الجمل بين علي وأنصاره وبين طلحة والزبير بن العوام وعائشة وأنصارهم

 

روى ابن ابي شيبة

 

31235- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الله الأَصَمِّ ، يَذْكُرُ عَنْ أُمِّ رَاشِدٍ جَدَّتِهِ ، قَالَتْ : كُنْت عِنْدَ أُمِّ هَانِئٍ فَأَتَاهَا عَلِيٌّ فَدَعَتْ لَهُ بِطَعَامٍ ، قَالَتْ : وَنَزَلْت فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ فِي الرَّحْبَةِ ، فَسَمِعْتُ أَحَدَهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ : بَايَعَتْهُ أَيْدِينَا وَلَمْ تُبَايِعْهُ قُلُوبُنَا ، قَالَ : فَقُلْتُ : مَنْ هَذَانِ الرَّجُلاَنِ ؟ قَالُوا : طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ ، قُلْتُ : فَإِنِّي سَمِعْت أَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ : بَايَعَتْهُ أَيْدِينَا وَلَمْ تُبَايِعْهُ قُلُوبُنَا ، فَقَالَ عَلِيٌّ : {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.

 

38928- حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي ، قَالَ : بَلَغَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّ طَلْحَةَ يَقُولُ : إنَّمَا بَايَعْت وَاللُّجُّ عَلَى قَفَايَ ، قَالَ : فَأَرْسَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُمْ ، قَالَ : فَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ : أَمَّا وَاللُّجُّ عَلَى قَفَاهُ فَلاَ , وَلَكِنْ قَدْ بَايَعَ وَهُوَ كَارِهٌ ، قَالَ : فَوَثَبَ النَّاسُ إلَيْهِ حَتَّى كَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ ، قَالَ : فَخَرَجَ صُهَيْبٌ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ فَالْتَفَتَ إلَيَّ ، فَقَالَ : قَدْ ظَنَنْت ، أَنَّ أُمَّ عَوْفٍ حَائِنَةٌ.

 

 

معركة الجمل كما تصورها رسام فارسي في كتاب (تاريخنامه) فيما عائشة في الهودج على الجمل في يسار الرسم

 


 

رسم غربي متخيل لموقعة الجمل

 

38930- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ ، أَنَّ رَبِيعَةَ كَلَّمَتْ طَلْحَةَ فِي مَسْجِدِ بَنِي مَسْلَمَةَ فَقَالُوا : كُنَّا فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ حَتَّى جَاءَتْنَا بَيْعَتُك هَذَا الرَّجُلَ ، ثُمَّ أَنْتِ الآنَ تُقَاتِلُهُ ، أَوْ كَمَا قَالُوا قَالَ : فَقَالَ : إنِّي أُدْخِلْت الْحُشَّ وَوُضِعَ عَلَى عُنُقِي اللُّجُّ ، وَقِيلَ : بَايِعْ وَإِلاَّ قَاتَلْنَاك ، قَالَ : فَبَايَعْت ، وَعَرَفْتُ أَنَّهَا بَيْعَةُ ضَلاَلَةٍ ، قَالَ التَّيْمِيُّ : وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ : إِنَّ مُنَافِقًا مِنْ مُنَافِقِي أَهْلِ الْعِرَاقِ جَبَلَةَ بْنُ حَكِيمٍ ، قَالَ لِلزُّبَيْرِ : فَإِنَّك قَدْ بَايَعْت ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ : إِنَّ السَّيْفَ وُضِعَ عَلَى قَفَيَّ فَقِيلَ لِي : بَايِعْ وَإِلاَّ قَتَلْنَاك ، قَالَ : فَبَايَعْت.

 

38947- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ ، قَالَ : أَرْسَلَنِي عَلِيٌّ إِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ يَوْمَ الْجَمَلِ ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُمَا : إِنَّ أَخَاكُمَا يُقْرِئُكُمَا السَّلاَمَ وَيَقُولُ لَكُمَا : هَلْ وَجَدْتُمَا عَلَيَّ حَيْفًا فِي حُكْمٍ ، أَوِ اسْتِئْثَار بِفَيْءٍ ، أَوْ بِكَذَا ، أَوْ بِكَذَا ، قَالَ : فَقَالَ الزُّبَيْرُ : لاَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَلَكِنْ مَعَ الْخَوْفِ شِدَّةُ الْمَطَامِعِ.

 

38953- ..... 4- قَالَ الأَحْنَفُ : فَانْطَلَقْت فَأَتَيْت طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ ، فَقُلْتُ : مَن تَأْمُرَانِي بِهِ وَمَنْ تَرْضَيَانِهِ لِي ، فَإِنِّي لاَ أَرَى هَذَا إِلاَّ مَقْتُولاً ، قَالاَ : نَأْمُرُك بِعَلِيٍّ ، قَالَ : قُلْتُ : تَأْمُرَانِي بِهِ وَتَرْضَيَانِهِ لِي ، قَالاَ : نَعَمْ .

5- قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقْت حَاجًّا حَتَّى قَدِمْت مَكَّةَ فَبَيْنَا نَحْنُ بِهَا إذْ أَتَانَا قَتْلُ عُثْمَانَ وَبِهَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَقِيتُهَا ، فَقُلْتُ لَهَا : مَنْ تَأْمُرِينِي بِهِ أَنْ أُبَايِعَ ، فَقَالَتْ : عَلِيًّا ، فَقُلْتُ أَتَأْمُرِينَنِي بِهِ وَتَرْضَيْنَهُ لِي ، قَالَتْ : نَعَمْ .

6- فَمَرَرْت عَلَى عَلِيٍّ بِالْمَدِينَةِ فَبَايَعْته ، ثُمَّ رَجَعْت إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَلاَ أَرَى إَلاَّ أَنَّ الأَمْرَ قَد اسْتَقَامَ ، قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إذْ أَتَانِي آتٍ ، فَقَالَ : هَذِهِ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ قَدْ نَزَلُوا جَانِبَ الْخُرَيْبَةِ ، قَالَ : قُلْتُ : مَا جَاءَ بِهِمْ ؟ قَالَ : أُرْسِلُوا إلَيْك يَسْتَنْصِرُونك عَلَى دَمِ عُثْمَانَ ، قُتِلَ مَظْلُومًا قَالَ : فَأَتَانِي أَفْظَعُ أَمْرٍ أَتَانِي قَطُّ ، فَقُلْتُ : إِنَّ خُذْلاَنِي هَؤُلاَءِ وَمَعَهُمْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَوَارِيُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَشَدِيدٌ ، وَإِنَّ قِتَالِي ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ أَمَرُونِي بِبَيْعَتِهِ لَشَدِيدٌ ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُمْ ، قَالُوا : جِئْنَا نَسْتَنْصِرُك عَلَى دَمِ عُثْمَانَ ، قُتِلَ مَظْلُومًا ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْشُدُك بِاللهِ ، هَلْ قُلْتُ لَكَ : مَنْ تَأْمُرِينِي بِهِ ، فَقُلْتُ : عَلِيًّا ، فَقُلْتُ : تَأْمُرِينِي بِهِ وَتَرْضَيْنَهُ لِي قلت نعم ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، وَلَكِنَّهُ بَدَّلَ .

7- قُلْتُ : يَا زُبَيْرُ ، يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَا طَلْحَةُ ، نَشَدْتُكُمَا بِاللهِ أَقَلْت لَكُمَا : مَنْ تَأْمُرَانِي بِهِ فَقُلْتُمَا : عَلِيًّا ، فَقُلْتُ : تَأْمُرَانِي بِهِ وَتَرْضَيَانِهِ لِي فَقُلْتُمَا : نَعَمْ ، قَالاَ : بَلَى ، وَلَكِنَّهُ بَدَّلَ .

8- قَالَ : فَقُلْتُ : لاَ وَاللهِ لاَ أُقَاتِلُكُمْ وَمَعَكُمْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَوَارِيُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم , وَلاَ أُقَاتِلُ ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرْتُمُونِي بِبَيْعَتِهِ , اخْتَارُوا مِنِّي بَيْنَ إحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ : إمَّا أَنْ تَفْتَحُوا لِي بَابَ الْجِسْرِ فَأَلْحَقَ بِأَرْضِ الأَعَاجِمِ ، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَضَى ، أَوْ أَلْحَقَ بِمَكَّةَ فَأَكُونَ بِهَا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَضَى ، أَوْ أَعْتَزِلَ فَأَكُونَ قَرِيبًا ، قَالُوا : نَأْتَمِرُ ، ثُمَّ نُرْسِلُ إلَيْك ، فَائْتَمَرُوا فَقَالُوا : نَفْتَحُ لَهُ بَابَ الْجِسْرِ فَيَلْحَقُ بِهِ المفارق وَالْخَاذِلُ ، أو يَلْحَقُ بِمَكَّةَ فَيَتَعَجَّسُكُمْ فِي قُرَيْشٍ وَيُخْبِرُهُمْ بِأَخْبَارِكُمْ ، لَيْسَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ اجْعَلُوهُ هَاهُنَا قَرِيبًا حَيْثُ تَطَؤُونَ عَلَى صِمَاخِهِ ، وَتَنْظُرُونَ إلَيْهِ .

9- فَاعْتَزَلَ بِالْجَلْحَاءِ مِنَ الْبَصْرَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ ، وَاعْتَزَلَ مَعَهُ زُهَاءُ سِتَّةِ آلاَفٍ.

10- ثُمَّ الْتَقَى الْقَوْمُ ، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ طَلْحَةُ وكعب ابْنُ سُورٍ وَمَعَهُ الْمُصْحَفُ ، يُذَكِّرُ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ حَتَّى قُتِلَ بينهم , وَبَلَغَ الزُّبَيْرُ سَفَوَانَ مِنَ الْبَصْرَةِ كَمَكَانِ الْقَادِسِيَّةِ مِنْكُمْ , فَلَقِيَهُ النَّعِرُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُجَاشِعٍ ، قَالَ : أَيْنَ تَذْهَبُ يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ إلَيَّ فَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي ، لاَ يُوصَلُ إلَيْك ، فَأَقْبَلَ مَعَهُ ، قَالَ : فَأَتَى إنْسَانٌ الأَحْنَفَ ، قَالَ : هَذَا الزُّبَيْرُ قَدْ لُقِيَ بِسَفَوَانَ ، قَالَ : فَمَا يَأْمَنُ؟! جَمَعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى ضَرَبَ بَعْضُهُمْ حَوَاجِبَ بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ ، ثُمَّ لَحِقَ بِبَيْتِهِ وَأَهْلِهِ ، فَسَمِعَهُ عُمَيْرة بْنُ جُرْمُوزٍ وَغُوَاةٌ مِنْ غُوَاةِ بَنِي تَمِيمٍ , وَفَضَالَةُ بْنُ حَابِسٍ , وَنُفَيْعٌ ، فَرَكِبُوا فِي طَلَبِهِ ، فَلَقُوا مَعَهُ النَّعِرَ ، فَأَتَاهُ عُمَيْر بْنُ جُرْمُوزٍ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ ضَعِيفَةٍ ، فَطَعَنَهُ طَعَنَةً خَفِيفَةً ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يُقَالُ ذُو الْخِمَارِ حَتَّى إِذَا ظَنَّ ، أَنَّهُ قَاتِلُهُ نَادَى صَاحِبَيْهِ : يَا نُفَيْعُ يَا فَضَالَةُ ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ.

 

38954- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ أم الصَّيْرَفِيِّ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ قَبِيصَةَ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : لَمَّا قُتِلَ عُثْمَان قُلْتُ : مَا يُقِيمُنِي بِالْعِرَاقِ ، وَإِنَّمَا الْجَمَاعَةُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ، قَالَ : فَخَرَجْت فَأُخْبِرْت ، أَنَّ النَّاسَ قَدْ بَايَعُوا عَلِيًّا ، قَالَ : فَانْتَهَيْت إِلَى الرَّبَذَةِ وَإِذَا عَلِيٌّ بِهَا ، فَوُضِعَ لَهُ رَحْلٌ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ، فَكَانَ كَقِيَامِ الرَّجُلِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ إِنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ قد بَايَعَا طَائِعَيْنِ غَيْرَ مُكْرَهَيْنِ ، ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يُفْسِدَا الأَمْرَ وَيَشقَّا عَصَا الْمُسْلِمِينَ ، وَحَرَّضَ عَلَى قِتَالِهِمْ ، قَالَ : فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، فَقَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّ الْعَرَبَ سَتَكُونُ لَهُمْ جَوْلَةٌ عِنْدَ قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ , فَلَوْ أَقَمْت بِدَارِكَ الَّتِي كُنْتَ بِهَا ، يَعْنِيَ الْمَدِينَةَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُقْتَلَ بِحَالِ مَضْيَعَةٍ لاَ نَاصِرَ لَكَ ، قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ : اجْلِسْ فَإِنَّمَا تَخِنُّ كما تخن الْجَارِيَةُ ، أو إِنَّ لَكَ خَنِينًا كَخَنِينِ الْجَارِيَةِ ، آللهِ أَجْلِسُ بِالْمَدِينَةِ كَالضَّبُعِ تَسْتَمِعُ اللَّدْمَ ، لَقَدْ ضَرَبْت هَذَا الأَمْرَ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ ، أَوْ رَأْسَهُ وَعَيْنَيْهِ ، فَمَا وَجَدْت إِلاَّ السَّيْفَ ، أَوِ الْكُفْرَ.

 

31181- حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِعَلِيٍّ : اكْتُبْ إلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِعَهْدِهِمَا إلَى الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ، يَعْنِي الزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ ، وَاكْتُبْ إلَى مُعَاوِيَةَ بِعَهْدِهِ إلَى الشَّامِ فَإِنَّهُ سَيَرْضَى مِنْك بِذَلِكَ ، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : لَمْ أَكُنْ لأُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِي ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ لَقِيَ الْمُغِيرَةُ مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَنْتَ صَاحِبُ الْكَلِمَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَمَ وَاللهِ مَا وَقَى شَرَّهَا إلاَّ اللَّهُ.

 

38955- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَيْفُ بْنُ فُلاَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعَنَزِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي خَالِي ، عَنْ جَدِّي ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجَمَلِ وَاضْطَرَبَ النَّاسُ ، قَامَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ يَدَّعُونَ أَشْيَاءَ ، فَأَكْثَرُوا الْكَلاَمُ ، فَلَمْ يَفْهَمْ عَنْهُمْ ، فَقَالَ : أَلاَ رَجُلٌ يَجْمَعُ لِي كَلاَمُهُ فِي خَمْسِ كَلِمَاتٍ ، أَوْ سِتٍّ ، فَاحْتَفَزْت عَلَى إحْدَى رِجْلَي ، فَقُلْتُ : إِنْ أَعْجَبَهُ كَلاَمُي وَإِلاَّ لَجَلَسْت مِنْ قَرِيبٍ ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ الْكَلاَمُ لَيْسَ بِخَمْسٍ وَلاَ بِسِتٍّ ، وَلَكِنَّهُمَا كَلِمَتَانِ ، هَضْمٌ ، أَوْ قِصَاصٌ ، قَالَ : فَنَظَرَ إلَيَّ فَعَقَدَ بِيَدِهِ ثَلاَثِينَ ، ثُمَّ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ مَا عَدَدْتُمْ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ.

 

معنى هذا إصدار علي عفوًا عن قتلة عثمان وهذا طبيعي فكثيرون منهم شخصيات بارزة في جيشه كعمار ومحمد بن أبي بكر والأشتر. هذا التعبير استعمله محمد يم فتح مكة كما في صحيح مسلم 1218 وهو في مسند أحمد وكتب السيرة كذلك (...ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم بن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل...)

 

كراهية عائشة لأخيها محمد بن أبي بكر لمشاركته بيديه في قتل عثمان بن عفان

 

31268- حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا حماد بن زيد ، قَالَ : حدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ عَمْرُو بْنُ عِيسَى ، قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : اللَّهُمَّ أَدْرِكْ خُفْرَتَكَ فِي عُثْمَانَ وَأَبْلِغَ الْقِصَاصَ فِي مُذَمَّمْ وَأَبْدِ عَوْرَة أَعْيَن رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَبِي امْرَأَةِ الْفَرَزْدَقَ.

 

وذكر الطبري في تاريخه:

 

عدد قتلى الجمل

كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وَطَلْحَةَ، قَالا:

كَانَ قتلى الجمل حول الجمل عشرة آلاف، نصفهم من أَصْحَاب علي، ونصفهم من أَصْحَاب عَائِشَة، من الأزد ألفان، ومن سائر اليمن خمسمائة، ومن مضر الفان، وخمسمائة من قيس، وخمسمائة من تميم، والف من بنى ضبة، وخمسمائة من بكر بن وائل وقيل: قتل من أهل الْبَصْرَة فِي المعركة الأولى خمسة آلاف، وقتل من أهل الْبَصْرَة فِي المعركة الثانية خمسة آلاف، فذلك عشرة آلاف قتيل من أهل الْبَصْرَة، ومن أهل الْكُوفَة خمسة آلاف.

قَالا: وقتل من بني عدي يَوْمَئِذٍ سبعون شيخا، كلهم قَدْ قرأ القرآن، سوى الشباب ومن لم يقرأ القرآن.

وقالت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا زلت أرجو النصر حَتَّى خفيت أصوات بني عدي

 

وللاطلاع على تفاصيل معركة الجمل الرهيبة الدموية والعنيفة يرجى العودة إلى تاريخ الطبري.

 

من مرويات ابن أبي شيبة عن حرب الجمل:

 

فِي مسِيرِ عائِشة وعلِيٍّ وطلحة والزّبيرِ رضي الله عنهم

 

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُونُسَ ، قَالَ : حدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ :

38912- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْعَلاَءُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ........

قَالَ أَبِي : فَلَمَّا أَنْ قَدِمْت الْبَصْرَةَ فَإِذَا النَّاسُ قَدْ عَسْكَرُوا ، قَالَ : قُلْتُ : مَا شَأْنُهُمْ ، قَالَ : فَقَالُوا : بَلَغَهُمْ أَنَّ قَوْمًا سَارُوا إِلَى عُثْمَانَ فَعَسْكَرُوا لِيُدْرِكُوهُ فَيَنْصُرُوهُ ، فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ ، فَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَالِحٌ ، وَقَدِ انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ ، فَرَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ فَلَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ قَتْلُهُ ، قَالَ : فَقَالَ أَبِي : فَمَا رَأَيْت يَوْمًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ شَيْخًا بَاكِيًا تَخَلَّلُ الدُّمُوعُ لِحْيَتَهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ .

5- فَمَا لَبِثْتُ إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى إِذَا الزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ قَدْ قَدِمَا الْبَصْرَةَ ، قَالَ : فَمَا لَبِثْت بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ يَسِيرًا , حَتَّى إِذَا عَلِيٌّ أَيْضًا قَدْ قَدِمَ ، فَنَزَلَ بِذِي قَارٍ ، قَالَ : فَقَالَ لِي شَيْخَانِ مِنَ الْحَيِّ : اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ ، فَلْنَنْظُرْ إِلَى مَا يَدْعُو ، وَأَيُّ شَيْءٍ الذي جَاءَ بِهِ ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنَ الْقَوْمِ وَتَبَيَّنَّا فَسَاطِيطَهُمْ إِذَا شَابٌّ جَلْدٌ غَلِيظٌ خَارِجٌ مِنَ الْعَسْكَرِ ، قَالَ الْعَلاَءُ :رَأَيْتُ أَنَّهُ قَالَ : عَلَى بَغْلٍ ، فَلَمَّا أَنْ نَظَرْت إلَيْهِ شَبَّهْته الْمَرْأَةَ الَّتِي رَأَيْتهَا عِنْدَ رَأْسِ الْمَرِيضِ فِي النَّوْمِ ، فَقُلْتُ لِصَاحِبِيَّ : لَئِنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي رَأَيْت فِي الْمَنَامِ عِنْدَ رَأْسِ الْمَرِيضِ أَخٌ إِنَّ ذَا لأَخُوهَا ، 6- قَالَ : فَقَالَ لِي أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعِي : مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا ، قَالَ : وَغَمَزَنِي بِمِرْفَقِهِ ، فقَالَ الشَّابُّ : أَيَّ شَيْءٍ قُلْتَ ؟ قَالَ : فَقَالَ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ : لَمْ يَقُلْ شَيْئًا ، فَانْصَرِفْ ، قَالَ : لِتُخْبِرَنِي مَا قُلْتَ ، قَالَ : فَقَصَصْت عَلَيْهِ الرُّؤْيَا ، قَالَ : لَقَدْ رَأَيْت ، قَالَ : وَارْتَاعَ ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ : لَقَدْ رَأَيْت لَقَدْ رَأَيْت ، حَتَّى انْقَطَعَ عَنَّا صَوْتُهُ ، قَالَ : فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ لَقِيت مَنِ الرَّجُلِ الَّذِين رَأَيْنَا آنِفًا ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : فَعَرَفْنَا ، أَنَّ الْمَرْأَةَ عَائِشَةُ.

7- قَالَ : فَلَمَّا أَنْ قَدِمْت الْعَسْكَرَ قَدِمْت عَلَى أَدْهَى الْعَرَبِ ، يَعْنِي عَلِيًّا ، قَالَ : وَاللهِ لَدَخَلَ عَلَيّ فِي نَسَبِ قَوْمِي حَتَّى جَعَلْت أَقُولُ : وَاللهِ لَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنِّي ، حَتَّى قَالَ : أَمَا إِنَّ بَنِي رَاسِبٍ بِالْبَصْرَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي قُدَامَةَ ، قَالَ : قُلْتُ أَجَلْ ، قَالَ : فَقَالَ : أَسَيِّدُ قَوْمِكَ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : لاَ ، وَإِنِّي فِيهِمْ لَمُطَاعٌ ، وَلِغَيْرِي أَسُودُ ، وَأَطْوَعُ فِيهِمْ مِنِّي ، قَالَ : فَقَالَ : مَنْ سَيِّدُ بَنِي رَاسِبٍ ؟ قُلْتُ : فُلاَنٌ ، قَالَ : فَسَيِّدُ بَنِي قُدَامَةَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : فُلاَنٌ لآخَرَ ، قَالَ : هَلْ أَنْتَ مُبَلِّغُهُمَا كِتَابَيْنِ مِنِّي قُلْتُ : نَعَمْ .

8- قَالَ : أَلاَ تُبَايِعُونَ ، قَالَ : فَبَايَعَ الشَّيْخَانِ اللَّذَانِ مَعِي ، قَالَ : وَأَضَبَّ قَوْمٌ كَانُوا عِنْدَهُ ، قَالَ : وَقَالَ أَبِي بِيَدِهِ : فَقَبَضَهَا وَحَرَّكَهَا كَأَنَّ فِيهِمْ خِفَّةٌ ، قَالَ : فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : بَايِعْ بَايِعْ ، قَالَ : وَقَدْ أَكَلَ السُّجُودُ وُجُوهَهُمْ ، قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْقَوْمِ : دَعُوا الرَّجُلَ ، فَقَالَ أَبِي : إنَّمَا بَعَثَنِي قَوْمِي رَائِدًا وَسَأُنْهِي إلَيْهِمْ مَا رَأَيْت ، فَإِنْ بَايَعُوك بَايَعْتُك ، وَإِنِ اعْتَزَلُوك اعْتَزَلْتُك ، قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ : أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ قَوْمَك بَعَثُوك رَائِدًا فَرَأَيْتَ رَوْضَةً وَغَدِيرًا ، فَقُلْتُ : يَا قَوْمُ ، النُّجْعَةَ النُّجْعَةَ ، فَأَبَوْا ، مَا أَنْتَ مُنْتَجِعٌ بِنَفْسِكَ ، قَالَ : فَأَخَذْت بِإِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِهِ ، ثُمَّ قُلْتُ : نُبَايِعُك عَلَى أَنْ نُطِيعَك مَا أَطَعْت اللَّهَ ، فَإِذَا عَصَيْته فَلاَ طَاعَةَ لَكَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : نَعَمْ ، وَطَوَّلَ بِهَا صَوْتَهُ ، قَالَ : فَضَرَبْت عَلَى يَدِهِ .

9- قَالَ : ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ ، قَالَ : فَقَالَ : إِمَا انْطَلَقْت إِلَى قَوْمِكَ بِالْبَصْرَةِ فَأَبْلِغْهُمْ كُتُبِي وَقَوْلِي ، قَالَ : فَتَحَوَّلَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ ، فَقَالَ : إِنَّ قَوْمِي إِذَا أَتَيْتهمْ يَقُولُونَ : مَا قَوْلُ صَاحِبِكَ فِي عُثْمَانَ ، قَالَ : فَسَبَّهُ الَّذِينَ حَوْلَهُ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ جَبِينَ عَلِيٍّ يَرْشَحُ كَرَاهِيَةً لِمَا يَجِيئُونَ بِهِ ، قَالَ : فَقَالَ مُحَمَّدٌ : أَيُّهَا النَّاسُ ، كُفُّوا فَوَاللهِ مَا إيَّاكُمْ أَسْأَلُ ، وَلاَ عَنْكُمْ أُسْأَلُ ، قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ : أَخْبِرْهُمْ ، أَنَّ قَوْلِي فِي عُثْمَانَ أَحْسَنُ الْقَوْلِ ، إِنَّ عُثْمَانَ كَانَ مَعَ {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

10- قَالَ : قَالَ أَبِي : فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ الْكُوفَةِ ، جَعَلُوا يَلْقونِي فَيَقُولُونَ : أَتَرَى إخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَاتِلُونَنَا ، قَالَ : وَيَضْحَكُونَ وَيَعْجَبُونَ ، ثُمَّ قَالُوا : وَاللهِ لَوْ قَدَ الْتَقَيْنَا تَعَاطَيْنَا الْحَقَّ ، قَالَ : فَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ لاَ يَقْتَتِلُونَ ، قَالَ : وَخَرَجْت بِكِتَابِ عَلِي ، فَأَمَّا أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَتَبَ إلَيْهِمَا فَقَبِلَ الْكِتَابَ وَأَجَابَهُ ، وَدَلَلْت عَلَى الآخَرِ فَتَوَارَى ، فَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا : كُلَيْبٌ ما أُذِنَ لِي , فَدَفَعْت إلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَقُلْتُ : هَذَا كِتَابُ عَلِي ، وَأَخْبَرْته أَنِّي أَخْبَرْته أَنَّك سَيِّدُ قَوْمِكَ ، قَالَ : فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَ ، وَقَالَ : لاَ حَاجَةَ لِي إِلَى السُّؤْدُدِ الْيَوْمَ ، إنَّمَا سَادَاتُكُمَ الْيَوْمَ شَبِيهٌ بِالأَوْسَاخِ ، أَوِ السَّفَلَةِ ، أَو الأَدْعِيَاءِ ، وَقَالَ : كَلِّمْهُ ، لاَ حَاجَةَ لِي الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ ، وَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُ .

11- قَالَ فَوَاللهِ مَا رَجَعْت إِلَى عَلِيٍّ حَتَّى إِذَا الْعَسْكَرَانِ قَدْ تَدَانَيَا فَاسْتَبَّت عِبْدَانُهُمْ ، فَرَكِبَ الْقُرَّاءُ الَّذِينَ مَعَ عَلِيٍّ حِينَ أَطْعَنَ الْقَوْمُ ، وَمَا وَصَلْت إِلَى عَلِيٍّ حَتَّى فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ قِتَالِهِمْ ، دَخَلْتُ عَلَى الأَشْتَرِ فَإِذَا بِهِ جِرَاحٌ ، قَالَ عَاصِمٌ : وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ ، فَلَمَّا أَنْ نَظَرَ إِلَى أَبِي ، قَالَ وَالْبَيْتُ مَمْلُوءٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، قَالَ : يَا كُلَيْبُ ، إنَّك أَعْلَمُ بِالْبَصْرَةِ مِنَّا ، فَاذْهَبْ فَاشْتَرِ لِي أَفْرَهَ جَمَلٍ تَجْده فِيهَا , قَالَ : فَاشْتَرَيْت مِنْ عَرِيفٍ لِمَهَرَةَ جَمَلَهُ بِخَمْسِ مِئَةٍ ، قَالَ : اذْهَبْ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ وَقُلْ : يُقْرِئُك ابْنُك مَالِكٌ السَّلاَمَ ، وَيَقُولُ : خُذِي هَذَا الْجَمَلَ فَتَبَلَّغِي عَلَيْهِ مَكَانَ جَمَلِكَ ، فَقَالَتْ : لاَ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِنَّهُ لَيْسَ بِابْنِي ، قَالَ : وَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَهُ .

12- قَالَ : فَرَجَعْت إلَيْهِ فَأَخْبَرْته بِقَوْلِهَا ، قَالَ : فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ حَسَرَ عَنْ سَاعِدِهِ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : إِنَّ عَائِشَةَ لَتَلُومُنِي عَلَى الْمَوْتِ الْمُمِيتِ ، إنِّي أَقْبَلْت فِي رِجْرِجَةٍ مِنْ مَذْحِجٍ ، فَإِذَا ابْنُ عَتَّابٍ قَدْ نَزَلَ فَعَانَقَنِي ، قَالَ ، فَقَالَ : اقْتُلُونِي وَمَالِكًا ، قَالَ : فَضَرَبْته فَسَقَطَ سُقُوطًا أَمْرَدًا ، قَالَ ، ثُمَّ وَثَبَ إلَيّ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَ : اقْتُلُونِي وَمَالِكًا ، وَمَا أُحِبُّ ، أَنَّهُ قَالَ : اقْتُلُونِي وَالأَشْتَرَ ، وَلاَ أَنَّ كُلَّ مِذْحَجِيَّةٍ وَلَدَتْ غُلاَمًا , فَقَالَ أَبِي : إنِّي اعْتَمَرْتهَا فِي غَفْلَةٍ ، قُلْتُ : مَا يَنْفَعُك أَنْتَ إِذَا قُلْتَ أَنْ تَلِدَ كُلُّ مُذْحَجِيَّةٍ غُلاَمًا ، فَقَالَ أَبِي : إِنِّي اعْتَمَرْتُهَا فِي غَفْلَة ، قُلْتُ : مَا يَنْفَعُكَ أَنْتَ إِذَا قُلْتُ : أَنْ تَلِدَ كُلّ مُذْحِجِيَّةَ غُلاَمًا .

13- قَالَ : ثُمَّ دَنَا مِنْهُ أَبِي ، فَقَالَ : أَوْصِ بِي صَاحِبَ الْبَصْرَةِ فَإِنَّ لِي مَقَامًا بَعْدَكُمْ ، قَالَ : فَقَالَ : لَوْ قَدْ رَآك صَاحِبُ الْبَصْرَةِ لَقَدْ أَكْرَمَك ، قَالَ : كَأَنَّهُ يَرَى ، أَنَّهُ الأَمِيرُ , قَالَ : فَخَرَجَ أَبِي مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ ، قَالَ : فَقَالَ : قَدْ قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلُ خَطِيبًا ، فَاسْتَعْمَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى الشَّامِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : فَرَجَعَ أَبِي فَأَخْبَرَ الأَشْتَرَ ، قَالَ : فَقَالَ لأَبِي : أَنْتَ سَمِعْته ، قَالَ : فَقَالَ أَبِي : لاَ قَالَ : فَنَهَرَهُ وَقَالَ : اجْلِسْ ، إِنَّ هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ ، قَالَ : فَلَمْ أَبْرَحْ أَنْ جَاءَ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ مِثْلَ خَبَرِي ، قَالَ : فَقَالَ : أَنْتَ سَمِعْت ذَاكَ ، قَالَ : فَقَالَ : لاَ ، فَنَهَرَهُ نَهْرَةً دُونَ الَّتِي نَهَرَنِي ، قَالَ : وَلَحَظَ إلَيَّ وَأَنَا فِي جَانِبِ الْقَوْمِ ، أَيْ إِنَّ هَذَا قَدْ جَاءَ بِمِثْلِ خَبَرِكَ .

14- قَالَ : فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عَتَّابٌ التَّغْلِبِيُّ وَالسَّيْفُ يَخْطِرُ ، أَوْ يَضْطَرِبُ فِي عُنُقِهِ ، فَقَالَ : هَذَا أَمِيرُ مُؤْمِنِيكُمْ قَدَ اسْتَعْمَلَ ابْنُ عَمِّهِ عَلَى الْبَصْرَةِ ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى الشَّامِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : قَالَ لَهُ الأَشْتَرُ : أَنْتَ سَمِعْته يَا أَعْوَرُ ، قَالَ : إي وَاللهِ يَا أَشْتَرُ , لأَنَا سَمِعْته بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ ، قَالَ : فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمًا فِيهِ كُشُورٌ ، قَالَ : فَقَالَ : فَلاَ نَدْرِي إذًا عَلاَمَ قَتَلْنَا الشَّيْخَ بِالْمَدِينَةِ .

15- قَالَ : ثُمَّ قَالَ : لِمُذْحَجِيَّتِهِ قُومُوا فَارْكَبُوا ، فَرَكِبَ ، قَالَ : وَمَا أَرَاهُ يُرِيدُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : فَهَمَّ عَلِيٌّ أَنْ يَبْعَثَ خَيْلاً تُقَاتِلُهُ ، قَالَ : ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ ، أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعَنِّي مِنْ تَأْمِيرِكَ أَنْ لاَ تَكُونَ لِذَلِكَ أَهْلاً ، وَلَكِنِّي أَرَدْت لِقَاءَ أَهْلِ الشَّامِ وَهُمْ قَوْمُك ، فَأَرَدْت أَنْ أَسْتَظْهِرَ بِكَ عَلَيْهِمْ ، قَالَ : وَنَادَى فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ ، قَالَ : فَأَقَامَ الأَشْتَرُ حَتَّى أَدْرَكَهُ أَوَائِلُ النَّاسِ ، قَالَ : وَكَانَ قَدْ وَقَّتَ لَهُمْ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ ، فِيمَا رَأَيْت ، فَلَمَّا صَنَعَ الأَشْتَرُ مَا صَنَعَ نَادَى فِي النَّاسِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالرَّحِيلِ.

 

38932- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ , حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ ، قَالَ : ضُرِبَ فُسْطَاطٌ بَيْنَ الْعَسْكَرَيْنِ يَوْمَ الْجَمَلِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، فَكَانَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ يَأْتُونَهُ ، فَيَذْكُرُونَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ رَفَعَ عَلِيٌّ جَانِبَ الْفُسْطَاطِ ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقِتَالِ ، فَمَشَى بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ ، وَشَجَرْنَا بِالرِّمَاحِ حَتَّى لَوْ شَاءَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهَا لَمَشَى ، ثُمَّ أَخَذَتْنَا السُّيُوفُ فَمَا شَبَهَتْهَا إِلاَّ دَارُ الْوَلِيدِ.

 

38864- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَن عَلْقَمَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِلأَشْتَرِ : لَقَدْ كُنْت كَارِهًا لِيَوْمِ الدَّارِ فَكَيْفَ رَجَعْت عَنْ رَأْيِكَ ، فَقَالَ : أَجَلْ ، وَاللهِ إِنْ كُنْت لَكَارِهًا لِيَوْمِ الدَّارِ وَلَكِنْ جِئْت بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ لأُدْخِلَهَا الدَّارَ ، وَأَرَدْت أَنْ أُخْرِجَ عُثْمَانَ فِي هَوْدَجٍ ، فَأَبَوْا أَنْ يَدَعُونِي وَقَالوا : مَا لَنَا وَلَك يَا أَشْتَرُ ، وَلَكِنِّي رَأَيْت طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَالْقَوْمَ بَايَعُوا عَلِيًّا طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ ، ثُمَّ نَكَثُوا عَلَيْهِ ، قُلْتُ : فَابْنُ الزُّبَيْرِ الْقَائِلُ : اقْتُلُونِي وَمَالِكًا ، قَالَ : لاَ وَاللهِ ، وَلاَ رَفَعْت السَّيْفَ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَا أَرَى أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الرُّوحِ لأَنِّي كُنْت عَلَيْهِ بِحَنَقٍ لأَنَّهُ اسْتَخَفَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَخْرَجَهَا ، فَلَمَّا لَقِيته مَا رَضِيت لَهُ بِقُوَّةِ سَاعِدِي حَتَّى قُمْت فِي الرِّكَابَيْنِ قَائِمًا فَضَرَبْته عَلَى رَأْسِهِ ، فَرَأَيْتُ أَنِّي قَدْ قَتَلْته ، وَلَكِنَّ الْقَائِلَ اقْتُلُونِي وَمَالِكًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ ، لَمَّا لَقِيته اعْتَنَقْته فَوَقَعْت أَنَا وَهُوَ عَنْ فَرَسَيْنَا ، فَجَعَلَ يُنَادِي : اقْتُلُونِي وَمَالِكًا ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ لاَ يَدْرُونَ مَنْ يَعْنِي ، وَلَمْ يَقُلْ : الأَشْتَرُ ، لَقُتِلْت.

 

38921- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، أَنَّ الأَشْتَرَ ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ الْتَقَيَا ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : فَمَا ضَرَبْته ضَرْبَةً حَتَّى ضَرَبَنِي خَمْسًا ، أَوْ سِتًّا ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : وَأَلْقَانِي بِرِجْلِي ، ثم قَالَ : وَاللهِ لَوْلاَ قَرَابَتُك مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَرَكْت مِنْك عُضْوًا مَعَ صَاحِبِهِ ، قَالَ : وَقَالَتْ عَائِشَةُ : وَاثُكْلَ أَسْمَاءَ ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ أَعْطَتِ الَّذِي بَشَّرَهَا بِهِ ، أَنَّهُ حَيٌّ عَشَرَةَ آلاَفٍ.

 

38913- حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ ، قَالَ : شَهِدْت يَوْمَ الْجَمَلِ فَمَا دَخَلْت دَارَ الْوَلِيدِ إِلاَّ ذَكَرْت يَوْمَ الْجَمَلِ , وَوَقْعَ السُّيُوفِ عَلَى الْبِيضِ ، قَالَ : كُنْتُ أَرَى عَلِيًّا يَحْمِلُ فَيَضْرِبُ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْثَنِيَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقُولُ : لاَ تَلُومُونِي ، وَلُومُوا هَذَا ، ثُمَّ يَعُودُ فَيُقَوِّمُهُ.

 

عدم تكفير علي لمن قاتلوه ووعيه بأنه صراع على الحكم لا قداسة فيه لأحد(على عكس الموقف المتطرف للشيعة وخاصة الاثناعشرية الإمامية منهم في كتبهم):

 

38918- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ ، عَنْ أَهْلِ الْجَمَلِ ، قَالَ : قِيلَ : أَمُشْرِكُونَ هُمْ ، قَالَ : مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا ، قِيلَ : أَمُنَافِقُونَ هُمْ ، قَالَ : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ، قِيلَ : فَمَا هُمْ ، قَالَ : إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا.

 

وعي بعض الناس بأن طلحة وبعض أنصاره هم من ساهموا في قتل عثمان ثم رفعوا دعوى الثأر المزعوم له كشعار مضاد لعلي بن أبي طالب

 

38867- حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَرِّعِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ عَمِيرَةَ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمْ ، قَالَ : قَامَ رَجُلٌ فِي مَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَ : أَنَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، أَحَدُ بَنِي جُشَمٍ ، فَقَالَ : إِنَّ هَؤُلاَءِ القوم الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْكُمْ ، إِنْ كَانَ إنَّمَا بِهِمَ الْخَوْفُ فَجَاؤُوا مِنْ حَيْثُ يَأْمَنُ الطَّيْرُ ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا بِهِمْ قَتْلُ عُثْمَانَ فَهُمْ قَتَلُوهُ , وَإِنَّ الرَّأْيَ فِيهِمْ أَنْ تُنَخَّس بِهِمْ دَوَابُّهُمْ حَتَّى يَخْرُجُوا.

 

31340- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يَقُولُ يَوْمَ الْجَمَلِ : إنَّا كُنَّا قَدْ دَاهَنَّا فِي أَمْرِ عُثْمَانَ ، فَلاَ نَجِدُ بُدًّا مِنَ الْمُبَالَغَةِ.

 

مروان بن الحكم انتقم من طلحة لمشاركته ومساهمته في قتل عثمان بن عفان، رغم كون طلحة ومروان كانا في نفس الجيش

 

38925- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا قَيْسٌ ، قَالَ : رَمَى مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَوْمَ الْجَمَلِ طَلْحَةَ بِسَهْمٍ فِي رُكْبَتِهِ ، قَالَ : فَجَعَلَ الدَّمُ يَغِذُّ الدَّم وَيَسِيلُ ، قَالَ : فَإِذَا أَمْسَكُوهُ امْتَسَكَ ، وَإِذَا تَرَكُوهُ سَالَ ، قَالَ : فَقَالَ : دَعُوهُ ، قَالَ : وَجَعَلُوا إِذَا أَمْسَكُوا فَمَ الْجُرْحِ انْتَفَخَتْ رُكْبَتُهُ ، فَقَالَ : دَعُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ سَهْمٌ أَرْسَلَهُ اللَّهُ ، قَالَ : فَمَاتَ ، قَالَ : فَدَفَنَّاهُ عَلَى شَاطِئِ الْكَلاَّءِ ،....إلخ

 

31219- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : كَانَ مَرْوَانُ مَعَ طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ ، فَلَمَّا اشْتَبَكَت الْحَرْبُ ، قَالَ مَرْوَانُ : لاَ أَطْلُبُ بِثَأْرِي بَعْدَ الْيَوْمِ ، قَالَ : ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ ، قَالَ : وَقَالَ طَلْحَةُ : دَعُوهُ فَإِنَّهُ سَهْمٌ أَرْسَلِهُ اللَّهُ.

 

ندم البعض على المشاركة في الحرب بين المسلمين وهي محرمة بحكم القرآن ونص حجة الوداع

 

38924- حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُوَيْد بْنَ الْحَارِثِ ، قَالَ : لَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ الْجَمَلِ ، وَإِنَّ رِمَاحَنَا وَرِمَاحَهُمْ لَمُتَشَاجِرَةٌ ، وَلَوْ شَاءَت الرُّجَّالُ لَمَشَتْ عَلَيْهِمْ يَقُولُونَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَيَقُولُونَ : سُبْحَانَ اللهِ اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ لَيْسَ فِيهَا شَكٌّ وَلَيْتَنِي لَمْ أَشْهَد ، وَيَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلِمَةَ : وَلَكِنِّي مَا سَرَّنِي أَنِّي لَمْ أَشْهَد ، وَلَوَدِدْت ، أَنَّ كُلَّ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ عَلِيٌّ شَهِدْته.

 

38943- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ جَمْهَانَ الْجُعْفِيِّ ، قَالَ : لَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ الْجَمَلِ ، وَإِنَّ رِمَاحَنَا وَرِمَاحَهُمْ لمتشاجرة , وَلَوْ شَاءَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهَا لَمَشَى ، قَالَ : وَهَؤُلاَءِ يَقُولُونَ : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَهَؤُلاَءِ يَقُولُونَ : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.

 

38950- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَدِمْت عَلَى عَلِيٍّ حِينَ فَرَغَ مِنَ الْجَمَلِ ، فَانْطَلَقَ إِلَى بَيْتِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي ، فَإِذَا امْرَأَتُهُ وَابْنَتَاهُ يَبْكِينَ ، وَقَدْ أَجْلَسْنَ وَلِيدَةً بِالْبَابِ تُؤْذِنُهُنَّ بِهِ إِذَا جَاءَ ، فَأَلْهَى الْوَلِيدَةَ مَا تَرَى النِّسْوَةَ يَفْعَلْنَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِنَ ، وَتَخَلَّفَتْ فَقُمْت بِالْبَابِ ، فَأُسْكِتْنَ ، فَقَالَ : مَا لَكُنَّ فَانْتَهَرَهُنَّ مَرَّةً ، أَوْ مَرَّتَيْنِ ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ : قُلْنَا : مَا سَمِعْت ذَكَرْنَا عُثْمَانَ وَقَرَابَتَهُ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَقَرَابَتَهُ ، فَقَالَ : إنِّي لأَرْجُو أَنْ نَكُونَ كَالَّذِينَ ، قَالَ اللَّهُ : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} وَمَنْ هُمْ إِنْ لَمْ نَكُنْ ، وَمَنْ هُمْ يُرَدِّدُ ذَلِكَ حَتَّى وَدِدْت أَنَّهُ سَكَتَ.

 

38951- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ ، أَنَّ عَلِيًّا أَجْلَسَ طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ ، وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى حَسَنٍ ، فَقَالَ : إنِّي وَدِدْت أَنِّي مِتّ قَبْلَ هَذَا.

 

38929- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، قَالَ : جَلَسَ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ الْجَمَل يَبْكُونَ عَلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ.

 

38984- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : حدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : مَرَّ عَلِيٌّ عَلَى قَتْلَى مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ ، وَمَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فَقَالَ : أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : مَا نَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ ، فَقَالَ لَهُ الآخَرُ : اسْكُتْ ، لاَ يَزِيدُكَ.

 

38987- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ : جَاءَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ يَوْمِ الْجَمَلِ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : خَذَلْتنَا وَجَلَسْتَ منَّا ، وَفَعَلْت عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ فَلَقِيَ سُلَيْمَانُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ، فَقَالَ : مَا لَقِيت مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ ، فَقَالَ : لاَ يَهُولَنَّكَ هَذَا مِنْهُ فَإِنَّهُ مُحَارِبٌ ، فَلَقَدْ رَأَيْته يَوْمَ الْجَمَلِ حِينَ أَخَذَتِ السُّيُوفُ مَأْخَذَهَا يَقُولُ : لَوَدِدْت أَنِّي مِتُّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِعِشْرِينَ سَنَةً.

 

فهذه حرب قتل وقاتل فيها الأقارب بعضهم البعض لاختلاف الولاءات والأطماع والتوجهات، وهنا عبر علي عن حزنه الإنساني على ما حدث. والشيعة القدماء من الاثناعشرية كما رأيت في كتبهم يغضبون بصورة عنيفة من هذه الأحاديث لشدة تعصبهم لفكرة عصمة علي ومواقفه وعلى نهجهم سلفيي شيعة اليوم، ولا توجد مواقف إنسانية معصومة أو كاملة عمومًا، وحزن علي موقف نبيل وطبيعي هاهنا.

 

ورد عند الشيعة الاثناعشرية في رجال الكشي عن حوار بين إمام الشيعة جعفر الصادق ورجل معتزلي:

وجدت في كتاب أبي محمد جبرئيل بن أحمد الفاريابي بخطه حدثني محمد بن عيسى ، عن محمد بن الفضيل الكوفي ، عن عبدالله بن عبدالرحمان عن الهيثم بن واقد ، عن ميمون بن عبدالله قال : أتى قوم أبا عبدالله عليه السلام يسألونه الحديث من الامصار ، وأنا عنده ، فقال لي : أتعرف أحدا من القوم ؟ قلت : لا فقال : كيف دخلوا علي ؟ قلت : هؤلاء قوم يطلبون الحديث من كل وجه ، لا يبالون ممن أخذوا ، فقال لرجل منهم : هل سمعت من غيري من الحديث ؟ قال : نعم قال : فحدثني ببعض ما سمعت .

قال : إنما جئت لأسمع منك ، لم أجئ أحدثك ، وقال للآخر : ذلك ما يمنعه أن يحدثني ما سمع ؟ قال : تتفضل أن تحدثني بما سمعت ، أجعل الذي حدثك حديثه أمانة لا أتحدث به أبدا ؟ قال : لا قال : فسمعنا بعض ما اقتبست من العلم حتى نعتد بك إن شاء الله قال :....... فقال له أبوعبد الله عليه السلام : زدنا قال : حدثني نعيم بن عبيد الله ، عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : ود علي بن أبي طالب عليه السلام أنه بنخيلات ينبع ، يستظل بظلهن ، ويأكل من حشفهن ولم يشهد يوم الجمل ولا النهروان ، وحدثني به سفيان ، عن الحسن ، قال أبوعبدالله عليه السلام : زدنا قال : حدثنا عباد ، عن جعفر بن محمد أنه قال : لما رأى علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الجمل كثرة الدمآء ، قال لابنه الحسن : يا بني لم أدر أن الامر يبلغ هذا المبلغ ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام : زدنا . قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد عليه السلام أن عليا عليه السلام لما قتل أهل صفين بكى عليهم ، ثم قال : جمع الله بيني وبينهم في الجنة قال : فضاق بي البيت وعرقت ، وكدت أن أخرج من مسكي ( 1 ) فأردت أن أقوم إليه فأتوطأه ثم ذكرت غمز أبي عبد الله عليه السلام فكففت فقال له أبوعبدالله عليه السلام : من أي البلاد أنت ؟ قال : من أهل البصرة قال : هذا الذي تحدث عنه وتذكر اسمه جعفر بن محمد تعرفه ؟ قال : لا قال : فهل سمعت منه شيئا فط ؟ قال : لا ، قال : فهده الاحاديث عندك حق ؟ قال : نعم ، قال : فمتى سمعتها ؟ قال : لا أحفظ قال : إلا أنها أحاديث أهل مصرنا ، منذ دهرنا لا يمترون فيها .

قال له أبوعبدالله عليه السلام : لو رأيت هذا الرجل الذي تحدث عنه فقال لك هذه التي ترويها عني كذب ، وقال : لا أعرفها ولم احدث بها ، هل كنت تصدقه ؟ قال : لا قال : لم ؟ قال : لانه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عتق رجل لجاز قوله ، فقال : اكتب بسم الله الرحمان الرحيم حدثني أبي ، عن جدي ، قال : ما اسمك ؟ قال : ما تسأل عن اسمي إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : خلق الله الارواح قبل الجساد بألفي عام ، ثم أسكنها الهواء ، فما تعارف منها ثم ايتلف ههنا ، وما تناكر ثم اختلف ههنا ، ومن كذب علينا أهل البيت حشره الله يوم القيامة أعمى يهوديا وإن أدرك الدجال آمن به ، وإن لم يدركه آمن به في قبره ، يا غلام ضع لي ماءا وغمزني وقال : لا تبرح ، وقام القوم فانصرفوا ، وقد كتبوا الحديث الذي سمعوا منه .

ثم إنه خرج ووجهه منقبض فقال : أما سمعت ما يحدث به هؤلاء ؟ قلت : أصلحك الله ما هؤلاء ، وما حديثهم ؟ [ قال أعجب حديثهم ] كان عندي الكذب علي والحكاية عني ، ما لم أقل ولم يسمعه عني أحد ، وقولهم : لو أنكر الاحاديث ما صدقناه ما لهؤلاء لا أمهل الله لهم ، ولا أملى لهم ثم قال لنا : إن عليا عليه السلام لما أراد الخروج من البصرة قال على أطرافها ثم قال : لعنك الله يا أنتن الارض ترابا ، وأسرعها خرابا ، وأشدها عذابا ، فيك الداء الدوي ، قيل : ما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : كلام القدر الذي فيه الفرية على الله ، وبغضنا أهل البيت ، وفيه سخط الله ، وسخط نبيه صلى الله عليه وآله وكذبهم علينا أهل البيت ، واستحلالهم الكذب علينا.

 

(1) مسكي: جلدي

 

ونكمل مع ابن أبي شيبة:

 

38957- حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ ، عَنْ لَيْثٍ ، قَالَ : حدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ ، أَنَّ عَلِيًّا ، قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ : اللَّهُمَّ لَيْسَ هَذَا أَرَدْت ، اللَّهُمَّ لَيْسَ هَذَا أَرَدْت.

31264- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُد ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ : فِي هَذِهِ الآيَةِ : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} قَالَ لَقَدْ نَزَلَتْ ، وَمَا نَدْرِي مَنْ يَخلُفُ لَهَا ، قَالَ : فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ ، فَلِمَ جِئْت إلَى الْبَصْرَةِ ؟ قَالَ : وَيْحَك إنَّا نُبْصِرُ وَلَكِنَّا لاَ نَصْبِرُ.

 

38956- حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، قَالَ : ذَكَرُوا عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ ، فَقَالَ : أَقْوَامٌ سَبَقَتْ لَهُمْ سَوَابِقُ وَأَصَابَتْهُمْ فِتْنَةٌ ، فَرُدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى اللهِ.

 

وفي تفسير الطبري لسورة الأنفال:

 

{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)}

 

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: "اتقوا"، أيها المؤمنون= "فتنة"، يقول: اختبارًا من الله يختبركم، وبلاء يبتليكم = "لا تصيبن"، هذه الفتنة التي حذرتكموها، "الذين ظلموا"، وهم الذين فعلوا ما ليس لهم فعله، إما إجْرام أصابوها، وذنوب بينهم وبين الله ركبوها. يحذرهم جل ثناؤه أن يركبوا له معصية، أو يأتوا مأثمًا يستحقون بذلك منه عقوبة.

 

......15904- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال قتادة: قال الزبير بن العوام: لقد نزلت وما نرى أحدًا منا يقع بها. ثم خُلِّفْنا في إصابتنا خاصة.

 

ورواه أحمد بن حنبل:

 

1414- حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، حَدَّثَنَا شَدَّادٌ ، يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، قَالَ : قُلْنَا لِلزُّبَيْرِ : يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ ، مَا جَاءَ بِكُمْ ضَيَّعْتُمُ الْخَلِيفَةَ حَتَّى قُتِلَ ، ثُمَّ جِئْتُمْ تَطْلُبُونَ بِدَمِهِ ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ : إِنَّا قَرَأْنَاهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ} خَاصَّةً لَمْ نَكُنْ نَحْسَبُ أَنَّا أَهْلُهَا حَتَّى وَقَعَتْ مِنَّا حَيْثُ وَقَعَتْ.

ونكمل مع ابن أبي شيبة:

 

38959- حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَرْسَلَ إلَيَّ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ فِي حَاجَةٍ فَأَتَيْته ، قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إذْ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِد ، فَقَالُوا : يَا أَبَا عِيسَى ، حدثنا فِي الأُسَارَى لَيْلَتَنَا ، فَسَمِعْتهمْ يَقُولُونَ : أَمَّا مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ بُكْرَةً ، فَلَمَّا صَلَّيْت الْغَدَاةَ جَاءَ رَجُلٌ يَسْعَى الأُسَارَى الأُسَارَى ، قَالَ : ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فِي أَثَرِهِ يَقُولُ : مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ ، مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ قَالَ : فَانْطَلَقْت ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَسَلَّمْت ، فَقَالَ : أَتَبَايَعُ تَدْخُلُ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : هَكَذَا ، وَمَدَّ يَدَهُ فَبَسَطَهُمَا قَالَ : فَبَايَعْته ، ثُمَّ قَالَ : ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ وَمَالِكِ ، قَالَ : فَلَمَّا رَأَني النَّاسَ قَدْ خَرَجْت ، قَالَ : جَعَلُوا يَدْخُلُونَ فَيُبَايِعُونَ.

 

وذكر ابن أبي شيبة في أحاديث ذلك الباب نهي علي عن الإجهاز على الجرحى ونهب الأموال والتعرض للنساء:

 

38971- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَمَرَ عَلِيٌّ مُنَادِيَهُ فَنَادَى يَوْمَ الْبَصْرَةِ : لاَ يُتْبَعُ مُدْبِرٌ وَلاَ يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ ، وَلاَ يُقْتَلُ أَسِيرٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابًا آمِنَ ، وَمَنْ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْئًا.

 

38933- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ : لاَ تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا ، وَلاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَمَنْ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ آمِنٌ.

 

38945- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَلْعٍ ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ ، قَالَ : أَمَرَ عَلِيٌّ مُنَادِيًا فَنَادَى يَوْمَ الْجَمَلِ : أَلاَ لاَ يُجْهَزَنَّ عَلَى جَرِيحٍ وَلاَ يُتْبَعَ مُدْبِرٌ.

 

38980- حَدَّثَنَا ابْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ ضُبَيْعَةَ الْعَبْسِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ : لاَ يُتْبَعُ مُدْبِرٌ وَلاَ يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ.

 

38919- حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ عْن شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَسْبِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَمْ يَقْتُلْ جَرِيحًا.

 

38920- حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ عْن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَلْعٍ ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ ، أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَسْبِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَمْ يُخَمِّسْ ، قَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَلاَ تُخَمِّسُ أَمْوَالَهُمْ ، قَالَ : فَقَالَ : هَذِهِ عَائِشَةُ تَسْتَأْمِرُهَا ، قَالَ : قَالُوا : مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا ، مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا.

 

38988- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : حدَّثَنَا زَائِدَةُ ، عَنْ عمر بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، قَالَ : أَقْبَلَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ حَتَّى نَزَلاَ الْبَصْرَةَ وَطَرَحُوا سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا ، وَعَلِيٌّ كَانَ بَعَثَهُ عَلَيْهَا ، فَأَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ بِذِي قَارٍ ، فَأَرْسَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَأَبْطَؤُوا عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَتَاهُمْ عَمَّارٌ فَخَرَجُوا ، قَالَ زَيْدٌ : فَكُنْت فِيمَنْ خَرَجَ مَعَهُ ، قَالَ : فَكَفَّ عَنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأَصْحَابِهِمَا ، وَدَعَاهُمْ حَتَّى بَدَؤُوهُ فَقَاتَلَهُمْ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ ، فَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَحَوْلَ الْجَمَلِ عَيْنٌ تَطْرِفُ مِمَّنْ كَانَ يَذُبُّ عَنْهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : لاَ تُتِمُّوا جَرِيحًا وَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِرًا وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ وَأَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُمْ إِلاَّ تِلْكَ الْعَشِيَّةَ وَحْدَهَا .

2- فَجَاؤُوا بِالْغَدِ يُكَلِّمُونَ عَلِيًّا فِي الْغَنِيمَةِ فقرأ علَيَّ هَذِهِ الآيَةُ ، فَقَالَ : أَمَا إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : {وَاعْلَمُوا أَنَمَّا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} أَيُّكُمْ لِعَائِشَةَ فَقَالُوا : سُبْحَانَ اللهِ ، أُمُّنَا ، فَقَالَ : أَحَرَامٌ هِيَ ، قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ عَلِيٌّ : فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ بَنَاتِهَا مَا يَحْرُمُ مِنْهَا

 

ولو أن هناك خبرًا عن إجهاز على جريح في الطبري:

 

...وَأَخَذَ ابْنُ يَثْرِبِيٍّ بِرَأْسِ الْجَمَلِ وَهُوَ يرتجز، وادعى قتل علباء ابن الْهَيْثَمِ وَزَيْدَ بْنَ صُوحَانَ وَهِنْدَ بْنَ عَمْرٍو، فَقَالَ:

أَنَا لِمَنْ يُنْكِرُنِي ابْنُ يَثْرِبِيِّ قَاتِلُ علباء وهند الجملي وابن لصوحان على دين عَلِيِّ.

فَنَادَاهُ عَمَّارٌ: لَقَدْ لَعَمْرِي لُذْتَ بِحَرِيزٍ، وَمَا إِلَيْكَ سَبِيلٌ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَاخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْكَتِيبَةِ إِلَيَّ، فَتَرَكَ الزِّمَامَ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ حَتَّى كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِ عَائِشَةَ وَأَصْحَابِ عَلِيٍّ، فَزَحَمَ النَّاسُ عَمَّارًا حَتَّى أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَاتَّقَاهُ عَمَّارٌ بِدَرَقَتِهِ، فَضَرَبَهُ فَانْتَشَبَ سَيْفَهُ فِيهَا، فَعَالَجَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ، فَخَرَجَ عَمَّارٌ إِلَيْهِ لا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا، فَأَسِفَ عَمَّارٌ لِرِجْلَيْهِ فَقَطَعَهُمَا، فَوَقَعَ عَلَى اسْتِهِ، وَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ، فَارْتُثَّ بَعْدُ، فَأُتِيَ بِهِ عَلِيٌّ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ

 

.... كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مُحَمَّدِ بْنِ راشد، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ من سيرة علي أَلا يقتل مدبرا وَلا يذفف عَلَى جريح، وَلا يكشف سترا، وَلا يأخذ مالا، [فَقَالَ قوم يَوْمَئِذٍ: مَا يحل لنا دماءهم، ويحرم علينا أموالهم؟ فَقَالَ علي: القوم أمثالكم، من صفح عنا فهو منا، ونحن مِنْهُ، ومن لج حَتَّى يصاب فقتاله مني عَلَى الصدر والنحر، وإن لكم فِي خمسه لغنى،] فيومئذ تكلمت الخوارج

 

38985- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ جَحْشِ بْنِ زِيَادٍ الضَّبِّيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ يَقُولُ : لَمَّا ظَهَرَ عَلِيٌّ عَلَى أَهْلِ الْجَمَلِ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ : ارْجِعِي إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى بَيْتِكَ ، قَالَ : فَأَبَتْ ، قَالَ : فَأَعَادَ إلَيْهَا الرَّسُولَ ؛ وَاللهِ لَتَرْجِعَنْ ، أَوْ لأَبْعَثَنَّ إلَيْك نِسْوَةً مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مَعهُنَّ شِفَارٌ حِدَادٌ يَأْخُذْنَك بِهَا ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ خَرَجَتْ.

38986- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى ، قَالَ : انْتَهَى عَبْدُ اللهِ بْنُ بُدَيْلٍ إِلَى عَائِشَةَ وَهِيَ فِي الْهَوْدَجِ يَوْمَ الْجَمَلِ ، فَقَالَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْشُدُك بِاللهِ ، أَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَتَيْتُكِ يَوْمَ قَتْلِ عُثْمَانَ ، فَقُلْتُ : إِنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ فَمَا تَأْمُرِينِي ، فَقُلْتِ لِي : الْزَمْ عَلِيًّا ، فَوَاللهِ مَا غَيَّرَ وَلاَ بَدَّلَ ، فَسَكَتَتْ ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَسَكَتَتْ ، فَقَالَ : اعْقُرُوا الْجَمَلَ ، فَعَقَرُوهُ ، قَالَ : فَنَزَلْت أَنَا وَأَخُوهَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَاحْتَمَلْنَا الْهَوْدَجَ حَتَّى وَضَعَنَاهُ بَيْنَ يَدَيْ عَلِي ، فَأَمَرَ بِهِ عَلِيٌّ فَأُدْخِلَ فِي مَنْزِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُدَيْلٍ ، قَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ : وَكَانَتْ عَمَّتِي عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُدَيْلٍ ، فَحَدَّثَتْنِي عَمَّتِي ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهَا : أَدْخِلِينِي ، قَالَتْ : فَأَدْخَلْتهَا الدَّاخِل وَأَتَيْتهَا بِطَشْتٍ وَإِبْرِيقٍ وَأَجَفْت عَلَيْهَا الْبَابَ ، قَالَتْ : فَاطَّلَعْت عَلَيْهَا مِنْ خَلَلِ الْبَابِ وَهِيَ تُعَالِجُ شَيْئًا فِي رَأْسِهَا مَا أَدْرِي شَجَّةٌ ، أَوْ رَمْيَةٌ.

 

من كتاب النفيس في بيان رزية الخميس

 

خيانة طلحة والزبير

نقل عن طه حسين بشأن خيانة طلحة والزبير:
"
أنهم لم يكتفوا بنكث البيعة مع علي (ع) وإنما أضافوا إليها نكث الهدنة مع عثمان بن حنيف وقتلوا من قتلوا من أهل البصرة الذين أنكروا نقض الهدنة وحبس الأمير وغصب ما في بيت المال وقتل من قتلوا من حراسه " .
قال : " ومن طه حسين حتى يكون كلامه حجة على أهل السنة ؟ وكل ما ذكره كذب يعجز هو وغيره أن يثبتوا صحة ذلك الكلام " .

نقول : القيمة والحجة في مستند كلام طه حسين ، قال الذهبي : " قال ابن سعد : قتل عثمان ، وفارق ابن كريز البصرة ، فبعث علي عليها عثمان بن حنيف واليا ، فلم يزل حتى قدم عليه طلحة والزبير ، فقاتلهما ومعه حكيم بن جبلة العبدي ثم توادعوا حتى يقدم علي ، ثم كانت ليلة ذات ريح وظلمة فأقبل أصحاب طلحة فقتلوا حرس عثمان بن حنيف ودخلوا عليه فنتفوا لحيته وجفون عينيه ، وقالوا : لولا العهد لقتلناك ، فقال : إن أخي وال لعلي على المدينة ولو قتلتموني لقتل من بالمدينة من أقارب طلحة والزبير ، ثم سجن وأخذوا بيت المال " (1) .

 

(1) سير أعلام النبلاء ج2 ص322 .

 

وروى الطبري : " فأرسلوا إلى عثمان أن اخرج عنا فأحتج عثمان بالكتاب ، وقال : هذا أمر آخر غير ما كنا فيه ، فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة باردة ذات رياح وندى ثم قصد المسجد ... فشهر الزط والسيابجة السلاح ، ثم وضعوه فيهم ، فأقبلوا عليه فاقتتلوا في المسجد وصبروا لهم فأناموهم وهم أربعون ، وأدخلوا الرجال على عثمان ليخرجوه إليهما فلما وصل إليهما توطؤوه وما بقيت فيه وجهه شعرة ...
عن سهل بن سعد قال : لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره ، قالت : اقتلوه ، فقالت امرأة نشدتك بالله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله (ص) ، قالت : ردوا أبانا ، فردوه ، فقالت : احبسوه ولا تقتلوه ... فضربوه أربعين سوطا ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه ... " (1) .

وروى الطبري عن محمد بن الحنفية قال : " قدم عثمان بن حنيف على علي بالربذة ، وقد نتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه ، فقال : يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وجئتك أمرد ، قال : أصبت أجرا وخيرا ... ثم بايعوني وبايعني طلحة والزبير ثم نكثا بيعتي وألبا الناس علي … " (2) .

وقال ابن عبد البر : " هذه رواية في قتل حكيم بن جبلة ، وقد روي أنه لما غدر ابن الزبير بعثمان بن حنيف بعد الصلح الذي كان عقده عثمان بن حنيف مع طلحة والزبير ، أتاه ابن الزبير ليلا في القصر فقتل نحو أربعين رجلا من الزط على باب القصر ...

 

(1) تاريخ الطبري ج3 ص485

(2)  المصدر السابق ج3 ص495 .

 

وذكر المدائني عن شيوخه عن أبي نضرة العبدي وابن شهاب الزهري وغيرهم أن عثمان بن حنيف لما كتب الكتاب بالصلح بينه وبين الزبير وطلحة وعائشة أن يكفوا عن الحرب ويبقى هو في دار الإمارة خليفة لعلي على حاله حتى يقدم علي (رض) فيرون رأيهم ، قال عثمان بن حنيف لأصحابه : ارجعوا وضعوا سلاحكم .
فلما كان بعد أيام جاء عبدالله بن الزبير في ليلة ذات ريح وظلمة وبرد شديد ومعه جماعة من عسكرهم ، فطرقوا عثمان بن حنيف في دار الإمارة ، فأخذوه ، ثم انتهوا به إلى بيت المال فوجدوا أناسا من الزط يحرسونه ، فقتلوا منهم أربعين رجلا ، وأرسلوا بما فعلوه من أخذ عثمان ، وأخذ ما في بيت المال إلى عائشة يستشيرونها في عثمان ، وكان الرسول إليها أبان بن عثمان ، فقالت عائشة : اقتلوا عثمان بن حنيف ... " (1) ، وباقي الأمر ما رواه الطبري .

قال الذهبي : " ثم اصلحت الفئتان وكفوا عن القتال على أن يكون لعثمان بن حنيف دار الإمارة والصلاة وأن ينزل طلحة والزبير حيث شاءا من البصرة حتى يقدم علي (رض)" (2) .

وقال ابن كثير : " وبعث طلحة والزبير إلى عثمان بن حنيف أن يخرج إليهما فأبى ، فجمعا الرجال في ليلة مظلمة … ودخل الناس على عثمان بن حنيف قصره ، فاخرجوه إلى طلحة والزبير ولم يبق في وجهه شعرة إلا نتفوها ... ... ، فأطلقوا وولوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر ، وقسم طلحة والزبير أموال بيت المال في الناس ، وفضلوا أهل الطاعة ، وأكب الناس عليهم يأخذون أرزاقهم ، وأخذوا الحرس واستبدوا في الأمر بالبصرة … " (3) .

 

(1) الإستيعاب في معرفة الأصحاب ج1 ص 421-422 .

 

نص حذيفة بن اليمان الصحابي على وجود صحابة غير محفوظين وفاسدين من أصحاب محمد

 

روى أحمد:

 

23342 - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ (2) ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا مَعَ حُذَيْفَةَ فَأَقْبَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: " إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ هَدْيًا وَدَلًّا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، حَتَّى يَرْجِعَ فَلَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ لَعَبْدُ اللهِ (3) بْنِ مَسْعُودٍ "، وَاللهِ لَقَدْ عَلِمَ الْمَحْفُوظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ مِنْ أَقْرَبِهِمْ عِنْدَ اللهِ وَسِيلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ (4)

 

(2) قوله: "حدثنا معاوية" أثبتناه من (ظ 5) ، و"أطراف المسند" 2/243، وسقط من النسخ المتأخرة .

(3) في (م) و (ظ 2) و (ق) : كعبد الله .

(4) إسناده صحيح على شرط الشيخين . معاوية: هو ابن عَمرو بن المهلب الأزدي، وزائدة: هو ابن قدامة، وشقيق: هو ابن سلمة الأسدي .

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (8480) من طريق معاوية بن عَمرو، بهذا الإسناد .

وأخرجه مختصراً المصنِّف في "فضائل الصحابة" (1545) ، وابن أبي شيبة 12/115، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/545، والطبراني (8481) ، وأبو نعيم في "الحلية" 1/126 من طرق عن الأعمش، به .

وأخرجه مختصراً يعقوب بن سفيان 2/544، والطبراني (8482) ، وأبو نعيم 1/126 من طرق عن أبي وائل، به .

وانظر ما سلف برقم (23308) .

 

23308 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَتَيْنَا حُذَيْفَةَ فَقُلْنَا: دُلَّنَا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيًا وَسَمْتًا وَدَلًّا (1) نَأْخُذْ عَنْهُ وَنَسْمَعْ مِنْهُ ؟ فَقَالَ: " كَانَ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيًا وَسَمْتًا وَدَلًّا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ "، حَتَّى يَتَوَارَى عَنِّي فِي بَيْتِهِ، وَلَقَدْ عَلِمَ الْمَحْفُوظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إِلَى اللهِ زُلْفَةً (2)

 

(1) تحرف في (م) إلى: ولاء .

(2) إسناده صحيح على شرط الشيخين . لكن الجملة الأخيرة، وهي قوله: ولقد علم المحفوظون ... إلخ لم يسمعها أبو إسحاق -وهو السبيعي- من عبد الرحمن بن يزيد -وهو ابن قيس النخعي- كما بين ذلك شعبة في روايته الآتية برقم (23350) ، وصحت من طريق شقيق عن حذيفة برقم (23342) .

وأخرجه تاماً ومختصراً يعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ " 2/543-544، والترمذي (3807) ، والطبراني في "الكبير" (8489) ، وابن الأثير في "أسد الغابة" 3/388 من طرق عن إسرائيل، بهذا الإسناد .

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (8488) من طريق شريك بن عبد الله النخعي، وفي "الأوسط" (2359) من طريق سفيان الثوري، كلاهما عن أبي إسحاق، به .

ورواية "الأوسط" مختصرة .

وأخرجه البزار (2812) ، والطبراني في "الكبير" (8491) من طريق إسماعيل ابن أبي خالد، والطبراني (8490) من طريق الأعمش، كلاهما عن زيد بن وهب، عن حذيفة . مختصراً .

وسيأتي (23350) و (23408) و (23413) .

وسيأتي من طريق شقيق بن سلمة برقم (23341) و (23342) ، ومن طريق أبي عمرو الشيباني برقم (23351) ، كلاهما عن حذيفة .

قوله: "هدياً وسمتاً ودلاً" قال السندي: الهدي بفتح فسكون، وكذا السمت، وأما الدلُّ فبفتح وتشديد لام، قال البيضاوي: قريب من الهدي، والمراد به السكينة والوقار، وبالسمت: القصد في الأمور، وبالهدي: حسن السيرة وسلوك الطريقة المرضية .

"ابن أم عبد" هو عبد الله بن مسعود، وأم عبد كنية أمه .

"زلفة" كقُربة لفظاً ومعنىً .

 

ورواه البخاري:

 

3762 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ فَقَالَ مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ

 

6097 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ أَحَدَّثَكُمْ الْأَعْمَشُ سَمِعْتُ شَقِيقًا قَالَ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلًّا وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ إِذَا خَلَا

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

31250- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ لَيْثٍ ، قَالَ : مَرَّ ابْنُ عُمَرُ بِحُذَيْفَةَ ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ : لَقَدْ جَلَسَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسًا مَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ أَعْطَى مِنْ دَيْنِهِ إلاَّ هَذَا الرَّجُلُ.

 

عمار يحرض الناس على الانضمام إلى علي في معركة الجمل

 

روى أحمد:

 

18331 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا، وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَاهُمْ ، (1) فَخَطَبَ عَمَّارٌ، فَقَالَ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ابْتَلَاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا " (2)

 

(1) عند البخاري وغيره: ليستنفرهم.

(2) إسناده صحيح على شرط الشيخين. الحكم: هو ابن عتيبة، وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة.

وأخرجه البخاري (3772) ، والبزار في "مسنده" (1409) مختصراً، وأبو يعلى (1646) ، والبيهقي في "السنن" 8/174 من طريق محمد بن جعفر، بهذا الإسناد.

وأخرجه نحوه البزار (1408) من طريق أبي عتاب سهل بن حماد، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (148) ، والبيهقي في "السنن" 8/174 من طريق علي بن الجعد، كلاهما عن شعبة، به.

وأخرجه البخاري (7101) من طريق ابن أبي غنية، عن الحكم، بنحوه.

وأخرجه البخاري (7100) من طريق يحيي بن آدم، وفيه قصة، والترمذي (3889) ، والحاكم 4/6 من طريق عبد الرحمن بن مهدي، والمزي في "تهذيب الكمال" (في ترجمة عبد الله بن زياد الأسدي) من طريق يزيد بن مهران ، ثلاثتهم عن أبي بكر بن عياش، عن أبي حَصِين (وهو الأسدي عثمان ابن عاصم) ، عن عبد الله بن زياد الأسدي، عن عمار، به، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قال الحافظ في "الفتح" 7/108: قوله في الحديث: لتتبعوه أو إياها قيل: الضمير لعليٍّ، لأنه الذي كان عمار يدعو إليه، والذي يظهر أنه لله، والمرادُ بإتباع الله اتباعُ حكمه الشرعي في طاعة الإمام، وعدم الخروج عليه، ولعله أشار إلى قوله تعالى: (وقَرْنَ في بيوتكن) [الأحزاب: 33] فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا كانت أم سلمة تقول: لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

 

وروى البخاري:

 

7100 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنْ الْحَسَنِ فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ وَ وَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلَاكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ

 

7101 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَامَ عَمَّارٌ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فَذَكَرَ عَائِشَةَ وَذَكَرَ مَسِيرَهَا وَقَالَ إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابْتُلِيتُمْ

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

38938- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ ، قَالَ : قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ : إِنَّ أُمَّنَا سَارَتْ مَسِيرَنَا هَذَا ، وَإِنَّهَا وَاللهِ زَوْجَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلاَنَا بِهَا لِيَعْلَمَ إيَّاهُ نُطِيعُ أَمْ إيَّاهَا.

 

أسلوب عمار قام على الوعظ في ظل كونه هو وكل البيئة المحيطة بيئة دينية الفكر والمنطلقات خرافية التفكير، فحجته كانت أن عليًّا مستحق للشرعية لمبايعة الناس أو أكثرهم له باعتبار الانقلاب نكث وغدر بالبيعة حسب الفكر السياسي الإسلامي القديم هذا. ورد أبي موسى الأشعري على تحريضات وحشد عمار عرضته في موضع آخر في هذا الباب نقلًا عن تاريخ الطبري.

 

رفض بعضهم المشاركة في الفتن والحروب الأهلية

 

روى مسلم:

 

[ 2965 ] حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعباس بن عبد العظيم واللفظ لإسحاق قال عباس حدثنا وقال إسحاق أخبرنا أبو بكر الحنفي حدثنا بكير بن مسمار حدثني عامر بن سعد قال كان سعد بن أبي وقاص في إبله فجاءه ابنه عمر فلما رآه سعد قال أعوذ بالله من شر هذا الراكب فنزل فقال له أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم فضرب سعد في صدره فقال أسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي

 

وروى أبو يعلى في مسنده:

 

749 - حدثنا أبو خيثمة حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثنا أبي عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر - وهو أحد بني بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة - أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص: أن أباه حين رأى اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وتفرقهم اشترى له ماشية ثم خرج فاعتزل فيها بأهله على ماء يقال له : قلهي قال : وكان سعد أحد الناس بصرا فرأى ذات يوم شيئا يزول فقال لمن تبعه : ترون شيئا ؟ قالوا : نرى شيئا كالطير قال : أرى راكبا على بعير ثم جاء بعد قليل عمر بن سعد على بختي - أو بختية - ثم قال : اللهم إنا نعوذ بك من شر ما جاء به فسلم عمر ثم قال لأبيه : أرضيت أن تتبع أذناب هذه الماشية بين هذه الجبال وأصحابك يتنازعون في أمر الأمة ! ؟ فقال سعد بن أبي وقاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إنها ستكون بعدي فتن - أو قال : أمور - خير الناس فيها الغني الخفي التقي فإن استطعت يا بني أن تكون كذلك فكن فقال له عمر : أما عندك غير هذا ؟ فقال له سعد : لا يا بني. فوثب عمر ليركب ولم يكن حط عن بعيره فقال له سعد : أمهل حتى نغذيك قال : لا حاجة لي بغدائكم قال سعد : فنحلب لك فنسقيك قال : لا حاجة لي بشرابكم ثم ركب فانصرف مكانه

رجاله رجال الصحيح

 

وروى أحمد:

 

1441 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ أَخَاهُ عُمَرَ انْطَلَقَ إِلَى سَعْدٍ فِي غَنَمٍ لَهُ، خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ . فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: يَا أَبَتِ أَرَضِيتَ أَنْ تَكُونَ أَعْرَابِيًّا فِي غَنَمِكَ، وَالنَّاسُ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ بِالْمَدِينَةِ ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ صَدْرَ عُمَرَ، وَقَالَ: اسْكُتْ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ "

 

إسناده قوي على شرط مسلم.

وأخرجه البيهقي في "الشعب" (10370) من طريق أحمد بن حنبل، بهذا الإسناد.

وأخرجه الدورقي (18) ، ومسلم (2965) ، وأبو يعلى (737) ، والبغوي (4228) من طريق أبي بكر الحنفي، به.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/24-25 و94 من طريق محمد بن عمر الواقدي، عن بكير بن مسمار، به. لم يذكر فيه قصة عمر بن سعد.

وأخرجه مطولاً أبو يعلى (749) من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نَمِر، عن عامر بن سعد، به. وانظر ما سيأتي برقم (1529) .

 

1529 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَهُ ابْنُهُ عَامِرٌ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، أَفِي الْفِتْنَةِ تَأْمُرُنِي أَنْ أَكُونَ رَأْسًا ؟ لَا وَاللهِ حَتَّى أُعْطَى سَيْفًا، إِنْ ضَرَبْتُ بِهِ مُؤْمِنًا نَبَا عَنْهُ، وَإِنْ ضَرَبْتُ بِهِ كَافِرًا قَتَلَهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ التَّقِيَّ "

 

حديث صحيح، والإسناد فيه قلب، فالذي روى القصة هو عامر بن سعد، والذي جاء إلى سعد رضي اللُه عنه يأمره أن يكونَ رأساً هو عمر بن سعد، وقد تقدم على الصواب من غير هذا الطريقِ برقم (1441) . المطلب: هو ابن عبد اللُه بن المطلب بن حنطب، تابعي ثقة، وكثير بن زيد الأسلمي مختلف فيه، وحديثه حسن في المتابعات.

وأخرجه الدورقي (73) عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو، بهذا الإسناد. وفيه: أنه جاءه ابنه، ولم يسمه.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/94 عن محمد بن أحمد بن الحسين، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن أبي عامر العقدي، عن كثير بن زيد، عن عبد المطلب بن عبد الله، عن عمر بن سعد، عن أبيه أنه قال لي: يا بني... فذكره.

قوله "نبا عنه"، أي: تجافى عنه ولم يقتله.

 

وقال الطبري في تاريخه:

 

وخرج عُمَر بن سَعْد حَتَّى أتى أباه عَلَى ماء لبني سليم بالبادية، فَقَالَ: يَا أبت، قَدْ بلغك مَا كَانَ بين الناس بصفين، وَقَدْ حكم الناس أبا مُوسَى الأَشْعَرِيّ وعمرو بن الْعَاصِ، وَقَدْ شهدهم نفر من قريش، فاشهدهم فإنك صاحب رَسُول اللَّهِ ص وأحد الشورى، ولم تدخل فِي شَيْءٍ كرهته هَذِهِ الأمة، فاحضر فإنك أحق الناس بالخلافة فَقَالَ: لا أفعل، إني سمعت رَسُول اللَّهِ ص يقول: انه تكون فتنة، خير الناس فِيهَا الخفي التقي، وَاللَّهِ لا أشهد شَيْئًا من هَذَا الأمر أبدا.

 

وكره سعد بن مالك بن أبي وقاص أن يروي حديثًأ فيه مديح لعلي مما مدحه محمد به بسبب مساهمته في رفع المسلمين السيوف على بعضهم، روى أحمد:

 

1532 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ، حَدَّثَنِي ابْنٌ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (1) ، حَدِيثًا عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَعْدٍ فَقُلْتُ: حَدِيثًا حُدِّثْتُهُ (2) عَنْكَ، حِينَ اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَغَضِبَ، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهِ ؟ فَكَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ أَنَّ ابْنَهُ حَدَّثَنِيهِ فَيَغْضَبَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، اسْتَخْلَفَ عَلِيًّا عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَخْرُجَ وَجْهًا إِلا وَأَنَا مَعَكَ، فَقَالَ: " أَوَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي " (3)

 

(1) في (م) و (س) و (ص) : لسعد بن مالك.

(2) في (م) : حدثنيه، وهو خطأ.

(3) إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن زيد بن جدعان، فمن رجال أصحاب السنن، وروى له مسلم مقروناً، وهو ضعيف، وقد تابعه في هذا الإسناد قتادة، وهو من رجالهما، والحديث في"مصنف عبد الرزاق" (9745) و (20390) .

ومن طريقه أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1342) ، والبزار (1074) .

وأخرجه بنحوه الدورقي (100) ، وابنُ أبي عاصم (1343) ، والبزار (1076) ، والنسائي في "الكبرى" (8138) ، وفي "الخصائص" (44) من طريق حرب بن شداد، عن قتادة وحده، بهذا الإسناد. وانظر (1490) .

 

وممن رفضوا المشاركة في الفتن أبو بكرة والأحنف بن قيس:

 

روى البخاري:

 

6875 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ قَالَ ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ

 

الرجل المذكور هو علي.

 

7083 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ خَرَجْتُ بِسِلَاحِي لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ قِيلَ فَهَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِأَيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَانِي بِهِ فَقَالَا إِنَّمَا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ الْحَسَنُ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بِهَذَا وَقَالَ مُؤَمَّلٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْأَحْنَفِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَرَوَاهُ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَقَالَ غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ

 

وروى مسلم:

 

[ 2888 ] حدثني أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري حدثنا حماد بن زيد عن أيوب ويونس عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال خرجت وأنا أريد هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد يا أحنف قال قلت أريد نصر بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عليا قال فقال لي يا أحنف ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قال فقلت أو قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه قد أراد قتل صاحبه

 

علي سمى الأحداث بمسمياتها وحقائقها

 

روى أحمد:

1020 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْقَاسِمِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ قَيْسٍ الْخَارِفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: " سَبَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، وَثَلَّثَ عُمَرُ، ثُمَّ خَبَطَتْنَا - أَوْ أَصَابَتْنَا - فِتْنَةٌ، فَمَا شَاءَ اللهُ جَلَّ جَلالُهُ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَالَ أَبِي: " قَوْلُهُ ثُمَّ خَبَطَتْنَا فِتْنَةٌ أَرَادَ أَنْ يَتَوَاضَعَ بِذَلِكَ "

 

إسناده حسن. وأخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" 3/458 عن عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد.

- وأخرجه ابن سعد 6/130 عن يزيد بن هارون، وابن أبي عاصم (1209) من طريق عبد السلام بن حرب، كلاهما عن سفيان، به. وسيأتي برقم (1107) و (1259) ، وانظر (1256)

قوله: "صَلى أبو بكر"، المصلي في الخيل: هو الذي يتلو السابق.

 

هذا حديث له مصادقية يعترف فيه علي بأن كل الصراعات في عهد عثمان وعهده، رغم أنه اضطر لها وموقفه كان الأسلم والأكثر شرعية، كلها كانت فتنًا وحروبًا أهلية مما نهاهم عنه محمد في القرآن وخطبة الوداع وغيرها، وهذا مما لا يعجب الشيعة لشدة وثوقيتهم وتقديسهم لعلى ومناصرتهم العمياء لمواقفه كما ترى من مطالعة كتبهم ونقدها لأمثال هذا الحديث والخبر. وقد رفض علي تكفير أعدائه عكس قول الشيعة.

 

ومثله اعترف الزبير بنفس الأمر:

 

1414 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا شَدَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قُلْنَا لِلزُّبَيْرِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا جَاءَ بِكُمْ ضَيَّعْتُمُ الْخَلِيفَةَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ جِئْتُمْ تَطْلُبُونَ بِدَمِهِ ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: " إِنَّا قَرَأْنَاهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ} [الأنفال: 25] خَاصَّةً لَمْ نَكُنْ نَحْسَبُ أَنَّا أَهْلُهَا حَتَّى وَقَعَتْ مِنَّا حَيْثُ وَقَعَتْ "

 

إسناده جيد، شداد بن سعيد أبو طلحة الراسبي صدوق، وروى له مسلم في الشواهد، وباقي رجاله ثقات رجال ألشيخين غيرَ أبي سعيد مولى بني هاشم- واسمُه عبدُ الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري- فمن رجال البخاري. مطرف: هو ابن عبد الله بن الشِّخير.

وأخرجه البزار (976) من طريق الحجاج بن نصير، عن شداد بن سعيد، بهذا الإسناد.

وسيأتي بنحوه برقم (1438) من طريق الحسن عن الزبير بن العوام.

 

طلحة كان صريحًا كذلك

روى ابن أبي شيبة:

 

38981- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : حدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ نَزَلاَ فِي بَنِي طَاحِيَةَ ، فَرَكِبْت فَرَسِي فَأَتَيْتهمَا فَدَخَلْت عَلَيْهِمَا الْمَسْجِدَ ، فَقُلْتُ : إنَّكُمَا رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نشدتكما بالله في مسيركما , أعهد إليكما فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم , أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتُمَا ؟ فَأَمَّا طَلْحَةُ فَنَكَّسَ رَأْسَهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ ، وَأَمَّا الزُّبَيْرُ ، فَقَالَ : حُدِّثْنَا أَنَّ هَاهُنَا دَرَاهِمَ كَثِيرَةً فَجِئْنَا نَأْخُذُ مِنْهَا.

 

وهذه القصة ذكرها الطبري في تاريخه.

 

شك محمد في عائشة دون دليل أو مبرر صحيح، وسبب كره عائشة عليًّا

 

روى البخاري:

 

2661 - حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَأَفْهَمَنِي بَعْضَهُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصًا وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدْ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنْ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرْ الْقَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ فَاحْتَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ يَدَهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْإِفْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَرَى مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ مُتَبَرَّزُنَا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ أَوْ فِي التَّنَزُّهِ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ نَمْشِي فَعَثَرَتْ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَتْ يَا هَنْتَاهْ أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُوا فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ فَقَالَ كَيْفَ تِيكُمْ فَقُلْتُ ائْذَنْ لِي إِلَى أَبَوَيَّ قَالَتْ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَلَقَدْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا قَالَتْ فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أَصْبَحْتُ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْوُدِّ لَهُمْ فَقَالَ أُسَامَةُ أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا نَعْلَمُ وَاللَّهِ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ فَقَالَ يَا بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئًا يَرِيبُكِ فَقَالَتْ بَرِيرَةُ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ الْعَجِينِ فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَاللَّهِ أَعْذُرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ وَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي قَالَتْ فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي إِذْ اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ مَكَثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ قَالَتْ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً وَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِأُمِّي أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ فَقُلْتُ إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ وَوَقَرَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ فَوَاللَّهِ مَا رَامَ مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لِي يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ فَقَالَتْ لِي أُمِّي قُومِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الْآيَاتِ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ يَا زَيْنَبُ مَا عَلِمْتِ مَا رَأَيْتِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا قَالَتْ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ قَالَ وَحَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ قَالَ وَحَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَهُ

 

 

معلقًا بعد 4756 - وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيَّ خَطِيبًا فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي وَايْمُ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَلَا يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَقَالَ كَذَبْتَ أَمَا وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كَانُوا مِنْ الْأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا عَلِمْتُ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ فَعَثَرَتْ وَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ أَيْ أُمِّ تَسُبِّينَ ابْنَكِ وَسَكَتَتْ ثُمَّ عَثَرَتْ الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ تَعَسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا أَيْ أُمِّ أَتَسُبِّينَ ابْنَكِ فَسَكَتَتْ ثُمَّ عَثَرَتْ الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ تَعَسَ مِسْطَحٌ فَانْتَهَرْتُهَا فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلَّا فِيكِ فَقُلْتُ فِي أَيِّ شَأْنِي قَالَتْ فَبَقَرَتْ لِي الْحَدِيثَ فَقُلْتُ وَقَدْ كَانَ هَذَا قَالَتْ نَعَمْ وَاللَّهِ فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي كَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَوُعِكْتُ فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلَامَ فَدَخَلْتُ الدَّارَ فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِي السُّفْلِ وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ فَقَالَتْ أُمِّي مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ فَأَخْبَرْتُهَا وَذَكَرْتُ لَهَا الْحَدِيثَ وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنِّي فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ خَفِّفِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا حَسَدْنَهَا وَقِيلَ فِيهَا وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي قُلْتُ وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي قَالَتْ نَعَمْ قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ نَعَمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهُوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ فَنَزَلَ فَقَالَ لِأُمِّي مَا شَأْنُهَا قَالَتْ بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ قَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ أَيْ بُنَيَّةُ إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ فَرَجَعْتُ وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتِي فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي فَقَالَتْ لَا وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا أَوْ عَجِينَهَا وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ وَبَلَغَ الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَتْ وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي فَلَمْ يَزَالَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ وَقَدْ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا أَوْ ظَلَمْتِ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ قَالَتْ وَقَدْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَهِيَ جَالِسَةٌ بِالْبَابِ فَقُلْتُ أَلَا تَسْتَحْيِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا فَوَعَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْتَفَتُّ إِلَى أَبِي فَقُلْتُ لَهُ أَجِبْهُ قَالَ فَمَاذَا أَقُولُ فَالْتَفَتُّ إِلَى أُمِّي فَقُلْتُ أَجِيبِيهِ فَقَالَتْ أَقُولُ مَاذَا فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قُلْتُ أَمَّا بَعْدُ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ لَتَقُولُنَّ قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا وَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَاعَتِهِ فَسَكَتْنَا فَرُفِعَ عَنْهُ وَإِنِّي لَأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ قَالَتْ وَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبًا فَقَالَ لِي أَبَوَايَ قُومِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُهُ وَلَا أَحْمَدُكُمَا وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ أَمَّا زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا أُخْتُهَا حَمْنَةُ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنَةُ قَالَتْ فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ { وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ } يَعْنِي مِسْطَحًا إِلَى قَوْلِهِ { أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَاللَّهِ يَا رَبَّنَا إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ

 

7369 - حَدَّثَنَا الْأُوَيْسِيُّ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا قَالَتْ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا وَهُوَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ فَقَالَ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ أَمْرًا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا فَذَكَرَ بَرَاءَةَ عَائِشَةَ وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ

 

والحديث رواه مسلم 2770 وأحمد 24317 و25623 ومواضع أخرى من مسند عائشة وغيرها من كتب الحديث

 

ما فعله محمد هو استخبار واستعلام ومحاولة المعرفة بالسؤال والتحري، ربما إلى حد ما على طريقة المباحث اليوم، وأسلوبهم مع خادمة (مستعبَدة) بيت عائشة أشبه بأسلوب المباحث العربية فعلًا. لم يعلم محمد ببراءة زوجته بحدسه الداخلي وتعاملها معه، ولا بوحي مزعوم، بل بالتخمين والتحري. محمد اتهم عائشة لمجرد أقاويل بدون دليل قوي صحيح وما كان لرجل واثق من نفسه ومن زوجته أن يفعل شيئًا كهذا. وأهمل زوجته وكانت مريضة مكتفيًا بفتور بسؤاله بطريقة سيئة لأهلها كيف تيكم يعني كيف تلكم أو تلك كإشارة لغضبه وضيقه منها لمجرد الشبهة بدون دليل. لم يكن محمد يحتاج إلى تكبير الأمر لدرجة حدوث شجار بين الأوس والخزرج. كان يكفيه الثقة بإخلاص الزوجة. أي أحد قد يتأخر ويضيع عن قومه في الصحراء فيساعده آخر بحمله للنجاة والوصول لبلده. مشورة علي بلا مبالاة لمحمد بأن يطلق هذه الفتاة الصغيرة لأن النساء كثيرات كانت سببًا لكره عائشة الدائم لعلي بن أبي طالب ومناصرتها أقاربها وأنسبائها في معركة الجمل، وقد أذاقت علي ويلات لا باس بها وكسرت من قوته وشتتها هي ومن معها، حتى لو كان هزم جيش طلحة والزبير بن العوام ومعهم عائشة بدعمها كزوجة وأرملة محمد، فقد كانت معركة رهيبة سالت فيها دماء المسلمين في حربهم مع بعضهم البعض، وكان دعم عائشة المعنوي الدعائي له دور كبير .

 

وكانت عائشة تكره حتى مجرد ذكر أي فضيلة أو خبر عن علي، فروى البخاري:

 

198 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الْآخَرُ قُلْتُ لَا قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَمَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ

665 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ لِي وَهَلْ تَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ قُلْتُ لَا قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ *

 

رواه مسلم 418  وأحمد 24103 و 25761

 

مقتل الزبير بن العوام من أقارب محمد وابن عمته صفية في موقعة الجمل بعد حربه مع علي:

 

قال الحاكم في المستدرك:

 

5582 - أخبرني أبو طاهر محمد بن أحمد الجويني ثنا أبو بكر بن رجاء ابن السندي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال  ورثت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل الزبير وكانت زوجته فبلغ حصتها من الميراث ثمانين ألف درهم وقالت ترثيه :

 ( غدر ابن جرموز بفارس نهمة يوم القاء وكان غير معرد )

 ( يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشا رعش البنان ولا اليد )

 ( ثكلتك أمك إن ظفرت بفارس فيما مضى مما يروح ويغتدي )

 ( كم غمرة قد خاضها لم يثنه عنها طرادك يا ابن فقع الفدفد )

 

الخبر معروف في كتب التاريخ واكتفى علي بسبب غدر ابن جرموز بالزبير بعد إعطائه الأمان بأن قال_حسب الذي في كتب التاريخ السني الشيعي_ بقوله: بشر قاتل ابن صفية بالنار. وذلك لأجل قتله إياه بالغدر. والخبر في مسند أحمد:

 

681- حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، قَالَ : اسْتَأْذَنَ ابْنُ جُرْمُوزٍ عَلَى عَلِيٍّ وَأَنَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ ، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا ، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ قَالَ عَبْدُ اللهِ : قَالَ أَبِي : سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ : الْحَوَارِيُّ : النَّاصِرُ.

 

وفي المعجم الكبير للطبراني ج1 عند السنة:

 

243- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ عَوْنٍ الْمَسْعُودِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَشَرِيكٌ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَأُتِيَ بِرَأْسِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ.

 

وفي المستدرك للحاكم:

 

5579 - فحدثنا الشيخ أبو كامل بن إسحاق أنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر بن حبيش قال : قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه  إن قاتل الزبير بالباب فقال علي لينهك قاتل ابن صفية النار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لكل نبي حواري وإن حواري الزبير

 

وعند الشيعة الاثناعشرية في (تحف العقول):

 

قال موسى بن محمد بن الرضا : لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة فسألني عن مسائل فجئت إلى أخي علي بن محمد فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني و بصرني طاعته ، فقلت له : جعلت فداك إن ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لا فتيه فيها ، فضحك ثم قال : فهل أفتيته ؟ قلت : لا ، قال : ولم ؟ قلت : لم أعرفها ، قال : وما هي ؟ قلت : كتب يسألني عن..... وعن قول علي عليه السلام لابن جرموز : ( بشر قاتل ابن صفية بالنار ) فلم لم يقتله وهو إمام ؟ ..... وأما قول علي عليه السلام : ( بشر قاتل ابن صفية بالنار ) فهو لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ممن خرج يوم النهر فلم يقتله أميرالمؤمنين عليه السلام بالبصرة لانه علم أن يقتل في فتنة النهروان .

 

تفسير خرافي لا يصح من الناحية القانونية والقضائية، فلا يصح ترك قاتل بدعوى أنه سيموت في معركة قادمة، وهو لا يزيل حقيقة أن عليًّا لم يمكنه قتل رجل مناصر له وإن أدان فعله الذي اعتبره لا أخلاقيًّا، مثله مثل محمد وأفعاله كما عرضنا في كثير من مواقفه في (حروب محمد الإجرامية)، وكما عودنا الشيعة وخاصة الاثناعشرية فهم يفترضون وجود علم بالمستقبل عند مقدسيهم وأئمتهم.

 

و[ قد ] روى البلاذري في تاريخه ( 1 ) بإسناده عن جويرية ابن أسماء أنه قال : بلغني أن الزبير حين ولى ولم يكن بسط يده بسيف اعترضه عمار بن ياسر بالرمح وقال : أين يا أبا عبدالله والله ما كنت بجبان ولكني أحسبك شككت ؟ قال : هو ذاك ومضى حتى نزل بوادي السباع فقتله ابن جرموز .

واعترافه بالشك يدل على خلاف التوبة لانه لو كان تائبا لقال له في الجواب : ما شككت بل تحققت أنك وصاحبك على الحق وأنا على الباطل وقد ندمت على ما كان مني وأي توبة لشاك غير متحقق .

_______________________________________________________
( 1 ) رواه في أواسط عنوان : " مقتل الزبير " في الحديث : " 324 " من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب الاشراف : ج 2 ص 259 ط بيروت .
 

فهذه الاخبار وما شاكلها تعارض أخبارهم لو كان لها ظاهر يشهد بالتوبة وإذا تعارضت الاخبار في التوبة والاصرار سقط الجميع وتمسكنا بما كنا عليه من أحكام فسقهم وعظيم ذنبهم .
وليس لهم أن يقولوا : إن كل ما رويتموه من طريق الآحاد وذلك إن جميع أخبارهم بهذه المثابة وكثير مما رويناه أظهر مما رووه وأفشى فإن كان من طريق الآحاد فالامران سيان .
وأما توبة طلحة فالامر فيما أضيق على المخالف من الكلام في توبة الزبير لان طلحة قتل بين الصفين وهو مباشر للحرب مجتهد فيها ولم يرجع عنها حتى أصابه السهم فأتى على نفسه .
وادعاء توبة مثل هذه مكابرة .
فإن قيل : إليس قد روي أن أمير المؤمنين لما جاءه ابن جرموز برأس الزبير قال : " بشر قاتل ابن صفية بالنار " فلو لم يكن تائبا لما استحق النار بقتله .
قيل لهم : إن ابن جرموز غدر بالزبير وقتله بعد أن أعطاه الامان وكان قتله على وجه الغيلة والمكر وهذه منه معصية لا شبهة فيها وقد تظاهر الخبر بما ذكرناه حتى روي أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكانت تحت عبد الله بن أبي بكر فخلف عليها عمر ثم الزبير قالت في ذلك : غدر ابن جرموز بفارس بهمة * يوم اللقاء وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته * لا طائشا رعش اللسان ولا اليد فإنما استحق ابن جرموز النار بقتله إياه غدرا لا لان المقتول في الجنة .

وهذا الجواب يتضمن الكلام على قولهم : إن بشارته بالنار مع الاضافة إلى قتل الزبير يدل على أنه إنما استحق النار بقتله لانا قد بينا في الجواب أنه من حيث قتله غدرا استحق النار .
وقد قيل في هذا الخبر أن ابن جرموز كأن من جملة الخوارج الخارجين على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في النهروان وأن النبي صلى الله عليه وآله قد كان أخبره بحالهم ودله على جماعة منهم بأعيانهم وأوصافهم فلما جاءه برأس الزبير أشفق أمير المؤمنين من أن يظن به لعظيم ما فعله الخير ويقطع له على سلامة العاقبة ويكون قتله الزبير شبهة فيما يصير إليه من الخارجية قطع عليه بالنار لتزول الشبهة في أمره وليعلم أن هذا الفعل الذي فعله لا يساوي شيئا مع ما يرتكبه في المستقبل .

 

وروى أحمد:

 

1426 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَقَالَ: أَلَا أَقْتُلُ (1) لَكَ عَلِيًّا ؟ قَالَ: لَا، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ وَمَعَهُ الْجُنُودُ ؟ قَالَ: أَلْحَقُ بِهِ فَأَفْتِكُ بِهِ . قَالَ: لَا . إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْإِيمَانَ قَيَّدَ الْفَتْكَ ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ " (2)

 

 

(1) في (س) و (ص) : فقال: أأقتل.

(2) صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غيرَ المبارك يلى فضالة، فقد علق له البخاري، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو- وإن كان مدلساً- قد صرح بالتحديث، وقال أحمد: ما روى عن الحسن يحتج به، وقد توبع، والحسن البصري رأى الزبير يبايع عليْاً وهو ابن أربع عشرة سنة، ولكنه في قول عامة أهل الحديث لم يسمع من بدريّ مشافهة.

وأخرجه عبد الرزاق (9676) من طريق إسماعيل بن مسلم، و (9677) من طريق قتادة، وابن أبي شيبة 15/123 و279 من طريق عوف الأعرابي، ثلاثتهم عن الحسن، بهذا الإسناد. وسيأتي (1427) و (1433) .

وفي الباب عن معاوية عند أحمد 4/92، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، وحديثُه حسن في الشواهد، وهذا منها.

وعن أبي هُريرة عند أبي داود (2769) ، والبخاري في "تاريخه" 1/403، وفي سنده عبد الرحمن بن أبي كريمة والد السدي، وهو مجهولُ الحال.

قال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" 4/83: والفتْك: أن يأتي الرجلُ الرجلَ وهو غار غافل، فيشد عليه فيقتله، والغيلة: أن يخدعه ثم يقتله في موضع خفي، و"الإيمان قيد الفتك" أي: أن الإيمان يمنع من القتل، كما يمنع القيد عن التصرف، فكانه جعل الفتك مقيدا، ومنه في صفة الفَرَس: قَيْد الأوابد، يريد انه يلحقها بسرعة، فكأنها مقيدة به لا تَعْدُوه.

 

وجاء في موسوعة ويكيبديا:

 

وقعة الجمل هي معركة وقعت في البصرة عام 36 هـ بين قوات أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام بالإضافة إلى أم المؤمنين عائشة التي قيل أنها ذهبت مع جيش المدينة في هودج من حديد على ظهر جمل، وسميت المعركة بالجمل نسبة إلى ذلك الجمل

 

أسباب خروج الجيشين

بعد حدوث الفتنة ومقتل عثمان بن عفان، بايع كبار الصحابة الإمام علي بن أبي طالب لخلافة المسلمين، وانتقل إلى الكوفة ونقل عاصمة الخلافة إلى هناك، وبعدها انتظر بعض الصحابة أن يقتص الإمام من قتلة عثمان، لكنه أجل هذا الأمر.

سبب الخروج وفق منظور أهل السنة

يرى أهل السنة أن علي بن أبي طالب لم يكن قادراً على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان مع علمه بأعيانهم، وذلك لأنهم سيطروا على مقاليد الأمور في المدينة النبوية، وشكلوا فئة قوية ومسلحة كان من الصعب القضاء عليها. لذلك فضل الانتظار ليتحين الفرصة المناسبة للقصاص[3]، ولكن بعض الصحابة وعلى رأسهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رفضوا هذا التباطؤ في تنفيذ القصاص ولما مضت أربعة أشهر على بيعة علي دون أن ينفذ القصاص خرج طلحة والزبير إلى مكة، والتقوا أم المؤمنين عائشة التي كانت عائدة من أداء فريضة الحج، واتفق رأيهم على الخروج إلى البصرة ليلتقوا بمن فيها من الخيل والرجال، ليس لهم غرض في القتال، وذلك تمهيداً للقبض على قتلة عثمان، وإنفاذ القصاص فيهم[4].

سبب الخروج وفق منظور الشيعة

يرى الشيعة أن علي بن أبي طالب أجل الحكم بالقصاص لسببين:

1.  الانتظار حتى تهدأ الفتنة؛ لم يكن الإمام قادراً على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان لعدم علمه بأعيانهم، لذلك فضل الانتظار لتبيان لقتله.

2.  أخذ البيعة من أهالي الأمصار وعزل الولاة وتعيين ولاة جدد وذلك لتقليل سخط الناس على بعض الولاة حيث اتهم اهل الشام ومصر الولاة بالعمل لمصالح شخصية على حساب مصالح الناس وعدم الحفاظ على سنة النبي، فأراد الإمام بذلك احقاق الحق وتهدئة النفوس واعادة الامور إلى نصابها.

ويفسر الشيعة خروج طلحة والزبير بأنهما بايعا الإمام طمعا في منصب وهو ما لم ينالاه لذلك خرجا عليه واتخذا من القصاص لمقتل عثمان حجة لعزله عن الخلافة أو قتله، اما أم المؤمنين عائشة فهي من حرض الناس على قتل عثمان فهي من قالت: "اقتلوا نعثلاً (عثمان) فقد كفر"، وهي التي أثارت الحرب وحرضت طلحة والزبير وأخبرتهم بأن الإمام علي هو من قتله أو سهل مقتله[5].

مواقف كل من ادعى الطلب بدم عثمان وبان لا عداوة له مع علي بن أبي طالب:

  • أولا: طلحة بن عبيد الله: روي ابن أبي الحديد المادئني في شرحه لكتاب نهج البلاغة أن طلحة الذي إنحاز لعثمان وأختاره للخلافه هو اليوم يحرض الناس على قتل عثمان ورفض طلب علي أن يمنع الناس عنه، وعندما أتى البعض بجثة عثمان لدفنه أقعد لهم ناس يرمونهم بالحجارة فلم يستطيعوا دفنه في مقابر المسلمين، فدفن في (حش كوكب) كانت اليهود تدفن فيه موتاهم.[6]
  • ثانيا: الزبير بن العوام: كان للزبير بن عوام ما لطلحة من ذكر في خصوص هذه المعركة وقتال علي بن أبي طالب[7]، وحول موقفه من حصار عثمان ففي شرح الأخبار للقاضي الإسماعيلي النعمان المغربي:1/344 (أنه روي عن الزبير أنه قيل له إن عثمان محصور وإنه قد منع الماء ! فقال:﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ [34:54])[8]. فحين وصل علي إلى البصرة خاطب جيش طلحة والزبير وعائشة بأن أرسل لهم مرسالا حاملا للقرآن لحفظ دماء المسلمين الا انهم رفضوا ذلك وقتلوا من حمل اليهم القرآن ويذكر الذهبي قائلاإنَّ أوَّل قتيل كان يومئذٍ مسلم الجُهني، أمره عليٌّ فحمل مصحفاً، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقُتل[9]»، ويذكر الطبري بأنه بعد هذه الحادثة نادى علي بن أبي طالب الزبير بن عوام وذكره قائلا " يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني غنم فنظر إلي فضحك وضحكت إليه، فقلت:لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول الله: صه، إنه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت ظالم له"[10].
  • طلحة والزبير معا: ويقول عالم الدين محمد باقر المحمودي في مؤلفه نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة أن الإمام علي بن أبي طالب ذكر الأسباب الحقيقية لانقلاب طلحة والزبير عليه، فيقولكان طلحة يرجو اليمن، والزبير يرجو العراق، فلما علما اني غير موليهما استأذناني للعمرة يريدان الغدر، فأتيا عائشة واستخفاها مع كل شي في نفسها علـيُّ،..... وقادهما عبد الله بن عامر إلى البصرة، وضمن لهما الأموال والرجال،.... واعانهم عليُّ يعلى بن منبه بأصوع الدنانير،... ثم أتو البصرة وأهلها مجتمعون على بيعتي وطاعتي وبها شيعتي[12]»
  • ثالثا: عائشة بنت أبي بكر: يرى قسم من الشيعة في أن حرب عائشه ضد الامام علي هي نتيجه كرهها له لعدة أسباب على رأسها موقف الامام علي منها يوم حادثة الإفك حيث أشار على الرسول بطلاقها[13].
    • كرهها لعلي بن أبي طالب وفرحها بوفاته حيث انها لما سمعت بموت علي بن أبي طالب سجدت شكرا لله[14].
    • ويروي ابن أبي الحديد في شرحه لكتاب نهج البلاغة أن عائشة كانت من أشد المحرضين علي عثمان والداعين إلي قتله[5]، فيذكر ابن أبي الحديد قائلاجائت عائشة وحفصة ودخلتا على عثمان أيام خلافته وطلبتا منه ان يقسم لهما ارثهما من رسول الله (ص)وكان عثمان متكئاً فاستوى جالسا وقال لعائشة: أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهر ببوله وشهدتما أن رسول الله (ص) قال: نحن معشر الانبياء لا نورث فاذا كان الرسول حقيقه لا يورث فماذا تطلبان بعد هذا؟ واذا كان الرسول يورث لماذا منعتم فاطمة حقها؟ فخرجت من عنده غاضبة وقالت:اقتلوا نعثلا فقد كفر.[15]»
  • رابعا: معاوية بن أبي سفيان: ويذكر محمد باقر المحمودي في نهج السعادة أن لمعاوية الدور في تشجيع أهل الجمل على مقاتلة علي بن أبي طالب رغبةً في الملك والجاه وينقل رسالة معاوية التي خاطب بها الزبير بن العوام قائلافإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة والبصرة، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب، فإنه لا شي بعد هذين المصريين، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك، فأظهرا الطلب بدم عثمان، واعدوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجد والتشمير، أظفركما الله وخذل مناوئكما[16]»

ما حدث في البصرة

من منظور السنة

وصل أصحاب الجمل إلى البصرة، ولم يكن لهم غرض في القتال، بل أرادوا جمع الكلمة والقصاص من قتلة عثمان بن عفان، والاتفاق مع علي بن أبي طالب في الكيفية التي يمكن بها تنفيذ القصاص، في مكان بعيد عن المدينة المنورة التي صارت في تلك الأيام معقلاً لقتلة عثمان وأنصارهم. وكان في البصرة نفر من دعاة الفتنة، الذين خرجوا على عثمان بن عفان. فعمل هؤلاء النفر من دعاة الفتنة على التحريض ضد أصحاب الجمل. فقرر عثمان بن حنيف (والي البصرة من قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)، أن يمنع أصحاب الجمل من دخول البصرة. وأرسل إليهم حكيم بن جبلة العبدي (أحد قتلة أمير المؤمنين عثمان بن عفان) من أجل ذلك. فقام طلحة ثم الزبير يخطبان في أنصار المعسكرين، فأيدهما أصحاب الجمل، ورفضهما أصحاب عثمان بن حنيف، ثم قامت أم المؤمنين عائشة تخطب في المعسكرين، فثبت معها أصحاب الجمل، وإنحازت إليها فرقة من أصحاب عثمان بن حنيف، وبقيت فرقة أخرى مع ابن جبلة. واختلف الفريقان وكثر بينهما اللغط، ثم تراموا بالحجارة. ثم قام حكيم بن جبلة العبدي، بتأجيج الفتنة والدعوة إلى القتال، وقام بسب أم المؤمنين عائشة، وقتل كل من أنكر عليه ذلك، هذا ودعاة أصحاب الجمل يدعون إلى الكف عن القتال. فلما لم يستجب حكيم بن جبلة العبدي وأنصاره لدعوى الكف عن القتال، كر عليهم أصحاب الجمل، فقتل حكيم بن جبلة العبدي. ثم إصطلح أصحاب الجمل مع عثمان بن حنيف على أن تكون دار الإمارة والمسجد الجامع وبيت المال في يد ابن حنيف، وينزل أصحاب الجمل في أي مكان يريدونه من البصرة. وقيل أن حكيم بن جبلة العبدي قتل بعد هذا الصلح لما أظهر المعارضة[17][18].

من منظور الشيعة (الجمل الصغرى)

ويذكر ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني في كتابه موقعة الجمل قائلا: «لقد أصر الناكثون على التمادي في غيهم، حتى صار النكث والغدر سجية ملازمة لهم اينما حلوا، وشعارا يجمعون حوله الانتهازيين والسفهاء وأصحاب السوء، فهم لم يكتفوا بخيانة أمير المؤمنين حتي غروا بعثمان بن حنيف، وقد كان الأخيرة قد وقع اتفاقا للصلح بينهم على شروط اتفقوا عليها.... فخرج طلحة والزبير وأصحابهما حتى أتوا دار الامارة وعثمان بن حنيف غافل عنهم، وعلى الباب السبابجة يحرسون بيوت الاموال وكانوا قوما من الزط قد استبصروا وأئتمنهم عثمان على بيت المال ودار الامارة، فأكب عليهم القوم وأخذوهم من اربع جوانبهم ووضعوا فيهم السيف فقتلوا منهم اربعين رجلا صبرا ! يتولى منهم ذلك الزبير خاصة، ثم هجموا على عثمان فأوثقوه رباطا وعمدوا إلى لحيته ـ وكان شيخا كثّ اللحية ـ فنتفوها حتى لم يبق منها شيء، وقال طلحة: عذبوا الفاسق وانتفوا شعر حاجبيه واشفار عينيه واوثقوه بالحديد[19]»

وقال الشيخ المفيد: اصيب من عبد القيس – يوم الجمل الصغرى- خمسمائة شيخ مخضوب من شيعة أمير المؤمنين، سوى من أصيب من سائر الناس وقتلوا كذلك أربعين رجلا من السبابجة صبرا، يتولى منهم ذلك الزبير خاصة.[20] والسبابجة هم حراس بيت مال المسلمين في البصرة وهم قوم من السند

ويذكر محمد باقر المحمودي في نهج السعادة أن علي قال عن أصحاب الجمل: «نكثوا بيعتي، واخرجو ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديده، وقتلوا السبابجة ومثلوا بحكيم بن جبلة العبدي، وقتلوا رجالاً صالحين، ثم تتبعوا منهم من نجا يأخذونهم في كل حائط وتحت كل رابية، ثم يأتون بهم فيضربون رقابهم صبرا، مالهم قاتلهم الله أنّى يؤفكون.[21]»

ويذكر أيضا أن عليا دعى على اصحاب الجمل قائلااللهم اقتلهم بمن قتلوا من شيعتي، وعجل لهم النقمة، وبما صنعوا بخليفتي[22]»

وصول علي إلى البصرة

إتفاق سلمي (وفق منظور أهل السنة)

بعد أن وصل علي بن أبي طالب إلى البصرة، مكث فيها ثلاثة أيام والرسل بينه وبين طلحة والزبير وعائشة، فأرسل القعقاع بن عمرو إليهم فقال للسيدة عائشة: " أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟ " فقالت: " أي بني الإصلاح بين الناس ". فسعى القعقاع بن عمرو بين الفريقين بالصلح، واستقر الأمر على ذلك. وقرر الفريقان الكف عن القتال والتشاور في أمر قتلة عثمان بن عفان. وقرر علي بن أبي طالب أن يرحل في اليوم الذي يليه على ألا يرتحل معه أحد من قتلة عثمان. فاجتمع رؤوس السبئية ومثيرو الفتنة، وشعروا أن هذا الصلح سينتهي بتوقيع القصاص عليهم. فخافوا على أنفسهم، وقرروا أن ينشبوا الحرب بين الجيشين، ويثيروا الناس ويوقعوا القتال بينهما فيفلتوا بهذا بفعلتهم[18].

قال ابن كثير:

«... فرجع إلى علي فأخبره، فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيباً، فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة، أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي منَّ الله بها، وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره، ثم قال: ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس، فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كـالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا: ما هذا الرأي؟ وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غداً يجمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم. فقال الأشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا... ثم قال ابن السوداء قبحه الله: يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون.[23] » – ابن كثير، البداية والنهاية.

وجاء في تاريخ الطبري:

«لمّا تم الصلح بين علي وطلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين خطب علي رضوان الله عليه عشية ذلك اليوم في الناس وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حدث هذا الحدث الذي جرّه قتلة عثمان وقال: " ألا وإني راحلٌ غداً فارتحلوا ولا يرتحلنّ غداً أحدٌ أعان على عثمان بشيءٍ في شيءٍ من أمور الناس وليُغْن السفهاء عني أنفسهم ".[24]» – تاريخ الطبري.

إنكار الصلح بوجود علي وإنكار وجود طرف ثالث (وفق منظور الشيعة)

ينكر الشيعة وجود طرف ثالث كمثل قتلة عثمان ونحوهم في إثارة الحرب، ولهم مصادرهم. ولهم مآخذ كثيرة على قدوم أهل الجمل، وكتأكيد على عدم وجود طرف ثالث في الحرب فيروى انه بعد معركة الجمل بفترة سأل أحد الرجال علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة قائلا: يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة وطلحة والزبير علام قتلوا ؟ فأجاب علي بن أبي طالب قائلا: قتلوا بما قتلوا شيعتي وعمالي، وقتلوا أخا ربيعة العبدي في عصابة من المسلمين، فقالوا: انا لا ننكث كما نكثتم، ولا نغدر كما غدرتم، فوثبوا عليهم فقتلوهم، فسألتهم أن يدفعوا لي قتلة اخواني أقتلهم بهم، ثم كتاب الله حكم بيني وبينهم، فأبوا عليّ، وقاتلوني-وفي اعناقهم بيعتي ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي[25]

وكذلك يروى عن علي بن أبي طالب في حديث له عما فعله اصحاب الجمل بأهالي البصرة قائلا: فقدموا – طلحة والزبير وعائشة- على عمالي وخزان بيت مال المسلمين الذي في يدي، وعلى أهل مصر كلهم في طاعتي وعلى بيعتي، فشتتوا كلمتهم وأفسدوا علي جماعتهم، ووثبوا على شيعتي، فقتلوا طائفة منهم غدرا، طائفة منهم عضوا على أسيافهم، فضاربوا بها حتى لقو الله صادقين[26]

فوالله لو لم يصيبوا منهم الا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل لي به قتل ذلك الجيش بأسره، فدع ما أنهم قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بيها عليهم، وقد أدال الله منهم، فبعداً للقوم الظالمين[27]

بدء القتال

وفق منظور أهل السنة

بات كلا الفريقين فرحين بالاتفاق السلمي الذي تم، وفي اليوم التالي ومع طلوع الفجر، نفذ السبئية خطتهم، وفي هذا قال ابن كثير في البداية والنهاية: (وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورن، وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر، وهم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلاً، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي، فبلغ الأمر علياً فقال: ما للناس؟ فقالوا: بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه، ولبسوا اللأمة، وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدراً مقدراً، وقامت الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، فنشبت الحرب، وتواقف الفريقان، وقد اجتمع مع علي عشرون ألفاً، والتف على عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ومنادي علي ينادي: ألا كفوا ألا كفوا، فلا يسمع أحد).

وكان الإمام علي يتألم كثيراً مما يحدث من إراقة دماء المسلمين فروى ابن ابي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن الحسن بن علي قال: "لقد رأيته - يعني علياً - حين اشتد القتال يلوذ بي ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة أو سنة". وكان علي يتوجّع على قتلى الفريقين ويقول: " ياليتني متّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة"[28].وروى ابن ابي شيبة بإسناده إلى حبيب بن أبي ثابت أن عليّاً قال يوم الجمل: " اللهم ليس هذا أردتُ اللهم ليس هذا أردتُ"[29].

نتائج المعركة

رواية أهل السنة

انتهى القتال وقد قتل طلحة بن عبيد الله بعد أن أصابه سهم في ركبته - وقيل في نحره -، ولا يعترف السنة بالروايات التي ذكرت أن مروان بن الحكم هو قاتل طلحة، لأنها روايات باطلة لم يصح بها إسناد[30]. وقد حزن أمير المؤمنين علي كثيراً لمقتله فحين رآه مقتولاً جعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: " عزيزٌ عليّ أبا محمد أن أراك مجندلاً تحت نجوم السماء ثم قال: " إلى الله أشكو عُجري وبُجري وبكى عليه هو وأصحابُه "[31]

وقتل الزبير بن العوام ولمّا جاء قاتل الزبير لعله يجدُ حظْوةً ومعه سيفه الذي سلبه منه ليُقدّمه هديّة لأمير المؤمنين حزن عليه حُزْناً شديداً وأمسك السيف بيده وقال: " طالما جلّى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:بشر قاتل بن صفية النار ولم يأذن له بالدخول عليه"[32]

أما عن السيدة عائشة فقد قال رسول الله لعلي: (سيكون بينك وبين عائشة أمر، قال عليّ فأنا أشقاهم يا رسول الله، قال: لا ولكن إذا كان ذلك فاردها إلى مأمنها)[33]، قال الإمام أبوبكر بن العربي المالكي: ولما ظهر علي، جاء إلى أم المؤمنين، فقال: (غفر الله لك) قالت: (ولك، ما أردتُ إلا الإصلاح). ثم أنزلها دار عبد الله بن خلف وهي أعظم دار في البصرة على سنية بنت الحارث أم طلحة الطلحات، وزارها ورحبت به وبايعته وجلس عندها. فقال رجل: يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر القعقاع بن عمرو أن يجلد كل منهما مئة جلدة وأن يجردهما من ثيابهما ففعل[34]. ثم ردها إلى المدينة معززة مكرمة كما أمر الرسول.[35]

رواية الشيعة

روى أبو مخنف أن من قتل من الطرفين سبعة عشر الفاً[36]. انتهت المعركة بهزيمة أصحاب الجمل ومقتل الزبير، وطلحة (الذي قتله مروان بن الحكم بان ضربه بسهم رغم أنهما يقاتلان في صف واحد ضد علي بن أبي طالب)[37][38]، وأعطى علي بن أبي طالب الأمان ولم يؤذ احدا ممن ألقى السلاح، وعند قدوم بعض الرجال مطالبين بالغنيمه (اي عائشة) فأجابهم قائلا من يقبل أن يسبي أمه!! وذلك حيث ان كل زوجات الرسول هن أمهات للمؤمنين. وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لعائشة (يالله ما أنصفوك، خدّروا حرائرهم وأبرزوك وأنت عرض رسول الله) فأمر بتجهيز كل حاجتها من دواب للركوب والزاد والمتاع وسير معها كل من نجى من القتل من الذين قدموا معها وارسل معها 40 امرأة من نساء البصرة المعروفات وسير معها اخاها محمد بن أبي بكر.[39]

ويرى الشيعة أن هذه الحرب حملت الكثير من النتائج السلبية على المسلمين فيتحدث الأستاذ محمد جواد مغنية عن آثار التي ترتبت على حرب الجمل قائلا:

«لولا حرب الجمل لما كانت حرب صفّين والنهروان، ولا مذبحة كربلاء، ووقعة الحرّة، ولا رُميت الكعبة المكرَّمة بالمنجنيق أكثر من مرَّة، ولا كانت الحرب بين الزبيريّين والأُمويّين، ولا بين الأُمويّين والعباسيّين، ولما افترق المسلمون إلى سُنَّة وشيعة، ولما وجد بينهم جواسيس وعملاء يعملون على التفريق والشتات، ولما صارت الخلافة الإسلامية ملكاً يتوارثها الصبيان، ويتلاعب بها الخدم والنسوان. لقد جمعت حرب الجمل جميع الرذائل والنقائص، لأنَّها السبب لضعف المسلمين وإذلالهم، واستعبادهم وغصب بلادهم، فلقد كانت أوَّل فتنةٍ ألقت بأس المسلمين بينهم، يقتل بعضهم بعضاً، بعد أن كانوا قوَّةً على أعدائهم، كما فسحت المجال لما تلاها من الفتن والحروب الداخلية التي أودت بكيان المسلمين ووحدتهم، ومهَّدت لحكم الترك والديلم والصليبيِّين وغيرهم. وباختصار لولا فتنة الجمل لاجتمع أهل الأرض على الإسلام[40]»

 

مصادر

 

  1. ^ تاريخ الإمام الطبري: فقام معاوية في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال “أما بعد فإنه كانت لعلي بن أبي طالب يدان يمينان قطعت إحداهما يوم صفين (يعني عمار بن ياسر) وقطعت الأخرى اليوم (يعني الأشتر)”
  2. تاريخ الطبري
  3. ^ العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي
  4. كتاب الصحوة، (ص 248 - ص 265)، الإستاذ صباح علي البياتي
  5. ^ شرح نهج البلاغة، ج10 - 6، لعالم الدين عز الدين ابن أبي الحديد المدائنيّ
  6. ^ كتاب الصحوة، (ص 266 - ص 285)، للأستاذ صباح علي البياتي
  7. ^ شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، 1/344، القاضي الفاطمي الإسماعيلي النعمان بن محمد التميمي المغربي
  8. ^ الحافظ الذهبي سير أعلام النبلاء سيرة الخلفاء الراشدين 259
  9. ^ أنظر المراجع:
  10. ^ شرح نهج البلاغة، ج1 - 306، لعالم الدين عز الدين ابن أبي الحديد المدائنيّ
  11. ^ نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، ج5 - 225، عالم الدين محمد باقر المحمودي
  12. ^ تاريخ المدينة المنورة لابن شبة 1/322
  13. ^ كتاب الوجيز في الامامه والولاية للأستاذ احمد حسين يعقوب
  14. ^ شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد ج16 ص 220 - 223
  15. ^ نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، ج1 - 285، عالم الدين محمد باقر المحمودي
  16. ^ "تاريخ الأمم والملوك" للطبري
  17. "العواصم من القواصم" لأبي بكر بن العربي، بتحقيق محب الدين الخطيب.
  18. ^ ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني - موقعة الجمل ص39 -40
  19. ^ الجمل:151، تاريخ الطبري: 3/485، ابن أثير في الكامل:3/110، حديث 285 من ترجمة أمير المؤمنين من انساب الاشراف للبلاذري
  20. ^ نهج السعادة 1/350
  21. ^ نهج السعادة 1/301، الجمل:154
  22. ^ [1] البداية والنهاية 7/250، الموسوعة الشاملة
  23. ^ تاريخ الطبري 4/493.
  24. ^ شرح نهج البلاغة 2/74
  25. ^ المختار من نهج البلاغة بتعليق الشيخ محمد عبده 1/228
  26. ^ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6/240 والمسترشد للطبري 102
  27. ^ مصنف ابن ابي شيبة 15/ 282 ومجمع البحرين 9/150
  28. ^ مصنف ابن أبي شيبة 15/275
  29. ^ "العواصم من القواصم" لأبي بكر بن العربي.
  30. ^ تاريخ دمشق 7/89
  31. ^ طبقات ابن سعد 3/105
  32. ^ مسند أحمد 6/393، وقال الحافظ في الفتح سنده حسن 13/60.
  33. ^ العواصم من القواصم (63)
  34. ^ حقبة من التاريخ (97-102) دار الإيمان.
  35. ^ أبو مخنف لوط بن يحيى، المغازي ص 87
  36. ^ كتاب علي بن أبي طالب أمير المؤمنين
  37. ^ سير أعلام النبلاء/طلحة بن عبيد الله
  38. ^ الكامل في التاريخ ج2 ص 144
  39. ^ فضائل الإمام عليّ: ص 138-139

 

 

 

 

تنازع معاوية للسلطة مع علي ومعركة صِفِّين

 

 

رسم شيعي متخيل لعلي في معركة صفين، وباعتبار كل الرجال الأقوياء البنية ذوي اللحلى متشابهون فالصورة وافية للغرض

 

روى ابن أبي شيبة:

 

31352- حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، قَالَ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ ، قَالَ : بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ ، قَالَ : فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِكِتَابٍ فَأَغْلَظَا لَهُ فِيهِ وَشَتَمَاهُ وَأَوْعَدَاهُ فَكَتَبَ إلَيْهِمَا بِكِتَابٍ لَيِّنٍ يُقَارِبُهُمَا وَيُطْمِعَهُمَا فِي نَفْسِهِ ، قَالَ : فَلَمَّا أَتَاهُمَا الْكِتَابَ كَتَبَا إلَيْهِ بِكِتَابٍ لَيِّنٍ يَذْكُرَانِ فَضْلَهُ وَيُطْمِعَانِهِ فِيمَا قِبلَهُمَا ، فَكَتَبَ إلَيْهِمَا بِجَوَابِ كِتَابِهِمَا الأَوَّلِ يُغْلِظُ لَهُمَا ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا إلاَّ قَالَهُ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : لاَ وَاللهِ مَا نُطِيقُ نَحْنُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَكِنْ تَعَالَ نَمْكُرُ بِهِ عِنْدَ عَلِيٍّ ، قَالَ : فَبَعْثَا بِكِتَابِهِ الأُولَى إلَى عَلِيٍّ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ : عَدُوُّ اللهِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ فَاعْزِلْهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : وَيْحَكُمْ أَنَا وَاللهِ أَعْلَمُ هِيَ وَاللهِ إحْدَى فِعْلاَتِهِ ، فَأَبَوْا إلاَّ عَزْلَهُ فَعَزَلَهُ ، وَبَعَثَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ لَهُ قَيْسٌ : اُنْظُرْ مَا آمُرُك بِهِ ، إذَا كَتَبَ إلَيْك مُعَاوِيَةُ بِكَذَا وَكَذَا فَاكْتُبْ إلَيْهِ بِكَذَا وَكَذَا ، وَإِذَا صَنَعَ كَذَا فَاصْنَعْ كَذَا ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُخَالِفَ مَا أَمَرْتُك بِهِ ، وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْك إنْ فَعَلْت قَدْ قُتِلْت ، ثُمَّ أُدْخِلْت فِي جَوْفَ حِمَارٍ فَأُحْرِقْت بِالنَّارِ ، قَالَ : فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ.

 

وفي الحديث نموذج لوحشية علي المعهودة وعرضت الكثير منها في (حروب محمد الإجرامية) وباب (مصادرة الحريات)، وليس معنى هذا أني أقول أنه لا وجه حق له في مطالبته بشرعيته كخليفة مبايع له.

 

31308- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، قَالَ : حدَّثَنِي الْعَلاَءُ بْنُ الْمِنْهَالِ الْغَنَوِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الْجَهْمِ الْقُرَشِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : بَلَغَ عَلِيًّا عَنِّي شَيْءٌ فَضَرَبَنِي أَسْوَاطًا ، ثُمَّ بَلَغَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إلَيْهِ ، فَأَرْسَلِ رَجُلَيْنِ يُفَتِّشَانِ مَنْزِلَهُ ، فَوَجَدَا الْكِتَابَ فِي مَنْزِلِهِ ، فَقَالَ لأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَهُوَ مِنْ الْعَشِيرَةِ : إنَّك مِنَ الْعَشِيرَةِ فَاسْتُرْ عَلَيَّ ، قَالَ : فَأَتَيَا عَلِيًّا فَأَخْبَرَاهُ ، قَالَ : فَرَكِبَ عَلِيٌّ وَرَكِبَ أَبِي ، فَقَالَ لأَبِي : أَمَا إنَّا فَتَّشْنَا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ بَاطِلاً ، قَالَ : مَا ضَرَبَنِي فِيهِ أَبْطَلُ.

 

مرويات ابن أبي شيبة عن معركة صفين

 

38825- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، قَالَ : لَمَّا سَارَ عَلِيٌّ إِلَى صِفِّينَ اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُودٍ عَلَى النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فَرَأَى فِيهِمْ قِلَّةً ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، اخْرُجُوا فَمَنْ خَرَجَ فَهُوَ آمِنٌ ، إنَّا وَاللهِ نَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمَ الْكَارِهَ لِهَذَا الأمر الْمُتَثَاقِلَ عَنْهُ فَاخْرُجُوا ، فَمَنْ خَرَجَ فَهُوَ آمِنٌ ، إنَّا وَاللهِ مَا نُعِدُّها عَافِيَةً أَنْ يَلْتَقِيَ هَذَانِ الْغَارَانِ يَتَّقِي أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، وَلَكِنَّنَا نُعِدُّهَا عَافِيَةً أَنْ يُصْلِحَ اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَيَجْمَعَ أُلْفَتَهَا ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنْ عُثْمَانَ ، وَمَا نَقَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، إنَّهُمْ لَنْ يَدَعُوهُ وَذَنْبَهُ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ يُعَذِّبُهُ ، أَوْ يَعْفُو عَنْهُ ، وَلَمْ يُدْرِكُوا الَّذِي طَلَبُوهُ ، إذْ حَسَدُوهُ مَا آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ .

2- فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ ، قَالَ لَهُ : أَنْتَ الْقَائِلُ مَا بَلَغَنِي عَنْك يَا فَرُّوخُ ، إنَّك شَيْخٌ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُك ، قَالَ : لَقَدْ سَمَّتْنِي أُمِّي بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا ، أَذَهَبَ عَقْلِي وَقَدْ وَجَبَتْ لِي الْجَنَّةُ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، تَعْلَمُهُ أَنْتَ ، وَمَا بَقِيَ مِنْ عَقْلِي فَإِنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِأَنَّ الآخِرَ فَالآخِرَ شَرٌّ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَلَمَّا كَانَ بِالسِّيلِحِين أَوْ بِالْقَادِسِيَّةِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَضُفْرَاهُ يَقْطُرَانِ ، يَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ تَهَيَّأَ لِلإِحْرَامِ ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَأَخَذَ بِمُؤَخَّرِ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ قَامَ إلَيْهِ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالُوا لَهُ : لَوْ عَهِدْت إلَيْنَا يَا أَبَا مَسْعُودٍ ، قَالَ : عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَجْمَعُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلاَلَةٍ ، قَالَ : فَأَعَادُوا عَلَيْهِ ، فَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّمَا يَسْتَرِيحُ بَرٌّ ، أَوْ يُسْتَرَاحُ مِنْ فَاجِرٍ.

38826- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، وَطَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : مَا قَتَلْت ، يَعْنِي عُثْمَانَ وَلاَ أَمَرْت ثَلاَثًا ، وَلَكِنِّي غُلِبْت.

38827- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ طَاوُوسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : مَا قَتَلْت ، وَإِنْ كُنْت لِقَتْلِهِ لَكَارِهًا.

38828- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي زُرَارَةَ ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ ، قَالاَ : سَمِعْنَا عَلِيًّا يَقُولُ : وَاللهِ مَا شَارَكْت ، وَمَا قَتَلْت وَلاَ أَمَرْت وَلاَ رَضِيت ، يَعْنِي قَتْلَ عُثْمَانَ.

 

38829- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حُصَيْنٌ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ ، قَالَ : أَخْبَرَتْنِي سُرِّيَّةُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، قَالَتْ : جَاءَ عَلِيٌّ يَعُودُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ، وَعِنْدَهُ الْقَوْمُ ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ : أَنْصِتُوا وَاسْكُتُوا ، فَوَاللهِ لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئًا إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ : أَنْشُدُك اللَّهَ ، أَنْتَ قَتَلْت عُثْمَانَ ، فَأَطْرَقَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، مَا قَتَلْته وَلاَ أَمَرْت بِقَتْلِهِ ، وَمَا سَاءَنِي.

 

تبدو رواية لها مصداقية لها ما يشهد لصحتها مما ذكرته عن عثمان من تاريخ الطبري، فهو لم يستمع لأي نصح من علي وغيره. لكنه كان متعاطفًا معه رغم ذلك غير راغب في مقتله وكان يرسل أقاربه والزبير بن العوام ويوصيهم بتسريب الماء والطعام له في داره المحاصرة بقدر استطاعتهم.

 

39033- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ شِمْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ الأَسَدِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَلِيًّا يَوْمَ صِفِّينَ وَمَعَهُ سَيْفُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذُو الْفِقَارِ ، قَالَ : فَنَضْبِطُهُ فَيَفْلِتُ فَيَحْمِلُ عَلَيْهِمْ ، قَالَ : ثُمَّ يَجِيءُ ، قَالَ : ثُمَّ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ ، قَالَ ، فَجَاءَ بِسَيْفِهِ قَدْ تَثَنَّى ، فَقَالَ : إِنَّ هَذَا يَعْتَذِرُ إلَيْكُمْ.

 

رفض الأشعري لتحريضات عمار والحسن للحشد لمناصرة علي في حربه مع معاوية وتفضيله مبدأ الحياد واعتزال فتن الحروب والاحتراب الداخلي

 

38858- حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، قَالَ سَمِعْت أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ : لَمَّا قُتِلَ عُثْمَان ، قَالَ أَبُو مُوسَى : إِنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ فِتْنَةٌ بَاقِرَةٌ كَدَاءِ الْبَطْنِ ، لاَ يدْرَى أَنَّى نُؤْتَى ، تَأْتِيكُمْ مِنْ مَأْمَنِكُمْ وَتَدَعُ الْحَلِيمَ كَأَنَّهُ ابْنُ أَمْسِ ، قَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ وَانْتَصِلُوا رِمَاحَكُمْ.

****

 

38939- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ حَسَنِ بْنِ فُرَاتٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سعيد ، قَالَ : لَمَّا رَجَعَ عَلِيٌّ مِنَ الْجَمَلِ وَتَهَيَّأَ لِصِفِّينَ اجْتَمَعَ النَّخَعُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى الأَشْتَرِ ، فَقَالَ : هَلْ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ نَخَعِيٌّ ؟ فَقَالُوا : لاَ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةُ عَمَدَتْ إِلَى خَيْرِهَا فَقَتَلَتْهُ ، وَسِرْنَا إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَوْمٌ لَنَا عَلَيْهِمْ بَيْعَةٌ فَنُصِرْنَا عَلَيْهِمْ بِنَكْثِهِمْ ، وَإِنَّكُمْ تَسِيرُونَ غَدًا إِلَى أَهْلِ الشَّامِ قَوْمٌ لَيْسَ لَكُمْ عَلَيْهِمْ بَيْعَةٌ ، فَلْيَنْظُرَ امْرُؤٌ مِنْكُمْ أَيْنَ يَضَعُ سَيْفَهُ.

 

تحمس عمار وترديده مزاعم دينية الطابع عن شرعية حكم الخليفة المبابَع له (علي)

 

38992- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا يزيد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ ، أَوْ كَانَتْ شَكَّ يَحْيَى رَايَةُ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ مَعَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَكَانَ رَجُلاً أَعْوَرَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ عَمَّارٌ يَقُولُ : أَقْدِمْ يَا أَعْوَرُ ، لاَ خَيْرَ فِي أَعْوَرَ ، لاَ يَأْتِي الْفَزَعُ فَيَسْتَحِي فَيَتَقَدَّمُ ، قَالَ : يَقُولُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : إنِّي لأَرَى لِصَاحِبِ الرَّايَةِ السَّوْدَاءِ عَمَلاً لَئِنْ دَامَ عَلَى مَا أَرَى لَتُفَانَنَّ الْعَرَبُ الْيَوْمَ ، قَالَ : فَمَا زَالَ أَبُو الْيَقظَانِ حَتَّى كَفَّ بَيْنَهُمْ ، قَالَ : وَهُوَ يَقُولُ كُلُّ الْمَاءِ وِرْدَ ، والماء مورود ، صَبْرًا عِبَادَ اللهِ ، الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ.

 

38993- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الأَجْدَعِ اللَّيْثِي ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ صِفِّينَ ، قَالَ : كَانَ عَمَّارٌ يَخْرُجُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ ، وَقَدْ أُخْرِجَتِ الرَّايَاتُ ، فَيُنَادِي حَتَّى يُسْمِعَهُمْ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : رُوحُوا إِلَى الْجَنَّةِ ، قَدْ تَزَيَّنَتِ الْحُورُ الْعِينُ.

 

38994- حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْوَضِيء ، قَالَ : سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ تَكْتَنِفَهُ الْحُورُ الْعِينُ فَلْيَتَقَدَّمْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مُحْتَسِبًا ، فَإِنِّي لأَرَى صَفًّا لَيَضْرِبَنَّكُمْ ضَرْبًا يَرْتَابُ مِنْهُ الْمُبْطِلُونَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يَبْلُغُوا بِنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ لَعَرَفْت أَنَّا عَلَى الْحَقِّ , وَأَنَّهُمْ عَلَى الضَّلاَلَةِ.

 

38995- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلِمَةَ ، أَوْ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ عَمَّارٍ ، قَالَ : لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يُبْلِغُونَا سَعَفَاتِ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الْحَقِّ , وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ.

 

39021- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلِمَةَ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَمَّارًا يَوْمَ صِفِّينَ شَيْخًا آدَمَ طِوَالاً وَيَدَاهُ تَرْتَعِشُ وَبِيَدِهِ الْحَرْبَةُ ، فَقَالَ : لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يبْلُغُوا بِنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ لَعَلِمْت أَنَّ مُصْلِحِيَنَا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ.

 

38996- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ رياح بْنِ الْحَارِثِ ، قَالَ : كُنْتُ إِلَى جَنْبِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بِصِفِّينَ ، وَرُكْبَتِي تَمَسُّ رُكْبَتَهُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : كَفَرَ أَهْلُ الشَّامِ ، فَقَالَ عَمَّارٌ : لاَ تَقُولُوا ذَلِكَ نَبِيُّنَا وَنَبِيُّهُمْ وَاحِد ، وَقِبْلَتُنَا وَقِبْلَتُهُمْ وَاحِدَةٌ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مَفْتُونُونَ جَارُوا عَنِ الْحَقِ ، فَحَقَّ عَلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إلَيْهِ.

38997- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ حَنَشِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ رَيَاحٌ ، قَالَ : قَالَ عَمَّارٌ : لاَ تَقُولُوا : كَفَرَ أَهْلُ الشَّامِ ، وَلَكِنْ قُولُوا : فَسَقُوا ظَلَمُوا.

38998- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ رَيَاحٍ ، عَنْ عَمَّارٍ ، قَالَ : لاَ تَقُولُوا : كَفَرَ أَهْلُ الشَّامِ وَلَكِنْ قُولُوا : فَسَقُوا ظَلَمُوا.

 

39001- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : بَيْنَمَا عَلِيٌّ آخِذٌ بِيَدِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَهُوَ يُطَوِّفُ فِي الْقَتْلَى إذْ مَرَّ بِرَجُلٍ عَرَفْته ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، عَهْدِي بِهَذَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، قَالَ : وَالآنَ.

39002- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا فِطْرٌ ، عَنْ أَبِي الْقَعْقَاعِ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَلِيًّا عَلَى بَغْلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الشَّهْبَاءِ يَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى.

 

39003- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا صَلْهَبٌ الْفَقْعَسِيُّ أَبُو أَسَدٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ : مَا كَانَتْ أَوْتَادُ فَسَاطِيطِنَا يَوْمَ صِفِّينَ إِلاَّ الْقَتْلَى ، وَمَا كُنَّا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْكُلَ الطَّعَامَ مِنَ النَّتِنِ ، قَالَ : وَقَالَ رَجُلٌ : مَنْ دَعَا إِلَى الْبَغْلَةِ يَوْمِ كُفْرِ أَهْلِ الشَّامِ ، قَالَ : فَقَالَ : مِنَ الْكُفْرِ فَرُّوا.

 

39004- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ ، عَنْ حكمِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : لَقَدْ أَشَرَعُوا رِمَاحَهُمْ بِصِفِّينَ وَأَشْرَعْنَا رِمَاحَنَا ، وَلَوْ أَنَّ بَيْنَنَا إنْسَانًا يَمْشِي عَلَيْهَا لَفَعَلَ.

 

39005- حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : لَمَّا قَاتَلَ مُعَاوِيَةَ سَبَقَهُ إِلَى الْمَاءِ ، فَقَالَ : دَعُوهُمْ ، فَإِنَّ الْمَاءَ لاَ يُمْنَعُ.

 

39010- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ ، قَالَ سَمِعْت حُجْرٌ بْنَ عَنْبَسٍ ، قَالَ : قِيلَ لِعَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ : قَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ ، قَالَ : فَقَالَ : أَرْسِلُوا إِلَى الأَشْعَثِ ، قَالَ : فَجَاءَ ، فَقَالَ : ائْتُونِي بِدِرْعِ ابْنِ سَهَرٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بِرَاءٍ فَصَبَّهَا عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَزَالَهُمْ عَنِ الْمَاءِ.

 

ألف باب تخطيط حربي توفير الماء والسيطرة عليه لجيشك ومنعه عن العدو، ولكن ليس هذا ما تسبب بهزيمة علي بل رضاه بخدعة التحكيم السخيفة واعتباره شؤون حكم الشعوب يمكن أن يحكم فيها الأفراد بدلًا من عمل انتخاب شرعي.

 

39013- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَسَنِ يَذْكُرُ عَنْ أُمِّهِ ، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَتَلُوا عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمَ صِفِّينَ ، وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ سَلَبَهُ وَكَانَ مَالاً.

39007- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الأَسَدِيُّ ، قَالَ : حدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُهَلَّبٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيًّا يقول يَوْمَ صِفِّينَ وَهُوَ عَاضٌّ عَلَى شَفَتِهِ : لَوْ عَلِمْت أَنَّ الأَمْرَ يَكُونُ هَكَذَا مَا خَرَجْت ، اذْهَبْ يَا أَبَا مُوسَى فَاحْكُمْ وَلَوْ حزَّ عُنُقِي.

 

39008- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، أَنَّ عَلِيًّا ، قَالَ لأَبِي مُوسَى : احْكُمْ وَلَوْ تحزُّ عُنُقِي.

 

39011- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : سَمِعْتُهُ ، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ لِلْحَكَمَيْنِ : عَلَى أَنْ تَحْكُمَا بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ ، وَكِتَابُ اللهِ كُلُّهُ لِي ، فَإِنْ لَمْ تَحْكُمَا بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ فَلاَ حُكُومَةَ لَكُمَا.

 

39012- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَعْفَرًا ، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : إِنْ تَحْكُمَا بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ فَتُحْيِيَا مَا أَحْيَا الْقُرْآنُ وَتُمِيتَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ وَلاَ تَزِيغَا.

 

39014- حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، قَالَ : كَانَ عَلِيٌّ إِذَا أُتِيَ بِأَسِيرِ يوم صِفِّينَ أَخَذَ دَابَّتَهُ وَسِلاَحَهُ ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَعُودَ ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ.

 

39015- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : بَلَغَ الْقَتْلَى يَوْمَ صِفِّينَ سَبْعِينَ أَلْفًا ، فَمَا قَدَرُوا عَلَى عَدِّهِمْ إِلاَّ بِالْقَصَبِ ، وَضَعُوا عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ قَصَبَةً ، ثُمَّ عَدُّوا الْقَصَبَ.

 

39016- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ ، قَالَ : حدَّثَنَا كَيْسَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَوْلاَيَ يَزِيدُ بْنُ بِلاَلٍ ، قَالَ : شَهِدْت مَعَ عَلِيٍّ صِفِّينَ ، فَكَانَ إِذَا أُتِيَ بِالأَسِيرِ ، قَالَ : لَنْ أَقْتُلَك صَبْرًا ، إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، وَكَانَ يَأْخُذُ سِلاَحَهُ وَيُحَلِّفُهُ : لاَ يُقَاتِلُهُ ، وَيُعْطِيهِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ.

39017- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ شَقِيقٍ ، قَالَ : قِيلَ لَهُ : أَشْهَدْت صِفِّينَ ، قَالَ : نَعَمْ ، وَبِئْسَت الصفُّونَ كَانَتْ.

39022- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : حدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الْجُمَحِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُمَر بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخُو عَمْرو بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : لَمَّا رَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ عَنْ صِفِّينَ ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ :

شَبَّتِ الْحَرْبُ فَأَعْدَدْت لَهَا ... مُفْرِعَ الْحَارِكِ مَلْوِيَّ الثَّبَجْ.

يَصِلُ الشَّدَّ بِشَدٍّ فَإِذَا ... وَنَتِ الْخَيْلُ مِنَ الثَّجِّ مَعَجْ

وَجِئْنَاهُمْ نُرْدِي كَأَنَّ صُفُوفَنَا ... مِنَ الْبَحْرِ مَدٌّ مَوْجُهُ مُتَرَاكِبُ.

فَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ ... سَرَاةَ النَّهَارِ مَا تُوَلَّى الْمَنَاكِبُ.

إذَا قُلْتَ قَدْ وَلَّوْا سِرَاعًا بَدَتْ لَنَا ... كَتَائِبُ مِنْهُمْ فَارْجَحَنَّتْ كَتَائِبُ.

فَقَالُوا لَنَا : إنَّا نَرَى أَنْ تُبَايِعُوا ... عَلِيًّا فَقُلْنَا بَلْ نَرَى أَنْ تُضَارِبوا.

 

39024- حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : شَهِدَ عَلْقَمَةُ صِفِّينَ ، قَالَ : نَعَمْ ، وخَضَّبَ سَيْفَهُ وَقَتَلَ [أَخُاهُ] أُبَيُّ بْنُ قَيْسٍ.

 

39025- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، قَالَ : رَجَعَ عَلْقَمَةُ يَوْمَ صِفِّينَ وَقَدْ خَضَّبَ سَيْفَهُ مَعَ عَلِيٍّ.

 

39026- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ شَقِيقٍ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ ، فَإِنَّهُ وَاللهِ مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ غَيْرَ هَذَا.

 

تبادل أصحاب محمد شعر الهجاء والسباب يوم صفين

 

31301- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُرَادِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلِمَةَ ، قَالَ : بَيْنَا شَاعِرٌ يَوْمَ صِفِّينَ يُنْشِدُ هِجَاءً لِمُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ : وَعَمَّارٌ يَقُولُ : الْزَق بِالْعَجُوزَيْنِ ، قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ : سُبْحَانَ اللهِ ، تَقُولُ هَذَا وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ : إنْ شِئْت أَنْ تَجْلِسَ فَاجْلِسْ ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَذْهَبَ فَاذْهَبْ.

نموذج للتدين الزائف وسرقة مال الدولة والخيانة والانقلاب

 

31248- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ شَمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ : أَنَّ ابْنَ مِخْنَفٍ الأَزْدِيَّ جَلَسَ إلَى عَلِيٍّ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : اقْرَا ، فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، فَمَا فَرَغَ مِنْهَا حَتَّى شَقَّ عَليَّ ، قَالَ : فَبَعَثَهُ إِلَى أَصْبَهَانَ ، قَالَ : فَأَخَذَ مَا أَخَذَ وَحَمَلَ بَقِيَّةَ الْمَالِ إلَى مُعَاوِيَةَ.

 

فساد ابن عباس في عصر عليّ

 

روى مسلم:

 

[ 1233 ] حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبثر عن إسماعيل بن أبي خالد عن وبرة قال كنت جالس عند بن عمر فجاءه رجل فقال أيصلح لي أن أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف فقال نعم فقال فإن بن عباس يقول لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف فقال بن عمر فقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف فبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تأخذ أو بقول بن عباس إن كنت صادقا

 

 [ 1233 ] وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن بيان عن وبرة قال سأل رجل بن عمر رضى الله تعالى عنهما أطوف بالبيت وقد أحرمت بالحج فقال وما يمنعك قال اني رأيت بن فلان يكرهه وأنت أحب إلينا منه رأيناه قد فتنته الدنيا فقال وأينا أو أيكم لم تفتنه الدنيا ثم قال رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فسنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع من سنة فلان إن كنت صادقا

 

وجاء في تاريخ الطبري:

 

خروج ابن عباس من البصره الى مكة

وفيها خرج عَبْد اللَّهِ بن العباس مِنَ الْبَصْرَةِ ولحق مكة فِي قول عامة أهل السير، وَقَدْ أنكر ذَلِكَ بعضهم، وزعم أنه لم يزل بِالْبَصْرَةِ عاملا عَلَيْهَا من قبل امير المؤمنين على ع حَتَّى قتل، وبعد مقتل علي حَتَّى صالح الْحَسَن مُعَاوِيَة، ثُمَّ خرج حينئذ إِلَى مكة.

ذكر الخبر عن سبب شخوصه إِلَى مكة وتركه العراق:

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ ابن أبي راشد، عن عبد الرحمن بن عبيد أَبِي الْكَنُودِ، قَالَ: مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عباس على ابى الأسود الدولى، فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ مِنَ الْبَهَائِمِ كُنْتَ جَمَلا، وَلَوْ كُنْتَ رَاعِيًا مَا بَلَغْتَ مِنَ الْمَرْعَى، وَلا أَحْسَنْتَ مِهْنَتَهُ فِي الْمَشْيِ قَالَ: فَكَتَبَ أَبُو الأَسْوَدِ إِلَى عَلِيٍّ:

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا جَعَلَكَ وَالِيًا مُؤْتَمَنًا، وَرَاعِيًا مُسْتَوْلِيًا، وَقَدْ بَلَوْنَاكَ فَوَجَدْنَاكَ عَظِيمَ الأَمَانَةِ، نَاصِحًا للرعية، توفر لهم فيئهم، وَتُظَلِّفُ نَفْسَكَ عَنْ دُنْيَاهُمْ، فَلا تَأْكُلْ أَمْوَالَهُمْ، وَلا تَرْتَشِي فِي أَحْكَامِهِمْ، وَإِنَّ ابْنَ عَمِّكَ قَدْ أَكَلَ مَا تَحْتَ يَدَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمِكَ، فَلَمْ يَسَعَنِي كِتْمَانَكَ ذَلِكَ، فَانْظُرْ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَا هُنَاكَ، وَاكْتُبْ إِلَيَّ بِرَأْيِكَ فِيمَا أَحْبَبْتُ أَنْتَهِ إِلَيْكَ وَالسَّلامُ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ: أَمَّا بَعْدُ، فَمِثْلُكَ نَصَحَ الإِمَامَ وَالأُمَّةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَدَلَّ عَلَى الْحَقِّ، وَقَدْ كَتَبْتَ إِلَى صَاحِبِكَ فِيمَا كَتَبْتَ إِلَيَّ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ، وَلَمْ أَعْلَمْهُ أَنَّكَ كَتَبْتَ، فَلا تَدَعْ أَعْلامِي بِمَا يَكُونُ بِحَضْرَتِكَ مِمَّا النَّظَرُ فِيهِ لِلأُمَّةِ صَلاحٌ، فَإِنَّكَ بِذَلِكَ جَدِيرٌ، وَهُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْكَ، وَالسَّلامُ.

وَكَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الَّذِي بَلَغَكَ بَاطِلٌ، وَإِنِّي لِمَا تَحْتَ يَدِي ضَابِطٌ قَائِمٌ لَهُ وَلَهُ حَافِظٌ، فَلا تُصَدِّقِ الظُّنُونَ، وَالسَّلامُ.

قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَعْلِمْنِي مَا أَخَذْتَ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَمِنْ أَيْنَ أَخَذْتَ؟ وَفِيمَ وَضَعْتَ؟

قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ فَهِمْتُ تَعْظِيمَكَ مَرْزَأَةَ مَا بَلَغَكَ أَنِّي رَزَأْتُهُ مِنْ مَالِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، فَابْعَثْ إِلَى عَمَلِكَ مَنْ أَحْبَبْتَ، فَإِنِّي ظَاعِنٌ عَنْهُ وَالسَّلامُ.

ثُمَّ دعا ابن عَبَّاس أخواله بني هلال بن عَامِر، فجاءه الضحاك بن عَبْدِ اللَّهِ وعبد الله بن رزين بن ابى عمرو الهلاليان، ثُمَّ اجتمعت مَعَهُ قيس كلها فحمل مالا.

قَالَ أَبُو زَيْد: قَالَ أَبُو عبيدة: كَانَتْ أرزاقا قَدِ اجتمعت، فحمل مَعَهُ مقدار مَا اجتمع لَهُ، فبعثت الأخماس كلها، فلحقوه بالطف، فتواقفوا يريدون أخذ المال، فَقَالَتْ قيس: وَاللَّهِ لا يوصل إِلَى ذَلِكَ وفينا عين تطرف.

وَقَالَ صبرة بن شيمان الحداني: يَا معشر الأزد، وَاللَّهِ إن قيسا لإخواننا فِي الإِسْلام، وجيراننا فِي الدار، وأعواننا عَلَى العدو، وإن الَّذِي يصيبكم من هَذَا المال لو رد عَلَيْكُمْ لقليل، وهم غدا خير لكم من المال قَالُوا: فما ترى؟ قَالَ: انصرفوا عَنْهُمْ ودعوهم، فأطاعوه فانصرفوا، فَقَالَتْ بكر وعبد القيس: نعم الرأي رأي صبرة لقومه، فاعتزلوا أَيْضًا، فَقَالَتْ بنو تميم:

وَاللَّهِ لا نفارقهم، نقاتلهم عَلَيْهِ فَقَالَ الأحنف: قَدْ ترك قتالهم من هُوَ أبعد مِنْكُمْ رحما، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لنقاتلنهم، فَقَالَ: إذا لا أساعدكم عَلَيْهِم، فاعتزلهم، قَالَ: فرأسوا عَلَيْهِم ابن المجاعة من بني تميم، فقاتلوهم، وحمل الضحاك عَلَى ابن المجاعة فطعنه، واعتنقه عَبْد اللَّهِ بن رزين، فسقطا إِلَى الأرض يعتركان، وكثرت الجراح فِيهِمْ، ولم يكن بينهم قتيل، فَقَالَتِ الأخماس: مَا صنعنا شَيْئًا، اعتزلناهم وتركناهم يتحاربون، فضربوا وجوه بعضهم عن بعض، وقالوا لبنى تميم: لنحن أسخى مِنْكُمْ أنفسا حين تركنا هَذَا المال لبني عمكم، وَأَنْتُمْ تقاتلونهم عَلَيْهِ، إن القوم قَدْ حملوا وحموا، فخلوهم، وإن أحببتم فانصرفوا ومضى ابن عَبَّاس وَمَعَهُ نحو من عشرين رجلا حَتَّى قدم مكة وَحَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ، قَالَ: زَعَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ- وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ- أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يبرح من البصره حتى قتل على ع، فَشَخَصَ إِلَى الْحَسَنِ، فَشَهِدَ الصُّلْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَثِقَلُهُ بِهَا، فَحَمَلَهُ وَمَالا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَلِيلا، وَقَالَ: هِيَ أَرْزَاقِي.

قَالَ أَبُو زَيْد: ذكرت ذَلِكَ لأبي الْحَسَن فأنكره، وزعم أن عَلِيًّا قتل وابن عباس بمكة، وأن الَّذِي شهد الصلح بين الْحَسَن ومعاوية عُبَيْد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ.

 

تعليق: ما فعله ابن عباس هو اختلاس ثم سرقة وخيانة فاجرة، مستغلًا انشغال عليّ في الحرب ليهرب بمال المسلمين والدولة منه، وفرج فودة ساق في كتابه (الحقيقة الغائبة) القصة مع تعليقاته المتميزة.

 

ملخص معركة صفين حسب رأي كاتب في الويكيبديا العربية:

 

موقعة صفين هي المعركة التي وقعت بين جيش علي بن أبي طالب وجيش معاوية بن أبي سفيان في شهر صفر سنة 37 هـ [1][2][3]، بعد موقعة الجمل بسنة تقريبا.على الحدود السورية العراقية والتي انتهت بعملية التحكيم في شهر رمضان من سنة ثمان وثلاثين للهجرة.[4]

 

معركة صفين

 

جزء من صراعات إسلامية داخلية

 

التاريخ

37 هـ

الموقع

صفين على نهر الفرات شرق سورية
35.95°N 39.02°E تعديل القيمة في ويكي بيانات

النتيجة

انتهت المعركة بطلب التحكيم بين الطرفين

 

المتحاربون

 

المسلمون ممن أيد علي بن أبي طالب

المسلمون ممن أيد معاوية بن أبي سفيان

 

القادة

 

الأشتر النخعي (اليوم الأول)
هاشم بن عتبة
(اليوم الثاني)
عمار بن ياسر
(اليوم الثالث)
محمد بن الحنفية
(اليوم الرابع)
عبد الله بن عباس
(اليوم الخامس)
قيس بن سعد
(اليوم السادس)
الأشتر النخعي
(اليوم السابع)

حبيب بن مسلمة (اليوم الأول)
أبو الأعور السلمي
(اليوم الثاني)
عمرو بن العاص
(اليوم الثالث)
عبيد الله بن عمر
(اليوم الرابع)
الوليد بن عقبة
(اليوم الخامس)
ذو الكلاع الحميري
(اليوم السادس)
حبيب بن مسلمة
(اليوم السابع)

 

القوة

 

130,000

135,000

 

الخسائر

 

25,000

45,000

 

 

المعركة

 

أخرج علي بن أبي طالب في اليوم الأول, الأشتر النخعي على رأس مجموعة كبيرة من الجيش، وأخرج معاوية بن أبي سفيان, حبيب بن مسلمة مع مجموعة كبيرة من جيشه، ودارت الحرب بين الفريقين بشدة منذ الصباح وحتى المغرب، وقُتل الكثير من من الفريقين، وكان قتالا متكافئًا.

 

وفي اليوم التالي، أخرج علي بن أبي طالب, هاشم بن عتبة بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد المجاهدين الذين لمعت أسماءهم كثيرًا في فتوح فارس والروم، وأخرج معاوية بن أبي سفيان أبا الأعور السلمي، ودار قتال شديد بين الجيشين، فتساقط القتلى والشهداء من الفريقين دون أن تكون الغلبة لأحدهما.

 

في اليوم الثالث خرج على جيش العراق عمار بن ياسر، وهو شيخ كبير قد تجاوز التسعين من عمره، وعلى جيش الشام عمرو بن العاص، وتقاتل الفريقان من الصباح حتى المغرب، ولم يتم النصر لأحد الفريقين على الآخر.

 

في اليوم الرابع خرج على فريق علي بن أبي طالب محمد بن علي بن أبي طالب المُسمّى محمد بن الحنفية، وعلى جيش الشام عبيد الله بن عمر بن الخطاب، ودار القتال بين الفريقين من الصباح إلى المساء، وسقط القتلى والشهداء من الطرفين ثم تحاجزا، ولم تتم الغلبة لأحد على الآخر.

 

خلال اليوم الخامس, كان على فريق علي بن أبي طالب عبد الله بن عباس، وعلى الفريق الآخر الوليد بن عقبة فاتح بلاد أذربيجان وجزء كبير من بلاد فارس في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وقد ولّاه عثمان وهو ابن خمس وعشرين سنة، وكانت له جهود كبيرة في الجهاد في سبيل الله، وتقاتل الفريقان طوال اليوم دون أن يحرز أحدهما النصر.

 

في اليوم السادس ولي على فريق العراق قيس بن سعد، وعلى جيش الشام شرحبيل بن ذي الكلاع، وكان هو في جيش معاوية، وقد قُتل والده ذو الكلاع الحميري في هذه المعركة، ودار قتال شديد بين الفريقين من الصباح إلى المساء، تساقط خلاله القتلى وكثر الجرحى دون أن تكون الغلبة لأحد الفريقين.

 

وفي اليوم السابع خرج للمرة الثانية كل من الأشتر النخعي على مجموعة من جيش العراق، وحبيب بن مسلمة على جيش الشام فكلاهما قائدا الجيشين خلال اليوم الأول كذلك. وفي مساء هذا اليوم, تبين أن استمرار هذا الأمر، من إخراج فرقة تتقاتل مع الفرقة الأخرى دون أن يكون النصر لأحد سيأتي على المسلمين بالهلاك، ولن يحقق المقصود، وهو إنهاء هذه الفتنة، وكان علي بن أبي طالب بفعل ذلك ليجنّب المسلمين خطر التقاء الجيشين الكبيرين، ولئلا تُراق دماء كثيرة، فكان يخرج مجموعة من الجيش لعلها أن تهزم المجموعة الأخرى، فيعتبروا ويرجعوا عن ما هم عليه من الخروج على أمير المؤمنين، وكذلك كان معاوية بن أبي سفيان يخرّج مجموعة من جيشه فقط دون الجيش كله ليمنع بذلك إراقة دماء المسلمين. فقرر علي بن أبي طالب أن يخرج بجيشه كله لقتال جيش الشام، وكذلك قرر معاوية بن أبي سفيان، وبقي الجيشان طوال هذه الليلة يقرؤون القرآن ويصلون ويدعون الله أن يمكنهم من رقاب الفريق الآخر جهادًا في سبيل الله، ويدوّي القرآن في أنحاء المعسكرين، وبايع جيش الشام معاوية على الموت، فليس عندهم تردد فيما وصلوا إليه باجتهادهم، ويستعدون للقاء الله تعالى على الشهادة في سبيله، ومع أنهم يعلمون أنهم يقاتلون فريقًا فيه كبار الصحابة: علي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عباس، وغيرهم، إلا أنه كان معهم أيضًا الكثير من الصحابة: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو من أفقه الصحابة، ولم يكن يرغب على الإطلاق أن يقاتل في صف معاوية ولا في صف علي ولم يشترك في هذه المعركة إلا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد أوصاه بألا يخالف أباه، وقد أمره أبوه عمرو بن العاص أن يشارك في القتال، فاشترك في الحرب، غير أنه لم يقاتل ولم يرفع سيفًا في وجه أحد من المسلمين.

 

وفي اليوم الثامن خرج علي بن أبي طالب بنفسه على رأس جيشه، كما خرج معاوية بن أبي سفيان على رأس جيشه، ودار بين المسلمين من الطرفين قتال عنيف وشرس، لم يحدث مثله من قبل، فهؤلاء هم الأسود الشجعان الذين قهروا دولة الروم ودولة الفرس، وثبت الفريقان لبعضهما ولم يفرّ أحد، ودار القتال من الصباح حتى العشاء، وتحاجز الفريقان بعد سقوط الكثير من القتلى والجرحى.

 

وفي اليوم التاسع صلّي علي بن أبي طالب الصبح، وخرج مباشرة لساحة القتال مستأنفًا من جديد، كان على ميمنة علي بن أبي طالب عبد الله بن بديل، وعلى ميسرته عبد الله بن عباس، فهجم عبد الله بن بديل على ميسرة معاوية بن أبي سفيان وعليها حبيب بن مسلمة، وأجبرهم عبد الله بن بديل على التوجه إلى القلب، وبدأ جيش علي في إحراز بعض من النصر، ويرى ذلك معاوية، فيوجه جيشه لسد هذه الثغرة، وينجح جيشه بالفعل في سد الثغرة ويردّون عبد الله بن بديل عن ميسرتهم، وقُتل في هذا اليوم خلق كثير، وانكشف جيش علي بن أبي طالب حتى وصل الشاميون إلى علي، فقاتل بنفسه قتالًا شديدًا، وتقول بعض الروايات إنه قتل وحده في هذه الأيام خمسمائة من الفريق الآخر. بدأ جيش علي بن أبي طالب في الانكسار بعد الهجمة التي شنها عليها جيش معاوية بن أبي سفيان، فأمر علي بن أبي طالب الأشتر النخعي لينقذ الجانب الأيمن من الجيش، واستطاع بقوة بأسه وكلمته على قومه أن ينقذ الموقف، وأظهر بأسه وقوته وشجاعته في هذا الموقف، ورد الأمر إلى نصابه، واستطاعت ميمنة الجيش من السيطرة مرةً أخرى على أماكنها التي كانت قد انسحبت منها. وقتل في هذا اليوم عبد الله بن بديل وتكاد الكرة تكون على جيش علي، لولا أن ولّى علي على الميمنة الأشتر النخعي.

 

نتائج المعركة

 

لمّا رأى معاوية بن أبي سفيان انتصارات جيش علي على جيشه، وقد قرب منه القائد مالك الأشتر مع مجموعته، دعا عمرو بن العاص إلى خطّة للوقوف أمام هذه الانتصارات.

فقام عمرو بن العاص بخدعة، حيث دعا جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكم بينهم، ليدعوا جيش علي إلى التوقف عن القتال ويدعون علياً إلى حكم القرآن.

وفعلاً جاء زهاء عشرين ألف مقاتل من جيش علي حاملين سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود، يتقدّمهم عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج فيما بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: "يا علي، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فوالله لنفعلنّها إن لم تجبهم". فأجابهم علي: "ويحكم أنا أوّل مَن دعا إلى كتاب الله، وأوّل مَن أجاب إليه". فقالوا: "فابعث إلى الأشتر ليأتيك"، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله، فأصرّوا على رأيهم، وكان أمير المؤمنين في هذا الموقف أمام خيارين: فإما المضي بالقتال، ومعنى ذلك أنّه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش أهل معاوية. وإما القبول بالتحكيم وهو أقلّ الشرّين خطراً. فقبل علي بن أبي طالب التحكيم وترك القتال مكرها[5]. فتعاهدوا على ذلك، واتفقوا على ألا ينقض أحد عهده، وأنهم سوف يذهبون لقتلهم، أو يموتون، وتواعدوا أن يقتلوهم شهر رمضان، وكتموا الأمر عن الناس جميعًا إلا القليل، ومن هؤلاء القليل من تاب وحدّث بهذا الأمر.

قُتل من الطرفين خلال المعركة سبعون ألف شهيد، فمن أصحاب معاوية بن أبي سفيان قتل خمسة وأربعون ألفاً، ومن أصحاب علي بن أبي طالب خمسة وعشرون ألفاً.

التحكيم

 

اتّفق جيش علي وجيش معاوية على مبدأ التحكيم، فاجتمع الحكمان في دومة الجندل وقيل في أذرح على جبل التحكيم، وكان عمرو بن العاص المفاوض من قبل جيش معاوية بن أبي سفيان، وكان أبو موسى الأشعري المفاوض من قبل جيش علي بن أبي طالب. فكتبت صحيفة التحكيم على النحو التالي: "هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان أننا ننزل عند حكم الله، وكتابه، ونحيي ما أحيا الله، ونميت ما أمات الله، فما وجد الحكمان في كتاب الله عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله، فالسنّة العادلة الجامعة غير المتفرقة".

ثم ذهب كل من الحكمين إلى كل فريق على حدة، وأخذا منهما العهود والمواثيق أنهما أي الحكمان آمنان على أنفسهما، وعلى أهليهما، وأن الأمة كلها عونٌ لهما على ما يريان، وأن على الجميع أن يطيع على ما في هذه الصحيفة، فأعطاهم القوم العهود والمواثيق على ذلك، فجلسا سويًا، واتفقا على أنهما يجلسان للحكم في رمضان من نفس العام، وكان حينئذ في شهر صفر سنة 37 هـ، وذلك حتى تهدأ نفوس الفريقين ويستطيع كل فريق أن يتقبل الحكم أيًا كان.

وشهد هذا الاجتماع عشرة من كل فريق، وممن شهد هذا الاجتماع عبد الله بن عباس، وأبو الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فخرج الأشعث بن قيس رضي الله عنه وقرأ الكتاب على الفريقين، فوافق الجميع على هذا الأمر، وبدءوا في دفن الشهداء والقتلى.

وتوقف القتال وأذن علي بالرحيل إلى الكوفة، وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام، وأمر كل منهما بإطلاق أسرى الفريق الآخر وعاد كل إلى بلده.

 

المراجع

                                                                       

  1. ^ تاريخ خليفة بن خياط
  2. ^ البداية والنهاية – الجزء السابع فصل في وقعة صفين بين أهل العراق وبين أهل الشام
  3. ^ معركة صفين
  4. ^ اليعقوبي، ج 2، ص 188؛ خليفة، ص 191.
  5. ^ تاريخ الطبري\\الجزء الخامس\\احداث 37هـ

 

موقعة النهروان: حرب علي مع الخوارج

 

 

تحدثت أكثر عن النبوآت الملفقة المنسوبة لمحمد عن الخوارج في باب (مما أحدثوه في دينهم) وقلت أن الحرب على الإرهاب لم تكن تحتاج تبريرًا دينيًّا، لكن لتمسكهم بالنصوص وحبهم لإضفاء الشرعية بها لفقوا أحاديث، وكما قلت فمصدر الإرهاب هو الدين وخاصة دين الإسلام نفسه لذلك لن ينتهي الإرهاب إلا بانحسار الإسلام والتأسلم واتباعه بحرفية وحينما ينحسر ويقل عدد أتباعه. وروى أحمد:

 

656 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عِيَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْقَارِيِّ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، وَنَحْنُ عِنْدَهَا جُلُوسٌ، مَرْجِعَهُ مِنَ الْعِرَاقِ لَيَالِيَ قُتِلَ عَلِيٌّ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ شَدَّادٍ، هَلْ أَنْتَ صَادِقِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ ؟ تُحَدِّثُنِي عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ، قَالَ: وَمَا لِي لَا أَصْدُقُكِ ؟ قَالَتْ: فَحَدِّثْنِي عَنْ قِصَّتِهِمْ قَالَ: فَإِنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ، وَحَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ، خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ، فَنَزَلُوا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: حَرُورَاءُ، مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ، وَإِنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: انْسَلَخْتَ مِنْ قَمِيصٍ أَلْبَسَكَهُ اللهُ تَعَالَى، وَاسْمٍ سَمَّاكَ اللهُ تَعَالَى بِهِ، ثُمَّ انْطَلَقْتَ فَحَكَّمْتَ فِي دِينِ اللهِ، فَلا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ تَعَالَى . فَلَمَّا أَنْ بَلَغَ عَلِيًّا مَا عَتَبُوا عَلَيْهِ، وَفَارَقُوهُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ: أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلا رَجُلٌ قَدْ حَمَلَ الْقُرْآنَ . فَلَمَّا أَنِ امْتَلاتِ الدَّارُ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ، دَعَا بِمُصْحَفٍ إِمَامٍ عَظِيمٍ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَصُكُّهُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: أَيُّهَا الْمُصْحَفُ، حَدِّثِ النَّاسَ، فَنَادَاهُ النَّاسُ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَسْأَلُ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ مِدَادٌ فِي وَرَقٍ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا رُوِينَا مِنْهُ، فَمَاذَا تُرِيدُ ؟ قَالَ: أَصْحَابُكُمْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا، بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ دَمًا وَحُرْمَةً مِنَ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ وَنَقَمُوا عَلَيَّ أَنْ كَاتَبْتُ مُعَاوِيَةَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ جَاءَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، حِينَ صَالَحَ قَوْمَهُ قُرَيْشًا، فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " . فَقَالَ: سُهَيْلٌ لَا تَكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . فَقَالَ: " كَيْفَ نَكْتُبُ؟ " فَقَالَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَاكْتُبْ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ " فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ أُخَالِفْكَ . فَكَتَبَ: هَذَا مَا صَالَحَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قُرَيْشًا . يَقُولُ: اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ " فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا تَوَسَّطْنَا عَسْكَرَهُمْ ، قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، إِنَّ هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَأَنَا أُعَرِّفُهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا يَعْرِفُهُ بِهِ، هَذَا مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ: قَوْمٌ خَصِمُونَ فَرُدُّوهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللهِ . فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ فَقَالُوا: وَاللهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ كِتَابَ اللهِ، فَإِنْ جَاءَ بِحَقٍّ نَعْرِفُهُ لَنَتَّبِعَنَّهُ، وَإِنْ جَاءَ بِبَاطِلٍ لَنُبَكِّتَنَّهُ بِبَاطِلِهِ . فَوَاضَعُوا عَبْدَ اللهِ الْكِتَابَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ كُلُّهُمْ تَائِبٌ، فِيهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، حَتَّى أَدْخَلَهُمْ عَلَى عَلِيٍّ الْكُوفَةَ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ، إِلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِنَا وَأَمْرِ النَّاسِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، فَقِفُوا حَيْثُ شِئْتُمْ، حَتَّى تَجْتَمِعَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا، أَوْ تَقْطَعُوا سَبِيلًا ، أَوْ تَظْلِمُوا ذِمَّةً، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ فَقَدْ نَبَذْنَا إِلَيْكُمِ الْحَرْبَ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ . فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا ابْنَ شَدَّادٍ، فَقَدْ قَتَلَهُمْ فَقَالَ: وَاللهِ مَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيلَ، وَسَفَكُوا الدَّمَ، وَاسْتَحَلُّوا أَهْلَ الذِّمَّةِ . فَقَالَتْ: آَللَّهُ ؟ قَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ كَانَ . قَالَتْ: فَمَا شَيْءٌ بَلَغَنِي عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَتَحَدَّثُونَهُ ؟ يَقُولُونَ: ذُو الثُّدَيِّ، وَذُو الثُّدَيِّ . قَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ، وَقُمْتُ مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ فِي الْقَتْلَى، فَدَعَا النَّاسَ فَقَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَمَا أَكْثَرَ مَنْ جَاءَ يَقُولُ: قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ يُصَلِّي، وَرَأَيْتُهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ يُصَلِّي، وَلَمْ يَأْتُوا فِيهِ بِثَبَتٍ يُعْرَفُ إِلَّا ذَلِكَ . قَالَتْ: فَمَا قَوْلُ عَلِيٍّ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِرَاقِ ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ قَالَتْ: هَلْ سَمِعْتَ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ قَالَ: اللهُمَّ لَا . قَالَتْ: أَجَلْ، صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، يَرْحَمُ اللهُ عَلِيًّا إِنَّهُ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ لَا يَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ إِلَّا قَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَيَذْهَبُ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، وَيَزِيدُونَ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ

 

إسناده حسن، يحمى بن سُليم- وهو الطائفي- مختلف فيه يتقاصر عن رتبة  الصحيح له في البخاري حديث واحد، واحتجّ به مسلم والباقون، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح غيرَ عبيد الله بن عياض بن عمرو، فقد روى له البخاري في "الأدب المفرد" وهو ثقة، وقال ابنُ كثير في "تاريخه" 7/292 بعد أن ذكر من رواية أحمد: تَفَرد به أحمد وإسناده صحيح، واختاره الضياء (يعني في "المختارة") .

وأخرجه أبو يعلى (474) عن إسحاق بنِ أبي إسرائيل، عن يحيى بنِ سُليم، بهذا الإسناد.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 6/235-237 ونسبه إلى أبي يعلى، ولم ينسبه إلى أحمد مع أنَّه من شرطه ! وقال: رجاله ثقات.

 

أما خبر معركة صفين وخدعة التحكيم الخسيسة التي قام بها عمرو بن العاص لصالح معاوية فمشهورة تاريخيًّا، وتعكس خطأ علي لأن الحكم والسلطة مصدر شرعيتها كان يجب أن يكون اختيار الشعوب وليس أحكام وتراضيات وتصالحات وتوافقات بين فئة مختارة صفوية تستأثر بالاختيار من دون الناس. وهو ما فعله كل خلفاء المسلمين منذ عصر عمر. علي كان الخليفة الشرعي وفقًا لطريقة اختيار أهل الحل والعقد على عيوبها ولا ديمقراطتيتها، كل الحروب التي خاضها في عدة جبهات وعلى التوالي مرة معركة الجمل مع الزبير وطلحة وعائشة ومرة صفين ومرة النهروان ضد الخوارج كل هذا فتت وضعضع قواه مع انخذال الكثيرين عنه ووفرة أموال معاوية أكثر منه مما ساهم في قوة جيش معاوية وسلطانه واتباع العامة له.

 

بداية ظهور الخوارج المتطرفين في جيش علي فيما بعد موقعة الجمل

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

38914- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ مَيْسَرَةَ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ : إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ تَكَلَّمَتِ الْخَوَارِجُ يَوْمَ الْجَمَلِ ، قَالُوا : مَا أَحَلَّ لَنَا دِمَاءَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْنَا ذَرَارِيَّهَمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ : إِنَّ الْعِيَالَ مِنِّي عَلَى الصَّدْرِ وَالنَّحْرِ ، وَلَكُمْ فِيء خَمْسُ مِئَةٍ خَمْسُ مِئَةٌ ، جَعَلْتهَا لَكُمْ مَا يُغْنِيكُمْ عَنِ الْعِيَالِ.

 

38920- حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ عْن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَلْعٍ ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ ، أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَسْبِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَمْ يُخَمِّسْ ، قَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَلاَ تُخَمِّسُ أَمْوَالَهُمْ ، قَالَ : فَقَالَ : هَذِهِ عَائِشَةُ تَسْتَأْمِرُهَا ، قَالَ : قَالُوا : مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا ، مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا.

 

38935- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، قَالَ : لَمَّا انْهَزَمَ أَهْلُ الْجَمَلِ ، قَالَ عَلِيٌّ : لاَ يَطْلُبَنَّ عَبْدٌ خَارِجًا مِنَ الْعَسْكَرِ ، وَمَا كَانَ مِنْ دَابَّةٍ ، أَوْ سِلاَحٍ فَهُوَ لَكُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ أُمُّ وَلَدٍ وَالْمَوَارِيثُ عَلَى فَرَائِضِ اللهِ ، وَأَيُّ امْرَأَةٍ قُتِلَ زَوْجُهَا فَلْتَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، قَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، تَحِلُّ لَنَا دِمَاؤُهُمْ وَلاَ تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ ، قَالَ : فَخَاصَمُوه ، فَقَالَ : كَذَلِكَ السِّيرَةُ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، قَالَ : فَهَاتُوا سِهَامَكُمْ وَاقْرَعُوا عَلَى عَائِشَةَ فَهِيَ رَأْسُ الأَمْرِ وَقَائِدُهُمْ ، قَالَ : فَعَرَفُوا وَقَالُوا : نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، قَالَ : فَخَصَمَهُمْ عَلِيٌّ.

 

حرب علي مع الخوارج كما روى عنها ابن أبي شيبة:

 

39069- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : أَتَيْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ ، قَالَ : قُلْتُ : فِيمَ فَارَقُوهُ ، وَفِيمَ اسْتَحَلُّوهُ ، وَفِيمَ دَعَاهُمْ , وَفِيمَ فَارَقُوهُ ، ثُمَّ اسْتَحَلَّ دِمَاءَهُمْ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي أَهْلِ الشَّامِ بِصِفِّينَ ، اعْتَصَمَ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ بِجَبَلٍ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : أَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ بِالْمُصْحَفِ , فَلاَ وَاللهِ لاَ يَرُدُّهُ عَلَيْكَ ، قَالَ : فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ يَحْمِلُهُ يُنَادِي : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} ، قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ : نَعَمْ ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ , أَنَا أَوْلَى بِهِ مِنْكُمْ .

2- قَالَ : فَجَاءَتِ الْخَوَارِجُ ، وَكُنَّا نُسَمِّيهِمْ يَوْمَئِذٍ الْقُرَّاءَ ، قَالَ : فَجَاؤُوا بِأَسْيَافِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ ، فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , أَلاَ نَمْشِي إِلَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ , فَقَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ ، فَقَالَ :

أَيُّهَا النَّاسُ , اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ , لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا , وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ , فَجَاءَ عُمَرُ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ , أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ ، وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ ، وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا ، وَنَرْجِعُ ، وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ؟ فَقَالَ : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ , إِنِّي رَسُولُ اللهِ ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا .

3- قَالَ : فَانْطَلَقَ عُمَرُ ، وَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا ، حَتَّى أَتَى أَبَا بَكْرٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ , أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ ، وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ ؟ فَقَالَ : بَلَى ، قَالَ : أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ ، وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَعَلاَمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ ، وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ؟ فَقَالَ : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا .

4- قَالَ : فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِالْفَتْحِ , فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ ، فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ , أَوَ فَتْحٌ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ.

5- فَقَالَ عَلِيٌّ : أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّ هَذَا فَتْحٌ , فَقَبِلَ عَلِيٌّ الْقَضِيَّةَ وَرَجَعَ , وَرَجَعَ النَّاسُ .

6- ثُمَّ إِنَّهُمْ خَرَجُوا بِحَرُورَاءَ ، أُولَئِكَ الْعِصَابَةُ مِنَ الْخَوَارِجِ ، بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يُنَاشِدُهُمُ اللَّهَ , فَأَبَوْا عَلَيْهِ ، فَأَتَاهُمْ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ ، فَنَاشَدَهُمُ اللَّهَ ، وَقَالَ : عَلاَمَ تُقَاتِلُونَ خَلِيفَتَكُمْ ؟ قَالُوا : نَخَافُ الْفِتْنَةَ ، قَالَ : فَلاَ تَعَجِّلُوا ضَلاَلَةَ الْعَامِ ، مَخَافَةَ فِتْنَةِ عَامٍ قَابِلٍ ، فَرَجَعُوا ، فَقَالُوا : نَسِيرُ عَلَى نَاحِيَتِنَا , فَإِنْ عَلِيًّا قَبِلَ الْقَضِيَّةَ , قَاتَلْنَا عَلَى مَا قَاتَلْنَاهُمْ يَوْمَ صِفِّينَ , وَإِنْ نَقَضَهَا قَاتَلْنَا مَعَهُ .

7- فَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا النَّهْرَوَانَ , فَافْتَرَقَتْ مِنْهُمْ فِرْقَةٌ ، فَجَعَلُوا يَهُدُّونَ النَّاسَ قَتْلاً ، فَقَالَ أَصْحَابُهُمْ : وَيْلَكُمْ ، مَا عَلَى هَذَا فَارَقْنَا عَلِيًّا ، فَبَلَغَ عَلِيًّا أَمْرُهُمْ ، فَقَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ ، فَقَالَ : مَا تَرَوْنَ , أَتَسِيرُونَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ ، أَمْ تَرْجِعُونَ إِلَى هَؤُلاَءِ الَّذِينَ خَلَّفُوا إِلَى ذَرَارِيكُمْ ؟ فَقَالُوا : لاَ , بَلْ نَرْجِعُ إِلَيْهِمْ...إلخ

8- فَسَارُوا حَتَّى الْتَقَوْا بِالنَّهْرَوَانِ ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيدًا , فَجَعَلَتْ خَيْلُ عَلِيٍّ لاَ تَقُومُ لَهُمْ ، فَقَامَ عَلِيٌّ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنْ كُنْتُمْ إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ لِي ، فَوَاللهِ مَا عِنْدِي مَا أَجْزِيكُمْ بِهِ , وَإِنْ كُنْتُمْ إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ للهِ ، فَلاَ يَكُنْ هَذَا قِتَالَكُمْ , فَحَمَلَ النَّاسُ حَمْلَةً وَاحِدَةً شَدِيدَةً ، فَانْجَلَتِ الْخَيْلُ عَنْهُمْ وَهُمْ مُكِبُّونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ ...... وَقَالَ عَلِيٌّ : لاَ أَغْزُو الْعَامَ , وَرَجَعَ إِلَى الْكُوفَةِ وَقُتِلَ , وَاسْتُخْلِفَ حَسَنٌ ، فَسَارَ بِسِيرَةِ أَبِيهِ ، ثُمَّ بَعَثَ بِالْبَيْعَةِ إِلَى مُعَاوِيَةَ

 

39055- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ الْحَنَفِيِّ ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ ، قَالَ : لَمَّا كَانَتِ الْحُكُومَةُ بِصِفِّينَ وَبَايَنَ الْخَوَارِجُ عَلِيًّا رَجَعُوا مُبَايِنِينَ لَهُ ، وَهُمْ فِي عَسْكَرٍ ، وَعَلِيٌّ فِي عَسْكَرٍ ، حَتَّى دَخَلَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ مَعَ النَّاسِ بِعَسْكَرِهِ ، وَمَضَوْا هُمْ إِلَى حَرُورَاءَ فِي عَسْكَرِهِمْ ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ إلَيْهِمَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَكَلَّمَهُمْ فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ مَوْقِعًا ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ إلَيْهِمْ فَكَلَّمَهُمْ حَتَّى أَجْمَعُوا هُمْ وَهُوَ عَلَى الرِّضَا ، فَرَجَعُوا حَتَّى دَخَلُوا الْكُوفَةَ عَلَى الرِّضَا مِنْهُ وَمِنْهُمْ ، فَأَقَامُوا يَوْمَيْنِ ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، قَالَ : فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَلِيٍّ ، فَقَالَ : إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّك رَجَعَتْ لَهُمْ عَنْ كُفرْةٍ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْغَدُ وَالْجُمُعَةُ صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، فَخَطَبَ ، فَذَكَّرَهُمْ وَمُبَايَنَتَهُمَ النَّاسَ وَأَمْرَهُمَ الَّذِي فَارَقُوهُ فِيهِ ، فَعَابَهُمْ وَعَابَ أَمْرَهُمْ ، قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ تَنَادَوْا مِنْ نَوَاحِي الْمَسْجِدِ لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : حُكْمُ اللهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا يُسْكِنُهُمْ بِالإِشَارَةِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى أَتَاه رَجُلٌ مِنْهُمْ وَاضِعًا إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

 

39085- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، عَنِ الأَجْلَحِ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ نَمِرٍ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا فِي الْجُمُعَةِ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إذْ قَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ ، فَقَالَ : لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ ، ثُمَّ قَامُوا مِنْ نَوَاحِي الْمَسْجِدِ يُحَكِّمُونَ اللَّهَ فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِيَدِهِ : اجْلِسُوا ، نَعَمْ لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ ، كَلِمَةُ حَقٍّ يُبْتَغَى بِهَا بَاطِلٌ ، حُكْمُ اللهِ يُنْتَظَرُ فِيكُمْ ، الآنَ لَكُمْ عِنْدِي ثَلاَثُ خِلاَلٍ مَا كُنْتُمْ مَعَنَا ، لَنْ نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكُرَ فِيهَا اسْمُهُ ، وَلاَ نَمْنَعُكُمْ فَيْئًا مَا كَانَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا ، وَلاَ نُقَاتِلُكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا ، ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ

 

39028- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : إنِّي لَخَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ إذْ رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ حِينَ جَاءَ مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ فِي أَمْرِ الْحَكَمَيْنِ فَدَخَلَ دَارَ سُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ فَدَخَلْت مَعَهُ ، فَمَا زَالَ يُرْمَى إلَيْهِ بِرَجُلٍ ، ثُمَّ رَجُل بَعْدَ رَجُلٍ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ كَفَرْت وَأَشْرَكْت وَنَدَّدْت ، قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ كَذَا ، وَقَالَ اللَّهُ كَذَا ، وَقَالَ اللَّهُ كَذَا حَتَّى دَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : وَمَنْ هُمْ , هُمْ وَاللهِ السِّنُّ الأُوَلُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ، هُمْ وَاللهِ أَصْحَابُ الْبَرَانِسِ وَالسَّوَارِي .

2- قَالَ : فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : انْظُرُوا أَخْصَمَكُمْ وَأَجْدَلَكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِحُجَّتِكُمْ ، فَلْيَتَكَلَّمْ ، فَاخْتَارُوا رَجُلاً أَعْوَرَ يُقَالُ لَهُ : عَتَّابٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ ، فَقَامَ ، فَقَالَ : قَالَ اللَّهُ كَذَا ، وَقَالَ اللَّهُ كَذَا كَأَنَّمَا يَنْزِعُ بِحَاجَتِهِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ .

3- قَالَ : فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنِّي أَرَاك قَارِئًا لِلْقُرْآنِ عَالِمًا بِمَا قَدْ فَصَّلْت وَوَصَلْت ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ ، هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ سَأَلُوا الْقَضِيَّةَ فَكَرِهْنَاهَا وَأَبَيْنَاهَا ، فَلَمَّا أَصَابَتْكُمَ الْجِرَاحُ وَعَضَّكُمَ الأَلَمُ وَمُنِعْتُمْ مَاءَ الْفُرَاتِ أَنْشَأْتُمْ تَطْلُبُونَهَا ، وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ أَنَّهُ أُتِيَ بِفَرَسٍ بَعِيدِ الْبَطْنِ مِنَ الأَرْضِ لِيَهْرُبَ عَلَيْهِ ، حتى أَتَاهُ آتٍ مِنْكُمْ ، فَقَالَ : إنِّي تَرَكْت أَهْلَ الْعِرَاقِ يَمُوجُونَ مِثْلَ النَّاسِ لَيْلَةَ النَّفْرِ بِمَكَّةَ ، يَقُولُونَ مُخْتَلِفِينَ فِي كُلِّ وَجْهٍ مِثْلُ لَيْلَةِ النَّفْرِ بِمَكَّةَ .

4- قَالَ : ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ ، أَيَّ رَجُلٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ ؟ فَقَالُوا : خَيْرًا وَأَثْنَوْا ، فَقَالَ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ؟ فَقَالُوا خَيْرًا وَأَثْنَوْا ، فَقَالَ : أَفَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلاً خَرَجَ حَاجًّا ، أَوْ مُعْتَمِرًا فَأَصَابَ ظَبْيًا ، أَوْ بَعْضَ هَوَامِّ الأَرْضِ فَحَكَمَ فِيهِ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ ، أَكَانَ لَهُ ، وَاللَّهُ يَقُولُ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} فَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الأُمَّةِ أَعْظَمُ ، يَقُولُ : فَلاَ تُنْكِرُوا حَكَمَيْنِ فِي دِمَاءِ الأُمَّةِ ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي قَتْلِ طَائِرٍ حَكَمَيْنِ ، وَقَدْ جَعَلَ بَيْنَ اخْتِلاَفِ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ حَكَمَيْنِ لإِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ بَيْنَهُمَا فِيمَا اخْتَلَفَا فِيهِ.

 

39048- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ الْوَاسِطِيُّ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ ، قَالَ : نَهَى عَلِيٌّ أَصْحَابَهُ أَنْ يَبسُطُوا عَلَى الْخَوَارِجِ حَتَّى يُحْدِثُوا حَدَثًا ، فَمَرُّوا بِعَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ فَأَخَذُوهُ ، فَمَرَّ بَعْضُهُمْ عَلَى تَمْرَةٍ سَاقِطَةٍ مِنْ نَخْلَةٍ فَأَخَذَهَا فَأَلْقَاهَا فِي فِيهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : تَمْرَةُ مُعَاهَدٍ ، فَبِمَ اسْتَحْلَلْتهَا فَأَلْقَاهَا مِنْ فِيهِ ، ثُمَّ مَرُّوا عَلَى خِنْزِيرٍ فَنَفَحَهُ بَعْضُهُمْ بِسَيْفِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : خِنْزِيرُ مُعَاهَدٍ ، فَبِمَ اسْتَحْلَلْته ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ : أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ عَلَيْكُمْ حُرْمَةً مِنْ هَذَا ، قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : أَنَا ، فَقَدَّمُوهُ فَضَرَبُوا عُنُقه ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ أَنْ أَقِيدُونَا بِعَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ ، فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ : وَكَيْفَ نُقِيدُك وَكُلُّنَا قَتَلَهُ ، قَالَ : أَوَكُلُّكُمْ قَتَلَهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يبْسُطُوا عَلَيْهِمْ ، قَالَ : وَاللهِ لاَ يُقْتَلُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ وَلاَ يَفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ ، قَالَ : فَقَتَلُوهُمْ ، فَقَالَ : اطْلُبُوا فِيهِمْ ذَا الثُّدَيّةِ ، فَطَلَبُوهُ فَأُتِيَ بِهِ ، فَقَالَ : مَنْ يَعْرِفُهُ ، فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا يَعْرِفُهُ إِلاَّ رَجُلاً ، قَالَ : أَنَا رَأَيْته بِالْحِيرة ، فَقُلْتُ لَهُ : أَيْنَ تُرِيدُ ، قَالَ : هَذِهِ ، وَأَشَارَ إِلَى الْكُوفَةِ ، وَمَالِي بِهَا مَعْرِفَةٌ.....إلخ

 

39086- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيلِ بْنِ سَعْدِ بْنِ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَبِيبُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبْسِيُّ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، قَالَ : دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ ، فقَالَ : لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ ، ثُمَّ قَالَ آخَرُ : لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ ، قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ : لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ {إنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} فَمَا تَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَؤُلاَءِ يَقُولُونَ : لاَ إمَارَةَ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ لاَ يُصْلِحُكُمْ إِلاَّ أَمِيرٌ بَرٌّ ، أَوْ فَاجِرٌ ، قَالُوا : هَذَا الْبَرُّ قَدْ عَرَفْنَاهُ ، فَمَا بَالُ الْفَاجِرِ ، فَقَالَ : يَعْمَلُ الْمُؤْمِنُ وَيُمْلَى لِلْفَاجِرِ ، وَيُبَلِّغُ اللَّهُ الأَجَلَ ، وَتَأْمَنُ سُبُلَكُمْ ، وَتَقُومَ أَسْوَاقُكُمْ ، وَيُقسمُ فَيْؤُكُمْ وَيُجَاهَدُ عَدُوُّكُمْ وَيُؤْخَذُ للضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ ، أَوَ قَالَ : مِنَ الشَّدِيدِ مِنْكُمْ.

 

39052- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَيَّانَ ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ وَفُلاَنِ بْنِ نَضْلَةَ ، قَالاَ : بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى الْخَوَارِجِ ، فَقَالَ : لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَدْعُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عَطَاءٍ أو رَزْقٍ فِي أَمَانٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ، فَأَبَوْا وَسَبُّونَا.

 

39078- حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنِ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ ، قَالَ : بَيْنَمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ فِي يَدِ الْخَوَارِجِ إذْ أَتَوْا عَلَى نَخْلٍ ، فَتَنَاوَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ تَمْرَةً فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ ، فَقَالُوا لَهُ : أَخَذْت تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ أَهْلِ الْعَهْد ، وَأَتَوْا عَلَى خِنْزِيرٍ فَنَفَحَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِالسَّيْفِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ ، فَقَالُوا لَهُ : قَتَلْت خِنْزِيرًا مِنْ خَنَازِيرِ أَهْلِ الْعَهْدِ ، قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللهِ ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ هُوَ أَعْظَمُ عَلَيْكُمْ حَقًّا مِنْ هَذَا ؟ قَالُوا : مَنْ ، قَالَ : أَنَا ، مَا تَرَكْت صَلاَةً وَلاَ تَرَكْت كَذَا وَلاَ تَرَكْت كَذَا ، قَالَ : فَقَتَلُوهُ ، قَالَ : فَلَمَّا جَاءَهُمْ عَلِيٌّ ، قَالَ : أَقِيدُونَا بِعَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ ، قَالُوا : كَيْفَ نُقِيدُك بِهِ وَكُلُّنَا قَدْ شَرَكَ فِي دَمِهِ ، فَاسْتَحَلَّ قِتَالَهُمْ.

 

39082- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَكِيمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مَرْيَمَ ، أَنَّ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ ، وَابْنَ الْكَوَّاءِ خَرَجَا مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى حَرُورَاءَ ، فَأَمَرَ عَلِيٌّ النَّاسَ أَنْ يَخْرُجُوا بِسِلاَحِهِمْ , فَخَرَجُوا إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى امْتَلأَ الْمَسْجِدُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِم عَلِيٌّ : بِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ حِينَ تَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ بِسِلاَحِكُمْ ، اذْهَبُوا إِلَى جَبَّانَةِ مُرَادٍ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمْرِي ، قَالَ : قَالَ أَبُو مَرْيَمَ : فَانْطَلَقْنَا إِلَى جَبَّانَةِ مُرَادٍ ، فَكُنَّا بِهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ رَجَعُوا ، أَوْ أَنَّهُمْ رَاجِعُونَ .

2- قَالَ : فَقُلْتُ : أَنْطَلِقُ أَنَا فَأَنْظُرُ إلَيْهِمْ ، قَالَ : فَانْطَلَقْت فَجَعَلْتُ أَتَخَلَّلُ صُفُوفَهُمْ حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى شَبَثَ بْنِ رِبْعِيٍّ ، وَابْنِ الْكَوَّاءِ وَهُمَا وَاقِفَانِ مُتَوَرِّكَانِ عَلَى دَابَّتَيْهِمَا ، وَعِنْدَهُمْ رُسُلُ عَلِيٍّ يُنَاشِدُونَهُمَا اللَّهَ لَمَا رَجَعُوا ، وَهُمْ يَقُولُونَ لَهُمْ : نُعِيذُكُمْ بِاللهِ أَنْ تُعَجِّلُوا الْفِتْنَة الْعَامِ خَشْيَةَ عَامٍ قَابِلٍ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى بَعْضِ رُسُلِ عَلِيٍّ فَعَقَرَ دَابَّتَهُ ، فَنَزَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَسْتَرْجِعُ ، فَحَمَلَ سَرْجَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ ، وَهُمَا يَقُولاَنِ :

مَا طَلَبْنَا إِلاَّ مُنَابَذَتَهُمْ ، وَهُمْ يُنَاشِدُونَهُمَ اللَّهَ .

3- فَمَكَثُوا سَاعَةً ، ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى الْكُوفَةِ كَأَنَّهُ يَوْمُ أَضْحَى ، أَوْ يَوْمُ فِطْرٍ ، .....قَالَ : وَكَانَ نَافِعٌ مَعَنا فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهِ بِالنَّهَارِ ، وَيَبِيتُ فِيهِ بِاللَّيْلِ ، وَقَدْ كَسَوْته بُرْنُسًا فَلَقِيته مِنَ الْغَدِ فَسَأَلْتُهُ : هَلْ كَانَ خَرَجَ مَعَ النَّاسُ الَّذِينَ خَرَجُوا إِلَى حَرُورَاءَ ، قَالَ : خَرَجْت أُرِيدُهُمْ حَتَّى إِذَا بَلَغْت إِلَى بَنِي فُلاَنٍ لَقِيَنِي صِبْيَانٌ ، فَنَزَعُوا سِلاَحِي ، فَرَجَعْت حَتَّى إِذَا كَانَ الْحَوْلُ ، أَوْ نَحْوُهُ خَرَجَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ وَسَارَ عَلِيٌّ إلَيْهِمْ ، فَلَمْ أَخْرُجْ مَعَهُ .

4- قَالَ : وَخَرَجَ أَخِي أَبُو عَبْدِ اللهِ وَمَوْلاَهُ مَعَ عَلِيٍّ ، قَالَ : فَأَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ ، أَنَّ عَلِيًّا سَارَ إلَيْهِمْ حَتَّى إِذَا كَانَ حِذَاءَهُمْ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرَوَانِ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ يُنَاشِدُهُمَ اللَّهَ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا ، فَلَمْ تَزَلْ رُسُلُهُ تَخْتَلِفُ إلَيْهِمْ حَتَّى قَتَلُوا رَسُولَهُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَهَضَ إلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ ...إلخ

 

39034- حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، قَالَ : حدَّثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَ : سَأَلْتُ الْحَكَمَ : هَلْ شَهِدَ أَبُو أَيُّوبَ صِفِّينَ ، قَالَ : لاَ وَلَكِنْ شَهِدَ يَوْمَ النَّهْرِ.

 

39089- حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ ، عَنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : خَمَّسَ عَلِيٌّ أَهْلَ النَّهْرِ.

 

39090- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ ، عَنِ الْحَكَمِ ، أَنَّ عَلِيًّا قَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ رَقِيقَ أَهْلِ النَّهَرِ وَمَتَاعَهُمْ كُلَّهُ.

 

39041- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ شُمَيْخٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ وَيَدَاهُ هَكَذَا ، يَعْنِي تَرْتَعِشَانِ مِنَ الْكِبَرِ : لَقِتَالُ الْخَوَارِجِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ قِتَالِ عدَّتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ.

 

39093- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ : لَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ قَتْلِ الدَّيْلَمِ.

 

39097- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ , حَدَّثَنَا مُفَضَّل بْنُ مُهَلْهِلٍ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ عَلِي ، فَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ النَّهَرِ أمُشْرِكُونَ هم ؟ قَالَ : مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا ، قِيلَ : فَمُنَافِقُونَ هُمْ ؟ قَالَ : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ، قِيلَ لَهُ : فَمَا هُمْ ، قَالَ : قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا.

 

مثلما رفض بعض الأزهريين والسلفيين تكفير الإخوان والإرهابيين، كيف تكفر الإرهابي والدين الإسلامي نفسه هو دعوة للإرهاب والعنف؟!

 

ملخص معركة النهروان حسب الويكيبديا العربية:

 

معركة النهروان إحدى المعارك الإسلامية الداخلية المبكرة، وقعت سنة 38هـ (حوالي سنة 659م)، بين علي بن أبي طالب وبين المحكّمة (الخوارج فيما بعد)، والنهروان موقع بين بغداد وحلوان. وكانت المعركة واحدة من نتائج معركة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، والتي انتهت بالإتفاق على التحكيم بعد رفع المصاحف على أسنة الرماح إشارة إلى ضرورة التحاكم إلى كتاب الله، وحينها رفضت جماعة التحكيم وكان عددهم يبلغ إثنا عشر ألفًا بقيادة عبد الله بن وهب الراسبي ورفعوا شعارهم الشهير: لا حكم إلا حكم الله. وانتهت المعركة بانتصار جيش علي بن أبي طالب عليهم. ولم ينج من المحكمة إلا أربعين شخصا فقط. والمحكمة هم أصل الخوارج ومبدأ ملتهم.

 

معركة النهروان

جزء من صراعات إسلامية داخلية

موقع معركة النهروان بالنسبة للعراق

التاريخ

38هـ / 659م

الموقع

النهروان بالقرب من بغداد
34.52139°N 43.78417°E تعديل القيمة في ويكي بيانات

النتيجة

إنتصار دولة الخلافة

المتحاربون

 

الخلافة

الخوارج

 

القادة

 

علي بن أبي طالب
الحسن بن علي
الأشعث بن قيس الكِندي

عبد الله بن وهب الراسبي
حرقوص بن زهیر
عبد الله بن شجرة

 

القوة

 

40,000

4,000

 

الخسائر

 

9

3,991

 

 

 

نبذة تاريخية

عندما قامت الفتنة بين المسلمين عقِب مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان كان أكبر تداعٍ لها هو الصدام الفظيع الذي وقع بموقعة صفين سنة 37هـ بين الخليفة الرابع علي بن أبي طالب ووالي الشام معاوية بن أبي سفيان فانفضت المعركة بلا منتصر وأتفق الجيشين على إرسال حكمين كلٌ منهم يمثل الطرف الآخر فكان حَكم جيش علي بن أبي طالب أبو موسى الأشعري وحكم جيش معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص وكُتب بذلك كتابًا قرأ على الناس كان بمثابة الشرارة التي أوقدت نار فرقة الخوارج، عندما خرج الأشعث بن قيس بالكتاب يقرأ على الناس حتى مر على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أديَّة فقال للأشعث: "تُحكِّمون في أمر الله الرجال لا حكم إلا لله"، ثم شد بسيفه فضرب بها عجز دابة الأشعث فغضب الناس لذلك، ولكن سادة بني تميم اعتذروا، وانتهت المشكلة.

ولما قفل جيش علي بن أبي طالب راجعًا إلى الكوفة في الطريق قد تبلورت جماعة الخوارج وانضم إليهم من كان على رأسهم، وتضارب الناس في طريق العودة بالسياط والشتائم فلما وصلوا إلى الكوفة انحاز الخوارج إلى قرية يقال لها حروراء قريبة من الكوفة وكانوا اثني عشر ألفًا، ونصّبوا عليهم أميرًا للقتال وآخر للصلاة فأقبل عليهم علي وابن عباس وغيرهما ليقنعوهم بالعودة إلى الكوفة فأبوا في أول الأمر، ثم دخلوا جميعًا إلى الكوفة.

خروج الخوارج من الكوفة

لما أراد علي بن أبي طالب إرسال أبي موسى الأشعري حكمًا أتاه رجلان من الخوارج هما زرعة بن البرج وحرقوص بن زهير فقالا له: "لا حكم إلا لله"، فقال علي: "لا حكم إلا لله"، وتناظر الرجلان من الخوارج مع علي، ثم خرجا من عنده يألبان الخوارج عليه وخطب علي يومًا بالمسجد فقام عدد من الخوارج يصيحون في جنباته: "لا حكم إلا لله"، فقال علي بن أبي طالب: "الله أكبر كلمة حقٍ أريد بها باطل أما إن لكم عندنا ثلاثًا ما صحبتمونا لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نقاتلكم حتى تبدأونا وإنما فيكم أمر الله".

فحينها خرجت الخوارج من المسجد واجتمعت بدار عبد الله بن وهب الراسبي واتفقوا على الخروج من الكوفة إلى بلدة يجتمعون فيها لإنفاذ حكم الله بزعمهم فأشار بعضهم بالمدائن ولكن الباقي رفض لحصانتها وقوة حمايتها وأخيرًا اتفقوا على جسر النهروان (غربي دجلة بين بغداد وحلوان) قريبًا من الكوفة وتكالب خوارج الكوفة مع خوارج البصرة على الخروج في وقت واحد إلى النهروان.

بعد انقضاء قضية الحكمين بلا نتيجة عزم علي بن أبي طالب على قتال معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام مرة أخرى واجتمع عنده خمس وستون ألفًا من أهل العراق ثم كتب علي بن أبي طالب للخوارج بالنهروان يدعوهم للقتال فرفضوا دعوته وقالوا له: "إنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نبذناك على سواء إن الله لا يحب الخائنين".

فأراد ابن عباس أن يخرج لمعسكر الخوارج ليدعوهم للحق والعودة إلى الصواب فخشي عليه علي بن أبي طالب ولكنه طمأنه ثم دخل ابن عباس معسكرهم ودار بينهم حوار طويل ظهرت فيه مقدرة ابن عباس الإقناعية وفقهه وعلمه الجمّ حتى استطاع أن يرجع للكوفة ومعه قرابة الستة آلاف من الخوارج التائبين فسُر بهم علي بن أبي طالب ودعا لابن عباس.

إعتداء الخوارج على المسلمين

ظل الأمر هكذا الخوارج ساكنين لا يظهرون قتالاً ولا عداوة حتى وصل لأسماعهم خروج علي بن أبي طالب بأهل العراق لقتال أهل الشام فبدا لهم أن يدخلوا الكوفة فتحركوا من البصرة على طريق النهروان وفي الطريق حدثت حادثة كانت السبب في قتالهم بعد ذلك وهي قيامهم بقتل عبد الله بن خباب بن الأرت وزوجته الحامل وثلاثة نساء آخرين من قبيلة طيء.[1][2][3]

سبب معركة النهروان

بدأ الخوارج بسفك الدماء المحرمة في الإسلام وقد تعددت الروايات في ارتكابهم المحظورات فعن رجل من عبد القيس قال: كنت مع الخوارج فرأيت منهم شيئًا كرهته ففارقتهم على أن لا أكثر عليهم فبينما أنا مع طائفة منهم إذ رأوا رجلاً خرج كأنه فزع وبينهم وبينه نهر فقطعوا إليه النهر فقالوا: كأنَّا رعناك ؟

قال: أجل قالوا: ومن أنت قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت قالوا: عندك حديث تحدثناه عن أبيك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعته يقول: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن فتنة جائية القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي فإذا لقيتهم فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول فلا تكن عبد الله القاتل".[4] فأخذوه وسريَّة له معه فمر بعضهم على تمرة ساقطة من نخلة فأخذها فألقاها في فِيه فقال بعضهم: تمرة معاهد فبم استحللتها، فألقاها من فيه ثم مروا على خنزير فنفحه بعضهم بسيفه فقال بعضهم: خنزير معاهد فبم استحللته فقال عبد الله: ألا أدلكم على ما هو أعظم عليكم حرمة من هذا قالوا: نعم قال: أنا. فقدموه فضربوا عنقه فرأيت دمه يسيل على الماء كأنه شراك نعل اندفر بالماء حتى توارى عنه ثم دعوا بسرية له حبلى فبقروا عما في بطنها.[5][6][7]

فأثار هذا العمل الرعب بين الناس وأظهر مدى إرهابهم ببقر بطن هذه المرأة وذبحهم عبد الله كما تذبح الشاة ولم يكتفوا بهذا بل صاروا يهددون الناس قتلاً حتى إن بعضهم استنكر عليهم هذا العمل قائلين: ويلكم ما على هذا فارقنا عليًّا.[8]

بالرغم من فظاعة ما ارتكبه الخوارج من منكرات بشعة لم يبادر علي بن أبي طالب إلى قتالهم بل أرسل إليهم أن يسلموا القتلة لإقامة الحد عليهم فأجابوه بعناد واستكبار: وكيف نقيدك وكلنا قتله قال: أوَكلكم قتله قالوا: نعم. فسار إليهم بجيشه الذي قد أعدَّه لقتال أهل الشام في شهر محرم من عام 38هـ، وعسكر على الضفة الغربية لنهر النهروان والخوارج على الضفة الشرقية بحذاء مدينة النهروان.[9]

الإستعدادات للمعركة

كان علي بن أبي طالب يدرك أن هؤلاء القوم هم الخوارج الذين عناهم النبي محمد بالمروق من الدين لذلك أخذ يحث أصحابه أثناء مسيرهم إليهم ويحرضهم على قتالهم، وعسكر الجيش في مقابلة الخوارج يفصل بينهما نهر النهروان وأمر جيشه ألاّ يبدأوا بالقتال حتى يجتاز الخوارج النهر غربًا وأرسل علي رسله يناشدهم الله ويأمرهم أن يرجعوا وأرسل إليهم البراء بن عازب يدعوهم ثلاثة أيام فأبوا،[10] ولم تزل رسله تختلف إليهم حتى قتلوا رسله واجتازوا النهر.

وعندما بلغ الخوارج هذا الحد وقطعوا الأمل في كل محاولات الصلح وحفظ الدماء ورفضوا عنادًا واستكبارًا العودة إلى الحق وأصروا على القتال قام علي بن أبي طالب بترتيب جيشه وتهيئته للقتال فجعل على ميمنته حجر بن عدي وعلى الميسرة شبث بن ربعي ومعقل بن قيس الرياحي وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري وعلى الرَّجَّالة أبا قتادة الأنصاري وعلى أهل المدينة - وكانوا سبعمائة - قيس بن سعد بن عبادة وأمر عليٌّ أبو أيوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ويقول لهم: "من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا". فانصرف منهم طوائف كثيرون وكانوا أربعة آلاف فلم يبقَ منهم إلا ألف أو أقل مع عبد الله بن وهب الراسبي.[11]

المعركة ونشوب القتال

زحف الخوارج إلى علي فقدّم عليٌّ بين يديه الخيل وقدم منهم الرماة وصفَّ الرجَّالة وراء الخيَّالة وقال لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدأوكم وأقبلت الخوارج يقولون:لا حكم إلا لله الرواح الرواح إلى الجنة. وبعد معركة حاسمة وقصيرة أخذت وقتًا من اليوم التاسع من شهر صفر عام 38هـ.

وأسفرت هذه المعركة الخاطفة عن عددٍ كبير من القتلى في صفوف الخوارج فتذكر الروايات أنهم أصيبوا جميعًا ويذكر المسعودي: أن عددًا يسيرًا لا يتجاوز العشرة فروا بعد الهزيمة الساحقة. أما جيش علي فقد قُتل منه رجلان فقط، وقيل قتل من أصحاب عليٍّ اثنا عشر أو ثلاثة عشر، وقيل لم يقتل من المسلمين إلا تسعة رهط.[12][13][14]

 

اغتيال الخوارج عليًّا ومحاولتهم اغتيال معاوية وعمرو بن العاص

 

روى الطبراني في المعجم الكبير ج1

 

168 - حدثنا أحمد بن علي الأبار ثنا أبو أمية عمرو بن هشام الحراني ثنا عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي ثنا إسماعيل بن راشد قال: كان من حديث ابن ملجم لعنه الله وأصحابه أن عبد الرحمن بن ملجم و البرك بن عبد الله و عمرو بن بكر التميمي اجتمعوا بمكة فذكروا أمر الناس وعابوا عمل ولاتهم ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم فقالوا : والله ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئا إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد وثأرنا بهم إخواننا قال ابن ملجم وكان من أهل مصر : أنا أكفيكم علي بن أبي طالب وقال البرك بن عبد الله : أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان وقال عمرو بن بكر التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص رجل منهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه فأخذوا أسيافهم فسموها واتعدوا لسبع عشرة من شهر رمضان أن يثب كل رجل منهم على صاحبه الذي توجه إليه وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يطلب فأما ابن الملجم المرادي فأتى أصحابه بالكوفة وكاتمهم أمره كراهية أن يظهروا شيئا من أمره وأنه لقي أصحابا له من تيم الرباب وقد قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه منهم عدة يوم النهر فذكروا قتلاهم فترحموا عليهم قال : ولقي من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها : قطام بنت الشحنة وقد قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه أباها وأخاها يوم النهر وكانت فائقة الجمال فلما رآها التبست بعقله ونسي حاجته التي جاء لها فخطبها فقالت : لا أتزوج حتى تشتفي لي قال : وما تشائين ؟ قالت : ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : هو مهر لك فأما قتل علي فما أراك ذكرتيه لي وأنت تريدينه ؟ قالت : بلى فالتمس غرته فإن أصبته شفيت نفسك ونفسي ونفعك العيش معي وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وزبرج أهلها فقال : ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي قالت : فإذا أردت ذلك فأخبرني حتى أطلب لك من يشد ظهرك ويساعدك على أمرك فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له : وردان فكلمته فأجابها وأتى ابن ملجم رجلا من أشجع يقال له : شبيب بن نجدة فقال له : هل لك في شرف الدنيا والآخرة قال : وما ذاك ؟ قال : قتل علي رضي الله عنه قال : ثكلتك أمك لقد جئت شيئا إدا كيف تقدر على قتله ؟ قال : أكمن له في السحر فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وزبرج أهلها قال : ويحك لو كان غير علي كان أهون علي قد عرفت بلاءه في الإسلام وسابقته مع النبي صلى الله عليه و سلم وما أجدني أنشرح لقتله قال : أما تعلم أنه قتل وسابقته مع النبي صلى الله عليه و سلم وما أجدني أنشرح لقتله قال : أما تعلم أنه قتل أهل انهر العباد المصلين ؟ قال : بلى قال : فقتله بما قتل من إخواننا فأجابه فجاؤوا حتى دخلوا على قطام وهي في المسجد الأعظم معتكفة فيه فقالوا لها : قد أجمع رأينا على قتل علي قالت : فإذا أردتم ذلك فائتوني فجاء فقال : هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبي أن يقتل كل واحد منا صاحبه فدعت لهم بالحرير فعصبتهم وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي فخرج علي رضي الله عنه لصلاة الغداة فجعل ينادي : الصلاة الصلاة فشد عليه شبيب فضربه بالسيف فوقع السيف بعضادة الباب أو بالطاق فشد عليه ابن ملجم فضربه بالسيف في قرنه وهرب وردان حتى دخل منزله ودخل عليه رجل من بني أمه وهو ينزع الحرير والسيف عن صدره فقال : ما هذا السيف والحرير فأخبره بما كان فذهب إلى منزله فجاء بسيفه فضربه حتى قتله وخرج شبيب نحو أبواب كندة وشد عليه الناس إلا أن رجلا من حضرموت يقال له : عويمر ضرب رجله بالسيف فصرعه وجثم عليه الحضرمي فلما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه وسيف شبيب في يده خشي على نفسه فتركه فنجا بنفسه ونجا شبيب في غمار الناس وخرج ابن ملجم فشد عليه رجل من أهل همدان يكنى أبا أدما فضرب رجله وصرعه وتأخر علي رضي الله عنه ودفع في ظهر جعدة بن هبيرة بن أبي وهب فصلى بالناس الغداة وشد عليه الناس من كل جانب وذكروا أن محمد بن حنيف قال : والله إني لأصل تلك الليلة التي ضرب فيها علي في المسجد الأعظم قريبا من السدة في رجال كثير من أهل المصر ما فيهم إلا قيام وركوع وسجود وما يسأمون من أول الليل إلى آخره إذ خرج علي رضي الله عنه لصلاة الغداة فجعل ينادي : أيها الناس الصلاة الصلاة فما أدري أتكلم بهذه الكلمات أو نظرت إلى بريق السيوف وسمعت الحكم لله لا لك يا علي لا لأصحابك فرأيت سيفا ثم رأيت ناسا وسمعت عليا يقول : لا يفوتكم الرجل وشد عليه الناس من كل جانب فلم أبرح حتى أخذ ابن ملجم فأدخل على علي رضي الله عنه فدخلت فيمن دخل من الناس فسمعت عليا : يقول : النفس بالنفس إن هلكت فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي ولما أدخل ابن ملجم على علي رضي الله عنه قال : يا عدو الله ألم أحسن إليك ألم أفعل بك ؟ قال : بلى قال : فما حملك على هذا ؟ قال : شحذته أربعين صباحا فسألت الله أن يقتل به شر خلقه قال له علي رضي الله عنه : ما أراك إلا مقتولا به وما أراك إلا من شر خلق الله وكان ابن ملجم مكتوفا بين يدي الحسن إذ نادته أم كلثوم بنت علي وهي تبكي : يا عدو الله إنه لا بأس على أبي والله مخزيك قال : فعلام تبكين ؟ والله لقد اشتريته بألف وسممته بألف ولو كانت هذه الضربة لجميع أهل المصر ما بقي منهم أحد ساعة وهذا أبوك باقيا حتى الآن فقال علي للحسن رضي الله عنهما : إن بقيت رأيت فيه رأيي وإن هلكت من ضربتي هذه فاضربه ضربة ولا تمثل به فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عن المثلة ولو بالكلب العقور وذكر أن جندب بن عبد الله دخل على علي يسأل به فقال : يا أمير المؤمنين إن فقدناك ولا نفقدك فنبايع الحسن قال : ما آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر فلما قبض علي رضي الله عنه بعث الحسن رضي الله عنه إلى ابن ملجم فادخل عليه فقال له ابن ملجم : هل لك في خصلة إني والله ما أعطيت الله عهدا إلا وفيت به إني كنت أعطيت الله عهدا أن أقتل عليا و معاوية أو أموت دونهما فإن شئت خليت بيني وبينه ولك الله علي إن لم أقتله أن آتيك حتى أضع يدي في يدك فقال له الحسن رضي الله عنه : لا والله أو تعاين النار فقدمه فقتله ثم أخذه الناس فأدرجوه في بواري ثم أحرقوه بالنار وقد كان علي رضي الله عنه قال : يا بني المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتل بي إلا قاتلي وأما البرك بن عبد الله فقعد لمعاوية رضي الله عنه فخرج لصلاة الغداة فشد عليه بسيفه وأدبر معاوية هاربا فوقع السيف في إليته فقال : إن عندي خبرا أبشرك به فإن أخبرتك أنافعي ذلك عندك ؟ قال : وما هو ؟ قال : إن أخا لي قتل عليا في هذه الليلة قال : فلعله لم يقدر عليه قال : بلى إن عليا يخرج ليس معه أحد يحرسه فأمر به معاوية رضي الله عنه فقتل فبعث إلى الساعدي وكان طبيبا فنظر إليه فقال : إن ضربتك مسمومة فاختر مني إحدى خصلتين إما أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف وإما أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرأ منها فإن ضربتك مسمومة فقال له معاوية : أما النار فلا صبر لي عليها وأما انقطاع الولد فإن في يزيد و عبد الله وولدهما ما تقر به عيني فسقاه تلك الليلة الشربة فبرأ فلم يولد بعد له فأمر معاوية رضي الله عنه بعد ذلك بالمقصورات وقيام الشرط على رأسه وقال علي للحسن و الحسين رضي الله عنهم : أي بني أوصيكما بتقوى الله وإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها وحسن الوضوء فإنه لا يقبل صلاة إلا بطهور وأوصيكم بغفر الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عن الجهل والتفقه في الدين والتثبت في الأمر وتعاهد القرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش قال : ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال : هل حفظت ما أوصيت به أخويك ؟ قال : نعم قال : فإني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك وتزيين أمرهما ولا تقطع أمرا دونهما ثم قال لهما : أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أباكما كان يحبه ثم أوصى فكانت وصيته :

 بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب رضي الله عنه أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت أنا من المسلمين ثم أوصيكما يا حسن ويا حسين وجميع أهلي وولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه و سلم يقول : ( إن صلاح ذات البين أعظم من عامة الصلاة والصيام ) وانظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب والله الله في الأيتام لا يضيعن بحضرتكم والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم والله الله في الزكاة فإنها تطفيء غضب الرب عزو جل والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم والله الله في القرآن فلا يسبقنكم بالعمل به غيركم والله الله في الجهاد في سبيل الله بأمولكم وأنفسكم والله الله في بيت ربكم عزو جل لا يخلون ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا والله الله في أهل ذمة نبيكم صلى الله عليه و سلم فلا يظلمن بين ظهرانيكم والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم صلى الله عليه و سلم قال : ( مازال جبريل يوصيني بهم حتى ظننت أنه سيورثهم ) والله الله في أصحاب نبيكم صلى الله عليه و سلم فإنه وصى بهم والله الله في الضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم فأن آخر ما تكلم به صلى الله عليه و سلم أن قال : ( أوصيكم بالضعيفين النساء وما ملكت أيمانكم ) الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي أمركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليكم بالتواصل والتباذل وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم صلى الله عليه و سلم أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض في شهر رمضان في سنة أربعين وغسله الحسن و الحسين و عبدالله بن جعفر وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات وولي الحسن رضي الله عنه عنه عمله ستة أشهر وكان ابن ملجم قبل أن يضرب عليا قاعدا في بني بكر بن وائل إذ مر عليه بجنازة أبجر بن جابر العجلي أبي حجار وكان نصرانيا والنصارى حوله وأناس مع حجار بمنزلته فيهم يمشون في جانب أمامهم شقيق بن ثور السلمي فلما رآهم قال : ما هؤلاء ؟ فأخبر ثم أنشأ يقول :

 ( لئن كان حجار بن أبجر مسلما ... لقد بوعدت منه جنازة أبجر )

 ( وإن كان حجار بن أبجر كافرا ... فما مثل هذا من كفور بمنكر )

 ( أترضون هذا إن قسا ومسلما ... جميعا لدى نعش فيا قبح منظر )

 وقال ابن أبي عياش المرادي :

 ( ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة ... كمهر قطام بينا غير معجم )

 ( ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب علي بالحسام المصمم )

 ( ولا مهر أغلى من علي وإن غلا ... ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم )

 وقال أبو الأسود الدؤلي :

 ( ألا أبلغ معاوية بن حرب ... ولا قرت عيون الشامتينا )

 ( أفي الشهر الحرام فجعتمونا ... بخير الناس طرا أجمعينا )

 ( قتلتم خير من ركب المطايا ... وخيسها ومن ركب السفينا )

 ( ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا )

 ( لقد علمت قريش حيث كانت ... بأنك خيرها حسبا ودينا )

 وأما عمرو بن بكر فقعد لعمرو بن العاص رحمه الله في تلك الليلة التي ضرب فيها معاوية فلم يخرج وكان اشتكى من بطنه فأمر خارجة بن أبي حبيب وكان صاحب شرطته وكان من بني عامر بن لؤي فخرج يصلى بالناس فشد عليه وهو يرى أنه عمرو بن العاص فضربه بالسيف فقتله فأخذ وأدخل علي عمرو فلما رآهم يسلمون عليه بالإمرة قال : من هذا ؟ قالوا : عمرو بن العاص قال : فمن قتلت ؟ قالوا : خارجة قال : أما والله يا فاسق ما ضمدت غيرك قال عمرو : أردتني والله أراد خارجة فقدمه فقتله فبلغ ذلك معاوية رضي الله عنه فكتب إليه :

 ( وقتك وأسباب الأمور كثيرة ... منية شيخ من لؤي بن غالب )

 ( فيا عمرو مهلا إنما أنت عمه ... وصاحبه دون الرجال الأقارب )

 ( نجوت وقد بل المرادي سيفه ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب )

 ( ويضربني بالسيف آخر مثله ... فكانت عليه تلك ضربة لازب )

 ( وأنت تناغي كل يوم وليلة ... بمصرك بيضا كالظباء الشوارب )

 وكان الذي ذهب بنعيه سفيان بن عبد شمس بن أبي وقاص الزهري وقد كان الحسن بعث قيس بن سعد بن عبادة على تقدمته في اثني عشر ألفا وخرج معاوية حتى نزل إيلياء في ذلك العام وخرج الحسين رضي الله عنه حتى نزل في القصور البيض في المدائن وخرج معاوية حتى نزل مسكن وكان على المدائن عم المختار لابن أبي عبيد وكان يقال له : سعد بن مسعود فقال له المختار وهو يومئذ غلام : هل لك في الغنى والشرف ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له سعد : عليك لعنة الله أأثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأوثقه ؟ بئس الرجل أنت فلما رأى الحسن رضي الله عنه تفرق الناس عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر و عبد الله بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه ثم قام الحسن رضي الله عنه في الناس وقال : يا أهل العراق إنه مما يسخئ بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي ودخل في طاعة معاوية رحمهما الله ودخل الكوفة فبايعه الناس

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

38252- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنِ الأَجْلَحِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : اكْتَنَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ ، وَشَبِيبٌ الأَشْجَعِيُّ عَلِيًّا حِينَ خَرَجَ إِلَى الْفَجْرِ ، فَأَمَّا شَبِيبٌ فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ ، وَثَبَتَ سَيْفُهُ فِي الْحَائِطِ ، ثُمَّ أُحْصِرَ نَحْوَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ ، وَقَالَ النَّاسُ : عَلَيْكُمْ صَاحِبَ السَّيْفِ ، فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُؤْخَذَ رَمَى بِالسَّيْفِ ، وَدَخَلَ فِي عُرْضِ النَّاسِ ، وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى قَرْنِهِ ، ثُمَّ أُحْصِرَ نَحْوَ بَابِ الْفِيلِ ، فَأَدْرَكَهُ عَرَيْضٌ ، أَوْ عُوَيْضٌ الْحَضْرَمِيُّ فَأَخَذَهُ ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى عَلِيٍّ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : إِنْ أَنَا مِتُّ فَاقْتُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ ، أَوْ دَعُوهُ ، وَإِنْ أَنَا نَجَوْتُ كَانَ الْقِصَاصُ.

 

38908- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ فِطْرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : حدَّثَنِي مَنْ دَخَلَ عَلَى ابْنِ مُلْجَمٍ السِّجْنَ وَقَدِ اسْوَدَّ كَأَنَّهُ جِذْعٌ مُحْتَرِقٌ.

 

28353- حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ حُسَيْنٍ ، عَنْ زَيْدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ ؛ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَتَلَ ابْنَ مُلْجِمٍ الَّذِي قَتَلَ عَلِيًّا ، وَلَهُ وَلَدٌ صِغَارٌ.

 

وقد قام الناقمون بتعذيب ابن ملجم بصورة بشعة غير إنسانية ذكرتها كتب التاريخ منها تسمير عينيه بالمسامير المحمية، وإنما كان يجب أن يكون جزاء القاتل القتل فقط أو السجن مدى الحياة، ولا يوجد مبرر لتعذيب إنسان ولا كائن حي.

 

نهج التكفير والهجرة عن الخوارج أسلاف إرهابيي العصر الحدث والمقتدين بسيرة محمد الإجرامية

 

روى أحمد:

 

(19414) 19634- حَدَّثَنَا بَهْزٌ ، وَعَفَّانُ ، الْمَعْنَى ، قَالاَ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ ، قَالَ عَفَّانُ فِي حَدِيثِهِ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ ، وَقَالَ بَهْزٌ فِي حَدِيثِهِ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى نُقَاتِلُ الْخَوَارِجَ ، وَقَدْ لَحِقَ غُلاَمٌ لاِبْنِ أَبِي أَوْفَى بِالْخَوَارِجِ ، فَنَادَيْنَاهُ يَا فَيْرُوزُ ، هَذَا ابْنُ أَبِي أَوْفَى . قَالَ : نِعْمَ الرَّجُلُ لَوْ هَاجَرَ ، قَالَ : مَا يَقُولُ عَدُوُّ اللهِ ، قَالَ : يَقُولُ : نِعْمَ الرَّجُلُ لَوْ هَاجَرَ ، فَقَالَ : هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَتِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَدِّدُهَا ثَلاَثًا ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ ، ثُمَّ قَتَلُوهُ.

 

ونهج التفكير والهجرة آذى المسلمين أنفسهم:

قال السندي: عبادة بن قرط، ليثي نزل البصرة، له صحبة. وجاء أنه غزا، فلما رجع، وكان قريباً من الأهواز، سمع أذاناً، فقصده ليصلي جماعة، فأخذه الخوارج، فقال: ارضوا بما رضي به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني حين أسلمت، قال: بالشهادتين، فأخذوه فقتلوه.

 

وروى أحمد:

 

21064 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ، ثُمَّ فَارَقَهُمْ، قَالَ: دَخَلُوا قَرْيَةً، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ، ذَعِرًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ ، فَقَالُوا: لَمْ تُرَعْ ؟ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رُعْتُمُونِي . قَالُوا: أَنْتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ، حَدِيثًا يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُنَاهُ ؟ (1) قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ، قَالَ: " فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَاكَ، فَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْمَقْتُولَ، قَالَ أَيُّوبُ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْقَاتِلَ " . قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيكَ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ: فَقَدَّمُوهُ عَلَى ضَفَّةِ النَّهَرِ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَسَالَ دَمُهُ كَأَنَّهُ شِرَاكُ نَعْلٍ مَا ابْذَقَرَّ ، وَبَقَرُوا أُمَّ وَلَدِهِ عَمَّا فِي بَطْنِهَا (2)

 

(1) قوله: "تحدثناه" ليس في (ظ 10) و (ظ 13) .

(2) رجاله ثقات رجال الشيخين، والرجل المبهم الذي روى عنه حميد إن كان ثقة عنده فالإسناد صحيح، والله تعالى أعلم. إسماعيل: هو ابن عُلَيَّة، وأيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني.

وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 5/245-246، وأبو يعلى (7215) من طريق إسماعيل ابن علية، بهذا الإسناد.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (3630) من طريق مسلمة بن قعنب، عن أيوب، به.

وأخرجه الطبراني (3631) من طريق صالح بن رُستُم، عن حميد، به.

وأخرجه عبد الرزاق (18578) عن معمر، عن غير واحد من عبد القيس، عن حميد بن هلال، عن أبيه، فذكره.

وأخرجه الدارقطني 3/132 من طريق أحمد بن محمد بن رشدين، عن زكريا بن يحيى، والخطيب في "تاريخه" 1/205 من طريق علي بن عمرو بن خالد الحراني، عن أبيه، كلاهما عن الحكم بن عبدة الشيباني البصري، عن أيوب، عن حميد، عن أبي الأحوص، فذكره ولم يذكر فيه: "كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل"، وفيه أن ذلك كان في قتال علي للخوارج.

وأحمد بن محمد بن رشدين ضعيف، وكذبه بعضهم، وعلي بن عمرو لم نجد له ترجمة، والحكم بن عبدة مستور.

وأخرجه ابن أبي شيبة 15/308-309، والدارقطني 3/131-132 من طريق يزيد بن هارون، وابن أبي شيبة 15/123-124 عن ابن علية، كلاهما عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز لاحق بن حميد، فذكر القصة دون الحديث المرفوع فيها، وفيها أن ذلك كان أثناء قتال علي بن أبي طالب للخوارج.   ورجاله ثقات.

وانظر ما بعده.

ويشهد للمرفوع منه حديث سعد بن أبي وقاص السالف برقم (1446) ، وحديث أبي هريرة السالف برقم (7796) ، وانظر تتمة شواهده عند حديث أبي هريرة.

قوله: "ما ابذقر" قال السندي: بموحدة وذال معجمة وقاف وتشديد راء، مثل اقشعر، في "القاموس": ما ابذقر الدم في الماء، أي: لم يتفرق أجزاؤه فيمتزج به، ولكن مر فيه مجتمعاً متميزاً عنه.

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

39048- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ الْوَاسِطِيُّ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ ، قَالَ : نَهَى عَلِيٌّ أَصْحَابَهُ أَنْ يَبسُطُوا عَلَى الْخَوَارِجِ حَتَّى يُحْدِثُوا حَدَثًا ، فَمَرُّوا بِعَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ فَأَخَذُوهُ ، فَمَرَّ بَعْضُهُمْ عَلَى تَمْرَةٍ سَاقِطَةٍ مِنْ نَخْلَةٍ فَأَخَذَهَا فَأَلْقَاهَا فِي فِيهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : تَمْرَةُ مُعَاهَدٍ ، فَبِمَ اسْتَحْلَلْتهَا فَأَلْقَاهَا مِنْ فِيهِ ، ثُمَّ مَرُّوا عَلَى خِنْزِيرٍ فَنَفَحَهُ بَعْضُهُمْ بِسَيْفِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : خِنْزِيرُ مُعَاهَدٍ ، فَبِمَ اسْتَحْلَلْته ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ : أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ عَلَيْكُمْ حُرْمَةً مِنْ هَذَا ، قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : أَنَا ، فَقَدَّمُوهُ فَضَرَبُوا عُنُقه ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ أَنْ أَقِيدُونَا بِعَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ ، فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ : وَكَيْفَ نُقِيدُك وَكُلُّنَا قَتَلَهُ ، قَالَ : أَوَكُلُّكُمْ قَتَلَهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يبْسُطُوا عَلَيْهِمْ ، قَالَ : وَاللهِ لاَ يُقْتَلُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ وَلاَ يَفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ ، قَالَ : فَقَتَلُوهُمْ ، فَقَالَ : اطْلُبُوا فِيهِمْ ذَا الثُّدَيّةِ ، فَطَلَبُوهُ فَأُتِيَ بِهِ ، فَقَالَ : مَنْ يَعْرِفُهُ ، فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا يَعْرِفُهُ إِلاَّ رَجُلاً ، قَالَ : أَنَا رَأَيْته بِالْحِيرة ، فَقُلْتُ لَهُ : أَيْنَ تُرِيدُ ، قَالَ : هَذِهِ ، وَأَشَارَ إِلَى الْكُوفَةِ ، وَمَالِي بِهَا مَعْرِفَةٌ...إلخ

 

39051- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ الْخَوَارِجِ فَرَأَيْتُ مِنْهُمْ شَيْئًا كَرِهْته ، فَفَارَقْتهمْ عَلَى أَنْ لاَ أُكْثِرَ عَلَيْهِمْ ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ إذْ رَأَوْا رَجُلاً خَرَجَ كَأَنَّهُ فَزِعٌ ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ ، فَقَطَعُوا إلَيْهِ النَّهْرَ ، فَقَالُوا : كَأَنَّا رُعْنَاك ، قَالَ : أَجَلْ ، قَالُوا : وَمَنْ أَنْتَ ، قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ ، قَالُوا : عِنْدَك حَدِيثٌ تُحَدِّثُنَاهُ ، عَنْ أَبِيك ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فقَالَ : حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ فِتْنَةً جَائِيَةً ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ، فَإِذَا لَقِيتَهُمْ فَإِنَ اسْتَطَعْت أَنْ تَكُونَ عَبْدَ اللهِ الْمَقْتُولَ فَلاَ تَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْقَاتِلَ ، قَالَ : فَقَرَّبُوهُ إِلَى النَّهَرِ فَضَرَبُوا عُنُقه فَرَأَيْتُ دَمَهُ يَسِيلُ عَلَى الْمَاءِ كَأَنَّهُ شِرَاكٌ مَا ابْذَقَرَّ بِالْمَاءِ حَتَّى تَوَارَى عَنْهُ ، ثُمَّ دَعَوْا بِسُرِّيَّةٍ لَهُ حُبْلَى فَبَقَرُوا عَمَّا فِي بَطْنِهَا.

 

نماذج لفظاعات الخوارج بصرف النظر عن أحاديث النبوآت الخرافية عنهم، وعلى نهج الخوارج كانت جماعات أخرى كالتوابين، ونهج التكفير متبع فكريًّا وأحيانًا عمليًّا عند الشيعة والسنة ضد بعضهم البعض.

 

وفي عصر عبد الله بن الزبير في خضم صراعه مع الأمويين يزيد بن معاوية ثم عبد الملك بن مروان ذكر ابن أبي شيبة:

39042- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : لَمَّا سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ بِنَجْدَةَ قَدْ أَقْبَلَ وَأَنَّهُ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ وَأَنَّهُ يَسْبِي النِّسَاءَ وَيَقْتُلُ الْوِلْدَانَ ، قَالَ : إذًا لاَ نَدَعُهُ وَذَاكَ ، وَهَمَّ بِقِتَالِهِ وَحَرَّضَ النَّاسَ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ لاَ يُقَاتِلُونَ مَعَك ، وَنَخَافُ أَنْ تُتْرَكَ وَحْدَك ، فَتَرَكَهُ.

 

39056- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ الْخَوَارِجُ فَذُكِرَ مِنْ عِبَادَتِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ ، فَقَالَ : لَيْسُوا بِأَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، ثُمَّ هُمْ يُصَلُّونَ.

 

39057- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ طَاوُوسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَلْقَى الْخَوَارِجُ عِنْدَ الْقُرْآنِ ، فَقَالَ : يُؤْمِنُونَ عِنْدَ مُحْكَمِهِ وَيَهْلَكُونَ عِنْدَ مُتَشَابِهِهِ.

 

39058- حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَاف ، قَالَ : سَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ ، عَنِ الْخَوَارِجِ ، فَقُلْتُ : هُمْ أَطْوَلُ النَّاسِ صَلاَةً وَأَكْثَرُهُمْ صَوْمًا غَيْرَ أَنَّهُمْ إِذَا خَلَّفُوا الْجِسْرَ أَهْرَاقُوا الدِّمَاءَ ، وَأَخَذُوا الأَمْوَالَ ، فَقَالَ : لاَ تَسْأَل عنهم إِلاَّ ذَا ، أَمَا إنِّي قَدْ قُلْتُ لَهُمْ : لاَ تَقْتُلُوا عُثْمَانَ ، دَعُوهُ ، فَوَاللهِ لَئِنْ تَرَكْتُمُوهُ إحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً لَيَمُوتَنَّ عَلَى فِرَاشِهِ مَوْتًا فَلَمْ يَفْعَلُوا ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ نَبِيٌّ إِلاَّ قُتِلَ بِهِ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ النَّاسِ ، وَلَمْ يُقْتَلْ خَلِيفَةٌ إِلاَّ قُتِلَ بِهِ خَمْسَةٌ وَثَلاَثُونَ أَلْفًا.

 

وعرضت في باب (تعاليم العنف) نصوص نهج التكفير والهجرة من القرآن نفسه والأحاديث المحمدية.

 

من المعارك مع الخوارج في عصر الأمويين

 

روى ابن أبي شيبة:

 

39047- حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو مُرَيٍّ ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ ، قَالَ : كُنْتُ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاؤُوا بِسَبْعِينَ رَأْسًا مِنْ رُؤُوسِ الْحَرُورِيَّةِ فَنُصِبَتْ عَلَى دُرْجِ الْمَسْجِد ، فَجَاءَ أَبُو أُمَامَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِمْ ، فَقَالَ : كِلاَبُ جَهَنَّمَ ، شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ، وَمَنْ قَتَلُوا خَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ السَّمَاءِ ، وَبَكَى وَنَظَرَ إلَيَّ ، وَقَالَ : يَا أَبَا غَالِبٍ ، إنَّك مِنْ بَلَدِ هَؤُلاَءِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : أَعَاذَك ، قَالَ : أَظُنُّهُ قَالَ : اللَّهُ مِنْهُمْ : قَالَ : تَقْرَأُ آلَ عِمْرَانَ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} وقَالَ : {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} قُلْتُ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ، إنِّي رَأَيْتُك تَهْرِيقُ عَبْرَتَكَ ، قَالَ : نَعَمْ ، رَحْمَةً لَهُمْ ، إنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَم ، قَالَ : قد افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَتَزِيدُ هَذِهِ الأُمَّةُ فِرْقَةً وَاحِدَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ السَّوَادَ الأَعْظَمَ عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ، وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ، وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ ، السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ خَيْرٌ مِنَ الْفُرْقَةِ وَالْمَعْصِيَةِ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ، أَمِنْ رَأْيِكَ تَقُولُ أَمْ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : إنِّي إذًا لَجَرِيءٌ ، قَالَ بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ حَتَّى ذَكَرَ سَبْعًا.

 

وكما قلت في الأبواب الأخرى فمنبع الإرهاب هو نصوص الإسلام نفسها ودين الإسلام نفسه بتعاليمه وفكره وتاريخه ولاهوته.

 

تعامل عمر بن عبد العزيز الأموي مع بقايا الخوارج بالحسنى والإصلاح الديني

 

روى ابن أبي شيبة:

 

39063- حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، قَالَ : خَاصَمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخَوَارِجَ ، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ ، وَأَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ رَجُلاً عَلَى خَيْلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ حَيْثُ يَرْتَحِلُونَ ، وَلاَ يُحَرِّكُهُمْ , وَلاَ يُهَيِّجُهُمْ ، فَإِنْ هم قَتَلُوا وَأَفْسَدُوا فِي الأَرْضِ ، فَابسُطْ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ ، وَإِنْ هُمْ لَمْ يَقْتُلُوا وَلَمْ يُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ فَدَعْهُمْ يَسِيرُونَ.

 

39068- حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ ، عَنْ حَسَنٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قُرِئَ عَلَيْنَا : إِنْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَقَطَعُوا السَّبِيلَ فَتَبَرَّأَ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْحَرُورِيَّةِ وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ.

 

39077- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا عبد اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَالَتِ الْخَوَارِجُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : تُرِيدُ أَنْ تَسِيرَ فِينَا بِسِيرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ : مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمَ اللَّهُ ، وَاللهِ مَا زِدْت أَنْ أَتَّخِذَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إمَامًا.

 

وطالما كان هناك إسلام فسيظل هناك إرهاب، وطالما كانت هناك يهودية وهندوسية كذلك فسيظل هناك إرهاب، وطالما كان هناك جهل وفقر وحكومات شكولية فاشيّة فسيظل هناك إرهاب ومذابح عصرية وحروب.

 

غضب البعض من عائشة لمشاركتها في الانقلاب على عثمان ومقاطعة ابن عباس لها بحكم كون علي هو ابن عمه

 

روى أحمد:

 

24269 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبِيعَ عَقَارًا لَهُ بِهَا، وَيَجْعَلَهُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ ، ثُمَّ يُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَقِيَ رَهْطًا مِنْ قَوْمِهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّ رَهْطًا مِنْ قَوْمِهِ سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَلَيْسَ لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ؟ " فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى رَجْعَتِهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا، فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْوَتْرِ ؟ فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكَ بِأَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، بِوَتْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ائْتِ عَائِشَةَ فَاسْأَلْهَا ؟ ثُمَّ ارْجِعْ إِلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا عَلَيْكَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا، إِنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا، فَأَبَتْ فِيهِمَا، إِلَّا مُضِيًّا، فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ مَعِي، فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: حَكِيمٌ ؟ وَعَرَفَتْهُ، قَالَ: نَعَمْ، أَوْ بَلَى، قَالَتْ: مَنْ هَذَا مَعَكَ ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ ؟ قَالَ ابْنُ عَامِرٍ: قَالَ: فَتَرَحَّمَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ عَامِرٌ، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: " فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ " فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ

ثُمَّ بَدَا لِي قِيَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: " فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَأَمْسَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ التَّخْفِيفَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَصَارَ قِيَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطَوُّعًا مِنْ بَعْدِ فَرِيضَتِهِ "، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ

ثُمَّ بَدَا لِي وَتْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ وَتْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ: " كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إِلَّا عِنْدَ الثَّامِنَةِ، فَيَجْلِسُ وَيَذْكُرُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَدْعُو، وَيَسْتَغْفِرُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ، فَيَقْعُدُ، فَيَحْمَدُ رَبَّهُ وَيَذْكُرُهُ وَيَدْعُو، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ "، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ . " فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُخِذَ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ "، فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ . " وَكَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ أَوْ مَرَضٌ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ "، فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِهَا، فَقَالَ: صَدَقْتَ، أَمَا لَوْ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهَا، لَأَتَيْتُهَا حَتَّى تُشَافِهَنِي مُشَافَهَةً

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين، ويحيى- وهو ابن سعيد القطان- سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل الاختلاط.

وأخرجه البيهقي في "السنن" 3/29 - 30 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد.

وأخرجه بتمامه ومختصراً أبو داود (1343) ، والنسائي في "المجتبى" 3/60 و199- 200، وفي، الكبرى" (1294) ، وابن خزيمة (1078) و (1127) و (1170) و (1177) من طريق يحيى بن سعيد، به. ولم يذكر أبو داود والنسائي: ثم يصلي التاسعة. وقال النسائي: كذا وقع في كتابي، ولا

أدري ممن الخطأ في موضع وتره عليه السلام.

وأخرجه ابن حبان (2441) عن ابن خزيمة، عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، به. بلفظ: ثم يصلي سبع ركعات ولا يجلس فيهن إلا عند السادسة، فيجلس، ويذكر الله ويدعو.

قلنا: رواية ابن خزيمة (1078) : فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، فتلك تسع ركعات يا بني.

وانظر (24658) .

 

وروى مسلم:

 

[ 746 ] حدثنا محمد بن المثنى العنز حدثنا محمد بن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن زرارة أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله فقدم المدينة فأراد أن يبيع عقارا له بها فيجعله في السلاح والكراع ويجاهد الروم حتى يموت فلما قدم المدينة لقي أناسا من أهل المدينة فنهوه عن ذلك وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال أليس لكم في أسوة فلما حدثوه بذلك راجع امرأته وقد كان طلقها وأشهد على رجعتها فأتى بن عباس فسأله عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بن عباس ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال عائشة فأتها فاسألها ثم ائتني فأخبرني بردها عليك فانطلقت إليها فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال ما أنا بقاربها لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت فيهما إلا مضيا قال فأقسمت عليه فجاء فانطلقنا إلى عائشة فاستأذنا عليها فأذنت لنا فدخلنا عليها فقالت أحكيم فعرفته فقال نعم فقالت من معك قال سعد بن هشام قالت من هشام قال بن عامر فترحمت عليه وقالت خيرا قال قتادة وكان أصيب يوم أحد فقلت يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ألست تقرأ القرآن قلت بلى قالت فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن قال فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدا عن شيء حتى أموت ثم بدا لي فقلت أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ألست تقرأ يا أيها المزمل قلت بلى قالت فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة قال قلت يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما سن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول فتلك تسع يا بنى وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا صلى ليلة إلى الصبح ولا صام شهرا كاملا غير رمضان قال فانطلقت إلى بن عباس فحدثته بحديثها فقال صدقت لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني به قال قلت لو علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك حديثها

 

ادعاء عائشة على عمار بن ياسر بأنه ضالٌّ بعد مناصرته له في معركة الجمل وانتصاره عليها وعلى أقاربها وأنسبائها

 

روى أحمد:

 

24304 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ غَالِبٍ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى عَائِشَةَ أَنَا وَعَمَّارٌ وَالْأَشْتَرُ، فَقَالَ عَمَّارٌ: السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا أُمَّتَاهُ، فَقَالَتْ: السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، حَتَّى أَعَادَهَا عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنَّكِ لَأُمِّي وَإِنْ كَرِهْتِ، قَالَتْ: مَنْ هَذَا مَعَكَ ؟ قَالَ: هَذَا الْأَشْتَرُ، قَالَتْ: أَنْتَ الَّذِي أَرَدْتَ أَنْ تَقْتُلَ ابْنَ أُخْتِي ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ أَرَدْتُ ذَلِكَ وَأَرَادَهُ، قَالَتْ: أَمَا لَوْ فَعَلْتَ مَا أَفْلَحْتَ، أَمَّا أَنْتَ يَا عَمَّارُ، فَقَدْ سَمِعْتَ أَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مَنْ زَنَى بَعْدَمَا أُحْصِنَ ، أَوْ كَفَرَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا فَقُتِلَ بِهَا "

 

حديث صحيح، وهذا إسناد فيه عَمرو بن غالب تفرّد بالرواية عنه أبوإسحاق- وهو السَّبيعي- ونقل الحافظ في "التهذيب" عن أبي عَمرو الصدفي أن النسائي وثقه، وصحح له الترمذي حديثاً في فضائل عائشة. وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين، غير يونس بن أبي إسحاق، فمن رجال

مسلم، وروى له البخاري في جزء القراءة، وهو صدوق. ابن نمير: هو عبد الله، وأبو إسحاق: هو عَمرو بن عبد الله السَّبيعي، واختُلف عليه فيه كما سيرد.

وأخرجه الطيالسي (1543) ، وابن أبي شيبة 9/414، وأبو يعلى (4676) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1809) ، والمزي في "تهذيب الكمال" (في ترجمة عمرو بن غالب) من طريق أبي الأحوص سلاَّم بن سليم، عن أبي إسحاق، بنحوه.

ووقفه زهير عن أبي إسحاق:

فأخرجه النسائي في "المجتبى" 7/91، وفي "الكبرى" (3481) من طريق زهير عن أبي إسحاق، عن عَمرو بن غالب قال: قالت عائشة: يا عمار، أما إنك تعلم أنه لا يحل دمُ امرىءٍ مسلم... موقوفاً.

وأخرجه أبو داود (4353) ، والنسائي في "المجتبى" 7/101-102 و8/23، وفي "الكبرى" (3511) و (6945) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1800) و (1801) ، والطبراني في "الأوسط" (3772) ، والدارقطني في "السنن" 3/81، والحاكم في "المستدرك" 4/367، وأبو نُعيم في "الحلية" 9/15، والبيهقي في "السنن" 8/283 من طريق إبراهيم بن طَهْمَان، عن عبد العزيز بن رُفيع، عن عُبيد بن عُمير، عن عائشة أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : "لا يحل دمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال: زانٍ مُحصَن يُرجم، أو رجل قتل رجلاً متعمداً، فيُقتل، أو رجل يخرج من الإسلام يحاربُ الله ورسولهم، فيقتل، أو يصلب، أو يُنفَى من الأرض".

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عُبيد بن عُمير إلا عبد العزيز بن رُفيع، تفرَّد به إبراهيم بن طَهْمان.

قلنا: وإبراهيم بن طَهْمان؛ قال الحافظ في "التقريب": ثقة يغرب.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قلنا: وتحرَّف عُبيد بن عُمير في مطبوعة إلى عبيد الله بن عمر.

وسيرد من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السَّبيعي برقمي: (25477) و (25794) .

ومن طريق سفيان وإسرائيل برقم (25700) .

وسيرد من طريق إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة برقم (25475) مجموعاً إلى طريق مسروق عن ابن مسعود. وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

وحديث ابن مسعود سلف برقم (3621) ، وذكرنا أحاديث الباب هناك.

 

25477 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ غَالِبٍ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ لِلْأَشْتَرِ: أَنْتَ الَّذِي أَرَدْتَ قَتْلَ ابْنِ أُخْتِي ؟ قَالَ: قَدْ حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِهِ، وَحَرَصَ عَلَى قَتْلِي . قَالَتْ: أَوَ مَا عَلِمْتَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ، إِلَّا رَجُلٌ ارْتَدَّ، أَوْ تَرَكَ الْإِسْلَامَ، أَوْ زَنَى بَعْدَمَا أُحْصِنَ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ "

 

حديث صحيح، وقد سلف الكلام عليه في الرواية رقم (24304) .

عبد الرحمن: هو ابن مهدي، وسفيان: هو الثوري، وأبو إسحاق: هو عمرو ابن عبد الله السَّبيعي.

وأخرجه ابن راهويه (1603) ، والنسائي في "المجتبى" 7/91، وفي "الكبرى" (3480) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1808) ، وفي "شرح معاني الآثار" 3/161، والدارقطني في "العلل" 5/ورقة 93 من طرق عن سفيان الثوري، بهذا الإسناد.

وسلف برقم (24304) .

 

لكن عائشة هنا كانت مع ذلك عائشة الأقرب إلى صغر السن والاندفاع والحمية والتعصب القبلي وكره علي لأسباب شخصية طفولية غير ناضجة، ونسيت أن قومها وحلفاءها كذلك خالفوا بدورهم تعاليم محمد في هذا الصدد.

 

ندم عائشة وتأنيب ضميرها الديني لها على التسبب والمساهمة في الحرب بين المسلمين واشتعال الفتنة وإسقاط الشرعية وإحلال الملكية الاستبدادية كنتيجة نهائية لكل ما فعلوه من محاولة لانتزاع السلطة بالقوة

 

كانت فتاة صغيرة حديثة السن لم تنضجها الأيام وتعطيها الحكمة بعد، والكثيرون من حولها كانوا يعتبرون تلك المرأة الشابة مقدسة وأرملة نبي فالتفوا حولها وحول جيش أقاربها وأنسبائها الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، ولاحقًا مع النضج أدركت خطأ وبشاعة وأنانية ما فعلته، كل ما فكرت فيه هو مصلحة أقاربها واستيلائهم على الحكم والانتقام الشخصي لها من علي، روى أحمد:

 

2496 - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ خُثَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ ذَكْوَانُ، حَاجِبُ عَائِشَةَ، أَنَّهُ جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، يَسْتَأْذِنُ عَلَى عَائِشَةَ، فَجِئْتُ وَعِنْدَ رَأْسِهَا ابْنُ أَخِيهَا عَبْدُ اللهِ بِنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقُلْتُ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَأْذِنُ، فَأَكَبَّ عَلَيْهَا ابْنُ أَخِيهَا عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَأْذِنُ، وَهِيَ تَمُوتُ، فَقَالَتْ: دَعْنِي مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: يَا أُمَّتَاهُ، إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ صَالِحِي بَنِيكِ، لِيُسَلِّمْ عَلَيْكِ، وَيُوَدِّعْكِ، فَقَالَتْ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ، قَالَ: فَأَدْخَلْتُهُ، فَلَمَّا جَلَسَ، قَالَ: أَبْشِرِي، فَقَالَتْ: أَيْضًا فَقَالَ: " مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ تَلْقَيْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَحِبَّةَ، إِلا أَنْ تَخْرُجَ الرُّوحُ مِنَ الجَسَدِ، كُنْتِ أَحَبَّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ يُحِبُّ إِلا طَيِّبًا "، وَسَقَطَتْ قِلادَتُكِ لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ، " فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى يُصْبِحَ فِي الْمَنْزِلِ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ لَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ " فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي سَبَبِكِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الرُّخْصَةِ، وَأَنْزَلَ اللهُ بَرَاءَتَكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، جَاءَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، فَأَصْبَحَ لَيْسَ لِلَّهِ مَسْجِدٌ مِنْ مَسَاجِدِ اللهِ يُذْكَرُ فِيهِ اللهُ، إِلا يُتْلَى فِيهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَقَالَتْ: دَعْنِي مِنْكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا

 

إسناده قوي على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن خُثيم -وهو عبد الله بن عثمان بن خثيم- فمن رجال مسلم، وهو صدوق. زائدة: هو ابن قدامة.

وأخرجه الطبراني (10783) من طريق معاوية بن عمرو، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن سعد 8/75، وعثمان الدارمي في "الرد على الجهمية" ص 27-28 من طريق زهير بن معاوية، وأبو يعلى (2648) من طريق بشر بن المفضل، كلاهما عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، به. ورواية الدارمي مختصرة.

والحديث سيأتي برقم (3262) عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خثيم، به.

وتقدم برقم (1905) عن سفيان، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، به لم يذكر فيه ذكوان حاجب عائشة.

الأبواء: قرية من أعمال الفُرْع من المدينة، بينها وبين الجُحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً.

 

1905 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، إِنْ شَاءَ اللهُ يَعْنِي - اسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى عَائِشَةَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا بَنُو أَخِيهَا، قَالَتْ: أَخَافُ أَنْ يُزَكِّيَنِي، فَلَمَّا أَذِنَتْ لَهُ، قَالَ: " مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ تَلْقَيِ الْأَحِبَّةَ إِلا أَنْ يُفَارِقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ كُنْتِ أَحَبَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُحِبُّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا طَيِّبًا، وَسَقَطَتْ قِلادَتُكِ لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ، فَنَزَلَتْ فِيكِ آيَاتٌ مِنَ القُرْآنِ، فَلَيْسَ مَسْجِدٌ مِنْ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ إِلا يُتْلَى فِيهِ عُذْرُكِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ " فَقَالَتْ: دَعْنِي مِنْ تَزْكِيَتِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ

 

إسناده قوي على شرط مسلم، عبد الله بن عثمان بن خثيم من رجاله، وباقي رجال السند على شرطهما.

وأخرجه الحاكم 4/8-9 من طريق ابن عيينة، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن حبان (7108) ، وأبو نعيم في "الحلية" 2/45 من طريق يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، به.

وأخرجه ابن سعد 8/74، والمصنف في "فضائل الصحابة" (1642) ، والبخاري (4753) من طريق عمر بن سعيد بن أبي الحسين، عن ابن أبي مليكة، به.

وأخرجه المصنف في "فضائل الصحابة" (1636) من طريق هارون بن أبي إبراهيم، عن ابن أبي مليكة، به.

وأخرجه البخاري (3771) و (4754) من طريق ابن عون، عن القاسم بن محمد، عن ابن عباس. وسيأتي برقم (2496) و (3262) من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ابن أبي مليكة، عن ذكوان أنه استأذن لابن عباس.

قولها: "لوددتُ"، قال السندي: فيه اختصار، أي: أن لم أخلَق، أو نحو ذلك، قالته من شدة الخوف أو الخشية من لقاء الله، والنظر في تقصير نفسها.

 

وروى البخاري:


4753 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ اسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَبْلَ مَوْتِهَا عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ مَغْلُوبَةٌ قَالَتْ أَخْشَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ فَقِيلَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ قَالَتْ ائْذَنُوا لَهُ فَقَالَ كَيْفَ تَجِدِينَكِ قَالَتْ بِخَيْرٍ إِنْ اتَّقَيْتُ قَالَ فَأَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنْ السَّمَاءِ وَدَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلَافَهُ فَقَالَتْ دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَيَّ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ نِسْيًا مَنْسِيًّا

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

38927- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ، عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ : ادْفِنُونِي مَعَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي كُنْت أَحْدَثْت بَعْدَهُ حَدَثًا.

 

اعتراف عائشة بخطيئتها في تأجيج القتال بين المسلمين ومساهمتها بحضورها في قتلهم لبعضهم البعض

 

روى أبو داوود الطيالسي:

 

1489 - حدثنا يونس قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الصلت بن دينار أبو شعيب قال ثنا عقبة بن صهبان الهنائي قال سألت عائشة عن قول الله تبارك وتعالى { ثم اورثنا الكتاب  الذي اصطفينا من عبادنا} الآية [فاطر: 32] فقالت لي: يا بني كل هؤلاء في الجنة فأما السابق الى الخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحياة والرزق وأما المقتصد فمن تبع أثره من أصحابه حتى لحق به وأما الظالم لنفسه كمثلي ومثلكم قال فجعلت نفسها معنا

 

ندم عمرو بن العاص على مشاركته في ألاعيب السلطة والخدع وإسقاط الشرعية وإحلال الملكية الاستبدادية محلها والتسبب في تقاتل المسلمين وتقتيلهم لبعضهم البعض

 

روى ابن أبي شيبة:

 

31351- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا زَائِدَةٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : لَئنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ تَرَكَا هَذَا الْمَالَ وَهُوَ يَحِلُّ لَهُمَا مِنْهُ شَيْءٌ لَقَدْ غُبِنَا وَنَقَصَ رَأْيُهُمَا ، وَلَعَمْرُ اللهِ مَا كَانَا بِمَغْبُونَيْنِ ، وَلاَ نَاقِصِي الرَّأْي ، وَلَئنْ كَانَا امْرَأَيْنِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي أَصَبْنَا بَعْدَهُمَا لَقَدْ هَلَكْنَا وَايْمُ اللهِ مَا جَاءَ الْوَهَمُ إلاَّ مِنْ قِبَلِنَا.

 

روى مسلم:

 

[ 121 ] حدثنا محمد بن المثنى العنزي وأبو معن الرقاشي وإسحاق بن منصور كلهم عن أبي عاصم واللفظ لابن المثنى حدثنا الضحاك يعني أبا عاصم قال أخبرنا حيوة بن شريح قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن بن شماسة المهري قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا قال فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إني قد كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه قال فقبضت يدي قال مالك يا عمرو قال قلت أردت أن أشترط قال تشترط بماذا قلت أن يغفر لي قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي

 

وانظر أحمد 17780 و17787

 

وروى أحمد:

 

17781 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ: جَزِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عِنْدَ الْمَوْتِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا هَذَا الْجَزَعُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِيكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، قَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ: إِنِّي وَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبًّا كَانَ ذَلِكَ، أَمْ تَأَلُّفًا يَتَأَلَّفُنِي ، وَلَكِنِّي أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا: ابْنُ سُمَيَّةَ، وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ، فَلَمَّا حَدَّثَهُ وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الْغِلَالِ مِنْ ذَقْنِهِ وَقَالَ: اللهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلَا يَسَعُنَا إِلَّا مَغْفِرَتُكَ، وَكَانَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ حَتَّى مَاتَ

 

إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 13/ورقة 536 من طريق عبد الله ابن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد.

وأخرجه أيضاً 13/535-536 من طريق الحجاج بن منهال، عن الأسود ابن شيبان، به.

وسيأتي مختصراً برقم (17807) من طريق الحسن عن عمرو بن العاص.

وأخرج قصة دعاء عمرو من آخره ابن سعد في "الطبقات" 4/260 من طريق أبي حرب بن أبي الأسود، عن عبد الله بن عمرو، عن أبيه.

وانظر "تاريخ دمشق" لابن عساكر 13/535.

قال السندي: "هِجِّيراه" بكسر هاء وتشديد جيم آخره ألف مقصورة، أي: دأبه وشأنه.

 

اعتراف معاوية بأنه حارب طمعًا في السلطة

 

روى ابن أبي شيبة:

 

31197- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْد ، قَالَ : صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الْجُمُعَةَ بِالنُّخَيلَةِ فِي الضُّحَى ، ثُمَّ خَطَبْنَا فَقَالَ : مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا وَلاَ لِتَصُومُوا وَلاَ لِتَحُجُّوا وَلاَ لِتُزَكُّوا ، وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ إنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ ، فَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ.

 

31198- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ حَبِيبٍ ، عَنْ هُزَيْلَ بْنِ شُرَحْبِيلَ ، قَالَ : خَطَبَهُمْ مُعَاوِيَةُ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ! إنَّكُمْ جِئْتُمْ فَبَايَعْتُمُونِي طَائِعِينَ ، وَلَوْ بَايَعْتُمْ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا لَجِئْت حَتَّى أُبَايِعَهُ مَعَكُمْ ، قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ قَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : تَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ جِئْت بِهِ الْيَوْمَ ؟! زَعَمْت أَنَّ النَّاسَ بَايَعُوك طَائِعِينَ ، وَلَوْ بَايَعُوا عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا لَجِئْت حَتَّى تُبَايِعَهُ مَعَهُمْ ، قَالَ : فَقَامَ مُعَاوِيَةُ إلَى الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ! وَهَلْ كَانَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنِّي؟.

 

هنا اعترف معاوية أنه لم يحارب عليًّا كما زعم لأجل طلب دم عثمان، بل ببساطة للوصول إلى حكم امبراطورية الخلافة الإسلامية العربية.

 

وروى أحمد:

 

(20503) 20777- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكَرَةَ ، قَالَ : وَفَدْنَا مَعَ زِيَادٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَفِينَا أَبُو بَكَرَةَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْهِ لَمْ يُعْجَبْ بِوَفْدٍ مَا أُعْجِبَ بِنَا ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرَةَ حَدِّثْنَا بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ ، وَيَسْأَلُ عَنْهَا ، فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ : أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا رَأَيْتُ ، كَأَنَّ مِيزَانًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ ، فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ ، فَرَجَحْتَ بِأَبِي بَكْرٍ ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ بِعُمَرَ ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ ، فَرَجَحَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ ، فَاسْتَاءَ لَهَا ، وَقَدْ قَالَ حَمَّادٌ أَيْضًا : فَسَاءَهُ ذَاكَ ، ثُمَّ قَالَ : خِلاَفَةُ نُبُوَّةٍ ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ ، قَالَ : فَزُخَّ فِي أَقْفَائِنَا ، فَأُخْرِجْنَا ، فَقَالَ زِيَادٌ : لاَ أَبَا لَكَ ، أَمَا وَجَدْتَ حَدِيثًا غَيْرَ ذَا حَدِّثْهُ بِغَيْرِ ذَا ، قَالَ : لاَ وَاللَّهِ لاَ أُحَدِّثُهُ إِلاَّ بِذَا حَتَّى أُفَارِقَهُ فَتَرَكَنَا ، ثُمَّ دَعَا بِنَا ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرَةَ ، حَدِّثْنَا بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَبَكَعَهُ بِهِ فَزُخَّ فِي أَقْفَائِنَا ، فَأُخْرِجْنَا ، فَقَالَ زِيَادٌ : لاَ أَبَا لَكَ أَمَا تَجِدُ حَدِيثًا غَيْرَ ذَا حَدِّثْهُ بِغَيْرِ ذَا ، فَقَالَ : لاَ وَاللَّهِ لاَ أُحَدِّثُهُ إِلاَّ بِهِ حَتَّى أُفَارِقَهُ ، قَالَ : ثُمَّ تَرَكَنَا أَيَّامًا ، ثُمَّ دَعَا بِنَا ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرَةَ ، حَدِّثْنَا بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَبَكَعَهُ بِهِ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : أَتَقُولُ الْمُلْكَ ؟ فَقَدْ رَضِينَا بِالْمُلْكِ.

 

ترضية معاوية للحسن ثم الحسين بالمال ثم ثورة الحسين

 

روى ابن أبي شيبة:

 

31203- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ وَهْبِ بْن كَيْسَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ : لَمَّا كَانَ عَامُ الْجَمَاعَةِ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إلَى الْمَدِينَةِ بُسْرَ بْنَ أَرْطَاةَ لِيُبَايِعَ أَهْلَهَا عَلَى رَايَاتِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ جَاءَتْهُ الأَنْصَارُ ، جَاءَتْهُ بَنُو سَلِمة ، قَالَ : أَفِيهِمْ جَابِرٌ ؟ قَالُوا : لاَ ، قَالَ : فَلْيَرْجِعُوا فَإِنِّي لَسْتُ مُبَايِعَهُمْ حَتَّى يَحْضُرَ جَابِرٌ ، قَالَ : فَأَتَانِي ، فَقَالَ : نَاشَدْتُك اللَّهَ إلاَّ مَا انْطَلَقْت مَعَنا فَبَايَعْت فَحَقَنْت دَمَك وَدِمَاءَ قَوْمِكَ ، فَإِنَّك إنْ لَمْ تَفْعَلْ قُتِلَتْ مُقَاتِلَتُنَا وَسُبِيَتْ ذَرَارِيّنَا ، قَالَ : فَأَسْتَنْظَرْتهُمْ إلَى اللَّيْلِ ، فَلَمَّا أَمْسَيْت دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتهَا الْخَبَرَ فَقَالَتْ : يَا ابْنَ أَخِي ، انْطَلِقْ فَبَايِعْ وَاحْقِنْ دَمَك وَدِمَاءَ قَوْمِكَ ، فَإِنِّي قَدْ أَمَرْت ابْنَ أَخِي يَذْهَبُ فَيُبَايِعُ.

 

31341- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ الصُّلْحُ بَيْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَرَادَ الْحَسَنُ الْخُرُوجَ - يَعْنِي : إلَى الْمَدِينَةِ - فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : مَا أَنْتَ بِالَّذِي تَذْهَبُ حَتَّى تَخْطُبَ النَّاسَ ، قَالَ الشَّعْبِيُّ : فَسَمِعْته عَلَى الْمِنْبَرِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ أَكَيْسَ الْكَيْسِ التُّقَى ، وَإِنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفُجُورُ ، وَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْت فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ حَقٌّ كَانَ لِي فَتَرَكْته لِمُعَاوِيَةَ ، أَوْ حَقٌّ كَانَ لاِمْرِئٍ أَحَقَّ بِهِ مِنِّي ، وَإِنَّمَا فَعَلْت هَذَا لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إلَى حِينٍ} .

 

استسلام الحسن وقبوله بالمال

 

روى البخاري:

 

2704 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ أَيْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ فَقَالَ اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ وَقُولَا لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ فَأَتَيَاهُ فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا وَقَالَا لَهُ فَطَلَبَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا قَالَا فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ فَمَنْ لِي بِهَذَا قَالَا نَحْنُ لَكَ بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالَا نَحْنُ لَكَ بِهِ فَصَالَحَهُ فَقَالَ الْحَسَنُ وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

31222- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْد بْنُ عُبَادَةَ مَعَ عَلِيٍّ عَلَى مُقَدِّمَتَهُ ، وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلاَفٍ قَدْ حَلَقُوا رُؤُوسَهُمْ بَعْدَ مَا مَاتَ عَلِيٌّ ، فَلَمَّا دَخَلَ الْحَسَنُ فِي بَيْعَةِ مُعَاوِيَةَ أَبَى قَيْسٌ أَنْ يَدْخُلَ ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ : مَا شِئْتُمْ ، إنْ شِئْتُمْ جَالَدْت بِكُمْ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَخَذْت لَكُمْ أَمَانًا ، فَقَالُوا لَهُ : خُذْ لَنَا أَمَانًا ، فَأَخَذَ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ كَذَا وَكَذَا ، وَلاَ يُعَاقَبُوا بِشَيْءٍ وَإِنِّي رَجُلٌ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ خَاصّة شَيْئًا ، فَلَمَّا ارْتَحَل نَحْوَ الْمَدِينَةِ وَمَضَى بِأَصْحَابِهِ جَعَلَ يَنْحَرُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ جَزُورًا حَتَّى بَلَغَ.

 

ورضي الحسن لاحقًا بالصلح كما في كتب التاريخ وروى ابن أبي شيبة:

 

38527- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، قَالَ : حدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ الصُّلْحُ بَيْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ أَرَادَ الْحَسَنُ الْخُرُوجَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : مَا أَنْتَ بِاَلَّذِي تَذْهَبُ حَتَّى تَخْطُبَ النَّاسَ ، قَالَ : قَالَ الشَّعْبِيُّ : فَسَمِعْته عَلَى الْمِنْبَرِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أما بعد فَإِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى ، وَإِنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفُجُورُ ، وَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ أَنَا فِيهِ وَمُعَاوِيَةُ حَقٌّ كَانَ لِي ، فَتَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ ، أَوْ حَقٌّ كَانَ لامْرِىءٍ أَحَقَّ بِهِ مِنِّي ، وَإِنَّمَا فَعَلْت هَذَا لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين} ثُمَّ نَزَلَ.

 

38512- حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ الْهَمْدَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْغَرِيف قَالَ : كُنَّا مُقَدَّمَةَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا بِمَسْكَنٍ مُسْتَمِيتِينَ تَقْطُرُ سُيُوفُنَا مِنَ الْجِدِّ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ وَعَلَيْنَا أَبُو الْعَمَرَّطة ، قَالَ : فَلَمَّا أَتَانَا صُلْحُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ كَأَنَّمَا كُسِرَتْ ظُهُورُنَا مِنَ الْحُزْنِ وَالْغَيْظِ ، قَالَ : فَلَمَّا قَدِمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفَةَ قَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنَّا يُكْنَى أَبَا عَامِرٍ ، فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْك يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ : لاَ تَقُلْ ذَاكَ يَا أَبَا عَامِرٍ ، وَلَكِنِّي كَرِهْت أَنْ أَقْتُلَهُمْ طَلَبَ الْمُلْكِ ، أَوْ عَلَى الْمُلْكِ.

 

38513- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، قَالَ : حدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ الْمُثَنَّى ، عَنْ جَدِّهِ رِيَاحِ بْنِ الْحَارِثِ ، قَالَ : قَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ وَفَاةِ عَلِي ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ ، وَإِنَّ أَمْرَ اللهِ وَاقِعٌ وَإِنْ كَرِهَ النَّاسُ ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ إِلَيَّ مِنْ أَمْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا يَزِنُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ يُهْرَاقُ فِيهَا مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ مُنْذُ عَلِمْت مَا يَنْفَعُنِي مِمَّا يَضُرُّنِي ، فَالْحَقُوا بِمَطِيِّكُمْ .

 

31222- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْد بْنُ عُبَادَةَ مَعَ عَلِيٍّ عَلَى مُقَدِّمَتَهُ ، وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلاَفٍ قَدْ حَلَقُوا رُؤُوسَهُمْ بَعْدَ مَا مَاتَ عَلِيٌّ ، فَلَمَّا دَخَلَ الْحَسَنُ فِي بَيْعَةِ مُعَاوِيَةَ أَبَى قَيْسٌ أَنْ يَدْخُلَ ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ : مَا شِئْتُمْ ، إنْ شِئْتُمْ جَالَدْت بِكُمْ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَخَذْت لَكُمْ أَمَانًا ، فَقَالُوا لَهُ : خُذْ لَنَا أَمَانًا ، فَأَخَذَ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ كَذَا وَكَذَا ، وَلاَ يُعَاقَبُوا بِشَيْءٍ وَإِنِّي رَجُلٌ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ خَاصّة شَيْئًا ، فَلَمَّا ارْتَحَل نَحْوَ الْمَدِينَةِ وَمَضَى بِأَصْحَابِهِ جَعَلَ يَنْحَرُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ جَزُورًا حَتَّى بَلَغَ.

 

ورغم ذلك فبسبب خشية معاوية منه يقال أنه سمه على يد إحدى زوجاته، وروى ابن أبي شيبة:

 

38514- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : دَخَلْت أَنَا وَرَجُلٌ علَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَعُودُهُ ، فَجَعَلَ يَقُولُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ : سَلْنِي قَبْلَ أَنْ لاَ تَسْأَلنِي ، قَالَ : مَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَك شَيْئًا ، يُعَافِيك اللَّهُ ، قَالَ : فَقَامَ فَدَخَلَ الْكَنِيفَ ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا ، ثُمَّ قَالَ : مَا خَرَجْت إلَيْكُمْ حَتَّى لَفَظْت طَائِفَةً مِنْ كَبِدِي أُقَلِّبُهَا بِهَذَا الْعُود ، وَلَقَدْ سُقِيت السُّمَّ مِرَارًا مَا شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ الْمَرَّةِ ، قَالَ : فَغَدَوْنَا عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ فَإِذَا هُوَ فِي السُّوقِ ، قَالَ : وَجَاءَ الْحُسَيْنُ فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَقَالَ : يَا أَخِي ، مَنْ صَاحِبُك ؟ قَالَ : تُرِيدُ قَتْلَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : لَئِنْ كَانَ الَّذِي أَظُنُ ، لَلَّهُ أَشَدُّ نِقْمَةً ، وَإِنْ كَانَ بَرِيئًا فَمَا أُحِبُّ أَنْ يُقْتَلَ بَرِيءٌ.

 

وعن ترضية الحسين ذكر:

 

31200- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ ، قَالَ : حدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ : أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ : لأَجِيزَنَّكَ بِجَائِزَةٍ لَمْ أُجِزْ بِهَا أَحَدًا قَبْلَك ، وَلاَ أُجِيزُ بِهَا أَحَدًا بَعْدَكَ مِنَ الْعَرَبِ ، فَأَجَازَهُ بِأَرْبَعِمِئَةِ أَلْفٍ ، فَقَبِلَهَا.

 

إلا أن الحسين ثار في النهاية في محاولة لاننزاع الحكم في عهد يزيد بن معاوية.

 

معاوية ومن بعده الأمويون أمروا بسب علي ونسله على المنابر

 

روى مسلم:

 

[ 2404 ] حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد وتقاربا في اللفظ قالا حدثنا حاتم وهو بن إسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال ما منعك ان تسب أبا التراب فقال أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن اسبه لان تكون لي واحدة منهن أحب الي من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا فأتي به ارمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم }  دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي

 

وروى أحمد:

 

1629 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي رِيَاحُ بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ، وَعِنْدَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ يُدْعَى سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، فَحَيَّاهُ الْمُغِيرَةُ وَأَجْلَسَهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ عَلَى السَّرِيرِ . فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَاسْتَقْبَلَ الْمُغِيرَةَ، فَسَبَّ وَسَبَّ، فَقَالَ: مَنْ يَسُبُّ هَذَا يَا مُغِيرَةُ ؟ قَالَ: يَسُبُّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: يَا مُغِيرَ بْنَ شُعْبَ، يَا مُغِيرَ بْنَ شُعْبَ ثَلاثًا، أَلا أَسْمَعُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبُّونَ عِنْدَكَ ؟ لَا تُنْكِرُ وَلا تُغَيِّرُ، فَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا سَمِعَتِ أذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنِ أرْوِي عَنْهُ كَذِبًا يَسْأَلُنِي عَنْهُ إِذَا لَقِيتُهُ، أَنَّهُ قَالَ: " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْجَنَّةِ، وَتَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ " لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ، قَالَ: فَضَجَّ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يُنَاشِدُونَهُ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ التَّاسِعُ ؟ قَالَ: نَاشَدْتُمُونِي بِاللهِ، وَاللهِ عَظِيمِ أَنَا تَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْعَاشِرُ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ يَمِينًا، قَالَ: وَاللهِ لَمَشْهَدٌ شَهِدَهُ رَجُلٌ يُغَبِّرُ فِيهِ وَجْهَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ . وَلَوْ عُمِّرَ عُمُرَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ

 

إسناده صحيح. يحيى بن سعيد: هو القطان.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/95-96 من طريق أحمد بن حنبل، بهذا الإسناد.

وأخرجه بنحوه ابن أبي عاصم في "السنة" (1433) ، والنسائي في "الكبرى" (8193) من طريق يحيى بن سعيد، به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/12-13 و42، وأبو داود (4650) ، وابن ماجه (133) ، وابن أبي عاصم (1434) و (1435) ، وعبدُ الله بن الإمام أحمد في "زوائد الفضائل" (90) و (91) ، والنسائي في "الكبرى" (8219) ، والشاشي (216) من طريق صدقة بن المثنى، به. وبعضهم يزيد فيه على بعض.

وأخرجه ابنُ أبي عاصم (1436) عن يعقوب بنِ يحيى، عن صدقة، عن رياح، عن جدَه، عن سعيد بنِ زيد، به. وانظر (1631) ، وفي مسند عبد الرحمن بن عوف (1675) .

 

1631 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحُرِّ بْنِ الصَّيَّاحِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَخْنَسِ، قَالَ: خَطَبَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَالَ مِنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَامَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ " وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَ الْعَاشِرَ

 

إسناده حسن في المتابعات، عبد الرحمن بن الأخنس روى عنه اثنان، وذكره ابنُ حبان في "الثقات"، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غيرَ الحر بن الصياح، فقد روى له أبو داود والترمذي والنسائي، وهو ثقة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 12/88 و90 و92 و94، وابنُ أبي عاصم في "السنة" (1429) ، والنسائي في "الكبرى" (8210) ، وأبو يعلى (971) من طريق وكيع،

بهذا الإسناد.

وأخرجه الطيالسي (236) ، وأبو داود (4649) ، وابن أبي عاصم (1430) و (1431) ، والشاشي (190) و (191) و (210) ، وابن حبان (6993) من طرق عن شعبة، به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/15، والنسائي في "الكبرى" (8156) و (8204) ، والشاشي (192) و (194) و (195) من طريق الحر بن الصياح، به.

وأخرجه الشاشي (225) من طريق حنش بن الحارث، عن الحر بن الصياح، عن سعيد بنِ زيد. وسيأتي برقم (1637) .

وقوله في هذا الحديث" أن المغيرة نال من على"، مخالف لما تقدم بإسناد صحيح برقم (1629) من أن رجلاً آخر نال منه عند المغيرة.

 

26748 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي (1) عَبْدِ اللهِ الْجَدَلِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لِي: أَيُسَبُّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكُمْ ؟ قُلْتُ: مَعَاذَ اللهِ، أَوْ سُبْحَانَ اللهِ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ سَبَّ عَلِيًّا، فَقَدْ سَبَّنِي " (2)

 

(1) قوله: أبي، سقط من (م) .

(2) إسناده صحيح، أبو إسحاق السَّبيعي - وإن اختلط - فإن رواية إسرائيل عنه في غاية الإتقان للزومه إياه. ورجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير أبي عبد الله الجَدَلي - واسمه عبد بن عبد، وقيل: عبد الرحمن بن عبد - فقد روى له أبو داود والترمذي والنسائي في "فضائل الصحابة"، وهو ثقة. إسرائيل: هو ابنُ يونُس بن أبي إسحاق السَّبيعي.

وأخرجه الحاكم 3/121 من طريق يحيى بن أبي بُكير، بهذا الإسناد.

وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

وأخرجه ابنُ أبي شيبة 12/76-77، والطبرني في "الكبير" 23/ (737) من طريق فطر بن خليفة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الله الجَدَلي قال:

قالت لي أمُّ سَلَمة: يا أبا عبد الله، أَيُسَبُّ رسولُ اللّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكم، ثم لا تغيّرون؟

قلت: ومن يَسُبُّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: يُسَبُّ عليّ ومَن يحبُّه، وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحبُّه. وفطر بن خليفة ثقة، لكن لا يعرف سماعه من أبي إسحاق أقبل اختلاطه أم بعده؟

وأخرجه الحاكم 1/121 من طريق بُكير بن عثمان البجلي، عن أبي إسحاق، به. وفيه قصة، وزاد في آخره: "ومن سبَّني فقد سحبَّ الله تعالى".

وبكير بن عثمان مجهول، تفرَّد بالرواية عنه جندل بن والق.

وأخرجه أبو يعلى (7013) ، والطبرني في "الكبير" 23/ (738) ، وفي "الصغير" (822) من طريق السُّدِّي، عن أبي عبد الله الجَدَلي، به، بمثل رواية فطر بن خليفة السالفة. والسُّدِّي: هو إسماعيل بن عبد الرحمن، حسن الحديث.

وفي الباب عن عمرو بن شاس، سلف مطولاً برقم (15960) وفيه: "من آذى علياً فقد آذاني ". وبمثل هذا اللفظ عن سعد بن أبي وقاص عند البزار (6562) "زوائد"، وأبي يعلى (770) .

 

22945 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْيَمَنَ فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ عَلِيًّا فَتَنَقَّصْتُهُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ فَقَالَ: " يَا بُرَيْدَةُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين . ابن أبي غَنِيَّة: هو عبد الملك بن حُميد الخُزاعي، والحكَم: هو ابن عُتَيبَة الكِنْدي. وهو في "فضائل الصحابة" للمصنف (989). وأخرجه ابن أبي شيبة 12/83-84، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2357) ، والنسائي في "الكبرى" (8145) ، وفي "خصائص علي" (82) ، والحاكم 3/110، وأبو نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة" (1230) ، وفي "أخبار أصبهان" 2/129-130، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ورقة 209 من طريق أبي نعيم الفضل بن دُكين، بهذا الإسناد.

 

15960 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نِيَارٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَلِيٍّ إِلَى الْيَمَنِ، فَجَفَانِي فِي سَفَرِي ذَلِكَ، حَتَّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ أَظْهَرْتُ شَكَايَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ذَاتَ غَدَاةٍ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَآنِي أَبَدَّنِي عَيْنَيْهِ - يَقُولُ: حَدَّدَ إِلَيَّ النَّظَرَ - حَتَّى إِذَا جَلَسْتُ، قَالَ: " يَا عَمْرُو، وَاللهِ لَقَدْ آذَيْتَنِي " قُلْتُ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أُوذِيَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " بَلَى مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي "

 

إسناده ضعيف، الفضل بن معقل بن سنان- وسماه ابن حبان: الفضل ابن عبد الله بن معقل بن سنان، وقال: ومن قال: الفضل بن معقل، فقد نسبه إلى جده- ترجم له البخاري وابنُ أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال ابن حبان في "الثقات": روى عنه أبانُ بنُ صالح ومحمد بن إسحاق.

وقال الحسيني في "الإكمال": ليس بمشهور. وعبدُ الله بن نيار لم يصح سماعه من خاله عمرو بن شاس، قال ابن معين في "تاريخه" ص 322: حديث عبد الله ابن نيار، عن عمرو بن شاس ليس هو بمتصل، لأن عبد الله بن نيار يروي عنه ابن أبي ذئب، أو قال: يروي عنه القاسم بن عباس- شك أبو الفضل- لا يشبه أن يكون رأى عمرو بن شاس. وباقي رجال الإسناد ثقات غير أن محمد بن

إسحاق قد عنعنه. يعقوب بن إبراهيم: هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري.

وأخرجه الحاكم 3/122، وابنُ الأثير 4/240 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي !

وأخرجه أحمدُ بن أبي خيثمة في "تاريخه"- ومن طريقه ابن عبد البر في "الاستيعاب" 8/320- عن أبيه، عن يعقوب بن إبراهيم، شيخ أحمد، به.

وأخرجه البزار (2561) "زوائد" عن زُريق (وقد تحرف في المطبوع من الزوائد إلى ريق) بن السخت، عن يعقوب بن إبراهيم، به. لم يذكر أبان بن صالح في إسناده، وقال: لا نعلم روى عمرو ابن شاس إلا هذا. قلنا: ووقع فيه: بن يسار، بدل: بن سنان.

وأخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/329- 330، والبيهقي في "الدلائل" 5/395 من طريق عبد الرحمن بن مغراء، عن محمد بن إسحاق، به.

وأخرجه البخاري في "التاريخ" 6/306-307 من طريق عبد العزيز بن الخطاب، عن مسعود بن سعد، عن محمد بن إسحاق، به. دون ذكر القصة.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/75، وابن حبان (6923) ، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 8/320 من طريق مالك بن إسماعيل، عن مسعود بن سعد، عن ابن إسحاق، به، لم يذكر أبان بن صالح. وتحرف اسم مسعود في مطبوع ابن أبي شيبة إلى: مسعر، ووقع في إسناده زيادة: عبد الله بن معقل، بين الفضل ابن معقل وبين عبد الله بن نيار، وهو خطأ.

وأخرجه البيهقي في "الدلائل" 5/394 من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثنا أبان بن صالح، عن عبد الله بن نيار، عن عمرو بن شاس، به.

بإسقاط الفضل بن معقل. وهذا انقطاع آخر.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 9/129، وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار، والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات !

وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص عند البزار (2562) ، وأبي يعلى (770) ، وأورده الهيثمي في "المجمع" 9/129، وقال: رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمود بن خداش، وقَنَان، وهما ثقتان.

قلنا: قَنَان- هو ابن عبد الله النهمي- روى عنه جمع، ووثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات" ، وقال ابن عدي: كوفي عزيز الحديث، وليس يتبين على مقدار ماله ضعف، وقال النسائي وحده: ليس بالقوي.

 

22943 - حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنْ حَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَإِذَا رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ بُرَيْدَةُ: يَا مُعَاوِيَةُ، تَأْذَنُ لِي فِي الْكَلَامِ . فَقَالَ: نَعَمْ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ سَيَتَكَلَّمُ بِمِثْلِ مَا قَالَ الْآخَرُ، فَقَالَ بُرَيْدَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَشْفَعَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدَدَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ، وَمَدَرَةٍ " قَالَ: تَرْجُوهَا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ وَلَا يَرْجُوهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؟!

إسناده ضعيف لضعف أبي إسرائيل، وهو إسماعيل بن خليفة العَبْسي . ابن بريدة: هو عبد الله بن بريدة .

وأخرجه مختصراً ابن الأعرابي في "معجمه" (291) من طريق عفان بن الربيع المهدي، والخطيب البغدادي في "تاريخه" 12/330 من طريق غسان بن الربيع الغساني، كلاهما عن أبي إسرائيل المُلائي، بهذا الإسناد .

وأخرج الطبراني في "الأوسط" (4112) من طريق سهل بن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن جده بريدة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "أكثيرٌ الحَجَرُ والشَّجرُ -ثلاث مراتٍ- ؟" قلنا: نعم . قال: "والذي نفسي بيده، لشفاعتي أكثرُ من الحَجَرِ والشَّجرِ" . قلنا: وهذا إسناد ضعيف لا يفرح به من أجل سهل بن عبد الله بن بريدة، فإنه ضعيفاً جداً .

وفي الباب عن أُنيس الأنصاري عند ابن قانع في "معجم الصحابة" 1/67، والطبراني في "الأوسط" (5356) ، وأبي نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة" (851) و (855) . قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/37: إسناده ليس بالقوي .

قلنا: هو مسلسل بالضعفاء شهر بن حوشب وميمون بن سِيَاه وعباد بن راشد، ثلاثتُهم ضعفاء .

وقوله: "فإذا رجل يتكلم" قال السندي: أي بكلام مكروه في شأن علي بن أبي طالب .

وقوله: "مَدَرَة": واحدة المَدَر، وهو قِطَع الطِّين اليابس .

 

وروى الطبراني في ج5 من المعجم الكبير:

 

4974- حَدَّثَنَا أَبُو الشَّيْخِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الأَصْبَهَانِيُّ ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا ، قَالاَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ السَّقَطِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ ، عَنْ عَمِّهِ ، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ نَالَ مَنَّ عَلَيَّ فَقَامَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ ، فَقَالَ : يَا مُغِيرَةُ ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ ؟ فَلِمَ تَسُبَّ عَلِيًّا وَقَدْ مَاتَ ؟.

 

وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/76، وقال: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحد أسانيد الطبراني ثقات.

وأخرجه الحاكم في "المستدرك" 1/384-385 من طريقين عن عمرو بن محمد بن أبي رزين الخزاعي، عن شعبة، عن مسعر، عن زياد بن علاقة، عن عمه قطبة بن مالك، أن المغيرة بن شعبة نال من علي، فقام إليه زيد.... وعمرو بن محمد بن أبي رزين صدوق حسن الحديث، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي.

وأخرجه أبو عوانة (كما في "إتحاف المهرة" 4/587) من طريقي شعبة وزهير بن معاوية، عن أبي إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم، وإسناده صحيح. زهير بن معاوية- وإن روى عن أبي إسحاق بعد الاختلاط- متابع.

وانظر بنحوه بإسناد ضعيف عند أحمد 19288 و19315.

وفي باب النهي عن سبِّ الأموات عن ابن عباس عند أحمد برقم (3734) ، وذكرنا هناك بقية أحاديث الباب.

 

وروى الحاكم في المستدرك:

 

1419 - حدثنا أبو بكر محمد بن داود بن سليمان ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية ثنا رجاء بن محمد العذري ثنا عمرو بن محمد بن أبي رزين ثنا شعبة عن مسعر عن زياد بن علاقة عن عمه : أن المغيرة بن شعبة سب علي بن أبي طالب فقام إليه زيد بن أرقم فقال  يا مغيرة ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الأموات فلم تسب عليا وقد مات

 هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا إنما اتفقا على حديث الأعمش عن مجاهد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا

 

وفي تاريخ الطبري أحداث سنة 51:

 

سنة إحدى وخمسين

(ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمما كَانَ فِيهَا مشتى فضالة بن عبيد بأرض الروم، وغزوة بسر بن أبي أرطاة الصائفة، ومقتل حجر بن عدى واصحابه.

 

ذكر مقتل حجر بن عدي وأَصْحَابه

ذكر سبب مقتله:

قال هشام بن مُحَمَّد، عن أبي مخنف، عن المجالد بن سعيد، والصقعب ابن زهير، وفضيل بن خديج، والحسين بن عُقْبَةَ المرادي، قَالَ: كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَاجَتْمَعَ حديثهم فِيمَا سقت من حديث حجر ابن عدي الكندي وأَصْحَابه: أن مُعَاوِيَة بن أَبِي سُفْيَانَ لما ولي الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ الْكُوفَة فِي جمادى سنة إحدى وأربعين دعاه، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فإن لذي الحلم قبل الْيَوْم مَا تقرع العصا، وَقَدْ قَالَ المتلمس:

لذي الحلم قبل الْيَوْم مَا تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما

وَقَدْ يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وَقَدْ أردت إيصاءك بأشياء كثيرة، فأنا تاركها اعتمادا عَلَى بصرك بِمَا يرضيني ويسعد سلطاني، ويصلح بِهِ رعيتي، ولست تاركا إيصاءك بخصلة: لا تتحم عن شتم علي وذمه، والترحم عَلَى عُثْمَانَ والاستغفار لَهُ، والعيب عَلَى أَصْحَاب علي، والإقصاء لَهُمْ، وترك الاستماع مِنْهُمْ، وبإطراء شيعة عُثْمَان رضوان اللَّه عَلَيْهِ، والإدناء لهم، والاسماع مِنْهُمْ فَقَالَ الْمُغِيرَة: قَدْ جربت وجربت، وعملت قبلك لغيرك، فلم يذمم بي دفع وَلا رفع وَلا وضع، فستبلو فتحمد أو تذم قَالَ:

بل نحمد إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَ أَبُو مخنف: قَالَ الصقعب بن زهير: سمعت الشَّعْبِيّ يقول: مَا ولينا وال بعده مثله، وإن كَانَ لاحقا بصالح من كَانَ قبله من العمال.

وأقام الْمُغِيرَة عَلَى الْكُوفَة عاملا لمعاوية سبع سنين وأشهرا، وَهُوَ من أحسن شَيْء سيرة، وأشده حبا للعافية، غير أنه لا يدع ذم علي والوقوع فِيهِ والعيب لقتلة عُثْمَان، واللعن لَهُمْ، والدعاء لِعُثْمَانَ بالرحمة والاستغفار لَهُ، والتزكية لأَصْحَابه، فكان حجر بن عدي إذا سمع ذَلِكَ قَالَ: بل إياكم فذمم اللَّه ولعن! ثُمَّ قام فَقَالَ:

إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يقول: «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ» ، وأنا أشهد أن من تذمون وتعيرون لأحق بالفضل، وأن من تزكون وتطرون أولى بالذم فيقول الْمُغِيرَة: يَا حجر، لقد رمي بسهمك، إذ كنت أنا الوالي عَلَيْك، يَا حجر ويحك! اتق السلطان، اتق غضبه وسطوته، فإن غضبة السلطان أحيانا مما يهلك أمثالك كثيرا ثُمَّ يكف عنه ويصفح.

فلم يزل حَتَّى كَانَ فِي آخر إمارته قام المغيرة فَقَالَ فِي علي وعثمان كما كَانَ يقول، وكانت مقالته: اللَّهُمَّ ارحم عُثْمَان بن عَفَّانَ وتجاوز عنه، وأجزه بأحسن عمله، فإنه عمل بكتابك، واتبع سنه نبيك ص، وجمع كلمتنا، وحقن دماءنا، وقتل مظلوما، اللَّهُمَّ فارحم أنصاره وأولياءه ومحبيه والطالبين بدمه! ويدعو عَلَى قتلته فقام حجر بن عدي فنعر نعرة بالْمُغِيرَة سمعها كل من كَانَ فِي المسجد وخارجا مِنْهُ، وَقَالَ: إنك لا تدري بمن تولع من هرمك! أيها الإنسان، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا، فإنك قَدْ حبستها عنا، وليس ذَلِكَ لك، ولم يكن يطمع فِي ذَلِكَ من كَانَ قبلك، وَقَدْ أصبحت مولعا بذم أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وتقريظ المجرمين قَالَ:

فقام مَعَهُ أكثر من ثلثي الناس يقولون: صدق وَاللَّهِ حجر وبر، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا، فإنا لا ننتفع بقولك هَذَا، وَلا يجدي علينا شَيْئًا، وأكثروا فِي مثل هَذَا القول ونحوه فنزل الْمُغِيرَة، فدخل واستأذن عَلَيْهِ قومه، فأذن لَهُمْ، فَقَالُوا: علام تترك هَذَا الرجل يقول هَذِهِ المقالة، ويجترئ عَلَيْك فِي سلطانك هَذِهِ الجرأة! إنك تجمع عَلَى نفسك بهذا خصلتين: أما أولهما فتهوين سلطانك، وأما الأخرى فإن ذَلِكَ إن بلغ مُعَاوِيَة كان اسخط له عليه- وَكَانَ أشدهم لَهُ قولا فِي أمر حجر والتعظيم عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ أبي عقيل الثقفي- فَقَالَ لَهُمُ الْمُغِيرَة: إني قَدْ قتلته، إنه سيأتي أَمِير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع بِهِ شبيها بِمَا ترونه يصنع بي، فيأخذه عِنْدَ أول وهلة فيقتله شر قتلة، إنه قَدِ اقترب أجلي، وضعف عملي، وَلا أحب أن أبتدئ أهل هَذَا المصر بقتل خيارهم، وسفك دمائهم، فيسعدوا بِذَلِكَ وأشقى، ويعز فِي الدُّنْيَا مُعَاوِيَة، ويذل يوم الْقِيَامَة الْمُغِيرَة، ولكني قابل من محسنهم، وعاف عن مسيئهم، وحامد حليمهم، وواعظ سفيههم، حَتَّى يفرق بيني وبينهم الموت، وسيذكروننى لو قَدْ جربوا العمال بعدي قَالَ أَبُو مخنف: سمعت عُثْمَان بن عُقْبَةَ الكندي، يقول: سمعت شيخا للحي يذكر هَذَا الحديث يقول: قد والله جربناهم فوجدناه خيرهم، احمدهم للبرىء، وأغفرهم للمسيء، وأقبلهم للعذر.

 

عبد الله بن العباس يسب الأشعث لسبه عليًّا في حضور وبرضا معاوية

 

روى الطبراني في المعجم الكبير ج1

656- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَوْهَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْهِلاَلِيُّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : اسْتَأْذَنَ الأَشْعَثُ عَلَى مُعَاوِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْكُوفَةِ ، فَحَجَبَهُ مَلِيًّا ، وَعِنْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ : أَعَنْ هَذَيْنِ حَجَبْتَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ تَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُمَا جَاءَنَا فَمَلأَنَا كَذِبًا - يَعْنِي عَلِيًّا - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَتُرَانِي أَسُبُّكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ ؟ قَالَ : مَا سُبَّ عَرَبِيُّ خَيْرٌ مِنِّي ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : عَبْدُ مَهْرَةَ قَتَلَ جَدَّكَ ، وَطَعَنَ فِي اسْتِ أَبِيكَ . فَقَالَ : أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ لِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : أَنْتَ بَدَأْتَ.

 

إن الرجل المتدين عمر بن عبد العزيز من الأمويين هو من أزال سب علي من الخطبة يوم الجمعة وأمر بوضع الديباجة الشهيرة المعروفة اليوم: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى...إلخ و: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

 

ليس من النبل في شيء أن تسب شخصًا ميتًا راحلًا عن العالم لم يعد له وجود ولا وعي، ولا يستطيع أهله وأنصاره الدفاع عنه بقوة بسبب أن السلطة في يديك أنت، فهذا من أخس السلوكيات وشخص كمعاوية يعتبره السنة والإباضية صاحبيًّا قديسًا مرويًّا عنه الكثير من الأحاديث والسنن المنسوبة إلى محمد، ولا شك لو تتبعنا الشيعة كذلك سنجد الكثير من رواتهم وقديسيهم لا يقلون سوءً وخسة.

 

في عصر عبد الملك بن مروان

 

روى ابن أبي شيبة:

 

31259- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَن بْنَ أَبِي لَيْلَى ضَرَبَهُ الْحَجَّاجُ وَأَوْقَفَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ، قَالَ : فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ : الْعَنِ الْكَذَّابِينَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : لَعَن اللَّهُ الْكَذَّابِينَ ، ثُمَّ سَكَتَ حِينَ سَكَتَ ، ثُمَّ يَقُولُ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ ، فَعَرَفْت حِينَ سَكَتَ ، ثُمَّ ابْتَدَأَهُمْ فَعَرَّفَهُمْ ، أَنَّهُ لَيْسَ يُرِيدُهُمْ.

 

31277- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْجُعْفِيُّ ، قَالَ : أَرْسَلِ الْحَجَّاجُ إلَى سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ فَقَالَ : لاَ تَؤُمَّ قَوْمَك ، وَإِذَا رَجَعْت فَاسْبِبْ عَلِيًّا ، قَالَ : قُلْتُ : سَمْع وَطَاعَة.

 

يعني مقصوده أنه آثر اعتزال الخطابة الدينية.

 

بسر بن أرطأة

 

روى ابن ابي شيبة:

 

31203- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ وَهْبِ بْن كَيْسَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ : لَمَّا كَانَ عَامُ الْجَمَاعَةِ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إلَى الْمَدِينَةِ بُسْرَ بْنَ أَرْطَاةَ لِيُبَايِعَ أَهْلَهَا عَلَى رَايَاتِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ جَاءَتْهُ الأَنْصَارُ ، جَاءَتْهُ بَنُو سَلِمة ، قَالَ : أَفِيهِمْ جَابِرٌ ؟ قَالُوا : لاَ ، قَالَ : فَلْيَرْجِعُوا فَإِنِّي لَسْتُ مُبَايِعَهُمْ حَتَّى يَحْضُرَ جَابِرٌ ، قَالَ : فَأَتَانِي ، فَقَالَ : نَاشَدْتُك اللَّهَ إلاَّ مَا انْطَلَقْت مَعَنا فَبَايَعْت فَحَقَنْت دَمَك وَدِمَاءَ قَوْمِكَ ، فَإِنَّك إنْ لَمْ تَفْعَلْ قُتِلَتْ مُقَاتِلَتُنَا وَسُبِيَتْ ذَرَارِيّنَا ، قَالَ : فَأَسْتَنْظَرْتهُمْ إلَى اللَّيْلِ ، فَلَمَّا أَمْسَيْت دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتهَا الْخَبَرَ فَقَالَتْ : يَا ابْنَ أَخِي ، انْطَلِقْ فَبَايِعْ وَاحْقِنْ دَمَك وَدِمَاءَ قَوْمِكَ ، فَإِنِّي قَدْ أَمَرْت ابْنَ أَخِي يَذْهَبُ فَيُبَايِعُ.

 

وذكرت كتب التاريخ قيام بسر بن أرطأة بسبي نساء من قبائل وأقوام قاومت حكم معاوية.

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير ج22:

 

117- حَدَّثَنَا أَبُو هِنْدٍ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُجْرِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيِّ بِالْكُوفَةِ قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ يَحْيَى ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ : لَمَّا بَلَغَنَا ظُهُورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجْتُ ، وَافِدًا عَنْ قَوْمِي حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ، فَلَقِيتُ أَصْحَابَهُ قَبْلَ لِقَائِهِ فَقَالُوا : قَدْ بَشَّرْنَا بِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُقِدَمَ عَلَيْنَا بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ : قَدْ جَاءَكُمْ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ ثُمَّ لَقِيتُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَرَحَّبَ بِي ، وأَدْنَا مَجْلِسِي ، وَبَسَطَ لِي رِدَاءَهُ فَأَجْلَسَنِي عَلَيْهِ ، ثُمَّ دَعَا فِي النَّاسِ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، ثُمَّ اطَّلَعَ الْمِنْبَرَ ، وأَطْلَعَنِي مَعَهُ فَأَنَا مِنْ دُونِهِ ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، هَذَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ أَتَاكُمْ مِنْ بِلاَدٍ بَعِيدَةٍ مِنْ بِلاَدِ حَضْرَمَوْتَ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرِهٍ بَقِيَّةُ ، أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ ، بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ ، يَا وَائِلُ ، وَفِي وَلَدِكَ ، وَفِي وَلَدِ وَلَدِكَ ، ثُمَّ نَزَلَ وَأَنْزَلَنِي مَعَهُ وَأَنْزَلَنِي مَنْزِلاً شَاسَعًا مِنَ الْمَدِينَةِ ، وَأَمَرَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يُنْزِلَنِي إِيَّاهُ ، فَخَرَجْتُ وَخَرَجَ مَعِي حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ : يَا وَائِلُ ، إِنَّ الرَّمْضَاءَ قَدْ أَصَابَتْ بَاطِنَ قَدَمَيَّ فَأَرْدَفَنِي خَلْفَكَ ، قُلْتُ : مَا أَضِنُّ عَنْكَ بِهَذِهِ النَّاقَةِ ، وَلَكِنْ لَسْتَ مِنْ أَرْدَافِ الْمُلُوكِ ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُعَيَّرَ بِكَ قَالَ : فَأَلْقِ إِلَيَّ حِذَاءَكَ أَتَوَقَّى بِهِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ قَالَ : مَا أَضِنُّ عَنْكَ بِهَاتَيْنِ الْجِلْدَتَيْنِ ، وَلَكِنْ لَسْتَ مِمَّنْ يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمُلُوكِ ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُعَيَّرَ بِكَ ، فَلَمَّا أَرَدْتُ الرُّجُوعَ إِلَى قَوْمِي أَمَرَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُتُبٍ ثَلاَثَةٍ مِنْهَا : كِتَابٌ لِي خَالِصٌ يُفَضِّلُنِي فِيهِ عَلَى قَوْمِي ، وَكِتَابٌ لِي وَلأَهْلِ بَيْتِي بِأَمْوَالِنَا هُنَالِكَ ، وَبكِتَابٌ لِي وَلِقَوْمِي ، فِي كِتَابِي الْخَالِصِ ، بِسْمِ اللهِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى الْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ : أَنَّ وَائِلاً يَسْتَسْعَى وَيَتَرَفَّلُ فِي الأَقْبَالِ حَيْثُ كَانُوا مِنْ حَضْرَمَوْتَ ، وَفِي كِتَابِي الَّذِي لِي وَلأَهْلِ بَيْتِي ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى الْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ لأَبْنَاءِ مَعْشَرٍ ، وَأَبْنَاءِ ضِمْعَاجٍ أَقْيَالُ شَنُوءَةَ بِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ مُلْكٍ ومَرَاهِنَ ، وَعِمْرَانَ ، وَبَحْرٍ ، وَمِلْحٍ ، وَمَحْجَرٍ ، وَمَا كَانَ مِنْ مَالٍ أَترَّثُوهُ وَمَاءٍ يَنَابِعَ وَمَا لَهُمْ فِيهَا مِنْ مَالٍ بِحَضْرَمَوْتَ أَعْلاَهَا وأَسْفَلَهَا عَلَى الذِّمَّةِ وَالْجِوَارِ ، اللَّهُ لَهُمْ جَارٌ ، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ أَنْصَارٌ ، وَفِي الْكِتَابِ الَّذِي لِي وَلِقَوْمِي ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَالأَقْوَالُ الْعَيَاهِلَةِ مِنْ حَضْرَمَوْتَ بإِقامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ مِنَ الصِّرْمَةِ التَّبِعَةِ ، وَلِصَاحِبِهَا الثِّيمَةُ لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ وَلاَ شِغَارَ وَلاَ وِرَاطَ فِي الإِسْلاَمِ ، لِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنَ السَّرَايَا مَا يَحْمِلُ الْقِرَابُ مِنَ التَّمْرِ مِنْ أَجْبَا فَقَدْ أَرْبَى ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، فَلَمَّا مَلَكَ مُعَاوِيَةُ بَعَثَ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ ، يُقَالُ لَهُ بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ ، وَقَالَ لَهُ : لَقَدْ ضَمَمْتَ إِلَيْكَ النَّاحِيَةَ فَاخْرَجْ بِجَيْشِكَ ، فَإِذَا خَلَّفْتَ أَفْوَاهَ الشَّامِ فَضَعْ سَيْفَكَ ، فَاقْتُلْ مَنْ أَبَى بَيْعَتِي حَتَّى تَصِيرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ ادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَاقْتُلْ مَنْ أَبَى بَيْعَتِي ، ثُمَّ اخْرُجْ إِلَى حَضْرَمَوْتَ فَاقْتُلْ مَنْ أَبَى بَيْعَتِي ، وَإِنْ أَصَبْتَ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ حَيًّا فَائْتِنِي بِهِ فَفَعَلَ فَأَصَابَ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ حَيًّا ، فَجَاءَ بِهِ إِلَيْهِ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَتَلَقَّى وَأَذِنَ لَهُ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَسَرِيرِي هَذَا أَفْضَلُ أَمْ ظَهْرُ نَاقَتِكَ ؟ قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَكُفْرٍ ، وَكَانَتَ تِلْكَ سِيرَةَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقَدْ أَتَانَا اللَّهُ الْيَوْمَ بِالإِسْلاَمِ فَسِيرَةُ الإِسْلاَمِ مَا فَعَلْتَ قَالَ : فَمَا مَنَعَكَ مِنْ نَصْرِنَا وَقَدِ اتَّخَذَكَ عُثْمَانُ ثِقَةً وَصِهْرًا ؟ قُلْتُ : إِنَّكَ قَاتَلْتَ رَجُلاً هُوَ أَحَقُّ بِعُثْمَانَ مِنْكَ قَالَ : فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَقَّ بِعُثْمَانَ مِنِّي فَأَنَا أَقْرَبُ إِلَى عُثْمَانَ بالنَّسَبِ ؟ قُلْتُ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَا بَيْنَ عَلِيٍّ ، وَعُثْمَانَ ، وَالأَخُ أَوْلَى مِنِ ابْنِ الْعَمِّ ، وَلَسْتُ أُقَاتِلُ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ : أَوَلَسْنَا مُهَاجِرِينَ ؟ قُلْتُ : أَوَلَيْسَ قَدِ اعْتَزَلْنَاكُمَا جَمِيعًا ؟ وَحُجَّةٌ أُخْرَى حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ ، وَقَدْ حَضَرَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ ثُمَّ رَدَّ إِلَيْهِ بَصَرَهُ فَقَالَ : أَتَتْكُمُ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فَشَدَّ أَمْرَهَا وَعَجَّلَهُ وَقَبَّحَهُ ، قُلْتُ لَهُ : مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا الْفِتَنُ ؟ قَالَ : يَا وَائِلُ ، إِذَا اخْتَلَفَ سَيْفَانِ فِي الإِسْلاَمِ فَاعْتَزِلْهُمَا فَقَالَ : أَصْبَحْتَ شِيعِيًّا ، فَقُلْتُ : لاَ ، وَلَكِنْ أَصْبَحْتُ نَاصِحًا لِلْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : لَوْ سَمِعْتُ ذَا وَعَلِمْتُهُ مَا أَقْدَمْتُكَ ، قُلْتُ : أَوَلَيْسَ قَدْ رَأَيْتَ مَا صَنَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عِنْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ أَوْمَأَ بِسَيْفِهِ إِلَى صَخْرَةٍ فَضَرَبَهُ بِهَا حَتَّى انْكَسَرَ ؟ قَالَ : أُولَئِكَ قَوْمٌ يَحْمِلُونَ عَلَيْنَا ، قُلْتُ : فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّ الأَنْصَارَ فَبِحُبِّي وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي ؟ فَقَالَ : اخْتَرْ أَيَّ الْبِلاَدِ شِئْتَ ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِرَاجِعٍ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، فَقُلْتُ : عَشِيرَتِي بِالشَّامِ وَأَهْلُ بَيْتِي بِالْكُوفَةِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ خَيْرٌ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ عَشِيرَتَكَ ، فَقُلْتُ : مَا رَجَعْتُ إِلَى حَضْرَمَوْتَ سُرُورًا بِهَا ، وَمَا يَنْبَغِي لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي هَاجَرَ مِنْهُ إِلاَّ مِنْ عِلَّةٍ قَالَ : وَمَا عِلَّتُكَ ؟ قُلْتُ : قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتَنِ فَحَيْثُ اخْتَلَفْتُمِ اعْتَزْلَنَاكُمْ وَحَيْثُ اجْتَمَعْتُمْ جِئْنَاكُمْ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ الْكُوفَةَ فَسِرْ إِلَيْهَا ، فَقُلْتُ : مَا إِلَيَّ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَدٍ أَمَا رَأَيْتَ أَبَا بَكْرٍ قَدْ أَرَادَنِي فَأَبَيْتُ ، وَأَرَادَنِي عُمَرُ فَأَبَيْتُ ، وَأَرَادَنِي عُثْمَانُ فَأَبَيْتُ ، وَلَمْ أَدَعْ بَيْعَتَهُمْ قَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ حَيْثُ ارْتَدَّ أَهْلُ نَاحِيتِنَا ، فَقُمْتُ فِيهِمْ حَتَّى رَدَّهُمُ اللَّهُ إِلَى الإِسْلاَمِ بِغَيْرِ وِلاَيَةٍ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ ، فَقَالَ لَهُ : سِرْ فَقَدْ وَلَّيْتُكَ الْكُوفَةَ وَسِرْ بوائلِ بْنِ حُجْرٍ فَأَكْرِمْهُ وأَقْضِ حَوَائِجَهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَسَأْتَ فِيَّ الظَّنِّ تَأْمُرُنِي بِإِكْرَامِ رَجُلٍ قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْرَمَهُ وَأَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَأَنْتَ قَالَ : فَسِرْ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَدِمَ مَعَهُ.

 

وجاء في كتب التاريخ:

 

بسر بن أرطاة القرشي يكنى أبا عبد الرحمن وعداده في أهل الشام‏.‏ قال الواقدي‏:‏ ولد قبل وفاة النبي بسنتين، وقال يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل وغيرهما‏:‏ قبض رسول الله وهو صغير، وقال أهل الشام‏:‏ سمع من رسول الله وهو أحد من بعثه عمر بن الخطاب مدداً لعمرو بن العاص لفتح مصر، على اختلاف فيه أيضاً فمن ذكره فيهم قال‏:‏ كانوا أربعة‏:‏ الزيبر، وعمير بن وهب، وخارجة بن حذافة، وبسر بن أرطاة، والأكثر يقولون‏:‏ الزبير والمقداد، وعمير، وخارجة‏.‏ قال أبو عمر‏:‏ وهو أولى بالصواب، قال‏:‏ ولم يختلفوا أن المقداد شهد فتح مصر‏.‏

أخبرنا أبو أحمد عبد الوهّاب بن علي الأمين، أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن المارودي، مناولة، بإسناده إلى سليمان بن الأشعث قال‏:‏ حدثنا أحمد بن صالح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني حيوة، عن عياش بن عباس القتباني، عن شييم بن بيتان، ويزيد بن صبح الأصبحي، عن جنادة بن أبي أمية قال‏:‏ كنا مع بسر بن أبي أرطاة في البحر، فأتى بسارق يقال له‏:‏ مصدر، قد سرق، فقال‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏:‏ ‏"‏لا تقطع الأيدي في السفر‏"‏‏.‏

وشهد صفين مع معاوية، وكان شديداً على علي وأصحابه‏. قال أبو عمر‏:‏ كان يحيى بن معين يقول‏:‏ لا تصح له صحبة، وكان يقول‏:‏ هو رجل سوء وذلك لما ركبه في الإسلام من الأمور العظام، منها ما نقله أهل الأخبار وأهل الحديث أيضاً؛ من ذبحه عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، وهما صغيران، بين يدي أمهما، وكان معاوية سيره إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة علي ويأخذ البيعة له، فسار إلى المدينة ففعل بها أفعالاً شنيعة وسار إلى اليمن، وكان الأمير على اليمن عبيد الله بن العباس عاملاً لعلي بن أبي طالب، فهرب عبيد الله، فنزلها بسر ففعل فيها هذا، وقيل‏:‏ إنه قتلهما بالمدينة، والأول أكثر‏.‏ قال‏:‏ وقال الدارقطني‏:‏ بسر بن أرطاة له صحبة، ولم تكن له استقامة بعد النبي ولما قتل ابني عبيد الله أصاب أمهما عائشة بنت عبد المدان من ذلك حزن عظيم فأنشأت تقول‏:‏

ها من أحس بني الذين هـمـا ** كالدرتين تشظى عنهما الصدف

ودخل المدينة، فهرب منه كثير من أهلها منهم‏:‏ جابر بن عبد الله، وأبو أيوب الأنصاري، وغيرهما وقتل فيها كثيراً‏.‏ وأغار على همدان باليمن، وسبى نساءهم، فكن أول مسلمات سبين في الإسلام، وهدم بالمدينة دوراً.

قيل‏:‏ توفي بسر بالمدينة أيام معاوية، وقيل‏:‏ توفي بالشام أيام عبد الملك بن مروان، وكان قد خرف آخر عمره‏.‏

 

غارة بسر بن أرطاة على المدينة ومكة واليمن

 

وهي أشرس غارات معاوية وأكثرها فتكاً وتخريباً ونهباً وحرقاً وتقتيلاً ، فقد بلغ قتلاها ثلاثون ألفاً ! قال اليعقوبي:2/197: (ووجه معاوية بُسر بن أبي أرطاة ، وقيل ابن أرطاة ، العامري من بني عامر بن لؤي ، في ثلاثة آلاف رجل ، فقال له: سر حتى تمر بالمدينة فاطرد أهلها ، وأخف من مررت به ، وانهب مال كل من أصبت له مالاً ممن لم يكن دخل في طاعتنا ، وأوهم أهل المدينة أنك تريد أنفسهم ، وأنه لابراءة لهم عندك ولا عذر ، وسر حتى تدخل مكة ولا تعرض فيها لأحد ، وأرهب الناس فيما بين مكة والمدينة ، واجعلهم شرادات ، ثم امض حتى تأتي صنعاء ، فإن لنا بها شيعة ، وقد جاءني كتابهم .

فخرج بسر ، فجعل لا يمر بحي من أحياء العرب إلا فعل ما أمره معاوية ، حتى قدم المدينة ، وعليها أبو أيوب الأنصاري فتنحى عن المدينة ، ودخل بسر فصعد المنبر ثم قال: يا أهل المدينة ! مثل السوء لكم ، قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ، ألا وإن الله قد أوقع بكم هذا المثل وجعلكم أهله ، شاهت الوجوه . ثم ما زال يشتمهم حتى نزل ! قال: فانطلق جابر بن عبد الله الأنصاري إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني قد خشيت أن أقتل وهذه بيعة ضلال ! قالت: إذاً فبايع ، فإن التقية حملت أصحاب الكهف على أن كانوا يلبسون الصلُب ، ويحضرون الأعياد مع قومهم .

وهدم بسر دوراً بالمدينة ، ثم مضى حتى أتى مكة ، ثم مضى حتى أتى اليمن ، وكان على اليمن عبيد الله بن عباس عامل علي .

وبلغ علياً الخبر ، فقام خطيباً فقال: أيها الناس إن أول نقصكم ذهاب أولي النهي والرأي منكم الذين يحدثون فيصدقون ويقولون فيفعلون ، وإني قد دعوتكم عوداً وبدأً ، وسراً وجهراً ، وليلاً ونهاراً ، فما يزيدكم دعائي إلا فراراً ، ما ينفعكم الموعظة ولا الدعاء إلى الهدى والحكمة ، أما والله إني لعالم بما يصلحكم ، ولكن في ذلك فسادي ، أمهلوني قليلاً ، فوالله لقد جاءكم من يحزنكم ويعذبكم ويعذبه الله بكم ، إن من ذل الإسلام وهلاك الدين أن ابن أبي سفيان يدعو الأراذل والأشرار فيجيبون ، وأدعوكم وأنتم لاتصلحون فتراعون ! هذا بسر قد صار إلى اليمن وقبلها إلى مكة والمدينة ! فقام جارية بن قدامة السعدي فقال: يا أمير المؤمنين ! لا عدمنا الله قربك ، ولا أرانا فراقك ، فنعم الأدب أدبك ، ونعم الإمام والله أنت ، أنا لهؤلاء القوم فسرحني إليهم! قال: تجهز فإنك ما علمتك رجل في الشدة والرخاء ، المبارك الميمون النقيبة، ثم قام وهب بن مسعود الخثعمي فقال: أنا أنتدب يا أمير المؤمنين. قال: إنتدب بارك الله عليك . فخرج جارية في ألفين ووهب ابن مسعود في ألفين وأمرهما علي أن يطلبا بسراً حيث كان حتى يلحقاه ، فإذا اجتمعا فرأس الناس جارية ، فخرج جارية من البصرة ووهب من الكوفة حتى التقيا بأرض الحجاز ، ونفذ بسر من الطائف حتى قدم اليمن وقد تنحى عبيد الله بن عباس عن اليمن ، واستخلف بها عبد الله بن عبد المدان الحارثي ، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه مالك بن عبد الله ، وقد كان عبيد الله خلف ابنيه عبد الرحمن وقثم عند جويرية ابنة قارظ الكنانية وهي أمهما ، وخلف معها رجلاً من كنانة ، فلما انتهى بسر إليها دعا ابني عبيد الله ليقتلهما ، فقام الكناني فانتضى سيفه وقال: والله لأقتلن دونهما فألاقي عذراً لي عند الله والناس فضارب بسيفه حتى قتل !

وخرجت نسوة من بني كنانة فقلن: يا بسر ! هذا ، الرجال يقتلون فما بال الولدان ؟! والله ماكانت الجاهلية تقتلهم ، والله إن سلطاناً لايشتد إلا بقتل الصبيان ورفع الرحمة لسلطان سوء ! فقال بسر: والله لقد هممت أن أضع فيكن السيف ! وقدم الطفلين فذبحهما(بيده بخنجر)! فقالت أمهما ترثيهما:

ها من أحس بنيي اللذين هما سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف

ها من أحس بنيي اللذين هما مخ العظام فمخي اليوم مزدهف

ها من أحس بنيي اللذين هما كالدرتين تشظى عنهما الصدف

نبئت بسراً وما صدقت ما زعموا من قولهم ومن الإفك الذي اقترفو

أنحى على ودجي ابني مرهَّفةً مشحوذة وكذاك الأمر مقتـرف

من دل والهة حرى وثاكلة على صبيين ضلا إذ غدا السلف

ثم جمع بسر أهل نجران فقال: يا إخوان النصارى ! أما والذي لا إله غيره لئن بلغني عنكم أمر أكرهه لأكثرن قتلاكم . ثم سار نحو جيشان ، وهم شيعة لعلي ، فقاتلهم فهزمهم وقتل فيهم قتلاً ذريعاً ، ثم رجع إلى صنعاء .

وسار جارية بن قدامة السعدي حتى أتى نجران وطلب بسراً ، فهرب منه في الأرض ولم يقم له ، وقتل من أصحابه خلقاً ، وأتبعهم بقتل وأسر حتى بلغ مكة ، ومر بسر حتى دخل الحجاز لا يلوي على شئ ، فأخذ جارية بن قدامة أهل مكة بالبيعة ، فقالوا: قد هلك عليٌّ فلمن نبايع؟ قال: لمن بايع له أصحاب عليٍّ بعده....

حدثني أبو خالد الوالبي قال: قرأت عهد علي لجارية بن قدامة:

أوصيك يا جارية بتقوى الله ، فإنها جموع الخير ، وسر على عون الله ، فالق عدوك الذي وجهتك له ، ولا تقاتل إلا من قاتلك ، ولا تجهز على جريح ، ولا تسخرن دابة وإن مشيت ومشى أصحابك ! ولاتستأثر على أهل المياه بمياههم ، ولاتشربن إلا فضلهم عن طيب نفوسهم ، ولاتشتمن مسلماً ولامسلمة فتوجب على نفسك ما لعلك تؤدب غيرك عليه ، ولاتظلمن معاهداً ولامعاهدة ، واذكر الله ولا تفتر ليلاً ولا نهاراً ، واحملوا رجالتكم ، وتواسوا في ذات أيديكم ، وأجدد السير ، وأجل العدو من حيث كان ، واقتله مقبلاً واردده بغيظه صاغراً ، واسفك الدم في الحق واحقنه في الحق ، ومن تاب فاقبل توبته . وأخبارك في كل حين بكل حال، والصدق الصدق ، فلا رأي لكذوب . قال وحدث أبو الكنود أن جارية مر في طلب بسر فما كان يلتفت إلى مدينة ولايعرج على شئ حتى انتهى إلى اليمن ونجران ، فقتل من قتل . وهرب منه بسر ، وحرَّق تحريقاً فسمي محرقاً ). انتهى.

وذكر المؤرخون أن أبا هريرة ساعد بسراً على ظلم أهل المدينة فنصبه والياً عليها من قبل معاوية ! ولما قدم جارية بن قدامة هرب منه أبو هريرة !

قال الطبري في تاريخه:4/107: (وهرب بسر وأصحابه منه واتبعهم حتى بلغ مكة فقال لهم جارية: بايعونا ، فقالوا: قد هلك أمير المؤمنين فلمن نبايع؟ قال لمن بايع له أصحاب علي ، فتثاقلوا ثم بايعوا . ثم سار حتى أتى المدينة وأبو هريرة يصلي بهم فهرب منه ، فقال جارية: والله لو أخذت أبا سنَّوْر لضربت عنقه ، ثم قال لأهل المدينة: بايعوا الحسن بن علي فبايعوه ، وأقام يومه ثم خرج منصرفاً إلى الكوفة ، وعاد أبو هريرة فصلى بهم)! . انتهى . (ومثله في النهاية لابن كثير:7/357).

 

اعتراف أحد حاشية معاوية بفسادهم عند احتضاره وندمه خوفًا من الموت حسب العقائد الأسطورية الإسلامية

 

روى أحمد:

 

(23043) 23431- حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، وَعَفَّانُ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوَلَةَ ، عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لِيَكْفِ أَحَدَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا خَادِمٌ وَمَرْكَبٌ.(5/360).

 

حديث محتمل للتحسين بشاهده، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح غير عبد الله بن مَوَلَة القُشَيري، فقد تفرد بالرواية عنه أبو نضرة -وهو المنذر بن مالك بن قِطْعة العَوَقي-، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الذهبي في "الكاشف": صدوق، وقال ابن حجر في "التقريب": مقبول . وسعيد بن إياس الجُريري -وإن كان قد اختلط- رواية حماد بن سلمة عنه قبل الاختلاط . عبد الصمد: هو ابن عبد الوارث العنبري، وعفان: هو ابن مسلم الصفار . وأخرجه المزي في "تهذيب الكمال" في ترجمة عبد الله بن مَوَلة 16/187 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد . وأخرجه ابن أبي شيبة 13/245، والدارمي (2718) ، والنسائي في "الكبرى" (9812) ، والطبري في "تهذيب الآثار - مسند ابن عباس" (453) ، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 2/19 من طريق عفان بن مسلم وحده، به .وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 6/206 عن أبي بحر محمد بن الحسن، عن محمد بن غالب بن حرب، عن عفان بن مسلم، به . وسقط من إسناده في المطبوع: "حماد بن سلمة"، ولفظه: "يكفي أحدَكم من الدنيا كزاد الراكب" . قلنا: وهذا اللفظ غير محفوظ من حديث بريدة، ونحسب الخطأ فيه من أبي بحر محمد بن الحسن البَرْبهاري شيخ أبي نعيم فيه، فقد تكلم فيه غير واحد من الحفاظ . وأخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" (171) و (232) ، وفي "الآحاد والمثاني" (2360) من طريق هدبة بن خالد، والطبري في "تهذيب الآثار" (476) من طريق بهز بن أسد العمِّي، كلاهما عن حماد بن سلمة، به . ووقع عند ابن أبي عاصم في "الزهد": ومنزل بدل قوله: ومركب، وهو خطأ .// وفي الباب عن أبي هاشم بن عُتْبة، سلف برقم (15664) ، وفيه انقطاع بين أبي وائل شقيق بن سلمة وبين أبي هاشم بن عُتْبة، والواسطة فيه سَمُرة بن سَهْم الأسدي، وهو مجهول .

 

15664 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى خَالِهِ أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ يَعُودُهُ ، قَالَ: فَبَكَى، قَالَ: فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا يُبْكِيكَ يَا خَالُ ؟ أَوَجَعًا يُشْئِزُكَ أَمْ حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا ؟ قَالَ: فَقَالَ: فَكُلًّا لَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا فَقَالَ: " يَا أَبَا هَاشِمٍ لَعَلَّكَ أَنْ تُدْرِكَ أَمْوَالًا يُؤْتَاهَا أَقْوَامٌ، وَإِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْ جَمْعِ الْمَالِ خَادِمٌ، وَمَرْكَبٌ فِي سَبِيلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى "، وَإِنِّي أُرَانِي قَدْ جَمَعْتُ

 

إسناده ضعيف لانقطاعه، شقيق: وهو ابن سلمة لم يسمع هذا الحديث من أبي هاشم بن عتبة، بينهما سَمُرَة بن سَهْم الأسدي- كما سيأتي في الرواية 5/290- وهو مجهول. وقد نقل الحافظ في "الإصابة" في ترجمة أبي هاشم قول ابن منده: الصحيح أن أبا وائل روى عن سمرة، عنه. وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. أبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان بن مهران.وأخرجه المزي في "تهذيب الكمال" 34/360-361 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد.وأخرجه ابن أبي شيبة 13/219، وهناد في "الزهد" (565) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (559) ، والدولابي في "الكنى" 1/60، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 12/166 من طريق أبي معاوية، به. وأخرجه بنحوه الطبراني في "الكبير" (7201) من طريق عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، به. وسيأتي برقم (15665) و5/290. وأخرجه المزي في "تهذيب الكمال" 34/361 من طريق الإمام أحمد، عن عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن الأعمش ومنصور، عن أبي وائل، به. وأخرجه الترمذي (2327) ، والنسائي في "الكبرى" (9810) من طريق عبد الرزاق، عن سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي وائل، به. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (7200) من طريق أبي حذيفة، عن سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي وائل، به. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (7200) ، والحاكم 3/638 من طريق الفريابي، عن سفيان، عن منصور، عن أبي وائل، به، وسكت عنه الحاكم والذهبي.// وقوله: "إنما يكفيك من جمح المال خادم ومركب في سبيل الله تبارك وتعالى". له شاهد من حديث بريدة الأسلمي، سيرد 5/360، وفي إسناده عبد الله بن مَوَلَة، قال الذهبي: ما روى عنه سوى أبي نضرة، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول. قلنا: فيعتضد به، ويحسن.

قال السندي: قوله: أوجعاً: هكذا بالنصب في نسخ المسند، والحديث رواه غيره بالرفع، وهو الظاهر، ولعله نصبه بتقدير: أكان وجعاً. قلنا: قد جاء الرفع في المواطن الثلاثة: "أوجعٌ" "أو حرصٌ " "كُلٌ" في عامة المصادر، وكذلك جاءت بالرفع في الرواية الآتية عند المصنف 5/290، وهو الوجه، وما هنا له وجه بأن تكون منصوبة بنزع الخافض، والتقدير: أتبكي من وجع، أم بسبب حرصك على الدنيا؟ فقال: لا أبكي على كل ذلك. قوله: يشئزك، من أشأزه- بهمزة- أي: أقلقه. قوله: أموالاً: من أموال بيت المال. قوله: يؤتاها أقوام، أي: تقسم بينهم.

 

22496 - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ سَهْمٍ قَالَ: نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ طَعِينٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَعُودُهُ فَبَكَى . فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا يُبْكِيكَ ؟ أَوَجَعٌ يُشْئِزُكَ أَمْ عَلَى الدُّنْيَا ؟ فَقَدْ ذَهَبَ صَفْوُهَا . فَقَالَ: عَلَى كُلٍّ لَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا، فَوَدِدْتُ أَنِّي اتَّبَعْتُهُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَعَلَّكَ أَنْ تُدْرِكَ أَمْوَالًا تُقْسَمُ بَيْنَ أَقْوَامٍ، وَإِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْ جَمْعِ الْمَالِ خَادِمٌ وَمَرْكَبٌ فِي سَبِيلِ اللهِ " فَوَجَدْتُ فَجَمَعْتُ

 

إسناده ضعيف لجهالة حال سمرة بن سهم: وهو الأسدي . قال ابن المديني: مجهول لا أعلم روى عنه غير أبي وائل، وقال الذهبي في "الميزان": تابعي لا يعرف، وقال ابن حجر في "التقريب": مجهول، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين . معاوية بن عمرو: هو ابن المهلب الكوفي، وزائدة: هو ابن قدامة الثقفي، ومنصور: هو ابن المعتمر، وشقيق: هو ابن سلمة الأسدي أبو وائل .وأخرجه الطبراني في "الكبير" (7199) ، والبيهقي في "الشعب" (10392) من طريق معاوية بن عمرو، بهذا الإسناد . وأخرجه ابن أبي شيبة 13/219-220، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (560) ، والبيهقي في "الشعب" (10392) من طريقين عن زائدة، به . وأخرجه النسائي في "المجتبى" 8/218، وفي "الكبرى" (9811) ، وابن ماجه (4103) ، وابن حبان (668) من طريق جرير بن عبد الحميد، عن منصور، به . وقد سلف برقم (15664) .

 

إدانة عبد الله بن عمر بن الخطاب لأحد ولاة معاوية

 

روى أحمد:

 

4700 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ نَاسًا دَخَلُوا عَلَى ابْنِ عَامَرٍ فِي مَرَضِهِ فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَا إِنِّي لَسْتُ بِأَغَشِّهِمْ لَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَقْبَلُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ وَلَا صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ "

 

صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل سماك بن حرب، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه الطيالسي (1874) ، وابن ماجه (272) ، وابن خزيمة (8) ، وأبو عوانة 1/234، من طرق، عن شعبة، بهذا الإسناد.

وسيأتي الحديث بالأرقام (4969) و (5123) و (5205) و (5419) .

وفي الباب عن أسامة بن عمير الهذلي، سيرد 5/74، وإسناده صحيح.

وابن عامر الذي ذكر في الحديث: هو الأمير عبد الله بن عامر بن كُريز، أبو عبد الرحمن القرشي العبشمي، رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو ابن خال عثمان بن عفان، وأبوه عامر هو ابن عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيضاء بنت عبد المطلب. ولي عبد الله بن عامر البصرة لعثمان، وافتتح إقليم خراسان، ثم وفد على معاوية فزوجه بابنته هند وهو أول من اتخذ الحياض بعرفة وأجرى إليها العين. وكان من شجعان العرب وأجوادهم، وفيه رفق وحلم. توفي سنة تسع وخمسين. "سير أعلام النبلاء" 3/18، وحاشية السندي.

وقوله: "أن أناساً دخلوا على ابن عامر في مرضه"، لفظ مسلم (224) : دخل عبد الله بن عمر على ابن عامر يعوده وهو مريض، فقال: ألا تدعو لي يا ابن عمر؟

قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقه من غلول"، وكنت على البصرة.

قال النووي في "شرح مسلم" 3/103: معناه: أنك لست بسالم من الغلول، فقد كنت واليا على البصرة، وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد، لا يقبل الدعاء لمن هذه صفته، كما لا تقبل الصلاة والصدقة إلا من متصون، والظاهر -والله أعلم- أن ابن عمر قصد زجر ابن عامر، وحثه على التوبة، وتحريضه على الإقلاع عن المخالفات، ولم يرد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق لا ينفع، فلم يزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلف والخلف يدعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة.

 

ووراه مسلم:

 

[ 224 ] حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري واللفظ لسعيد قالوا حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد قال دخل عبد الله بن عمر على بن عامر يعوده وهو مريض فقال ألا تدعو الله لي يا بن عمر قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول وكنت على البصرة

 

معاوية بن أبي سفيان أقدم على الاستيلاء على أرض ملك عبد الله بن عمرو بن العاص لصالح أخيه عنبسة بن أبي سفيان

 

روى مسلم:

 

[ 141 ] حدثني الحسن بن علي الحلواني وإسحاق بن منصور ومحمد بن رافع وألفاظهم متقاربة قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج قال أخبرني سليمان الأحول أن ثابتا مولى عمر بن عبد الرحمن أخبره أنه لما كان بين عبد الله بن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان تيسروا للقتال فركب خالد بن العاص إلى عبد الله بن عمرو فوعظه خالد فقال عبد الله بن عمرو أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل دون ماله فهو شهيد وحدثنيه محمد بن حاتم حدثنا محمد بن بكر ح وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي حدثنا أبو عاصم كلاهما عن بن جريج بهذا الإسناد مثله

 

ورواه أحمد 6922 و "مصنف" عبد الرزاق (18568) ، ومن طريقه أخرجه مسلم (141) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" 8/335.

 

وروى أحمد:

 

6913 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ أَرْضًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو يُقَالُ لَهَا: الْوَهْطُ، فَأَمَرَ مَوَالِيَهُ، فَلَبِسُوا آلَتَهُمْ، وَأَرَادُوا الْقِتَالَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: مَاذَا ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُظْلَمُ بِمَظْلَمَةٍ فَيُقَاتِلَ فَيُقْتَلَ إِلَّا قُتِلَ شَهِيدًا "

 

إسناده ضعيف لإبهام الرجل من بني مخزوم وعمه.

وأخرجه الطيالسي (2294) ، ومن طريقه البيهقي في "السنن" 8/335 عن شعبة، بهذا الإسناد.

وللحديث أصل صحيح سلف لفظه برقم (6522) ، وذكرنا هناك شواهده.

قوله: "فلبسوا آلتهم"، يريد: آلة الحرب. قاله السندي.

ولك أن تتخيل إذا كان هذا كان أسلوب بني أمية مع بعضهم البعض، فما بالك مع عامة الناس والشعوب؟!

 

عدم مقدرة عبد الله بن عمرو بن العاص على العداء والنقد الشديد ضد معاوية بسبب القرابة، ووصيته بطاعة الحاكم رغم ظلمه

 

روى مسلم:

 

[ 1844 ] حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر فدنوت منه فقلت له أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له هذا بن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما }  قال فسكت ساعة ثم قال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله

 

6538 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، حَدَّثَنِي أَسْوَدُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْعَنْبرِيِّ (1) قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ، يَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: لِيَطِبْ بِهِ أَحَدُكُمَا نَفْسًا لِصَاحِبِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ "، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا بَالُكَ مَعَنَا ؟ قَالَ: إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَطِعْ أَبَاكَ مَا دَامَ حَيًّا، وَلَا تَعْصِهِ " فَأَنَا مَعَكُمْ وَلَسْتُ أُقَاتِلُ (2)

 

(1) في (ظ) : العنزي، وانظر التخريج.

(2) إسناده حسن. أسود بن مسعود -ونسبته العنزي كما في "التاريخ الكبير" 1/448-449، و"الجرح والتعديل" 2/293، و"تهذيب الكمال" 3/230، ووقع في "تهذيب التهذيب" و"التقريب": العنبري-: وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ووثقه الحافظ في "التقريب" وقد روى له ولحنظلة شيخه النسائي في "الخصائص".

وحنظلة بن خويلد: وثقه ابنُ معين، وسماه شعبة في روايته -فيما ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 3/39- حنظلة بن سويد، وذكره ابن حبان في "الثقات" إلا أنه فرق بين حنظلة بن خويلد، وحنظلة بن سويد، جعلهما اثنين، قال المعلمي في حاشيته على "التاريخ الكبير": حنظلة يمكن أن يكون خويلد أباه، وسويد جده، أو عكس ذلك، فنُسب إلى أبيه تارة، وإلى جده أخرى.

وقوله: العنبري في نسبة حنظلة: هو الواقع في جميع النسخ -عدا نسخة الظاهرية- وفي "مجمع الزوائد" و"التقريب" و"الخلاصة"، ونسب في نسخة الظاهرية: العنزي، وهو الواقع في "تهذيب الكمال" و"تهذيب التهذيب" و"طبقات" ابن سعد 3/253، وهو الأشبه، فالبخاري نسبه في "التاريخ الكبير" 3/39: الغنوي أو العنزي، لم يذكر العنبري، ثم إن أسود بن مسعود الراوي عنه نسبته

العنزي كما في أغلب المصادر المعتمدة، إلا أن شعبة قال -فيما ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 3/39، وأبو نعيم في "الحلية" 7/198-: سمعتُ العوام بن حوشب، عن رجل من بني شيبان، عن حنظلة بن سويد، فجعل الرجل المبهم من بني شيبان، فإن كان يريد به أسود بن مسعود، فلا يجتمع في نسبة الرجل أن يكون شيبانياً وعنزياً معاً، إلا أن يكون شيبانياً، ونزل في عنزة، فنسب إليهم،

كما أوله بذلك المعلمي اليماني في حاشيته على "التاريخ الكبير" 3/39.

وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين. يزيد: هو ابن هارون، والعوام: هو ابن حوشب.

وأخرجه ابن أبي شيبة 15/291، والنسائي في "خصائص علي" (164) ، وابن سعد في "الطبقات" 3/253، والبخاري في "التاريخ الكبير" 3/39، والذهبي في "المعجم المختص" ص 96، والمزي في "تهذيب الكمال" 7/437 (ترجمة حنظلة) ، من طريق يزيد بن هارون، بهذا الإسناد.

وقال الذهبي: إسناده جيد، فإن الأسود لهذا وثقه ابن معين.

وأخرجه ابن كثير في "البداية والنهاية" 7/269 من طريق هشيم، عن العوام بن حوشب، به.

أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/39، وأبو نعيم في "الحلية" 7/198، من طريق غندر، عن شعبة، عن العوام بن حوشب، عن رجل من بني شيبان، عن حنظلة بن سويد، به.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/244، وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات.

ومتن الحديث متواتر، وقد سلف ضمن قصة برقم (6499) .

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

39000- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَسْوَدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْعَصَرِيِّ ، قَالَ : إنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إذْ أَتَاهُ رَجُلاَنِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ : أَنَا قَتَلْتُهُ ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو : لِيَطِبْ بِهِ أَحَدُكُمَا نَفْسًا لِصَاحِبِهِ ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : أَلاَ تُغْنِي عَنَّا مَجْنُونَك يَا عَمْرُو ، فَمَا بَالُك مَعَنا ، قَالَ : إنِّي مَعَكُمْ وَلَسْت أُقَاتِلُ ، إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَطِعْ أَبَاك مَا دَامَ حَيًّا وَلاَ تَعْصِهِ ، فَأَنَا مَعَكُمْ ، وَلَسْت أُقَاتِلُ.

 

سبب تلفيق ابن عمرو لهذا الكلام هو تعاطفه مع المهزومين من أنصار علي  ولاعتراضه على ظلم وفساد معاوية.

وفي حديث أو خبر ذكر شعرًا يدل على مشاركته مع أبيه في موقعة صفين في صف معاوية:

 

39022-.........قالَ : وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو شِعرًا:

لَوْ شَهِدَتْ جُمْلٌ مَقَامِي ... بِصِفِّينَ يَوْمًا شَابَ مِنْهَا الذَّوَائِبُ.

عَشِيَّةَ جَاءَ أَهْلُ الْعِرَاقِ كَأَنَّهُمْ ... سَحَابُ رَبِيعٍ رَفَّعَتْهُ الْجَنَائِبُ.

وَجِئْنَاهُمْ نُرْدِي كَأَنَّ صُفُوفَنَا ... مِنَ الْبَحْرِ مَدٌّ مَوْجُهُ مُتَرَاكِبُ.

فَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ ... سَرَاةَ النَّهَارِ مَا تُوَلَّى الْمَنَاكِبُ.

إذَا قُلْتَ قَدْ وَلَّوْا سِرَاعًا بَدَتْ لَنَا ... كَتَائِبُ مِنْهُمْ فَارْجَحَنَّتْ كَتَائِبُ.

فَقَالُوا لَنَا : إنَّا نَرَى أَنْ تُبَايِعُوا ... عَلِيًّا فَقُلْنَا بَلْ نَرَى أَنْ تُضَارِبوا.

 

إن صح هذا فقد تكون الأخبار عن تعاطفه مع علي وروايته أحاديث منسوبة إلى محمد في دعمه هو وعمار مزيفة، أو أنه ندم فاخترع هذه الأحاديث؟!

 

وروى أحمد:

 

17776 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ، وَكُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، عَنْ أَبِي غَادِيَةَ، قَالَ: قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَأُخْبِرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ قَاتِلَهُ، وَسَالِبَهُ فِي النَّارِ "، فَقِيلَ لِعَمْرٍو: فَإِنَّكَ هُوَ ذَا تُقَاتِلُهُ، قَالَ: إِنَّمَا قَالَ: قَاتِلَهُ، وَسَالِبَهُ.

 

إسناده قوي من أجل كلثوم بن جبر، وأما أبو حفص متابعه فلم نتبيَّنه. أبو غادية: يقال: اسمه يسار بن سَبُع، كان من شيعة عثمان رضي الله عنه، وله صحبة، وقد سلف له مسند في مسند المدنيين.

وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 3/260-261 عن عفان بن مسلم، بهذا الإسناد عن أبي غادية قال: سمعت عمّار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة فتوعَّدْتُه بالقتل، قلت: لئن امكنني الله منك لأفعلنَّ. فلما كان يوم صفِّين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار. فرأيت فرجة بين الرئتين وبين الساقين قال: فحملتُ عليه فطعنتُه في ركبته فوقع فقتلتُه، فقيل: قتلت عمار بن ياسر، وأُخبِرَ عمرو بن العاص... فذكر الحديث.

وسلف نحو هذه القصة في مقتل عمار بن ياسر في حديث أبي الغادية من مسند المدنيين برقم (16698) .

وأخرج ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (803) عن العباس بن الوليد النَّرسي، عن معتمر بن سليمان، سمعت ليثاً يحدث عن مجاهد، عن عبد الله ابن عمرو، قال: أتى عمرَو بن العاص رجلان يختصمان في أمر عمار وسلبه، فقال: خلِّياه واتركاه، فإني سمعت رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "اللهم أولعت قريش بعمار، قاتل عمار وسالبُه في النار". وليث هذا: هو ابن أبي سليم، وهو ضعيف، لكن تابعه سليمان بن طرخان والد المعتمر وهو ثقة، فقد أخرجه الحاكم 3/387 من طريق عبد الرحمن بن المبارك، عن المعتمر، عن أبيه، عن مجاهد، به. فإن كان هذا محفوظاً فالإسناد صحيح، وعبد الرحمن بن المبارك ثقة.

 

لا أعتقد أن ابن عمرو قال نبوءته المضحكة هذه أثناء القتال، لكن الحديث يحاول تبرير تناقض الموقف والتناقض بين الفعل والكلام.

مقولات عبد الله بن عمرو بن العاصي الملفقة

 

روى أحمد:

 

6508 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ ذَلِكَ (1) ؟ قَالَ (2) : " إِذَا مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا " وَشَبَّكَ يُونُسُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، يَصِفُ ذَاكَ، قَالَ: قُلْتُ: مَا أَصْنَعُ عِنْدَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " اتَّقِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ ، وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهُمْ " (3)

 

(1) لفظ: "ذلك" لم يرد في (ظ) .

(2) في (ص) و (ظ) و (ق) : قال: قال.

(3) صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، إلا أن الحسن -وهو ابن أبي الحسن البصري- مختلف في سماعه من عبد الله بن عمرو. وسيأتي الحديث بإسنادين آخرين صحيحين برقمي (6987) و (7063) ، وآخر بإسناد حسن برقم (7049) . إسماعيل: هو ابن عُلية، ويونس: هو ابن عبيد بن دينار.

وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (20741) عن معمر، عن غير واحد، منهم الحسن، عن ابن عمرو.

وأخرجه البخاري (478) و (479) عن حامد بن عمر، عن بشر، عن عاصم، عن واقد، عن أبيه، عن ابن عمر، أو ابن عمرو.

وعلقه البخاري في "صحيحه" (480) ، فقال: قال عاصم بن علي: حدثنا عاصم بن محمد، عن أخيه واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه، قال: سمعتُ أبي وهو يقول: قال عبد الله: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عبد الله بن عمرو، كيف بك إذا بقيت في حُثالة من الناس...".

ووصله إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" له، وحنبلُ بنُ إسحاق في "الفتن" كما في "الفتح" 1/566 و13/39، وفي "تغليق التعليق" 2/245.

وأخرجه أبو يعلى (5593) عن سفيان بن وكيع، عن إسحاق بن منصور الأسدي، عن عاصم بن محمد، عن واقد، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "كيف أنت يا عبد الله بن عمر..."، كذا ورد عند أبي يعلى، والروايات على أن المخاطب هو عبد الله بن عمرو.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 7/279، ونسبه إلى أبي يعلى، وقال: رواه أبو يعلى عن شيخه سفيان بن وكيع، وهو ضعيف.

وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن حبان (5950) و (5951) ، وإسناده صحيح على شرط مسلم.

وآخر من حديث سهل بن سعد الساعدي عند الطبراني في "الكبير" (5868) و (5984) ، ذكره الهيثمي في "المجمع" 7/279، وقال: رواه الطبراني بإسنادين، رجال أحدهما ثقات.

وثالث من حديث عبادة بن الصامت، ذكره الهيثمي في "المجمع" 7/279، وقال: رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه، وزياد بن عبد الله وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة.

وسيرد بمعناه برقم (6987) ، ومطولاً برقم (7049) ، وبرقم (7063) . وانظر (6964) و (6965) .

قوله: "في حثالة من الناس": الحُثالة: بضم الحاء المهملة وخفة الثاء المثلثة: الرديء من كل شيء.

قوله: "مرجتْ عهودهم"، قال السندي: مرج العهد، كفرح: إذا لم يف به.

كذا في "القاموس"، وفي "المجمع": مرجت عهودهم، أي: اختلطت وفسدت.

قوله: "وشبك"... الخ: أي: يموج بعضهم في بعض، ويلتبس أمر دينهم، فلا يعرف الأمين من الخائن، ولا البر من الفاجر.

 

6987 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ ذَكَرُوا الْفِتْنَةَ - أَوْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ -، فَقَالَ (1) : " إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا "، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ؟ قَالَ: " الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ "

 

(1) في (ظ) و (م) : قال.

إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح غير هلال بن خبّاب، فقد روى له أصحاب السنن، وهو ثقة. أبو نُعيم: هو الفضل بن دكين.

وأخرجه ابن أبي شيبة 15/9، وأبو داود (4343) من طريق أبي نعيم، بهذا الإسناد.

وأخرجه النسائي في "الكبرى" (10033) من طريق مخلد بن يزيد، والحاكم 2/282 من طريق محمد بن عبيد الطنافسي، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (441) من طريق يونس بن بكير، ثلاثتهم عن يونس بن أبي إسحاق، به.

وسلف برقم (6508) ، وسلف فيه ذكر شواهده وذكرُ الخلاف في صحابيه، وسيأتي برقم (7049) و (7063) .

 

وروى البخاري:

 

480 - وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي فَلَمْ أَحْفَظْهُ فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَقُولُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنْ النَّاسِ بِهَذَا

 

وروى أحمد:

 

6570 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي مَعْرُوفُ بْنُ سُوَيْدٍ الْجُذَامِيُّ، عَنْ أَبِي عُشَّانَةَ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِي، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " هَلْ تَدْرُونَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلْقِ اللهِ ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: " أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلْقِ اللهِ الْفُقَرَاءُ الْمُهَاجِرُونَ، الَّذِينَ تُسَدُّ بِهِمُ الثُّغُورُ ، وَيُتَّقَى بِهِمُ الْمَكَارِهُ، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ، لَا يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ: ائْتُوهُمْ فَحَيُّوهُمْ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: نَحْنُ سُكَّانُ سَمَائِكَ، وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ، أَفَتَأْمُرُنَا أَنْ نَأْتِيَ هَؤُلَاءِ فَنُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عِبَادًا يَعْبُدُونِي، لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا، وَتُسَدُّ بِهِمُ الثُّغُورُ، وَيُتَّقَى بِهِمُ الْمَكَارِهُ ، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ، وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ، لَا يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً قَالَ: فَتَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ": {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24].

 

إسناده جيد، معروف بن سويد الجُذامى، روى عنه جمع، وذكره المؤلف في "الثقات"، ووثقه الذهبي في "الكاشف"، روى له أبو داود والنسائي، وهو متابع، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي عُشّانة المعافري -وهو حى بن يؤمن فقد روى له البخاري في "الأدب المفرد"، وأصحابُ السنن غير الترمذي، وهو ثقة. أبو عبد الرحمن: هو عبد الله بن يزيد المقرىء.

وأخرجه ابنُ أبي عاصم في "الأوائل" (57) ، وعبدُ بنُ حميد في "المنتخب" (352) ، وأبو نعيم في "الحلية" 1/347، وفي "صفة الجنة" (81) ، والبزار (3665) ، وابن حبان (7421) ، والبيهقي في "البعث" (414) من طريق أبي عبد الرحمن المقرىء، بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة" (81) أيضاً من طريق نافع بن يزيد، عن معروف بن سويد، مثله.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 10/259، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني -وزاد بعد قول الملائكة: وسكان سماواتك: وإنك تدخلُهم الجنة قبلنا-، ورجالهم ثقات. وقال الهيثمي عقب حديث البزار: قلت في الصحيح طرف منه.

قلنا: هو في "صحيح مسلم" برقم (2979) من حديث عبد الله بن عمرو أيضاً، قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا"، وسيرد هنا برقم (6578) .

قوله: "تُسد بهم الثغور": الثغر: هو موضع يكون حداً فاصلاً بين بلاد المسلمين والكفار، وهو موضع المخافة من أطراف البلاد، والمراد: أنهم يُقدمون إلى الثغور والمكاره، وُيبعثون إليهما حتى لا تدخل الكفرة بلاد الإسلام من الثغور وحتى تندفع المكاره.

 

وذكرت كثيرًا من أحاديث اعتزال الفتن والاعتزال عن الناس والعامة في باب (مما أحدثوه في دينهم) ورأيت برأيي هنالك أنها كلها ملفقة. وإن كان الثابت الصحيح على الأغلب هو خبر خطبة محمد في حجة الوادع مع ما ورد من نصوص في القرآن. وذكرت هناك النبوءة الخرافية التي زعمها عبد الله بن عمرو عن تولي رجل من قحطان من اليمن للحكم بدلًا من قريش بزعمه.

 

تكريه معاوية للناس في حيواتهم والسعي لتحسينها

 

روى أحمد:

 

16853 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ، وَإِنَّمَا مَثَلُ عَمَلِ أَحَدِكُمْ كَمَثَلِ الْوِعَاءِ، إِذَا طَابَ أَعْلَاهُ، طَابَ أَسْفَلُهُ، وَإِذَا خَبُثَ أَعْلَاهُ، خَبُثَ أَسْفَلُهُ "

 

إسناده حسن، أبو عبد ربه- ويقال: أبو عبد رب، الدمشقي الزاهد، ويقال: أبو عبد رب العزة، واسمه عبد الرحمن، وقيل: عبد الجبار، وقيل: قسطنطين- روى عنه جمع، وذكره ابنُ حبان في "الثقات"، وترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" 5/372، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وباقي رجاله  ثقات رجالُ الشيخين غير علي بن إسحاق- وهو السلمي- فمن رجال الترمذي، وهو ثقة. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: هو السلمي الدمشقي.//وهو عند ابن المبارك في "الزهد" (596) ، ومن طريقه أخرجه الطبراني في "الكبير" 19/ (866) ، وفي "مسند الشاميين" (607) و (608) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1157) . وقد جعل الطبراني اسم أبي عبد رب في ترجمة هذا الحديث عبيدة بن المهاجر حيث روى له حديثاً آخر غير هذا صُرِّحَ فيه بهذا الاسم، وقد وهم في ذلك، فعبيدة بن المهاجر راوٍ آخر، ترجمه البخاري وابن حبان باسم عبيدة بن أبي المهاجر، ويروي عن معاوية كذلك، ويروي عنه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وربما لهذا وقع الطبراني في هذا الوهم. والله أعلم.//وأخرجه مطولاً ومختصراً عبد بن حميد في "المنتخب" (414) ، وابن ماجه (4035) ، وابن أبي عاصم في "الزهد" (146) ، وأبو يعلى (7362) ، والدولابي في "الكنى" 2/70، وابن حبان (339) و (392) و (690) و (2899) ، والطبراني في "مسند الشاميين " (607) و (608) ، وأبو نعيم في "الحلية" 5/162 من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، به. وعند أبي يعلى وابن حبان (339) زيادة: "إنما الأعمال بخواتيمها".//وأخرجه ابن ماجه (4199) عن عثمان بن إسماعيل بن عمران الدمشقي، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، به، بلفظ: "... إذا طاب أسفله طاب أعلاه، وإذا فسد أسفله فسد أعلاه"، وعثمان بن إسماعيل روى عنه جمع، ولم يوثقه أحد.

وفي باب حسن الخواتيم عن سهل بن سعد عند البخاري (6493) ، وسيرد 5/332. وعن عائشة عند ابن حبان (340) ، بلفظ: "إنما الأعمال بالخواتيم". وانظر حديث ابن مسعود، السالف برقم (3624) .

 

من قرأ تاريخ معاوية وأفعاله الماكرة، هل يمكن أن يصدق أنه يؤمن حقًّا بهذا الكلام ويعمل به، بل هو يعظ به لخداع السذج وجعلهم يزهدون الحياة وضرورياتها، فيما يستبد هو والأمويون بالحكم والموارد. صور هنا الحياة على أنها لم يعد فيها خير وأن الناس على وشك وداعها كمؤقتة زائلة، وعليهم فقط إحسان خاتمتها ليدخلوا الجنة الوهمية، وعليهم أن يهملوا حيواتهم الحقيقية!

 

معاوية كخليفة يتبع سنة محمد في تفضيل أقاربه وحاشيته بالعطايا وموارد الدولة، ويزهِّد العامة من الشعب في طلب العطايا وتحسين حيواتهم

 

روى مسلم:

 

 [ 1037 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب أخبرني معاوية بن صالح حدثني ربيعة بن يزيد الدمشقي عن عبد الله بن عامر اليحصبي قال سمعت معاوية يقول إياكم وأحاديث إلا حديثا كان في عهد عمر فإن عمر كان يخيف الناس في الله عز وجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما أنا خازن فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه ومن أعطيته عن مسألة وشره كان كالذي يأكل ولا يشبع

 

 [ 1038 ] حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا سفيان عن عمرو عن وهب بن منبه عن أخيه همام عن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلحفوا في المسألة فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته

   

 [ 1037 ] وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب قال حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو يخطب يقول إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم ويعطي الله

 

وروى البخاري:

 

71 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ

 

117 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلَالٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ

 

وانظر البخاري 7312

وروى أحمد:

 

16837 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَنْبَأَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ، قَلَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ قَلَّمَا يَدَعُهُنَّ، أَوْ يُحَدِّثُ بِهِنَّ فِي الْجُمَعِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُّ فِي الدِّينِ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوٌ خَضِرٌ ، فَمَنْ يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ ، فَإِنَّهُ الذَّبْحُ "

 

إسناده صحيح، معبد الجهني، وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: كان صدوقاً في الحديث، وكان أول من تكلَّم في القدر بالبصرة، وقال الدارقطني: حديث صالح، ومذهبه ردئ، وقال العجلي: تابعي ثقة، كان لا يتهم بالكذب، وقال الذهبي في "الميزان": صدوق في نفسه، وقال الحافظ في "التقريب": صدوق، مبتدع. وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. سعد بن إبراهيم: هو ابن عبد الرحمن بن عوف.//وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1687) ، والطبراني في "الكبير" 19/ (815) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" 3/72 من طرق عن شعبة، بهذا الإسناد.//وأخرجه مختصراً الطبري في "تهذيب الآثار" (136) (مسند عمر بن الخطاب) من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن سعد، به.//وسيأتي بالأرقام (16846) و (16903) و (16904) .//وقوله: "من يرد الله به خيراً..."، سلف برقم (16834) .//وقوله: "إن هذا المال حلو خضر"، سلف من حديث حكيم بن حزام برقم (15321) و (15374) ، وانظر حديث أبي سعيد الخدري السالف برقم (11169) ، وقد ذكرنا هناك تتمة أحاديث الباب. وقوله: "إياكم والتمادح فإنه الذبح" في الباب حديث أبي موسى الأشعري عند البخاري (6060) ، ومسلم (3001) ، وسيرد 4/412. وآخر من حديث أبي بكرة عند البخاري (6061) ، ومسلم (3000) ، وسيرد 5/41. وانظر حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب السالف برقم (5684) . وانظر أحمد 16893 و16894 و17911 و16839 و16921 و16929 و16936 و10989 و17237

 

16894 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ يَعْنِي الْقُرَظِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ، يَخْطُبُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ: تَعَلَّمُنَّ أَنَّهُ: " لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللهُ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ، مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ " سَمِعْتُ هَذِهِ الْأَحْرُفَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْأَعْوَادِ

 

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل ابن عجلان: وهو محمد، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (666) ، والطبراني في "الكبير" 19/ (784) ، وابن عبد البر في "التمهيد" 23/79، وفي "جامع بيان العلم" ص18 من طريق يحيى بن سعيد القطان، بهذا الإسناد.

 

16911 - وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ وَإِنَّمَا يُعْطِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَطَاءً عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، فَهُوَ أَنْ يُبَارَكَ لِأَحَدِكُمْ، وَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَطَاءً عَنْ شَرَهٍ وَشَرَهِ مَسْأَلَةٍ، فَهُوَ كَالْآكِلِ وَلَا يَشْبَعُ "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو إسناد الحديث رقم (19610) . وأخرجه الطبراني في "تهذيب الآثار" (1150) (مسند عمر بن الخطاب) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في "الكبير" 19/ (869) من طريق أسد بن موسى، عن معاوية بن صالح، به.

 

كان معاوية حريصًا جدًّا على ترديد هذه الوصية دون غيرها بدون ملل ولا كلل، لأن تخدير عقول الشعوب هو صمام أمان لنظام حكمه الفاسد القائم على الاستبداد بالسلطة والقرار والثروات والموارد.

 

وروى أحمد:

 

17625 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثني الوليد بن مسلم، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني ربيعة بن يزيد، حدثني أبو كبشة السلولي، أنه سمع سهل ابن الحنظلية الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيينة، والأقرع سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فأمر معاوية أن يكتب به لهما، ففعل وختمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بدفعه إليهما، فأما عيينة فقال: ما فيه ؟ قال: فيه الذي أمرت به، فقبله، وعقده في عمامته، وكان أحلم الرجلين، وأما الأقرع، فقال: أحمل صحيفة لا أدري ما فيها كصحيفة المتلمس، فأخبر معاوية رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهما، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فمر ببعير مناخ على باب المسجد من أول النهار، ثم مر به آخر النهار وهو على حاله، فقال: " أين صاحب هذا البعير ؟ " فابتغي فلم يوجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتقوا الله في هذه البهائم، ثم اركبوها صحاحا، وكلوها سمانا كالمتسخط ، آنفا، إنه من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من جمر جهنم " قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يغنيه ؟ قال: " ما يغديه أو يعشيه "  

 

إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح غير صحابيه فقد روى له أبو داود والنسائي. وأخرجه ابن حبان (545) و (3394) ، والبيهقي 7/25 من طريق علي بن عبد الله المديني، بهذا الإسناد. ولم يسق البيهقي لفظه كاملا. وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (585) من طريق سهل بن زنجلة، عن الوليد بن مسلم، به. دون ذكر قصة عيينة والأقرع. وأخرجه مطولا ومختصرا الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/20 و4/371، وفي "شرح مشكل الآثار" (486) ، والطبراني في "الكبير" (5620) ، وفي "مسند الشاميين" (584) من طرق عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، به. وأخرجه مختصرا أبو داود (1629) و (2548) ، وابن خزيمة (2391) و (2545) ، والبيهقي 7/25 من طريق محمد بن مهاجر، عن ربيعة بن يزيد، به. وعند أبي داود وابن خزيمة في الروايتين الأخيرتين: ببعير قد لحق ظهره ببطنه. وفي باب تحريم المسألة عن ظهر غنى، عن أبي هريرة، سلف برقم (7163) ، وسلفت تتمة شواهده هناك. وفي قصة البعير عن عبد الله بن جعفر، سلف برقم (1745) ، وعن معاذ ابن أنس سلف برقم (15629) ، وسيأتي برقم (18052) .

قوله: "كصحيفة المتلمس" قال السندي: قال الخطابي: صحيفة المتلمس لها قصة مشهورة عند العرب، وكان شاعرا، فهجا عمرو بن هند الملك، فكتب له كتابا إلى عامله يوهمه أنه أمر له فيه بعطية، وكتب إليه أن يقتله، فارتاب المتلمس، ففكه وقرىء له، فلما علم ما فيه، رمى به، ونجا، فصارت الصحيفة مثلا.  "كالمتسخط" قاله كالمظهر للغضب لما وقع من الأقرع آنفا. قوله: "ما يغديه أو يعشيه" قال البغوي في "شرح السنة" 6/86: قال بعضهم: من وجد غداء يومه وعشاءه لم تحل له المسألة، على ظاهر الحديث، وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداءه وعشاءه على دائم الأوقات، وقال بعضهم: هذا منسوخ بما تقدم من الأحاديث، قلنا: يعني حديث ابن مسعود السالف برقم (3675) ، وحديث رجل من بني أسد الآتي 4/36. وانظر حديث أبي سعيد الخدري السالف برقم (11044) .

 

(11044) 11059- حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ.(3/7).

 

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، عبد الرحمن بن أبي الرجال- واسم أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان الأنصاري النجاري المدني- وثقه ابن معين وأحمد والدارقطني، وقال ابن معين في رواية ابن الجنيد: ليس به بأس، وقال أبو داود: لا بأس به، وقال في موضع آخر: أحاديث عمرة يجعلها كلها عن عائشة، وقال أبو حاتم: صالح، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات" ، وقال: ربما أخطأ. وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح. أبو سعيد: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري مولى بني هاشم. وأخرجه أبو داود (1628) عن قتيبة بن سعيد وهشام بن عمار، وابن خزيمة (2447) ، وابن حبان (3390) من طريق عبد الله بن يوسف، ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن أبي الرجال، بهذا الإسناد. وله شاهد من حديث رجل من بني أسد، سيرد بإسناد صحيح برقم 4/36. وآخر من حديث ابن عمرو عند ابن خزيمة (2448) ، والنسائي 5/98، أخرجاه من طريق سفيان بن عيينة، عن داود بن شابور، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عنه. وهذا إسناد حسن. وذكرنا بقية أحاديث الباب عقب تخريج حديث ابن مسعود السالف برقم (3675) . وسيأتي مطولا برقم (11060) .

 

11060 - حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله، فأتيته فقعدت قال: فاستقبلني، فقال: " من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكفى كفاه الله، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف " قال: فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية فرجعت، ولم أسأله.

 

إسناده قوي، عبد الرحمن بن أبي الرجال وثقه ابن معين والدارقطني، وقال ابن معين في موضع آخر: لا بأس به، وقال أبو داود: أحاديث عمرة يجعلها  كلها عن عائشة، وقال في موضع آخر: لا بأس به، وقال أبو حاتم: صالح، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات" ، وقال: ربما أخطأ. وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح. وأخرجه النسائي 5/98 عن قتيبة بن سعيد، بهذا الإسناد. وقد سلف قوله: "ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف" برقم (11044) . وخرجناه هناك.

قال السندي: قوله: سرحتني أمي: بتشديد الراء، أي: أرسلتني. ومن استكف كفاه الله: هكذا في غالب الأصول: استكف، بلا ألف، والظاهر ثبوت الألف، وكأنها حذفت تخفيفا، كما حذفت الياء من قوله: (والليل إذا يسر) لذلك، ثم وجدت أصلا قديما فيه علامة قراءة الحافظ ابن حجر فيه وغيره ممن سلف، وقد أصلح بكتابة الألف فيه بعد أن كان في الأصل كما في غالب الأصول، وبالجملة فاللفظ من الكفاية لا من الكف، فإنه بعيد، والله تعالى أعلم.// قلنا: رواية النسائي -كما في المطبوع منه-: استكفى، بالألف.

 

(16411) 16525- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ ، أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا. (4/36)

 

إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وجهالة الصحابي لا تضر. قال ابن عبد البر في "التمهيد" 4/93: وليس حكم الصاحب إذا لم يسم كحكم من دونه إذا لم يسم عند العلماء، لارتفاع الجرحة عن جميعهم وثبوت العدالة لهم. سفيان: هو الثوري. وأخرجه أبو عبيد الله في "الأموال" (1734) ، وابن زنجويه في "الأموال" (2076) من طريقين عن سفيان، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو عبيد في "الأموال" (1735) من طريق هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، به. وأخرجه مالك في "الموطأ" 2/999 مطولا، ومن طريقه أبو داود (1627) ، والنسائي في "المجتبى" 5/98- 99، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (487) ، وفي "شرح معاني الآثار" 2/21، والبغوي في "شرح السنة" (1601) عن زيد بن أسلم، به. وأخرجه ابن أبي شيبة 3/209 عن سفيان بن عينية، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لم يذكر فيه الرجل من بني أسد. وسيأتي 5/430. وقد سلف من حديث أبي سعيد الخدري برقم (11044) ، وذكرنا هناك أحاديث الباب، وانظر حديث عبد الله بن مسعود السالف برقم (3675) .

قال السندي: قوله: "أوقية" بضم همزة وشدة ياء، وقد تجيء وقية، وليست بعالية: وهي أربعون درهما.  قوله: "أو عدلها"، بالكسر أو الفتح: مقدارها.  فمن سأل وله أربعون درهما من الفضة أو ما يبلغ قيمتها من غير الفضة، فقد سأل إلحافا، أي: إلحاحا وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه، قال ابن عبد البر: والإلحاح على غير الله مذموم، لأنه قد مدح الله تعالى بضده فقال: (لا يسألون الناس إلحافا) وما علمت أحدا من أهل العلم إلا وهو يكره السؤال لمن ملك هذا المقدار من الفضة أو عدلها من غير الفضة، أما ما جاء من غير مسألة، فجائز له أن يأكله إن كان من غير الزكاة، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا.

وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو عبيد وأحمد والطبري فيمن له دار وخادم لا يستغني عنهما: إنه يأخذ من الزكاة وتحل له. انظر "التمهيد" 4/97.

قال الترمذي عند حديث 650 من جامعه ورواه أحمد 3675: والعمل على هذا عند بعض أصحابنا، وبه يقول الثوري وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا كان عند الرجل خمسون درهما لم تحل له الصدقة.

قال: ولم يذهب بعض أهل العلم إلى حديث حكيم بن جبير، وسعوا في هذا، وقالوا: إذا كان عنده خمسون درهما أو أكثر وهو محتاج، فله أن يأخذ من الزكاة.

وهو قول الشافعي وغيره من أهل الفقه والعلم.

(20219) 20482- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (ح) وَابْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ ، وَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ : كُدُوحٌ يُكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ ، إِلاَّ أَنْ يَسْأَلَ ذَا سُلْطَانٍ ، أَوْ فِي أَمْرٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ. (5/19)

 

إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير زيد بن عقبة، فقد روى له أصحاب "السنن" غير ابن ماجه، وهو ثقة. ابن جعفر: هو محمد المعروف بغندر، وشعبة: هو ابن الحجاج. وأخرجه الترمذي (681) ، والنسائي 5/100، والبغوي في "شرح السنة" (1624) من طريق وكيع بن الجراح وحده، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (6766) من طريق محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان الثوري، به. وأخرجه الطيالسي (889) ، وأبو داود (1639) ، والنسائي 5/100، وابن حبان (3397) ، والطحاوي 2/18، والطبراني في "الكبير" (6767) ، والبيهقي في "السنن" 4/197، وفي "الشعب" (3511) ، والمزي في ترجمة زيد بن عقبة من "التهذيب" 10/93-94 من طرق عن شعبة، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. وسيأتي عن عفان عن شعبة برقم (20265) ، وانظر (20106) .

الكد سلف تفسيره عند الحديث (20106) ، وأما الكدوح، فقد قال ابن الأثير في "النهاية": هي الخدوش، وكل أثر من خدش أو عض فهو كدح ، ويجوز أن يكون مصدرا سمي به الأثر.

 

وروى مسلم:

 

[ 1041 ] حدثنا أبو كريب وواصل بن عبد الأعلى قالا حدثنا بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر

 

ورواه أحمد 7163

 

 [ 1042 ] حدثني هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن بيان أبي بشر عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدق به ويستغني به من الناس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى وابدأ بمن تعول

 

لكن لم يعمل محمد بهذه المبادئ مع رؤساء القبائل المهمين ولا زعماء قريش وغيرها ممن كان يهدف لضمان ولائهم. وهناك إذن تناقض في الأحاديث في تحديد المقدار الذي عنده يُعتبَر الشخص غير فقير ولا حق له في زكاة الدولة. هل مقدار غدوة وعشوة، أم خمسون أوقية فضية، ومن غير المؤكد هل كان مصدر التناقص محمد نفسه أم تلفيقات الرواة في حديث أو آخر؟!

 

 

معاوية يشغل الناس والمعارضة السلفية الغثة بالترهات ليرضيها

 

روى البخاري:

 

3468 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ

 

3488 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ الزُّورَ يَعْنِي الْوِصَالَ فِي الشَّعَرِ * تَابَعَهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ

 

5932 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ بِيَدِ حَرَسِيٍّ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ

وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ

 

2003 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ

 

ورواه مسلم 2127 والبخاري 5938 وأحمد 16829 و16843 و16851 و16934 و16865 و16891 و16867 و16868 و16927 و16934 وسنن النسائي الكبرى 9367 وغيرها

 

وروى أحمد:

 

16891 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، سَمِعَ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ يَقُولُ: " مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ " وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا . وَأَخْرَجَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ مِنْ كُمِّهِ فَقَالَ: " إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَتْهَا نِسَاؤُهُمْ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. سفيان: هو ابن عيينة، وحميد ابن عبد الرحمن: هو ابن عوف. وقوله: "من شاء منكم أن يصومه فليصمه". أخرجه الشافعي في "مسنده" 1/264-265 (بترتيب السندي) ، والحميدي (600) ، والنسائي في "المجتبى" 4/204، وفي "الكبرى" (2854) ، والطبراني في الكبير 19/ (750) ، والبيهقي في "السنن" 4/290 من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (2853)

 

وروى مسلم:

 

[ 1129 ] حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان خطيبا بالمدينة يعني في قدمه قدمها خطبهم يوم عاشوراء فقال أين علماؤكم يا أهل المدينة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم ومن أحب أن يفطر فليفطر

انتهت مشاكل معاوية بن أبي سفيان في الحكم وتحقيق العدالة الاجتماعية والسلام والمساواة بين الناس وتحقيق الكفاية وعدم استئثاره هو وحاشيته بالسلطة والمال والموارد والخيرات، بحيث صار يتكلم عن التدخل الجبري بأسلوب الحسبة الإسلامي الشمولي في حريات النساء والناس ووعظهم بهذه العظات السخيفة عديمة الطعم والمعنى عن التدخل في شؤون الناس وتحريم التزين بدون سبب وتعنتًا. كذلك انتهت كل المشاكل ليتناول الأسلوب الصحيح لأداء الطقوس والشعائر الخرافية.

 

عمرو بن العاص يعظ الناس بالزهد!

 

روى أحمد:

 

17773 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِصْرَ يَقُولُ: " مَا أَبْعَدَ هَدْيَكُمْ مِنْ هَدْيِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا هُوَ فَكَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا " وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَرْغَبُ النَّاسِ فِيهَا

 

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وأخرجه الحاكم 4/326، والبيهقي في "شعب الايمان" (10519) و (10699) من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ عبد الله بن يزيد، بهذا الإسناد، وصحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي.

وأخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص250 عن عبد الله بن صالح، عن موسى بن عُلَي، به.

وسيأتي بالأرقام (17809) و (17815) و (17817) .

وأخرجه ابن حبان (6379) من طريق عبد الله بن وهب، عن أبي هانئ

 

17772 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَذَكَرُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، " لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا شَبِعَ (1) أَهْلُهُ مِنَ الْخُبْزِ الْغَلِيثِ ، قَالَ مُوسَى: يَعْنِي الشَّعِيرَ وَالسُّلْتَ إِذَا خُلِطَا " (2)

 

(1) في (ظ13) : يشبع

(2) إسناده صحيح على شرط مسلم. عبد الله بن يزيد: هو أبو عبد الرحمن المقرىء، وموسى: هو ابن عُلَي بن رباح.

وانظر ما بعده. وفي الباب عن أبي هريرة، سلف في مسنده برقم (9611) ، وانظر شواهده هناك.

الغَليث، بغين معجمة، ويقال بالعَيْن المهملة أيضاً: هو الخبز المخبوز من الشعير والسُّلْت، والسُّلْت: ضربٌ من الشعير لا قشر له.

 

17817 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، يَقُولُ: " لَقَدْ أَصْبَحْتُمْ، وَأَمْسَيْتُمْ، تَرْغَبُونَ فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْهَدُ فِيهِ: أَصْبَحْتُمْ تَرْغَبُونَ فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْهَدُ فِيهَا، وَاللهِ مَا أَتَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةٌ مِنْ دَهْرِهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْلِفُ

وقَالَ: غَيْرُ يَحْيَى " وَاللهِ مَا مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الدَّهْرِ، إِلَّا وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِي لَهُ "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم. يحيى بن إسحاق: هو السيلَحِيني.

وأخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص250 عن عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، بهذا الإسناد.

وأخرجه أيضاً ص250 عن النضر بن عبد الجبار، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، به.

وسلف أوله برقم (17773) من طريق موسى بن عُلي بن رباح، عن أبيه.

وفي باب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستسلف انظر "صحيح مسلم" (1600) و (1601) .

 

معروف أن عمرو بن العاص ممن نهبوا ومصوا دماء الشعب المصري، وكان حريصًا على المجد ومتع الحياة والمناصب والمكانة، ومارس الغدر والخداع كخدعة رفع لمصاحف في المعركة بين علي ومعاوية وسمعته معروفة كل قارئ للتاريخ، وكان معقدًا نفسيًّا على الأغلب وشريرًا لأسباب كثيرة منها أصله البسيط المتواضع وتعييرهم له بأمه النابغة وأنها كانت مهنتها العهر والدعارة وهو ما لا ذنب له فيه وليس هو ما كان يشينه، بل ما شانه حقًّا هو أفعاله التي اختارها وصارت عارًا حمله اسمه أبد الدهر.فقوله هذا الكلام للناس هو لتخدير أدمغة العامة المسلمين في مصر لكي لا يطالبوا الدولة بأي طلبات وحقوق تقريبًا. أما الكلام عن زهد محمد وفقره فكلام مضحك بنهب محمد لثروات قبائل عديدة وامتلاكه لأراضٍ استولى عليها من اليهود كانت تدر عليه عائدًا من بيع التمور.

 

انفراد قريش بالسلطة والثروة وعدم حصول اليثاربة على أي نصيب فيها

 

روى عبد الرزاق:

 

19909 - أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب أن معاوية لما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري فقال تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار فما منعكم أن تلقوني قال لم تكن لنا دواب قال معاوية فأين النواضح قال أبو قتادة عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر قال ثم قال أبو قتادة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لنا إنا لنرى بعده أثرة قال معاوية فما أمركم قال أمرنا أن نصبر حتى نلقاه قال فاصبروا حتى تلقوه قال فقال عبد الرحمن بن حسان حين بلغه ذلك:

ألا أبلغ معاوية بن حرب ... أمير المؤمنين لنا كلام

فإنا صابرون ومنظروكم ... إلى يوم التغابن والخصام

 

وروى أحمد:

 

22591 - حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ (1) يَعْنِي ابْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَتَلَقَّاهُ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ: أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً " قَالَ: فَبِمَ أَمَرَكُمْ ؟ قَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نَصْبِرَ . قَالَ: فَاصْبِرُوا إِذًا (2)

 

(1) انقلب اسمه في (م) إلى: "محمد بن عبد الله بن عقيل"، وصوبناه من سائر الأصول، و"أطراف المسند" 7/55، و"جامع المسانيد" 5/500 .

(2) المرفوع منه صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الله بن محمد بن عقيل، فهو ضعيف يعتبر به، ثم هو منقطع فإن ابن عقيل لم يدرك القصة . عبد الرزاق: هو ابن هَمَّام الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد الأزْدي .

وهو في "مصنف عبد الرزاق" (19909) ، ومن طريقه أخرجه البيهقي في "الشعب" (7488) . وفيه لأبيه قتادة قصة مع معاوية أطول مما هنا .

وفي الباب عن أنس بن مالك، سلف برقم (12085) ، وانظر تتمة شواهده هناك .

ونزيد هنا: عن أُسيد بن حُضير، سلف برقم (19092) . وبعض هذه الشواهد في "الصحيحين" .

 

19092 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي غَدًا عَلَى الْحَوْضِ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. قتادة: هو ابن دعامة السدوسي، وهو من رواية صحابي عن صحابي.

وأخرجه ابن أبي شيبة 11/442 و12/162 و15/93- ومن طريقه ابن أبي عاصم في "السنة" (752) - والطبراني في "الكبير" (551) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (875) ، والبيهقي في "السنن" 8/159، وفي "الشعب" (9735) من طريق يزيد بن هارون، بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري (7057) ، ومسلم (1845) ، والترمذي (2189) ، والنسائي 8/224-225، وفي "الكبرى" (5933) (8344) ، وأبو عوانة  والطبراني (551) ، وأبو عمرو الداني في "الفتن" (11) ، والبيهقي 8/159 من طرق عن شعبة، به، إلا أنه جاء عند الداني: أن السائل هو أُسيد نفسه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وسيرد برقم (19094) .

وانظر حديث أنس (12085) ، وذكرنا هناك أحاديث الباب.

قال السندي: قوله: "أثرة" ، بفتحتين أو بضم أو بكسر فسكون، أي: الناس يختارون غيركم عليكم بالأموال والمناصب، أي: هذا الذي زعمت أنها أثرة فليست بالنظر إلى ما يكون بعد.

 

والظاهر كما هو معلوم لمن قرأ كتابي (حروب محمد الإجرامية) عند ذكر فتح مكة ومعركة حنين وأوطاس، ومن خلال هذا الحديث أن الأثرة كانت قد بدأت فعلًا لصالح قريش منذ أواخر عصر محمد ووصوله لحكم كل شبه جزيرة العرب.

 

محاولة اقتحام واحتلال بيزنطة (تركيا اليوم) في عصر معاوية ومن بعده

 

روى أحمد:

 

15862 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ، قَالَ: أَصَبْتُ جَرَّةً حَمْرَاءَ فِيهَا دَنَانِيرُ، فِي إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ فِي أَرْضِ الرُّومِ، قَالَ: وَعَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، يُقَالُ لَهُ: مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ بِهَا يَقْسِمُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطَى رَجُلًا مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا نَفْلَ إِلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ " إِذًا لَأَعْطَيْتُكَ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ فَعَرَضَ (1) عَلَيَّ مِنْ نَصِيبِهِ فَأَبَيْتُ عَلَيْهِ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِأَحَقَّ بِهِ مِنْكَ.

 

(1) في (ق) يعرض.

(2) إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح. عفان: هو ابن مسلم الصفار، وأبو عوانة: هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وأبو الجويرية : هو حطان بن خفاف الجرمي.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" 19/ (1073) ، والبيهقي في "السنن" 6/314 من طريق عفان، بهذا الإسناد. إلا أن رواية الطبراني بلفظ "لا نفل إلا من الخمس".

وأخرجه أبو داود (2754) من طريق ابن المبارك، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/242 من طريق سهل بن بكار، والبيهقي 6/314 من طريق محمد بن عبيد، ثلاثتهم عن أبي عوانة، به.

وأخرجه أبو داود (2753) من طريق أبي إسحاق الفزاري، والخطب في "تاريخ بغداد" 5/150 من طريق أبي حمزة، كلاهما عن عاصم بن كليب، به.

قال المزي في "تحفة الأشراف" 8/468: قال أبو بكر الخطيب في نسختين مرويتين عن أبي داود: هذا الحديث عن أبي إسحاق الفزاري، عن ابن المبارك، عن أبي عوانة، عن عاصم بن كليب.

وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (2713) ، وأخرجه أبو عبيد في "الأموال" (796) ، ومن طريقه حميد بن زنجويه في "الأموال" (1175) عن عفان، كلاهما عن أبي عوانة، عن أبي الجويرية، به، لم يذكر عاصم بن كليب.

وفي الباب عن حبيب بن مسلمة الفهري، سيرد 4/159-160.

قال السندي: "لا نفل إلا بعد الخمس" أي: ولا خمس هاهنا، لأنه ليس بغنيمة أخذت عنوة ليجب فيها الخمس، فلا نفل منه أيضاً، يريد أن الحديث يدل على أن النفل يكون من الغنيمة، لأنها محل الخمس، وهذا ليس بغنيمة.

 

(17734) 17886- حَدَّثَنَا هَاشِمٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ وَهُوَ بِالْفُسْطَاطِ فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَغْزَى النَّاسَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لاَ تَعْجِزُ هَذِهِ الأُمَّةُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ إِذَا رَأَيْتَ الشَّامَ مَائِدَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ.(4/193).

 

لكن كذَّب التاريخ أكاذيب معاوية التي نسبها لمحمد كنبوءة خرافية، ولم يتمكن من احتلال بيزنطة غير الأتراك بقيادة بني عثمان العثمانيين الذين جعلوها تركيا وترَّكوا لغتها اليونانية وجعلوها دولة إسلامية.

 

144- حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي أَرْضِ الرُّومِ ، فَوُجِدَ فِي مَتَاعِ رَجُلٍ غُلُولٌ ، فَسَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ ، عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ وَجَدْتُمْ فِي مَتَاعِهِ غُلُولاً فَأَحْرِقُوهُ ، قَالَ : وَأَحْسَبُهُ قَالَ : وَاضْرِبُوهُ قَالَ : فَأَخْرَجَ مَتَاعَهُ فِي السُّوقِ ، قَالَ : فَوَجَدَ فِيهِ مُصْحَفًا ، فَسَأَلَ سَالِمًا فَقَالَ : بِعْهُ وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ.

 

(15648) 15733- حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ أَسِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَثْعَمِيِّ ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُجَاهِدٍ اللَّخْمِيِّ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : نَزَلْنَا عَلَى حِصْنِ سِنَانٍ بِأَرْضِ الرُّومِ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَضَيَّقَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ ، وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ ، فَقَالَ مُعَاذٌ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّا غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ كَذَا وَكَذَا ، فَضَيَّقَ النَّاسُ الطَّرِيقَ ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى : مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلاً ، أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلاَ جِهَادَ لَهُ. (3/440)

 

(23523) 23920- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، حَدَّثَنَا عَاصِمٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ، كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْجَيْشِ الَّذِي غَزَا فِيهِ أَبُو أَيُّوبَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوبَ : إِذَا مِتُّ فَاقْرَؤُوا عَلَى النَّاسِ مِنِّي السَّلاَمَ ، فَأَخْبِرُوهُمْ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا جَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ ، وَلْيَنْطَلِقُوا بِي ، فَلْيَبْعُدُوا بِي فِي أَرْضِ الرُّومِ مَا اسْتَطَاعُوا فَحَدَّثَ النَّاسُ لَمَّا مَاتَ أَبُو أَيُّوبَ فَاسْتَلأَمَ النَّاسُ ، وَانْطَلَقُوا بِجِنَازَتِهِ.(5/416).

 

صحيح بمجموع طرقه، وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل المكِّي . همام: هو ابن يحيى العوذي، وعاصم: هو ابن أبي النَّجود، والمعروف أيضاً بعاصم بن بهدلة .

وأخرجه ابن سعد 3/485 عن عمرو بن عاصم، عن همام، بهذا الإسناد .

وأخرج نحو هذه القصة دون المرفوع ابن سعد أيضاً عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب السختياني، عن محمد، عن أبي أيوب الأنصاري . ومحمد سواء كان ابن سيرين أو ابن المنكدر . فكلاهما روايته عن أبي أيوب منقطعة .

وسيأتي من طريق أبي ظبيان برقمي (23560) و (23594) .

وسلف المرفوع منه ضمن حديث (23502) من طريق أبي رهم السمعي عن أبي أيوب .

قال السندي: "فاستلأَم" بهمزة بعد اللام، أي: لبسوا السلاح (وهو اللأمة).

 

محبة معاوية للمديح

 

روى ابن عساكر في تاريخ دمشق قبل حديث رقم 5546:

 

أخبرنا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العباس أنا محمد بن عبد الله بن عمر العمري نا أبو محمد بن أبي شريح نا يحيى بن محمد بن صاعد نا محمد بن عبد الملك بن زنجوية نا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن أبي منيع الوليد بن داود بن محمد بن عبادة بن الصامت عن ابن عمه عبادة بن الوليد ولم يذكر في الإسناد عن الوليد بن عبادة وقال كان عبادة بن الصامت مع معاوية بن أبي سفيان في عسكره فأذن يوما فقام خطيب يمدح معاوية ويثني عليه فقام عبادة بتراب في يده فحثاه في في الخطيب فغصب معاوية فقال له عبادة مجيبا له إنك يا معاوية لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالعقبة على السمع والطاعة في منشطنا ومكسلنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) احثوا في أفواه المداحين التراب.

 

تفضيل معاوية اتباع بدعة عثمان وولاءه القبلي على سنة وشعائر محمد

بدعة عثمان في إكمال الصلاة في السفر والحج

 

روى البخاري:

 

4298 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ

 

1080 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا

 

1081 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قُلْتُ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا قَالَ أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا

 

1082 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا

 

1083 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَ مَا كَانَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ

 

1084 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ

 

وروى مسلم:

 

[ 685 ] وحدثني علي بن خشرم أخبرنا بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أن الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر قال الزهري فقلت لعروة ما بال عائشة تتم في السفر قال إنها تأولت كما تأول عثمان

[ 686 ] وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا عبد الله بن إدريس عن بن جريج عن بن أبي عمار عن عبد الله بن بأبيه عن يعلي بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب { ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا }  فقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته

 

[ 695 ] حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الواحد عن الأعمش حدثنا إبراهيم قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ثم قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر الصديق بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان

 

[ 694 ] وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن سمع حفص بن عاصم عن بن عمر قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى صلاة المسافر وأبو بكر وعمر وعثمان ثماني سنين أو قال ست سنين قال حفص وكان بن عمر يصلي بمنى ركعتين ثم يأتي فراشه فقلت أي عم لو صليت بعدها ركعتين قال لو فعلت لأتممت الصلاة

 

 [ 694 ] وحدثناه يحيى بن حبيب حدثنا خالد يعني بن الحارث ح وحدثنا بن المثنى قال حدثني عبد الصمد قالا حدثنا شعبة بهذا الإسناد ولم يقولا في الحديث بمنى ولكن قالا صلى في السفر

     

[ 696 ] وحدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة قال يحيى أخبرنا وقال قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن حارثة بن وهب قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى آمن ما كان الناس وأكثره ركعتين

 

 [ 696 ] حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق حدثني حارثة بن وهب الخزاعي قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا فصلى ركعتين في حجة الوداع قال مسلم حارثة بن وهب الخزاعي هو أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه

 

وروى أحمد:

 

1958 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " سَافَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا، فَأَقَامَ تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا، فَأَقَمْنَا تِسْعَ عَشْرَةَ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا أَقَمْنَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا "

 

إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عكرمة، فمن رجال البخاري. عاصم الأحول: هو عاصم بن سليمان.

وأخرجه الترمذي (549) ، وابن خزيمة (955) ، والطحاوي 1/416، والبيهقي 3/150، والبغوي (1028) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد.

وأخرجه عبد الرزاق (4337) ، وابن أبي شيبة 2/454، وعبد بن حميد (582) ، والبخاري (4298) و (4299) ، وأبو داود (1230) ، وابن ماجه (1075) ، وابن حبان (2750) ، والدارقطني 1/388، والبيهقي 3/149 و150 من طرق عن عاصم، به. إلا أن بعضهم رواه بلفظ. "تسع عشرة" كما هو عند المؤلف، وبعضهم رواه بلفظ:"سبع عشرة"، وقد جمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون في بعضها لم يَعُدَ يَوْمَي الدخول والخروج، وهي رواية "سبع عشرة"، وعَدها في بعضها وهي رواية "تسع عشرة"، قال الحافظ في "التلخيص" 2/46: وهو جمع متين، ورواية عشرين (وهي عند عبد بن حميد برقم: 582) فهي صحيحة الإِسناد إلا أنها شادة، اللهم إلا أن يُحْمَل على جَبْر الكسر. قال البيهقي في "السنن" 3/151: وأصحها عندي- والله أعلم- رواية من روى تسع عشرهَ، وهي الرواية التي أودعها محمد بن إسماعيل البخاري في "الجامع الصحيح". وأخرجه الطبراني (11892) ، والبيهقي 3/150-151 من طريق عباد بن منصور، عن عكرمة، به.

وأخرجه البخاري (1080) ، وأبو يعلى (2368) ، والدارقطني 1/387 - 388، والبيهقي 3/150 من طريق أبي عوانة، عن عاصم الأحول، وحصين بن عبد الرحمن، عن عكرمة، به. وسيأتي برقم (2758) و (2883) و (2884) .

 

4652 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَ عُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّ ".

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين، يحيى بن سعيد: هو القطان، وعبيد الله: هو ابن عمر العمري، ونافع: هو مولى ابن عمر. وأخرجه البخاري (1082) ، ومسلم (694) (17) ، والنسائي في "المجتبي" 3/121، وابنُ الجارود في "المنتقى" (491) من طريق يحيى، بهذا الإسناد. وأخرجه مسلم (694) (17) ، والنسائي في "المجتبى" 3/121، وابنُ خزيمة (2963) ، وأبو عوانة 2/339، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/417، وابنُ حبان (3893) من طرق، عن عبيد الله، به

وقد سلف مختصراً برقم (4533) .

 

3593 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ ".

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. أبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وإبراهيم: هو ابن يزيد النخعي، وعبد الرحمن: هو ابن يزيد النخعى.

وأخرجه ابن أبي شيبة 4/1/268، ومسلم (695) (19) ، وأبو داود (1960) ، وأبو يعلى (5194) ، وابن خزيمة (2962) ، والشاشي (461) ، والطبراني في "الكبير" (10141) ، والبيهقي في "السنن" 3/143، من طريق أبي معاوية، بهذا  الإِسناد . زاد حفص بن غياث في روايته عند أبي داود: ومع عثمان صدراً من إمامته، ثم أتمها. وزاد أبو معاوية عند ابن أبي شيبة وأبي داود وأبي يعلى: ثم تفرقت بكم الطرق، فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين. قال الأعمش: فحدثني معاوية بن قرة، عن أشياخه، أن عبد الله صلى أربعاً، قال: فقيل له: عبت على عثمان، ثم صليت أربعاً؟ قال: الخلاف شر.

وأخرجه البخاري (1084) ، ومسلم (695) (19) ، وأبو داود (1960) ، والنسائي في "المجتبى" 3/120، وفي "الكبرى" (1906) و (1907) ، والدارمي 2/55، وابن خزيمة (2962) ، وأبو عوانة 2/340، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/416، والطبراني في "الكبير" (10140) و (10142) و (10143) ، والبيهقي في "السنن" 3/143 من طرق، عن الأعمش، به.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (10145) من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله.

وأخرجه أيضاً (10146) من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله. والعَرْزمي متروك.

وأخرجه أيضاً (10147) من طريق سهل بن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عبد الله.

وأخرجه البيهقي في "السنن" 3/144 من طريق خلاد بن يحيى، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، به.

وأخرجه أبو يعلى (5377) ، والشاشي (460) ، من طريق جرير، عن مغيرة، عن أصحابه، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله.

وأخرجه الطبراني في "الصغير" (759) من طريق أبي حمزة السكري، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله. وقال: لم يروه عن منصور إلا أبو حمزة السكري.

وسيأتي برقم (3953) و (4003) و (4034) و (4427) .

وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري (1082) ، ومسلم (694) (16) ، سيرد برقم (4533) و (4652) و (4760) .

وعن أنس، سيرد 3/144 و145 و168.

وعن حارثة بن وهب عند البخاري (1083) ، ومسلم (696) (20) و (21) .

وعن أبي جحيفة عند ابن أبي شيبة 2/448 بنحوه، والطبراني في "الكبير" 22/ (251) .

وعن ابن عباس مطولاً عند ابن أبي شيبة 2/450.

قال الحافظ في "الفتح" 2/571: المنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصاً بمن كان شاخصاً سائراً، وأما من أقام في مكان في أثناء سفره، فله حكم المقيم، فليتم، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: لما قدم علينا معاوية حاجاً صلى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان، فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة. قال: وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعاً أربعاً، ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة. ثم قال الحافظ: وأما ما رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، أن عثمان إنما أتم الصلاة لأنه نوى الإِقامة بعد الحج، فهو مرسل، وفيه نظر، لأن الإِقامة بمكة على المهاجرين حرام... ومع هذا النظر في رواية معمر عن الزهري؛ فقد روى أيوب عن الزهري ما يخالفه، فروى الطحاوي وغيره من هذا الوجه عن الزهري، قال: إنما صلى عثمان بمنى أربعاً، لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام، فأحث أن يعلمهم أن الصلاة أربع. وروى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن عثمان أنه أتم بمنى، ثم خطب فقال: إن القصر سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبيه، ولكنه حدث طَغَام، فخفت أن يستنوا. وعن ابن جريج أن أعرابياً ناداه في منى: يا أمير المؤمنين، ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين. وهذه طرق يقوي بعضها بعضاً، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإِتمام، وليس بمعارض للوجه الذي اخترته، بل يقويه من حيث إن حالة الإقامة في أثناء السفر أقرب إلى قياس الإِقامة المطلقة عليها، بخلاف السائر، وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان.

 

(12464) 12491- حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ ، وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ ، وَمَعَ عُثْمَانَ رَكْعَتَيْنِ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ. (3/144).

 

(12718) 12748- حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بُكَيْرٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ ، وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ ، وَمَعَ عُثْمَانَ رَكْعَتَيْنِ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ. (3/168).

 

19865 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، أَنَّ فَتًى سَأَلَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَعَدَلَ إِلَى مَجْلِسِ الْعُوقَةِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْفَتَى سَأَلَنِي عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَاحْفَظُوا عَنِّي: " مَا سَافَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَإِنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ زَمَانَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ " وَحَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزَادَ فِيهِ " إِلَّا الْمَغْرِبَ " ثُمَّ يَقُولُ: " يَا أَهْلَ مَكَّةَ قُومُوا فَصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ؛ فَإِنَّا سَفْرٌ " . ثُمَّ غَزَا حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى جِعِرَّانَةَ فَاعْتَمَرَ مِنْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ، ثُمَّ غَزَوْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَحَجَجْتُ وَاعْتَمَرْتُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ يُونُسُ: إِلَّا الْمَغْرِبَ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ يُونُسُ: إِلَّا الْمَغْرِبَ، (1) ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعًا (2)

 

(1) المثبت من (ظ 10) ، وفي (م) و (س) : ومع عثمان صدر إمارته- قال يونس: ركعتين، إلا المغرب-. وسقط الحديث من نسخة (ق) .

(2) إسناده ضعيف، ولبعضه شواهد. علي بن زيد- وهو ابن جدعان- ضعيف، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح. عفان: هو ابن مسلم، ويونس: هو ابن محمد بن مسلم المؤدب، وأبو نضرة: هو المنذر بن مالك. وأخرجه مطولاً ومختصراً الطيالسي (840) و (858) ، وأبو داود (1229) ، والدولابي في "الكنى" 2/7-8، وابن المنذر في "الأوسط" (2243) و (2295) ، والطحاوي 1/417، والطبراني في "الكبير" 18/ (513) ، والبيهقي 3/135-136 و151 و153 من طرق عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن خزيمة (1643) ، والطبراني 18/ (516) ، والبيهقي 3/151 من طريق عبد الوارث بن سعيد، والترمذي (545) ، والطبراني 18/ (514) من طريق هشيم بن بشير، كلاهما عن علي بن زيد بن جدعان، به.

وسيأتي (19871) و (19878) و (19959) .

قال ابن المنذر في "الأوسط" 4/365: قصرُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة ثابت من غير هذا الوجه، لأن علي بن زيد يُتكلم في حديثه، وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب حين قدم مكة صلَّى ركعتين، فلما سلّم قال: يا أهل مكة، إنا قوم سَفْر، فأتموا الصلاة، ثم ساقه عن عمر بإسناده.

قلنا: وقصة قصرِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة صحت من حديث ابن عباس عند البخاري برقم (4298) ، وانظر المسند (1958) .

وقصة قصر الصلاة مع أبي بكر وعمر وعثمان صدراً من خلافته يشهد لها حديث ابن مسعود السالف برقم (3593) ، وحديث ابن عمر السالف برقم (4652) ، وإسناداهما صحيحان.

ويشهد لاعتماره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجِعرانة حديث أنس السالف برقم (12372) .

قوله: "مجلس العوقة" قال السندي: بفتحتين: بطن من عبد القيس.  "فإنا سفر" بفتح فسكون جمع سافر، كركْب وصَحْب.

وروى ابن أبي شيبة:

 

8248- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَنَحْنُ آمِنُونَ لاَ نَخَافُ شَيْئًا رَكْعَتَيْنِ.

 

8249- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُفْيَانُ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ.

 

8262- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ الطَّائِفِيُّ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ الثَّقَفِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الصَّلاَة بِمِنًى فَقَالَ : هَلْ سَمِعْتَ بِمُحَمَّدٍ وَ آمَنْتَ بِهِ ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ.

 

8280- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أقَامَ حَيْثُ فَتَحَ مَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلاَة حَتَّى سَارَ إلَى حُنَيْنٍ.

 

8258- حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، قَالَ : مَرَّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فِي مَجْلِسِنَا ، فَقَامَ إلَيْهِ فَتًى مِنَ الْقَوْمِ فَسَأَلَهُ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَجِّ وَالْغَزْوِ وَالْعُمْرَةِ ، فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَيْنَا فَقَالَ : إنَّ هَذَا سَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ فَأَرَدْتُ أَنْ تَسْمَعُوهُ ، أَوْ كَمَا قَالَ : غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُصَلِّ إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَحَجَجْتُ مَعَهُ فَلَمْ يُصَلِّ إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً لاَ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ ، يَقُولُ لأَهْلِ الْبَلَدِ : صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا سَفْرٌ ، وَاعْتَمَرْتُ مَعَهُ ثَلاَثَ عُمَرَ لاَ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ ، وَحَجَجْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَغَزَوْت فَلَمْ يُصَلِّ إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَحَجَجْت مَعَ عُمَرَ حَجَّاتٍ فَلَمْ يُصَلِّ إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَحَجَجْت مَعَ عُثْمَانَ سَبْعَ سِنِينَ مِنْ إمَارَتِهِ لاَ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ صَلاَّها بِمِنًى أَرْبَعًا.

 

وقد كان الولاء القبلي والعشائري أهم عند بعضهم كمعاوية والأمويين من صحة وأصالة شكل الطقسيات، روى أحمد:

 

(16857) 16982- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ ، حَاجًّا قَدِمْنَا مَعَهُ مَكَّةَ ، قَالَ : فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ ، قَالَ : وَكَانَ عُثْمَانُ حِينَ أَتَمَّ الصَّلاَةَ ، إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ الآخِرَةَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا ، فَإِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ قَصَرَ الصَّلاَةَ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَأَقَامَ بِمِنًى أَتَمَّ الصَّلاَةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ ، فَلَمَّا صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ نَهَضَ إِلَيْهِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ ، فَقَالاَ لَهُ : مَا عَابَ أَحَدٌ ابْنَ عَمِّكَ بِأَقْبَحِ مَا عِبْتَهُ بِهِ ، فَقَالَ لَهُمَا : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : فَقَالاَ لَهُ : أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلاَةَ بِمَكَّةَ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُمَا : وَيْحَكُمَا ، وَهَلْ كَانَ غَيْرُ مَا صَنَعْتُ ؟ قَدْ صَلَّيْتُهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالاَ : فَإِنَّ ابْنَ عَمِّكَ قَدْ كَانَ أَتَمَّهَا ، وَإِنَّ خِلاَفَكَ إِيَّاهُ لَهُ عَيْبٌ ، قَالَ : فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْعَصْرِ فَصَلاَّهَا بِنَا أَرْبَعًا.

 

إسناده حسن من أجل ابن إسحاق وهو محمد، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، فمن رجال أصحاب السنن، وأخرج له البخاري في "القراءة"، وهو ثقة. يعقوب: هو ابن إبراهيم ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. وأخرجه الطبراني في "الكبير" 19/ (765) من طريق يعقوب بن إبراهيم، بهذا الإسناد مختصراً. وأورده الهيثمي في "المجمع" 2/156-157، وقال: رواه أحمد، وروى الطبراني بعضه في "الكبير"، ورجال أحمد موثقون. وحسن الحافظ إسناده في "الفتح" 2/571.

وفي الباب عن ابن مسعود، سلف برقم (3593) ، وذكرنا هناك بقية أحاديث الباب، وسبب إتمام عثمان للصلاة.

قال السندي: قوله: وهل كان غيرُ ما صنعت، أي: ما وُجد في الدين أو في السُّنَّة إلا ما صنعتُ من القصر لا ما صنع عثمانُ من الإتمام.

 

وقد سألتُ مسلمي اليوم ممن ذهبوا إلى شعيرة الحج، هل كنتم تقصرون الصلاة في مكة؟ فأجابوا بأنهم كانوا يصلونها كاملة بدون قصر، بل وسألوني (ونقصرها ليه؟!) وهذه هي سنة عثمان وليس سنة محمد وطقسه كما ترى، وسألتهم عن قصرها في منى، فأجابوا بأنهم كانوا يقصرونها في منى.

 

بدعة معاوية في استلام أركان الكعبة كلها

 

روى البخاري:

 

1608 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنْ الْبَيْتِ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ هَذَانِ الرُّكْنَانِ فَقَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْتَلِمُهُنَّ كُلَّهُنَّ

 

1609 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنْ الْبَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ

 

ورواه مسلم 1269

 

وروى أحمد:

 

2210 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَا أَتْلُوهُمَا، فِي ظُهُورِهِمَا، أَسْمَعُ كَلامَهُمَا فَطَفِقَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ رُكْنَ الْحَجَرِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَسْتَلِمْ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ " . فَيَقُولُ مُعَاوِيَةُ: دَعْنِي مِنْكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ مَهْجُورٌ . فَطَفِقَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَزِيدُهُ، (1) كُلَّمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الرُّكْنَيْنِ قَالَ لَهُ ذَلِكَ (2)

 

(1) في (ظ9) و (ظ14) : لا يرده.

(2) إسناده قوي على شرط مسلم. أبو خيثمة: هو زهير بن معاوية بن حديج الكوفي.

وأخرجه الطبراني (10632) من طريقين عن زهير بن معاوية، بهذا الإسناد. وسيأتي برقم (3074) و (3532) و (3533) ، وانظر ما تقدم برقم (1877) .

 

3074 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ لَا يَمُرُّ بِرُكْنٍ إِلا اسْتَلَمَهُ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمْ يَكُنْ يَسْتَلِمُ (1) إِلا الْحَجَرَ وَالْيَمَانِيَّ " فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ البَيْتِ مَهْجُورًا (2) .

 

(1) في (م) و (س) و (ص) : ليستلم.

(2) إسناده قوي على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن خثيم- وهو عبد الله بن عثمان- فمن رجال مسلم. أبو الطفيل: هو عامر بن واثلة الليثي.

وهو في "مصنف عبد الرزاق" (8944) ، ومن طريقه أخرجه الترمذي (858) ، والطبراني (10631) . وقال الترمذي: حسن صحيح. وانظر (2210) .

 

ويحتمل أنه فعل ذلك اتباعًا لتقليد عربي وثني وتقليد أقدم من الإسلام وما قد يؤكد ذلك أن الحديث في البخاري ذكر أن عبد الله بن الزبير قام بأداء الشعيرة بنفس الطريقة، أو ربما لحب معاوية للشام وأنصاره الشاميين فالركنان الآخران باتجاه الشام ويعرفان بالركنين الشاميين؟!

 

تفضيل معاوية لاتباع طقسيات قريش الوثنية الأصول القديمة في الحج ومنع التمتع والإقران بالعمرة مع الحج في موسم الحج

 

وكان معاوية كذلك يتبع تقليد عمر وعثمان وهو تقليد قرشي وثني الأصل وليس من طقسيات محمد في منعهما الجمع والإقران بين الحج والعمرة وفسخ الحج إلى العمرة وعمل العمرة في موسم الحج عمومًا، وقد ذكرت في باب (مما أحدثوه في دينهم) عشرات الأحاديث التي تدل بوضوح على أن محمدًا كان قد شرع القران والتمتع في الحج بل والتمتع في الحج مذكور في القرآن نفسه.

 

روى أحمد:

 

16864 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْهُنَائِيِّ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ، قَالَ لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ جُلُودِ النُّمُورِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا " ؟ قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ . قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ " نَهَى عَنْ لِبَاسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا " ؟ قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ . قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ " نَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ " ؟ قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ . قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ " نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ - " ؟ قَالُوا: اللهُمَّ لَا.

 

هو مكرر (16833) غير أن شيخ أحمد هنا هو عبد الرزاق، وشيخه معمر، وهو ابن راشد البصري.

وهو في "مصنف" عبد الرزاق (217) مختصراً، و (19927) ومن طريقه أخرجه الطبراني في "الكبير" 19/ (824) .

وقد ذكر هنا أنه نهى عن متعة الحج، وذكر في الرواية (16833) أنه نهى عن الجمع بين الحج والعمرة؟

 

16833 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْهُنَائِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ ؟ " قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا ؟ " قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ ؟ " قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ ؟ " قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ جَمْعٍ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ؟ " قَالُوا: أَمَّا هَذَا، فَلَا، قَالَ: أَمَا إِنَّهَا مَعَهُنَّ.

 

حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي شيخ الهُنائي- واسمه حيوان بن خالد، وقيل: خيوان- فمن رجال أبي داود والنسائي، وهو حسن الحديث. عفان: هو ابن مسلم الصفار، وهمام: هو ابن يحيى العوذي.

وسيرد عند المصنف مختصراً برقم (16833) من طريق بيهس بن فهدان، أخبرنا أبو شيخ الهنائي، قال: سمعت معاوية وحوله ناس من المهاجرين والأنصار، فقال لهم: أتعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس الحرير؟ قالوا: نعم. قال: ونهى عن لبس الذهب إلا مقطعاً؟ قالوا: نعم.

وقد رواه النسائي في "الكبرى" برقم (9461) في كتاب الزينة، وأدرجه تحت عنوان: تحريم الذهب على الرجال، وهو واضح الدلالة في ذلك لأن النهي عن الحرير وعن لبس الذهب إنما هو في حق الرجال، لا النساء، وهذا الذي انتهى إليه أهل العلم الذين تُعتمد أقوالهم ويُرجع إليهم في فقاهة النصوص.

وأخرجه مطولاً ومختصراً عبد بن حميد في "المنتخب" (419) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3250) ، والطبراني في "الكبير" 19/ (825) من طريقين، عن همام، بهذا الإسناد.

ال السندي: قوله: إلا مُقَطَّعاً، أي: مُكَسَّراً مقطوعاً، والمراد الشيء اليسير مثل السِّنِّ والأنف.

عن ركوب النُّمُور، أي: جلودها ملقاةً على السروج والرحال، لما فيه من التكبُّر، أو لأنه زِيُّ العجم، أو لأن الشعر نجس لا يقبل الدباغ.

أما إنها معهن، أي: إن هذه الخصلة، وهي الجمع، أو إن المتعة لمعهن، أي: مع الخصال المنهي عنها، ولا يخفى أنه يبعد كونها معهن، وقد جاء بها الكتاب والسنة، وقد فعل هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفعل الصحابة معه في حجة الوداع، ولا يمكن حملُ الحديث على أنه كذب في ذلك، فالوجه أن يقال: لعله اشتبه عليه بأن سمع النهي عن المتعة، فزعم أن المراد متعةُ الحج، فكان المرادُ متعةَ النساء، وذلك لأن النهي كان في مكة، فزعم أن المناسبَ بها ذكر المناسك، ويحتمل أنه رأى أن نهي عمر وعثمان عنه لا يمكن بلا ثبوت نهي من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه عندهما، وقد ثبت عنده النهي منهما، فبنى على ذلك ثبوت النهي من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والله تعالى أعلم.

 

وبلا شك فهي جرأة وقحة منه في الادعاء والكذب، لأن محمدًا جعل زوجاته يعملن عمرة بعد الحج في حجة الوداع كما ذكرنا في باب (مما أحدثوه في دينهم)، وكذلك أمر بعض أصحابه ممن لم يكن معهم هدي بأن يفسخوا الحج إلى عمرة.

 

وروى مسلم:

 

[ 1246 ] حدثنا عمرو الناقد حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال قال بن عباس قال لي معاوية أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص فقلت له لا أعلم هذا إلا حجة عليك

 

وأخرجه الحميدي (605) ، والنسائي في "المجتبى" 5/153- 154، وفي "الكبرى" (4118) في باب التمتع، والطبراني في "الكبير" 19/ (692) من طريق سفيان بن عيينة، به. وعند النسائي: يقول ابن عباس: وهذه على معاوية، أنه ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!

وأخرجه أبو داود (1803) في باب الإقران، والنسائي في "المجتبى" 5/244 تحت عنوان أين يقصر المعتمر، وفي "الكبرى" (3982) ، والطبراني 19/ (694) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، به. قال أبو داود: زاد الحسن (يعني ابن علي شيخه) في حديثه: لحجته.

قلنا: وكذا زاد الطبراني: في حجته.

ورواه أحمد برقم (16870) ، وانظر (16836) .

وأخرجه البيهقي في "السنن" 5/102 باب ما يفعل المعتمر بعد الصفا والمروة من طريق روح، بهذا الإسناد، وزاد فيه: في عمرته.

وأخرجه البخاري (1730) في الحج: باب الحلق والتقصير عند الإحلال، وأبو داود (1802) في باب الإقران، والطبراني في "الكبير" 19/ (693) ، والبيهقي في "السنن" 5/102 باب ما يفعل المعتمر بعد الصفا والمروة، من طرق عن ابن جريج، به، وزاد الطبراني: في عمرته.

 

وروى البخاري:

1730 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ

 

قال ابن عباس أن هذا دليل قاطع على كذب معاوية في زعمه مهي محمد عن التمتع بالجمع والإقران والإحلال لعمل عمرة في موسم الحج، لأن الحلاقة هي علامة على (الإحلال) وانتهاء شعيرة الحج ومن بعدها يقوم المتمتع بالعمرة.

 

توريث الحكم لأول مرة في الإسلام: خلافة يزيد بن معاوية

 

روى ابن أبي شيبة:

 

31208- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ ، قَالَ : خَبَّرَنِي سَالِمٌ ، قَالَ : لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُبَايِعُوا لِيَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ، قَامَ مَرْوَانُ فَقَالَ : سُنَّةُ أَبِي بَكْرٍ الرَّاشِدَةُ الْمَهْدِيَّةُ فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ : لَيْسَ بِسُنَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ الأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَالأَصْلَ ، وَعَمَدَ إلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنْ رَأَى أَنَّهُ لِذَلِكَ أَهْلٌ ، فَبَايَعَهُ.

 

31216- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، قَالَ : بَلَغَ ابْنَ عُمَرَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بُويِعَ لَهُ ، قَالَ : إنْ كَانَ خَيْرًا رَضِينَا ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا صَبَرْنَا.

 

أسلوب سلبي عاجز كما ترى.

 

قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (حفيد محمد من جهة فاطمة) إثر ثورته على يزيد بن معاوية

 

روى الطبراني في المعجم الكبير ج3:

2846- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ الْحِزَامِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : خَرَجَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى الْكُوفَةِ سَاخِطًا لِوِلاَيَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، فَكَتَبَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ وَالِيهِ عَلَى الْعِرَاقِ : إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ حُسَيْنًا قَدْ سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهِ زَمَانُكَ مِنْ بَيْنِ الأَزْمانِ ، وَبَلَدُكَ مِنْ بَيْنِ الْبُلْدَانِ ، وابْتُلِيتَ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْعُمَّالِ ، وَعِنْدَهَا يُعْتَقُ ، أَوْ يَعُودُ عَبْدًا كَمَا يُعْتَبَدُ الْعَبِيدُ . فَقَتَلَهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُمَامِ :

نُفَلِّقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَحِبَّةٍ ... إِلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا

 

2848- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ : لَمَّا أُدْخِلَ ثِقَلُ الْحُسَيْنِ بن عَلِيٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، عَلَى يَزِيدَ بن مُعَاوِيَةَ وَوُضِعَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَكَى يَزِيدُ وَقَالَ * نُفَلِّقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَحِبَّةٍ * إِلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا * أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ أَنَا صَاحِبَكَ مَا قَتَلْتُكَ أَبَدًا قَالَ عَلِيُّ بن الْحُسَيْنِ لَيْسَ هَكَذَا فَقَالَ : كَيْفَ يَا ابْنَ أُمِّ ؟ فَقَالَ : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ ، وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} وَعِنْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أُمِّ الْحَكَمِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ :

لَهَامٌ بِجَنْبِ الطَّفِّ أَدْنَى قَرَابَةً ... مِنِ ابْنِ زِيَادِ الْعَبْدِ ذِي النَّسَبِ الْوَغْلِ

سُمَيَّةُ أَمْسَى نَسْلُهَا عَدَدَ الْحَصَى ... وَبِنْتُ رَسُولِ اللهِ لَيْسَ لَهَا نَسْلُ

فَرَفَعَ يَزِيدُ يَدَهُ , فَضَرَبَ صَدْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَقَالَ : اسْكُتْ.

 

وروى البخاري:

 

5994 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ عَنْ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ قَالَ كُنْتُ شَاهِدًا لِابْنِ عُمَرَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ فَقَالَ مِمَّنْ أَنْتَ فَقَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ انْظُرُوا إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنْ الدُّنْيَا

 

3753 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نُعْمٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ عَنْ الْمُحْرِمِ قَالَ شُعْبَةُ أَحْسِبُهُ يَقْتُلُ الذُّبَابَ فَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَسْأَلُونَ عَنْ الذُّبَابِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنْ الدُّنْيَا

 

ورواه أحمد 5568 و5675 و6406

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

 

31232- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَمَرَ الْحُسَيْنُ مُنَادِيًا فَنَادَى فَقَالَ : لاَ يقبلَنَّ رَجُلٌ مَعِي عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَقَالَ رَجُلٌ : ضَمِنَتِ امْرَأَتِي دَيْنِي ، فَقَالَ : امْرَأَة ! مَا ضَمَانُ امْرَأَةٍ ؟ قَالَ : وَنَادَى فِي الْمَوَالِي : فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ رَجُلٌ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً إلاَّ دَخَلَ النَّارَ.

 


رسمان شيعيان متخيَّلان لحزن نساء البيت المحمدي والعلوي على مقتل الحسين

 

وجاء في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي:

 

باب ذكر بيعة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان

ويكنى أبا خالد، ولد سنة ست وعشرين هو وعبد الملك، وأمه ميسون بنت بحدل، وكان له أولاد جماعة، فمنهم: معاوية ابنه، وولي الخلافة بعده أياما. ومنهم:

عاتكة، تزوجها عبد الملك بن مروان، فولدت له أربعة أولاد، وهذه عاتكة كان لها اثنا عشر محرما كلهم خلفاء: أبوها يزيد، وجدها معاوية، وأخوها معاوية بن يزيد، وزوجها عبد الملك، وحموها مروان بن الحكم، وابنها يزيد بن عبد الملك، وابن أبيها الوليد بن يزيد، وبنو زوجها: الوليد، وسليمان، وهشام، وابنا ابن زوجها: يزيد وإبراهيم، ابنا الوليد بن عبد الملك. ولم يتفق مثل هذا لامرأة سواها.

وقد أسند يزيد بن معاوية الحديث، فروى عن أبيه، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وإسنادنا إليه متصل، غير أن الإمام أَحْمَد سئل: أيروى عن يزيد الحديث؟

فقَالَ: لا، ولا كرامة، فلذلك امتنعنا أن نسند عنه.

وقد ذكرنا أن معاوية لما مات كان ابنه يزيد غائبا، فلما سمع بموت أبيه معاوية قدم وقد دفن، فبويع له وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة وأشهر، فأقر عبيد الله بن زياد على البصرة، والنعمان بن بشير على الكوفة، وكان أمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص، وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ولم يكن ليزيد هم حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبوا على أبيه/ الإجابة إلى بيعة يزيد، فكتب إلى الوليد بن عتبة: 132/ أأما بعد، فخذ حسينا وعبد الله بن عمر، وعَبْد اللَّهِ بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام.

فبعث إلى مروان، فدعاه واستشاره وقَالَ: كيف ترى أن أصنع؟ قَالَ: إني أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة، فإن فعلوا قبلت، وإن أبوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنهم إن علموا بموته وثب كل واحد منهم فِي جانب، فأظهر الخلاف والمنابذة، إلا أن ابن عمر لا أراه يرى القتال، ولا يحب الولاية، إلا أن تدفع إليه عفوا.

وأرسل عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عثمان وَهُوَ غلام حدث إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما، فوجدهما فِي المجلس جالسين فقالا: أجيبا الأمير. فقالا له: انصرف، فالآن نأتيه: ثم أقبل ابن الزبير على الحسين فقَالَ له: ما تظن فيما بعث إلينا؟ فقَالَ الحسين: أظن طاغيتهم قد هلك، وقد بعث هذا إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشوا الخبر. قَالَ: وأنا ما أظن غيره، فما تريد أن تصنع؟ قَالَ: اجمع فتياني الساعة، ثم أسير إليه، فإذا بلغت الباب احتبستهم. قال: فإني أخافه عليك إذا دخلت قَالَ: لا آتيه إلا وأنا على الامتناع.

قَالَ: فجمع مواليه وأهل بيته، ثم قام يمشي حتى انتهى إلى باب الوليد وقَالَ لأصحابه: إني داخل، فإن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا علي بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج. فدخل وعنده مروان، فسلم عليه بالإمرة وجلس، فأقرأه الوليد الكتاب، ونعى إليه معاوية، ودعاه إلى البيعة، فقَالَ الحسين إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 رحم الله معاوية، وعظم لك الأجر، أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سرا، ولا أراك تجتزي مني سرا دون أن تظهرها على رءوس الناس علانية قَالَ: أجل، قَالَ: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس/ فكان 132/ ب أمرا واحدا. فقَالَ له الوليد وكان يحب العافية، فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس. فقَالَ له مروان. والله إن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينك وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب الحسين عند ذلك فقَالَ: يا ابن الزرقاء، أنت تقتلني أو هو؟ كذبت والله وأثمت. ثم خرج فقَالَ مروان: والله لا يمكنك من مثلها من نفسه، فقَالَ الوليد:

والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت، وإني قتلت حسينا. وأما ابن الزبير فقَالَ: الآن آتيكم. ثم أتى داره، فكمن فيها، فأكثر الرسل إليه، فبعث إليه جعفر بن الزبير فقَالَ له: إنك قد أفزعت عَبْد اللَّهِ [بكثرة] رسلك ، وهو يأتيك غدا إن شاء الله. وخرج ابن الزبير من ليلته، فتوجه نحو مكة هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث، وتنكب الجادة، فبعث وراءه من يطلبه فلم يقدروا عليه، وتشاغلوا عن الحسين عليه السلام فِي ذلك اليوم، فخرج من الليل ببنيه وأخوته وبني أخيه وأهل بيته إلى مكة لليلتين بقيتا من رجب، فدخلها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، وكان مخرج ابن الزبير قبله بليلة.

ثم بعث الوليد إلى عَبْد اللَّهِ بن عمر فقَالَ: بايع ليزيد، فقَالَ: إذا بايع الناس بايعت.

وفِي هذه السنة: عزل يزيد الوليد بن عتبة عن المدينة، عزله فِي رمضان، وأمر عليها عمرو بن سعيد، فقدمها، ووجه عمرو بن سعيد عمرو بن الزبير إلى أخيه عَبْد اللَّهِ بن الزبير ليقاتله، لما كان يعلم ما بينه وبين أخيه عَبْد اللَّهِ، ووجه معه أنيس بن عمرو الأسلمي في سبعمائة- وقيل: فِي ألفين- فعسكر فِي الجرف فجاء مروان بن الحكم إلى عمرو بن سعيد، فقَالَ له: لا تقرب مكة واتق الله، ولا تحل حرمة البيت، وخلوا ابن الزبير فقد كبر وهو رجل لجوج. فقَالَ عمرو: والله لنقاتلنه في جوف 133/ أالكعبة/، وسار أنيس حتى نزل بذي طوى، وسار عمرو بن الزبير إلى أخيه الأبطح، فأرسل عمرو بن الزبير إلى أخيه أن الخليفة قد حلف لا يقبل منك حتى يؤتي بك في جامعة، فبر يمينه وتعال اجعل فِي عنقك جامعة من فضة. فأرسل ابن الزبير عَبْد اللَّهِ بن صفوان إلى أنيس فِي جامعة، فقاتلوه، فهزم أنيس وتفرق عن عمرو جماعة من أصحابه، واستعمل عمرو بن سعيد على شرطته مصعب بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن عوف، وأمره بالشدة على الناس، فهدم الدور، وضرب الرجال، وأرسل إلى المنذر بن الزبير، فجاءوا به ملببا، فقَالَ المسور بن مخرمة: اللَّهمّ إنا نعوذ بك من أمر هذا أوله. فلما حضر وقت الحج حج عمرو، وأظهر السلاح وأظهر ابن الزبير السلاح.

وفِي هذه السنة: وجه أهل الكوفة الرسل إلى الحسين وهو بمكة يدعونه إلى القدوم عليهم، فوجه إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وكان أهل الكوفة قد بعثوا إلى الحسين عليه السلام يقولون: إنا قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الجمعة، فأقدم علينا. فبعث إليهم مسلما لينظر ما قالوا، فخرج مسلم حتى أتى المدينة، فأخذ منها دليلين فمرا به فِي البرية، فأصابهم عطش، فمات أحد الدليلين .

وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه، فكتب إليه: امض، فقدم الكوفة، فنزل على رجل من أهلها، يقال له ابن عوسجة، فلما تحدث أهل الكوفة بمقدمه دنوا إليه فبايعوه، فبايعه منهم اثنا عشر ألفا، فقام رجل ممن يهوى يزيد، إلى النعمان بن بشير، فقَالَ له: إنك ضعيف، قد فسد البلد. فقَالَ له النعمان: أكون ضعيفا في طاعة الله أحب إلي من أن أكون قويا فِي معصية الله.

فكتب بقوله إلى يزيد، فولى الكوفة عبيد الله بن زياد إضافة إلى البصرة، وأمره أن يقتل مسلم بن عقيل، فأقبل عبيد الله فِي وجوه أهل البصرة، حتى قدم الكوفة متلثما، فلا يمر بمجلس من مجالسهم فيسلم إلا قالوا: وعليك السلام يا ابن بنت رسول الله. وهم يظنونه الحسين/ حتى نزل القصر، فقَالَ عبيد الله لمولى له: هذه ثلاثة آلاف 133/ ب درهم، خذها وسل عن الذي بايع أهل الكوفة، وأعلمه أنك من حمص، وقل له: خذ هذا المال تقوى به. فمضى فسلمه إليه، فتحول مسلم بن عقيل حينئذ من الدار التي كان فيها إلى منزل هانئ بن عروة المرادي، وكتب مسلم إلى الحسين ببيعة اثني عشر ألفا من أهل الكوفة، ويأمره بالقدوم، ثم دخل على عبيد الله بن زياد جماعة من وجوه أهل الكوفة، فقَالَ: ما بال هانئ بن عروة لم يأتني؟ فأخبروا هانئا، فانطلق إليه فقَالَ: يا هانئ، أين مسلم؟ قَالَ: لا أدري. فقَالَ عبيد الله لمولاه الذي أعطاه الدراهم: اخرج.

فخرج، فلما رآه قَالَ: أصلح الله الأمير، والله ما دعوته إلى منزلي، ولكنه جاء فطرح نفسه عليّ، قال: ائتني به، قَالَ: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه. فضربه [على حاجبه] فشجه، ثم حبسه فنادى مسلم أصحابه، فاجتمع إليه من أهل الكوفة أربعة آلاف، فمضى بهم إلى القصر، فأشرف أصحاب عبيد الله على أهاليهم يعدونهم ويقولون: غدا يأتيكم جنود الشام. فتسللوا، فما اختلط الظلام حتى بقي مسلم وحده، فأوى إلى امرأة، فعلم به ابنها، وكان عبيد الله قد نادى: إنه من وجد فِي داره فقد برئت منه الذمة، ومن جاء به فله ديته. فأخبر به، فبعث عبيد الله إليه صاحب الشرطة عمرو بن حريث، ومعه عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد الأشعث، فلم يعلم مسلم حتى أحيط بالدار، فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم، فأعطاه عَبْد الرَّحْمَنِ الأمان، فأمكنه من يده، فحملوه على بغلة، وانتزعوا سيفه منه، فقَالَ: هذا أول الغدر. وبكى، فقيل له: من يطلب مثل هذا الذي تطلب إذا نزل به مثل هذا لم يبك. فقَالَ: والله ما أبكي على نفسي، بل على حسين وآل حسين. ثم التفت إلى عَبْد الرَّحْمَنِ فقَالَ: هل يستطيع أن يبعث من عندك رجلا على لساني، يبلغ حسينا، فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم، فيقول له ارجع ولا تغتر بأهل الكوفة.

134/ أفبعث رجلا، فلقي/ الحسين بزبالة، فأخبره [الخبر]، فقَالَ: كل ما حم نازل. ولما جيء بمسلم إلى عبيد الله بن زياد أخبره عَبْد الرَّحْمَنِ أنه قد أمنه، فقَالَ:

ما أنت والأمان، إنما بعثناك لتجيء به لا لتؤمنه. فأمر به، فأصعد إلى أعلى القصر، فضربت عنقه، وألقى جثته إلى الناس، وأمر بهانئ، فقتل في السوق، وسحب إلى الكناسة، فصلب هناك.

وقَالَ شاعرهم فِي ذلك:

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئ فِي السوق وابن عقيل

تري جسدا قد غير الموت لونه ... ونضح دم قد سال كل مسيل

أصابهما أمر الإمام فأصبحا ... أحاديث من يسعى بكل سبيل

وفِي رواية أخرى: أن الحسين لما خرج من المدينة قيل له: لو تجنبت الطريق كما فعل ابن الزبير لأجل الطلب. قَالَ: لا والله، لا أفارقها حتى يقضي الله ما أحب.

فاستقبله عَبْد اللَّهِ بن مطيع، فقَالَ له: جعلت فداك، أين تريد؟ قَالَ: أما الآن فمكة وما بعدها، فإنّي أستخير الله، فقال: خار الله لك، وجعلنا فداك، فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة، فإنها بلدة مشئومة، بها قتل أبوك، وخذل أخوك، واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه، الزم الحرم، فإنك سيد العرب، ولا يعدل بك أهل الحجاز أحدا، ويتداعى الناس إليك من كل جانب. فنزل مكة، واختلف أهلها إليه وأهل الآفاق، وابن الزبير لازم جانب الكعبة، فهو قائم يصلي عندها، ويطوف، ويأتي حسينا فيمن يأتيه، ويشير عليه، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير لأنه قد علم أن أهل الحجاز لا يبايعونه أبدا ما دام حسين بالبلد، وقام سليمان بن صرد بالكوفة، فقَالَ: إن كنتم تعلمون أنكم تنصرون حسينا فاكتبوا إليه، وإن خفتم الفشل فلا تغروه. قالوا: بل نقاتل عدوه.

فكتبوا إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. لحسين بن علي من سليمان بن صرد، والمسيب بن نجية، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلام عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا اله إلا هو، الحمد/ للَّه الذي قصم عدوك، وإنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله يجمعنا بك. 134/ ب فقدم الكتاب عليه بمكة لعشر مضين من رمضان، ثم جاءه مائة وخمسون كتابا من الرجل والاثنين والثلاثة، ثم جاءه كتاب آخر يقولون: حي هلا، فإن الناس ينتظرونك، فالعجل العجل. وتلاقت الرسل كلها عنده. فقرأ الكتب، وكتب مع هانئ بن هاني السبيعي، وسعيد بن عبيد الحنفِي، وكانا آخر الرسل:

بسم الله الرحمن الرحيم. من حسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين. أما بعد، فإن هانئا وسعيدا قدما علي، وكانا آخر من قدم من رسلكم، وقد بعثت أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي وأمرت أن يكتب إلي بحالكم، فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به علي رسلكم، قدمت عليكم إن شاء الله تعالى.

فلما قتل مسلم بن عقيل وهانئ، وكان الحسين قد خرج من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة، وكان قد أشار عليه جماعة منهم ابن عباس أن لا يخرج، وكان من جملة ما قَالَ له: أتسير إلى قوم أميرهم عليهم قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنما دعوك إلى الحرب، ولا آمن أن يكذبوك. فقَالَ: أستخير الله، ثم عاد إليه فقَالَ له: إني أتصبر ولا أصبر، إني أتخوف عليك أهل العراق، فإنهم أهل غدر، أقم بهذا البلد فإنك سيد الحجاز، فإن كان أهل العراق يريدونك (فاكتب إليهم) .

فلينفوا عدوهم، وإن أبيت فسر إلى اليمن، فإن بها حصونا وشعابا، وهي أرض عريضة. فقَالَ: قد أجمعت المسير. قَالَ: فلا تسر بنسائك وصبيتك، فإني أخاف ما جرى لعثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه، ولقد أقررت عيني ابن الزبير بتخليتك إياه بالحجاز، والله لو أني أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع علي وعليك الناس أطعتني لفعلت.

ثم خرج، فلقي ابن الزبير، فقَالَ: قرت عينك، هذا حسين يخرج إلى العراق، ويخليك والحجاز، ثم أنشد مرتجزا متمثلا: / 135/ أ

يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقّري

وكتب عبيد الله إلى يزيد: أما بعد، فالحمد للَّه الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه، وكفاه مئونة عدوه، إن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة فكدتهما حتى استخرجتهما وضربت أعناقهما، وقد بعثت برأسيهما.

فكتب إليه يزيد: إنك على ما أحب عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع، وقد بلغني أن الحسين قد توجه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس، واجلس على الظنة، وخذ على التهمة، غير أن لا تقتل إلا من قاتلك، واكتب إلي فِي كل ما يحدث من خير إن شاء الله.

قَالَ علماء السير: لما علم الحسين، بما جرى لمسلم بن عقيل هم أن يرجع، فقَالَ أخو مسلم: والله لا ترجع حتى نصيب بثأرنا. فقَالَ الحسين: لا خير فِي الحياة بعدكم. فسار فلقيته أوائل خيل عبيد الله، فنزل كربلاء، فضرب أبنيته، وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. وفِي هذه السنة: حج بالناس عمرو بن سعيد، وكان عامل يزيد على مكة والمدينة لما نزع يزيد الوليد بن عتبة عن المدينة، وكان ذلك فِي شهر رمضان.

فحج عمرو بالناس حينئذ، وكان على الكوفة والبصرة وأعمالها عبيد الله بن زياد، وعلى خراسان عَبْد الرَّحْمَنِ بن زياد، وعلى قضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة.

ثم دخلت سنة إحدى وستين

فمن الحوادث فيها: مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام

وذلك أنه أقبل حتى نزل شراف، فبينما هم كذلك إذ طلعت عليهم الخيل، فنزل الحسين، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وأمر بأبنيته فضربت، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي- وكان صاحب شرطة ابن زياد- حتى وقفوا مقابل الحسين عليه السلام فِي حر الظهيرة/، فأمر الحسين رجلا فأذن، ثم خرج فقَالَ: أيها الناس إنها معذرة إلى الله 138/ أوإليكم، إني لم آتكم حتى قدمت علي رسلكم، وأتتني كتبكم أن أقدم علينا، فليس لنا إمام، فإن كنتم كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه، فسكتوا عنه، وقالوا للمؤذن: أقم الصلاة، فأقام الصلاة، وصلى الحسين، وصلى الحر معه، ثم تراجعوا، فجاءت العصر، فخرج يصلي بهم وقَالَ: أتتني كتبكم ورسلكم، فقَالَ الحر:

ما ندري ما هذه الكتب والرسل. فقَالَ: يا عقبة بن سمعان، أخرج إلي الخرجين.

فأخرجهما مملوءين صحفا فنشرها بين أيديهم، فقَالَ الحر: إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عُبَيْد الله بن زياد، فقَالَ الحسين: الموت أدنى [إليك] من ذلك. وقام فركب وركب أصحابه وقَالَ: انصرفوا بنا. فحالوا بينه وبين الانصراف، فقَالَ للحر: ثكلتك أمك، ما تريد؟ قَالَ: إني لم أومر بقتالك، إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة، ولا تردك المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد، وتكتب أنت إلى يزيد أو إلى ابن زياد لعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك، فتباشر الحسين والحر يسايره، ثم جاءه كتاب عبيد الله بن زياد أن جعجع بالحسين حتى يبلغك كتابي، فأنزلهم الحر على غير ماء، ولا فِي قرية، وذلك فِي يوم الخميس ثاني المحرم، فلما كان من الغد قدم عمرو بن سعد من الكوفة فِي أربعة آلاف، وكان عبيد الله قد ولى عمرو بن سعد الري، فلما عرض أمر الحسين قَالَ له: اكفني أمر هذا الرجل، ثم اذهب إلى عملك. فقَالَ:

أعفني فأبى. قالَ: أنظرني الليلة، فأخره فأنظر فِي أمره، [ثم أصبح] راضيا. فبعث إلى الحسين رجلا يقول له: ما جاء بك؟ فقَالَ: كتب إلي أهل مصركم، فإذا كرهتموني فإني أنصرف عنكم. وجاء كتاب عبيد الله إلى عمر: حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء كما صنع بعثمان. فقَالَ: اختاروا مني واحدة من ثلاث: إما أن تدعوني فألحق 138/ ب بالثغور أو أذهب إلى يزيد، أو أنصرف/ من حيث جئت. فقبل ذلك عمرو، وكتب إلى عبيد الله بذلك، فكتب عبيد الله. لا ولا كرامة حتى يضع يده فِي يدي، فقَالَ الحسين:

لا والله لا يكون ذلك أبدا. وفِي رواية: أن عبيد الله قبل ذلك، فقَالَ له شمر بن ذي الجوشن: والله إن رحل عن بلادك ولم يضع يده فِي يدك ليكونن أولى بالقوة والعز، ولتكونن أولى بالضعف، والعجز، ولكن لينزلن على حكمك هو وأصحابه، فقَالَ له عبيد الله. اخرج بكتابي إلى عمرو بن سعد، وليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما، وإن أبوا فليقاتلهم، فإن فعل فاسمع له وأطع، وإن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الناس، فثب عليه فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.

وكتب عبيد الله: أما بعد، فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة، فانظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليّ سلما، فإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم، فإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاق قاطع، فإن مضيت لأمرنا جزيناك خيرا، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنا قد أمرناه، والسلام.

فلما جاء شمر بالكتاب إلى عمرو وقرأه قَالَ: ويلك، لا قرب الله دارك، قبح الله ما قدمت به علي، والله إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه، وأفسدت علينا أمرا قد كنا رجونا أن يصلح، قَالَ: فقَالَ: أخبرني ما أنت صانع لأمر أميرك؟ أتقاتل عدوه، وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر. فقَالَ: لا، ولا كرامة، ولكن أنا أتولى ذلك. قَالَ:

فدونك.

فنهض إليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم، وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين فقَالَ: أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العباس وعَبْد اللَّهِ وجعفر بنو علي، فقالوا: مالك وما تريد؟ قَالَ: أنتم يا بني أختي آمنون، قالوا: لعنك الله، ولعن أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أمان له؟! فنادى عمرو: يا خيل اركبي وأبشري.

فركب فِي الناس، ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر، وحسين جالس أمام بنيه مجتثيا بسيفه/ إذ خفق برأسه على ركبتيه، فسمعت أخته الضجة، فقالت: يا أخي، أما 139/ أتسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع رأسه فقَالَ: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام فقَالَ لي: «إنك تروح إلينا» فلطمت أخته وجهها وقَالَ له العباس: يا أخي، أتاك القوم.

فنهض وقَالَ: يا عباس، اركب [بنفسك] أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم ما لكم وما بدا لكم. فأتاهم العباس فِي نحو من عشرين فارسا، فقَالَ: ما تريدون؟ فقالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم. قالَ: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عَبْد اللَّهِ فأعرض عليه ما ذكرتم. فوقفوا، فرجع إلى الحسين فأخبره الخبر، ثم رجع إليهم فقَالَ: يا هؤلاء، إن أبا عَبْد اللَّهِ يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ننظر فِي هذا الأمر، فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله، وإنما أراد أن يوصي أهله، فقَالَ عمرو للناس:

ما ترون؟ فقَالَ له عمرو بن الحجاج: سبحان الله، والله لو كان من الديلم، ثم سألك هذا لكان ينبغي أن تجيبه، فجمع الحسين أصحابه وقَالَ: إني قد أذنت لكم فانطلقوا فِي هذه الليلة، فاتخذوه جملا، وتفرقوا فِي سوادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري. فقَالَ أخوه العباس: لم نفعل ذلك لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك أبدا.

ثم تكلم إخوته وأولاده وبنو أخيه وبنو عَبْد اللَّهِ بن جعفر بنحو ذلك، فقَالَ الحسين: يا بني عقيل، حسبكم من الفتك بمسلم، اذهبوا فقد أذنت لكم. فقالوا:

لا والله، بل نفديك بأنفسنا وأهلينا، فقبح الله العيش بعدك.

وقَالَ مسلم بن عوسجة: والله لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لرميتهم بالحجارة، وقَالَ سعيد بن عَبْد اللَّهِ الحنفِي: والله لا نخليك حتى يعلم الله أننا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، والله لو علمت أني أقتل، ثم أحيا، ثم أحرق حيا، ثم أذرى تسعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك.

وتكلم جماعة [من] أصحابه بنحو هذا، فلما أمسى الحسين جعل يصلح سيفه ويقول مرتجزا:

139

/ ب يا دهر أف لك من خليل ... / كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب أو طالب قتيل

فلما سمعه ابنه علي خنقته العبرة، فسمعته زينب بنت علي، فنهضت إليه وهي تقول: وا ثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت فاطمة أمي، وعلي أبي، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي. فقَالَ لها الحسين: أخية، لا يذهب حلمك الشيطان.

وترقرقت عيناه، فلطمت وجهها، وشقت جيبها، وخرت مغشية عليها. فقام إليها الحسين عليه السلام فرش الماء على وجهها، وقَالَ: يا أخية اعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، ولي أسوة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإني أقسم عليك يا أخية لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي وجها.

وقام الحسين وأصحابه يصلون الليل كله، ويدعون، فلما صلى عمرو بن سعد الغداة- وذلك يوم عاشوراء- خرج فيمن معه من الناس، وعبأ الحسين أصحابه، وكانوا اثنين وثلاثين فارسا، وأربعين راجلا، ثم ركب الحسين دابته، ودعى بمصحف فوضعه أمامه، وأمر أصحابه فأوقدوا النار فِي حطب كان وراءهم لئلا يأتيهم العدو من ورائهم.

فمر شمر فقَالَ: يا حسين، تعجلت النار فِي الدنيا. فقَالَ مسلم بن عوسجة: ألا رميته بسهم؟ فقَالَ الحسين: لا، إني لأكره أن أبدأهم، ثم قَالَ الحسين عليه السلام لأعدائه: أتسبوني؟ فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم؟ وابن ابن عمه؟ أليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ وجعفر الطيار عمي؟ فقَالَ شمر [بن ذي الجوشن]: عبدت الله على غير حرف إن كنت أدري ما تقول. فقَالَ: أخبروني، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم أخذته!؟ فلم يكلموه.

فنادى: يا شبث بن ربعي، يا قيس بن الأشعث، يا حجار، ألم تكتبوا إلي؟ قالوا:

لم نفعل، فقَالَ: فإذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم. فقال له قيس: أو لا تنزل على حكم ابن عمك؟ فإنه لن يصل إليك منهم مكروه، فقَالَ: لا والله، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل.

فعطف عليه الحر فقاتل معه/ فأول من رمى عسكر الحسين عليه السلام بسهم: 140/ أعمرو بن سعد، وصار يخرج الرجل من أصحاب الحسين فيقتل من يبارزه، فقَالَ عمرو بن حجاج للناس. يا حمقى. أتدرون من تقاتلون؟ هؤلاء فرسان المصر، وهم قوم مستميتون، فقَالَ عمرو: صدقت، فحمل عمرو بن الحجاج على الحسين، فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة أول أصحاب الحسين، وحمل شمر وحمل أصحاب الحسين عليه السلام من كل جانب، وقاتل أصحاب الحسين قتالا شديدا، فلم يحملوا على ناحية إلا كشفوها، وهم اثنان وثلاثون فارسا، فرشقهم أصحاب عمرو بالنبل، فعقروا خيولهم، فصاروا رجالة، ودخلوا على بيوتهم، يقوضونها ثم أحرقوها بالنار، فقتل أصحاب الحسين كلهم وفيهم بضعة عشر شابا من أهل بيته منهم من أولاد علي عليه السلام: العباس، وجعفر، وعثمان، ومُحَمَّد، وأبو بكر. ومنهم من أولاد الحسين: علي، وعبد الله، وأبو بكر، والقاسم. ومنهم من أولاد عَبْد اللَّهِ بن جعفر:

عون، ومُحَمَّد. ومن أولاد عقيل: جعفر، وعبد الرحمن، وعَبْد اللَّهِ، ومسلم، قتل بالكوفة. وقتل عَبْد اللَّهِ بن مسلم بن عقيل، ومُحَمَّد بن أبي سعيد بن عقيل، وقتل عبد الله بن يقطر رضيع الحسين.

 

 

وجاء سهم فأصاب ابنا للحسين وهو فِي حجره، فجعل يمسح الدم عنه وهو يقول: اللَّهمّ احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا. فحمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه، ونادى: علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله. فصاح النساء وخرجن من الفسطاط، وصاح به الحسين عليه السلام: حرقك الله بالنار.

 

 

ثم اقتتلوا حتى وقت الظهر، وصلى بهم الحر صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعد الظهر، وخرج علي بن الحسين الأكبر فشد على الناس وهو يقول:

أنا علي بن الحسين بن علي ... نحن ورب البيت أولى بالنبي

140/ ب/ تاللَّه لا يحكم فينا ابن الدعي

فطعنه مرة بن منقذ فصرعه، واحتوشوه فقطعوه بالسيوف، فقَالَ الحسين: قتل الله قوما قتلوك يا بني، على الدنيا بعدك العفاء. وخرجت زينب بنت فاطمة [تنادي]: يا أخاه يا ابن أخاه. وأكبت عليه، فأخذ بيدها الحسين فردها إلى الفسطاط، وجعل يقاتل قتال الشجاع، وبقي الحسين زمانا ما انتهى إليه رجل منهم [إلا] انصرف عنه وكره أن يتولى قتله، واشتد به العطش فتقدم ليشرب، فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع فِي فمه، فجعل يتلقى الدم ويرمي به السماء ويقول: اللَّهمّ أحصهم عددا واقتلهم مددا، ولا تذر على الأرض منهم أحدا.

ثُمَّ جعل يقاتل، فنادى شمر فِي الناس: ويحكم، ما تنتظرون بالرجل، اقتلوه.

فضربه زرعة بن شريك على كتفه، وضربه آخر على عاتقه، وحمل عليه سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح، فوقع، فنزل إليه فذبحه واجتز رأسه، فسلمه إلى خولى بن يزيد الأصبحي، ثم انتهبوا سلبه، فأخذ قيس بن الأشعث عمامته، وأخذ آخر سيفه، وأخذ آخر نعليه، وآخر سراويله، ثم انتهبوا ماله، فقَالَ عمرو بن سعد: من أخذ شيئا فليرده، فما منهم من رد شيئا.

وجاء سنان حتى وقف على فسطاط عمرو بن سعد، ثم نادى:

أوقر ركابي فضة وذهبا ... فقد قتلت السيد المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا ... وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقَالَ له عمرو: يا مجنون، تتكلم بهذا الكلام؟ ثم قَالَ عمرو: من يوطئ فرسه الحسين؟ فانتدب أقوام بخيولهم حتى رضوا ظهره، وأمر بقتل علي بن الحسين، فوقعت عليه زينب وقالت: والله لا يقتل حتى أقتل. فرق لها وكف عنه.

وبعث برأسه ورءوس أصحابه إلى ابن زياد، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث. وجاءت هوازن بعشرين رأسا وصاحبهم/ شمر بن ذي 141/ أالجوشن، وجاءت بنو تميم بسبعة عشر، وبنو أسد بستة، وبنو مدحج بسبعة.

فلما وصل رأس الحسين إلى ابن زياد جعل ينكث ثنيته بقضيب فِي يده، فقَالَ له زيد بن أرقم: والله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول للَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هاتين الشفتين [يقبلهما]. ثم نصب رأس الحسين بالكوفة بعد أن طيف به، ثم دعي زفر بن قيس، فبعث معه برأس الحسين ورءوس أصحابه إلى يزيد، فلما دخل على يزيد قَالَ:

ما وراءك؟ قَالَ: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره، ورد علينا الحسين فِي ثمانية عشر من أهل بيته، وستين من شيعته، فسرنا إليهم، فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم ابن زياد أو القتال، فاختاروا القتال، فغدونا عليهم من شروق الشمس، فأحطنا بهم، فجعلوا يهربون إلى غير وزر ويلوذون منا بالآكام والحفر كما تلوذ الحمائم من صقر، فو الله ما كان إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم، فهاتيك أجسادهم مجردة، وخدودهم معفرة، تصهرهم الشمس، وتسفى عليه الريح، تزاورهم العقبان والرخم بقي سبسب.

فدمعت عينا يزيد وقَالَ: كنت أرضى من طاعتهم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سمية، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه. ثم جلس يزيد، ودعى أشراف أهل الشام، وأجلسهم حوله، ثم أدخلهم عليه.

أَخْبَرَنَا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال:

أخبرنا الحسين بن علي الطناجيري قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن شاهين قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سالم قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن سهل قال: حدثنا خالد بن خداس قَالَ:

حَدَّثَنَا حماد بن زيد، عن حميل بن مرة، عن أبي الوصي قال:

141/ ب/ نحرت الإبل التي حمل عليها رأس الحسين وأصحابه، فلم يستطيعوا أكلها، كانت لحومها أمر من الصبر.

قَالَ مؤلف الكتاب: ولما جلس يزيد وضع الرأس بين يديه وجعل ينكث بالقضيب على فيه ويقول:

يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما

فقَالَ أبو برزة- وكان حاضرا: ارفع قضيبك، فو الله لرأيت فاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي فيه يلثمه.

أَخْبَرَنَا ابن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن أَحْمَد السراج قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو طاهر مُحَمَّد بن علي العلاف قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ أَخِي مِيمِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن محمد القرشي قال: حدثني محمد بن صالح قال: حدثنا علي بن مُحَمَّد، عن خالد بن يزيد بن بشر السكسكي، عن أبيه، عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي قَالَ:

قدم برأس الحسين، فلما وضع بين يدي يزيد ضربه بقضيب كان فِي يده، ثم قَالَ:

يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما

أنبأنا علي بن عبيد الله بن الزغواني قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو جعفر بن المسلمة، عن أبي عبيد الله المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد الكاتب قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بن أبي سعد الوراق قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى الأحمري قَالَ:

حَدَّثَنَا ليث، عن مجاهد قَالَ:

جيء برأس الحسين بن علي، فوضع بين يدي يزيد بن معاوية، فتمثل بهذين البيتين، يقول:

ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل

فأهلوا واستهلوا فرحا ... ثم قالوا لي: بقيت لأتمثل

قَالَ مجاهد: نافق فيها، ثم والله ما بقي من عسكره أحدا إلا تركه.

قَالَ علماء السير: ثم [دعا] يزيد بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه، فأدخلوا عليه/ فقَالَ لعلي: يا علي، أبوك الذي قطع رحمي، وجهل حقي، ونازعني 142/ أسلطاني، فصنع الله به ما رأيت. فقَالَ علي: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها 57: 22. ثم دعا بالنساء والصبيان، فأجلسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة، فقَالَ: قبح الله ابن مرجانة، لو كانت بينكم وبينه قرابة ما فعل بكم هذا. فرق لهم يزيد، فقام رجل أحمر من أهل الشام فقَالَ: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه- يعني فاطمة بنت علي- وكانت وضيئة، فارتعدت وظنت أنهم يفعلون، فأخذت بثياب أختها زينب- وكانت زينب أكبر منها- فقالت زينب: كذبت والله، ما ذلك لك ولا له. فغضب يزيد وقَالَ: كذبت، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعله لفعلته، قالت:

كلا والله، ما جعل الله ذلك لك إلا أن يخرج من ملتنا ويدين بغير ديننا، فعاد الشامين فقام وقَالَ: هب لي هذه، فقَالَ: اغرب، وهب الله لك حتفا قاضيا، ثم قَالَ يزيد للنعمان بن بشير: جهزهم بما يصلحهم، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا يسير بهم إلى المدينة.

ثم دخلن دار يزيد، فلم يبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي وتنوح على الحسين، وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعا علي بن الحسين، فدعاه يوما ودعا معه عمرو بن الحسين- وكان صغيرا- فقَالَ يزيد لعمرو: أتقاتل هذا؟ يعني ابنه خالدا. قَالَ:

لا، ولكن أعطني سكينا وأعطه سكينا، ثم أقاتله. فقَالَ يزيد: سنة أعرفها من أحرم، ثم بعث بهم إلى المدينة، وبعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد بن العاص- وهو عامله على المدينة- فكفنه ودفنه بالبقيع عند قبر أمه فاطمة. هكذا قَالَ ابن سعد.

وذكر ابن أبي الدنيا أنهم وجدوا فِي خزانة يزيد رأس الحسين، فكفنوه، ودفنوه بدمشق عند باب الفراديس. 142/ ب ولما أتى أهل المدينة مقتل الحسين عليه السلام/ خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها حاسرة وهي تبكي وتقول:

ماذا تقولون إن قَالَ النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم أفضل الأمم

بعترتي وبأهلي عند منطلقي ... منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ... أن تخلفوني بشر فِي ذوي رحم

 

تسيير نساء البيت العلوي على أقدامهن كأسرى ثم تركهن

 

وقصة مقتل الحسين ومن قبله داعيته مسلم بن عقيل وغيرها رأيتها معروضة بتفصيل جيد في كتاب التاريخ المعروف (مقاتل الطالبيين) وهو مصدر شيعي معتدل، والمصدر السابق أعلاه ابن الجوزي مصدر سني والقصة في كل أمهات كتب التاريخ. ولنعرض لقصة مقتل مسلم بن عقيل كما وردت في مقاتل الطالبيين:

 

محمد بن أبي سعيد الاحول بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام

وأمه أم ولد، قتله لقيط بن ياسر الجهني رماه بسهم فيما رويناه عن المدائني عن ابي مخنف عن سليمان بن راشد عن حميد بن مسلم.

وذكر محمد بن علي بن حمزة: انه قتل معه جعفر بن محمد بن عقيل ووصف انه سمع ايضا من يذكر انه قتل يوم الحرة.

قال ابوالفرج: وما رايت في كتب الانساب لمحمد بن عقيل ابنا يسمى جعفرا.

وذكر ايضا محمد بن علي بن حمزة، عن عقيل بن عبدالله بن عقيل بن محمد بن عبدالله بن محمد بن عقيل بن ابي طالب: ان علي بن عقيل، وامه ام ولد قتل يومئذ.

فجميع من قتل يوم الطف من ولد ابي طالب سوى من يختلف في امره اثنان وعشرون رجلا.

ثم نرجع إلى ذكر خبر الحسين بن علي ومقتله صلوات الله عليه

حدثني احمد بن عيسى بن ابي موسى العجلى قال: حدثنا حسين بن نصر بن مزاحم، قال: حدثنا ابي قال: حدثنا عمر بن سعد، عن ابي مخنف لوط بن يحيى الازدي وحدثني ايضا احمد بن محمد بن شبيب المعروف بأبي بكر بن شيبة قال:

حدثنا احمد بن الحرث الخزاز قال: حدثنا علي بن محمد المدائني عن ابي مخنف عن عوانة وابن جعدية وغيرهم وحدثني احمد بن الجعد قال: حدثنا علي بن موسى الطوسي قال: حدثنا احمد بن جناب قال: حدثنا خالد بن يزيد بن اسد بن عبدالله القشيري، قال: حدثنا عمار الدهني عن ابي جعفر محمد بن علي كل واحد ممن ذكرت يأتي بالشئ يوافق فيه صاحبه او يخالفه ويزيد عليه شى ئا او ينقص منه، وقد ثبت ذلك برواياتهم منسوبا اليهم.

قال المدائني عن هارون بن عيسى عن يونس بن ابي إسحاق قال: لما بلغ اهل الكوفة نزول الحسين " ع " مكة وانه لم يبايع ليزيد وفد اليه وفد منهم عليهم ابوعبدالله الجدلي وكتب اليه شبث بن ربعي وسليمان.

ابن صرد والمسيب بن نجية ووجوه اهل الكوفة يدعونه إلى بيعته وخلع يزيد فقال لهم: ابعث معكم اخي وابن عمي فاذا اخذ لي بيعتي واتاني عنهم بمثل ما كتبوا به إلي قدمت عليهم.

ودعى مسلم بن عقيل فقال: اشخص إلى الكوفة فان رايت منهم اجتماعا على ما كتبوا ورايته امرا ترى الخروج معه فاكتب إلي برايك.فقدم مسلم الكوفة واتته الشيعة فأخذ بيعتهم للحسين.

قال عمر بن سعد: عن ابي مخنف فحدثني المصعب بن زهير عن ابي عثمان: ان زيادا اقبل من البصرة ومعه مسلم بن عمر الباهلي والمنذر بن عمرو بن الجارود وشريك بن الاعور وحشمه واهله حتى دخلوا الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو ملتثم والناس ينتظرون قدوم الحسين عليهم فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا: مرحبا بك ياابن رسول الله صلى الله عليه وآله قدمت خير مقدم وراى من الناس من تباشرهم بالحسين ما ساء‌ه فأقبل حتى دخل القصر.

وقال عمرو عن ابي مخنف عن المعلى بن كليب عن ابي الوداك قال: لما نزل ابن زياد القصر نودي في الناس: الصلاة جامعة فاجتمع اليه الناس فخرج الينا فحمد الله واثنى عليه ثم قال:

اما بعد: فإن امير المؤمنين - اصلحه الله - ولاني مصركم وثغركم وفيئكم وامرني بانصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم وبالاحسان إلى سامعكم ومطيعكم وبالشدة على مريبكم فأنا لمطيعكم كلوالد البر الشفيق وسيفي وسوطي على من ترك امري وخالف عهدي فليبق امرؤ على نفسه، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.

ثم نزل.

وسمع مسلم بن عقيل بمجئ عبيدالله بن زياد ومقالته فأقبل حتى اتى دار هانئ بن عروة المرادي فدخل في بابه فأرسل اليه ان اخرج إلي فقال: إني اتيتك لتجيرني وتضيفني، فقال له: رحمك الله لقد كلفتني شططا لولا دخولك داري وثقتك بي لاحببت لشأنك ان تنصرف عني غير اني اخذني من ذلك ذمام ادخل فدخل داره فأقبلت الشيعة تختلف اليه في دار هانئ بن عروة.

وجاء شريك ابن الاعور حتى نزل على هانئ في داره وكان شيعيا ودعا ابن زياد مولى له يقال له معقل فقال له: خذ هذه الثلاثة آلاف درهم ثم التمس لنا مسلم بن عقيل واطلب شيعته واعطهم الثلاثة آلاف درهم وقل لهم: استعينوا بهذه على حرب عدوكم واعلمهم بأنك منهم ففعل ذلك وجاء حتى لقى مسلم بن عوسجة الاسدي في المسجد الاعظم وسمع الناس يقولون: هذا يبايع للحسين بن علي وكان يصلي فلما قضى صلاته جلس اليه فقال له: ياعبدالله إني امرؤ من اهل الشام مولى لذي الكلاع انعم الله علي بحب اهل البيت وحب من احبهم وهذه ثلاثة آلاف درهم معي اردت بها لقاء رجل منهم بلغني انه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وكنت احب لقاء‌ه لاعرف مكانه فسمعت نفرا من المسلمين يقولون: هذا رجل له علم بأمر اهل هذاالبيت وإني اتيتك لتقبض مني هذا المال وتدلني على صاحبي فأبايعه، فقال له: احمد الله على لقائك فقد سرني حبك إياهم وبنصرة الله إياك حق اهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله، ولقد ساء‌ني معرفة الناس إياي بهذا الامر قبل ان يتم مخافة سطوة هذا الطاغية الجبار ان يأخذ البيعة قبل ان يبرح واخذ عليه المواثيق الغليظة ليناصحن وليكتمن فأعطاه من ذلك ما رضي به ثم قال له: اختلف

إلي اياما في منزلي فأنا اطلب لك الاذن على صاحبك واخذ يختلف مع الناس يطلب ذلك اليه.

ومرض شريك بن الاعور وكان كريما على ابن زياد وكان شديد التشيع فأرسل اليه عبيدالله إني رائح اليك العشية فعائدك.

فقال شريك لمسلم: إن هذا الفاجر عائدي العشية فاذا جلس فاقتله ثم اقعد في القصر وليس احد يحول بينك وبينه فإن انا برات من وجعي من ايامي هذه سرت إلى البصرة وكفيتك امرها فلما كان العشى اقبل ابن زياد لعيادة شريك بن الاعور فقال لمسلم: لايفوتنك الرجل إذا جلس فقام اليه هانئ فقال: إني لا احب ان يقتل في داري كأنه استقبح ذلك فجاء‌ه عبيدالله بن زياد فدخل وجلس وسأل شريكما: ما الذي تجدومتى اشتكيت؟ فلما طال سؤاله إياه وراى ان احدا لا يخرج خشى ان يفوته فأقبل يقول:

ما الانتظار بسلمى ان تحيوها***حيوا سليمى وحيوا من يحييها

كأس المنية بالتعجيل فاسقوها

لله ابوك ! إسقنيها وإن كانت فيها نفسي.

قال ذلك مرتين او ثلاثة، فقال عبيد الله - وهو لا يفطن -: ما شأنه اترونه يهجر؟ فقال له هانئ: نعم - اصلحك الله - ما زال هكذا قبل غيابت الشمس إلى ساعتك هذه.ثم قام وانصرف.

فخرج مسلم فقال له شريك: ما يمنعك من قتله؟ فقال: خصلتان، اما إحداهما فكراهية هانئ ان يقتل في داره واما الاخرى فحديث حدثنيه الناس عن النبي صلى الله عليه وآله: " إن الايمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن " فقال له شريك: اما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا.

قال: فأقبل ذلك الرجل الذي وجهه عبيد الله بالمال يختلف اليهم فهو اول داخل وآخر خارج يسمع اخبارهم ويعلم اسرارهم وينطلق بها حتى يقرها في اذن ابن زياد.

قال: فقال المدائني عن ابي مخنف عن عبدالملك بن نوفل بن مساحق عن

فقال له محمد بن الاشعث: ارجو الا يكون عليك بأس.

فقال: ما هو إلا الرجاء فأين امانكم(إنا لله وإنا اليه راجعون) وبكى.

فقال له عبيد الله ابن العباس السلمي.

إن مثلك ومن يطلب مثل الذي طلبت إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك قال.

إني والله ما ابكي لنفسي ولا لها من القتل ارثى وإن كنت لم احب لها طرفة عين تلفا، ولكني ابكي لاهلي المقبلين إلي ابكي للحسين وآل الحسين، ثم اقبل على ابن الاشعث فقال: إني والله اظنك ستعجز عن اماني وسأله بن يبعث رسولا إلى الحسين بن علي يعلمه الخبر ويسأله الرجوع فقال له ابن الاشعث: والله لافعلن.

قال ابومخنف: فحدثني قدامة بن سعد: ان مسلم بن عقيل حين انتهى به إلى القصر رأى قلة مبردة موضوعة على الباب فقال اسقوني من هذا الماء.

فقال له مسلم بن عمر وابوقتيبة بن مسلم الباهلي: اتراها ما ابردها؟ فوالله لا تذوق منها قطرة واحدة حتى تذوق الحميم في نار جهنم.

فقال له مسلم بن عقيل: ويلك ولامك الثكلى ما اجفاك وافظك واقسى قلبك انت يابن باهلة اولى بالحميم والخلود في نار جهنم ثم جلس وتساند إلى الحائط.

قال ابومخنف: فحدثني ابوقدامة بن سعدان عمرو بن حريث بعث غلاما له يدعى سليما فأتاه بماء في قلة فسقاه.

قال وحدثني مدرك بن عمارة: ان عمارة بن عقبة بعث غلاما يدعى نسيما فأتاه بماء في قلة عليها منديل وقدح معه فصب فيه الماء ثم سقاه فأخذ كلما شرب امتلا القدح دما فأخذ لا يشرب من كثرة الدم فلما ملا القدح ثانية ذهب يشرب فسقطت ثنيتاه في القدح فقال: الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته.

قال: ثم ادخل على عبيد الله بن زياد - لعنه الله - فلم يسلم عليه فقال له الحرس ألا تسلم على الامير؟ فقال: إن كان الامير يريد قتلي فما سلامي عليه؟ وإن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه.

فقال له عبيدالله - لعنه الله -: لتقتلن.

قال: أكذلك؟ قال: نعم.

قال: دعني إذا اوصي إلى بعض القوم.

قال: اوص إلى من احببت.

فنظر ابن عقيل إلى القوم وهم جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد فقال ياعمر إن بيني وبينك قربة دون هؤلاء ولي اليك حاجة وقد يجب عليك لقرابتي نجح حاجتي وهي سر فأبى ان يمكنه من ذكرها فقال له عبيد الله بن زياد.

لا تمتنع من ان تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه وجلس حيث ينظر اليهما ابن زياد - لعنه الله - فقال له ابن عقيل.

إن علي بالكوفة دينا استدنته مذ قدمتها تقضيه عني حتى يأتيك من غلتي بالمدينة، وجثتي فاطلبها من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين من يرده.فقال عمر لابن زياد.

اتدري ماقال: قال.اكتم ما قال لك قال اتدري ما قال لي؟ قال.

هات فانه لا يخون الامين، ولا يؤتمن الخائن.

قال.كذا وكذا قال اما مالك فهو لك ولسنا نمنعك منه فاصنع فيه ما احببت.

واما حسين فانه إن لم يردنا لم نرده وإن ارادنا لم نكف عنه.

واما جثته فانا لا نشفعك فيها فانه ليس لذلك منا بأهل وقد خالفنا وحرص على هلاكنا.

ثم قال ابن زياد لمسلم: قتلني الله إن لم اقتلك قتلة لم يقتلها احد من الناس في الاسلام.

قال: اما إنك احق من احدث في الاسلام ماليس فيه اما إنك لم تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولؤم الغيلة لمن هو احق به منك.

ثم قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه.

ثم قال: ادعوا الذي ضربه ابن عقيل على رأسه وعاتقه بالسيف فجاء‌ه فقال.

اصعد وكن انت الذي تضرب عنقه، وهو بكير بن حمران الاحمري - لعنه الله - فصعدوا به وهو يستغفر الله ويصلي على النبي محمد صلى الله عليه وآله وعلى انبيائه ورسله وملائكته - وهو يقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكادونا وخذلونا.

ثم اشرفوا به على موضع الحذائين فضرب عنقه ثم اتبع رأسه جسده - صلى الله عليه ورحمه -.

تشرب؟ قال: بلى قالت: فاذهب إلى اهلك فسكت فأعادت عليه ثلاثا ثم قالت: سبحان الله ياعبدا لله قم إلى اهلك - عافاك الله - فانه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا احله لك ثم قام فقال: ياامة الله والله مالي في هذا المصر من اهل فهل لك في معروف واجر لعلي اكافئك به بعد اليوم.

قالت: يا عبدالله وما ذاك؟ قال: انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني وخذلوني قالت: انت مسلم؟ قال: نعم قالت ادخل فأدخلته بيتا في دارها وفرشت له وعرضت عليه العشاء وجاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت فسألها فقالت: يابني أله عن هذا قال: والله لتخبريني والح عليها فقالت: يابني لا تخبر به احدا من الناس واخذت عليه الايمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت.

فلماطال على ابن زياد ولم يسمع اصوات اصحاب ابن عقيل قال لاصحابه: اشرفوا فانظروا فأخذوا ينظرون وادلوا القناديل واطنان القصب تشد بالحبال وتدلى وتلهب فيها النار حتى فعل ذلك بالاظلة التي في المسجد كلها فلما لم يروا شيئا اعلموا ابن زياد ففتح باب السد وخرج ونادى في الناس: برئت الذمة من رجل صلى العتمة إلا في المسجد فاجتمع الناس في ساعة فحمد الله واثنى عليه ثم قال: اما بعد: فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد اتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجد في داره ومن جاء به فله ديته اتقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم ولا تجعلوا على انفسكم سبيلا.

ياحصين بن تميم ثكلتك امك إن ضاع شئ من سكك الكوفة او خرج هذا الرجل ولم تأتني به وقد سلطتك على دور اهل الكوفة فابعث مراصدة على افواه السكك واصبح غدا فاستبرء الدور حتى تأتي بهذا الرجل ثم نزل.

فلما اصبح اذن للناس فدخلوا عليه واقبل محمد بن الاشعث فقال: مرحبا بمن لا يتهم ولا يستغش واقعده إلى جنبه.

واصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل فغدا إلى عبدالرحمن بن محمد

ابن الاشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند امه فأقبل عبدالرحمن حتى اتى إلى ابيه وهو جالس فساره فقال له ابن زياد.

ما قال لك؟ قال.

اخبرني ان ابن عقيل في دار من دورنا فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه ثم قال.قم فأتني به الساعة.

قال ابومخنف: فحدثني قدامة بن سعد بن زائدة الثقفي.

ان ابن زياد بعث مع ابن الاشعث ستين او سبعين رجلا كلهم من قيس عليهم عمرو بن عبيدالله ابن العباس السلمي حتى اتوا الدار التي فيها ابن عقيل فلما سمع وقع حوافر الخيل واصوات الرجال عرف انه قد اتى فخرج اليهم بسيفه فاقتحموا عليه الدار فشد عليهم كذلك فلما راوا ذلك اشرفوا عليه من فوق السطوح وظهروا فوقه فأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النيران في اطنان القصب ثم يقذفونها عليه من فوق السطوح فلما راى ذلك قال.

اكلما ارى من الاجلاب لقتل ابن عقيل؟ يانفس اخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص فخرج - رضوان الله عليه - مصلتا سيفه إلى السكة فقاتلهم فأقبل عليه محمد بن الاشعث فقال.يافتى لك الامان لا تقتل نفسك.

فأقبل يقاتلهم وهو يقول:

اقسمت لا اقتل إلا حرا***وإن رأيت الموت شيئا نكرا

اخاف ان اكذب او اغرا ***او يخلط البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا*** كل امرئ يوما ملاق شرا

قال له محمدبن الاشعث: انك لا تكذب ولا تغر إن القوم ليسوا بقاتليك ولا ضاربيك وقد اثخن بالجراح وعجز عن القتال فانبهر واسند ظهره إلى دار بجنب تلك الدار فدنا منه محمد بن الاشعث فقال له.

لك الامان فقال له مسلم.آمن انا؟ قال.نعم انت آمن فقال القوم جميعا.

نعم غير عبيدالله بن العباس السلمي لانه قال.

" لا ناقة لي في هذا ولا جمل " وتنحى فقال ابن عقيل.

إني والله لولا امانكم ما وضعت يدي في ايديكم.

واتى ببغلة فحمل عليها فاجتمعوا عليه فنزعوا سيفه من عنقه فكأنه أيس من نفسه فدمعت عينه وعلم ان القوم قاتلوه وقال.هذا اول الغدر.

عثمان بن ابي زرعة قال.فقال ابن زياد يوما.ما يمنع هانئا منا؟ فلقيه ابن الاشعث واسماء بن خارجة فقالا له.

ما يمنعك من إتيان الامير وقد ذكرك؟ قال.

فأتاه فقال ابن زياد - لعنه الله - شعرا:

اريد حياته ويريد قتلي***عذيرك من خليلك من مراد

ياهانئ اسلمت على ابن عقيل؟ قال.ما فعلت فدعامعقلا فقال.اتعرف هذا؟ قال.

نعم واصدقك ما علمت به حتى رايته في داري وانا اطلب اليه ان يتحول قال.

لا تفارقني حتى تأتيني به فأغلظ له فضرب وجهه بالقضيب وحبسه.

وقال عمر بن سعد.

عن ابي مخنف قال: حدثني الحجاج بن علي الهمداني قال: لما ضرب عبيدالله هانئا وحبسه خشى لن يثب الناس به فصعد المنبر ومعه اناس من اشراف الناس وشرطه وحشمه، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أيها الناس: اعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم ولا تفرقوا فتختلفوا وتهلكوا وتذلوا وتخافوا وتخرجوا فان اخاك من صدقك وقد اعذر من انذر.

فذهب لينزل فما نزل حتى دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون ويقولون: قد جاء ابن عقيل، فدخل عبيدالله القصر واغلق بابه.

وقال ابن مخنف: فحدثني يوسف بن يزيد عن عبدالله بن حازم البكري قال: أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصرفي اثر هانئ لانظر ما صار اليه أمره فدخلت فأخبرته الخبر فأمرني ان انادي في اصحابي وقد ملا الدور منهم حواليه فقال: ناد يامنصور امت فخرجت فناديت وتبادر اهل الكوفة فاجتمعوا اليه فعقد لعبد الرحمان بن عزيز الكندي على ربيعة وقال له: سر امامي وقدمه في الخيل.

وعقد لمسلم بن عوسجة على مذحج واسد وقال له: انزل فأنت على الرجالة.

وعقد لابي ثمامة الصائدي على تميم وهمدان.

وعقد للعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة ثم اقبل نحو القصر.

فلما بلغ عبيدالله إقباله تحرز في القصر وغلق الابواب واقبل مسلم حتى احاط بالقصر، فوالله ما لبثنا إلا قليلا حتى امتلا المسجد من الناس والسوقة مازالوا يتوثبون حتى المساء فضاق بعبيدالله امره ودعا بعبيدالله بن كثير بن شهاب الحارثي وامره ان يخرج فيمن اطاعه من مذحج فيخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب وعقوبة السلطان فأقبل اهل الكوفة يفترون على ابن زياد وأبيه.

قال أبومخنف: فحدثني سليمان بن ابي راشد عن عبدالله بن حازم البكري قال: أشرف علينا الاشراف وكان اول من تكلم كثير بن شهاب.

فقال: أيها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا انتشروا ولا تعرضوا انفسكم للقتل فهذه جنود امير المؤمنين يزيد قد اقبلت وقد اعطى الله الامير عهدا لئن اقمتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم هذه ان يحرم ذريتكم العطاء يفرق مقاتليكم في مغازي الشام على غير طمع ويأخذ البرئ بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى فيكم بقية من اهل المعصية إلا اذاقها وبال ما جنت.

وتكلم الاشراف بنحو من كلام كثير، فلما سمع الناس مقالتهم تفرقوا.

قال أبومخنف: حدثني المجالد بن سعيد: ان المرأة كانت تأتي ابنها واخاها فتقول: انصرف الناس يكفونك ويجئ الرجل إلى ابنه واخيه فيقول: غدا يأتيك اهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف فمازالوا يتفرقون وينصرفون حتى امسى ابن عقيل وما معه إلا ثلاثون نفسا حتى صليت المغرب فخرج متوجها نحو ابواب كندة فما بلغ الابواب إلا ومعه منها عشرة ثم خرج من الباب فاذا ليس معه منهم إنسان فمضى متلددا في ازقة الكوفة لا يدري اين يذهب حتى خرج إلى دور بني بجيلة من كندة فمضى حتى اتى باب امرأة يقال لهاطوعة ام ولد كانت للاشعث واعتقها فتزوج بها اسيد الحضرمي، فولدت له بلالا وكان بلال قد خرج مع الناس وامه قائمة تنتظر فسلم عليها ابن عقيل فردت السلام فقال لها: اسقيني ماء فدخلت فأخرجت اليه فشرب ثم ادخلت الاناء وخرجت وهو جالس في مكانه فقالت: ألم

وقال المدائني، عن ابي مخنف عن يوسف بن يزيد قال.

فقال عبدالله بن الزبير الاسدي:

إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري *** إلى هانئ في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف وجهه *** وآخر يهوى من طمار قتيل

ترى جسدا قد غير الموت لونه *** ونضح دم قد سال كل مسيل

اصابهما امر الامير فأصبحا *** احاديث من يسعى بكل سبيل

أيركب اسماء الهماليج آمنا *** وقد طلبته مذحج بذحول

تطيف حواليه مراد وكلهم *** على رقبة من سائل ومسول

فان انتم لم تثأروا بأخيكم *** فكونوا بغايا ارضيت بقليل

قالوا: وكان مسلم قد كتب إلى الحسين " ع " بأخذ البيعة له واجتماع الناس عليه وانتظارهم إياه فإزمع الشخوص إلى الكوفة ولقيه عبدالله بن الزبير في تلك الايام ولم يكن شئ اثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز ولا احب اليه من خروجه إلى العراق طمعا في الوثوب بالحجاز وعلما بأن ذلك لا يتم له إلا بعد خروج الحسين " ع " فقال له: على أي شئ عزمت ياابا عبدالله؟ فأخبره برأيه في إتيان الكوفة واعلمه بما كتب به مسلم بن عقيل اليه فقال له ابن الزبير: فما يحبسك فوالله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلومت في شئ وقوى عزمه ثم انصرف.

وجاء به عبدالله بن عباس وقد اجمع رأيه على الخروج وحققه فجعل يناشده في المقام ويعظم عليه القول في ذم اهل الكوفة وقال له: إنك تأتي قوما قتلوا اباك وطعنوا اخاك ومااراهم إلا خاذليك، فقال له: هذه كتبهم معي وهذا كتاب مسلم باجتماعهم فقال له ابن عباس: اما إذ كنت لابد فاعلا فلا تخرج احدا من ولدك ولا حرمك ولا نسائك فخليق ان تقتل وهم ينظرون اليك كما قتل ابن عفان، فأبى ذلك ولم يقبله قال: فذكر من حضره يوم قتل وهو يلتفت إلى حرمه وإخوته وهن يخرجن

من اخبيتهن جزعا لقتل من يقتل معه وما يرينه به، ويقول: لله در ابن عباس فيما اشار علي به.

قال: فلما ابى الحسين قبول رأي ابن عباس قال له: والله لواعلم اني اذا تشبثت بك وقبضت على مجامع ثوبك وادخلت يدي في شعرك حتى يجتمع الناس علي وعليك كان ذلك نافعي لفعلته، ولكن اعلم ان الله بالغ امره، ثم ارسل عينيه فبكى وودع الحسين وانصرف.

ومضى الحسين لوجهه ولقى ابن عباس بعد خروجه عبدالله ابن الزبير فقال له:

يالك من قبرة بمعمر*** خلا لك الجوفبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري*** هذا الحسين خارجا فاستبشري

فقال: قدخرج الحسين وخلت لك الحجاز.

قال ابومخنف في حديثه خاصة عن رجاله: إن عبيدالله بن زياد وجه الحر ابن يزيد لياخذ الطريق على الحسين " ع " فلما صار في بعض الطريق لقيه اعرابيان من بني اسد فسألهما عن الخبر فقالا له: ياابن رسول الله إن قلوب الناس معك وسيوفهم عليك فارجع، واخبراه بقتل مسلم ابن عقيل واصحابه فاسترجع الحسين " ع " فقال له بنو عقيل: لا نرجع والله ابدا او ندرك ثأرنا او نقتل بأجمعنا فقال لمن كان لحق به من الاعراب: من كان منكم يريد الانصراف عنا فهو في حل من بيعتنا.فانصرفوا عنه وبقى في اهل بيته ونفر من اصحابه.

ومضى حتى دنا من الحر بن يزيد فلما عاين اصحابه العسكر من بعيد كبروا فقال لهم الحسين: ما هذا التكبير؟ قالوا: رأينا النخل فقال بعض اصحابه: ما بهذا الموضع والله نخل ولا احسبكم ترون إلا هوادي الخيل واطراف الرماح فقال الحسين: وانا والله ارى ذلك فمضوا لوجوههم ولحقهم الحر بن يزيدفي اصحابه فقال للحسين إني امرت ان انزلك في اي موضع لقيتك واجعجع بك ولااتركك ان تزول من مكانك.

قال: إذا اقاتلك فاحذر ان تشقى بقتلي ثكلتك امك.

فقال: اما والله

لو غيرك من العرب يقولها وهو على مثل الحال التي انت عليها ما تركت ذكر امه بالثكل ان اقوله كائنا من كان ولكن والله مالي إلى ذكر امك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه.

واقبل يسير والحر يسايره ويمنعه من الرجوع من حيث جاء ويمنع الحسين من دخول الكوفة حتى نزل بأقساس مالك وكتب الحر إلى عبيد الله يعلمه ذلك.

قال ابومخنف: فحدثني عبدالرحمن بن جندب عن عتبة بن سمعان الكلبي قال: لما ارتحلنا من قصر ابن مقاتل وسرناساعة خفق رأس الحسين خفقة ثم انتبه فأقبل يقول:(إنا لله وإنا اليه راجعون) و(الحمد لله رب العالمين) مرتين.

فأقبل اليه علي بن الحسين وهو على فرس فقال له: ياأبت جعلت فداك مم استرجعت؟ وعلام حمدت الله؟ قال الحسين: يابني إنه عرض لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري اليهم فعلمت انها أنفسنا نعيت الينا فقال: ياابتاه لا اراك الله سوء ابدا السنا على الحق؟ قال: بلى والذي يرجع اليه العباد.

فقال: ياابت فاذا لانبالي قال: جزاك الله خير ما جزى ولد عن والده.

قال: وكان عبيدالله بن زياد - لعنه الله - قد ولى عمر بن سعد الري فلما بلغه الخبر وجه اليه ان سر إلى الحسين اولا فاقتله فاذا قتلته رجعت ومضيت إلى الري فقال له: اعفني ايها الامير.

قال: قد اعفيتك من ذلك ومن الري قال: اتركني أنظر في أمري فتركه فلما كان من الغد غدا عليه فوجه معه بالجيوش لقتال الحسين فلما قاربه وتوافقوا قام الحسين في اصحابه خطيبا فقال: اللهم إنك تعلم انى لا اعلم اصحابا خيرا من اصحابي، ولا اهل بيت خيرا من اهل بيتي فجزاكم الله خيرا فقدآزرتم وعاونتم، والقوم لا يريدون غيري ولو قتلوني لم يبتغوا غيري احدا فاذا جنكم الليل فتفرقوا في سواده وانجوا بأنفسكم.

فقال اليه العباس بن علي أخوه، وعلي ابنه، وبنو عقيل فقالوا له: معاذ الله والشهر الحرام فماذا نقول للناس إذا رجعنا اليهم إنا تركنا سيدنا وابن سيدنا وعمادنا

وتركناه غرضا للنبل ودريئة للرماح وجزرا للسباع وفررنا عنه رغبة في الحياة معاذ الله، بل نحيا بحياتك ونموت معك فبكى وبكوا عليه، وجزاهم خيرا، ثم نزل - صلوات الله عليه -.

فحدثني عبدالله بن زيد ان البجلي قال: حدثنا محمد بن زيد التميمي قال: حدثنا نصر بن مزاحم عن ابي مخنف عن الحرث بن كعب عن علي بن الحسين " ع " قال: إني والله لجالس مع ابي في تلك الليلة وانا عليل وهويعالج سهاما له وبين يديه جون مولى ابي ذر الغفاري إذ ارتجز الحسين عليه السلام:

يادهر أف لك من خليل***كما لك في الاشراق والاصيل

من صاحب وماجد قتيل*** والدهر لا يقنع بالبديل

والامر في ذاك إلى الجليل***وكل حي سالك السبيل

قال: واما انا فسمعته ورددت عبرتي.

واما عمتي فسمعته دون النساء فلزمتها الرقة والجزع فشقت ثوبها ولطمت وجهها وخرجت حاسرة تنادي: واثكلاه ! واحزناه ! ليت الموت اعدمني الحياة، ياحسيناه ياسيداه يابقية اهل بيتاه استقلت ويئست من الحياة، اليوم مات جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وامي فاطمة الزهراء وابي علي واخي الحسن يابقية الماضين وثمال الباقين.

فقال لها الحسين: يااختي " لو ترك القطا لنام ".

قالت: فانما تغتصب نفسك اغتصابا فذاك اطول لحزني واشجى لقلبي وخرت مغشيا عليها فلم يزل يناشدها واحتملها حتى ادخلها الخباء.

رجع الحديث إلى مقتله صلوات الله عليه

قال: فوجه إلى عمر بن سعد - لعنه الله - فقال: ماذا تريدون مني؟ إني مخيركم ثلاثا: بين ان تتركوني الحق بيزيد او ارجع من حيث جئت او امضي إلى بعض ثغور المسلمين فأقيم فيها.

ففرح ابن سعد بذلك وظن ان ابن زياد - لعنه الله - يقبله منه فوجه اليه رسولا يعلمه ذلك ويقول: لو سألك هذا بعض الديلم ولم تقبله

ظلمته.

فوجه اليه ابن زياد: طمعت ياابن سعد في الراحة وركنت إلى دعة ناجز الرجل وقاتله ولا ترض منه إلا ان ينزل على حكمي.

فقال الحسين: معاذ الله ان انزل على حكم ابن مرجانة ابدا فوجه ابن زياد شمر بن ذي الجوشن الضبابي - اخزاه الله - إلى ابن سعد - لعنه الله - يستحثه لمناجزة الحسين فلما كان في الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين ناجزه ابن سعد - لعنه الله - فجعل اصحاب الحسين " ع " يتقدمون رجلا رجلا يقاتلون حتى قتلوا.

وقال المدائني عن العباس بن محمد بن رزين عن علي بن طلحة وعن ابي مخنف عن عبدا لرحمن بن يزيد بن جابر عن حميد بن مسلم وقال عمر بن سعد البصري: عن ابي مخنف عن زهير بن عبدالله الخثعمي وحدثنيه احمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن العلوي عن بكر بن عبدالوهاب عن إسماعيل بن ابي إدريس عن ابيه عن جعفر بن محمد عن ابيه دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين: إن اول قتيل قتل من ولد ابي طالب مع الحسين ابنه علي " ع " قال: فأخذ يشد على الناس وهو يقول:

انا علي بن الحسين بن علي*** نحن وبيت الله اولى بالنبي

من شبث ذاك ومن شمر الدنى***اضربكم بالسيف حتى يلتوي

ضرب غلام هاشمي علوي***ولا ازال اليوم احمي عن ابي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي ففعل ذلك مرارا فنظر اليه مرة بن منقذ العبدي فقال: على آثام العرب إن هوفعل مثل ما اراه يفعل ومر بي ان أثكله امه.

فمر يشد على الناس ويقول كما كان يقول فاعترضه مرة وطعنه بالرمح فصرعه واعتوره الناس فقطعوه بأسيافهم.

وقال ابومخنف: عن سليمان بن ابي راشد عن حميد بن مسلم قال: سماع اذني يومئذ الحسين وهو يقول: قتل الله قوما قتلوك يابني ما اجراهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول صلى الله عليه وآله ثم قال: على الدنيا بعدك العفا.

قال حميد: وكأني انظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي: ياحبيباه ياابن اخاه فأسلت عنها فقالوا: هذه زينب بنت علي بن ابي طالب ثم جاء‌ت حتى انكبت عليه فجاء‌ها الحسين فأخذ بيدها إلى الفسطاط واقبل إلى ابنه واقبل فتيانه اليه فقال: احملوا اخاكم فحملوه من مصرعه ذلك ثم جاء به حتى وضعه بين يدي فسطاطه.

حدثني احمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن العلوي قال: حدثنا غير واحد عن محمد بن عمير عن احمد بن عبدالرحمن البصري عن عبدالرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن سعيد بن ثابت قال: لما برز علي بن الحسين اليهم ارخى الحسين - صلوات الله عليه وسلامه - عينيه فبكى ثم قال: اللهم كن انت الشهيد عليهم فبرز اليهم غلام اشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه وآله، فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى ابيه فيقول: ياابة العطش فيقول له الحسين: اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله صلى الله عليه وآله بكأسه، وجعل يكر كرة بعد كرة حتى رمى بسهم فوقع في حلقه فخرقه واقبل ينقلب في دمه ثم نادي: ياابتاه عليك السلام هذا جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقرئك السلام ويقول: عجل القوم الينا وشهق شهقة فارق الدنيا.

قال ابومخنف: فحدثني سليمان بن ابي راشد عن حميد بن مسلم قال: احاطوا بالحسين عليه السلام واقبل غلام من اهله نحوه واخذته زينب بنت علي لتحبسه فقال لها الحسين: احبسيه فأبى الغلام فجاء يعدوا إلى الحسين فقام إلى جنبه واهوى ابجر ابن كعب بالسيف إلى الحسين فقال الغلام لابجر: ياابن الخبيثة أتقتل عمي؟ فضربه ابجر بالسيف واتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلد.

وبقيت معلقة بالجلد فنادى الغلام: يا اماه فأخذه الحسين فضمه اليه وقال: يا ابن اخي احتسب فيما اصابك الثواب فإن الله ملحقك بآبائك الصالحين برسول الله - صلى الله عليه وآله - وحمزة وعلي، وجعفر، والحسن.

قال: وجاء رجل حتى دخل عسكر الحسين فجاء إلى رجل من اصحابه فقال له: إن خبر ابنك فلان وافى، إن الديلم اسروه فتنصرف معي حتى نسعى في فدائه فقال: حتى اصنع ماذا: عند الله احتسبه ونفسي، فقال له الحسين " ع " انصرف وانت في حل من بيعتي وانا اعطيك فداء ابنك.

فقال: هيهات ان افارقك ثم اسأل الركبان عن خبرك.

لا يكن والله هذا ابدا ولا افارقك، ثم حمل على القوم فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه ورضوانه.

قال: وجعل الحسين يطلب الماء وشمر - لعنه الله - يقول له: والله لا ترده او ترد النار فقال له رجل: الا ترى إلى الفرات ياحسين كأنه بطون الحياة، والله لا تذوقه او تموت عطشا فقال الحسين " ع " اللهم امته عطشا.

قال: والله لقد كان هذا الرجل يقول.

اسقوني ماء فيؤتى بماء فيشرب حتى يخرج من فيه وهو يقول.

اسقوني قتلني العطش، فلم يزل حتى مات - لعنه الله - قال ابومخنف: فحدثني سليمان بن ابي راشد عن حميد بن مسلم قال.

لما اشتد العطش على الحسين دعااخاه العباس بن علي فبعثه في ثلاثين راكبا وثلاثين راجلا وبعث معه بعشرين قربة فجاء‌وا حتى دنوا من الماء فاستقدم امامهم نافع بن هلال الجملي فقال له عمرو بن الحجاج.

من الرجل؟ قال.نافع بن هلال قال.مرحبا بك يااخي ما جاء بك؟ قال.

جئنا لنشرب من هذاالماء الذي حلاء‌تمونا عنه قال.اشرب قال.لا والله لا اشرب منه قطرة والحسين عطشان فقال له عمرو لا سبيل إلى ما اردتم إنما وضعونا بهذا المكان لنمعكم من الماء فلما دنا منه اصحابه قال للرجالة.

إملاء‌وا قربكم فشدت الرجالة فدخلت الشريعة فملاء‌وا قربهم ثم خرجوا ونازعهم عمرو بن الحجاج واصحابه فحمل عليهم العباس بن علي ونافع بن هلال الجملي جميعا فشكفوه ثم انصرفوا إلى رحالهم وقالوا للرجالة.

انصرفوا.

فجاء اصحاب الحسين " ع " بالقرب حتى ادخلوها عليه.

قال المدائني ابوغسان عن هارون بن سعد عن القاسم بن الاصبغ بن نباتة

قال: رأيت رجلا من بني ابان بن دارم اسود الوجه وكنت اعرفه جميلا شديد البياض فقلت له.

ما كدت اعرفك قال.

إني قتلت شابا امردمع الحسين بين عينيه اثر السجود، فما نمت ليلة منذ قتلته إلا اتاني فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنم فيدفعني فيها فأصيح فما يبقى في الحي إلا سمع صياحي.

قال.والمقتول العباس ابن علي - عليه السلام -.

قال المدائني: فحدثني مخلد بن حمزة بن بيض وحباب بن موسى عن حمزة بن بيض قال حدثني هانئ بن ثبيت القايضي زمن خالد قال.

قال كنت ممن شهد الحسين فإني لواقف على خيول إذ خرج غلام من آل الحسين مذعورا يلتفت يمينا وشمالا فأقبل رجل منا يركض حتى دنا منه فمال عن فرسه فضربه فقتله.

قال: وحمل شمر - لعنه الله - على عسكر الحسين فجاء إلى فسطاطه لينهبه فقال الحسين.

ويلكم إن لم يكن لكم دين فكونوا احرارا في الدنيا فرحلي لكم عن ساعة مباح، قال: فاستحيا ورجع.

قال.

وجعل الحسين يقاتل بنفسه وقد قتل ولده وإخوته وبنو أخيه وبنو عمه فلم يبق منهم احد وحمل عليه ذرعة بن شريك - لعنه الله - فضرب كتفه اليسرى بالسيف فسقطت - صلوات الله عليه - وقتله ابوالجنوب زياد بن عبدالرحمن الجعفي والقثعم وصالح بن وهب اليزني وخولى بن يزيد، كل قد ضربه وشرك فيه.

ونزل سنان بن أنس النخعي فاحتز رأسه.صلوات الله عليه.

ويقال: إن الذي اجهز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبابي لعنه الله.

وحمل خولي بن يزيد رأسه إلى عبيدالله بن زياد.

وأمر ابن زياد - لعنه الله وغضب عليه - ان يوطأ صدر الحسين وظهره وجنبه ووجهه فأجريت الخيل عليه وحمل اهله اسرى وفيهم عمر وزيد والحسن بنو الحسن بن علي بن ابي طالب " ع " وكان الحسن بن الحسن بن علي قد ارتث جريحا فحمل معهم وعلي بن الحسين الذي امه ام ولد، وزينب العقيلية، وام كلثوم بنت علي بن ابي طالب، وسكينة بنت الحسين لما ادخلوا على يزيد - لعنه الله - اقبل قاتل الحسين بن علي يقول:

اوقر ركابي فضة او ذهبا*** فقد قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس اما وابا*** وخيرهم إذ ينسبون نسبا

ووضع الرأس بين يدي يزيد - لعنه الله - في طست فجعل ينكته على ثناياه بالقضيب وهو يقول:

نفلق هاما من رجال اعزة***علينا وهم كانوا اعق واظلما

وقد قيل.إن ابن زياد - لعنه الله - فعل ذلك.

وقيل: إنه تمثل ايضا والرأس بين يديه بقول عبدالله بن الزبعري:

ليت اشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الاسل

قد قتلنا القرم من اشياخهم*** وعدلناه ببدر فاعتدل

ثم دعا يزيد - لعنه الله - بعلي بن الحسين " ع " فقال.

ما اسمك؟ فقال علي ابن الحسين، قال.

او لم يقتل الله علي بن الحسين قال: قد كان لي اخ اكبر مني يسمى عليا فقتلتموه.

قال.بل الله قتله قال علي: الله يتوفى الانفس حين موتها) قال له يزيد.

(وما اصابكم من مصيبة فبماكسبت ايدكم) فقال علي.

(ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها إن ذلك على الله يسير.

لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور).

قال.فوثب رجل من اهل الشام فقال.دعني اقتله فألقت زينب نفسها عليه.فقام رجل آخر فقال.

ياامير المؤمنين هب لي هذه الجارية اتخذها امة.قال.

فقالت له زينب: لا ولا كرامة، ليس لك ذلك ولا له إلا ان يخرج من دين الله.

فصاح به يزيد.اجلس.

فجلس واقبلت زينب عليه وقالت: يايزيد حسبك من دمائنا.

وقال علي بن الحسين " ع " إن كان لك بهؤلاء النسوة رحم، واردت قتلي

فابعث معهن أحدا يؤديهن.

فرق له وقال: لا يؤديهن غيرك.

ثم امره أن يصعد المنبر فيخطب فيعذر إلى الناس مما كان من أبيه فصعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه وقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا اعرفه بنفسي، أنا علي بن الحسين انا ابن البشير النذير، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، أنا ابن السراج المنير.

وهي خطبة طويلة كرهت الاكثار بذكرها وذكر نظائرها.

ثم أمره يزيد بالشخوص إلى المدينة مع النسوة من اهله وسائر بني عمه فانصرف بهم.

وقال سليمان بن قتة يرثى الحسين عليه السلام:

مررت على ابيات آل محمد*** فلم أرها أمثالها يوم حلت(1)

ألم تر إن الشمس اضحت مريضة*** لفقد حسين والبلاد اقشعرت

وكانوا رجاء ثم صاروا رزية***لقد عظمت تلك الرزايا وجلت

اتسألنا قيس فنعطي فقيرها***وتقتلنا قيس إذا النعل زلت

وعند غني قطرة من دمائنا*** سنطلبها يوما بها حيث حلت

فلا يبعد الله الديار واهلها*** وان اصبحت منهم برغمي تخلت

فإن قتيل الطف من آل هاشم*** اذل رقاب المسلمين فذلت

قال ابوالفرج: وقد رثى الحسين بن علي - صلوات الله عليه - جماعة من متأخري الشعراء استغنى عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الاطالة.

واما من تقدم فما وقع الينا شئ رثى به وكانت الشعراء لا تقدم على ذلك مخافة من بني أمية وخشية منهم.

وهذا آخر ما اخبرنا به من مقتله - صلوات الله عليه ورضوانه وسلامه -.

___________________________________

(1) - وفي نسخة " فلم ار امثالا لها يوم حلت "

 

وكتب كاتب شيعي في موسوعة ويكيبديا العربية:

 

معركة كربلاء وتسمى أيضاً واقعة الطف هي ملحمة وقعت على ثلاثة أيام وختمت في 10 محرم سنة 61 للهجرة والذي يوافق 12 أكتوبر 680م،[4][5] وكانت بين الحسين بن علي بن أبي طالب ابن بنت نبي الإسلام، محمد بن عبد الله، الذي أصبح المسلمون يطلقون عليه لقب "سيد الشهداء" بعد انتهاء المعركة، ومعه أهل بيته وأصحابه، وجيش تابع ليزيد بن معاوية.

تعتبر واقعة الطف من أكثر المعارك جدلاً في التاريخ الإسلامي فقد كان لنتائج وتفاصيل المعركة آثار سياسية ونفسية وعقائدية لا تزال موضع جدل إلى الفترة المعاصرة، حيث تعتبر هذه المعركة أبرز حادثة من بين سلسلة من الوقائع التي كان لها دور محوري في صياغة طبيعة العلاقة بين السنة والشيعة عبر التاريخ وأصبحت معركة كربلاء وتفاصيلها الدقيقة رمزا للشيعة ومن أهم مرتكزاتهم الثقافية وأصبح يوم 10 محرم أو يوم عاشوراء، يوم وقوع المعركة، رمزاً من قبل الشيعة "لثورة المظلوم على الظالم ويوم انتصار الدم على السيف".[6]

 

معركة كربلاء

 

جزء من صراعات إسلامية داخلية

 

التاريخ

10 محرم سنة 61 هـ، الموافق 12 أكتوبر 680 م.

الموقع

كربلاء
32.6°N 44°E تعديل القيمة في ويكي بيانات

النتيجة

انتصار عسكري ليزيد بن معاوية

 

المتحاربون

 

Umayyad Flag.svg الدولة الأموية

قوات الحسين بن علي

 

القادة

 

عمر بن سعد

الحسين بن علي

 

القوة

 

30.000 أو أكثر[1][2][3]

72 أو 73

 

الخسائر

 

غير معروف

72

 

 

رغم قلة أهمية هذه المعركة من الناحية العسكرية حيث اعتبرها البعض من محاولة تمرّد فاشلة قام بها الحسين إلا أن هذه المعركة تركت آثاراً سياسية وفكرية ودينية هامة. حيث أصبح شعار "يا لثارات الحسين" عاملاً مركزياً في تبلور الثقافة الشيعية وأصبحت المعركة وتفاصيلها ونتائجها تمثل قيمة روحانية ذات معاني كبيرة لدى الشيعة، الذين يعتبرون معركة كربلاء ثورة سياسية ضد الظلم. بينما أصبح مدفن الحسـين في كربلاء مكاناً مقدساً لدى الشيعة يزوره مؤمنوهم، مع ما يرافق ذلك من ترديد لأدعية خاصة أثناء كل زيارة لقبره. أدى مقتل الحسين إلى نشوء سلسلة من المؤلفات الدينية والخطب والوعظ والأدعية الخاصة التي لها علاقة بحادثة مقتله وألفت عشرات المؤلفات لوصف حادثة مقتله.

يعتبر الشيعة معركة كربلاء قصة تحمل معاني كثيرة "كالتضحية والحق والحرية" وكان لرموز هذه الواقعة حسب الشيعة دور في الثورة الإيرانية وتعبئة الشعب الإيراني بروح التصدي لنظام الشاه، وخاصة في المظاهرات المليونية التي خرجت في طهران والمدن الإيرانية المختلفة أيام عاشوراء والتي أجبرت الشاه السابق محمد رضا بهلوي على الفرار من إيران، ومهدت السبيل أمام إقامة النظام الإسلامي في إيران وكان لهذه الحادثة أيضا، بنظر الشيعة، دور في المقاومة الإسلامية في وجه الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.

 

جذور الخلاف بين السنة والشيعة

 

بعد وفاة النبي محمد سنة 632م في المدينة المنورة كانت هناك فترة من الغموض والتساؤل حول كيفية اختيار خليفة له يقود المجتمع الإسلامي حديث النشوء. حدث الكثير من المناقشات حول تحديد الطريقة الواجب اتباعها في اختيار الحاكم حيث لم يكن هنالك حسب أية وثيقة أو دستور لتحديد نظام الحكم وإنما بعض القواعد العامة فقط حول علاقة الحاكم بالمحكوم. بينما يعتقد البعض أنه كانت هناك نصوص واضحة حول ما اعتبروه أحقية علي بن أبي طالب بخلافة الرسول محمد، وهي الآية القرآنية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.

يرى معظم علماء الدين المسلمين أن حادثة سقيفة بني ساعدة تشير إلى أن من حق المسلمين تحديد ما يصلح لهم في كل عصر ضمن إطار القواعد الرئيسة للإسلام. توزعت الآراء حول اختيار الحاكم في سقيفة بني ساعدة إلى ثلاتة آراء رئيسية: رأي يرى بقاء الحكم في قريش مستندا إلى أبى بكر الذي قال:

 

إن العرب لن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قـريش ،هم أوسط العرب نسبا ودارا

 

وكان هذا مخالفا لرأي أهل المدينة المنورة الذين استقبلوا الدعوة الإسلامية واتخذ فيها المسلمون من مكة ملاذا ونقطة انطلاق، وكان هناك رأي ثالث بأن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير آخر ودار النقاش في سقيفة بني ساعدة. وقع الاختيار في النهاية على أبي بكر ليتولى الخلافة -ربما على أساس أن النبي محمد اختاره لإمامة جموع المسلمين حين أقعده المرض، مع وجود رواية تاريخية أخرى تقول بأن أبا بكر كان ضمن جيش أسامة ورجع عندما أرسلت له ابنته السيدة عائشة مبلغة اياه بسوء الحالة المرضية للنبي فرجع وتقدم للصلاة فلما علم النبي في تقدم أبي بكر جاء واستأنف الصلاة من بدايتها ولم يبن على صلاة أبي بكر، ولم يكن في الأمر انفرادا في اتخاذ القرار وبينما اعتبرت العملية التي تمت تحت تلك السقيفة في نظر السنة أكثر ديمقراطية في ذلك الوقت من العديد من أنظمة الحكم الوراثية التي كانت ولا تزال لحد هذا اليوم شائعة في بعض مناطق العالم.[7] اعتبر الشيعة غياب ركن هام في المجتمع الإسلامي وهو الهاشميين ينقص من اكتمال اجتماع السقيفة حيث غاب عنها علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وباقي أبناء عبد المطلب حيثوا كانوا مشغولين بتغسيل الرسول وتكفينه واعترض على نتائجها بعض الصحابة أمثال أبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن عمرو وأسامة بن زيد وغيرهم.[8]

من جهة أخرى يعتقد الشيعة أن بعض الحوادث التاريخية مثل غدير خم وحادثة الكساء وائتمان الرسول لعلي على شؤون المدينة أثناء غزوة تبوك وبعض النصوص في القرآن والحديث النبوي مثل حديث السفينة وحديث الثقلين وحديث دعوة العشيرة وحديث المنزلة فيها إشارة واضحة إلى حق علي بن أبي طالب بخلافة النبي محمد، على الرغم من مبايعة علي لأبو بكر ليكون الخليفة رغبة منه في تفادي حدوث صدع في صفوف المسلمين، بينما يذهب البعض الآخر إلى التشكيك أصلا في مبايعة علي لأبي بكر استنادا إلى بعض الروايات التي رواها ابن كثير وابن الأثير والطبري عن امتناع علي بن أبي طالب وبعض من الصحابة في دار فاطمة الزهراء عن البيعة لأبي بكر.[9][10][11]

بعد مقتل عثمان بن عفان الذي كان من بني أمية،[12] أخذ معاوية بن أبي سفيان الذي كان من بني أمية أيضا مهمة الثأر لعثمان بسبب ما اعتبره معاوية عدم جدية علي بن أبي طالب في معاقبة قتلة عثمان واعتبر معاوية علي بصورة غير مباشرة مسؤلا عن حوادث الاضطراب الداخلي التي أدت إلى مقتل عثمان.[13] وتفاقم الخلاف بين علي ومعاوية مفضيا إلى صراع مسلح بينهما في معركة صفين ولكن دهاء معاوية في المعركة أدى إلى حدوث انشقاقات في صفوف قوات علي بن أبي طالب. وأطلقت تسمية الخوارج على الطائفة التي كانت من شيعة علي بن أبي طالب ثم فارقته وخرجت عليه وقاتلته. استغل معاوية ضعف القيادة المركزية لخلافة علي وقام بصورة غير مركزية ببسط نفوذه على سوريا ومصر وبعد اغتيال علي في عام 661م كان معاوية في موضع قوة أفضل من ابن الخليفة الراحل، الحسن بن علي بن أبي طالب الذي فضل أن يعيش في المدينة المنورة لأسباب لا تزال موضع نقاش إلى الآن. فحسب السنة قام الحسن بمبايعة معاوية وحسب الشيعة فإن المبايعة تمت بسبب تقديرات الحسن لموقف أهل البيت الذي كان في وضع لايحسد عليه بعد اغتيال علي بن أبي طالب ويعتبر البعض إن الحسن بن علي "تنازل" عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان على شرط أن تعود طريقة الخلافة بعد موته إلى نظام الشورى بين المسلمين [14] ويعتبر البعض أن تعين يزيد بالوراثة خليفة على المسلمين بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان كان نقطة تحول في التاريخ الإسلامي حيث شكل بداية لسلسلة طويلة من الحكام الذين يستولون على السلطة بالقوة ليورثونها فيما بعد لأبنائهم وأحفادهم ولا يتنازلون عنها إلا تحت ضغط ثورات شعبية أو انقلابات عسكرية أو حركات تمرد مسلحة.

 

قبل المعركة

 

استنادا لمصادر تاريخية فإن الخلافة استقرت لمعاوية بن أبي سفيان بعد توقيع معاهدة الصلح مع الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ويعتقد البعض أن مجموعة من العوامل أدت إلى تنازل الحسن لمعاوية منها:

  • محاولة لحقن الدماء وتوحيد الكلمة بعد سلسلة من الصراعات الداخلية بين المسلمين ابتداء من فتنة مقتل عثمان إلى معركة الجمل ومعركة صفين وقد أثنى الكثير على هذه المبادرة وسمي العام الذي تم فيه الصلح "عام الجماعة".
  • مبادرة الصلح والتنازل كانت مشروطة بعودة طريقة الخلافة إلى الامام الحسن بن علي بن أبي طالب بعد موت معاوية.

أعقب هذا الصلح فترة من العلاقات الهادئة بين أعداء الأمس في معركة صفين وبعد استشهاد الحسن عندما قام معاوية وهو على قيد الحياة بترشيح ابنه "يزيد بن معاوية" للخلافة من بعده قوبل هذا القرار بردود فعل تراوحت بين الاندهاش والاستغراب إلى الشجب والاستنكار فقد كان هذا في نظر البعض نقطة تحول في التاريخ الإسلامي من خلال توريث الحكم وعدم الالتزام بنظام الشورى الذي كان متبعا في اختيار الخلفاء السابقين وكان العديد من كبار الصحابة لايزالون على قيد الحياة واعتبر البعض اختيار يزيد للخلافة يستند على عامل توريث الحكم فقط وليس على خبرات المرشح الدينية والفقهية. وبدأت بوادر تيار معارض لقرار معاوية بتوريث الحكم تركز بالحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب.[15][16]

عند وفاة معاوية بن أبي سفيان أصبح ابنه يزيد بن معاوية خليفة ولكن تنصيبه جوبه بمعارضة من قبل بعض المسلمين وكانت خلافة يزيد التي دامت ثلاث سنوات وصلة حروب متصلة، ففي عهده حدثت ثورة كربلاء ثم حدثت ثورة في المدينة انتهت بوقعة الحرة ونهبت المدينة. كما سار مسلم بن عقبة المري إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير وأصيبت الكعبة بالمنجنيقات. حاول يزيد بطريقة أو بأخرى إضفاء الشرعية على تنصيبه كخليفة فقام بإرسال رسالة إلى والي المدينة المنورة يطلب فيها أخذ البيعة من الحسين الذي كان من المعارضين لخلافة يزيد إلا أن الحسين رفض أن يبايع "يزيد".

وصلت أنباء رفض الحسين مبايعة يزيد واعتصامه في مكة إلى الكوفة التي كانت أحد معاقل القوة لشيعة علي بن أبي طالب وبرزت تيارات في الكوفة تؤمن أن الفرصة قد حانت لأن يتولى الخلافة الحسين بن علي واتفقوا على أن يكتبوا للحسين يحثونه على القدوم إليهم، ليسلموا له الأمر، ويبايعوه بالخلافة. بعد تلقيه العديد من الرسائل من أهل الكوفة قرر الحسين أن يستطلع الأمر فقام بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليكشف له حقيقة الأمر. عندما وصل مسلم إلى الكوفة شعر بجو من التأييد لفكرة خلافة الحسين بن علي ومعارضة لخلافة يزيد بن معاوية وحسب بعض المصادر الشيعية فإن 18,000 شخص بايعوا الحسين ليكون الخليفة وقام مسلم بإرسال رسالة إلى الحسين يعجل فيها قدومه.[17]

حسب ما تذكر المصادر التاريخية، إن مجيء آل البيت بزعامة الحسين كان بدعوة من أهل الكوفة. قام أصحاب واقارب واتباع الحسين بأسداء النصيحة له بعدم الذهاب إلى ولاية الكوفة ومنهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر بن ابي طالب وأبو سعيد الخدري وعمرة بنت عبد الرحمن، حيث حذر أبو سعيد الخدري من إعطاء الخصم الذريعة بالخروج عن الطاعة لولي الأمر مانصه "غلبني الحسين على الخروج وقد قلت له، اتق الله والزم بيتك، ولاتخرج على امامك" استنادا على تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 342. وكذلك عمرة بنت عبد الرحمن، نفس المصدر ص 343. ولكن الحسين واستنادا إلى الطبري ج 4 ص 292 "كان مصراً إصراراً كبيراً على الخروج"، كما أسدى له ابن عباس النصح برأي آخر مهم، "فان أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فان بها حصوناً وشعاباً ولأبيك بها أنصار (الشيخ الخضري، محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية).


مرقد مسلم بن عقيل (إلى اليسار من الصورة) ومرقد هانئ بن عروة (إلى اليمن) في مسجد الكوفة.

 

لكن هذا الخبر وصل بسرعة إلى الخليفة الأموي الجديد الذي قام على الفور بعزل والي الكوفة النعمان بن بشير بتهمة تساهله مع الاضطرابات التي تهدد الدولة الأموية وقام الخليفة يزيد بتنصيب والٍ آخر كان أكثر حزماً اسمه عبيد الله بن زياد الذي وحسب المصادر الشيعية قام بتهديد رؤساء العشائر والقبائل في منطقة الكوفة بإعطائهم خيارين إما بسحب دعمهم للحسين أو انتظار قدوم جيش الدولة الأموية ليبيدهم على بكرة أبيهم.[18] وكان تهديد الوالي الجديد فعالاً فبدأ الناس يتفرّقون عن مبعوث الحسين، مسلم بن عقيل شيئاً فشيئاً لينتهى الأمر بقتله واختلفت المصادر في طريقة قتله فبعضها تحدث عن إلقائه من أعلى قصر الإمارة وبعضها الآخر عن سحله في الأسواق وأخرى عن ضرب عنقه. بغض النظر عن هذه الروايات فإن هناك إجماع على مقتله وعدم معرفة الحسين بمقتله عند خروجه من مكة إلى الكوفة بناءً على الرسالة القديمة التي استلمها قبل تغير موازين القوى في الكوفة.[18]

 

مقتل مسلم بن عقيل داعية الحسين والحاشد للثورة على الأمويين بإلقائه من على برج

 

هناك رواية مشهورة لا يمكن التحقق من صحتها تقول بأن الحسين وهو في طريقه إلى الكوفة لقي الشاعر الفرزدق وقال الفرزدق للحسين "قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية" ولما وصل الحسين كربلاء في طريقه إلى الكوفة أقبل عليه مبعوث من والي الكوفة عبيد الله بن زياد وكان اسمه الحرّ بن يزيد فحذره الحر بن يزيد من أن أي قتال مع الجيش الأموي سيكون انتحارا ولكن الحسين وحسب المصادر الشيعية جاوبه بهذا البيت من الشعر:

 

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى           إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما

وآسى الرجـال الصـالحين بنفسـه                وفارق خوفاً أن يعيش ويرغما[19]

 

فيما تشير روايات أخرى إلى أن الحسين لما علم بمقتل مسلم بن عقيل وتخاذل الكوفيين عن حمايته ونصرته، قرر العودة إلى مكة، لكن إخوة مسلم بن عقيل أصرّوا على المضي قدما للأخذ بثأره، فلم يجد الحسين بداً من مطاوعتهم، واستنادا إلى الطبري فإن أبناء مسلم بن عقيل قالوا: "والله لانرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل"، ثم قال الحسين: "لا خير في الحياة بعدكم" فسار.[20]

وفي رواية أخرى نقلها التستري، أن الحسين قال: «ليس شأني شأن من يخاف الموت، ما أهون الموت على سبيل نيل العز وإحياء الحق، ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة وليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه، أفبالموت تخوفني، هيهات طاش سهمك وخاب ظنك لست أخاف الموت، إن نفسي لأكبر من ذلك وهمتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت، وهل تقدرون على أكثر من قتلي؟! مرحبا بالقتل في سبيل الله، ولكنكم لا تقدرون على هدم مجدي، ومحو عزي وشرفي، فإذا لا أبالي بالقتل».[21] ثم أقبل الحسين إلى أصحابه، وقال: "هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادة؟"، فقال الطرماح بن عدي الطائي: "يا ابن بنت رسول الله! أنا أخبر الطريق". فقال الحسين: "إذا سر بين أيدينا!" قال: فسار الطرماح، وأتبعه الحسين هو وأصحابه.[21]

 

وقائع المعركة

 

استمر الحسين وقواته بالمسير إلى أن اعترضهم الجيش الأموي في صحراء كانت تسمى الطف واتجه نحو الحسين جيش قوامه 30000 مقاتل يقوده عمر بن سعد الذي كان ابن سعد بن أبي وقاص ووصل هذا الجيش الأموي بالقرب من خيام الحسين وأتباعه في يوم الخميس التاسع من شهر محرم.[22] في اليوم التالي عبأ عمر بن سعد رجاله وفرسانه فوضع على ميمنة الجيش عمر بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة بن قيس وكانت قوات الحسين تتألف من 32 فارسا و 40 راجلا من المشاة[23] وأعطى رايته أخاه العباس بن علي وقبل أن تبدأ المعركة لجأ جيش ابن زياد إلى منع الماء عن الحسين وصحبه، فلبثوا أياماً يعانون العطش.

بدأ رماة الجيش الأموي يمطرون الحسين وأصحابه بوابل من السهام وأصيب الكثير من أصحاب الحسين ثم اشتد القتال ودارت رحى الحرب وغطى الغبار أرجاء الميدان واستمر القتال ساعة من النهار ولما انجلت الغبرة كان هناك خمسين صريعا من أصحاب الحسين واستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء وأصحاب الحسين يتساقطون الواحد تلو الآخر واستمر الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين وأحاطوا بهم من جهات متعددة وتم حرق الخيام فراح من بقي من أصحاب الحسين وأهل بيته ينازلون جيش عمر بن سعد ويتساقطون الواحد تلو الآخر، ومنهم: ولده علي الأكبر، أخوته، عبد الله، عثمان، جعفر، محمد، أبناء أخيه الحسن أبو بكر، والقاسم، والحسن المثنى، ابن أخته زينب، عون بن عبد الله بن جعفر الطيار، آل عقيل: عبد الله بن مسلم، عبد الرحمن بن عقيل، جعفر بن عقيل، محمد بن مسلم بن عقيل، عبد الله بن عقيل.[24]

بدأت اللحظات الأخيرة من المعركة عندما ركب الحسين جواده يتقدمه أخوه العباس بن علي بن أبي طالب حامل اللواء. إلا أن العباس ذهب إلى بحر العلقمي وهو جزء من نهر الفرات ليأخذ الماء إلى الحسين واصحابه ولكن العباس لم يستطع ان يشرب شربة ماء واحدة إثاراً لأخوه الحسين وسرعان ما وقع صريعا من جنود العدو[25] ولم يبق في الميدان سوى الحسين الذي أصيب بسهم فاستقر السهم في نحره، وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسده، وحسب رواية الشيعة فإن شمر بن ذي جوشن قام بفصل رأس الحسين عن جسده بضربة سيف[26] كما وانهم جعلو خيلا ً تسمى بخيل الاعوجي تمشي وتسير فوق جسد الحسين بن علي وكان ذلك في يوم الجمعة من عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة وله من العمر 56 سنة.[27] ولم ينج من القتل إلا علي بن الحسين، فحفظ نسل أبيه من بعده.[28][29]

 

بعد المعركة

 

هناك الكثير من التضارب حول التفاصيل الدقيقة لوقائع المعركة وماحدث بعد المعركة ولايوجد مصادر محايدة يمكن الاعتماد عليها ولكن هناك إجماع على أن رأس الحسين قد قطع وتم إرساله مع نساء أهل بيت الحسين إلى الشام إلى بلاط يزيد بن معاوية فبعض المصادر تشير إلى أنه أهان نساء آل بيت نبي الإسلام محمد بن عبد الله وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأُهِنّ هناك ولكن هناك مصادر أخرى على لسان ابن تيمية تقول نصا "إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك، وظهر البكاء في داره ولم يسب لهم حريما بل أكرم بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم" وهذه الرواية يرفضها الشيعة وبعض من أهل السنة.[30]

هنالك أيضا جدل أزلي حول من كان المسؤول عن قتل الحسين، ففي نظر الشيعة والذي يوافق بعض المؤرخين من أهل السنة مثل ابن كثير في البداية والنهاية، وابن الأثير في الكامل، وابن خلدون في العبر والإمام الذهبي في تاريخ الإسلام فإن يزيد لم يكن ملتزما بمبادئ الإسلام في طريقة حياته وحكمه وكان هو المسؤول الأول عن مقتل الحسين.[31]

أما موقف يزيد المعادي لآل البيت، فهنالك رواية تنفي ذلك طرحا لمختلف الآراء فيذكر الطبري أن يزيدا أرسل رسالة إلى عبيد الله بن زياد قائلا "بلغني أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فضع المناظر (العيون أو المراقبون) والمسالح (جيوش تحمي الطرقات) واحترس على الظن وخذ على التهمة غير لا تقتل إلا من قاتلك". وقيل أيضا أنه اهتم بأهل بيت الحسين وحزن على استشهاده.[32][33]

من الناحية السياسية لم تكن ثورة الحسين على خلافة يزيد آخر الثورات فقد تلاها ثورة في المدينة المنورة التي انتهت بوقعة الحرة ثم ثورة عبد الله بن الزبير ولم تصبح البلاد الإسلامية تابعة بصورة كاملة لحكم الأمويين إلا في عهد عبد الملك بن مروان وبواسطة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي استطاع القضاء على ثورة عبد الله بن الزبير في سنة 73 هـ.

يؤمن البعض من أتباع المذهب الشيعي أن عدد من المعجزات حصلت بعد مقتل الحسين بن علي، فيُقال:

 

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّةِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ شَوْقٍ الْعَبْديَّةُ، قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي نَضْرَةُ الْأَزْدِيَّةِ، قَالَتْ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ مَطَرَتِ السَّمَاءُ دَمًا، فَأَصْبَحْتُ وَكُلُّ شَيْءٍ مَلْآنُ دَمًا.[36]

 

الثورات

 

ثورة التوابين

الكوفيون دعوا الحسين إليهم وكتبوا له. لم تلبث حماستهم أن خمدت فقتل مسلم وقتل هاني والكوفيون ينظرون وها هو الحسين على أبواب الكوفة قد حط رحاله في كربلاء[37] في ذلك الحين كان الكوفيون ثلاث فئات، فئة قليلة قد كانت فيمن طلب إلى الحسين القدوم إلى الكوفة ووعدته النصر فيمن وعد، وقد قامت هذه الفئة بمناصرته حينما أقبل مجيباً الدعوة، وكان في هذه الفئة حبيب بن مظاهر الأسدي ونافع بن هلال الجملي وغيرهم.[38] فئة أخرى كانت على نقيض الفئة الأولى لا تحفل بعقيدة وهي إذا كانت قد كتبت إلى الحسين فيمن كتب وتحمست لدعوته أشد التحمس وإذا كانت ترى في الحسين رجل الساعة المفرد الذي يخلق بالتأييد والنصرة فلاترى بأساً وقد مالت الكفة مع ابن زياد أن تميل معها وتقاتل الذي دعته لتنضوي تحت لوائه.[38] فئة ثالثة كانت وسطاً بين الفئتين فلا هي نصرت الحسين ولا هي نفرت لقتاله ولكنها انكمشت على نفسها تنكر المنكر بقلبها حتى إذا قتل الحسين ندمت على تركها نصرته وتلاومت فيما بينها ورأت أن قد أخطأت خطأ كبيراً ومن هذه الفئة انبعثت فكرة الثورة التي عرف رجالها باسم "التوابين".[38]

 

ثورة المختار الثقفي

كان المختار يطالب بدم الحسين بن علي ورفع شعار يالثارات الحسين وكان موكلاً من محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية،[39][40] فقتل أغلبية من شارك في قتال الحسين بن علي بن أبي طالب، وعلى رأسهم عمر بن سعد،[41] وشمر بن ذي الجوشن،[42] وعبيد الله بن زياد،[43][44] وحرملة بن كاهل الأسدي، وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس الكندي، وسنان بن أبي أنس، والحصين بن نمير، وخولي بن يزيد الأصبحي.[45]

 

ثورة زيد بن علي

ثورة زيد بن علي هي ثورة قام بها زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، في الكوفة ناحية العراق، ضد الأمويين وحكم هشام بن عبد الملك، وذلك في يوم الأربعاء 2 صفر 122 هـ، وانتهت بالقضاء على ثورة زيد بن علي ومقتله.[46] منذ أن خرج الحسين بن علي سنة 61 هـ على حكم يزيد بن معاوية، حيث استدعاه أهل الكوفة وانتهى هذا الخروج بقتل الحسين ومعظم أهل بيته في كربلاء، ومن يومها وما زال الطالبيون تراودهم فكرة الخروج مرة بعد مرة، ولكن المصاب الكبير وماجرى في معركة كربلاء كان يمنعهم، حتى جاء زيد بن علي زين العابدين بن الحسين.[46]

 

أثر واقعة كربلاء

 

اليوم يسلم علماء علم التاريخ والاجتماع بوجود خطر خاص يهدد كل ثورة بعد قيامها وموقعيتها. يحكي لنا التاريخ عن وجود أشخاص كانوا يخالفون الثورة قبل أن توفق وتثمر، ولكن بمجرد أن يئسوا من مخالفتهم، انضموا إليها واكتسبوا صبغتها فأخفوا صورتهم الحقيقية وراء هذه الثورة ويسعى هؤلاء للحفاظ على شكل وظاهر الثورة، بحيث لايتمكن الأشخاص العاديون من فهم أي تغيير جوهري قد يحدث فيها، بينما يحاول هؤلاء في الواقع، تغيير جوهر ولب هذه الثورة ويجرونها في اتجاه الانحراف والفساد.[47] هنا نحتاج إلى أعين ثاقبة النظر وإرادة قوية، نحتاج إلى منظار يدخل إلى الداخل والمضمون، ويتخطى الشكل والظاهر والقشور، للتمكن من إدراك أن ما هو موجود يختلف تماماً عن الواقع والحقيقة.[48]

ويبرز هنا دور ثورة حسين بن علي في تغيير مسار التاريخ الإسلامي، حيث كان أداؤه استمراراً لحركة الإمام علي، عندما أصبح الإمام علي خليفة المسلمين لم يعط أي أهمية للفتوحات ومحاربة الكفار خارج الحدود، بينما أعطى الإمام كل الإهتمام للإصلاح الداخلي، كان الإمام يعتقد بأن الإسلام الذي أصبح في الظاهر واسعاً مترامياً، هو كالعين المتورمة حيث يتحرك في داخله نحو الفساد، فلابد من القيام بعملية إصلاح داخلية. وهكذا أيضاً كانت ثورة حسين بن علي من أجل الإصلاح داخل المجتمع الإسلامي. [49]

من جهة أخرى تعتبر ثورة حسين بن علي من أهم الأحداث التاريخية التي ساهمت في صياغة الثورات التاريخية التي تفجرت على الساحة، بعد حادثة كربلاء، وفي تكوين الخط السياسي العام لمدرسة أهل البيت. ومن هنا لايمكن لباحث في التاريخ أن يتوفر على دراسة تاريخ الحقبة الأموية، ومما عجت به من ثورات وتناقضات واحداث عظيمة، مالم يتناول آثار ثورة حسين بن علي في المجتمع الإسلامي بشكل عام، وفي مجتمع مدرسة أهل البيت الذي تركز وجوده في الكوفة والبصرة، وبعض المدن العراقية الأخرى، وبعض مدن فارس.[50]

 

يزيد بن معاوية وواقعة الحرة في عهده ضد أهل المدينة يثرب

وقصة ثورة عبد الله بن الزبير (الفتنة الثانية الكبرى وأفضل اعتبارها الثالثة)

 

روى الطبراني في المعجم الكبير ج14:

 

14810- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ الصَّنْعَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذِّمَارِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا [مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ] ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ ، لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ ، قَالَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ : قَدْ وَطَّأْتُ لَكَ الْبِلاَدَ وَفَرَشْتُ لَكَ النَّاسَ ، وَلَسْتُ أَخَافُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَهْلَ الْحِجَازِ ، فَإِنْ رَابَكَ مِنْهُمْ رَيْبٌ ، فَوَجِّهْ إِلَيْهِمْ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّيَّ ، فَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ ، فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مِثْلاً لِطَاعَتِهِ وَنصيحَتِهِ ، فَلَمَّا جَاءَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ خِلاَفُ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَدُعَاؤُهُ إِلَى نَفْسِهِ دَعَا مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّيَّ وَقَدْ أَصَابَهُ فَالِجٌ ، فَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَهِدَ إِلَيَّ فِي مَرَضِهِ إِنْ رَابَنِي مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ شَىءٌ أَنْ أُوَجِّهَكَ إِلَيْهِمْ ، وَقَدْ رَابَنِي

، فَقَالَ : إِنِّي كَمَا ظَنَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، اعْقِدْ لِي وَعَبِّئِ الْجُيُوشَ ، قَالَ : فَوَرَدَ الْمَدِينَةَ فَأَبَاحَهَا ثَلاَثًا ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى بَيْعَةِ يَزِيدَ عَلَى أَنَّهُمْ أَعْبُدٌ قِنٌ فِي طَاعَةِ اللهِ وَمَعْصِيتَهِ ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ إِلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْ قُرَيْشٍ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ ، فَقَالَ لَهُ : بَايِعْ لِيَزِيدَ عَلَى أَنَّكَ عَبْدٌ فِي طَاعَةِ اللهِ وَمَعْصِيتِهِ ، قَالَ : لاَ ، بَلْ فِي طَاعَةِ اللهِ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَتَلَهُ ، ...إلخ

 

وفي ج14:

 

14813- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذِّمَارِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ تَثَاقَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ طَاعَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَظْهَرَ شَتْمَهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ ، فَأَقْسَمَ لاَ يُؤْتَى بِهِ إِلاَّ مَغْلُولاً وَإِلاَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَقِيلَ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ : أَلاَ نَصْنَعُ لَكَ أَغْلاَلاً مِنْ فِضَّةٍ تَلْبَسُ عَلَيْهَا الثَّوْبَ ، وَتَبَرُّ قَسَمَهُ فَالصُّلْحُ أَجْمَلُ بِكَ ، قَالَ : فَلاَ أَبَرُّ وَاللَّهِ قَسَمَهُ ، ثُمَّ قَالَ :. وَلاَ أَلِينُ لِغَيْرِ الْحَقِّ أَسْأَلُهُ ... حَتَّى يَلِينَ لِضِرْسِ الْمَاضِغِ الْحَجَرُ. ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لَضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ فِي عِزٍّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ فِي ذُلٍّ ، ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ وَأَظْهَرَ الْخِلاَفَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمري فِي جَيْشِ أَهْلِ الشَّامِ ، وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ سَارَ إِلَى مَكَّةَ ،

قَالَ : فَدَخَلَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ الْمَدِينَةَ وَهَرَبِ مِنْهُ بَقَايَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَبَثَ فِيهَا وَأَسْرَفَ فِي الْقَتْلِ

، قَالَ : وَبَلَغَ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ مَوْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَهَرَبَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ ، فَلَمَّا مَاتَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ دَعَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكِمِ إِلَى نَفْسِهِ فَأَجَابَهُ أَهْلُ حِمْصَ وَأَهْلُ الأُرْدُنِّ وَفِلِسْطِينَ ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ

الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ فِي مِئَةِ أَلْفٍ فَالْتَقَوْا بِمَرْجِ رَاهِطٍ وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ فِي خَمْسَةِ آلاَفٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَوَالِيهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّامِ ، فَقَالَ مَرْوَانُ لِمَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ كرة : احْمِلْ عَلَى أَيِّ الطَّرَفَيْنِ شِئْتَ فَقَالَ : كَيْفَ أَحْمِلُ عَلَى هَؤُلاَءِ لِكَثْرِتِهِمْ ؟ قَالَ : هُمْ بَيْنَ مُكْرَهٍ وَمُسْتَأْجَرٍ ، احْمِلْ عَلَيْهِمْ لاَ أُمَّ لَكَ ، فَيَكْفِيكَ الطَّعَّانُ النَّاصِعُ الْجَنْدَلُ

، هُمْ يَكْفُونَك أَنْفُسَهُمْ ، إِنَّمَا هَؤُلاَءِ عُبَيْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ

، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَهَزَمَهُمْ ، وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ وَانْصَدَعَ الْجَيْشُ ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ :.

لَعَمْرِي لَقَدْ أَبْقَتْ وَقِيعَةُ رَاهِطٍ ... لِمَرْوَانَ صَرْعَى بَيْنَنَا مُتَنائِيَا.

أَبِينُ سِلاَحِي لاَ أَبَا لَكَ إِنَّنِي ... أَرَى الْحَرْبَ لاَ يزْدَادُ إِلاَّ تَمَادِيَا.

وَقَدْ يَنْبُتُ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِ الثَّرَى ... وَتَبْقَى حَزَازَاتُ النُّفُوسِ كَمَا هِيَا.

وَفِيهِ يَقُولُ أَيْضًا :.

أَفِي الْحَقِّ أَمَّا بَحْدَلٌ وَابْنُ بَحْدَلٍ ... فَيَحْيَا وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَيُقْتَلُ.

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ لاَ تَقْتُلُونَهُ ... وَلَمَّا يَكُنْ يَوْمٌ أَغَرُّ مُحَجَّلُ.

وَلَمَّا يَكُنْ لِلْمَشْرَفِيَّةِ فِيكُمُ ... وشُعَاعٌ كَنُورِ الشَّمْسِ حِينَ يرَجَّلُ.

 قَالَ : ثُمَّ مَاتَ مَرْوَانُ فدَعَا عَبْدُ الْمَلِكِ إلى نفسه وَقَامَ ، فَأَجَابَهُ أَهْلُ الشَّامِ ، فَخَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَقَالَ : من لاِبْنِ الزُّبَيْرِ مِنْكُمْ ؟ فَقَالَ الْحَجَّاجُ : أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْكَتَهُ ، ثُمَّ عَادَ فَأَسْكَتَهُ ، فَقَالَ : أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ أَنِّي انْتَزَعْتُ جُبَّتَهُ فَلَبِسْتُهَا ، فَعَقَدَ لَهُ فِي الْجَيْشِ إِلَى مَكَّةَ ، حَتَّى وَرَدَهَا عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَاتَله بِهَا ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لأَهْلِ مَكَّةَ : احْفَظُوا هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَلُوا بِخَيْرٍ أَعِزَّةً مَا لَمْ يَظْهَرُوا عَلَيْهَما ، قَالَ : فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ ظَهَرَ الْحَجَّاجُ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَنَصَبَ عَلَيْهِ الْمَنْجَنِيقَ ، فَكَانَ يَرْمِي بِهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدَاةُ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ مِئَةِ سَنَةٍ لَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ ، وَلَمْ يَفْسُدْ لَهَا بَصَرٌ ، فَقَالَتْ لاِبْنِهَا : يَا عَبْدَ اللهِ ، مَا فَعَلْتَ فِي حَرْبِكَ ؟ قَالَ : بَلَغُوا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : وَضَحِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَ : إِنَّ فِي الْمَوْتِ لَرَاحَةٌ ، فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّ ، لَعَلَّكَ تَتَمَنَّاهُ لِي ، مَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ حَتَّى آتِيَ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْكَ إِمَّا أَنْ تَمْلِكَ فَتَقَرُّ بِذَلِكَ عَيْنِي ، وَإِمَّا أنْ تُقْتَلَ فَأَحْتَسِبُكَ ، قَالَ : فَوَدَّعَهَا ، فَقَالَتْ لَهُ : يَا بُنَيَّ ، إِيَّاكَ أَنْ تُعْطِيَ خَصْلَةً مِنْ دِينِكَ مَخَافَةَ الْقَتْلِ ،  وَخَرَجَ عَنْهَا فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ جَعَلَ مِصْرَاعَيْنِ عَلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ يَتَّقِي أَنْ يُصِيبَهُ الْمَنْجَنِيقُ ، وَأَتَى ابْنُ الزُّبَيْرِ آتٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَنْدَ الْحَجَرِ ، فَقَالَ لَهُ : أَلاَ نَفْتَحُ لَكَ الْكَعْبَةَ فَتَصْعَدُ فِيهَا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : مِنْ كُلِّ شَىءٍ تَحْفَظُ أَخَاكَ إِلاَّ مِنْ نَفْسِهِ ، يَعْنِي : مِنْ أَجَلِهِ ، وَهَلْ لِلْكَعْبَةِ حُرْمَةٌ لَيْسَتْ لِهَذَا الْمَكَانِ ، وَاللَّهِ لَوْ وَجَدُوكُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ لَقَتَلُوكُمْ ، فَقِيلَ لَهُ : أَلاَ تُكَلِّمُهُمْ فِي الصُّلْحِ ؟ فَقَالَ : أَوَحِينُ صُلْحٍ هَذَا ؟ وَاللَّهِ لَوْ وَجَدُوكُمْ فِي جَوْفِهَا لَذَبَحُوكُمْ جَمِيعًا ، ثُمَّ أَنْشَأَ ، يَقُولُ :.

وَلَسْتُ بِمُبْتَاعِ الْحَيَاةِ بِسُبَّةٍ ... وَلاَ مُرْتَقٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَوْتِ سُلَّمَا.

أُنَافِسُ سَهْمًا إِنَّهُ غَيْرُ رابح ... مُلاَقِي الْمَنَايَا أَيَّ صرفٍ تَيَمَّمَا.

 

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى آلِ الزُّبَيْرِ يَعِظُهُمْ ، وَيَقُولُ : لِيَكُنْ أَحَدُكُمْ سَيْفُهُ كَمَا يَكُنْ وَجْهُهُ ، لاَ يُنَكِّسْ سَيْفَهُ فَيَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِيَدِهِ [كأنه امرأة] ، وَاللَّهِ مَا لَقِيتُ زَحْفًا قَطُّ إِلاَّ فِي الرَّعِيلِ الأَوَّلِ ، ومَا أَلِمْتُ جُرْحًا قَطُّ إِلاَّ أَنْ أُلِمَّ الدَّوَاءَ ، قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ نَفَرٌ مِنْ بَابِ بَنِي جُمَحٍ ، [فيهم أسود] فَقَالَ : مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قِيلَ : أَهْلُ حِمْصَ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ وَمَعَهُ سيفان ، فَأَوَّلُ مَنْ لَقِيَهُ الأَسْوَدُ ، فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى أَطَنَّ رِجْلَهُ ، فَقَالَ الأَسْوَدُ : أَخْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : اخْسَأ يَا ابْنَ حَامٍ ، أَسْمَاءُ زَانِيَةٌ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ وَانْصَرَفَ ، فَإِذَا بِقَوْمٍ قد دَخَلُوا مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ ، فَقَالَ : مَنْ هَؤُلاَءِ ، فقِيلَ : أَهْلُ الأَرْدُنِّ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ يَقُولُ :.

لاَ عَهْدَ لِي بِغَارَةٍ مِثْلِ السَّيْلِ ... لاَ يَنجَلَّى غُبَارُهَا حَتَّى اللَّيْلِ

فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ

، فَإِذَا بِقَوْمٍ قَدْ دَخَلُوا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ ، وَهُوُ يَقُولُ :.

لَوْ كَانَ قَرْنِي وَاحِدًا كَفَيْتُهُ.

قَالَ : وَعَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ مِنْ أَعْوَانِهِ مَنْ يَرْمِي عَدُوَّهُ بِالآجُرِّ وَغَيْرِهِ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَأَصَابَتْهُ آجُرَّةٌ فِي مَفْرِقِهِ حَتَّى فَلَقَتْ رَأْسَهُ ، فَوَقَفَ قَائِمًا ، وَهُوَ يَقُولُ :.

وَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا تَقْطُرُ الدِّمَا.

قَالَ : ثُمَّ وَقَعَ ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ مُوَالِيَانِ لَهُ ، وَهُمَا يَقُولاَنِ :.

الْعَبْدُ يَحْمِي رَبَّهُ وَيَحْتَمِي.

قَالَ : ثُمَّ سُيِّرَ إِلَيْهِ فَحُزَّ رَأْسُهُ.

 

وذكرت كتب التاريخ في سيرة مروان بن الحكم الأموي:

 

...وكان سبباً لقتل عثمان (يعني بتحريضه إياه على الفساد وإيثار الأقارب)، ثم شهد الجمل مع عائشة، ثم صفِّين مع معاوية، ثم ولي إمرة المدينة لمعاوية، ولم يزل بها إلى أن أخرجهم ابنُ الزبير في أوائل إمرة يزيد، فكان ذلك من أسباب وقعة الحَرَّة، وبقي في الشام إلى أن مات معاوية ابن يزيد، فبايعه بعض أهل الشام، ثم غلب على الضَحَّاك بن قيس وكان أميراً لابن الزبير فقلته، واستولى على ملك الشام، ثم توجه إلى مصر فاستولى عليها، ثم بَغَتَه الموت، فعهد إلى ولده عبد الملك، فكانت مدة خلافته قدر نصف سنة، ومات في شهر رمضان سنة خمس وستين، وهو أول من ضرب الدنانير الشَّامية التي يباع الدينار منها بخمسين، وكتب عليها: (قل هو الله أحد) .

 

وروى البخاري:

 

2959 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ زَمَنُ الْحَرَّةِ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى الْمَوْتِ فَقَالَ لَا أُبَايِعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

4167 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحَرَّةِ وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ عَلَى مَا يُبَايِعُ ابْنُ حَنْظَلَةَ النَّاسَ قِيلَ لَهُ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ لَا أُبَايِعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شَهِدَ مَعَهُ الْحُدَيْبِيَةَ

4906 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ لَهُ بِأُذُنِهِ

 

وأخرجه وابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1748) و (2103) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (5810) ، والطبراني في "الكبير" (4972) ، والبيهقي في "الدلائل" 4/57 من طريق موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل أنه سمع أنس بن مالك يقول: حزنت على من أصيب بالحرَة، فكتب إلى زيدُ بن أرقم.... زادوا: وشك ابن الفضل في "أبناء أبناء

الأنصار".

وانظر أحمد 19299 و19343 و19292 بأسانيد ضعيفة.

 

وروى مسلم:

 

[ 1374 ] وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء من المدينة وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها فقال له ويحك لا آمرك بذلك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة إذا كان مسلما

 

ورواه أحمد 11246 و11554.

 

[ 1861 ] وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المخزومي حدثنا وهيب حدثنا عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد قال أتاه آت فقال هذاك بن حنظلة يبايع الناس فقال على ماذا قال على الموت قال لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

ورواه أحمد 16471 و16463.

 

روى أحمد:

 

11036 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَتَوَضَّأُ إِذَا جَامَعَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ" قَالَ سُفْيَانُ: أَبُو سَعِيدٍ أَدْرَكَ الْحَرَّةَ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. سفيان بن عيينة، وعاصم: هو ابن سليمان الأحول، وأبو المتوكل: هو علي بن داود- ويقال: ابن دؤاد- الناجي. وأخرجه الحميدي (753) ، والنسائي في "المجتبى" 1/142، وفي "الكبرى" (258) ، وابن خزيمة (219) و (220) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة 1/79، ومسلم (308) ، وأبو داود (220) ، والترمذي (141) ، والنسائي في "الكبرى" (9038) و (9039) و (9040) ، وابن ماجه (587) ، وابن خزيمة (219) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/128 - 129، وابن حبان (1210) ، والبيهقي في "السنن" 1/203 - 204، 7/192، وفي "المعرفة" (14040) من طرق، عن عاصم، به. وقال الترمذي: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح. وسيأتي بالأرقام (11161) و (11227) و (11523) . وقد سلف من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب برقم (4662) ، وذكرنا هناك أحاديث الباب، وانظر حديث عمر السالف برقم (94) .

 

وقوله: "أدرك الحرة" ، أي: يوم الحرة، وهي الوقعة المشهورة بين أهل الشام وبين أهل المدينة سنة 63 هـ في أيام يزيد بن معاوية وكان أمير جيش يزيد مسلم بن عقبة المُري الذي لقب بالمسرف لقبح صنيعه، فقد هتك مسرف -أو مجرم- الإسلام هتكاً، وأنهب المدينة ثلاثاً، واستخف بأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومُدت الأيدي إليهم ونُهبت دورهم. والحرة التي وقع بها القتال هي حرة واقم، وهي تقع شرقي المدينة المنورة.

 

وروى البخاري:

 

2604 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ بِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا فِي سَفَرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَوَزَنَ قَالَ شُعْبَةُ أُرَاهُ فَوَزَنَ لِي فَأَرْجَحَ فَمَا زَالَ مَعِي مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى أَصَابَهَا أَهْلُ الشَّأْمِ يَوْمَ الْحَرَّةِ

 

3089 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً زَادَ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اشْتَرَى مِنِّي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بِوَقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارًا أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ فَأَكَلُوا مِنْهَا فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَوَزَنَ لِي ثَمَنَ الْبَعِيرِ

 

ورواه أحمد 14192 والبخاري (2604) وأخرجه مختصراً ومطولاً الطيالسي (1725) و (1727) ، وعبد بن حميد (1098) و (1100) ، والدارمي (2584) ، والبخاري معلقاً بإثر الحديث (3089) ، وموصولا (3087) و (3090) ، ومسلم (715) (72) ، وص 1223 و1224 (115) و (116) ، والنسائي 7/283، وأبو عوانة 1/416، وابن حبان (2715) ، والبيهقي 6/32، وابن حجر في "تغليق التعليق" 3/467-468

 

وروى أحمد:

14376 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَأْذَنْ لِي فِي أَنْ أَتَعَجَّلَ إِلَى أَهْلِي ؟ قَالَ: " أَفَتَزَوَّجْتَ ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: ثَيِّبًا، قَالَ: " فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا، وَتُلَاعِبُكَ ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ، وَتَرَكَ عَلَيَّ جَوَارِيَ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَضُمَّ إِلَيْهِنَّ مِثْلَهُنَّ، فَقَالَ: " لَا تَأْتِ أَهْلَكَ طُرُوقًا "

قَالَ: وَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ فَاعْتَلَّ، قَالَ: فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا فِي آخِرِ النَّاسِ، قَالَ: فَقَالَ: " مَا لَكَ يَا جَابِرُ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: اعْتَلَّ بَعِيرِي ، قَالَ: فَأَخَذَ بِذَنَبِهِ ، ثُمَّ زَجَرَهُ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ إِنَّمَا أَنَا فِي أَوَّلِ النَّاسِ يَهُمُّنِي رَأْسُهُ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا فَعَلَ الْجَمَلُ ؟ " قُلْتُ: هُوَ ذَا، قَالَ: " فَبِعْنِيهِ "، قُلْتُ: لَا، بَلْ هُوَ لَكَ، قَالَ: " بِعْنِيهِ "، قَالَ: قُلْتُ: هُوَ لَكَ، قَالَ: " لَا، قَدْ أَخَذْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ ، ارْكَبْهُ، فَإِذَا قَدِمْتَ فَأْتِنَا بِهِ "، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ جِئْتُ بِهِ، فَقَالَ: " يَا بِلَالُ، زِنْ لَهُ وُقِيَّةً ، وَزِدْهُ قِيرَاطًا "، قَالَ: قُلْتُ: هَذَا قِيرَاطٌ زَادَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُفَارِقُنِي أَبَدًا حَتَّى أَمُوتَ، قَالَ: فَجَعَلْتُهُ فِي كِيسٍ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدِي حَتَّى جَاءَ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ فَأَخَذُوهُ فِيمَا أَخَذُوا ".

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. أبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان بن مهران.

وأخرجه مختصراً أبو داود (2048) عن أحمد بن حنبل، بهذا الإسناد.

وأخرجه النسائي مختصراً 7/298-299، والبغوي (2115) من طريق أبي معاوية، به.

وأخرجه مطولاً ومختصراً ابن أبي شيبة 4/417، وعبد بن حميد (1109) ، وابن الجارود (636) من طريق محمد بن عبيد، ومسلم ص1222 (111) ، وأبو يعلى (1898) ، والطحاوي في "شرح المشكل" (4415) و (4534) ، وابن حبان (4911) و (6517) من طريق جرير بن عبد الحميد، والطحاوي في "شرح المشكل" (4537) من طريق عبد السلام بن حرب، والبيهقي 5/337 و351-352 من طريق عبد الله بن نمير، أربعتهم عن الأعمش، به. ولم يسق الطحاوي في الموضع الثاني من طريق جرير لفظه.

ومن رواه مطولاً قال فيه: "تَبلغ عليه إلى أهلك، أو إلى المدينة".

وعلقه البخاري بإثر الحديث (2718) عن الأعمش، عن سالم، عن جابر. واقتصر فيه على قوله: "تبلغ به إلى أهلك"، و"أوقية ذهب".

وعلقه البخاري بإثر الحديث (2718) أيضاً مقتصراً على مقدار ثمن الجمل، فقال: عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن سالم، عن جابر: بمئتي درهم.

ولقطعة السؤال عن التزويج انظر ما سلف برقم (14132) .

ولقصة الجمل وبيعه انظر ما سلف برقم (14195) .

ولقوله: "لا تأتِ أهلَك طُروقاً" انظر ما سلف برقم (14184) .

وقوله: يُهمني رأسه، أي: أخاف أن يتقدم رأسه على جِمال الناس، فيهمني ذلك.

 

وقعت واقعة الحرة أيام يزيد بن معاوية وعلى يد قائده مسلم بن عقبة بسبب معارضة أهل يثرب لتوريث الحكم من معاوية إلى ابنه يزيد، وقالت كتب التاريخ أنه استباح المدينة ثلاثة أيام لجنوده، قيل للنهب فقط والتخريب، وذكرت بعض الكتب اغتصاب حوالي ألف عذراء من قبل الجنود الشاميين.

روى الطبراني في ج19:

710- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ مَرْوَانَ الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بِشْرٍ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، قَالَ لِمُعَاوِيَةَ فِي الْكَلاَمِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا فِي بَيْعَةِ يَزِيدَ : وَأَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا كَانَ فِي الأَرْضِ خَلِيفَتَانِ فَاقْتُلُوا أَحَدَهُمَا.

 

دعوة عبد الله بن عمر بن الخطاب للاستسلام قبل المواجهة

 

روى مسلم

 

[ 1851 ] حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا عاصم وهو بن محمد بن زيد عن زيد بن محمد عن نافع قال جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية

 

نلاحظ هنا أن عبد الله بن عمر بن الخطاب استسلم لظلم الأمويين وحكمهم الفاسد، ونهى عن الثورة عليه، وروى مزاعم دينية لا تصح في حالات الثورة على ظلم وحكم ظالم فاسد طبقي، وقد فعل ذلك لأنه ارتأى أن قوة الشاميين جيش بني أمية أقوى بكثير وبصورة كاسحة. المفهوم الذي تروج له أحاديث كهذه مفهوم دكتاتوري يضفي قداسة على أي حاكم حتى لو كان فاسدًا. ويمكننا أن نشتم رائحة التلفيق في الحديث الذي نسبه إلى محمد.

 

[ 1851 ] وحدثنا بن نمير حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا ليث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن بن عمر أنه أتى بن مطيع فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

 

وروى أحمد:

5709 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، جَمَعَ بَنِيهِ حِينَ انْتَزَى (1) أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَخَلَعُوا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ بِبَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْغَادِرُ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِشْرَاكُ بِاللهِ تَعَالَى، أَنْ يُبَايِعَ الرَّجُلُ رَجُلًا عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يَنْكُثَ بَيْعَتَهُ "، فَلَا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَزِيدَ وَلَا يُسْرِفَنَّ (1) أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَيَكُونَ صَيْلَمًا (2) فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ (3)

 

(1) في (ظ14) : يشرفن. يعني بالشين المعجمة.

(2) في (ق) و (ظ1) وهامش (ص) و (م) وطبعة الشيخ أحمد شاكر: صيلماً.

(3) إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وقد سلف برقم (5088) .

 

5088 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ النَّاسُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ "، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ أَنْ لَا يَكُونَ (1) الْإِشْرَاكُ بِاللهِ تَعَالَى، أَنْ يُبَايِعَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يَنْكُثَ بَيْعَتَهُ ، فَلَا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَزِيدَ، وَلَا يُشْرِفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَيَكُونَ صَيْلَمٌ (2) بَيْنِي وَبَيْنَهُ (3)

 

(1) هذا لفظ نسخة (ظ14) ، وهو الوارد عند السندي، ومثله في (س) ، لكن سقط منها حرف"أن"، وسترد كذلك في الرواية (5709) . قال السندي: إلا أن يكون الإشراك: كلمة"إلا"استثنائية، أي: من أعظم الغدر نقض البيعة كل حين إلا حين أن يوجد الإشراك، والكفر الصريح من الملك، فيجب عزله ولا يمكن تمكينه من الحكم، لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا) .

قلنا: وقد وقع في (ق) و (ص) و (ظ1) : أن لا يكون. وهو ما أثبته الشيخ أحمد شاكر. ويكون بتقدير: شريطة أن لا يكون.

(2) وقع في (م) بدل صيلم: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الشيخ أحمد شاكر: كأن مصححي الطبع اشتبه عليهم رسمها، فظنوها"صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وهي الاصطلاح السخيف لبعض المتأخرين في اختصار كتابة الصلاة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعربوها وكتبوها واضحة.

(3) إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وأخرج المرفوع منه الترمذي (1581) من طريق إسماعيل ابن عُلية، بهذا الإسناد. وقال: حسن صحيح.

وأخرجه مسلم (1735) (9) ، والبيهقي 8/159 من طريق عفان، عن صخر بن جويرية، به. واقتصر مسلم على المرفوع منه.

وأخرجه بنحوه البخاري (7111) ، وأبو عوانة 4/71، والبيهقي 8/160 من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، به.

وسيأتي برقم (5709) ، وقد سلف المرفوع منه برقم (4648) .

قوله:"لما خلع الناسُ يزيد"، قال السندي: أي أهل المدينة، فإنه يوم بلغهم سوءُ حاله خلعوه، وكان ذلك سببا لفتنة الحرة.

وقوله: "على بيع الله ورسوله" قال الحافظ في "الفتح " 13/71: أي على شرط ما أمر اللة ورسوله به من بيعة الِإمام، وذلك ان من بايع أميراً فقد أعطاه الطاعة، وأخذ منه العطية، فكان شبيهَ من باع سلعة وأخذ ثمنها.

وقوله:"أن لا يكون الإشراكُ بالله"، أي: إن من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلًا على بيع الله ورسوله، ثم ينكث بيعته، وهو ما في رواية عفان بن مسلم، عن صخر بن جويرية عند البيهقي، وعزاه الحافظ في "الفتح"13/71 من هذا الطريق بهذا اللفظ إلى أبي العباس السرّاج في "تاريخه".

وقوله:"ولا يُشرفن"، قال السندي: من الإشراف، أي: لا يَدخلن في هذا الأمر، أي: أمر الخلع.

وقوله:"فيكون صَيْلَم"ضبظ بفتح صاد وسكون ياء وفتح لام، أي: فيتحقق، ويوجد قطيعة منكرة بيني وبينه، وأصل الصيلم الداهية، والياء زائدة، والمضارع بالنصب على أنه جواب النهي. ولفظ البخاري (7111) : وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه، ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه، أي: القاطعة، وهي فيعل من فَصَلَ الشيءَ: إذا قطعه.

 

5551- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ فَقَالَ : مَرْحَبًا بِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعُوا لَهُ وِسَادَةً ، فَقَالَ : إِنَّمَا جِئْتُكَ لأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ نَزَعَ يَدًا مَنْ طَاعَةِ اللهِ ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مَفَارِقٌ لِلْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

 

5718- حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَتَى ابْنَ مُطِيعٍ لَيَالِي الْحَرَّةِ ، فَقَالَ : ضَعُوا لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً ، فَقَالَ : إِنِّي لَمْ آتِ لأَجْلِسَ ، إِنَّمَا جِئْتُ لأُخْبِرَكَ كَلِمَتَيْنِ سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ نَزَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ مَاتَ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ مَوْتَ الْجَاهِلِيَّةِ.

 

وروى البخاري:

 

7111 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ

 

رسالة عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ردًّا على يزيد بن معاوية

 

روى الطبراني في المعجم الكبير ج 10:

 

10590- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ مُوسَى الْخَلاَّلُ التُّسْتَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْجُنْدِيسَابُورِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاحَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو خِدَاشٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَهْتَمِ التَّمِيمِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ : كَتَبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبَيْعَةِ ، فَأَبَى أَنْ يُبَايِعَهُ ، فَظَنَّ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ إِنَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ لِمَكَانِهِ ، فَكَتَبَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ : أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْمُلْحِدَ ابْنَ الزُّبَيْرِ دَعَاكَ إِلَى بَيْعَتِهِ ليُدْخِلَكَ فِي طَاعَتِهِ ، فَتَكُونَ عَلَى الْبَاطِلِ ظَهِيرًا ، وَفِي الْمَأْثَمِ شَرِيكًا ، فَامْتَنَعْتَ عَلَيْهِ وَانْقَبَضْتَ ؛ لِمَا عَرَّفَكَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِكَ فِي حَقِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ، فَجَزَاكَ اللَّهُ أَفْضَلَ مَا يَجْزِي الْوَاصِلِينَ مِنْ أَرْحَامِهِمُ ، الْمُوفِينَ بِعُهُودِهِمْ ، فَمَهْمَا أَنْسَى مِنَ الأَشْيَاءِ فَلَسْتُ أَنْسَى بِرَّكَ وَصِلَتَكَ ، وَحُسْنَ جائِزَتِكَ ، بِالَّذِي أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَّا فِي الطَّاعَةِ وَالشَّرَفِ وَالْقَرَابَةِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْظُرْ مَنْ قِبَلَكَ مِنْ قَوْمِكَ ، وَمَنْ يَطْرَأُ عَلَيْكَ مِنْ أَهْلِ الآفَاقِ مِمَّنْ يَسْحَرُهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِلِسَانِهِ ، وَزُخْرُفِ قَوْلِهِ ، فَخَذِّلْهُمْ عَنْهُ ؛ فَإِنَّهُمْ لَكَ أَطْوَعُ ، وَمِنْكَ أَسْمَعُ مِنْهُمْ للمُلْحِدِ الْخَارِبِ الْمَارِقِ ، وَالسَّلاَمُ

 

فَكَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَيْهِ : أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ دُعَاءَ ابْنِ الزُّبَيْرِ إِيَّايَ الَّذِي دَعَانِي إِلَيْهِ ، وَأَنِّي امْتَنَعْتُ مَعْرِفَةً لِحَقِّكَ ، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَسْتُ بِرَّكَ أَغْزُو بِذَلِكَ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بِمَا أَنْوِي بِهِ عَلِيمٌ ، وَكَتَبْتَ إِلَيَّ أَنْ أَحُثَّ النَّاسَ عَلَيْكَ ، وَأُخَذِّلَهُمْ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، فَلاَ سُرُورًا وَلاَ حُبُورًا بِفِيكَ الْكِثْكِثُ ، وَلَكَ الأَثْلَبُ ، إِنَّكَ لِعَازِبٌ إِنْ مَنَّتْكَ نَفْسُكَ ، وَإِنَّكَ لأَنْتَ الْمَنْفُودُ الْمَثْبُورُ ، وَكَتَبْتَ إِلَيَّ تَذْكُرُ تَعْجِيلَ بِرِّي وَصِلَتِي ، فَاحْبِسْ أَيُّهَا الإِنْسَانُ عَنِّي بِرَّكَ وَصِلَتَكَ ، فَإِنِّي حَابِسٌ عَنْكَ وُدِّي وَنُصْرَتِي ، وَلَعَمْرِي مَا تُعْطِينَا مِمَّا فِي يَدَيْكَ لَنَا إِلاَّ الْقَلِيلَ ، وَتَحْبِسُ مِنْهُ الْعَرِيضَ الطَّوِيلَ ، لاَ أَبَا لَكَ أَتُرَانِي أَنْسَى قَتْلَكَ حُسَيْنًا وَفِتْيانَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، مَصَابِيحَ الدُّجَى ، وَنُجُومَ الأَعْلاَمِ ، غَادَرَتْهُمْ جُنُودُكَ بِأَمْرِكَ فَأَصْبَحُوا مُصَرِّعِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، مُزَمَّلِينَ فِي الدِّمَاءِ ، مَسْلُوبِينَ بِالْعَرَاءِ ، لاَ مُكَفَّنِينَ ، وَلاَ مُوسَّدِينَ ، تَسْفِيهِمُ الرِّيَاحُ ، وَتَغْزُوهُمُ الذِّئَابُ ، وَتَنْتَابُهُمْ عُرُجُ الضِّباعِ ، حَتَّى أَتَاحَ اللَّهُ لَهُمْ قَوْمًا لَمْ يُشْرِكُوا فِي دِمَائِهِمْ ، فَكَفَّنُوهُمْ وَأَجَنُّوهُمْ ، وَبِهِمْ وَاللَّهِ وَبِي مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ فَجَلَسْتَ فِي مَجْلِسِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ ، وَمَهْمَا أَنْسَى مِنَ الأَشْيَاءِ فَلَسْتُ أَنْسَى تَسْلِيطَكَ عَلَيْهِمُ الدَّعِيَ بْنَ الدَّعِيِّ لِلْعَاهِرَةِ الْفَاجِرَةِ ، الْبَعِيدَ رَحِمًا ، اللَّئِيمَ أَبًا وَأُمًّا ، وَالَّذِي اكْتَسَبَ أَبُوكَ فِي ادِّعَائِهِ لِنَفْسِهِ الْعَارَ وَالْمَأْثَمَ وَالْمَذَّلَةَ وَالْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؛ لأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ، وَإِنَّ أَبَاكَ زَعَمَ أَنَّ الْوَلَدَ لِغَيْرِ الْفِرَاشِ ، وَلاَ يَضُرُّ الْعَاهِرَ ، وَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهُ كَمَا يَلْحَقُ وَلَدُ الْبَغِيِّ الْمُرْشِدَ ، وَلَقَدْ أَمَاتَ أَبُوكَ السُّنَّةَ جَهْلاً ، وَأَحْيَى الأَحْدَاثَ الْمُضِلَّةَ عَمْدًا ، وَمَهْمَا أَنْسَى مِنَ الأَشْيَاءِ فَلَسْتُ أَنْسَى تَسْيِيرَكَ حُسَيْنًا مِنْ حَرَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَرَمِ اللهِ ، وَتَسْيِيرَكَ إِلَيْهِمُ الرِّجَالَ ، وَإِدْسَاسَكَ إِلَيْهِمْ ، إِنْ هُوَ نَذَرَ بِكُمْ فَعَاجِلُوهُ ، فَمَا زِلْتَ بِذَلِكَ حَتَّى أَشْخَصْتَهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْكُوفَةِ ، تَزْأَرُ إِلَيْهِ خَيْلُكَ وَجُنُودُكَ زَئِيرَ الأُسْدِ عَدَاوَةً مِنْكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَهْلِ بَيْتِهِ ، ثُمَّ كَتَبْتَ إِلَى ابْنِ مَرْجَانَةَ يَسْتَقْبِلُهُ بِالْخَيْلِ وَالرِّجَالِ وَالأَسِنَّةِ وَالسُّيُوفِ ، ثُمَّ كَتَبْتَ إِلَيْهِ بُمُعَاجَلَتِهِ ، وَتَرْكِ مُطَاوَلَتِهِ ، حَتَّى قَتَلْتَهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ فِتْيَانِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْهُمْ تَطْهِيرًا ، نَحْنُ أُولَئِكَ لاَ كَآبَائِكَ الأَجْلاَفِ الْجُفَاةِ أَكْبَادِ الْحَمِيرِ ، وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ كَانَ أَعَزَّ أَهْلِ الْبَطْحَاءِ بِالْبَطْحَاءِ قَدِيمًا ، وَأَعَزَّهُ بِهَا حَدِيثًا ، لَوَّثُوا بِالْحَرَمَيْنِ مَقَامًا ، وَاسْتَحَلَّ بِهَا قِتَالاً ، وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُسْتَحَلُّ بِهِ حَرَمُ اللهِ ، وَحَرَمُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحُرْمَةُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، فَطَلَبَ إِلَيْكُمُ الْحُسَيْنُ الْمُوَادَعَةَ ، وَسَأَلَكُمُ الرَّجْعَةَ ، فَاغْتَنَمْتُمْ قِلَّةَ نُصَّارِهِ ، وَاسْتئِصَالَ أَهْلِ بَيْتِهِ ، كَأَنَّكُمْ تَقْتُلُونَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ التُّرْكِ ، أَوْ كَابُلَ ، فَكَيْفَ تَحْدُونِي عَلَى وُدِّكَ ، وَتَطْلُبُ نُصْرَتِي ، وَقَدْ قَتَلْتَ بَنِي أَبِي ، وَسَيْفُكَ يَقْطُرُ مِنْ دَمِي ، وَأَنْتَ آخِذُ ثَأْرِي ؟ فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ لاَ يَطُلْ لَدَيْكَ دَمِي ، وَلاَ تَسْبِقْنِي بِثَأْرِي ، وَإِنْ تَسْبِقْنَا بِهِ فَقَبِلْنَا مَا قَبِلَتِ النَّبِيُّونَ وَآلُ النَّبِيِّينَ ، فظَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَكَانَ الْمَوْعِدُ اللَّهَ ، فَكَفَى بِاللَّهِ لِلْمَظْلُومِينَ ناصِرًا ، وَمِنَ الظَّالِمِينَ مُنْتَقِمًا ، وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ ، وَمَا عِشْتَ بِرَبِّكَ الدَّهْرَ الْعَجَبُ ، حَمْلُكَ بَنَاتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَحَمْلُكَ أَبْنَاءَهُمْ أُغَيْلِمَةً صِغَارًا إِلَيْكَ بِالشَّامِ ، تُرِي النَّاسَ أَنَّكَ قَدْ قَهَرْتَنَا ، وَأَنَّكَ تُذِلُّنَا ، وَبِهِمْ وَاللَّهِ وَبِي مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ وَأُمِّكَ مِنَ النِّسَاءِ ، وَايْمُ اللهِ ، إِنَّكَ لَتُمْسِي وَتُصْبِحُ آمِنًا لجِرَاحِ يَدِي ، وَلَيَعْظُمَنَّ جُرْحُكَ بِلِسَانِي وَنَقْضِي وَإِبْرَامِي ، فَلاَ يَسْتَفِزَّنَّكَ الْجَدَلُ ، فَلَنْ يُمْهِلَكَ اللَّهُ بَعْدَ قَتْلِكَ عِتْرَةَ رَسُولِهِ إِلاَّ قَلِيلاً ، حَتَّى يَأْخُذَكَ أَخْذًا أَلِيمًا ، وَيُخْرِجَكَ مِنَ الدُّنْيَا آثِمًا مَذْمُومًا ، فَعِشْ لاَ أَبَا لَكَ مَا شِئْتَ ، فَقَدْ أَرْدَاكَ عِنْدَ اللهِ مَا اقْتَرَفْتَ.

فَلَمَّا قَرَأَ يَزِيدُ الرِّسَالَةَ قَالَ : لَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُضِيًّا عَلَى الشَّرِّ

 

الحرب بين الأمويين وعبد الله بن الزبير بن العوام

 

في المعجم الكبير للطبراني ج14:

 

14813- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذِّمَارِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ تَثَاقَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ طَاعَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَظْهَرَ شَتْمَهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ ، فَأَقْسَمَ لاَ يُؤْتَى بِهِ إِلاَّ مَغْلُولاً وَإِلاَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَقِيلَ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ : أَلاَ نَصْنَعُ لَكَ أَغْلاَلاً مِنْ فِضَّةٍ تَلْبَسُ عَلَيْهَا الثَّوْبَ ، وَتَبَرُّ قَسَمَهُ فَالصُّلْحُ أَجْمَلُ بِكَ ، قَالَ : فَلاَ أَبَرُّ وَاللَّهِ قَسَمَهُ ، ثُمَّ قَالَ :. وَلاَ أَلِينُ لِغَيْرِ الْحَقِّ أَسْأَلُهُ ... حَتَّى يَلِينَ لِضِرْسِ الْمَاضِغِ الْحَجَرُ. ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لَضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ فِي عِزٍّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ فِي ذُلٍّ ، ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ وَأَظْهَرَ الْخِلاَفَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمري فِي جَيْشِ أَهْلِ الشَّامِ ، وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ سَارَ إِلَى مَكَّةَ ،

قَالَ : فَدَخَلَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ الْمَدِينَةَ وَهَرَبِ مِنْهُ بَقَايَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَبَثَ فِيهَا وَأَسْرَفَ فِي الْقَتْلِ

، قَالَ : وَبَلَغَ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ مَوْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَهَرَبَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ ، فَلَمَّا مَاتَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ دَعَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكِمِ إِلَى نَفْسِهِ فَأَجَابَهُ أَهْلُ حِمْصَ وَأَهْلُ الأُرْدُنِّ وَفِلِسْطِينَ ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ

الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ فِي مِئَةِ أَلْفٍ فَالْتَقَوْا بِمَرْجِ رَاهِطٍ وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ فِي خَمْسَةِ آلاَفٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَوَالِيهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّامِ ، فَقَالَ مَرْوَانُ لِمَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ كرة : احْمِلْ عَلَى أَيِّ الطَّرَفَيْنِ شِئْتَ فَقَالَ : كَيْفَ أَحْمِلُ عَلَى هَؤُلاَءِ لِكَثْرِتِهِمْ ؟ قَالَ : هُمْ بَيْنَ مُكْرَهٍ وَمُسْتَأْجَرٍ ، احْمِلْ عَلَيْهِمْ لاَ أُمَّ لَكَ ، فَيَكْفِيكَ الطَّعَّانُ النَّاصِعُ الْجَنْدَلُ

، هُمْ يَكْفُونَك أَنْفُسَهُمْ ، إِنَّمَا هَؤُلاَءِ عُبَيْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ

، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَهَزَمَهُمْ ، وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ وَانْصَدَعَ الْجَيْشُ ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ :.

لَعَمْرِي لَقَدْ أَبْقَتْ وَقِيعَةُ رَاهِطٍ ... لِمَرْوَانَ صَرْعَى بَيْنَنَا مُتَنائِيَا.

أَبِينُ سِلاَحِي لاَ أَبَا لَكَ إِنَّنِي ... أَرَى الْحَرْبَ لاَ يزْدَادُ إِلاَّ تَمَادِيَا.

وَقَدْ يَنْبُتُ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِ الثَّرَى ... وَتَبْقَى حَزَازَاتُ النُّفُوسِ كَمَا هِيَا.

وَفِيهِ يَقُولُ أَيْضًا :.

أَفِي الْحَقِّ أَمَّا بَحْدَلٌ وَابْنُ بَحْدَلٍ ... فَيَحْيَا وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَيُقْتَلُ.

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ لاَ تَقْتُلُونَهُ ... وَلَمَّا يَكُنْ يَوْمٌ أَغَرُّ مُحَجَّلُ.

وَلَمَّا يَكُنْ لِلْمَشْرَفِيَّةِ فِيكُمُ ... وشُعَاعٌ كَنُورِ الشَّمْسِ حِينَ يرَجَّلُ.

 قَالَ : ثُمَّ مَاتَ مَرْوَانُ فدَعَا عَبْدُ الْمَلِكِ إلى نفسه وَقَامَ ، فَأَجَابَهُ أَهْلُ الشَّامِ ، فَخَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَقَالَ : من لاِبْنِ الزُّبَيْرِ مِنْكُمْ ؟ فَقَالَ الْحَجَّاجُ : أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْكَتَهُ ، ثُمَّ عَادَ فَأَسْكَتَهُ ، فَقَالَ : أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ أَنِّي انْتَزَعْتُ جُبَّتَهُ فَلَبِسْتُهَا ، فَعَقَدَ لَهُ فِي الْجَيْشِ إِلَى مَكَّةَ ، حَتَّى وَرَدَهَا عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَاتَله بِهَا ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لأَهْلِ مَكَّةَ : احْفَظُوا هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَلُوا بِخَيْرٍ أَعِزَّةً مَا لَمْ يَظْهَرُوا عَلَيْهَما ، قَالَ : فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ ظَهَرَ الْحَجَّاجُ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَنَصَبَ عَلَيْهِ الْمَنْجَنِيقَ ، فَكَانَ يَرْمِي بِهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدَاةُ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ مِئَةِ سَنَةٍ لَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ ، وَلَمْ يَفْسُدْ لَهَا بَصَرٌ ، فَقَالَتْ لاِبْنِهَا : يَا عَبْدَ اللهِ ، مَا فَعَلْتَ فِي حَرْبِكَ ؟ قَالَ : بَلَغُوا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : وَضَحِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَ : إِنَّ فِي الْمَوْتِ لَرَاحَةٌ ، فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّ ، لَعَلَّكَ تَتَمَنَّاهُ لِي ، مَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ حَتَّى آتِيَ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْكَ إِمَّا أَنْ تَمْلِكَ فَتَقَرُّ بِذَلِكَ عَيْنِي ، وَإِمَّا أنْ تُقْتَلَ فَأَحْتَسِبُكَ ، قَالَ : فَوَدَّعَهَا ، فَقَالَتْ لَهُ : يَا بُنَيَّ ، إِيَّاكَ أَنْ تُعْطِيَ خَصْلَةً مِنْ دِينِكَ مَخَافَةَ الْقَتْلِ ،  وَخَرَجَ عَنْهَا فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ جَعَلَ مِصْرَاعَيْنِ عَلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ يَتَّقِي أَنْ يُصِيبَهُ الْمَنْجَنِيقُ ، وَأَتَى ابْنُ الزُّبَيْرِ آتٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَنْدَ الْحَجَرِ ، فَقَالَ لَهُ : أَلاَ نَفْتَحُ لَكَ الْكَعْبَةَ فَتَصْعَدُ فِيهَا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : مِنْ كُلِّ شَىءٍ تَحْفَظُ أَخَاكَ إِلاَّ مِنْ نَفْسِهِ ، يَعْنِي : مِنْ أَجَلِهِ ، وَهَلْ لِلْكَعْبَةِ حُرْمَةٌ لَيْسَتْ لِهَذَا الْمَكَانِ ، وَاللَّهِ لَوْ وَجَدُوكُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ لَقَتَلُوكُمْ ، فَقِيلَ لَهُ : أَلاَ تُكَلِّمُهُمْ فِي الصُّلْحِ ؟ فَقَالَ : أَوَحِينُ صُلْحٍ هَذَا ؟ وَاللَّهِ لَوْ وَجَدُوكُمْ فِي جَوْفِهَا لَذَبَحُوكُمْ جَمِيعًا ، ثُمَّ أَنْشَأَ ، يَقُولُ :.

وَلَسْتُ بِمُبْتَاعِ الْحَيَاةِ بِسُبَّةٍ ... وَلاَ مُرْتَقٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَوْتِ سُلَّمَا.

أُنَافِسُ سَهْمًا إِنَّهُ غَيْرُ رابح ... مُلاَقِي الْمَنَايَا أَيَّ صرفٍ تَيَمَّمَا.

 

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى آلِ الزُّبَيْرِ يَعِظُهُمْ ، وَيَقُولُ : لِيَكُنْ أَحَدُكُمْ سَيْفُهُ كَمَا يَكُنْ وَجْهُهُ ، لاَ يُنَكِّسْ سَيْفَهُ فَيَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِيَدِهِ [كأنه امرأة] ، وَاللَّهِ مَا لَقِيتُ زَحْفًا قَطُّ إِلاَّ فِي الرَّعِيلِ الأَوَّلِ ، ومَا أَلِمْتُ جُرْحًا قَطُّ إِلاَّ أَنْ أُلِمَّ الدَّوَاءَ ، قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ نَفَرٌ مِنْ بَابِ بَنِي جُمَحٍ ، [فيهم أسود] فَقَالَ : مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قِيلَ : أَهْلُ حِمْصَ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ وَمَعَهُ سيفان ، فَأَوَّلُ مَنْ لَقِيَهُ الأَسْوَدُ ، فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى أَطَنَّ رِجْلَهُ ، فَقَالَ الأَسْوَدُ : أَخْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : اخْسَأ يَا ابْنَ حَامٍ ، أَسْمَاءُ زَانِيَةٌ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ وَانْصَرَفَ ، فَإِذَا بِقَوْمٍ قد دَخَلُوا مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ ، فَقَالَ : مَنْ هَؤُلاَءِ ، فقِيلَ : أَهْلُ الأَرْدُنِّ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ يَقُولُ :.

لاَ عَهْدَ لِي بِغَارَةٍ مِثْلِ السَّيْلِ ... لاَ يَنجَلَّى غُبَارُهَا حَتَّى اللَّيْلِ

فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ

، فَإِذَا بِقَوْمٍ قَدْ دَخَلُوا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ ، وَهُوُ يَقُولُ :.

لَوْ كَانَ قَرْنِي وَاحِدًا كَفَيْتُهُ.

قَالَ : وَعَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ مِنْ أَعْوَانِهِ مَنْ يَرْمِي عَدُوَّهُ بِالآجُرِّ وَغَيْرِهِ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَأَصَابَتْهُ آجُرَّةٌ فِي مَفْرِقِهِ حَتَّى فَلَقَتْ رَأْسَهُ ، فَوَقَفَ قَائِمًا ، وَهُوَ يَقُولُ :.

وَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا تَقْطُرُ الدِّمَا.

قَالَ : ثُمَّ وَقَعَ ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ مُوَالِيَانِ لَهُ ، وَهُمَا يَقُولاَنِ :.

الْعَبْدُ يَحْمِي رَبَّهُ وَيَحْتَمِي.

قَالَ : ثُمَّ سُيِّرَ إِلَيْهِ فَحُزَّ رَأْسُهُ.

 

وروى مسلم:

 

[ 2545 ] حدثنا عقبة بن مكرم العمي حدثنا يعقوب يعنى بن إسحاق الحضرمي أخبرنا الأسود بن شيبان عن أبي نوفل رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة قال فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خبيب أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله إن كنت ما علمت صواما قواما وصولا للرحم أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله فأرسل إليه فأنزل عن جذعه فألقى في قبور اليهود ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فأبت أن تأتيه فأعاد عليها الرسول لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك قال فأبت وقالت والله لا آتيك حتى تبعث إلى من يسحبنى بقروني قال فقال أروني سبتي فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف حتى دخل عليها فقال كيف رأيتني صنعت بعدو الله قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك بلغني أنك تقول له يا بن ذات النطاقين أنا والله ذات النطاقين أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا أخالك إلا إياه قال فقام عنها ولم يراجعها

 

حديث الأم المكلومة بأمها المقاتل الشرس الشجاع عن نبوءة خرافية هو محض كلام مكذوب على أية حال. ونلاحظ تكفير وتفسيق الفريقين لبعضهما في تنافسهما وصراعهما على الحكم وهو أسلوب القدماء.

 

وروى الفاكهي في أخبار مكة:

 

1675 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي بَزَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بَعْدَمَا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَصُلِبَ عَلَى ثَنِيَّةِ الْمَدَنِيِّينَ، فَقَالَ لِي: " يَا نَافِعُ، إِذَا بَلَغْنَا الثَّنِيَّةَ فَأَتَيْنَا ابْنَ الزُّبَيْرِ فَأَخْبِرْنِي حَتَّى أُسَلِّمَ عَلَيْهِ " قَالَ نَافِعٌ: فَنَعِسْنَا بِأَصْلِ الثَّنِيَّةِ، فَمَا فَزِعْنَا إِلَّا وَبِالْحِمَارِ مِنْ تَحْتِهِ، فَفَتَحْتُ عَيْنَيَّ فَإِذَا بِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَذَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: " سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا أَبَا خُبَيْبٍ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَمَا وَاللهِ لَمَنْ كَبَّرَ عَلَيْكَ يَوْمَ وُلِدْتَ خَيْرٌ مِمَّنْ كَبَّرَ عَلَيْكَ يَوْمَ قُتِلْتَ، وَلَقَدْ كُنْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا، وَلَكِنَّكَ أَنْزَلْتَ الدُّنْيَا حَيْثُ لَمْ يُنْزِلْهَا اللهُ تَعَالَى، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا خُبَيْبٍ، سِرْ بِنَا يَا نَافِعُ "

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

31319- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دَخَلْت أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أَسْمَاءَ قَبْلَ قَتْلِ عَبْدِ اللهِ بِعَشْرِ لَيَالٍ ، وَأَسْمَاءُ وَجِعَةٌ ، فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللهِ : كَيْفَ تَجِدِينَك ، قَالَتْ : وَجِعَةً ، قَالَ : إنَّ فِي الْمَوْتِ لَعَافِيَةً ، قَالَتْ : لَعَلَّكَ تشمتُ بِمَوْتِي فَلِذَلِكَ تَتَمَنَّاهُ ؟ فَلاَ تَفْعَلْ ، فَوَاللهِ مَا أَشْتَهِي أَنْ أَمُوتَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ أَحَد طَرفَيْك ، إمَّا أَنْ تُقْتَلَ فَأَحْتَسِبَك ، وَإِمَّا تَظْهَرَ فَتَقَرُّ عَيْنِي ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْك خِطَّة لاَ تُوَافِقُك ، فَتَقْبَلُهَا كَرَاهَةَ الْمَوْتِ ، قَالَ : وَإِنَّمَا عَنَى ابْنُ الزُّبَيْرِ لَيُقْتَل فَيُحْزِنُهَا ذَلِكَ.

 

31317- حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مَنْصُورٍ بْنِ صَفِيَّةَ ، عَنْ أُمِّهِ ، قَالَتْ : دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ الْمَسْجِدَ ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ مَصْلُوبٌ ، فَقَالُوا لَهُ : هَذِهِ أَسْمَاءُ ، فَأَتَاهَا فَذَكَّرَهَا وَوَعَظَهَا ، وَقَالَ : إنَّ الْجُثَّةُ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ ، وَإِنَّمَا الأَرْوَاحُ عِنْدَ اللهِ ، فَاصْبِرِي وَاحْتَسِبِي ، فَقَالَتْ : مَا يَمْنَعُنِي مِنَ الصَّبْرِ ، وَقَدْ أُهْدِيَ رَأْسُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا إلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ.

 

31318- حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، قَالَ : أَتَيْتُ أَسْمَاءَ بَعْدَ قَتْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ : بَلَغَنِي أَنَّهُمْ صَلَبُوا عَبْدَ اللهِ مُنَكَّسًا وَعَلَّقُوا مَعَهُ الْهِرَّةَ ، وَاللهِ لَوَدِدْت أَنِّي لاَ أَمُوتُ حَتَّى يُدْفَعَ إلَيَّ فَأُغَسِّلَهُ وَأُحَنِّطَهُ وَأُكَفِّنَهُ ، ثُمَّ أَدْفِنَهُ ، فَمَا لَبِثُوا أَنْ جَاءَهُ كِتَابُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنْ يُدْفَعَ إلَى أَهْلِهِ ، قَالَ : فَأُتِيَتْ بِهِ أَسْمَاءَ فَغَسَّلَتْهُ وَحَنَّطَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ ، ثُمَّ دَفَنَتْهُ.

 

31320- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي : أَنَّ الْحَجَّاجَ حِينَ قَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ جَاءَ بِهِ إلَى مِنًى فَصَلَبَهُ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ : انْظُرُوا إلَى هَذَا ! هَذَا شَرِّ الأُمَّةِ ، فَقَالَ : إنِّي رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ جَاءَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ فَذَهَبَ لِيُدْنِيَهَا مِنَ الْجِذْعِ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ ، فَقَالَ لِمَوْلاَهُ : وَيْحَك خُذْ بِلِجَامِهَا فَأَدْنِهَا ، قَالَ : فَرَأَيْته أَدْنَاهَا فَوَقَفَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ يَقُولُ : رَحِمَك اللَّهُ ، إنْ كُنْت لَصَوَّامًا قَوَّامًا ، وَلَقَدْ أَفْلَحَتْ أُمَّةٌ أَنْتَ شَرُّهَا.

 

لم يكن ابن الزبير بنبل أخلاق أبيه على حد علمي، لكنه مع ذلك كان فارسًا مغوارًا شجاعًا قاتل طمعًا في تحقيق المجد لآل الزبير من قريش ولنفسه ولإعادة مشروع الخلافة الإسلامية الأولى بنمطها الأكثر تشددًا المعروفة بالراشدة، ولعدم وجود آلية ديمقراطية لتداول السلطة والانتخابات وتحقيق الشرعية الحقيقية كانت كل تلك المآسي والحروب الوحشية. وكان الأقرب لنهج الديمقراطية حتى انتهاء عصر علي هو الشورى والمبايعة وأخذ رأي الصفوة من القوم المختارين لأسباب ما ثم مبايعة الشعب في يثرب ولو بالإكراه بدرجة ما.

 

من ذكر حروب الزبيريين الرهيبة مع خصومهم كالمختار الثقفي والأمويين وغيرهم

 

روى ابن أبي شيبة:

 

31329- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَتَى مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : ابْنُ أَخِيك مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : صَاحِبُ الْعِرَاقِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، جِئْتُك لأَسْأَلَك عَنْ قَوْمٍ خَلَعُوا الطَّاعَةَ ، وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ ، وَجَبَوا الأَمْوَالَ ، فَقُوتِلُوا فَغُلِبُوا فَدَخَلُوا قَصْرًا فَتَحَصَّنُوا فِيهِ ، ثُمَّ سَأَلُوا الأَمَانَ فَأُعْطُوهُ ، ثُمَّ قُتِلُوا ؟ قَالَ : وَكَمَ الْعِدَّةُ ؟ قَالَ : خَمْسَةُ آلاَفٍ ، قَالَ : فَسَبَّحَ ابْنُ عُمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : عَمْرَكَ اللهِ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ ! لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَتَى مَاشِيَةً لِلزُّبَيْرِ فَذَبَحَ مِنْهَا فِي غَدَاةٍ خَمْسَةَ آلاَفٍ أَكُنْتَ تَرَاهُ مُسْرِفًا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَتَرَاهُ إسْرَافًا فِي بَهَائِمَ لاَ تَدْرِي مَا اللَّهُ ، وَتَسْتَحِلُّهُ مِمَّنْ هَلَّلَ اللَّهَ يَوْمًا وَاحِدًا ؟.

 

وكما قلت قراءة كتب التاريخ عن كثب واطلاع أكثر تكشف الكثير من غدر الزبيرين وغيرهم وخاصة الأمويين والخوارج.

عدم مبالاة الفريقين بالنهي المحمدي عن القتال في مكة والحرم المكي

 

{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)} البقرة

 

روى البخاري:

 

104 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَالَ عَمْرٌو قَالَ أَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ

 

1640 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ فَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَنْحَرْ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

1708 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الْحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ فَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ حَتَّى قَدِمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ فَحَلَقَ وَنَحَرَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَهُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ كَذَلِكَ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


والحرورية وهم الخوارج كانوا سيناصرون ابن الزبير كما ذكرت كتب التاريخ وناصروه في الأول فعلًا وبمجرد معرفتهم برأيه الإيجابي في الخليفة الراحل عثمان انفضوا عنه.

 

3973 - أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ كَانَ فِي الزُّبَيْرِ ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ إِحْدَاهُنَّ فِي عَاتِقِهِ قَالَ إِنْ كُنْتُ لَأُدْخِلُ أَصَابِعِي فِيهَا قَالَ ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ وَوَاحِدَةً يَوْمَ الْيَرْمُوكِ قَالَ عُرْوَةُ وَقَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ حِينَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَا عُرْوَةُ هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ الزُّبَيْرِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَمَا فِيهِ قُلْتُ فِيهِ فَلَّةٌ فُلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ صَدَقْتَ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى عُرْوَةَ قَالَ هِشَامٌ فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ سَيْفُ عُرْوَةَ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ

 

وروى مسلم:

 

[ 1355 ] حدثني إسحاق بن منصور أخبرنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى أخبرني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة يقول ان خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فركب راحلته فخطب فقال إن الله عز وجل حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ولن تحل لأحد بعدي ألا وإنها أحلت لي ساعة من النهار ألا وإنها ساعتي هذه حرام لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعطي يعني الدية وإما أن يقاد أهل القتيل قال فجاء رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال اكتب لي يا رسول الله فقال اكتبوا لأبي شاه فقال رجل من قريش إلا الإذخر فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر

 

وروى أحمد:

 

16377 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ إِلَى مَكَّةَ بَعْثَهُ يَغْزُو ابْنَ الزُّبَيْرِ، أَتَاهُ أَبُو شُرَيْحٍ فَكَلَّمَهُ وَأَخْبَرَهُ بِمَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى نَادِي قَوْمِهِ فَجَلَسَ فِيهِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ، فَحَدَّثَ قَوْمَهُ كَمَا حَدَّثَ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمَّا قَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا هَذَا إِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ عَدَتْ خُزَاعَةُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا خَطِيبًا فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ مِنْ حَرَامِ اللهِ تَعَالَى (1) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، لَمْ تَحْلِلْ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ يَكُونُ بَعْدِي، وَلَمْ تَحْلِلْ لِي إِلَّا هَذِهِ السَّاعَةَ غَضَبًا عَلَى أَهْلِهَا، أَلَا ثُمَّ قَدْ رَجَعَتْ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، فَمَنْ قَالَ لَكُمْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَاتَلَ بِهَا فَقُولُوا: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحْلِلْهَا لَكُمْ، (2) يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ، ارْفَعُوا (3) أَيْدِيَكُمْ عَنِ الْقَتْلِ، فَقَدْ كَثُرَ أَنْ يَقَعَ، لَئِنْ قَتَلْتُمْ قَتِيلًا لَأَدِيَنَّهُ ، فَمَنْ قُتِلَ بَعْدَ مَقَامِي هَذَا فَأَهْلُهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ، إِنْ شَاءُوا فَدَمُ قَاتِلِهِ وَإِنْ شَاءُوا فَعَقْلُهُ "، ثُمَّ وَدَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ الَّذِي قَتَلَتْهُ خُزَاعَةُ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ لِأَبِي شُرَيْحٍ: انْصَرِفْ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا مِنْكَ، إِنَّهَا لَا تَمْنَعُ سَافِكَ دَمٍ، وَلَا خَالِعَ طَاعَةٍ وَلَا مَانِعَ جِزْيَةٍ ، قَالَ: فَقُلْتُ: قَدْ كُنْتُ شَاهِدًا، وَكُنْتَ غَائِبًا فَقَدْ بَلَّغْتُ، وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَلِّغَ شَاهِدُنَا غَائِبَنَا، وَقَدْ بَلَّغْتُكَ فَأَنْتَ وَشَأْنُكَ (4)

 

(1) قوله: "من حرام الله تعالى"، ليست في (ظ12) ، وضرب عليها في (2) في (ظ12) و (ص) : لك.

(3) في (ق) و (م) : وارفعوا.

(4) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل ابن إسحاق: وهو محمد، وقد صرح بالتحديث هنا، فانتفت شبهة تدليسه. وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري.

وأخرجه الطبري في "تفسيره" (2027) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/260، والطبراني في "الكبير" 22/ (485) ، والبيهقي في "الدلائل" 5/83-84 من طرق عن ابن إسحاق، بهذا الإسناد.

وقد سلف نحوه بإسناد صحيح برقم (16373) ، وسيأتي بإسناد صحيح كذلك 6/385.

قال السندي: قوله: "غضباً على أهلها": أي أن الله تعالى قد غضب على أهلها لقبيح أعمالهم من الشرك وغيره، فأحل لي مكة حتى ينتقم منهم على يدي.

قوله: "فقد كثر أن يقع"، أي: فقد كثر وقوعه.

قوله: "فدم قاتله" بالنصب، أي: فليأخذوا دمَ قاتله، أو بالرفع، أي: فدم قاتله لهم.

قوله: ولا مانع خزية، بكسر خاء معجمة، وإعجام راء: ما يُسْتحيا منه، أو من الهوان، أو بفتحها للمرة، أي: من يستحق الخِزْيَ ومَنَعَ نَفْسَه منه فالحَرَمُ لا يعيذُه. قيل: وقد حاد عمرو عن الجواب، وأتى بكلامٍ ظاهره حق، ولكن أراد به الباطل، فإن ابن الزبير لم يرتكب ما يجب عليه فيه شيء، بل هو أولى بالخلافة من يزيد، لأنه صحابي.

 

16373 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ يَعْنِي الْمَقْبُرِيَّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، أَنْ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، إِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ".

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. حجاج: هو ابن محمد المصيصي الأعور، وليث: هو ابن سَعْد.

وأخرجه البخاري (104) و (1832) و (4295) ، ومسلم (1354) ، والترمذي (809) ، والنسائي في "المجتبى" 5/205-206، وفي "الكبرى" (5846) ، والفاكهي في "أخبار مكة" (1493) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4791) ، وفي "شرح معاني الآثار" 2/261، والطبراني في "الكبير" 22/ (484) ، والبيهقي في "الدلائل" 5/82-83 من طرق عن ليث بن سعد، بهذا الإسناد.

وسيأتي 6/285، وبنحوه برقم (16376) و (16377) و6/285.

قال السندي: قوله: لعمرو بن سعيد، وكان أمير المدينة ليزيد بن معاوية.  قوله: يبعث البعوث، بضم الباء: أي الجيوش لقتال ابن الزبير.  قوله: الغد، بالنصب، أي: ثاني يوم الفتح.  قوله: سمعته، أي: القول.  قوله: ووعاه، أي: حفظه.  قوله: وأبصرته، أي: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يضر التفكيك في الضمائر لظهور القرينة، والمقصود المبالغة في تحقيق حفظه ذلك القول، وأَخذه عنه عِياناً.

 

لم تكن توجد لديهم آلية ديمقراطية لتداول السلطة عمومًا، وكان جوهر حياتهم الاستبداد والبداوة، ولم يكونا كشعبي اليونان والرومان، ولا كبعض شعوب أوربا وإسكندناﭬيا الوثنية والمسيحية القديمة التي كان يوجد لديها درجات مختلفة من الديمقراطية والشرعية، وضربوا بعرض الحائط بتعاليم محمد في خطبة فتح مكة وبتعاليم قرآنهم كتابهم المقدس المزعوم بعدم الاقتتال بين المسلمين ولا الاقتتال داخل مكة، وتسببوا كما عرضت في باب (حادثة هدم الكعبة) في احتراقها وتهدمها، وقُتِل عبد الله بن الزبير عند الكعبة محاربًا الجيش الشامي الأموي ومحاربين هم إياه وجنوده.

 

تحريق في عصر ابن الزبير

 

وقد وصل الأمر ببعضهم في الزمن القديم إلى تحريق بيوت بعضهم البعض لحرق من فيها، روى أحمد والبخاري ومسلم، واللفظ من أحمد وكلهم واحد تقريبًا:

 

20407 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكَرَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ وَهُوَ فِي نَفْسِي أَفْضَلُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكَرَةَ، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ غَيْرُ أَبِي: عَنْ يَحْيَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " أُفَضِّلُ فِي نَفْسِي حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ"، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ بِمِنًى، فَقَالَ: " أَلَا تَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: " أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ ؟ " قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: " أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " أَلَيْسَ بِالْبَلْدَةِ ؟ " قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ ، وَأَبْشَارَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ‍ " قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: " اللهُمَّ اشْهَدْ، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ " فَكَانَ كَذَلِكَ وَقَالَ: " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ "،

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ حَرْقِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ: أَشْرَفُوا عَلَى أَبِي بَكَرَةَ، فَقَالُوا: هَذَا أَبُو بَكَرَةَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَحَدَّثَتْنِي أُمِّي، أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: " لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ مَا بَهَشْتُ إِلَيْهِمْ بِقَصَبَةٍ".

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. قرة: هو ابن خاِلد السَّدوسي.

وأخرجه البيهقي في "السنن" 8/19-20 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري في "الصحيح" (7078) ، وفي "خلق أفعال العباد" (397) ، ومسلم (1679) (31) ، وابن ماجه (233) ، وابن أبي عاصم في "الديات" ص 24، والبزار في "مسنده" (3617) من طريق يحيى بن سعيد القطان، به. وبعضهم اختصره، ولم تذكر حادثة تحريق ابن الحضرمي إلا عند البخاري والبزار.

وأخرجه الطيالسي (859) ، ومن طريقه أبو عوانة في الحدود كما في "إتحاف المهرة" 5/ورقة 51، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 1/41 من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب، كلاهما عن قرة بن خالد، به.

واقتصر الطيالسي على قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا ترجعوا بعدي كفاراً"، واقتصر بن

عبد البر على قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مُبَلِّغ أوعى من سامع".  وأخرجه إبراهيم بن طهمان في "مشيخته" (115) ، والطبراني في "الصغير" (427) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" 8/246 من طريق أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه. واقتصروا على قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" زاد ابن طهمان وحده: "ليبلغ الشاهد الغائب". ووقع الإسناد عنده: عن بعض بني أبي بكرة، عن أبي بكرة. لم يصرح باسم عبد الرحمن.

وانظر ما سلف برقم (20386) .

 

ابن الحضرمي المذكور في القصة: هو عبد الله بن عمرو بن الحضرمي.

ذكر الطبري في حوادث سنة ثمان وثلاثين 5/110-112 عن عمر بن شبة أن عبد الله بن عباس خرج من البصرة وكان عامله لعلي، واستخلف زياد ابن سُمَيَّة على البصرة، فأرسل معاوية عبد الله بن عمرو بن الحضرمي ليأخذ له البصرة، فنزل في بني تميم وانضمت إليه العثمانية، فكتب زياد إلى علي يستنجده، فأرسل إليه أيمن بن ضبيعة المجاشعي، فقُتِلَ غيلةً، فبعث علي بعده جارية بن قدامة، فحصر ابن الحضرمي في الدار الذي نزل فيها، ثم أحرق الدار عليه وعلى من معه، وكانوا سبعين رجلاً أو أربعين.

وجارية بن قدامة: هو التميمي السعدي، وهو القائل: اشرفوا على أبي بكرة. وأم عبد الرحمن بن أبي بكرة: هي هالة بنت غليظ العجلية، وسماها ابن سعد: هولة.

 

وقوله: قال أشرفوا على أبي بكرة... قال العيني: جواب قوله: فلما كان ... وذلك أن جارية لما أحرق ابن الحضرمي أمر جيشه أن يُشرفوا على أبي بكرة هل هو على الاستسلام والانقياد أم لا، فقال له جيشه: هذَا أبو بكرة يراك وما صنعت بابن الحضرمي وما أنكر عليك بكلام ولا بسلاح، فلما سمع أبو بكرة ذلك وهو في غرفة له، قال: لو دخلوا علي ما بَهَشْتُ إليهم بقصبة...

وقوله: "وأبشاركم" قال السندي: كان المراد بالأعراض: البواطن، وبالأبشار: الظواهر.

وقوله: "ما بهشت"، قال في "لسان العرب": بهش إليه بيده يَبْهَشُ بَهْشَاً، وبهشه بها: تَناولَتْه، نالَتْه أو قَصُرَتْ عنه. وبَهَشَ القوم بعضهم إلى بعض، يَبْهَشُون بَهْشاً، وهو من أدنى القتال.

ويعني أبو بكرة بقوله هذا: لو دخلوا عليَّ داري ما رفعت عليهم قصبة، لأني لا أرى قتال المسلمين، فكيف أن أقاتلهم بسلاح.

 

وصية محمد في حجة الوداع متواترة ومتكررة بأسانيد عديدة كثيرة جدًّا في مسند أحمد عن كثير من أصحاب محمد ولم أوردها كلها هنا من مسودة الدراسة الأولى منعًا للتكرار والإملال، لكن تأويل أبي بكَرَة لها على أنه يعني السلبية وعدم منع الجرائم ضد الإنسانية كحرق البشر وعدم الدفاع عن النفس هو تفكير سلبي واتخاذ لتعاليم عدم الاقتتال الداخلي كستار للسلبية وعدم القيام بخطوة إيجابية لمنع العدوان المتبادل والاقتتال والانتهاكات ضد الإنسانية.

 

إدانة صحابة للحرب بين الأمويين وابن الزبير

 

وبعضهم أدانوا صراعات القرشيين على الحكم كصراع عبد الله ومصعب ابني الزبير بن العوام مع عبد الملك بن مروان والأمويين، روى البخاري:

 

4665 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فَغَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ أَتُرِيدُ أَنْ تُقَاتِلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَتُحِلَّ حَرَمَ اللَّهِ فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَبَنِي أُمَيَّةَ مُحِلِّينَ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُحِلُّهُ أَبَدًا قَالَ قَالَ النَّاسُ بَايِعْ لِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقُلْتُ وَأَيْنَ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنْهُ أَمَّا أَبُوهُ فَحَوَارِيُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الزُّبَيْرَ وَأَمَّا جَدُّهُ فَصَاحِبُ الْغَارِ يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ وَأُمُّهُ فَذَاتُ النِّطَاقِ يُرِيدُ أَسْمَاءَ وَأَمَّا خَالَتُهُ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ يُرِيدُ عَائِشَةَ وَأَمَّا عَمَّتُهُ فَزَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ خَدِيجَةَ وَأَمَّا عَمَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَدَّتُهُ يُرِيدُ صَفِيَّةَ ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الْإِسْلَامِ قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ وَاللَّهِ إِنْ وَصَلُونِي وَصَلُونِي مِنْ قَرِيبٍ وَإِنْ رَبُّونِي رَبُّونِي أَكْفَاءٌ كِرَامٌ فَآثَرَ التُّوَيْتَاتِ وَالْأُسَامَاتِ وَالْحُمَيْدَاتِ يُرِيدُ أَبْطُنًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ بَنِي تُوَيْتٍ وَبَنِي أُسَامَةَ وَبَنِي أَسَدٍ إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَاصِ بَرَزَ يَمْشِي الْقُدَمِيَّةَ يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وَإِنَّهُ لَوَّى ذَنَبَهُ يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ

 

4666 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَلَا تَعْجَبُونَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ قَامَ فِي أَمْرِهِ هَذَا فَقُلْتُ لَأُحَاسِبَنَّ نَفْسِي لَهُ مَا حَاسَبْتُهَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ وَلَهُمَا كَانَا أَوْلَى بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْهُ وَقُلْتُ ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ أَخِي خَدِيجَةَ وَابْنُ أُخْتِ عَائِشَةَ فَإِذَا هُوَ يَتَعَلَّى عَنِّي وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ فَقُلْتُ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَعْرِضُ هَذَا مِنْ نَفْسِي فَيَدَعُهُ وَمَا أُرَاهُ يُرِيدُ خَيْرًا وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَأَنْ يَرُبَّنِي بَنُو عَمِّي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي غَيْرُهُمْ

 

قال ابن حجر في فتح الباري في شرح صحيح البخاري:

 

قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي جَمِيعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ إِلَّا الطَّرِيقَ الْأَخِيرَ وَفِي شُيُوخِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَلَكِنْ حَيْثُ يُطْلَقُ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجُعْفِيُّ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَإِكْثَارِهِ عَنْهُ وَحَبَّانُ بِفَتْحِ أَوله ثمَّ الْمُوَحدَة الثَّقِيلَة هُوَ بن هِلَالٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ قَوْلُهُ حِينَ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَين بن الزبير أَي بِسَبَب الْبيعَة وَذَلِكَ أَن بن الزُّبَيْرِ حِينَ مَاتَ مُعَاوِيَةُ امْتَنَعَ مِنَ الْبَيْعَةِ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أغرى يزِيد بن مُعَاوِيَة مُسلم بن عقبَة بِالْمَدِينَةِ فَكَانَتْ وَقْعَةُ الْحَرَّةِ ثُمَّ تَوَجَّهَ الْجَيْشُ إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ أَمِيرُهُمْ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ وَقَامَ بِأَمْر الْجَيْش الشَّامي حُصَيْن بن نمير فحصر بن الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ وَرَمَوُا الْكَعْبَةَ بِالْمَنْجَنِيقِ حَتَّى احْتَرَقَتْ فَفَجَأَهُمُ الْخَبَرُ بِمَوْتِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَرَجَعُوا إِلَى الشَّام وَقَامَ بن الزُّبَيْرِ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ فَبُويِعَ بِالْخِلَافَةِ وَأَطَاعَهُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ثُمَّ غَلَبَ مَرْوَانُ عَلَى الشَّامِ وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ بْنُ قيس الْأَمِير من قبل بن الزُّبَيْرِ بِمَرْجِ رَاهِطٍ وَمَضَى مَرْوَانُ إِلَى مِصْرَ وَغَلَبَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَكَمَّلَ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ ثُمَّ مَاتَ مَرْوَانُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَقَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُهُ مَقَامَهُ وَغَلَبَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَلَى الْكُوفَةِ فَفَرَّ مِنْهُ من كَانَ من قبل بن الزُّبَيْرِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ مُقِيمَيْنِ بِمَكَّةَ مُنْذُ قُتِلَ الْحُسَيْنُ فَدَعَاهُمَا بن الزبير إلى البيعة لَهُ فَامْتَنَعَا وَقَالَا لَا نُبَايِعُ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى خَلِيفَةٍ وَتَبِعَهُمَا جَمَاعَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَشدد عَلَيْهِم بن الزُّبَيْرِ وَحَصَرَهُمْ فَبَلَغَ الْمُخْتَارَ فَجَهَّزَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا فأخرجوهما واستأذنوهما فِي قتال بن الزُّبَيْرِ فَامْتَنَعَا وَخَرَجَا إِلَى الطَّائِفِ فَأَقَامَا بِهَا حَتَّى مَاتَ بن عَبَّاس سنة ثَمَان وَسِتِّينَ ورحل بن الْحَنَفِيَّةِ بَعْدَهُ إِلَى جِهَةِ رَضْوَى جَبَلِ بِيَنْبُعَ فَأَقَامَ هُنَاكَ ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ الشَّامِ فَتَوَجَّهَ إِلَى نَحْوِ أَيْلَةَ فَمَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلَاثٍ أَوْ أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَذَلِكَ عقب قتل بن الزُّبَيْرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ عَاشَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانِينَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَزَعَمَتِ الْكَيْسَانِيَّةُ أَنَّهُ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ وَأَنَّهُ الْمَهْدِيُّ وَأَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَمْلِكَ الْأَرْضَ فِي خُرَافَاتٍ لَهُمْ كَثِيرَةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا وَإِنَّمَا لَخَّصْتُ مَا ذكرته من طَبَقَات بن سَعْدٍ وَتَارِيخِ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ بِقَوْلِ بن أبي مليكَة حِين وَقع بَينه وَبَين بن الزُّبَيْرِ وَلِقَوْلِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى فَغَدَوْتُ عَلَى بن عَبَّاس فَقلت أَتُرِيدُ أَن تقَاتل بن الزبير وَقَول بن عَبَّاسٍ قَالَ النَّاسُ بَايِعْ لِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقُلْتُ وَأَيْنَ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنْهُ أَيْ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ لِمَا لَهُ مِنَ الْمَنَاقِبِ الْمَذْكُورَةِ وَلَكِنِ أمتنع بن عَبَّاسٍ مِنَ الْمُبَايَعَةِ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ بن عَبَّاس وبن الْحَنَفِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ سَكَنَا مَكَّةَ وَطَلَبَ مِنْهُمَا بن الزُّبَيْرِ الْبَيْعَةَ فَأَبَيَا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ فَضَيَّقَ عَلَيْهِمَا فَبَعَثَ رَسُولًا إِلَى الْعِرَاقِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا جَيْشٌ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَوَجَدُوهُمَا مَحْصُورَيْنِ وَقَدْ أُحْضِرَ الْحَطَبُ فَجُعِلَ عَلَى الْبَابِ يخوفهما بذلك فأخرجوهما إِلَى الطَّائِف وَذكر بن سعد أَن هَذِه الْقِصَّة وَقعت بَين بن الزبير وبن عَبَّاسٍ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ قَوْلُهُ وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ أَيْ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَقَوْلُهُ وجدته صَفِيَّة أَي بنت عبد الْمطلب وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا عَمَّتُهُ فَزَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ خَدِيجَةَ أَطْلَقَ عَلَيْهَا عَمَّتَهُ تَجَوُّزًا وَإِنَّمَا هِيَ عَمَّةُ أَبِيه لِأَنَّهَا خَدِيجَة بنت خويلد أَي بن أَسد وَالزُّبَيْر هُوَ بن الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَكَذَا تَجَوَّزَ فِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة حَيْثُ قَالَ بن أبي بكر وَإِنَّمَا هُوَ بن بنته وَحَيْثُ قَالَ بن أخي خَدِيجَة وَإِنَّمَا هُوَ بن بن أَخِيهَا الْعَوَّامِ قَوْلُهُ فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ إِسْنَادَهُ بِالنَّصْبِ أَيِ اذْكُرْ إِسْنَادَهُ أَوْ بِالرَّفْعِ أَيْ مَا إِسْنَادُهُ فَقَالَ حَدَّثَنَا فَشَغَلَهُ إِنْسَانٌ وَلَمْ يَقُلِ بن جُرَيْجٍ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ صَرَّحَ لَهُ بِالتَّحْدِيثِ لَكِن لما لم يقل بن جُرَيْجٍ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يُدْخِلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً وَاحْتَمَلَ عَدَمَ الْوَاسِطَةِ وَلِذَلِكَ اسْتَظْهَرَ الْبُخَارِيُّ بِإِخْرَاجِ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن جُرَيْجٍ ثُمَّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شَيْخِهِ قَوْله فِي الطَّرِيق الثَّانِيَة حجاج هُوَ بن مُحَمَّد المصِّيصِي قَوْله قَالَ بن أَبِي مُلَيْكَةَ وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ كَذَا أَعَادَ الضَّمِيرَ بِالتَّثْنِيَةِ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ اخْتِصَارًا

وَمرَاده بن عَبَّاس وبن الزُّبَيْرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى حَيْثُ قَالَ قَالَ بن عَبَّاس حِين وَقع بَينه وَبَين بن الزُّبَيْرِ قَوْلُهُ فَتَحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ أَيْ مِنَ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ قَوْلُهُ كَتَبَ أَيْ قَدَّرَ قَوْلُهُ مُحِلِّينَ أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُبِيحُونَ الْقِتَال فِي الْحرم وَإِنَّمَا نسب بن الزُّبَيْرِ إِلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ هُمُ الَّذِينَ ابْتَدَءُوهُ بِالْقِتَالِ وَحَصَرُوهُ وَإِنَّمَا بَدَأَ مِنْهُ أَوَّلًا دَفْعُهُمْ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُمُ اللَّهُ عَنْهُ حَصَرَ بَنِي هَاشِمٍ لِيُبَايِعُوهُ فَشَرَعَ فِيمَا يُؤْذِنُ بِإِبَاحَتِهِ الْقِتَالَ فِي الْحرم وَكَانَ بعض النَّاس يُسمى بن الزُّبَيْرِ الْمُحِلُّ لِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ يَتَغَزَّلُ فِي أُخْتِهِ رَمْلَةَ أَلَا مَنْ لِقَلْبِ مَعْنَى غَزَلٍ بِحُبِّ الْمُحِلَّةِ أُخْتِ الْمُحِلّ وَقَوْلُهُ لَا أُحِلُّهُ أَبَدًا أَيْ لَا أُبِيحُ الْقِتَالَ فِيهِ وَهَذَا مَذْهَب بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ فِي الْحَرَمِ وَلَوْ قُوتِلَ فِيهِ قَوْلُهُ قَالَ قَالَ النَّاسُ الْقَائِلُ هُوَ بن عَبَّاس وناقل ذَلِك عَنهُ بن أَبِي مُلَيْكَةَ فَهُوَ مُتَّصِلٌ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ مَنْ كَانَ من جِهَة بن الزُّبَيْرِ وَقَوْلُهُ بَايِعْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَقَوْلُهُ وَأَيْنَ بِهَذَا الْأَمْرِ أَيِ الْخِلَافَةِ أَيْ لَيْسَتْ بَعِيدَةً عَنْهُ لِمَا لَهُ مِنَ الشَّرَفِ بِأَسْلَافِهِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ ثُمَّ صِفَتِهِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ عَفِيفٌ فِي الْإِسْلَامِ قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ وَفِي رِوَايَةِ بن قُتَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَوَانَةَ وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْأَعْمَش قَالَ قَالَ بن عَبَّاسٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ بَايِعْ لِابْنِ الزُّبَيْرِ أَيْن الْمَذْهَب عَن بن الزُّبَيْرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَة بن أَبِي بَكْرٍ فِي تَفْسِيرِ الْحُجُرَاتِ قَوْلُهُ وَاللَّهِ إِنْ وَصَلُونِي وَصَلُونِي مِنْ قَرِيبٍ أَيْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ قَوْلُهُ وَإِنْ رَبُّونِي بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ مِنَ التَّرْبِيَةِ قَوْلُهُ رَبُّونِي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ رَبَّنِي بِالْإِفْرَادِ وَقَوْلُهُ أَكْفَاءٌ أَيْ أَمْثَالٌ وَاحِدُهَا كُفْءٌ وَقَوْلُهُ كِرَامٌ أَيْ فِي أحسابهم وَظَاهر هَذَا أَن مُرَاد بن عَبَّاس بالمذكورين بَنو أَسد رَهْط بن الزُّبَيْرِ وَكَلَامُ أَبِي مِخْنَفٍ الْأَخْبَارِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مِنْ طَرِيق أُخْرَى أَن بن عَبَّاسٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِالطَّائِفِ جَمَعَ بَنِيهِ فَقَالَ يَا بني إِن بن الزُّبَيْرِ لَمَّا خَرَجَ بِمَكَّةَ شَدَدْتُ أَزْرَهُ وَدَعَوْتُ النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِهِ وَتَرَكْتُ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ الَّذِينَ إِنْ قَبِلُونَا قَبِلُونَا أَكْفَاءً وَإِنْ رَبُّونَا رَبُّونَا كِرَامًا فَلَمَّا أَصَابَ مَا أَصَابَ جَفَانِي وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَ لَا بُد لِأَن يربنى بَنو عمي أحب إِلَى من أَن يربنِي غَيرهم فَإِن بني عَمه هُمْ بَنُو أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ لأَنهم من بني عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف فعبد الْمطلب جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمطلب بن عَمِّ أُمَيَّةَ جَدِّ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَكَانَ هَاشِمٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ شَقِيقَيْنِ قَالَ الشَّاعِرُ عَبْدُ شَمْسٍ كَانَ يَتْلُو هَاشِمًا وهما بعد لأم ولأب وأصرح مِنْ ذَلِكَ مَا فِي خَبَرِ أَبِي مِخْنَفٍ فَإِن فِي آخِره أَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لِبَنِيهِ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَالْحَقُوا بِبَنِي عَمِّكُمْ بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ رَأَيْتُ بَيَانَ ذَلِكَ وَاضحا فِيمَا أخرجه بن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الْإِسْلَامِ قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ وَتَرَكْتُ بَنِي عَمِّي إِنْ وَصَلُونِي وَصَلُونِي عَنْ قَرِيبٍ أَيْ أَذْعَنْتُ لَهُ وَتَرَكْتُ بَنِي عَمِّي فَآثَرَ عَلَى غَيْرِي وَبِهَذَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ بن قُتَيْبَة الْمَذْكُورَة أَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لِابْنِهِ عَلِيٍّ الْحَقْ بِابْنِ عَمِّكِ فَإِنَّ أَنْفَكَ مِنْكَ وَإِنْ كَانَ أَجْدَعٌ فَلَحِقَ عَلِيٌّ بِعَبْدِ الْمَلِكِ فَكَانَ آثَرَ النَّاسِ عِنْدَهُ قَوْلُهُ فَآثَرَ عَلِيًّ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مِنَ الْأَثَرَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَيْنَ بِتَحْتَانِيَّةِ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ وَهُوَ تَصْحِيف وَفِي رِوَايَة بن قُتَيْبَةَ الْمَذْكُورَةِ فَشَدَدْتُ عَلَى عَضُدِهِ فَآثَرَ عَلِيًّ فَلَمْ أَرْضَ بِالْهَوَانِ قَوْلُهُ التُّوَيْتَاتِ وَالْأُسَامَاتِ وَالْحُمَيْدَاتِ يُرِيد أبطنا مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَمَّا التُّوَيْتَاتُ فَنِسْبَةٌ إِلَى بَنِي تُوَيْتِ بْنِ أَسَدٍ وَيُقَالُ تُوَيْتُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ وَأَمَّا الْأُسَامَاتُ فَنِسْبَةٌ إِلَى بَنِي أُسَامَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَأَمَّا الْحُمَيْدَاتُ فَنِسْبَةٌ إِلَى بَنِي حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى قَالَ الْفَاكِهِيُّ حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الضَّحَّاكِ فِي آخَرِينَ أَنَّ زُهَيْرَ بْنَ الْحَارِثِ دُفِنَ فِي الْحِجْرِ قَالَ وَحَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ قَالَ كَانَ حُمَيْدُ بْنُ زُهَيْرٍ أَوَّلَ مَنْ بَنَى بِمَكَّةَ بَيْتًا مُرَبَّعًا وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَكْرَهُ ذَلِكَ لِمُضَاهَاةِ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا بَنَى حُمَيْدٌ بَيْتَهُ قَالَ قَائِلِهِمْ الْيَوْمُ يُبْنَى لِحُمَيْدٍ بَيْتَهُ إِمَّا حَيَاتَهُ وَإِمَّا مَوْتَهُ فَلَمَّا لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ تَابَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأَبْطُنُ مَعَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسد جد بن الزبير قَالَ الْأَزْرَقِيّ كَانَ بن الزُّبَيْرِ إِذَا دَعَا النَّاسَ فِي الْإِذْنِ بَدَأَ بِبَنِي أَسَدٍ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ شمس وَغَيرهم فَهَذَا معنى قَول بن عَبَّاسٍ فَآثَرَ عَلَى التُّوَيْتَاتِ إِلَخْ قَالَ فَلَمَّا وَلِيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَدَّمَ بَنِي عبد شمس ثمَّ بني هَاشم وَبني الْمطلب وَبَنِي نَوْفَلٍ ثُمَّ أَعْطَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ قَبْلَ بَنِي أَسَدٍ وَقَالَ لَأُقَدِّمَنَّ عَلَيْهِمْ أَبْعَدَ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ مُبَالغَة مِنْهُ فِي مُخَالفَة بن الزبير وَجمع بن عَبَّاسٍ الْبُطُونَ الْمَذْكُورَةَ جَمْعَ الْقِلَّةِ تَحْقِيرًا لَهُمْ قَوْلُهُ يُرِيدُ أَبْطُنًا مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ تُوَيْتٍ كَذَا وَقَعَ وَصَوَابُهُ يُرِيدُ أَبْطُنًا مِنْ بَنِي تُوَيْتِ بْنِ أَسَدٍ إِلَخْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ عِيَاضٌ قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ عَلَى الصَّوَابِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ الْمَذْكُورَةِ أَفْخَاذًا صِغَارًا مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَهَذَا صَوَابٌ قَوْلُهُ أَنَّ بن أبي الْعَاصِ يَعْنِي عبد الْملك بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَوْلُهُ بَرَزَ أَيْ ظَهَرَ قَوْلُهُ يَمْشِي الْقُدَمِيَّةَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَقَدْ تُضَمُّ أَيْضًا وَقَدْ تُسَكَّنُ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهَا التَّبَخْتُرُ وَهُوَ مَثَلُ يُرِيدُ أَنه برز يطْلب معالى الْأُمُور قَالَ بن الْأَثِيرِ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ الْقُدَمِيَّةُ وَهِيَ التَّقَدُّمَةُ فِي الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ وَالَّذِي فِي كُتُبِ الْغَرِيبِ الْيَقْدَمِيَّةُ بِزِيَادَةِ تَحْتَانِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ وَمَعْنَاهَا التَّقَدُّمَةُ فِي الشَّرَفِ وَقِيلَ التَّقَدُّمُ بِالْهِمَّةِ وَالْفِعْلِ قُلْتُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ مِثْلُ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيح قَوْله وَأَنه لوى ذَنبه يَعْنِي بن الزُّبَيْرِ لَوَّى بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبِتَخْفِيفِهَا أَيْ ثَنَاهُ وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ تَأَخُّرِهِ وَتَخَلُّفِهِ عَنْ مَعَالِي الْأُمُورِ وَقِيلَ كَنَّى بِهِ عَنِ الْجُبْنِ وَإِيثَارِ الدَّعَةِ كَمَا تَفْعَلُ السِّبَاعُ إِذَا أَرَادَتِ النَّوْمَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَفِي مِثْلِهِ قَالَ الشَّاعِرُ مَشَى بن الزُّبَيْرِ الْقَهْقَرَى وَتَقَدَّمَتْ أُمَيَّةُ حَتَّى أَحْرَزُوا الْقَصَبَاتِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ وَقَفَ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ وَلم يتَأَخَّر وَلَا وضع الْأَشْيَاء موَاضعهَا فأدنى الناصح وأقصى الْكَاشِح وَقَالَ بن التِّينِ مَعْنَى لَوَّى ذَنَبَهُ لَمْ يَتِمُّ لَهُ مَا أَرَادَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ الْمَذْكُورَةِ وَأَن بن الزُّبَيْرِ يَمْشِي الْقَهْقَرَى وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ يَمْشِي الْقُدَمِيَّةَ وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ بن عَبَّاس فَإِن عبد الْملك لم يزل فِي تَقَدُّمِ مِنْ أَمْرَهُ إِلَى أَنِ اسْتَنْقَذَ الْعرَاق من بن الزبير وَقتل أَخَاهُ مصعبا ثمَّ جهز العساكر إِلَى بن الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ فَكَانَ مِنَ الْأَمْرِ مَا كَانَ وَلم يزل أَمر بن الزُّبَيْرِ فِي تَأَخُّرِ إِلَى أَنْ قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ

 

[4666] عَنْ عمر بن سعيد أَي بن أَبِي حُسَيْنِ الْمَكِّيِّ وَقَوْلُهُ لَأُحَاسِبَنَّ نَفْسِي أَيْ لَأُنَاقِشَنَّهَا فِي مَعُونَتِهِ وَنُصْحِهِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ لَأَذْكُرَنَّ مِنْ مَنَاقِبِهِ مَا لَمْ أذكر من مناقبهما وَإِنَّمَا صنع بن عَبَّاسٍ ذَلِكَ لَاشْتَرَاكِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِخِلَاف بن الزُّبَيْرِ فَمَا كَانَتْ مَنَاقِبُهُ فِي الشُّهْرَةِ كَمَنَاقِبِهِمَا فأظهر ذَلِك بن عَبَّاسٍ وَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ إِنْصَافًا مِنْهُ لَهُ فَلَمَّا لَمْ يُنْصِفْهُ هُوَ رَجَعَ عَنْهُ قَوْلُهُ فَإِذَا هُوَ يَتَعَلَّى عَنِّي أَيْ يَتَرَفَّعُ عَلَيَّ مُتَنَحِّيًا عَنِّي قَوْلُهُ وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ أَيْ لَا يُرِيدُ أَنْ أَكُونَ مِنْ خَاصَّتِهِ وَقَوْلُهُ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَعْرِضُ هَذَا مِنْ نَفْسِي أَيْ أَبْدَؤُهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ وَلَا يَرْضَى مِنِّي بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَمَا أَرَاهُ يُرِيدُ خَيْرًا أَيْ لَا يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ بِي خَيْرًا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَإِنَّمَا أَرَاهُ يُرِيدُ خَيْرًا وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَيُوَضِّحُهُ مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ لَأَنْ يُرَبِّنِي أَيْ يَكُونُ عَلَيَّ رَبًّا أَيْ أَمِيرًا أَوْ رَبَّهُ بِمَعْنَى رَبَّاهُ وَقَامَ بِأَمْرِهِ وَمَلَكَ تَدْبِيرِهِ قَالَ التَّيْمِيُّ مَعْنَاهُ لَأَنْ أَكُونَ فِي طَاعَةِ بَنِي أُمَيَّةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ فِي طَاعَةِ بَنِي أَسَدٍ لِأَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ أَقْرَبُ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ كَمَا تقدم وَالله أعلم

 

وروى أحمد:

 

19805 - حدثنا حسن بن موسى، حدثنا سكين بن عبد العزيز، عن سيار بن سلامة أبي المنهال الرياحي قال: دخلت مع أبي على أبي برزة الأسلمي وإن في أذني يومئذ لقرطين . قال: وإني لغلام . قال: فقال أبو برزة: إني أحمد الله أني أصبحت لائما لهذا الحي من قريش فلان هاهنا يقاتل على الدنيا، وفلان هاهنا يقاتل على الدنيا، يعني عبد الملك بن مروان، قال: حتى ذكر ابن الأزرق قال: ثم قال: إن أحب الناس إلي لهذه العصابة الملبدة الخميصة بطونهم من أموال المسلمين، والخفيفة ظهورهم من دمائهم . قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأمراء من قريش . الأمراء من قريش . الأمراء من قريش لي عليهم حق، ولهم عليكم حق ما فعلوا ثلاثا: ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"

 

إسناده قوي، سكين بن عبد العزيز صدوق لا بأس به. وانظر (19777) و19782 و19802. وهو في "مسند" الطيالسي (926) مختصر بلفظ: "الأئمة من قريش ما عملوا بثلاث" ولم يذكرها. وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 4/160، والبزار في "مسنده" (3857) من طريق عارم محمد بن الفضل، وأبو يعلى (3645) من طريق إبراهيم بن الحجاج السامي، كلاهما عن سكين بن عبد العزيز. ورواية البخاري مختصرة: "الأمراء من قريش" وقال بإثره: وروى عوف وغيره عن سيار، لم يرفعوه. وجاءت رواية أبي يعلى ضمن قصة.

قوله: "لائما" قال السندي: اسم فاعل من اللوم، أي: ألومهم على ما أحدثوا من الشرور. "الملبدة" قال: بكسر الباء، اسم فاعل من اللبد، والمراد: أنهم لصقوا بالأرض وأخملوا أنفسهم. "الخميصة بطونهم من أموال المسلمين" أي: الفارغة، وهي كناية عن عدم أكل أموال المسلمين بالباطل. "والخفيفة ظهورهم من دمائهم" كناية عن اجتنابهم قتل المسلمين في غير حله.

 

وفي هذا الحديث إعطاء حق إلهي للقرشيين للحكم كذلك وهو تشريع فاسد، للاستئثار بالسلطة، لكنه اشترط التزامهم بالعدل والأمانة وهو ما لم يفعلوه، وذكر الصحابي في الحديث الخوارج وقائدهم نافع بن الأزرق وما أثاروه من عنف وشرور، كما في الأعلام لخير الدين الزركلي:

 

ابن الأزرق

( 000 - 65 هـ = 000 - 685 م)

نافع بن الازرق بن قيس الحنفي، البكري الوائلي، الحروري، أبو راشد: رأس الازارقة، وإليه نسبتهم. كان أمير قومه وفقيههم. من أهل البصرة. صحب في أول أمره عبد الله بن عباس.

وله (أسئلة - ط) رواها عنه، قال الذهبي: مجموعة في (جزء) أخرج الطبراني بعضها في مسند ابن عباس من المعجم الكبير. وكان هو وأصحاب له من أنصار الثورة على (عثمان) ووالوا عليا، إلى أن كانت قضية (التحكيم) بين علي ومعاوية، فاجتمعوا في (حروراء) وهى قرية من ضواحي الكوفة، ونادوا بالخروج على علي، وعرفوا لذلك، هم ومن تبع رأيهم، بالخوارج وكان نافع (صاحب الترجمة) يذهب إلى سوق الاهواز، ويعترض الناس بما يحير العقل (كما يقول الذهبي) ولما ولي عبيد الله بن زياد إمارة البصرة (سنة 55 هـ في عهد معاوية، اشتد على (الحروريين) وقتل (سنة 61) زعيمهم أبا بلال: مرداس بن حذير (انظر ترجمته) وعلموا بثورة عبد الله بن الزبير على الأمويين (بمكة) فتوجهوا إليه، مع نافع. وقاتلوا عسكر الشام في جيش ابن الزبير إلى أن مات يزيد بن معاوية (سنة 64) وانصرف الشاميون، وبويع ابن الزبير بالخلافة. وأراد نافع وأصحابه أن يعلموا رأى ابن الزبير في عثمان، فقال له خطيبهم (عبيدة بن هلال اليشكرى) بعد أن حمد الله وذكر بعثة نبيه صلى الله عليه وسلم وأثنى على سيرة أبى بكر وعمر: (. واستخلف الناس عثمان، فآثر القربى، ورفع الدرة ووضع السوط، ومزق الكتاب، وضرب منكر الجور، وآوى طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضرب السابقين بالفضل وحرمهم وأخذ الفئ فقسمه في فساق قريش ومجان العرب، فسارت إليه طائفة، فقتلوه، فنحن لهم أولياء ومن ابن عفان وأوليائه برآء، فما تقول أنت يا ابن الزبير ؟) فقال: (قد فهمت الذى ذكرت به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو فوق ما ذكرت وفوق ما وصفت، وفهمت ما ذكرت به أبا بكر وعمر، وقد وفقت وأصبت، وفهمت الذى ذكرت به عثمان، وإنى لا أعلم مكان أحد من خلق الله اليوم أعلم بابن عفان وأمره منى، كنت معه حيث نقم عليه، واستعتبوه فلم يدع شيئا إلا أعتبهم، ثم رجعوا إليه بكتاب له يزعمون أنه كتبه يأمر فيه بقتلهم، فقال لهم: ما كتبته، فإن شئتم فهاتوا بينتكم، فإن لم تكن حلفت لكم، فوالله ما جاؤوه ببينة ولا استحلفوه، ووثبوا عليه فقتلوه، وقد سمعت ما عبته به، فليس كذلك، بل هو لكم خير أهل، وأنا أشهدكم ومن حضرني أنى ولي لابن عفان وعدو لاعدائه) ولم يرض هذا نافعا وأصحابه، فانفضوا من حوله.

وعاد نافع ببعضهم إلى البصرة، فتذاكروا فضيلة الجهاد (كما يقول ابن الأثير) وخرج بثلاثمئة وافقوه على الخروج. وتخلف (عبد الله بن إباض) وآخرون، فتبرأوا منهم. وكان (نافع) جبارا فتاكا، قاتله المهلب بن أبى صفرة ولقي الاهوال في حربه وقتل يوم (دولاب) على مقربة من الاهواز (1).

  

(1) الكامل للمبرد 2: 172 - 181 ورغبة الآمل 7: 103 - 156، 220، 229 - 236 والاخبار الطوال، طبعة بريل 278 - 284 ولسان الميزان للذهبي 6: 144 وجمهرة الأنساب 293 وابن الأثير 4: 65، 66، 76 والطبري 7: 65 والاغانى طبعة الدار 6: 142 والحور العين 177 والمقريزي 3: 354 ومعجم البلدان: حروراء.وانظر دائرة المعارف الاسلامية: الخوارج. ومختصر الفرق بين الفرق 72، 73، 74، 77.

وقد فضّل الصحابي الناس الذي انتهجوا نهج اعتزال الفتن وعدم المشاركة في الحروب الداخلية للنزاع على الحكم ما بين المسلمين المتناحرين.

وروى أحمد:

 

23110 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِجُنْدُبٍ: إِنِّي قَدْ بَايَعْتُ هَؤُلَاءِ ـ يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ ـ وَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ أَخْرُجَ مَعَهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ، قَالَ: افْتَدِ بِمَالِكَ، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ إِلَّا أَنْ أُقَاتِلَ مَعَهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ جُنْدُبٌ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي ـ قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ ـ فَيَقُولُ: عَلَامَ قَتَلْتَهُ ؟ فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلَانٍ "، قَالَ: فَقَالَ جُنْدُبٌ: فَاتَّقِهَا.

 

إسناد صحيح على شرط الشيخين، وسلف برقم (16600) .

وسيأتي برقم (23165) و (23189) .

 

16600 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: قُلْتُ لِجُنْدُبٍ: إِنِّي قَدْ بَايَعْتُ هَؤُلَاءِ ـ يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ ـ وَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ أَخْرُجَ مَعَهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ، فَقَالَ: افْتَدِ بِمَالِكَ، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ إِلَّا أَنْ أَضْرِبَ مَعَهُمْ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ جُنْدُبٌ، حَدَّثَنِي فُلَانٌ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي - قَالَ: شُعْبَةُ فَأَحْسِبُهُ قَالَ -: فَيَقُولُ: عَلَامَ قَتَلْتَهُ ؟ فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلَانٍ "، قَالَ: فَقَالَ جُنْدُبٌ: فَاتَّقِهَا

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين، رجاله ثقات رجال الشيخين .

وقول شعبة أحسبه قال... وإن كان على الشك سيأتي من غير شك من طريق حماد بن سلمة، عن أبي عمران، به برقم 5/373، وأبو عمران: هو عبد الملك بن حبيب الأزدي الجوني، وجندب: هو ابن عبد الله البجلي.

وأخرجه مختصراً دون القصة النسائي في "المجتبى" 7/84 من طريق حجاج بن محمد المصيصي، بهذا الإسناد.

وأورده بتمامه الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/294، وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

وسيأتي 5/367 و5/373، وسيكرر 5/376 سنداً ومتناً.

 

23165 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: قُلْتُ لِجُنْدُبٍ إِنِّي بَايَعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى أَنْ أُقَاتِلَ أَهْلَ الشَّامِ، قَالَ: فَلَعَلَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَقُولَ: أَفْتَانِي جُنْدُبٌ، وَأَفْتَانِي جُنْدَبٌ قَالَ: قُلْتُ مَا أُرِيدُ ذَاكَ إِلَّا لِنَفْسِي، قَالَ: افْتَدِ بِمَالِكَ، قُلْتُ: إِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنِّي، قَالَ: إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا حَزَوَّرًا، وَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَجِيءُ الْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْهُ فِيمَ قَتَلَنِي، فَيَقُولُ: فِي مُلْكِ فُلَانٍ "، فَاتَّقِ لَا تَكُونُ ذَلِكَ الرَّجُلَ

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد ابن سلمة، فمن رجال مسلم . بهز: هو ابن أسد العمي .

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (1677) من طريقين عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد . وانظر (16600) .

قوله: "حزوراً" قال السندي: بفتحات وتشديد الواو، أو بفتح فسكون بلا تشديد، أي: قريباً إلى البلوغ .

 

وروى البخاري:

 

966 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَبُو السُّكَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ بِمِنًى فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ فَقَالَ الْحَجَّاجُ لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَنْتَ أَصَبْتَنِي قَالَ وَكَيْفَ قَالَ حَمَلْتَ السِّلَاحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ وَأَدْخَلْتَ السِّلَاحَ الْحَرَمَ وَلَمْ يَكُنْ السِّلَاحُ يُدْخَلُ الْحَرَمَ


1640 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ فَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَنْحَرْ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

31276- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، قَالَ : رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا السِّلاَح ، فَجَعَلَ يَقُولُ : لَقَدْ أَعْظَمْتُمَ الدُّنْيَا ! حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ.

 

31302- حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ حَبِيبٍ بْنِ الشَّهِيدِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ ، أَرَادَ دَنَانِيرَ الشَّامِ ، رَحِمَ اللَّهُ مَرْوَانَ أَرَادَ دَرَاهِمَ الْعِرَاقِ.

 

وروى الفاكهي في أخبار مكة:

1667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أنا الْمُثَنَّى الْقَسَّامُ قَالَ: ثنا أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ قَالَ: " لَمَّا بَلَغَنِي تَحْرِيقُ الْبَيْتِ خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ أُرِيدُ قِتَالَ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَدِمْتُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَأَكْرَمَنِي، وَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حَتَّى عَرَفَنِي وَاسْتَأْنَسَ بِي قَالَ: فَأَصَبْتُ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْهُ خَلْوَةً، فَقَالَ لِي: " يَا أَبَا حَمْزَةَ أَلَا تُحَدِّثُنِي مَا أَقْدَمَكَ بَلَدَنَا هَذَا؟ " قُلْتُ: بَلَى، قَدِمْتُ أُرِيدُ قِتَالَ أَهْلِ الشَّامِ الَّذِينَ اسْتَحَلُّوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: " تَرْجِعُ إِلَى مِصْرِكَ فَتَقْعُدُ عَلَى بَغْلَتِكَ وَتُجَنِّبُ فَرَسَكَ حَتَّى تَأْتِيَ خُرَاسَانَ فَتُقَاتِلَ عَلَى حَظِّكَ مِنَ اللهِ، وَتَدَعَهُمْ يُقَاتِلُونَ عَلَى حَظِّهِمْ مِنَ الدُّنْيَا " قَالَ: فَكَأَنِّي كُنْتُ نَائِمًا فَنَبَّهَنِي فَرَجَعَ إِلَى الْبَصْرَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خُرَاسَانَ

 

1668 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عِيسَى قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: " يَا مُجَاهِدُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ رَجَعُوا كُفَّارًا؟ " قَالَ: قُلْتُ: مَاذَا؟ قَالَ: " عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يَضْرِبُ بَعْضُهُمْ رِقَابَ بَعْضٍ "

 

هذه المقولة لابن عمر مما اختاره الإباضية في مسند الربيع الخاص بمذهبهم.

 

رفض ابن عمر للمشاركة في الحرب بين الطرفين

 

روى البخاري:

 

بَاب { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ }


4513 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتَاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي فَقَالَا أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } فَقَالَ قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا وَتَعْتَمِرَ عَامًا وَتَتْرُكَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللَّهُ فِيهِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالصَّلَاةِ الْخَمْسِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } { قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } قَالَ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا قَتَلُوهُ وَإِمَّا يُعَذِّبُونَهُ حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ قَالَ فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ قَالَ أَمَّا عُثْمَانُ فَكَأَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ

 

بَاب { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ }


4650 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا حَيْوَةُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ لَا تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَغْتَرُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا أُقَاتِلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } إِلَى آخِرِهَا قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } قَالَ ابْنُ عُمَرَ قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا يَقْتُلُونَهُ وَإِمَّا يُوثِقُونَهُ حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِيمَا يُرِيدُ قَالَ فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا قَوْلِي فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَمَّا عُثْمَانُ فَكَانَ اللَّهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَهَذِهِ ابْنَتُهُ أَوْ بِنْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ

 

وروى أحمد:

 

5381 - حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا أَوْ حَدِيثًا حَسَنًا فَبَدَرَنَا رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ الْحَكَمُ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا تَقُولُ فِي الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ ؟ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ ؟ " إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، فَكَانَ الدُّخُولُ فِيهِمْ أَوْ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. حسن: هو ابن موسى الأشيب، وزهير: هو ابن معاوية، وبيان: هو ابن بشر الأحمسي، ووبرة: هو ابن عبد الرحمن المسلي.

وأخرجه البخاري (4651) ، والبيهقي 8/192 من طريق أحمد بن يونس، والنسائي في "الكبرى" (11207) من طريق سويد بن عمرو، كلاهما عن زهيربن معاوية، بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري (4513) و (4514) و (4650) ، والبيهقي 8/192 من طريق نافع، عن ابن عمر مطولاً بنحوه.

وسيأتي الحديث برقم (5690) .

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

7641- حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ ، قَالَ : شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ وَالْحَجَّاجُ مُحَاصِرٌ ابْنَ الزُّبَيْرِ ، فَكَانَ مَنْزِلُ ابْنِ عُمَرَ بَيْنَهُمَا ، فَكَانَ رُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَة مَعَ هَؤُلاَءِ وَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَة مَعَ هَؤُلاَءِ.

 

7647- حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، قَالَ : سَأَلْتُ مَيْمُونًا ، عَنْ رَجُلٍ فَذَكَرَ ، أَنَّهُ مِنَ الْخَوَارِجِ ، فَقَالَ : أَنْتَ لاَ تُصَلِّي لَهُ إنَّمَا تُصَلِّي لِلَّهِ قَدْ كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَكَانَ حَرُورِيًّا أَزْرَقِيًّا.

 

7649- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ الْحَجَّاجِ عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ وَخَرَجَ عَلَيْهِ.

 

وورد في أصول السنة لابن أبي زمنين

 

209 - أَسَدٌ قَالَ حَدَّثَنِي اَلرَّبِيعُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَوَّارَ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ: حَجَّ نَجْدَةُ الْحَرُورِيُّ فِي أَصْحَابِهِ فَوَادَعَ اِبْنَ اَلزُّبَيْرِ فَصَلَّى هَذَا بِالنَّاسِ يَوْمًا وَلَيْلَةٍ، وَهَذَا بِالنَّاسِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَصَلَّى اِبْنُ عُمَرَ خَلْفَهُمَا فَاعْتَرَضَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ أَتُصَلِّي خَلْفَ نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ?

فَقَالَ اِبْنُ عُمَرَ: إِذَا نَادَوْا حَيَّ عَلَى خَيْرِ اَلْعَمَلِ أَجَبْنَا، وَإِذَا نَادَوْا حَيَّ عَلَى قَتْلِ نَفْسٍ قُلْنَا: لَا، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ.

 

وروى البيهقي في السنن الكبرى:

 

5088 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله بن أبي داود المنادي المخرمي ببغداد ثنا يونس وهو بن محمد المؤدب ثنا أبو شهاب ثنا يونس بن عبيد عن نافع قال: كان بن عمر يسلم على الخشبية والخوارج وهم يقتتلون فقال من قال حي على الصلاة أجبته ومن قال حي على الفلاح أجبته ومن قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت لا

 

وروى عبد الرزاق:

 

3803 - عبد الرزاق عن الثوري وغيره عن الأوزاعي عن عمير بن هانئ قال رأيت بن عمر وبن الزبير ونجدة والحجاج، وبن عمر يقول يتهافتون في النار كما يتهافت الذبان في المرق فإذا سمع المؤذن أسرع إليه يعني مؤذنهم فيصلي معه

 

3800 - عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال الصلاة حسنة لا أبالي من شاركني فيها

 

وروى البخاري:

 

إمَامَةِ المَفْتُونِ والمبُتْدَعِ

وَقَالَ الْحَسَن : تصلي وعليه بدعته .

 

695 - وَقَالَ لنا مُحَمَّد بن يوسف: حَدَّثَنَا الأوزاعي: ثنا الزُّهْرِيّ ، عَن حميد ابن عَبْد الرحمن، عَن عُبَيْدِ الله بن عدي بن خيار  أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَان بن عَفَّانَ وَهُوَ محصور، فَقَالَ: إنك إمام عامة، ونزل بك مَا ترى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج؟ فَقَالَ: الصلاة أحسن مَا يعمل النَّاس، فإذا أحسن النَّاس فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم .

فأمر عثمان بالصلاة مع إمام الفتنة، والمقصود به هنا كنانة بن بشر وهو أحد رؤوس الخوارج الذين حاصروا عثمان رضي الله عنه كما رجح ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري 2/ 189

 

وفي مسائل حرب الكرماني للإمامين أحمد وإسحاق:

 

1131 - حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم، قال: ثنا كثير بن هِشام، عن جَعفَر بن برقان، قال: سألت ميمون بن مهران، فقلت: كَيفَ تَرى في الصَّلاة خَلفَ رَجلٍ يُذكَر أنه من الخوارج؟ فقال: «إنك لا تُصَلِّي له، إنما تُصَلِّي لله، قَد كُنَّا نُصَلِّي خَلفَ الحجاج، وهو حَروريٌّ أزرَقي». فنَظَرت إليه، فقال: «أتَدرون ما الحروريُّ الأزرَقي؟ هو الذي [إذا] خالَفتَ رأيَه سَمَّاك كافِرًا، واستَحَلَّ دَمَك، وكان الحجاج كذلك».

 

و من مراجع الإباضية في كتاب الإيضاح لعامر الشماخي:

 

وذكر أنه كان على المدينة أمير فاسد؛ فقيل لابن عمر: تصلي خلفه؟ قال: الصلاة حسنة لا أبالي من شاركت فيها. وقيل: حج نجدة فوادع ابن الزبير فصلى هذا بالناس يوما وليلة، وصلى هذا بالناس يوما وليلة، فصلى ابن عمر خلفهما، فاعترضه رجال من القوم، فقالوا: يا عبدالرحمن تصلي خلف نجدة الحروري وتصلي خلف ابن الزبير؟ فقال ابن عمر: إذا نادوا: حي على الصلاة حي على خير العمل جئنا، وإذا نادوا: حي على قتل النفس؛ قلنا: لا، لا، ورفع صوته

 

وفي معارج الأنوار لنور الدين السالمي:

 

وَقِيلَ: حجَّ نَجدة فوادع ابن الزبير فصَلَّى هذا بالناس يوما وليلة، وصَلَّى هذا بالناس يوما وليلة، فصَلَّى ابن عمر خلفهما فاعترضه رجال من القوم فقالوا: يا أبا عبد الرحمن تُصَلِّي خلف نَجدة الْحروري، وتُصَلِّي خلف ابن الزبير فقال ابن عمر: إِذَا نادوا "حيَّ عَلَى الصَّلاَة، حي عَلَى خير العمل" جِئنا، وَإِذَا نادوا "حي عَلَى قتل النفس" قُلنَا: لا، لا، ورفع صوته.

 

لا شك أن لابن الزبير فساده كبخله المزعوم عنه في كتب التاريخ وهذا مما نفر الناس عنه ومناصرته خاصة في ظروف الشدة بحصار الجيش الأموي له في مكة، وادعاؤه هو وخالته عائشة أنه مبشَّر به من محمد وهو ما عرضته في نفس هذا الباب. الخبر فيه مصداقية تاريخية فمعروف أن ابن الزبير كاد يناصره الخوارج ثم تركوه بسبب رأيه الإيجابي في الخليفة الراحل عثمان كما تحكي كتب التاريخ، وكان هناك تحالف قوي بين ابن الزبير والمختار الثقفي كذلك رغم كل تنافس ونوايا سيئة بينهم حتى انتهت الصداقة بعداوة وقتل مصعب بن الزبير له، والقصة المذكورة واقعية فهذا هو فعلًا أسلوب عبد الله بن عمر في اتباع الحكام والخضوع لهم وإيثار السلام-لؤي

 

وروى مسلم:

 

[ 1851 ] حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا عاصم وهو بن محمد بن زيد عن زيد بن محمد عن نافع قال جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية

 

[ 2545 ] حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيَّ ، أَخْبَرَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ ، رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ ، قَالَ : فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ ، وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكَ ، أَبَا خُبَيْبٍ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ ، مَا عَلِمْتُ ، صَوَّامًا ، قَوَّامًا ، وَصُولاً لِلرَّحِمِ ، أَمَا وَاللَّهِ لأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لأُمَّةٌ خَيْرٌ ، ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللهِ وَقَوْلُهُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ ، فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ...إلخ

 

وروى أحمد:

 

5709 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، جَمَعَ بَنِيهِ حِينَ انْتَزَى (1) أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَخَلَعُوا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ بِبَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْغَادِرُ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِشْرَاكُ بِاللهِ تَعَالَى، أَنْ يُبَايِعَ الرَّجُلُ رَجُلًا عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يَنْكُثَ بَيْعَتَهُ "، فَلَا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَزِيدَ وَلَا يُسْرِفَنَّ (1) أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَيَكُونَ صَيْلَمًا (2) فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ (3)

 

(1) في (ظ14) : يشرفن. يعني بالشين المعجمة.

(2) في (ق) و (ظ1) وهامش (ص) و (م) وطبعة الشيخ أحمد شاكر: صيلماً.

(3) إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وقد سلف برقم (5088) .

 

5088 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ النَّاسُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ "، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ أَنْ لَا يَكُونَ (1) الْإِشْرَاكُ بِاللهِ تَعَالَى، أَنْ يُبَايِعَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يَنْكُثَ بَيْعَتَهُ ، فَلَا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَزِيدَ، وَلَا يُشْرِفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَيَكُونَ صَيْلَمٌ (2) بَيْنِي وَبَيْنَهُ (3)

 

(1) هذا لفظ نسخة (ظ14) ، وهو الوارد عند السندي، ومثله في (س) ، لكن سقط منها حرف"أن"، وسترد كذلك في الرواية (5709) . قال السندي: إلا أن يكون الإشراك: كلمة"إلا"استثنائية، أي: من أعظم الغدر نقض البيعة كل حين إلا حين أن يوجد الإشراك، والكفر الصريح من الملك، فيجب عزله ولا يمكن تمكينه من الحكم، لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا) .

قلنا: وقد وقع في (ق) و (ص) و (ظ1) : أن لا يكون. وهو ما أثبته الشيخ أحمد شاكر. ويكون بتقدير: شريطة أن لا يكون.

(2) وقع في (م) بدل صيلم: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الشيخ أحمد شاكر: كأن مصححي الطبع اشتبه عليهم رسمها، فظنوها"صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وهي الاصطلاح السخيف لبعض المتأخرين في اختصار كتابة الصلاة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعربوها وكتبوها واضحة.

(3) إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وأخرج المرفوع منه الترمذي (1581) من طريق إسماعيل ابن عُلية، بهذا الإسناد. وقال: حسن صحيح.

وأخرجه مسلم (1735) (9) ، والبيهقي 8/159 من طريق عفان، عن صخر بن جويرية، به. واقتصر مسلم على المرفوع منه.

وأخرجه بنحوه البخاري (7111) ، وأبو عوانة 4/71، والبيهقي 8/160 من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، به.

وسيأتي برقم (5709) ، وقد سلف المرفوع منه برقم (4648) .

قوله:"لما خلع الناسُ يزيد"، قال السندي: أي أهل المدينة، فإنه يوم بلغهم سوءُ حاله خلعوه، وكان ذلك سببا لفتنة الحرة.

وقوله: "على بيع الله ورسوله" قال الحافظ في "الفتح " 13/71: أي على شرط ما أمر اللة ورسوله به من بيعة الِإمام، وذلك ان من بايع أميراً فقد أعطاه الطاعة، وأخذ منه العطية، فكان شبيهَ من باع سلعة وأخذ ثمنها.

وقوله:"أن لا يكون الإشراكُ بالله"، أي: إن من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلًا على بيع الله ورسوله، ثم ينكث بيعته، وهو ما في رواية عفان بن مسلم، عن صخر بن جويرية عند البيهقي، وعزاه الحافظ في "الفتح"13/71 من هذا الطريق بهذا اللفظ إلى أبي العباس السرّاج في "تاريخه".

وقوله:"ولا يُشرفن"، قال السندي: من الإشراف، أي: لا يَدخلن في هذا الأمر، أي: أمر الخلع.

وقوله:"فيكون صَيْلَم"ضبظ بفتح صاد وسكون ياء وفتح لام، أي: فيتحقق، ويوجد قطيعة منكرة بيني وبينه، وأصل الصيلم الداهية، والياء زائدة، والمضارع بالنصب على أنه جواب النهي. ولفظ البخاري (7111) : وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه، ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه، أي: القاطعة، وهي فيعل من فَصَلَ الشيءَ: إذا قطعه.

 

5551- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ فَقَالَ : مَرْحَبًا بِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعُوا لَهُ وِسَادَةً ، فَقَالَ : إِنَّمَا جِئْتُكَ لأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ نَزَعَ يَدًا مَنْ طَاعَةِ اللهِ ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مَفَارِقٌ لِلْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

 

5718- حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَتَى ابْنَ مُطِيعٍ لَيَالِي الْحَرَّةِ ، فَقَالَ : ضَعُوا لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً ، فَقَالَ : إِنِّي لَمْ آتِ لأَجْلِسَ ، إِنَّمَا جِئْتُ لأُخْبِرَكَ كَلِمَتَيْنِ سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ نَزَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ مَاتَ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ مَوْتَ الْجَاهِلِيَّةِ.

 

أبو سعيد الخدري صاحب محمد اضطر مجبورًا للمبايعة لأميرين (خليفتين) في وقتٍ واحد

 

روى أحمد:

 

11247 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، أَتَى أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ بَايَعْتَ أَمِيرَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى أَمِيرٍ وَاحِدٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَايَعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَجَاءَ أَهْلُ الشَّامِ، فَسَاقُونِي إِلَى حُبَيْشِ (1) بْنِ دَلَجَةَ (2) فَبَايَعْتُهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِيَّاهَا كُنْتُ أَخَافُ، إِيَّاهَا كُنْتُ أَخَافُ - وَمَدَّ بِهَا حَمَّادٌ صَوْتَهُ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَنَامَ نَوْمًا، وَلَا يُصْبِحَ صَبَاحًا، وَلَا يُمْسِيَ مَسَاءً إِلَّا وَعَلَيْهِ أَمِيرٌ " ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُبَايِعَ أَمِيرَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى أَمِيرٍ وَاحِدٍ (3)

 

(1) في (س) و (ص) و (ق) و (م) : جيش، والمثبت من (ظ 4) ، وكذلك هو في "توضيح المشتبه" 3/461، وقال السندي: حبيش -بحاء مهملة مضمومة، ثم موحدة مفتوحة في الأصل القديم، وقد أعلم فيه بعلامة الإهمال تحت الحاء... وفي بعض النسخ: جيش: بجيم مفتوحة، ثم ياء مثناة من تحت، وانظر ترجمته في "تاريخ دمشق" لابن عساكر.

(2) الضبط من (ظ 4) ، وانظر "الاشتقاق" لابن دريد: ص195.

(3) إسناده ضعيف لضعف بشر بن حرب: وهو أبو عمرو الندبى، وبقية رجاله ثقات رجال مسلم. إسحاق بن عيسى: هو ابن الطباع.

وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (604) (زوائد) عن داود بن نوح، عن حماد، به.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/219، وقال: رواه أحمد، وبشر بن حرب ضعيف.

قال السندي: قوله: ألم أخبر: على بناء المفعول، وليس المقصود الاستفهام من الإخبار، فإن المرء أعلم بحاله من غيره، فلا يحسن السؤال عن غيره بأني أخبرت أم لا، بل المقصود الاستفهام من مطابقة الإخبار الواقع، كأنه قال: أكان الذي أخبرت به أم لا، ولذلك أجاب أبو سعيد بذلك.

قوله: إياها، أي: بيعة أميرين قبل اجتماعهم على واحد.

 

تلفيق عبد الله بن عمرو بن العاص حديثًا كمحاولة للإصلاح بين الطرفين

 

روى أحمد:

 

7043 - حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: أَتَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، إِيَّاكَ وَالْإِلْحَادَ فِي حَرَمِ اللهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يُحِلُّهَا وَيَحُلُّ (1) بِهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، لَوْ وُزِنَتْ ذُنُوبُهُ بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَوَزَنَتْهَا " (2) ، قَالَ: فَانْظُرْ أَنْ لَا تَكُونَ هُوَ يَا ابْنَ عَمْرٍو، فَإِنَّكَ قَدْ قَرَأْتَ الْكُتُبَ، وَصَحِبْتَ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ هَذَا وَجْهِي إِلَى الشَّأْمِ مُجَاهِدًا (3)

 

(1) في (ق) : بها. وفي (ظ) : يُحلها وتحل به.

(2) في هامش (ظ) : لوازنتها.

(3) رجاله ثقات رجال الشيخين، وهو مكرر (6847) ، ونقلنا هناك عن ابن كثير أن رفعه قد يكون غلطاً. وانظر لزاما (461) .

هاشم: هو ابن القاسم.

 

6847 - حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يُحِلُّهَا وَيَحُلُّ بِهِ (2) رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، لَوْ وُزِنَتْ ذُنُوبُهُ بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَوَزَنَتْهَا " (3)

 

(2) في (ظ) : يحُلها وتحل به.

(3) رجاله ثقات رجال الشيخين، لكن رفعه كما قال ابن كثير في "النهاية" 8/345 قد يكون غلطاً، وإنما هو من كلام عبد الله بن عمرو. وانظر الحديث (461) من مسند عثمان. أبو النضر: هو هاشم بن القاسم، وإسحاق بن سعيد: هو ابن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 3/284، 285، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

وقد سلف برقم (6200) عن محمد بن كناسة، عن إسحاق بن سعيد، بهذا الإسناد، لكن من حديث عبد الله بن عمر، والأرجح أن الحديث هو من "مسند عبد الله بن عمرو بن العاص" لأمرين:

أحدهما: أن الحديث سيرد مطولاً برقم (7043) وفيه يقول ابن الزبير: فانظر  أن لا تكون هو يا ابن عمرو، فإنك قد قرأت الكتُب، وهذا الوصف ينطبق على عبد الله بن عمرو بن العاص، لأنه كان معروفاً بقراءة كتب أهل الكتاب.

والثاني: أن راوي حديث ابن عمر ابنُ كناسة -وهو محمد بن عبد الله بن عبد الأعلى-، وهو -وإن وثقوه- في الضبط دون أبي النضر هاشم بن القاسم راوي حديث ابن عمرو بن العاص، ولم يرو له إلا النسائي.

وقد أورد ابن كثير حديثي ابن عمر وابن عمرو من "المسند" عند تفسير قوله تعالى: (ومن يُرِدْ فيه بإلحاد بظلم...) [الحج: 25] ، وقال: ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذين الوجهين.

قوله: "يُحلها": من الإحلال، والضمير لمكة، "ويُحل به" على بناء المفعول وتذكيره باعتبار البلد، أي: يُحل فيه دمُ رجل. ويحتمل بناء الفاعل، كأنه بمنزلة التأكيد للأول، والتقدير: ويحُل فيه الحرمات رجل. قاله السندي.

 

أشهد بالذكاء لابن كثير الدمشقي وفطنته وحسن فهمه لكون الحديث ملفقًا. كان غرض ابن عمرو المصالحة والسلام بين المسلمين وربما في نفس الوقت دعاية مضادة لصالح أقاربه وقومه الأمويين، ومضادة للحديث الملفق الآخر الذي ذكرته في باب (مما جعلوه في دينهم) الذي لفقه ابن الزبير وعائشة عن تبشير وتنبؤ محمد بانفصال وتمرد ابن الزبير.

نفي محمد لأبي الحكم بن أبي العاص جد بعض الحكام الأمويين لسبب تافه، وتبادل الشتائم بين أصحاب محمد وأتباعه

 

جاء في الإصابة في تمييز الصحابة:

 

الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي عم عثمان بن عفان ووالد مروان قال بن سعد أسلم يوم الفتح وسكن المدينة ثم نفاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم أعيد إلى المدينة في خلافة عثمان ومات بها وقال بن السكن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه ولم يثبت ذلك وروى الفاكهي من طريق حماد بن سلمة حدثنا أبو سنان عن الزهري وعطاء الخراساني أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه وهو يلعن الحكم بن أبي العاص فقالوا يا رسول الله ماله قال دخل على شق الجدار وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهي فقالوا أفلا نلعنه نحن قال كأني أنظر إلى بنيه يصعدون منبري وينزلونه فقالوا يا رسول الله ألا نأخذهم قال لا ونفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الطبراني من حديث حذيفة قال لما ولى أبو بكر كلم في الحكم أن يرده إلى المدينة فقال ما كنت لأحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال كان الحكم بن أبي العاص يجلس عند النبي صلى الله عليه وسلم فإذا تكلم اختلج فبصر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال كن كذلك فما زال يختلج حتى مات في إسناده نظر وأخرجه البيهقي في الدلائل من هذا الوجه وفيه ضرار بن صرد وهو منسوب للرفض وأخرج أيضا من طريق مالك بن دينار حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه فالتفت فرآه فقال اللهم اجعله وزغًا فزحف مكانه وقال الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان قال قال الأحنف لمعاوية ما هذا الخضوع لمروان قال إن الحكم كان ممن قدم مع أختي أم حبيبة لما زفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتولى نعلها فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحد النظر إلى الحكم فلما خرج من عنده قيل له يا رسول الله أحددت النظر إلى الحكم فقال بن المخزومية ذاك رجل إذا بلغ ولده ثلاثين أو أربعين ملكوا الأمر وروينا في جزء بن نجيب من طريق زهير بن محمد عن صالح بن أبي صالح حدثني نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر الحكم بن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه وسلم ويل لأمتي مما في صلب هذا وروى بن أبي خيثمة من حديث عائشة أنها قالت لمروان في قصة أخيها عبد الرحمن لما امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه قلت وأصل القصة عند البخاري بدون هذه الزيادة وذكر أبو عمر في السبب في طرده قولا آخر إنه كان يشيع سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل كان يحكيه في مشيته ويقال إن عثمان رضي الله عنه اعتذر لما أن أعاده إلى المدينة بأنه كان استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فيه وقال قد كنت شفعت فيه فوعدني برده وأخرج بن سعد عن الواقدي بسنده إلى ثعلبة بن أبي مالك قال مات الحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان فضرب على قبره فسطاط في يوم صائف فتكلم الناس في ذلك فقال عثمان قد ضرب في عهد عمر على زينب بنت جحش فسطاط فهل رأيتم عائبا عاب ذلك مات الحكم سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان

 

وروى أحمد:

 

6520 - حدثنا ابن نمير، حدثنا عثمان بن حكيم، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد الله بن عمرو، قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني، فقال ونحن عنده: " ليدخلن عليكم رجل لعين " فوالله ما زلت وجلا ، أتشوف داخلا وخارجا، حتى دخل فلان، يعني الحكم

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير عثمان بن حكيم، وهو ابن عباد بن حنيف الأنصاري، فمن رجال مسلم. ابن نمير: هو عبد الله، وأبو أمامة: هو أسعد. وأخرجه البزار (1625) من طريق عبد الله بن نمير، بهذا الإسناد، وقال: لا نعلم هذا بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمرو، بهذا الإسناد. وذكره الهيثمي في "المجمع" 1/112، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، وأورده بنحوه 5/243 بروايتين، وقال: رواه كله الطبراني... وحديثه مستقيم، وفيه ضعف غير مبين، وبقية رجاله رجال الصحيح. قلنا: كذا ورد في مطبوع "المجمع"، لم يرد اسم الراوي الذي وصفه بقوله: حديثه مستقيم، فتركنا محله بياضا فيه نقط. ورواه ابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/360 بإسناده من طريق عبد الواحد بن زياد، عن عثمان بن حكيم، عن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن عمرو.

والحكم: هو ابن أبي العاص الأموي- عم عثمان بن عفان-، والد مروان، كان من مسلمة الفتح، وله أدنى نصيب من الصحبة، سكن المدينة، ثم أخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلى الطائف، فبقي فيها إلى أن أعاده عثمان في خلافته إليها. وانظر لزاما "أسد الغابة" 2/37-38، و"سير أعلام النبلاء" 2/107-108، و"تاريخ الإسلام" ص 365، وفيات سنة 31، و"فتح الباري" 13/9-11، و"الإصابة" 1/345-346.

 

(16128) 16227- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْكَعْبَةِ ، وَهُوَ يَقُولُ : وَرَبِّ هَذِهِ الْكَعْبَةِ ، لَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلاَنًا ، وَمَا وُلِدَ مِنْ صُلْبِهِ. (4/5)

 

رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه البزار (1623) (زوائد) من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد، ولفظه: ورب هذا البيت، لقد لعن الله الحكم وما ولد على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. وأخرجه الطبراني (299) (قطعة من الجزء13) من طريقين عن إسماعيل ابن أبي خالد، به. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (289) (قطعة من الجزء13) . وأخرجه الحاكم 4/481 من طريق أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين المصري، عن إبراهيم بن منصور، عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن محمد بن سوقة، عن الشعبي، عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وولده، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: الرشديني ضعفه ابن عدي. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/241، وقال: رواه أحمد والبزار، والطبراني بنحوه، وعنده رواية كرواية أحمد، ورجال أحمد رجال الصحيح. وقد سلف من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بإسناد صحيح برقم (6520) وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : "ليدخلن عليكم رجل لعين" ولم يذكر ولده. وعند البزار في "البحر الزخار" (2273) من طريق عبد الرحمن بن مغراء، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن البهي مولى الزبير قال: كنت في المسجد ومروان يخطب، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: والله ما استخلف أحدا من أهله، فقال مروان: أنت الذي نزلت فيك: (والذي قال لوالديه: أف لكما) فقال عبد الرحمن: كذبت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك.

قال السندي: قوله: فلانا: أي الحكم. قوله: وما ولد: عطف على فلان: أي ولده فلان، والمراد مروان، والله تعالى أعلم.

 

وروى الطبراني:

 

12724- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبَادَةُ بْنُ زِيَادٍ الأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا مُدْرِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطَّائِيُّ ، عَنِ الأَجْلَحِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّمَا كَانَ نَفْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الطَّائِفِ ، بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُجْرَتِهِ فإِذَا هُوَ إِنْسَانٌ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْوَزَغَ ، الْوَزَغَ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ الْحَكَمُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اخْرُجْ لاَ تُسَاكِنِّي بِالْمَدِينَةِ مَا بَقِيتُ فَنَفَاهُ إِلَى الطَّائِفِ.

 

ضعيف

 

3167- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ ، حَدَّثَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الْمَدَنِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : كَانَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ يَجْلِسُ عِنْدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَجَ أَوَّلاً ، فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَنْتَ كَذَاكَ . فَمَا َزَالُ يَخْتَلِجُ حَتَّى مَاتَ.

 

ضعيف وضرار ضعيف متشيع، لكنه يعطينا فكرة عن كيفية مداعبة وسخرية الحكمز

 

14882- حَدَّثَنَا أحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، وَأَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ : وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ لَلَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَكَمَ وَمَا وَلَدَ.

 

ذكره ابن كثير في جامع المسانيد 7/ 503_قلعجي، و4/ 27_ابن دهيش ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 57/ 271 والضياء في المختارة 9/ 310 من طريق الطبراني، ورواه ان عساكر57/ 271 من طريق علي بن المنذر عن ابن فضيل وحده به، ورواه أحمد4/ 5 رقم 16128 والبزار 2197 من طريق سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد به، ورواه الحاكم في المستدرك4/ 481 (8485) وابن عساكر57/ 270-271 من طريق محمد بن سوقة عن عامر الشعبي به.

 

14883- حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْجَنَبِيُّ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ وَوَلَدَهُ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 57/ 271 من طريق عبد الرحمن بن صالح الأزدي عن عمرو بن هاشم أبي مالك الجنبي به.

 

3168- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ عِيسَى ، عَنْ بِلاَلِ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ ، قِيلَ لَهُ فِي الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ، فَقَالَ : مَا كُنْتُ لأَحُلَّ عُقْدَةً عَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

قال الهيثمي في المجمع 5/ 243 وفيه حماد بن عيسى العبسي قال الذهبي فيه جهالة، وبقية رجاله ثقات. وقوله فيه جهالة يعني مجهول الحال.

 

2740- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ الأَنْمَاطِيُّ (ح) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ السَّامِيُّ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي يَحْيَى ، قَالَ : كُنْتُ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَمَرْوَانَ يَتَسابَّانِ ، فَجَعَلَ الْحَسَنُ يُسْكِتُ الْحُسَيْنَ ، فَقَالَ مَرْوَانُ : أَهْلُ بَيْتٍ مَلْعُونُونَ . فَغَضِبَ الْحَسَنُ ، وَقَالَ : قُلْتَ أَهْلُ بَيْتٍ مَلْعُونُونَ ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ لَعَنَكَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ فِي صُلْبِ أَبِيكَ.

 

قال الهيثمي في المجمع5/ 240-241 رواه أبو يعلى وفيه عطاء بن السائب وقد تغير. وقال رواه الطبراني وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط.

 

الرجل كان فيه إذن روح دعابة مع شيء من سماجة، قيل أنه قلد مشية محمد المضحكة المتكفية إلى الأمام وهذا معروف عنه لكل من درس سيرة محمد وكتب الحديث وقالوا أنه يمشي كأنه يتقلع بسرعة، ويتكلم كأنه يتخدج، وهي صفات شخصية له، وقيل اطلع عليه في بيته وكلح (عبس) له يعني مرة أخرى روح العبث والدعابة، فلذلك نفاه إلى مدينة الطائف لأجل هذه الأسباب السخيفة، بعض هذه الأحاديث كتبها أعداء البيت الأموي ورووها فهم حرصوا على إبراز كل مساوئ عرفوها للأمويين لمسح تاريخهم، فطبيعي أن يصف عبد الله بن الزبير حفيد الحكم وعدوه عبد الملك بن مروان بهذا الوصف، ومحمد بن أبي بكر في حديث البزار يصف مروان تعريضًا بأنه ابن الزنا شتيمة له كعادة العرب وغيرهم، بقوله ما استخلف أحدًا من أهله، وتركه مروان لأن لا يناسب محاسبة ابن صحابي مهم كأبي بكر لعدم قلقلة الرأي العام الإسلامي ضده. وأضعف الأحاديث ما وصف الأمويين بالوزغ أو الأبراص لبياضهم، وناقشت هذه الخرافة في باب (اضطهاد الإسلام لبعض الحيوانات) فمن هنا جاءت أسطورة إسلامية عند السنة والشيعة عن أمر محمد بقتل الوزغ أي الأبراص. ولعن محمد لشخص ونسله حسب زعم أحاديث السنة والشيعة المعادية للبيت الأموي تصنع معضلة لاهوتية، فما ذنب نسل الشخص وهم لم يولودوا بعد ولم يرتكبوا شيئًا يحاسبون عليه. ولاحقًا رده عثمان بن عفان إلى مكة، وهو مما شنع به الثوار على عثمان عليه أنه رد طريد "رسول الله" لأن الرجل كان قريب عثمان. وجاء في تاريخ الطبري عن اختلاف عبد الله بن الزبير مع الخوارج الذين ناصروه أول الأمر:

 

....فدنا مِنْهُ ابن الأزرق، فَقَالَ له: يا بن الزُّبَيْر، اتق اللَّه ربك، وأبغض الخائن المستأثر، وعاد أول من سن الضلالة، وأحدث الأحداث، وخالف حكم الكتاب، فإنك إن تفعل ذَلِكَ ترض ربك، وتنج من العذاب الأليم نفسك، وإن تركت ذَلِكَ فأنت من الَّذِينَ استمتعوا بِخَلاقِهِمْ، وأذهبوا فِي الحياة الدُّنْيَا طيباتهم.

يَا عبيدة بن هلال، صف لهذا الإنسان ومن مَعَهُ أمرنا الَّذِي نحن عَلَيْهِ، والذي ندعو الناس إِلَيْهِ، فتقدم عبيدة بن هلال.

قَالَ هِشَام: قَالَ أَبُو مخنف: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَلْقَمَة الخثعمى، عن قبيصة بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ القحافي، من خثعم، قَالَ: أنا وَاللَّهِ شاهد عبيدة بن هلال، إذ تقدم فتكلم، فما سمعت ناطقا قط ينطق كَانَ أبلغ وَلا أصوب قولا مِنْهُ، وَكَانَ يرى رأي الخوارج.

قَالَ: وإن كَانَ ليجمع القول الكثير، فِي المعنى الخطير، فِي اللفظ اليسير.

قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإن اللَّه بعث محمدا ص يدعو إِلَى عبادة اللَّه، وإخلاص الدين، فدعا إِلَى ذَلِكَ، فأجابه الْمُسْلِمُونَ، فعمل فِيهِمْ بكتاب الله وامره، حتى قبضه الله اليه ص، واستخلف الناس أبا بكر، واستخلف أَبُو بَكْر عمر، فكلاهما عمل بالكتاب وسنة رَسُول اللَّهِ، فالحمد لِلَّهِ رب العالمين ثُمَّ إن الناس استخلفوا عثمان بن عفان، فحمى الاحماء، وآثر القربى، وَاسْتَعْمَلَ الفتى ورفع الدرة، ووضع السوط، ومزق الكتاب، وحقر المسلم وضرب منكري الجور، وآوى طريد الرسول ص، وضرب السابقين بالفضل، وسيرهم وحرمهم ثُمَّ أخذ فيء اللَّه الَّذِي أفاءه عَلَيْهِم فقسمه بين فساق قريش، ومجان العرب، فسارت إِلَيْهِ طائفة مِنَ الْمُسْلِمِينَ أخذ اللَّه ميثاقهم عَلَى طاعته، لا يبالون فِي اللَّه لومة لائم، فقتلوه، فنحن لَهُمْ أولياء، ومن ابن عفان وأوليائه برآء، فما تقول أنت يا بن الزُّبَيْر؟...إلخ

 

كان رد ابن الزبير المؤيد المتعاطف لعثمان سبب انفصال الخوارج عنه وخسارته تأييدهم في حربه مع الأمويين.

 

وعن مشية محمد روى مسلم مثلًا:

[ 2330 ] وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي حدثنا حبان حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

ورواه أحمد:

 

13381 - حدثنا يونس، وحسن بن موسى، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ ، ولا مسست ديباجا ، ولا حريرا، ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة مسك، ولا عنبر ، أطيب رائحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حسن: " مسكة ولا عنبرة "

 

ووراه أحمد 13851

 

قوله: "إذا مشى تكفأ"، أي: تمايل إلى قدام، وقيل: أي: رفع القدم من الأرض ثم وضعها، ولا يمسح قدمه على الأرض كمشي المتبختر. قاله السندي.

 

وبالتأكيد لا نعيب على أحد مشيته أو جلسته أو خلقته وشكله، لكن يجب التحلي بروح الدعابة والتسامح فكلنا بشر لنا عيوبنا ونقصنا، وغير معقول أن أنفي شخصًا لمجرد أنه سمج أو سخيف المزاح.

 

كراهية قديمة بن ابن الزبير ومعاوية بن أبي سفيان الأموي

 

روى أحمد:

 

5449 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدِمَ مَكَّةَ فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ، فَبَعَثَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: " صَلَّى (2) بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ بِحِيَالِ الْبَابِ " فَجَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَرَجَّ الْبَابَ رَجًّا شَدِيدًا فَفُتِحَ لَهُ، فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أَمَا إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي كُنْتُ أَعْلَمُ مِثْلَ الَّذِي يَعْلَمُ وَلَكِنَّكَ حَسَدْتَنِي (3)

 

(2) لفظ:"صلى"ليس في (ظ14) .

(3) إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد - وهو ابن سلمة - فمن رجال مسلم. عبد الله بن أبي مليكة: هو ابن عبيد الله.

وانظر (4464) و (4891) .

 

لا يخفى على الناظر وجود هوس وحب للشعور للأهمية والسلطة والقيمة عند شخصية ابن الزبير.

 

الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 هجرية ) : ( الكتاب كاملا )

تأليف د. أحمد صبحى منصور

 

هذا الكتاب

يؤرخ لفترة مسكوت عنها إمتلأت بالفظائع من مقتل الحسين الى مقتل عبد الله بن الزبير ويحلل آثارها الدينية التى لا تزال باقية حتى اليوم .

 

 الفهرس

  مقدمة الكتاب

الباب الأول : الفتنة الكبرى الثانية : وقائع وشخصيات

الفصل الأول : الوقائع :

 (ولاية العهد وتداول السلطة فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 )( يا حسرة على هذه الرءوس المقطوعة ) ( موقعة الحرة وانتهاك حُرمة المدينة  ) ( حصار الحرم وحرق الكعبة  ـ صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح ) ( عندما كان ابن الزبير على وشك أن يحرق بنى هاشم لرفضهم بيعته بالخلافة ) ( عن قتل الأطفال فى تاريخ السلف ( الصالح) .!!)

الفصل الثانى : أهم الشخصيات الفاعلة فى الفتنة الكبرى الثانية :

( عبد الله بن الزبير:شيطان موقعة الجمل ، وشيطان الفتنة الكبرى الثانية  )  ( من هو الأسوأ : دونالد ترامب أم عبد الله بن الزبير ؟ الهجاء السياسى بين ابن الزبير وابن عباس  ) (  مصعب بنالزبير: فتى قريش المتوحش ) (  مروان بن الحكم : سبب الفتنة الكبرى الأولى وأساس فى الفتنة الكبرى الثانية )  ( عبد الملك بن مروان ) ( عبيد الله بن زياد : مجرم كربلاء ) (المختار بن عبيد الثقفى : المغامر الأفّاق  )( شبث بن ربعى : ( داعش لم تأت من فراغ ).!!

الفصل الثالث : الخوارج  :

(  بداية الخوارج وإنهاؤهم الفتنة الكبرى الأولى بقتلهم (على )  ) ( ثورات الخوارج فى خلافة معاوية ) ( وقائع الخوارج فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73  ).

الباب الثانى : آثار الفتنة الكبرى الثانية :

الفصل الأول : من سفك الدماء الى العشق والفحشاء:

 (الحبُّ وقت الفتنة والحرب : خالد وأم خالد وحبيبة خالد : خالد بن يزيد بن معاوية )   (عائشة بنت طلحة  : فاتنة عصر الفتنة  ) (الشاعر العرجى  : نتاج عصر الفتنة / فتنة الدماء والفحشاء ) (فسق بعض الخلفاء الأمويين  )                                                              

 

الفصل الثانى : الفتنة الكبرى الثانية : من سفك الدماء الى تأسيس أديان أرضية :

( لمحة عامة  ) (تأثير المختار الثقفى فى الدين الشيعى : محمد بن على ( ابن الحنفية )) (خزعبلات المختار الثقفى ) (  ابن الحنفية المفترى عليه : التضارب فى الأقوال المنسوبة لابن الحنفية ) (الكيسانية وتوابعها الالحادية  ) (  عبد الملك بن مروان أنشأ المسجد الأقصى بديلا عن الكعبة ) (صلاتهم التى تأمر بالفحشاء والمنكر والبغى   )  

الخاتمة                       

 

مقدمة الكتاب

1 ـ صدر لنا كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) وفيه عرض لدور قريش فى تدمير الاسلام بالفتوحات وبالفتنة الكبرى . ثم أعقبه كتاب عن مذبحة كربلاء ، وهى التى نتج عنها الفتنة الكبرى الثانية من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير ، وتخللها مقتل مروان بن الحكم .

2 ـ مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير كانا معا من أعمدة الفتنة الكبرى الأولى التى بدأت بمقتل عثمان عام 35 وانتهت بمقتل (على ) عام 40 . وليس غريبا أن تنتهى حياة أعمدة الفتوحات والفتنة الكبرى بالقتل ، مات ابوبكر بالسُّم ، واُغتيل (عمر ) ثم (عثمان )، ثم (على ) وقُتل الزبير و طلحة . هؤلاء الأفراد مسئولون عن قتل مئات الألوف من البشر الأبرياء من أبناء الأمم المفتوحة بالاضافة الى العرب.

3 ـ الفتنة الكبرى الثانية كان من الممكن تفاديها لولا عبد الله بن الزبير ـ الذى زجّ نفسه فى الصراع ، وهو بأسرته القرشية من بنى أسد ليس بشىء مقارنة بفرعى بنى عبد مناف من الهاشميين والأمويين ، علاوة على صفاته الشخصية التى لا تؤهله للزعامة ، فقد كان بخيلا حسودا جبانا ، بينما تمتع الأمويون بتراث فى القيادة والسياسة وبموهبة الكرم وشراء الضمائر بالأموال ، وبه فازوا فى صراعاتهم ضد بنى عمهم الهاشميين ، والذين كانوا أحق منهم بالخلافة طبقا لمفهوم العصر . إستغل ابن الزبير الظروف السياسية ، من الفراغ الذى حدث بمصرع الحسين، وساعده فى الظهور إعتزال معاوية بن يزيد بن معاوية ، والشقاق بين الامويين  والنزاع بين قبائل قيس وكلب ، وانضمام  قبائل قيس لابن الزبير، وتوسع نفوذه سريعا ، ولكن سرعان ما عادت الأمور الى نصابها فخسر أمام الأمويين ولقى حتفه ، بعد أن كلّف طموحه قتل عشرات الألوف من أنصاره وأعدائه ، ، مع انتهاك حُرمة الكعبة ، وبعد أن ارتكب أخوه مصعب مجازر بقتل مئات الأسرى بلا مبرر.

4 ــ نتذكر هنا الشاعر (عبدالله بن مسلم الهذلي القرشى : ( أبو صخر ) الذى كان  موالياً لبني امية ، وكان يعيش فى مكة وقت سيطرة ابن الزبير عليها . ولو كان ابن الزبير يعرف أصول السياسة لاجتذب هذا الشاعر الى جانبه ببعض الأموال ، والشعراء وقتها كانوا أجهزة إعلام تسعى على قدمين . ولكن ابن الزبير لم يبذل جهدا فى إجتذاب هذا الشاعر ، بل عاقبه ابن الزبير بمنع عطائه ( والعطاء هو المرتب المقرر لكل فرد عربى من خيرات الفتوحات ) . ذهب الشاعر يسأل ابن الزبير عن السبب : ( فقال له : علام تمنعني حقاً لي ؟ وأنا أمرؤ  مسلم  ما احدثت في الاسلام حدثاً ولا اخرجت من طاعة يداً ؟ فقال : عليك ببني أمية فاطلب عطاءك عندهم ! ) ورد الشاعر بكلمات بليغة فى مدح بنى أمية وتفضيلهم على آل الزبير : ( فقال :  إذ أجدهم سبطاً أكفهم ، سمحة أنفسهم  ، بذلاً لأموالهم ، وهابين لمجتديهم ،  كريمة اعراقهم ، شريفة اصولهم ، زاكية فروعهم ،  قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبهم وسببهم ) ثم دخل فى التعريض بآل الزبير فقال : (  ليسوا بأذناب ولا شائط ولا اتباع ،  ولا هم في قريش كفقعة القاع ،  لهم السؤدد في الجاهلية ،  والملك في الاسلام ، لا كمن لا يعد في عيرها ولا نفيرها ،  ولا حكم اباؤه في نقيرها ولا قطميرها . ليس من احلافها المطيبين ولا من سادتها المُطعمين . ولا جوادها الوهابين , من هاشمها المنتخبين , ولا عبد شمسها المسودين , كيف نقابل الرؤس بالأذناب ؟ أين النصل من الجفن . والسنان من الزج . والذنابي من القدامي ؟ ) ثم هاجم عبد الله بن الزبير وبُخله فقال : ( كيف يُفضل الشحيح على الجواد ؟  والسوقة على الملك ؟ والمُجيع بخلاً على المطعم فضلاً ؟ ) . تقول الرواية : ( فغضب ابن الزبير حتى ارتعدت فرائضه . وعرق جبينه واهتز من قرته الى إلى قدمه وامتقع لونه ثم قال : يا ابن البوالة على عقبيها , يا جاف يا جاهل . أما والله لولا الحرمات الثلاث : حرمة الاسلام وحرمة  الحرم , وحرمة الشهر الحرام لأخذت ما فيه عيناك . ثم أمر به الى سجن عارم فحبس فيه مدة . ثم استوهبته قريش وهذيل و(من ) له في قريش خوولة في هذيل . فأطلقة بعد سنة . وأقسم ألا يعطيه عطاءً مع المسلمين أبدا فلما كان عام الجماعة وولي عبدالملك وحج فلقيه ابوصخر . فلما رآه عبدالملك قربه وأدناه وقال : " لم يخف علي خبرك مع الملحد ولا ضاع لك عندي هواك ولا موالاتك "  فقال : "  اذا شفى الله نفسي ورأيته قتيل سيفك . وصريع أوليائك . مصلوباً مهتوك الستر مفرق الجمع فما ابالي ما فاتني من الدنيا." ) .كان لقب عبد الله بن الزبير هو ( الملحد ) بسبب إنتهاكه حُرمة البيت ، وتحويله الى ساحة صراع ما لبث أن تحول الصراع السياسى الى صراع حربى أسفر عن تدمير الكعبة .

5 ـ هذه الفتنة الكبرى الثانية من المسكوت عنه ، مع أن آثارها لا تزال سائدة سارية . ولهذا عُنى الباب الأول من هذا الكتاب بتجلية هذه الفتنة بأحداثها ووقائعها وأبطالها ، ثم توقف الباب الثانى مع آثارها السيئة أخلاقيا ودينيا .

6 ــ ونزعم أن هذا الكتاب يسدُّ نقصا فى المكتبة العربية ــ  أُسوةّ بكل ما نكتبه فى تاريخ المسلمين ـ وهذا الكتاب بالذات يبرز المسكوت عنه من أحداث مجهولة وآثار دينية مجهولة  ــ مع خطورتها ـ ثم إنه يسير مع شخصيات تاريخية مجهولة كانت فاعلة وقتها .

7 ـ وأهلا بكم مع هذه الصفحة السوداء المجهولة من تاريخ السلف الصالح ، الذى لا يزال حيا فى عصرنا بما تفعله منظمات الوهابية ، وأبرزها داعش .

 

الباب الأول : الفتنة الكبرى الثانية : وقائع وشخصيات

الفصل الأول : الوقائع

ولاية العهد وتداول السلطة فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 )

 مقدمة

1 ـ   يقول جل وعلا (اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ). هذا حُكم الاهى ينطبق فى كل زمان ومكان على المستكبرين فى أى أرض، يتآمرون فيحيق بهم مكرهم السيء . ومن أبشع مظاهر المكر السىء الوصول للسلطة وتوارثها . أراد الأمويون الوصول للسلطة فأسهموا فى إدخال الصحابة فى الفتنة الكبرى الأولى ، ثم إبتدع معاوية توريث المُلك لابنه يزيد فأشعل الفتنة الكبرى الثانية ، وكان من ضحاياها مئات الألوف من الصحابة والتابعين من مختلف التيارات السياسية ، من الهاشميين والشيعة والزبيريين والخوارج ،ودفع الثمن الأمويون أنفسهم ، وكانت ذرية معاوية نفسه فى مقدمة الضحايا .

2 ـ قُتل الحسين سنة 61، ثم فجأة هلك يزيد بن معاوية فى 14 ربيع الأول سنة 64،وهو فى أوج شبابه وفروسيته ، قيل إن عمره 38 عاما أو 35 عاما ، بعد خلافة استمرت حوالى ثلاث سنوات فقط . وموته الفجائى يرفع علامة استفهام ، وتتراقص علامات الاستفهام كثيرا فى الموت الغامض والمفاجىء للخلفاء الأمويين ( وغيرهم ) بعضهم كانت الدلائل واضحة فى الاغتيال مثل الشاب معاوية الثانى الذى عهد اليه أبوه يزيد بالخلافة فإعتزل وسرعان ما مات وهو في العشرين من عمره بعد أن ظل خليفة أربعين يوما فقط .أكثر من هذا فقد إنتقل الحكم من ذرية معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية الى ابن عمه مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية . اى دفع ابناء معاوية الثمن ، مات ابنه يزيد وحفيده معاوية بن يزيد ، ولا يحيق المكر السىء إلا بأهله

وتولى مروان الخلافة عام 64 ، وسار على سُنّة معاوية فى المكر فدفع الثمن سريعا إذ مات فجأة فى هلال شهر رمضان عام 56 بمؤامرة مكشوفة نجا فيها القاتل من العقاب . وحكم ستة أشهر أو ثمانية أشهر ، وكان عمره 64 عاما . أى دفع جزاء مكره السىء ، وتولى ابنه عبد الملك فقتل ابن عمه عمرو بن سعيد بن العاص ، وسار الخلفاء الأمويون من ابناء عبد الملك على سُنة ابيهم فدفعوا الثمن أيضا . ونعطى بعض التفصيلات .

أولا : لمحة عامة عن المكر السىء ( الأموى ) فى تداول السلطة :

1 ـ بإعتزال الشاب معاوية بن يزيد بن معاوية الخلافة وموته وإعلان ابن الزبير نفسه خليفة في مكة ،انضمت إليه العراق ومصر ومعظم الشام ، وذلك بتحالف قبائل قيس معه لحقدها على قبائل "كلب" المتحالفة مع الأمويين ،ولكن الأمويين عقدوا مؤتمر الجابية سنة 64هـ وفيه اتفقوا على اتحاد كلمتهم، وان يتولى الخلافة مروان بن الحكم ، ثم يتولاها بعده خالد بن يزيد بن معاوية ، ثم عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق )، وكذلك أرضى ذلك المؤتمر كل المتطلعين للخلافة ، ولكنه سنّ سنة سيئة ، وهى العهد لأكثر من واحد بالخلافة ، وكان لهذا أكبر الأثر في حدوث انشقاقات لاحقة في البيت الأموي الحاكم . ذلك أن مروان بن الحكم بعد أن تولى الخلافة تحلل من قرارات مؤتمر "الجابية" ومات سنة 65هـ بعد أن عهد بالخلافة لابنيه عبد الملك بن مروان ثم عبد العزيز بن مروان .

2 ــ وتولى عبد الملك بن مروان (65ـ 86هـ) فتخوف من أطماع عمرو بن سعيد ابن العاص( الأشدق ).وفعلا ثار ( الأشدق ) على ابن عمه ( عبد الملك ) لاعتقاده أنه صاحب الحق فى الخلافة وفقاً لقرارات مؤتمر "الجابية".  وبعد ان أعطاه عبد الملك الأمان والعهود والمواثيق غدر به وقتله . ثم عزم عبد الملك على خلع أخيه عبد العزيز وتولية ابنه الوليد بن عبد الملك. وحاول استرضاء أخيه عبد العزيز ليتنازل عن ولاية العهد فلم يقبل ، وتدخل القضاء والقدر فمات عبد العزيز ، وصفا الجو لعبد الملك فعهد بالخلافة من بعده لولديه الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك.

3 ــ وتولى الوليد بن عبد الملك (86 ـ 96هـ) وكان عصره عصر توطيد ورخاء وفتوحات وصلت إلى مشارف الهند والصين شرقاً وإلى حدود فرنسا غرباً ، وعزم الوليد قبيل موته على خلع أخيه سليمان وتولية ابنه عبد العزيز بن الوليد ، واستشار كبار الدولة فوافقه الحجاج ومحمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم ، وعارضه ابن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان الذي قال له: " إن لك ولأخيك سليمان بيعة واحدة في أعناقنا فإما تبقى وإما أن تسقط ولكنها لا تتجزأ."،  وغضب الخليفة الوليد على ابن عمه عمر بن عبد العزيزبن مروان ، فعزله عن ولاية المدينة وحبسه ، ومات الوليد ( فجأة ) قبل أن يعزل أخاه سليمان ولى عهده .

4 ـ وتولى سليمان بن عبد الملك (96 ـ 99هـ)فحفظ الجميل لابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله كالوزير ، وانتقم من قادة الفتوح الذين أيدوا الوليد بن عبد الملك حين أراد عزله عن ولاية العهد. ومن حسن حظ الحجاج أنه مات قبل تولي سليمان الخلافة ، ولكن سليمان انتقم من آل الحجاج وبقية القادة مثل محمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم وعبد العزيز بن موسى بن نصير. وكان سليمان يريد أن يعهد بعده لابنه أيوب بدلاً من أخيه يزيد بن عبد الملك ، ثم قبل أن يعزل أخاه يزيد بن عبد الملك مات سليمان فجأة فى تمام صحته وشبابه ، وقد حققنا فى مقتله المفاجى ببحث منشور هنا عنوانه :  (التحقيق فى جريمة قتل غامضة حدثت عام 99 هجرية ) ، ومات ابنه الصبى أيوب ، وفي النهاية استخلف عمر بن عبد العزيزبن مروان بن الحكم ، على أن يكون بعده ( يزيد بن عبد الملك ) حتى لا ينقطع الحكم في نسل عبد الملك بن مروان.

5 ــ وتولى عمر بن عبد العزيز الذي أرجع العدل والأمن ، وقد ناقشه الخوارج في مسئوليته عن تولية العهد من بعده ليزيد بن عبد الملك ، وتأثر عمر بأقوالهم ، وخاف بنو أمية أن تصل إصلاحات عمر بن عبد العزيز إلى ولاية العهد فبادروا بقتله بالسم فمات في 25رجب 101هـ .

6 ــ وتولى يزيد بن عبد الملك (101 ـ 105) المشهور بالمجون. وكانت ولاية العهد لأخيه هشام ، ثم بدا له أن يعزل أخاه ليولي ابنه الوليد بن يزيد ، وأرسل لهشام مبعوثاً يحسّن له خلع نفسه من ولاية العهد في نظير أن تكون له ولاية الجزيرة ملكاً خاصاً له ، وكان ذلك المبعوث خالد القسري ، واستجاب هشام ، ولكن خالد القسري نصحه بالرفض ورجع إلى الخليفة يخبره بتصميم هشام على الرفض وتمسكه بولاية العهد. ونصح خالد القسرى الخليفة بأن يظل هشام والياً على أن يتولى بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك. ووافق الخليفة.

7 ــ وتولى هشام بن عبد الملك (105 ـ125هـ) فكافأ خالداً القسري بأن ولاَّه العراق والشرق فأصبح مركز قوة كبرى ومعه قبائل اليمن القحطانية . وكان هشام كالعادة قد حاول عزل ابن أخيه الوليد بن يزيد عن ولاية العهد وتولية ابنه مسلمه ابن هشام ، ولكن عارضه كبار الأمويين ، فصب هشام سخطه على الوليد بن يزيد مما ملأه حقداً على هشام وأسرته.

8 ــ وحين تولى الوليد بن يزيد الخلافة(125ـ 126هـ) انتقم من أولاد عمه هشام وممن مالأ هشاماً في محاولة عزله عن ولاية العهد ، وأشتهر الوليد بالمجون مما أثار عليه الكثيرين فتجمعوا تحت قيادة  (يزيد بن الوليد بن عبد الملك ) المعروف بيزيد الناقص ، الذي نجح في ثورته وقتل الخليفة الوليد بن يزيد سنة 126هـ وتولى مكانه الخلافة وظلّ فيها خمسة أشهر، وكان صالحاً  إلا أن الدولة الأموية دخلت في دور الانهيار السريع بسبب صراع القبائل وانشقاق البيت الأموي وتكاثر خصومها من الشيعة والخوارج والموالي .

9 ــ ولذلك جاء مروان بن محمد بن مروان ثائراً بحجة الحرص على أبناء الوليد المقتول، واستطاع أن يتولى الخلافة . ومروان بن محمد هو آخر خلفاء بني أمية (127 ـ 132هـ) وكان صاحب دهاء ومكر وفروسية ، ولكنه جاء في أواخر الدولة المنهارة المنقسمة على نفسها ، فانغمس في حرب القبائل الثائرة عليه في الشام ، وفى حرب الشيعة في العراق ، وحرب الخوارج بين العراق والحجاز واليمن ، وانشغل عن الخطر القادم إليه عبر خراسان حيث ظهر أبو مسلم الخراساني بالدعوة لبني العباس . وبعد أن انتصر مروان بن محمد على خصومه في العراق والشام والجزيرة العربية فوجئ بالمارد الآتي من الشرق الأوسط يحمل اللواء الأسود ، وقد استولى على خراسان ثم استولى على العراق . وبويع أول خليفة عباسي وهو عبد الله السفاح في الكوفة في ربيع الأول 132هـ . وأرسل الخليفة الجديد جيشاً هزم مروان في موقعة "الزاب" في 11 جمادي الآخرة سنة132هـ ،فهرب مروان إلى مصر ، وقتله العباسيون فيها في آخر ذي الحجة 132هـ ..

وبدأ حكم جديد هو الخلافة العباسية. إلا أنه استعمل نفس طريقة العهد لأكثر من واحد وعزل الأخ لصالح الابن.

ثانيا :   مروان بن الحكم ينقض إتفاق الجابية

1 ـ قرر مؤتمر الجابية سنة 64هـ تولى الخلافة مروان بن الحكم ، ثم بعده خالد بن يزيد بن معاوية ، ثم عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق ). بعد عدة أشهر وفى عام 65 نقض الخليفة مروان بن الحكم قرارات مؤتمر الجابية وجعل العهد لابنيه عبد الملك ثم عبد العزيز على التوالى . ولأن قبيلة كلب هى الرقم الصعب فى المعادلة الأموية ( المتحالفة مع الأمويين والمسيطرة على جنوب الشام ) فقد اتفق معها مروان على أن تؤيد خلع عمرو بن سعيد بن العاص لصالح ابنى مروان .  كان عمرو بن سعيد قد هزم مصعب بن الزبير فى فلسطين ، فأحسّ عمرو بالفخر ، وعزّز هذا أحقيته فى ولاية العهد ، وخاف مروان منه ، فاتفق مروان مع حسان بن مالك بن بحدل زعيم قبيلة كلب على خلع عمرو . تقول الرواية ( في هذه السنة أمرمروان بن الحكم بالبيعة لابنيه عبد الملك وعبد العزيز.وكان السبب في ذلك أنعمرو بن سعيد بن العاص لما هزم مصعب بن الزبير حين وجهه أخوه عبد الله إلى فلسطينرجع إلى مروان وهو بدمشق قد غلب على الشام ومصر، فبلغ مروان أن عمراً يقول: إنالأمر لي بعد مروان، فدعا مروان حسان بن مالك بن بحدل فأخبره أنه يريد أن يبايعلابنيه عبد الملك وعبد العزيز وأخبره بما بلغه عن عمرو، فقال: أنا أكفيك عمراً،فلما اجتمع الناس عند مروان عشياً قام حسان فقال: إنه قد بلغنا أن رجالاً يتمنونأماني، قوموا فبايعوا لعبد الملك وعبد العزيز من بعده، فبايعوا عن آخرهم.).

 ثالثا : عبد الملك بن مروان يقتل عمرو بن سعيد ( الأشدق ) عام 69

1 ـ .  عبد الملك وعمرو يلتقيان في النسب في العاص بنأمية، هذا عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، وذاك عمرو بن سعيد بنالعاص بن أمية، وكانت أم عمرو أم البنين بنت الحكم عمة عبد الملك.وكان عمرو بن سعيد أحد مؤسسى المُلك الأموى ، ولم ينس حقه فى الخلافة . وواتته الفرصة للوثوب على الخليفة عبد الملك بن مروان عام 69 ، وفشل ، ودفع حياته ثمنا لفشله .

 2 ـ كان عمرو بن سعيد مع عبد الملك فى حملة عسكرية لحرب زفر بن الحارث فى قرقيسيا . وأقنع عمر بن سعيد إثنين من زعماء قبيلة كلب وهما (حميد بن حريث الكلبي وزهير بن الأبرد الكلبي ) فانسحبا معه من الجيش الأموى بقواتهما ، ورجعوا الى دمشق حيث إستخلف عبد الملك عليها عبد الرحمن ابن أم الحكم الثقفى ، الذى هرب سريعا ، ودخل عمرو بن سعيد دمشق واستولى على خزائن الأموال ، تقول الرواية :  (  ودخلها عمرو فغلب عليها وعلى خزائنه وهدم دار ابن أمالحكم، واجتمع الناس إليه فخطبهم ومناهم ووعدهم.) . ورجع عبد الملك سريعا بما تبقى من جيشه وحاصر ابن عمه عمرا فى دمشق ، وصارت قبيلة كلب قسمين ، أحدهما مع عبد الملك والآخر مع عمرو بن سعيد الأشدق . وخوفا من أن يهلك الأمويون بعضهم بعضا وتهلك معهم قبيلة كلب تم الاتفاق على الصلح بين عبد الملك وابن عمه عمرو الأشدق ، وكتب عبد الملك كتاب أمان للأشدق . تقول الرواية : ( ثم أن عبد الملك وعمراًاصلحا ، وكتبا بينهما كتاباً ، وآمنه عبد الملك، فخرج عمرو في الخيل إلى عبد الملك،  فأقبل حتى أوطأ فرسه أطناب عبد الملك ، فانقطعت وسقط السرادق، ثم دخل على عبد الملكفاجتمعا.، ودخل عبد الملك دمشق يوم الخميس، فلما كان بعد دخول عبد الملك بأربعةأيام أرسل إلى عمرو أن ائتني . )

3 ــ ثم أرسل عبد الملك الى عمرو يستدعيه ، وحذّر ( عبد الله بن يزيد بن معاوية ) عمرا من الذهاب ، ولكن عمرا كان معتدا بنفسه مغرورا بقوته فقال : (والله لو كنت نائماً ما انتهبني ابن الزرقاء ( يقصد عبد الملك ) ولااجترأ عليّ. ! ) . قال عمرو لرسول عبد الملك (أنا رائح العشية.). تقول الرواية : (  فلما كان العشاء لبسعمرو درعاً ولبس عليها القباء وتقلد سيفه ... ومضى في مائة من مواليه.).

4 ــ وكان عبد الملك قد أعدّ العدة لقتله ، إذ جمع حوله زعيمى كلب وخزاعة ( حسان بن بحدل الكلبي وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي ) وأخوته أولاد مروان بن الحكم.  ودخل عمرو ومعه مواليه ، وكلما دخل بابا تم حبس بعض مواليه ، حتى لم يبق إلا وصيف واحد معه لا يعرف العربية ، واذن عبد الملك لزعيمى كلب وخزاعة بالخروج . وأغلقوا كل الأبواب . تقول الرواية : (  ودخل عمرو، فرحب به عبدالملك ، وقال: هاهنا هاهنا يا أبا أمية! ، فأجلسه معه على السرير، وجعل يحادثه طويلاً،ثم قال: " يا غلام خذ السيف عنه" . فقال عمرو: " إنا لله يا أمير المؤمنين " . فقال عبدالملك: " أتطمع أن تجلس معي متقلداً سيفك ؟"  فأخذ السيف عنه، ثم تحدثا، ثم قال له عبدالملك:  " يا أبا أمية إنك حيث خلعتني آليت بيمين إن أنا ملأت عيني منك وأنا مالك لكأن أجعلك في جامعة ". ( أى يقيده ويوثقه )  وبالاتفاق بين عبد الملك وأخوته على السيناريو والحوار ، فقد قال بنو مروان لأخيهم الخليفة : ( ثم تطلقه يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، وماعسيت أن أصنع بأبي أمية؟ فقال بنوا مروان لعمرو :( أبر قسم أمير المؤمنين. فقال عمرو : قدأبر الله قسمك يا أمير المؤمنين.) أى أراد عبد الملك أن يوثق عمرا بلا مقاومة من عمرو . ورضى عمرو . ( فأخرج ( عبد الملك ) من تحت فراشه جامعة وقال: يا غلام قمفاجمعه فيها. فقام الغلام فجمعه فيها. ) وخاف عمرو أن يراه الناس موثقا مقيدا : ( فقال عمرو: أذكرك الله يا أمير المؤمنين أنتخرجني فيها على رؤوس الناس. ) وبعد أن تمكن منه عبد الملك قال له : ( أمكراً يا أبا أمية عند الموت؟ لاوالله ما كنا لنخرجك في جامعة على رؤوس الناس. ثم جذبه جذبة أصاب فمه السرير فكسرثنيتيه. فقال عمرو: " أذكرك اللهيا أمير المؤمنين كسر عظم مني فلا تركب ما هو أعظم من ذلك ". فقال له عبد الملك:  " والله لو أعلم أنك تبقي عليّ إن أنا أبقيت عليك وتصلح قريش لأطلقتك، ولكن ما اجتمع رجلان في بلدة قط على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه" . فلما رأى عمرو أنه يريد قتله قال: أغدرا  يا ابن الزرقاء! ) ( وقيل: إن عمراً لما سقطت ثنيتاه جعل يمسهنا، فقال عبد الملك: يا عمرو أرى ثنيتيك قد وقعتا منك موقعاً لا تطيب نفسك بعدها.) أى لا بد من قتله .

5 ـ ( وأذن المؤذن العصر فخرج عبد الملك يصلي بالناس ، وأمر أخاه عبد العزيز أن يقتله، فقام إليهعبد العزيز بالسيف، فقال عمرو: " أذكرك الله والرحم أن تلي قتلي، ليقتلني من هو أبعدرحماً منك.! " فألقى السيف وجلس، وصلى عبد الملك صلاة خفيفة ودخل وغلقت الأبواب. )

6 ــ وكان يحيى بن سعيد أخ عمرو بن سعيد الأشدق قلقا على أخيه ، فلما رأى عبد الملك يخرج لصلاة العصر وليس معه عمرو جمع أتباعه فوقفوا بباب عبد الملك ينادون على عمرو الأشدق أن يجيبهم ليطمئنوا على حياته . ولمّا لم تأتهم إجابة هجموا على القصر، ( وكسروا بابالمقصورة وضربوا الناس بالسيوف، وضربوا الوليد بن عبد الملك على رأسه، واحتملهإبراهيم بن عربي صاحب الديوان فأدخله بيت القراطيس... ودخل عبد الملك حين صلى فرأىعمراً بالحياة، فقال لعبد العزيز: ما منعك أن تقتله؟ فقال: " إنه ناشدني الله والرحمفرققت له. " فقال له: " اخزى الله أمك البوّالة على عقبيها، فإنك لم تشبه غيرها! " ، ثم أخذعبد الملك الحربة فطعن بها عمراً ، فلم تجز، ثم ثنّى فلم تجز، فضرب بيده على عضده فرأىالدرع فقال: ودرع أيضاً؟ إن كنت لمعداً! فأخذ الصمصامة وأمر بعمرو فصرع، وجلس علىصدره فذبحه وهو يقول:

يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي **

أضربك حيث تقولالهامة اسقوني ).

7 ـ وحدث قتال بين ( يحيى بن سعيد بن العاص ) وأبناء عمه ( مروان بن الحكم بن العاص ) ، وتم حسم الأمر سريعا ، إذ ألقوا رأس عمرو الى الناس ، وقام عبد العزيز بن مروان بإلقاء الأموال للناس ، تقول الرواية : ( وجاء عبدالرحمن ابن أم الحكم الثقفي فدفع إليه الرأس، فألقاه إلى الناس، وقام عبد العزيز بنمروان وأخذ المال في البدر فجعل يلقيها إلى الناس، فلما رأى الناس الرأس والأموالانتهبوا الأموال . ) وفيما بعد إسترجع عبد الملك تلك الأموال من الناس ، تقول الرواية : ( ثم أمر عبد الملك بتلك الأموال فجُبيت حتى عادت إلى بيتالمال.)

8 ــ وأمر عبد الملك بقتل يحيى بن سعيد، ( فقام إليه عبد العزيز بنمروان فقال: " جعلت فداك يا أمير المؤمنين! أتراك قاتلاً بني أمية في يوم واحد! " فأمربيحيى فحبس. وأراد قتل عنبسة بن سعيد، فشفع فيه عبد العزيز أيضاً، وأراد قتل عامربن الأسود الكلبي، فشفع فيه عبد العزيز، وأمر ببني عمرو بن سعيد فحبسوا.) ( ثم بعث عبد الملك إلى امرأة عمروالكلبية: " ابعثي إلي كتاب الصلح الذي كتبته لعمرو . " ، فقالت لرسوله: " ارجع فأعلمه أن ذلكالصلح معه في أكفانه ليخاصمك عند ربه" . ) 

الخاتمة

الديمقراطية ثقيلة ومُتعبة ولكنها تعطى أسلوبا سلميا لتداول السلطة . أما الاستبداد وتوارث السلطة فهو طريق مفروش بالدماء ، وفى مقدمتها دماء المتصارعين على السُّلطة .

هذه هى حكمة التاريخ ، وقبل ذلك هى قاعدة قرآنية . يقول جل وعلا (اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ).  

ولكن المستبدين لا يعقلون ، وهم أيضا لا يؤمنون .

 

يا حسرة على هذه الرءوس المقطوعة

   الروايات التاريخية فيها تداخل وتقاطع واختلاف وتوافق ، وليس هذا بحثا تاريخيا ، هو مقالات تاريخية تظهر أحداثا تاريخية تعطى لمحات من الفتنة الكبرى الثانية المسكوت عنها والتى قام بها من يعرف بالسلف الصالح . لو كان هذا بحثا تاريخيا لاستلزم كتابة منهجية تتبع الأحداث بالتفصيل ، مع مناقشة الروايات وإختيار الأقرب منها الى الصحة . لكننا هنا نختار أحداثا معينة نراها مهمة فى إبراز المسكوت عنه من تاريخ هذه الشخصيات ، تاركين مهمة التجلية البحثية الكاملة لشباب الباحثين ، ويكفينا هنا فى لمحة سريعة وفى مقالات متتابعة أن أثرنا الانتباه الى أحداث مؤسفة يجب الانتباه اليها .  .

نفوذ ابن الزبير بدأ و تزايد وتعاظم ، وبالتوازى فإن نفوذ بنى هاشم تناقص كلما تزايد نفوذ ابن الزبير. والجدل الذى حدث هنا وكان يصحبه تهديد من ابن الحنفية وابن عباس لابن الزبير وآله كان فى وقت لم تتم فيه السيطرة لابن الزبير . وحين تمت له السيطرة حبسهم وكاد أن يحرقهم. والتداخل بين الروايات مسئول عن ذلك الخلط بين حبس بنى هاشم وطلب ابن الحنفية الانتقال الى الكوفة . ويلاحظ أن موضوع الحرق جاءت الاشارة اليه فى مقال سابق ، ثم جاء تفصيله فى مقال خاص ، وهكذا فى أحداث أخرى جاءت الاشارة اليها فى أسطر ثم سيأتى تفصيلها فى مقالات قادمة  عن تحليل للشخصيات الأساس فى هذا الوقت . وهذا منهج هذا الكتاب الذى يتكون من مقالات منفصلة متصلة على نسق الحلقات الدرامية المنفصلة المتصلة . وقد إخترت هذه الطريق لكسر رتابة وغلظة البحث التاريخى ، ونحن مضطرون لهذا لجذب القارىء الذى يقرأ للتسلية . ولا مانع أن نجمع له بين التسلية والعلم ما إستطعنا.  

مقدمة :

1 ـ  خلال عشر سنوات ( 61 : 71 )  فقط شهد  قصر الامارة بالكوفة أربع رءوس مقطوعة لمشاهير الناس وقتها : رأس الحسين ، ثم رأس عبيد الله بن زياد ، ثم رأس المختار الثقفى ، ثم رأس مصعب بن الزبير . شهد هذا كله شخص إسمه  عبد الملك بن عمير الليثي . قال ‏:‏ ( رأيت في قصر الإمارة بالكوفة رأسالحسين رضي الله عنه بين يدي عبيد الله بن زياد ، ثم رأيت رأس ابن زياد بين يديالمختار ،  ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير،  ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبدالملك بن مروان‏ .)

2 ـ نتخيل ما سبق فى هذه المشاهد الدرامية :

م1 : عبيد الله بن زياد على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 61 : وأمامه رأس الحسين .

م 2 : المختار بن عبيد الثقفى على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 64 : وامامه رأس عبيد الله بن زياد .

م 3 : مصعب بن الزبير على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 67 : وأمامه رأس المختار بن عبيد الثقفى .

م 4 : عبد الملك بن مروان على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 71 : وأمامه رأس مصعب بن الزبير .

هذه ( رءوس ) موضوعات فى الفتنة الكبرى الثانية التى تفجرت بسبب وراثة يزيد بن معاوية الحكم وما تسبب عنها من قتل الحسين .  نعطى لمحة عن الفتنة الكبرى الأولى ، ثم بعض  لمحات تاريخية عن هذه الفتنة الكبرى الثانية .  

أولا:  عرض سريع للفتنة الكبرى الأولى فى عصر الصحابة

1 ـ بعد موت خاتم المرسلين ـ عليهم جميعا السلام ـ عايش الصحابة الفتنة الكبرى التى ترتبت على الفتوحات العربية ـ لا الاسلامية لأنها حملت اسم الاسلام زورا وبهتانا ـ وفيها نهب العرب كنوز فارس ومصر وما بينهما وما بعدهما شرقا وغربا. ثم اختلفوا فى توزيع المال المنهوب والأراضى الزراعية، إذ فازت قريش ـ والأمويون بالذات ـ بالنصيب الأكبر ، على حساب جند الفتوحات من قبائل نجد وغيرهم ، فاحتج زعماء الأعراب ـ الذين كانوا مرتدين من قبل ، وواجه عثمان احتجاجهم بالاضطهاد ( عام 33 هجرية ) فتحول الاحتجاج الى ثورة احتل فيها الثوار المدينة وقتلوا عثمان عام 35، وعينوا ( عليا ) خليفة فى المدينة فأعطوا الفرصة لمعاوية للمطالبة بالثأر، محملا  (عليا ) المسئولية. بينما ثار صحابة آخرون وتزعموا ثورة ضد (على ) وقادهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله والسيدة عائشة، وهزمهم (على) فى موقعة الجمل، وهى أول حرب طاحنة بين الصحابة (عام 36). ثم اضطر (على) لحرب معاوية، وكاد أن ينتصر عليه فى (صفين) (عام 37) لولا لجوء عمرو بن العاص الى خدعة التحكيم، أى الاحتكام الى كتاب الله، وأرغم أعراب (نجد) وغيرهم  ، من شيعة وجند (على) (عليا) على قبول التحكيم، رغم تحذيره لهم بأنها خدعة، فأضاعوا الانتصار فى صفين، ثم أرغموا (عليا) على أن يعين مندوبا عنه فى مفاوضات التحكيم، وهو (أبوموسى الأشعرى) ليتفاوض مع مندوب معاوية وهو عمرو بن العاص، فأعطوا بذلك اعترافا صريحا بشرعية معاوية وكونه ندا (لعلى). وانتهى التحكيم بمهزلة خداع عمرو لأبى موسى الأشعرى، فثار نفس الأعراب على (على) تحت شعار ( لا حكم الا لله)، وطلبوا من (على) أن يعترف بكفره ويتوب لأنه وافق على التحكيم، كما اعترفوا هم بكفرهم وتوبتهم حين أرغموه على قبول التحكيم. ورفض (على) فخرجوا عليه وحاربوه فهزمهم فى النهروان، فقتله أحدهم (ابن ملجم) عام 40. واكتسبوا آخر ألقابهم وهو (الخوارج ).

2 ـ الخوارج أهم مظاهر ونتائج الفتنة الكبرى الأولى . هؤلاء الصحابة كانوا فى البداية كفارا فأسلموا كيدا لقريش ، ثم ارتدوا حين عادت السيطرة لقريش بعد موت النبى محمد ، ولما هزمهم أبوبكر عادوا للاسلام، ثم بعدها مباشرة أصبحوا عماد الفتوحات ، ثم أصبحوا الثوار على عثمان، ثم شيعة على، وفى النهاية خرجوا عليه فأصبحوا (الخوارج). ترتب على الفتنة الكبرى الأولى أيضا تأسيس معاوية للدولة الأموية. فبعد قتل (على) بايع ابنه الحسن معاوية فيما سمى بعام الجماعة (40هجرية) ، وخرج على هذا الاجماع الخوارج فظلوا فى حرب مع معاوية وبقية خلفاء الدولة الأموية الى سقوطها عام 132 هجرية.

وبعد استتاب الأمر لمعاوية خطط لتوريث ابنه يزيد الخلافة ، فتولاها يزيد فى شهر رجب عام 60 بقوة السلاح ، فنشبت الفتنة الكبرى الثانية . كانت الفتنة الكبرى الأولى فى عصر الصحابة ، وكانت الفتنة الكبرى الثانية فى عصر أبنائهم، أى  فى عصر ( التابعين ).

ثانيا : ملامح الفتنة الكبرى الثانية فى عصر التابعين

1 ـ  كان تولي يزيد بن معاوية الحكم بالوراثة سابقة خطيرة في تاريخ المسلمين ، ولم تمر بسهولة ، إذ ترتب عليها أحداث خطيرة لا تزال تؤرق الضمير المسلم حتى الآن ، فى فترة حكمه القصير كان قتل الحسين وآله في "كربلاء" ، ثم اقتحام المدينة وقتل أهلها ، ثم انتهاك البيت الحرام وضرب الكعبة بالمنجنيق .  

2 ـ بدأت الفتنة الكبرى الثانية بثورة الحسين وقتل الحسين ومعظم اهله فى كربلاء عام 61 هجرية . وقد عرضنا لذلك بالتفصيل فى كتاب منشور هنا . وتم عرض رأس الحسين على والى الكوفة عبيد الله بن زياد فى قصر الامارة بالكوفة فى هذا العام 61 .

3 ــ من دمشق عادت زينب بنت على ( أخت الحسين ) الى المدينة تحمل رأس الحسين  ومعها ابن اخيها الصبى على زين العابدين ابن الحسين وبنات الحسين وغيرهن ممن صحبنه  فى هذه الحملة المشئومة . كان يزيد بن معاوية قد حاول إستمالة أهل المدينة ، ولكن ما حدث للحسين فى كربلاء فجّر ثورة المدينة ، فأرسل يزيد حملة عسكرية يقودها مسلم بن عقبة ، استطاعت هزيمة أهل المدينة واستحلالها وقتل معظم اهلها وهتك أعراض نسائها فى موقعة الحرة فى شهر حرام هو ذو الحجة عام 63 .

4 ــ وكان عام 64 خطيرا :

4 / 1 : فقد إستغل عبد الله بن الزبير   مذبحة كربلاء فأعلن نفسه خليفة فى مكة وبايعه أهل مكة والحجاز . وأمر يزيد بن معاوية قائد جيشه مسلم بن عقبة بعد أن هزم أهل المدينة أن يتوجه لاخماد ثورة ابن الزبير فى مكة . وأطلقوا عليه لقب ( مسرف ) بدلا من ( مسلم ) . ومات ( مسلم ) بن عقبة أثناء توجهه بالجيش الأموى للقضاء على تمرد ابن الزبير فى مكة ، فتولى القيادة الحصين بن نمير الذى حاصر مكة والكعبة عام 64 ، وأثناء الحصار شبت النار فى أستار الكعبة بضربة من المنجنيق يوم السبت 3 ربيع الأول عام 64 ، فترك ابن الزبير الحريق يأتى على الكعبة نكاية فى الأمويين وتشنيعا عليهم . وجاءت الأنباء بعدها بموت يزيد بن معاوية فى 14 ربيع الأول عام 64 ، فعرض قائد الجيش الأموى الحصين بن نمير على عبد الله بن الزبير أن يعترف به خليفة مقابل أن يترك الحجاز ويأتى معه الى دمشق ، وكان رأيا صائبا ، ولكن رفضه ابن الزبير . وانفض حصار مكة ورجع الجيش الأموى خائبا .واعتزل الخليفة الجديد معاوية بن يزيد بن معاوية الحكم بعد حوالى شهر من ولايته متبرئا مما فعله أهله الأمويون فقتله أهله بالسم فمات وهو ابن 13 عاما . ودخل المسلمون فى فترة اضطراب كان أكثر المستفيدين منها عبد الله بن الزبير.

4 / 2 : أصبح موقف الأمويين عسيرا فى الشام ، إذ إختار العرب في مصر الانضمام الى ابن الزبير ، بل إن أنصار الأمويين فى الشام انفضوا عنهم وبايعوا ابن الزبيرمثلما فعل النعمان بن البشير فى حمص وزفر بن الحارث الكلابى فى قنسرين ، وجاءت الطامة الكبرى لبنى أمية بأن بايع الضحاك بن قيس الفهرى لابن الزبير. والضحاك بن قيس كان أبرز مؤيدى الأمويين من قبل ، وهو زعيم قبائل قيس المضرية فى الشام والمتولى أمر دمشق نفسها بعد انهيار الحكم الأموى فيها .

4 / 3 : وكان عام 64 خطيرا أيضا بالنسبة لعبيد الله بن زياد بالعراق . بلغه موت يزيد وإعتزال ابنه معاوية واختلاف بنى أمية ، فجمع أهل البصرة وخطب فيهم متحببا اليهم ، فبايعوه على الامارة الى أن ينجلى الأمر ، وبعد أن تركوه خلعوا بيعته ، وتابعهم أهل الكوفة ، وإنفض عنه أنصاره فلم يعد أمره نافذا فيهم . وجاء مبعوث من ابن الزبير يدعو لبيعته ، فهرب عبيد الله بن زياد ، ثم لحق بالأمويين فى الشام .

4 / 4 : واجتمع لابن الزبير أهل الكوفةوالبصرة ومن بالقبلة من العرب وأهل الجزيرة وأهل الشام إلا أهل الأردن حيث تتمركز قبيلة كلب ‏.‏هذا الوضع المتردى للأمويين جعل كبيرهم مروان بن الحكم يفكر فى البيعة لابن الزبير ، ولكن أثناه عن ذلك عبيد الله بن زياد والى العراق ـ بعد هروبه من العراق الى الشام ـ والحصين بن النمير العائد من حصار الكعبة وقتال ابن الزبير. ووقف الى جانب الأمويين فى محنتهم حسان بن بحدل الكلبى خال يزيد بن معاوية وزعيم قبائل كلب فى الشام . وكان ابن الزبير بغبائه قد طرد عائلات الأمويين فى الحجاز فأتاح لهم التجمع فى الشام . وعقدوا مع أنصارهم مؤتمر الجابية ، واتفقوا فيه فى 3 ذى القعدة 64 على تولى الخلافة مروان بن الحكم شيخ الأمويين وقتها ، ثم يليه خالد بن يزيد بن معاوية ثم عمرو بن سعيد بن العاص . بهذا أرضى مؤتمر الجابية كل المتطلعين للخلافة ، ولكنه سنّ سنة سيئة ، وهى العهد لأكثر من واحد بالخلافة ، وكان لهذا أكبر الأثر في حدوث انشقاقات في البيت الأموي الحاكم . ـ

 4 / 5 : وبدأ مروان بن الحكم باستخلاص الشام من أتباع ابن الزبير ، فهزم الضحاك بن قيس الفهرى وقتله فى موقعة مرج راهط ، عام 64 ، ويقال 65 ، وفيها فقدت قبائل قيس الكثير من أشرافها والآلاف من أبنائها على يد أنصار الأمويين من قبائل كلب ، فأحدث هذا ثأرا داميا بين قيس وكلب استمر يتفاعل طيلة الدولة الأموية مما أسهم فى القضاء عليها . وليحمى ظهره بعدها سار مروان بن الحكم لاسترداد مصر من والى ابن الزبير ، وهو عبد الرحمن بن جحدم الفهرى القرشى فقتله . ولكن ظل العراق شوكة فى ظهر مروان بن الحكم . وكان يتبع العراق خراسان وما حولها ، فأرسل مروان  جيشا يقوده عبيد الله بن زياد الى منطقة الجزيرة وقرقيساء حيث إنضم زفر بن الحارث لابن الزبير ، وهزم ابن زياد زفر بن الحارث ، واتجه للعراق ليعيده الى السيطورة الأموية .

 5 : وشهد عام 65 أحداثا هامة :

5 / 1 : نقض مروان بن الحكم لاتفاق الجابية ، إذ عزل من ولاية العهد كلا من خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد ، وعهد لابنيه على التوالى عبد الملك ثم عبد العزيز. ومات مروان فتولى ابنه عبد الملك بن مروان عام 65 . وعبد الملك هو الذى أعاد تأسيس الدولة الأموية ، ووطّد أمورها . وبه انتهت الفتنة الكبرى الثانية ، التى شارك فيها الصحابة وأبناء كبار الصحابة مثل ابن الزبير وابن عباس والحسين والنعمان بن البشير،وغيرهم .

5 / 2 : وبعث عبد الملك بن مروان يأمر عبيد الله بن زياد بإسترداد العراق . وتحركت الشيعة فى العراق للثأر من قتلة الحسين تحت شعار ( التوابين )، وتزعمهم سليمان بن صرد ، وقد هزمهم عبيد الله بن زياد فى  موقعة عين الوردة في شهر ربيع الآخر‏.‏ 65  .

6 ـ فى عامى 66 :67

 ظهر فى العراق مغامر اسمه المختار الثقفى سيطر على معظم العراق فى هذا العام ، واستقر فى كرسى الامارة . كان يزعم تبعيته لآل البيت ودعوته لمحمد بن على بن أبى طالب ( ابن الحنفية ) أكبر أولاد (على ) والمقيم فى الحجاز تحت سيطرة ابن الزبير ، ومرة بزعمه التبعية لابن الزبير ، ولكن هواه كان أكثر مع الهاشميين . ولكن المختار كان حريصا على ألاّ يأتى محمد بن الحنفية الى العراق حتى يظل فى سلطته بالعراق ، وكان فى نفس الوقت يخادع ابن الزبير يوهمه أنه على بيعته . وظهر لابن الزبير نفاقه حين هدد ابن الزبير باحراق كل بنى هاشم إن لم يبايعوا له ، بل جمعهم وكاد أن يشعل فيهم النار ، فبعثوا يستغيثون بالمختار فى العراق فارسل المختار لهم فرقة من الجيش لانقاذهم ، وعندما رأى ابن الزبير جيش المختار هرب واستنجد بالكعبة ، وتم انقاذ محمد بن الحنفية وسائر بنى هاشم وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم، فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فقالوا: خل بيننا وبينعدو الله ابن الزبير! فقال لهم: إني لا أستحل القتال في الحرم. . وأصبح العداء علنيا بين المختار الثقفى وابن الزبير .

والمختار الثقفى هو الذى تتبع بالقتل كل من شارك فى مذبحة كربلاء ،وقد انضم اليه ابراهيم بن الأشتر النخعى بمن معه من الشيعة فأرسله المختار ليقاتل عبيد الله بن زياد . وكان ابن زياد قد سار في عسكر عظيم من الشام، فبلغالموصل وملكها،  ، فسار إبراهيم بن الأشتر الى الموصل ، وجرت موقعة هائلة انتصر فيها العراقيون الشيعة على جنود اهل الشام الأمويين ، وقتل ابراهيم بن الأشتر عبيد الله بن زياد فى المعركة دون ان يعرفه . وتم التعرف عليه فاحتزوا رأسه وأرسلوها الى المختار فى الكوفة بينما أحرقوا جسده ، وكان هذا عام 67 .

وفى نفس العام  67 كانت هزيمة المختار وقتله على يد مصعب بن الزبير . إذ أرسل ابن الزبير أخاه مصعب ـ وكان فارسا شجاعا شهما الى العراق ـ فهزم المختار وقتله عام 67 وضم العراق لأخيه . وتم عرض رأس المختار على مصعب بن الزبير .

وجاء مصعب لأخيه عبد الله بن الزبير بالبشرى فما كان من ابن الزبير إلا أن عزل أخاه وحبسه وولّى العراق ابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير واليا على العراق، وكان شابا قليل الخبرة خفيف العقل فاستخف به أهل العراق فاضطر ابن الزبير لعزل ابنه واعادة أخيه مصعب للعراق.

7 ـ  وهناك فى الشام مكث عبد الملك بن مروان يعد جيشه ويستعد للمواجهة الكبرى فى العراق تاركا مصعب بن الزبير يستنفذ قواه فى معارك متتالية مع المختار الثقفى ثم مع الخوارج الأزارقة وغيرهم ، وفى عام 71 كان جيش مصعب منهكا فزحف اليه عبد الملك بجيشه فهزم مصعب وقتله .

وتم عرض رأس مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان

8 ـ وبهذا حوصر عبد الله بن الزبير فى الحجاز حيث لا زرع ولا ضرع . وفى عام 72 بعث عبد الملك بجيش يقوده الحجاج بن يوسف فأعاد حصار مكة والحرم فى هلال ذى القعدة الشهر الحرام عام 72 ، واستمر الحصار ستة أشهر وسبع عشرة ليلة وقيل ثمانية أشهر ، فتفرق عن ابن الزبير معظم أتباعه وأهله ومنهم ابناه حمزة وخبيب ، إذ تسللا الى الحجاج وأخذا منه أمانا .وظل ابن الزبير يقاتل يأسا الى أن سقط صريعا ، فاحتزّ الحجاج رأسه وبعث بها الى عبد الملك فى دمشق .وعُرضت رأس عبد الله بن الزبير على عبد الملك فى قصر الخلافة فى دمشق .

أخيرا :

1 ـ هذا السلف (الصالح ) الذى سار على سُنّة ( الخلفاء الراشدين المهديّين )   : كم رأسا قطع ؟

2 ـ تقطيع الرءوس كان سُنّة محمودة مرعية ، ومهما تباعد المكان كانت الرأس المقطوعة تُحملُ الى حيث المنتصر فيتسلى بالعبث بالرأس .

3 ـ  وقتها لم يحظ مئات الألوف من القتلى بشرف تقطيع رءوسهم . تقطيع الرءوس كان فقط ( للرءوس الكبيرة ) ليست كبيرة الحجم ولكن كبيرة المقام . الزعيم القائد المقتول هو الذى يحظى بشرف قطع رأسه وحملها من مكة الى دمشق ، أو من كربلاء الى الكوفة ، أو من الموصل الى الكوفة . وتتعفن الرأس فى الطريق ولكن هذا لا يمنع من حتمية وصولها الى من يهمه الأمر ليشفى غليله .

4 ـ هناك بضع عشرات من الرءوس تم قطفها ـ أو تم قطعها ــ للزعماء فى هذه الفتنة الكبرى الثانية . ولكن تم التوسع فى قطع المئات من الرءوس بعدها ، خصوصا من الحجاج صاحب العبارة الشهيرة :( إنى لأرى أرؤسا قد أينعت وحان قطافها ، وإنى لصاحبها ) هل هناك غرام بقطع الرءوس أكثر من هذا ؟

5 ـ هل نلوم داعش ..وحدها ؟  

موقعة الحرة وانتهاك حُرمة المدينة  

موقعة الحرة وانتهاك حُرمة المدينة : صفحة سوداء من تاريخ السلف الصالح

أولا : عام 63

 1 ـ بعد مأساة كربلاء عيّن يزيد بن معاوية ( عاملا ) أى واليا على المدينة هو  ( عثمان بن محمد بن أبي سفيان ) الذى ارسل  إلى يزيد وفدا من أهل المدينة فيهم عبدالله بن حنظلة الأنصاري وعبدالله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي والمنذر بن الزبير ورجالا كثيرا من أشراف أهل المدينة . فقدموا على يزيد بن معاوية فأكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم ، واعطى المنذر بن الزبير مائة ألف درهم .

2 ـ ثم رجعوا الى المدينة حيث أعلنوا شتم يزيد وخلع بيعته ، وقالوا : ( إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويضرب عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسامر الفتيان وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه )، فاجابهم الناس يقولون عن يزيد ( خلعناه كما نخلع  نعالنا ) . وبايعوا عبدالله بن حنظلة الانصارى أميرا عليهم . وكان المنذر بن الزبير  ممن يحرض على يزيد  ، وكان من قوله : ( إن يزيد والله لقد أجازني بمائة الف درهم وإنه لا يمنعني ما صنع إلي أن أخبركم خبره وأصدقكم عنه ، والله إنه ليشرب الخمر وإنه ليسكر حتى يدع الصلاة . ) . وبلغ يزيد بن معاوية قول المنذر بن الزبير فيه فقال : ( اللهم إني آثرته وأكرمته ففعل ما قد رأيت فاذكره بالكذب والقطيعة . ) .

3 ــ وبعث  يزيد بن معاوية (النعمان بن بشير الأنصاري ) ليقنع أهل المدينة بالرجوع عن خلع بيعته ، وقال له: ( ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي ، وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك . ) فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة وخوفهم الفتنة وقال لهم : ( إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم ) فرفضوا .

ثانيا :  وفى مطلع عام 64 :

1 ـ هاجم أهل المدينة الوالى الأموى ( عثمان بن محمد بن أبي سفيان )  ومن معه من بنى أمية ومواليهم ومؤيديهم ، وكانوا نحو ألف رجل ، فهربوا الى بيت مروان بن الحكم فحاصروهم فيه. فارسلوا رسالة يستغيثون فيها بيزيد بن معاوية فى دمشق ، حملها اليه حبيب بن كرّة ، فدخل على يزيد وسلمه الرسالة ، وفيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فإنه قد حصرنا في دار مروان بن الحكم ومنعنا العذب ورمينا بالجبوب ، فياغوثاه يا غوثاه  ) . وقرأ يزيد الرسالة ، فأرسل الى عمرو بن سعيد بن العاص ليجعله قائدا على الجيش الذى يتوجه للمدينة ، فرفض عمرو بن سعيد بن العاص وقال : (إنما هي دماء قريش تهراق بالصعيد فلا أحب أن أكون أنا أتولى ذلك ، يتولاها من هو أبعد منهم مني ) ، وعيّن الخليفة يزيد ( مسلم ابن عقبة المري ) قائدا للجيش ، وكان شيخا كبيرا ضعيفا مريضا. وجمع مسلم بن عقبة اثنا عشر الف رجل، واعطى كل فرد  مائة دينار مع العطاء السنوى.  وتحرك الجيش وأوصى يزيد بن معاوية قائد الجيش ( مسلم بن عقبة ) فقال : (إن حدث بك حادث فاستخلف في الجيش حصين بن نمير السكوني ). وقال له  ( ادع القوم ثلاثا ، فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا أظهرت عليهم فأبحها ثلاثا ، فما فيها من مال أو رقة أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس . وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا وأدن مجلسه ، فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه .) .

2 ــ وعرف أهل المدينة بإقتراب الجيش الأموى فشددوا الحصار على الأمويين المحاصرين فى بيت مروان بن الحكم ،  وقالوا : ( والله لا نكف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم او تعطونا عهد الله وميثاقه لا تبغونا غائلة ولا تدلوا لنا على عورة ولا تظاهروا علينا عدوا فنكف عنكم ونخرجكم عنا ) ، فأعطوهم عهد الله وميثاقه ( لا نبغيكم غائلة ولا ندل لكم على عورة ) . فأخرجوهم من المدينة

3 ـ وخرجت بنو أمية بأثقالهم . فقابلوا مسلم بن عقبة بوادي القرى . ودعا مسلم بن عقبة بعمرو بن عثمان بن عفان ، فقال له : ( أخبرني خبر ما وراءك ، وأشر علي ) قال : ( لا أستطيع أن أخبرك . أخذ علينا العهود والمواثيق ألا ندل على عوره ولا نظاهر عدوا ).  فانتهره ، ثم قال : ( والله لولا أنك ابن عثمان لضربت عنقك ، وايم الله لا أقيلها قرشيا بعدك.)( أى لا أقبلها  )  فخرج فأخبر بنى أمية فارتعبوا من مسلم بن عقبة ، فقال مروان بن الحكم لابنه عبدالملك : ( ادخل قبلي لعله يجتريء بك عني . ) فدخل عليه عبدالملك ،  فقال له مسلم بن عقبة : ( هات ما عندك أخبرني خبر الناس وكيف ترى ) فقال له : ( نعم.  أرى أن تسير بمن معك فتنكب هذا الطريق إلى المدينة حتى إذا انتهيت إلى ادنى نخل بها نزلت فاستظل الناس في ظله وأكلوا من صقره ، حتى إذا كان الليل أذكيت الحرس الليل كله عقبا بين أهل العسكر ، حتى إذا أصبحت صليت بالناس الغداة  ، ثم مضيت بهم وتركت المدينة ذات اليسار،  ثم أدرت بالمدينة حتى تأتيهم من قبل الحرة مشرقا  ، ثم تستقبل القوم فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم وطلعت الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم ، وتقع في وجوههم فيؤذيهم حرها ويصيبهم أذاها ، ويرون ما دمتم مشرقين من ائتلاق بيضكم وحرابكم وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم وسواعدكم ما لا ترونه أنتم لشيء من سلاحهم ما داموا مغربين . ثم قاتلهم واستعن بالله عليهم فإن الله ناصرك إذ خالفوا الإمام وخرجوا من الجماعة. ) فقال له مسلم : ( لله أبوك أي امرئ ولد إذ ولدك.!  لقد رأى بك خلفا . ) .

4 ـ ونفّذ مسلم بن عقبة نصيحة عبد الملك بن مروان بن الحكم . وأتى مسلم بن عقبة المدينة من المشرق ، ودعا أهلها  فقال : ( يا أهل المدينة إن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يزعم أنكم الأصل وإني أكره هراقة دمائكم ، وإني أؤجلكم ثلاثا ، فمن ارعوى وراجع الحق قبلنا منه ، وانصرفت عنكم ، وسرت إلى هذا الملحد الذي بمكة ( يعنى عبد الله بن الزبير ) وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إليكم ) . ولما مضت الأيام الثلاثة قال : ( يا أهل المدينة قد مضت الأيام الثلاثة فما تصنعون ؟ أتسالمون أم تحاربون ؟  فقالوا : بل نحارب . فقال لهم : لا تفعلوا بل ادخلوا في الطاعة ونجعل حدنا وشوكتنا على هذا الملحد  ) يقصد عبد الله بن الزبير فى مكة . فرفضوا .  

5 ــ وحفر أهل المدينة خندقا ، ووزعوا انفسهم فى الدفاع عن المدينة ، وكان القائد العام هو الأمير عبدالله بن حنظلة الأنصاري . واشتد أهل المدينة فى الهجوم حتى وصلوا فسطاط مسلم بن عقبة ، وكان مسلم فى مرضه قد أمر أن يوضع سريره ظاهرا وأمر أتباعه بالدفاع عنه وإلا حرمهم من العطاء ، وتلاحم المقاتلون وانتهت المعركة بهزيمة اهل المدينة وقتل زعمائهم .

6 ــ  وأباح مسلم لجيشه المدينة ثلاثة ايام ، يقتلون الناس ويأخذون الأموال ويغتصبون النساء . ثم دخل   المدينة فدعا الناس للبيعة على أنهم ممتلكات  ليزيد بن معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء. وقتل من لم يبايع بهذه الصيغة ،  قال يزيد بن عبد الله بن ربيعة‏:‏( نبايع على كتاب الله ) ، فأمر به فضربت عنقه. وجىء له بسعيد بن المسيب إلى مسلم فقالوا‏:‏ بايع فقال‏:‏ أبايع على سيرة أبي بكر وعمر، فأمر بضرب عنقه ، فشهد له رجل أنه مجنون فخلى عنه‏.وطلب بعضهم الأمان فقتلهم مسلم بن عقبة. ونفّذ وصية يزيد فى إكرام على زين العابدين .

7 ـ ورووا فظائع عما جرى فى المدينة . قالت إحداهن : (  رأيت امرأة من قريش تطوف فعرض لها ( شخص ) أسود فعانقته وقبلته، فقلت‏:‏ يا أمة الله أتفعلين هذا بهذا الأسود؟ قالت‏:‏ هو ابني وقع عليّ أبوه يوم الحرة فولدت هذا‏.‏)، وعن اغتصاب بنات المدينة العذارى روى المدائني  ‏:‏ ( ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج ).  

ثالثا : 

1 ـ وكان مسلم بن عقيل يؤمن بأن ما يفعله هو عمل صالح ، فقد قال : ( ليس شيء أحب إلي من الموت على طهارتي، فإني لا أشك أن الله قد طهرني من ذنوبي بقتلي هؤلاء الأرجاس‏.)

2 ـ وردا على إذلال أهل المدينة وإنتهاك حُرمتها صيغت أحاديث تعطى المدينة قُدسية وتهدد من يهاجمها  ، وشاعت هذه الأحاديث حتى تم تسجيلها فى العصر العباسى الثانى  ، ومنها حديث  البخاري  :‏‏(‏لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء‏)‏‏)‏‏.و حديث ( مسلم  )  ‏:‏ ‏(‏‏ ‏لا يريد أحد المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص - أو ذوب الملح في الماء -‏)‏‏)‏‏.،‏ ‏(‏‏ ‏من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء‏)‏‏)‏‏.‏وحديث أحمد بن حنبل ‏:‏  (‏من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً‏)‏‏)‏‏.‏ ، ‏‏(‏من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين‏)‏‏)‏‏.‏و الدار قطني عن أحدهم ‏:‏ (  خرجنا مع أبينا يوم الحرة وقد كف بصره فقال‏:‏ تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقلنا‏:‏ يا أبة وهل أحد يخيف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏  فقال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من أخاف أهل هذا الحي من الأنصار فقد أخاف ما بين هذين‏)‏‏)‏ - ووضع يده على جبينه .

3-‏.‏وفى العصر المملوكى شاع تقديس السلف الصالح وتبرير خطاياهم، وقد روى ابن كثير فى تاريخه ( البداية والنهاية ) هذه الأحاديث فى تعليقه على موقعة الحرة . وقال : ( قد استدل بهذا الحديث وأمثاله من ذهب إلى الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية ...‏ومنع من ذلك آخرون وصنفوا فيه أيضاً لئلا يجعل لعنة وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة، وحملوا ما صدر عنه من سوء التصرفات على أنه تأول وأخطأ‏.‏ وقالوا‏:‏ إنه كان مع ذلك إماماً فاسقاً، والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء ، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنة، ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام، ونهب الأموال، وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن، وغير ذلك مما كل واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه كما جرى مما تقدم إلى يومنا هذا‏.‏.) ودافع ابن كثير عن يزيد بن معاوية فقال : ( .وأما ما يذكره بعض الناس من أن يزيد لما بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرة من مسلم بن عقبة وجيشه، فرح بذلك فرحاً شديداً، فإنه كان يرى أنه الإمام وقد خرجوا عن طاعته، وأمروا عليهم غيره، فله قتالهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة‏.‏كما أنذرهم بذلك على لسان النعمان بن بشير ومسلم بن عقبة كما تقدم، وقد جاء في ‏(‏الصحيح‏)‏‏:‏ ‏(‏‏(‏من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائناً من كان‏)‏‏)‏‏.

4 ـ هذا رأى الامام السلفى ابن كثير متناقضا فى دفاعه عن ( السلف الصالح ) . 

 

حصار الحرم وحرق الكعبة  ـ صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح

أولا : الحصار الأول لابن الزبير فى مكة

1 ـ كان معاوية عند وفاته قد حذر ابنه يزيد من عبد الله بن الزبير بالذات ، وأوصى ابنه أن يأخذ ابن الزبير بالشدة . كما حذره من عصيان اهل المدينة ، وأوصاه إن فعلوا فليبعث لهم بمسلم بن عقبة لأنه يثق فى إخلاصه . وفعلا فقد اعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفة ، وتحصّن بالبيت الحرام رافضا ان يذهب الى العراق فينتهى قتيلا مثل ( على ) وابنه ( الحسين ). يبدو أن ابن الزبير قد ظن أن حُرمة البيت ستجعل الأمويين يتحرجون من بعث جيش اليه فينتهك حُرمة البيت الحرام . والواقع أن الأمويين بعد قتل الحسين قد وصلوا الى نهاية الشوط ، فلم يعوددوا يتحرجون من شىء ولا يتوقفون عن شىء ، ولا تأخذهم فى إحتفاظهم بمُلكلهم لومة لائم . وفعلا فإن الأمويين أرسلوا جيشهم فى الشهر ( الحرام  ) ليهاجم ابن الزبير الثائر المستجير بالبيت ( الحرام  ). مسئولية ابن الزبير تعادل ـ إن لم تتفوق على ــ مسئولية الأمويين ، لأنه هو الذى وضع البيت الحرام فى هذا الموضع ، إختار أن يجعله مركزه الحربى وحصنه الذى يتحصّن به. فإذا كان حراما حمل السلاح فى الحرم فكيف بتحويل الحرم الى ثكنة عسكرية ، تقول لأعدائها تعالوا حاربونى . ؟ .

2 ـ ويذكر الطبرى أن ابن الزبير عندما أعلن ثورته فى مكة بعث يزيد بن معاوية الى الوالى عبيد الله بن زياد فى العراق يأمره بغزو ابن الزبير فى الحرم ، فرفض ابن زياد وقال : ( لا أجمعهما للفاسق أبدا ، أقتل ابن بنت رسول الله وأغزو البيت )؟!.. برفض ابن زياد أمر يزيد بن معاوية ( مسلم بن عقبة ) أن يغزو ابن الزبير بعد أن يفرغ من المدينة . وانتصر مسلم بن عقبة على المدينة ، وتركها وإستخلف عليها ( روح بن زنباغ الجذامى )، وتحرك بالجيش قاصدا ابن الزبير فى مكة . وحضره الموت فى الطريق فى آخر المحرم عام 64 ، وعلى فراش الاحتضار دعا الحصين بن نمير السكونى وقال له :( يا برذعة الحمار ، أما لو كان لى هذا الأمر ما وليتك هذا الجند ، ولكن أمير المؤمنين ولاك .وليس لأمره مترك .) ثم أوصاه فقال : (  أسرع المسير ،وعجل الوقاع ( أى الاشتباك الحربى ) ، وعم الأخبار ( يعنى انشر عيونك وجواسيسك يأتوك بالأخبار ) ، ولا تمكّن قرشيا من أذنك ،ولا تؤخر ابن الزبير ثلاثا حتى تناجزه ( أى تقاتله ) ، وقال له : (  إنك تقدم بمكة ولا منعة لهم ولا سلاح . ولهم جبال تشرف عليهم ، فانصب عليهم المنجنيق ، فإنهم بين جبلين ، فإن تعوذوا بالبيت فارمه واتجّه على بنيانه‏.)‏ أى أمره برمى الكعبة بالمنجنيق لو إستجار ابن الزبير به . ثم قال :( اللهم إني لم أعمل عملًا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ، أحب إلي من قتل أهل المدينة ولا أرجى عندي في الآخرة‏. ) ‏واوصى لأهله بضيعته فى حوران ، واوصى الى جاريته بداره ومافيها. ومات فدفن بالمشلل‏.‏ 

2 ـ  ووقع حصار البيت (الحرام ) فى شهر محرم ( الحرام ) عام 64 .

وجاء الخوارج بقيادة نجدة بن عامر الحنفى للدفاع عن البيت الحرام ، وخرجت من المدينة جموع اتجهوا الى مكة لمساعدة ابن الزبير إنتقاما لما حدث لهم فى موقعة الحرة . وجاء معهم المنذر بن الزبير مناصرة لأخيه عبد الله بن الزبير وصل الجيش الأموى الى مكة وباشر حصارها ، وأرسل عبد الله بن الزبير أخاه المنذر بمجموعة إشتبكت مع جيش الأمويين ، واستمر القتال ساعة ، ثم إن رجلا من أهل الشام دعا المنذر إلى المبارزة  ، فخرج إليه المنذر فضرب كل واحد منهما صاحبه ضربة خر صاحبه لها ميتا ، فجثا عبدالله ابن الزبير على ركبتيه يدعو على الذي بارز أخاه.  ثم إن أهل الشام شدوا على ابن الزبير شدة منكرة وهرب أصحابه ، وعثرت بغلته،  فقال " تعسا " ثم نزل وصاح بأصحابه إلي نجدته ، فأقبل إليه جماعة منهم المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة ومصعب بن عبدالرحمن بن عوف الزهري ، فقاتلوا حتى قتلوا جميعا ، واستمر القتال حتى الليل ،ثم يستأنفونه فى الصباح . وهكذا من شهر المحرم وصفر حتى الأيام الأولى من شهر ربيع الأول .  

3 ـ ثم بدأ الجيش الأموى يقذف البيت الحرام بالمنجنيق يوم السبت الثالث من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين. وفى هذا اليوم إشتعلت النيران فى الكعبة . وظلوا يقذفون البيت بالصخور المحماة ،وهم ينشدون شعرا يقولون :       

خطارة مثل الفنيق المزبد     نرمي بها أعواد هذا المسجد

وكانوا يقولون :

 كيف ترى صنيع أم فروه   تأخذهم بين الصفا والمروه ؟

وأم فروة يعني المنجنيق.

4 ـ وهناك من يروى أن شرارة نار من أتباع ابن الزبير كانت السبب ، تقول الرواية للواقدى : ( كانوا يوقدون حول الكعبة ، فاقبلت شررة هبت بها الريح فاحترقت ثياب الكعبة واحترق خشب البيت يوم السبت لثلاث ليال خلون من ربيع الأول ) ( حدثني عروة بن أذينة قال قدمت مكة مع أمي يوم احترقت الكعبة قد خلصت إليها النار ، ورأيتها مجردة من الحرير ورأيت الركن قد اسود وانصدع إلى ثلاثة أمكنة ، فقلت ما اصاب الكعبة ؟ فأشاروا إلى رجل من اصحاب عبدالله بن الزبير،  قالوا : "هذا احترقت بسببه ، أخذ قبسا في رأس رمح له ، فطيرت الريح به ، فضربت أستار الكعبة ما بين الركن اليماني و الحجر الأسود  "). إذا كان هذا صحيحا وأن الحريق بسبب إهمال شائن من واحد من اتباع ابن الزبير لم يتعمد إحراق البيت ، ، فلماذا لم يبادروا بإطفاء الحريق ؟ ولماذا سكتوا عليه الى أن أحرق الكعبة ؟ . هذه مسئولية ابن الزبير الذى إحتمى بالكعبة خوفا من مصير الحسين ، ومع ذلك أهمل فى حراستها ، وحين إشتعلت فيها النار لم يبادر بإطفائها . وهناك رواية تقول أنابن الزبير ترك النار تحرق الكعبة ليحرض الناس على الأمويين ويشنع عليهم .  وقال الواقدي  : ( احترقت الكعبة يوم السبت لثلاث ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين قبل أن يأتي نعي يزيد بن معاوية بتسعة وعشرين يوما . وجاء نعيه لهلال ربيع الآخر ليلة الثلاثاء ) أى مات يزيد بن معاوية فى دمشق أثناء قصف جيشه للكعبة بالمنجنيق .

4 ـ  ولما هلك يزيد بن معاوية مكث الحصين بن نمير وأهل الشام يقاتلون ابن الزبير وأصحابه بمكة أربعين يوما قد حصروهم حصارا شديدا وضيقوا عليهم ، ثم بلغ ابن الزبير وأصحابه موت يزيد بن معاوية قبل أن يعرف به  الحصين بن نمير قائد الجيش الأموى . وعندما علم ابن الزبير بموت يزيد صاح بالجيش الأموى : ( إن طاغيتكم قد هلك فمن شاء منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل فمن كره فليلحق بشأمه ) . فلم يصدقوه ، واستمروا فى قتاله ، فظل يناديهم هو وأهل مكة : ( علام تقاتلون قد هلك طاغيتكم ) وهم لا يصدقونه ( إذ مات يزيد فى عنفوان شبابه ) . ثم قدم ثابت بن قيس النخعي من أهل الكوفة في رؤوس أهل العراق ، فمر بالحصين بن نمير ، وكان له صديقا وكان بينهما صهر، فسأل عن الخبر فأخبره بهلاك يزيد. ! .. فبعث الحصين بن نمير إلى عبدالله بن الزبير فقال : ( موعد ما بيينا وبينك الليلة بالأبطح  ) فالتقيا . فقال له الحصين : ( إن يك هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر ، هلم فلنبايعك ، ثم اخرج معي إلى الشام ، فإن هذا الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم ، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمن الناس وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك والتي كانت بيننا وبين أهل الحرة. ) فقال ابن الزبير :  ( أنا أهدر تلك الدماء ؟ أما والله لا أرضى أن أقتل بكل رجل منهم عشرة . ) وأخذ الحصين يكلمه سرا وهو يجهر جهرا ، وأخذ يقول : لا والله لا أفعل . فقال له الحصين بن نمير : ( قبح الله من يعدك بعد هذه داهيا قط أو أديبا . قد كنت أظن أن لك رأيا .  أكلمك سرا وتكلمني جهرا، وأدعوك إلى الخلافة وتعدني القتل والهلكة . ) ثم قام فخرج وصاح في الناس فأقبل فيهم نحو المدينة . فكان سعيد بن عمرو يقول عن ابن الزبير وحمقه وجبنه : (والله لو سار معهم حتى يدخل الشام ما اختلف عليه منهم اثنان ) .

5 ــ وندم ابن الزيير ،  فأرسل إلي الحصين بن النمير يقول : ( أما أن أسير إلى الشام فلست فاعلا وأكره الخروج من مكة . ولكن بايعوا لي هنالك فإني مؤمنكم وعادل فيكم ) يعنى لا يزال محتفظا بجبنه ، يريدهم أن يحاربوا من أجله وهو متعلق بأستار الكعبة محتميا بها . وردّ عليه  الحصين : ( أرايت إن لم تقدم بنفسك ووجدت هنالك ( فى الشام ) أناسا كثيرا من أهل هذا البيت يطلبونها ويجيبهم الناس ، فما أنا صانع ؟ ) .

ثانيا : الحصار الثانى ومقتل ابن الزبير عام 73

1 ـ لما احترقت الكعبة حين غزا أهل الشام عبد الله بن الزبير أيام يزيدتركها ابن الزبير حتى إحترقت ليشنع بذلك على أهل الشام . ، كانت قد مالت حيطانها من حجارةالمنجنيق.  فلما مات يزيد واستقر الأمر لابن الزبيرهدمها حتى سواها بالأرض ، ثم أعا بناءها . و‏ كانت عمارتها سنة أربع وستين.

2 ـ وفى عام 73 : قتل عبد الملك بن مروان (مصعبا بن الزبير ) ً والى الكوفة لأخيه عبد الله بن الزبير . وبذلك أصبح ابن الزبير محصورا فى الحجاز. ولم يبق أمام عبد الملك إلا القضاء عليه . فأرسل اليه الحجاج بن يوسف فى بضعة آلاف . وبعث عبد الملك مع الحجاج كتاب أمان لابن الزبير ومن معه إن أطاعوا . ووصل جيش الحجاج الى الطائف ، ولم يعرض للمدينة ، وجرت مناوشات بين الجيش الأموى وجيش ابن الزبير كان النصر فيها للأمويين .   ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم وحصر ابن الزبيرويخبره بضعف ابن الزبير وتفرق أصحابه عنه ، ويطلب المزيد من الجنود ، فأرسل اليه عبد الملك مددا ، وضم المدينة ، واتجه الحجاج بجيشه الى مكة ، بعد أن أذن له عبد الملك بن مروان بانتهاك الحرم . وحاصر الحجاج مكة ، ونصب المنجنيق على أبيقبيس ورمى به الكعبة. والطريف أن عبد الملك إحتج على يزيد عندما ضرب جيشه الكعبة بالمنجنيق ، فلما ولى الخلافة فعل نفس المنكر . وحج ابن عمر تلك السنة فأرسل إلى الحجاج: أن اتقالله واكفف هذه الحجارة عن الناس فإنك في شهر حرام وبلد حرام وقد قدمت وفود الله منأقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيراً، وإن المنجنيق قد منعهم عن الطواف،فاكفف عن الرمي حتى يقضوا ما يجب عليهم بمكة. فبطل الرمي حتى عاد الناس من عرفاتوطافوا وسعوا، ولم يمنع ابن الزبير الحاج من الطواف والسعي، فلما فرغوا من طوافالزيارة نادى منادي الحجاج: ( انصرفوا إلى بلادكم فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبيرالملحد.).

3 ـ واستمر القتال مع حصار مكة ، فغلت الأسعار عند ابن الزبير، وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح فرسه وقسملحمها في أصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم ، وكانت بيوت الزبير مملوءة قمحاً وشعيراً وذرة وتمراً، وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق، ويقول: أنفس أصحابي قوية مالم يفن.فلما كان قبيل مقتله تفرق الناس عنه وخرجوا إلى الحجاج بالأمان، خرج منعنده نحو عشرة آلاف، وكان ممن فارقه ابناه حمزة وخبيب، وأخذا لأنفسهما أماناً من الحجاج .  ولما تفرق أصحابه عنه دخل ابن الزبير لأمه أسماء بنت أبى بكر فقال: ( يا أماه قد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير ومن ليس عنده أكثر من صبرساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ ) فقالت: ( أنت أعلم بنفسك، إن كنتتعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك يتلعببها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتلمعك، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين،كم خلودك في الدنيا! القتل أحسن! ) فقال: ( يا أماه أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوابي ويصلبوني. ) قالت: ( يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ إذا ذبحت، فامض على بصيرتكواستعن بالله.). وخرج ابن الزبير فقاتل حتى قُتل فى يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة وله ثلاث وسبعون سنة، وتولى قتله رجل من مراد، وحملرأسه إلى الحجاج فسجد شكرا.

4 ـ وبعث الحجاج برأسه ورأسعبد الله بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة أولا ،  ثم الى دمشق إلى عبد الملكبن مروان.  وأخذ الحجاج جثته فصلبها على الثنية اليمنى بالحجون.

 

عندما كان ابن الزبير على وشك أن يحرق بنى هاشم لرفضهم بيعته بالخلافة

 مقدمة :

لما جاء الى المدينة  خبر موت معاوية بن ابي سفيان  وتولى يزيد الخلافة كان بها يومئذ الحسين بن علي وأخوه غير الشقيق ( محمد بن على )المشهور بابنالحنفيةنسبة لأمه ، وكان فى المدينة أيضا عبد الله بنالزبير ، بينما كان ابن عباس بمكة . فخرج الحسين وابنالزبير الى مكة، وظل ابنالحنفيةبالمدينة ، وجرت الأحداث متتالية من خروج الحسين من مكة الى العراق ومأساة كربلاء ، كل ذلك وابن الحنفية معتزل بالمدينة . فلما  سمع بدنو جيش مسلم الى المدينة رحل الى مكة.  وجرت موقعة الحرة وابن الحنفية بمكة مع ابن عباس وابن الزبير .  فلما جاء نعي يزيد بنمعاوية وبايع بن الزبير لنفسه ودعا الناس اليه دعا ابن عباس ومحمد بنالحنفيةالى البيعةله فأبيا أن يبايعا له ، وقالا : " حتى يجتمع لك البلاد ويتسق لك الناس " . فاقاما على ذلك مااقاما ، وبدأ إضطهاد  ابن الزبير لهما ثم تطور الى أن وصل الى أن جمعهم ومعهم ذريتهم ، وحصرهم فى شعب أبى طالب ، وكان على وشك أن يحرقهم لولا أن أنقذهم المختار فى آخر لحظة ، كما يحدث فى أفلام السينما .  نعطى بعض التفصيلات التاريخية ، مما ذكره ابن سعد فى الطبقات والطبرى فى تاريخه ، وابن الأثير .

أولا :  ابن الزبير يتطرف فى إضطهاده للهاشميين :

1 ـ وشهد عام 66 أحداثا هامة ، منها : ( إستيلاء المختار على الكوفة فى 14 ربيع الأول ، وهروب ابن مطيع والى ابن الزبير . ) ( تمكن المختار من قتل كل من شارك فى قتل الحسين وآله فى كربلاء ومنهم شمر بن ذى الجوشن  وعمر بن سعد وابنه . )  .

2 ــ وفى نفس هذا العام 66 هجرية ، دعا ابن الزبير( محمد بن الحنفية ) ومن معه من أهل بيته وشيعته وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة، ليبايعوه، فامتنعوا ، وقالوا: ( لا نبايع حتىتجتمع الأمة )؛ فأكثر  فى شتم ابن الحنفية فرد عليه عبد الله بن هانىءالكندي. فطردهم ابن الزبير ، وأمر ابن الحنفية من معه بالصبر .  

3 ـ فلما استولىالمختار على الكوفة وصارت الشيعة تدعو لابن الحنفية، خاف ابن الزبير أن يتداعىالناس إلى بيعة ابن الحنفية مع علمه بأن ابن الحنفية معتزل للفتنة ولا يريد إعلان إنضمامه للمختار . لم يشفع هذا لابن الزبير فأمر بإحضار ابن الحنفية وأهله وذراريهم من بنى هاشم وأمرهم بالبيعة له فرفضوا حتى يجتمع الناس على بيعته ، فحبسهم بزمزم وتوعدهمبالقتل والإحراق ، وأقسم عهداً إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به، وضربلهم في ذلك أجلاً.

4 ـ وتقول رواية : أن ابن الزبير : (  قصد لمحمد بنالحنفيةفاظهر شتمهوعيبه ، وامره وبني هاشم ان يلزموا شعبهم بمكة ، وجعل عليهم الرقباء وقال لهم:" والله لتبايعن او لاحرقنكم بالنار" ، فخافوا على انفسهم. ). وتمضلى الرواية : ( قال سليم ابو عامر:" فرايت محمدبنالحنفيةمحبوسا فيزمزم والناس يٌمنعون من الدخول عليه ، فقلت والله لادخلن عليه فدخلت، فقلت : ما بالك وهذاالرجل؟  فقال : " دعاني الى البيعة فقلت : انما انا من المسلمين فاذا اجتمعوا عليك فاناكاحدهم ، فلم يرض بهذا مني.  فاذهب الى ابن عباس ، فاقرئه مني السلام ، وقل يقول لك ابن عمكما ترى ؟ " )  ( قال سليم :  فدخلت على بن عباس وهو ذاهب البصر ( أى أصيب بالعمى ) فقال : من انت ؟ فقلت : انصاري .فقال : "ربانصاري هو اشد علينا من عدونا ". فقلت : " لاتخف فانا ممن لك كله ." قال : " هات" .  فاخبرته بقول ابنالحنفيةفقال:  " قل لهلا تطعه ولا نعمة عين الا ما قلت ولا تزده عليه" . فرجعت الى ابنالحنفيةفابلغته ماقال ابن عباس . )

5 ـ وتقول رواية أن ابن الحنفية حين إشتد به الخوف من ابن الزبير أرسل للمختار أن يأتى عنده الى الكوفة ، وخشى المختار أن يفقد نفوذه إذا حلّ ابن الحنفية بالكوفة ، وكان المختار بالكوفة يسمى ابن الحنفية المهدى.  وهداه ذكاؤه الى حيلة تجعل ابن الحنفية يخاف من القدوم الى الكوفة ،  فأذاع أن ( المهدى ) اى ابن الحنفية سيأتى الى الكوفة ، وأن علامته أنه إذا ضربه رجل بالسيف فإن السيف لا يؤثر فيه . أى يشجع الناس على قتله لاختبار إن كان هو المهدى ام لا . وبلغ ابن الحنفية مقالة المختار فطرد الفكرة من رأسه . تقول الرواية : ( فهمّ إبنالحنفيةان يقدم الىالكوفة.  وبلغ ذلك الى المختار ، فثقل عليه قدومه ، فقال : " ان المهدي علامة يقدم بلدكم هذافيضربه رجل في السوق بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه . " فبلغ ذلك بنالحنفيةفاقام . )

6 ـ وكان الحل الآخر هو أن يبعث المختار بجيش ينقذ ابن الحنفية وأهله من الحريق ، تقول الرواية : ( فقيلله لو بعثت الى شيعتك بالكوفة فاعلمتهم ما انتم فيه . فبعث ابا طفيل عامر ابن واثلةالى شيعتهم بالكوفة،  فقدم عليهم فقال : انا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء القوم . )   أى أشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختاريعلمه حالهم، فكتب إلى المختار بذلك وطلب منه النجدة. وفرح المختار بكتاب ابن الحنفية وإستغاثته به فخطب فى شيعة الكوفة وقال: ( إن هذا مهديكم وصريح أهل بيت نبيكم وقد تُركوا محظوراً عليهم كما يُحظرعلى الغنم ( أى محبوسون كالغنم ) ، ينتظرون القتل والتحريق في الليل والنهار، لست أبا إسحاق إن لم أنصرهمنصراً مؤزراً، وإن لم أسرب في أثر الخيل كالسيل يتلوه السيل حتى يحل بابن الكاهليةالويل! ) . يعني ابن الزبير. فبكى الناس وقالوا: ( سرّحنا إليه وعجّل ) .

7 ـ فأرسل المختار فصائل متتابعة من جيشه لانقاذ ابن الحنفية ، وبعث معهم لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم .  ووصلوا الى المسجد الحرام ، ومعهم الرايات، وهم ينادون: يالثارات الحسين! حتى انتهوا إلى زمزم، وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم، وكان قدبقي من الأجل يومان، فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فأنقذوه ، وقالوا لابن الحنفية : ( خل بيننا وبينعدو الله ابن الزبير! ) فقال لهم: ( إني لا أستحل القتال في الحرم.) . وقيل عن هؤلاء ( الخشبية ) لأنهم دخلوا مكة وبأيديهم الخشب كراهة إشهارالسيوف في الحرم، وقيل: لأنهم أخذوا الحطب الذي أعده ابن الزبير لحرق الهاشميين .

8 ـ( وتقول رواية أن حديثا جرى بينهم وبين الزبير ، وأن ابنالزبير قال لهم : ( أتحسبون أني أخلي سبيلهم دون أن يبايع ويبايعوا؟ ) فقال الجدلي أحد قواد الحملة : ( إي ورب الركنوالمقام لتخلين سبيله أو لنجادلنك بأسيافنا جدالاً يرتاب منه المبطلون! )  فكف ابنالحنفية أصحابه وحذرهم الفتنة.

  ـ وتقول رواية أخرى : إنه قدم باقي الجند ومعهم المال حتى دخلوا المسجدالحرام فكبروا وقالوا: يا لثارات الحسين! فخافهم ابن الزبير، وخرج محمد بن الحنفيةومن معه إلى شعب علي. ) ( وصار الجند يسبون ابن الزبير ويستأذنون محمداً فيه، فأبى عليهم. فاجتمع مع محمد في الشعب أربعة آلاف رجل، فقسم بينهم المال وعزوا وامتنعوا.).

9 ـ وتقول رواية أخرى : (.... فقطع ( أى أرسل ) المختار بعثا ( أى جيشا )  الى مكة ، فانتدب منهم ( أى إختار منهم ) اربعة الاف ، فعقد لابيعبد الله الجدلي عليهم.  وقال له : " سر فان وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم انت ومن معكعضدا، وانفذ لما امروك به ( أى أطع أوامرهم ). وان وجدت ابن الزبير قد قتلهم ، فاعترض اهل مكة حتى تصل الىبن الزبير ، ثم لا تدع من ال الزبير شفرا ولا ظفرا . " وقال :  " يا شرطة الله لقد اكرمكم اللهبهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عُمر " . ) .

10 ــ وجاء فى هذه الرواية أن ابن الزبير كان على وشك إحراقهم ، وقد أعدّ إشعال النار ، فإستعجل أهل مكة مقدمة الجيش أن يسرعوا فى إنقاذ بنى هاشم ، فأرسل قادة الجيش فرقة خاصة من 800 رجل من الجيش لانقاذهم قبل فوات الأوان ، فأسرعت هذه القوة فدخلت مكة ، ودخلت الحرم تكبّر ، فلما سمع بهم ابن الزبير هرب وتعلق بأستار الكعبة وقال : (أنا عائذ بالله ) ، وبسرعة وصلوا الى إنقاذهم . تقول الرواية : ( فسار القوم ومعهم السلاح حتى اشرفواعلى مكة ، فجاء المستغيث  : " اعجلوا فما اراكم تدركونهم  " فقال الناس : " لو ان اهل القوة عجلوا" ، فانتدب منهم ثمانمائة ، رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي ، حتى دخلوا مكة فكبرواتكبيرة سمعها بن الزبير ، فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة ،  ويقال بل تعلق باستارالكعبة،  وقال : " انا عائذ بالله"  قال عطية : " ثم ملنا الى ابن عباس وابنالحنفيةواصحابهما فيدور، قد جمع لهم الحطب فاحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجُدر ، لو ان نارا تقع فيه ما رئي منهماحد حتى تقوم الساعة. " .وتمضى الرواية فتقول عن ( على بن عبد الله بن عباس ) وهو جد الخلفاء العباسيين ـ وكان شابا وقتها أنه اسرع بالهرب قبل إزالى الخشب والحطب فسالت الدماء من قدميه : ( وعجّل علي بن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجلفاسرع في الحطب يريد الخروج فادمى ساقيه .) وتمضى الرواية فتقول : ( واقبل اصحاب ابن الزبير فكنا صفين نحن وهمفي المسجد نهارنا ونهاره لا ننصرف الا الى صلاة حتى اصبحنا . ووصلت بقية الجيش : ( وقدم ابو عبد اللهالجدلي في الناس فقلنا لابنعباس وابنالحنفية: (  ذرونا نريحالناس من ابن الزبير ) فقالا  : ( هذا بلد حرمه الله ما احله لاحد الا للنبي عليه السلامساعة ما احله لاحد قبله ولا يحله لاحد بعده فامنعونا واجيرونا ) قال فتحملوا ، وانمناديا لينادي في الجبل : ( ما غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية ان السرايا تغنمالذهب والفضة وانما غنمتم دماءنا ) ، فخرجوا بهم حتى انزلوهم منى ، فاقاموا بها ما شاءالله ان يقيموا ، ثم خرجوا الى الطائف ، فاقاموا ما اقاموا . وتوفي عبد الله بن عباسبالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بنالحنفية.  وبقينا مع ابنالحنفية.) . 

الأطفال فى تاريخ السلف ( الصالح) .!!

 

فى سطور تاريخ ( السلف الصالح ) فى الفتنة الكبرى الثانية ورد ذكر قتل للأطفال والنساء ، ومنه :

أولا :   فى مذبحة كربلاء :

1 ـ  حيث كان الحسين بأهله ومنهم شباب صغير ونساء وأطفال رأوا القتال يدور حولهم ، والمهاجمين يقتربون منهم ، ووقف مع الحسين ـ عندما إقترب أعداؤه منه ـ شباب صغير من أبنائه وابناء أخيه فلقوا حتفهم سريعا .

2 ـ  تقول الرواية عن الشباب المقاتلين من آل الحسين : (وكان أول من قتل من آل بني أبي طالب يومئذٍ علي الأكبر ابن الحسين، وأمه ليلى بنتأبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية، وذلك أنه حمل عليهم وهو يقول " :أنا علي بن الحسين بن علي     نحن ورب البيت أولى بالنبي     تالله لا يحكم فينا ابنالدعي " ، ففعل ذلك مراراً، فحمل عليه مرة بن منقذ العبدي فطعنهفصرع وقطّعه الناس بسيوفهم .! ).

(  ثمحمل القاسم بن الحسن بن علي،  وبيده السيف، فحمل عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي،  فضرب رأسه بالسيف فسقط القاسم إلى الأرض لوجهه، وقال: يا عماه! فانقض الحسين إليهكالصقر ثم شد شدة ليث أغضب فضرب عمراً بالسيف فاتقاه بيده فقطع يده من المرفق فصاح،وحملت خيل الكوفة ليستنقذوا عمراً فاستقبلته بصدورها وجالت عليه فوطئته حتى مات،وانجلت الغبرة والحسين واقف على رأس القاسم وهو يفحص برجليه والحسين يقول: بعداًلقوم قتلوك،..! ثم قال: عز والله على عمّك أن تدعوه فلايجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوته، والله هذا يوم كثر واتره وقل ناصره! ثم احتملهعلى صدره حتى ألقاه مع ابنه علي ومن قتل معه من أهل بيته .)

 ( ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بنعلي بسهم فقتله، وقال العباس بن علي لإخوته من أمه عبد الله وجعفر وعثمان: تقدمواحتى أرثكم فإنه لا ولد لكم. ففعلوا فقتلوا، وحمل هانىء بن ثبيت الحضرمي على عبدالله بن علي فقتله، ثم حمل على جعفر بن علي فقتله، ورمى خولي بن يزيد الأصبحي عثمانبن علي، ثم حمل عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وجاء برأسه، ورمى رجل من بنيأبان أيضاً محمد بن علي بن أبي طالب فقتله وجاء برأسه... واشتد عطش الحسين فدنا من الفرات ليشرب فرماه حصين بن نميربسهم فوقع في فمه فجعل يتلقى الدم بيده ورمى به إلى السماء، ثم حم الله وأثنى عليهثم قال: اللهم إني أشكو إليك ما يصنع بابن بنت نبيك! ).

(وخرج غلام من خباء من تلكالأخبية فأخذ بعود من عيدانه وهو ينظر كأنه مذعور، فحمل عليه رجل قيل إنه هانىء بنثبيت الحضرمي فقتله.)

3 ـ وعن القتلى من الأطفال من آل الحسين ، تقول الرواية : (ودعا الحسين بابنهعبد الله وهو صغير فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد فذبحه، فأخذ الحسين دمهفصبه في الأرض ثم قال: ربي إن تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خيروانتقم من هؤلاء الظالمين.)

( وجعل شمر يحرضهم على الحسين وهو يحمل عليهم فينكشفون عنه، ثم إنهمأحاطوا به. وأقبل إلى الحسين غلام من أهله فقام إلى جنبه وقد أهوى بحر بن كعب بنتيم الله بن ثعلبة إلى الحسين بالسيف، فقال الغلام: يا ابن الخبيثة أتقتل عمي!؟فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلدة، فنادى الغلام: يا أمتاه! فاعتنقه الحسين وقال له: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك ..) .

وجاول شمر بن ذى الجوشن حرق فسطاط الحسين الذى يحتمى فيه أطفال الحسين ونساؤه ، تقول الرواية : ( وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين ونادى: " عليّ بالنار حتى أحرق هذا البيتعلى أهله."! ،  فصاح النساء وخرجن، وصاح به الحسين: " أنت تحرق بيتي على أهلي؟ حرقك اللهبالنار!"  فقال حميد بن مسلم لشمر: " إن هذا لا يصلح لك، تعذب بعذاب الله وتقتل الولدانوالنساء، والله إن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك! " . فلم يقبل منه، فجاءه شبث بنربعي فنهاه فانتهى . ) .

وفى مشهد آخر من مشاهد المذبحة تقول الرواية : (  وجعل شمر يحرضهم على الحسين وهو يحمل عليهم فينكشفون عنه، ثم إنهمأحاطوا به. وأقبل إلى الحسين غلام من أهله فقام إلى جنبه وقد أهوى بحر بن كعب بنتيم الله بن ثعلبة إلى الحسين بالسيف، فقال الغلام: يا ابن الخبيثة أتقتل عمي! فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلدة، فنادى الغلام: يا أمتاه! فاعتنقه الحسين وقال له: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك .! ) (وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجههوتقول: هنيئاً لك الجنة! فأمر شمر غلاماً اسمه رستم فضرب رأسها بالعمود فماتتمكانها..!  )

ثانيا : فى دين الخوارج :

1 ـ إستباح الخوارج فى العصر الأموى قتل المسلمين ، دون اهل الكتاب . وقالوا ب ( الاستعراض ) أى القتل العشوائى . وبعض الخوارج نصّ  ــ علنيا ـ  على قتل النساء والأطفال من المسلمين ، مثل نافع بن الأزرق ، تقول الرواية عن نافع بن الأزرق : ( ونظرنافع فرأى أن ولاية من تخلف عن الجهاد من الذين قعدوا من الخوارج لا تحل له، وأن منتخلف عنه لا نجاة له، فقال لأصحابه ذلك ودعاهم إلى البراءة منهم وأنهم لا يحل لهممناكحتهم ولا أكل ذبائحهم، ولا يجوز قبول شهادتهم وأخذ علم الدين عنهم، ولا يحلميراثهم، ورأى قتل الأطفال والاستعراض، وأن جميع المسلمين كفار مثل كفار العرب لايقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.).

2 ـ وظل أثر الخوارج حتى العصر العباسى .ويقول الملطى الفقيه السُنّى فى القرن الرابع الهجرى عن الخوارج فى كتابه ( التنبيه والرد ) وهم يقتلون الناس عشوائيا بلا تمييز بين طفل وامرأة وشيخ عجوز  : ( فأما الفرقة  ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ، الذين كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق ، فيجتمع الناس على غفلة ، فينادون :( لا حكم إلا لله ) ، ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس ، فلا يزالون يقنلون حتى يُقتلوا . وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع حتى يُقتل، فكان الناس منهم على وجل   وفتنة ، ولم يبق منهم أحد على وجه الأرض بحمد الله )  .

3 ـ . ونقول : والحمد لله الذى لا يُحمد على مكروه سواه ـ أن الوهابية أحيت هذا الارث الدموى البغيض فى الانتحاريين الذين يقتلون الناس عشوائيا فى الأسواق والشوارع ووسائل المواصلات والمحطات  والمطارات . يقتلون الأبرياء ويعتبرونه جهادا ، ويهتفون ( الله أكبر) . لا جديد فى الشرق الأوسط ، سوى نوعية الأسلحة ( كانت السيف ) فأصبح الحزام الناسف والديناميت، كانوا يهتفون ( لا حكم إلا الله ) فأصبحوا يهتفون ( الله أكبر ) .

4 ـ ويقول الملطى عن الاباضية فى عهده : ( والفرقة الخامسة من الخوارج هم الاباضية ، اصحاب إباض بن عمرو ، خرجوا من سواد الكوفة (أى من ريف الكوفة ) ، فقتلوا الناس ، وسبوا الذرية ، وقتلوا الأطفال وكفّروا الأمّة ، وأفسدوا فى العباد والبلاد ، فمنهم اليوم بقايا بسواد الكوفة . ) 

ثالثا : بسر بن أبى أرطاه وقتل الأطفال :

1 ـ فى عام 40 هجرية وفى الصراع بين (على ) و ( معاوية ) وحيث كانت ( المدينة ) تتبع سلطة (على بن أبى طالب ). تقول الرواية : ( بعث معاوية ( بسر بن أبي أرطاة) ، وهو من عامر بن لؤي، في ثلاثة آلاف، فسار حتى قدم المدينة، وبها ( أبو أيوب الأنصاري)  عامل (عليّ ) عليها، فهرب ( أبو أيوب ) فأتى ( علياً ) بالكوفة، ودخل ( بسر)  إلى المدينة ولم يقاتله أحد، فصعد منبرها فنادى عليه: " يا دينار، يا نجار ، يا زريق! ــ وهذه بطون من الأنصار ــ  شيخي شيخي ، عهدته ها هنا بالأمس.  فأين هو؟ ــ يعني عثمان ــ  ثم قال: " والله لولا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلماً إلا قتلته " . فأرسل إلى بني سلمة فقال: " والله ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله! " فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال لها: " ماذا ترين؟ إن هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن أقتل ". قالت: " أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر وختني ابن زمعة أن يبايعا. " ، وكانت ابنتها زينب تحت ابن زمعة، فأتاه جابر فبايعه.(أى  بايع معاوية ) ، وهدم ( بسر ) بالمدينة دوراً . ثم سار إلى مكة، فخاف ( أبو موسى الأشعري ) أن يقتله فهرب منه، وأكره ( بسر ) الناس على البيعة .  ثم سار إلى اليمن، وكان عليها ( عبيد الله ابن عباس ) عاملاً ل( علي )، فهرب منه إلى (علي) بالكوفة، واستخلف (علي ) على اليمن ( عبد الله بن عبد المدان الحارثي. ) ، فأتاه ( بسر ) فقتله وقتل ابنه . وأخذ ابنين ل ( عبيد الله بن عباس ) صغيرين هما: ( عبد الرحمن )  و ( قثم  ) فقتلهما، وكانا عند رجل من كنانة بالبادية، فلما أراد قتلهما قال له الكناني: " لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما! " ، فقتله  وقتلهما بعده.... فخرج نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن: "  يا هذا! قتلت الرجال فعلام تقتل هذين؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام! والله يا ابن أبي أرطاة إن سلطاناً لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء! . " . وقتل بسر في ميسره ذلك جماعةً من شيعة علي باليمن.  وبلغ ( علياً ) الخبر فأرسل ( جارية بن قدامة السعدي ) في ألفين، و ( وهب بن مسعود ) في ألفين، فسار ( جارية ) حتى أتى نجران فقتل بها ناساً من شيعة عثمان، وهرب ( بسر)  وأصحابه منه ، واتبعه جارية حتى أتى مكة . فقال: " بايعوا أمير المؤمنين. " فقالوا: " قد هلك فمن نبايع؟ " قال:"  لمن بايع له أصحاب علي."  فبايعوا خوفاً منه.  ثم سار حتى أتى المدينة و" أبو هريرة"  يصلي بالناس، فهرب منه، فقال جارية: " لو وجدت أبا سنور لقتلته" ( السنور هو القط  أو الهرّ ، وكان أبو هريرة مع الأمويين ضد (على )). ثم قال لأهل المدينة:" بايعوا الحسن بن علي، " فبايعوه، وأقام يومه، ثم عاد إلى الكوفة ورجع أبو هريرة يصلي بهم.وكانت أم ابني عبيد الله أم الحكم جويرية بنت خويلد بن قارظ، وقيل: عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان. فلما قتل ولداها ولهت عليهما، فكانت لا تعقل ولا تصفي ولا تزال تنشدهما في المواسم .. فلما سمع أمير المؤمنين بقتلهما جزع جزعاً شديداً ودعا على  ( بسر ) فقال: اللهم اسلبه دينه وعقله! ... ولما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه ( عبيد الله بن عباس ) وعنده بسر فقال لبسر: " وددت أن الأرض أنبتتني عندك حين قتلت ولديّ "!. . فقال بسر: " هاك سيفي. "  فأهوى ( عبيد الله ) ليتناوله فأخذه معاوية وقال لبسر: " أخزاك الله شيخاً قد خرفت! والله لو تمكن منه لبدأ بي! " قال عبيد الله: " أجل، ثم ثنيت به." .. وقيل: إن مسير ( بسر)  إلى الحجاز كان سنة اثنتين وأربعين، فأقام بالمدينة شهراً يستعرض الناس لا يقال له عن أحد إنه شرك في دم عثمان إلا قتله.)

2 ـ وفى عام 41، ولّى معاوية (بسر بن أبي أرطأة البصرة ) ، تقول الرواية : ( في هذه السنة ولي ( بسر بن أبي أرطأة ) البصرة.وكان السبب في ذلك أن الحسن لما صالح معاوية أول سنة إحدى وأربعين وثب حمران بن أبان على البصرة فأخذها وغلب عليها، فبعث إليه معاوية ( بسر ابن أبي أرطأة ) وأمره بقتل بني ( زياد بن أبيه) ، وكان ( زياد)  على فارس ، قد أرسله إليها ( علي بن أبي طالب ) ، فلما قدم ( بسر) البصرة خطب على منبرها وشتم علياً ثم قال: " نشدت الله رجلاً يعلم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني."  فقال أبو بكرة:" اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذباً.! " قال: فأمر به فخُنق...وأرسل معاوية إلى زياد: " إن في يدك مالاً من مال الله فأدّ ما عندك منه " . فكتب إليه زياد: " إنه لم يبق عندي شيء، ولقد صرفت ما كان عندي في وجهه، واستودعت بعضه لنازلة إن نزلت، وحملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمة الله عليه. " . فكتب إليه معاوية: " أن أقبل ننظر فيما وليت فإن استقام بيننا أمر وإلا رجعت إلى مأمنك. " ، فامتنع، فأخذ ( بسر )  أولاد ( زياد ) الأكابر، منهم: عبد الرحمن وعبيد الله وعباد، وكتب إلى زياد: " لتقدمنّ على أمير المؤمنين أو لأقتلن بنيك."  فكتب إليه زياد: " لست بارحاً من مكاني حتى يحكم الله بيني وبين صاحبك، وإن قتلت ولدي فالمصير إلى الله ومن ورائنا الحساب، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون ). فأراد ( بسر )  قتلهم ، فأتاه أبو بكرة فقال: " قد أخذت ولد أخي بلا ذنب، وقد صالح الحسن معاوية على ما أصاب أصحاب (علي ) حيث كانوا، فليس لك عليهم ولا على أبيهم سبيل." .  وأجّله أياماً حتى يأتيه بكتاب معاوية.  فركب أبو بكرة إلى معاوية، وهو بالكوفة، فلما أتاه قال له:"  يا معاوية إن الناس لم يعطوك بيعتهم على قتل الأطفال! " قال: " وما ذاك يا أبا بكرة؟ " قال:  " بسر يريد قتل بني أخي زياد. ".! فكتب له بتخليتهم. فأخذ كتابه إلى ( بسر ) بالكفّ عن أولاد ( زياد )، وعاد فوصل البصرة يوم الميعاد، وقد أخرج ( بسر ) أولاد ( زياد)  مع طلوع الشمس ينتظر بهم الغروب ليقتلهم، واجتمع الناس لذلك وهم ينتظرو أبا بكرة، إذ رفع لهم على نجيب أو برذون يكده، فوقف عليه ونزل عنه وألاح بثوبه وكبّر وكبّر الناس معه، فأقبل يسعى على رجليه فأدرك ( بسراً ) قبل أن يقتلهم، فدفع إليه كتاب معاوية، فأطلقهم.).

أخيرا : الوهابية تستعيد هذا الإرث الدموى.


1 ـ أسس عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الراهنة ، وهذا بسواعد شباب الأعراب النجديين ، وقد أعدهم جنودا سمّاهم ( الاخوان ) تشربوا الوهابية على أنها الاسلام ، وكرروا مسيرة الخوارج فى القتل بلا تمييز ، وهؤلاء الاخوان إشتهروا بالوحشية المفرطة وقتل الأطفال والنساء . وقد تعرضنا لهم بالتفصيل فى مقالات كتابنا ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ). وهى منشورة هنا.

2 ـ كانوا يهجمون علي الهدف بشكل خليط همجي من الرجال والخيول والابل والمشاة، يدمرون معسكر العدو ، ويقتلون كل من يجدونه من البشر دون رحمة ،فاذا كان الهدف مدينة او قرية اضيف الاطفال والنساء والشيوخ الي قائمة الضحايا .ففي هجومهم علي الكويت في معركة الجهرة قتلوا النساء سنة 1920 ،ونفس الحال في هجومهم علي ثريب في شرق الاردن سنة 1924 ،وقتلوا النساء والاطفال والشيوخ عندما افتتحوا الطائف في 7/9/1921 وسجل المراقبون الاجانب ان الاخوان لايحتفظون بالاسري وانما يذبحون كل من يقع في ايديهم.

3 ـ وكانت الدعوات للانضمام الي الوهابية او الاسلام تحمل التهديد لمن لا يستجيب بالاعدام .وتقول احداها (ان من ينضم الينا يأمن علي ممتلكاته واسرته )، أى يأمن على نسائه وأطفاله من الذبح .! وقيل عنهم انهم ظلوا لعدة سنوات لا يخيفون الاطفال وحدهم وانما الكبار ايضا ..وقد قتلوا جميع الرجال والنساء والاطفال في المنطقة ما بين المويلة وشرق الاردن،

4 ـ وعندما تمردوا على سيدهم ( عبد العزيز ) وهاجموا اخوانهم الوهاببين من اتباع عبد العزيز، فأنهم قتلوا الشيوخ والنساء والاطفال، كما ذكر حافظ وهبة القائل تحت عنوان( الاخوان ) (اذ ذكر الاخوان علي حدود العراق او شرق الاردن او الكويت استولي الرعب علي قلوب السكان ،وهب البدو يطوون الصحراء لائذين بالبلاد القريبة منهم يحتمون بجدرانها وابراجها، فهم رسل الذعر والرعب في بلاد العرب )

وعندما منع عبد العزيز ذلك في مؤتمر العلماء سنة 1919 اصبح عبد العزيز نفسه مرشحا ليكون الاخر في معارضتهم السياسية له ،ثم جعلوه خصما لهم تمردوا عليه ،وقتلوا النساء والاطفال والشيوخ من الوهابيين المسالمين في تمردهم الثاني .

5 ـ وجماعات الوهابية اليوم من القاعدة الى النُّصرة الى داعش تقتل الناس عشوائيا . والأطفال والنساء من أبرز ضحاياهم .

6 ــ الوهابية تتمسك بسيرة السلف ( الصالح ).. عليهم جميعا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .!

الفصل الثانى : أهم الشخصيات الفاعلة فى الفتنة الكبرى الثانية :

عبد الله بن الزبير:شيطان موقعة الجمل ، وشيطان الفتنة الكبرى الثانية

نشأته :

أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وجدته صفية بنت عبد المطلب،وخالته عائشة. وولد سنة 2 من الهجرة . واستبشر المسلمون بمولده إذ كان أول مولود للمهاجرين فى المدينة . ومات النبى وكان لابن الزبير 8 سنين واربعة اشهر . بعدها عايش الفتوحات ( أفظع جريمة للصحابة ) بل وشارك فيها ، فى اليرموك وفى غزو القسطنطينية والمغرب . ثم كان شيطان الفتنة الكبرى فى موقعة الجمل .

موقعة الجمل  عام 36 :عرضنا لها من قبل ، ونلتقط بعض ملامحها :

1 ـ كان التنافس واضحا بين القائدين ( الزبير وطلحة ) تقول الرواية : ( فكان معاذ بن عبيد الله يقول : والله لو ظفرنا لافتتنا ما خلى الزبير بين طلحة والأمر ولا خلى طلحة بين الزبيرو والأمر ) يعنى لو إنتصر الزبير وطلحة فى موقعة الجمل لتحاربا بعدها .

2 ـ كان المال هو سبب نكث الزبير وطلحة بيعتهما لعلى بن أبى طالب وخروجهما عليه . تقول الرواية : ( جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد بالبصرة فقال:" نشدتكما بالله في مسيركما : أعهد إليكما فيه رسول الله ؟ فقام طلحة ولم يجبه،فناشد الزبير، فقال: " لا ولكن بلغنا أن عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها ").

3 ـ كان الزبير و ( طلحة ) فى عماء وعدم وضوح . تقول الرواية : ( لما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة ، قال الزبير: " ألا ألف فارس أسير بهم إلى (علي ) فإما بيتّه ( أى هجمت عليه ليلا ) وإما صبحته ( أى هجمت عليه صباحا ) لعلّي أقتله قبل أن يصل إلينا. ".!.  فلم يجبه أحد .  فقال : " إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها.! ".  فقال له مولاه : " أتسميها فتنة وتقاتل فيها ؟ ! قال : ( ويحك إنا نبصر ولا نبصر . ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر. فإن لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر.! )

4 ـ قبل الاشتباك الحربى قال (على ) للزبير : ( أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته ؟ سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره " ) وقال (علي ) لطلحة : ( يا طلحة جئت بعُرس ( أى زوجة ) رسول الله ( أى عائشة ) تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت؟ أما بايعتني ؟  قال بايعتك وعلى عنقي اللج . )

5 ـ وقبيل الاشتبك الحربى أراد ( على ) أن يعظهم بالقرآن ، فأخرج لهم فتى شابا بالمصحف فقتلوه شر قتلة . تقول الرواية : فقال (علي ) لأصحابه : " أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه فإن قطعت يده أخذه بيده الأخرى وإن قطعت أخذه بأسنانه ؟ " . قال فتى شاب : "أنا . " ، فقال له (علي ) : "اعرض عليهم هذا وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره، والله في دمائنا ودمائكم . "،  فحُمل على الفتى  ( أى هوجم الفتى ) وفي يده المصحف فقطعت يداه ، فأخذه بأسنانه حتى قُتل . عندها أمر (على ) بقتالهم : ( فقال علي : " قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم . " وانهزموا ، ولكن إستماتوا فى الدفاع عن ( جمل عائشة ) ، تقول الروايات : ( فقتل يومئذ سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل. )  ( أخذ الخطام يوم الجمل سبعون رجلا من قريش كلهم يُقتل وهو آخذ بالخطام )( وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يعد ).وقتل مروان بن الحكم ( طلحة ) إنتقاما لعثمان ، أما الزبير فهرب من المعركة راجلا نحو المدينة فأدركه ابن جرموز فقتله .

6 ـ أما عائشة ، فبعد قتل الجمل ومن يدافع عنه ، أرسل اليها (على ) أخاها محمد بن أبى بكرــ وكان من أعوانه ـ فضرب عليها فسطاطا ليحميها. وذهب لها (على ) وقال لها : ( "استفززت الناس وقد فزوا فألبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضا.! ..فقالت عائشة :  يابن أبي طالب ملكت فأسجح .".فسرحها (أى أطلق سراحها ) ..وأرسل معها جماعة من رجال ونساء ، وجهزها ، وأمر لها باثني عشر ألفا من المال. )

ابن الزبير شيطان موقعة الجمل

1 ـ كانت الصداقة قوية بين (على) و (الزبير)، يدل عليها وقوف الزبير مع (على ) ضد صهره أبى أبو بكر عندما بويع أبو بكر بالخلافة . تغيرت الأحوال بعد الفتوحات وتكالب الصحابة على أموالها فى خلافة عثمان . وقتها كان عبد الله بن الزبير ـ وهو أكبر أبناء الزبير ـ صاحب نفوذ على أبيه ، ونجح فى إفساد الصداقة بين أبيه و (على ). وقد قال (على ) : ( ما زال الزبير يُعدُّ منا أهل البيت حتى نشأ عبد الله . ). ، وفى حوار سبق الاشتباك الحربى ، تقول الرواية : ( خرج (علي ) على فرسه، فدعا الزبير فتواقفا فقال (علي ) للزبير : " ما جاء بك؟ "  قال : " أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا . " فقال (علي ) : " لستُ له أهلا بعد عثمان؟ ) أى يشير الى أنه كان الأحق بالأمر من أبى بكر نفسه، ثم قال للزبير يذكره بموقفه السابق ضد بيعة ابى بكر : " قد كنا نعدك من بني عبدالمطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك ).أى إن عبد الله بن الزبير هو الذى فرّق بين ( على ) والزبير  .

2 ـ وبات معروفا أن عبد الله بن الزبير هو المحرض الخفى على الخروج على (على بن أبى طالب ). وقد قيل للأشتر النخعى أبرز قواد ( على ) :" قد كنت كارها لقتل عثمان، فما أخرجك بالبصرة ؟  قال إن هؤلاء بايعوه ثم نكثوا، وكان ابن الزبير هو الذي أكره عائشة على الخروج .! ) .

3 ـ وصحا ضمير الزبير بعد أن وعظه ( على ) ، فأقسم على الانسحاب ، ولكن إبنه ( عبد الله ) رماه بالجُبن والخوف من جيش (على ) وجعله ينكث يمينه . تقول الرواية : ( فانصرف عنه الزبير ، وقال : "  فإني لا أقاتلك. "  فرجع إلى ابنه عبدالله،  فقال : "  مالي في هذه الحرب بصيرة . " فقال له ابنه : "إنك قد خرجت على بصيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أن تحتها الموت فجبنت.! " فأحفظه ( أى أغضبه ) حتى أرعد وغضب وقال : "ويحك إني قد حلفت له ألا أقاتله ." فقال له ابنه : "  كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس "،  فأعتقه ، وقام في الصف معهم. )

4 ـ وكان ابن الزبير مرتبطا بخالته عائشة ومشاركا لها فى كراهيتها لبنى هاشم ، ولذا جعلته يصلى بالجيش الى أن قدم البصرة . وبعد الهزيمة إختبا ابن الزبير فى دار رجل من قبيلة الأزد وأرسله الى عائشة يعرفها بمكانه حتى تنقذه من (على بن أبى طالب ). وكان لا بد لعائشة من إستدعاء أخيها محمد بن أبى بكر ( وهو خال ابن الزبير ) لينقذ ابن الزبير . وهذا بالضبط ما كان يخشاه ابن الزبير لعلمه بإخلاص خاله محمد بن أبى بكر لعلى بن أبى طالب .  تقول الرواية : (  وأوى عبدالله بن الزبير إلى دار رجل من الأزد يدعى وزيرا ، وقال :" ائت أم المؤمنين فأعلمها بمكاني وإياك أن يطلع على هذا محمد بن أبي بكر."،  فأتى عائشة .. فأخبرها، فقالت : " عليّ بمحمد "  فقال : " يا أم المؤمنين إنه قد نهاني أن يعلم به محمد .! " فأرسلت إليه، فقالت ( لأخيها محمد ابن أبى بكر ): " اذهب مع هذا الرجل حتى تجيئني بابن أختك . " فانطلق ( محمد بن أبى بكر ) معه، فدخل بالأزدي على ابن الزبير قال ( الأزدى لابن الزبير ) : "جئتك والله بما كرهت وأبت أم المؤمنين إلا ذلك "!. فخرج عبدالله( ابن الزبير ) ومحمد ( ابن أبى بكر ) وهما يتشاتمان . ).

ابن الزبير فى خلافة معاوية

1 ـ كان يتلقى فيها عطايا معاوية ويتسولها ، تقول الرواية عن الأصمعى : (‏ وفد الحسن وعبد الله بن الزبير على معاوية ، فقال للحسن‏:‏ مرحباً وأهلاً بابن رسول الله، وأمر له بثلاثمائة ألف‏.‏ وقال لابن الزبير‏:‏ مرحباً وأهلاً بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر له بمائة ألف‏.‏ ).

وفى رواية أخرى أن معاوية أعطى ابن الزبير ثلثمائة ألف لأنه قال له ثلاثة أبيات شعر من أجمع ما قاله العرب . وتنتهى الرواية بقول الراوى : ( فدعا معاوية بثلاثين عبداً على عنق كل واحد منهم بدرة، وهيعشرة آلاف درهم، فمروا بين يدي ابن الزبير حتى انتهوا إلى داره‏.‏).

وكان ابن الزبير لا يدع فرصة إلا وينتهزها لأخذ المال من معاوية ، تقول الرواية أنه قال لمعاوية : ( لا والله لا أدعك حتى تعطيني مائة ألف‏.‏فأعطاه، فجاء مروان فقال‏:‏ والله يا أمير المؤمنين ما رأيت مثلك،جاءك رجل قد سمى بيت مال الديوان وبيت الخلافة، وبيت كذا، وبيت كذا، فأعطيته مائةألف‏.‏فقال له‏:‏ ويلك كيف أصنع بابن الزبير‏؟‏ ).!!

وكان يبتزّ معاوية ، تقول الرواية :( سأل ابن الزبير معاوية شيئاً فمنعه، فقال‏:‏ والله ما أجهل أن ألزم هذهالبنية فلا أشتم لك عرضاً ولا أقصم لك حسباً، ولكني أسدل عمامتي من بين يدي ذراعاً،ومن خلفي ذراعاً في طريق أهل الشام، وأذكر سيرة أبي بكر الصديق وعمر فيقول الناس‏:‏من هذا‏؟‏فيقولون‏:‏ ابن حوارّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن بنتالصديق‏.‏فقال معاوية‏:‏ حسبك بهذا شرفاً‏.‏ثم قال‏:‏ هات حوائجك‏.‏).

2 ـ وقبيل موته عام 60 هجرية، أوصى معاوية ابنه يزيد بأن يأخذ ابن الزبير بالشدة . ولدينا روايتان تختلفان فى بعض التفاصيل ، وتتفقان فيما يخص ابن الزبير ، تقول الأولى : ( أن معاوية لما مرض مرضته التي هلك فيها، دعا ابنه يزيد فقال‏:‏ يا بني إني قد كفيتك الرحلة والرجال‏.‏ ووطأت لك الأشياء، ودللت لك الأعزاء، وأخضعت لك أعناق العرب، وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي أسسته إلا أربعة نفر‏:‏ الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر‏...فأما ابن عمر فهو رجل ثقة قد وقدته العبادة، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك‏.‏ وأما الحسين فإن أهل العراق خلفه لا يدعونه حتى يخرجونه عليك، فإن خرج فظفرت به فاصفح عنه، فإن له رحماً ماسة، وحقاً عظيماً‏.‏ وأما ابن أبي بكر فهو رجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله، ليست له همة إلا في النساء واللهو‏.‏ وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك روغان الثعلب، وإذا أمكنته فرصة وثب، فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إرباً إرباً‏.‏ ) وفى رواية أخرى (..ولست أخاف عليه من قريش سوى ثلاثة‏:‏ الحسين، وابن عمر، وابن الزبير‏.‏.. فأما ابن عمر فقد وقدته العبادة، وأما الحسين فرجل ضعيف، وأرجو أن يكفيكه الله تعالى بمن قتل أباه وخذل أخاه، وإن له رحماً ماسة، وحقاً عظيماً‏.‏  وقرابة من محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه، فإن قدرت عليه فافصح عنه فإني لو صاحبته عفوت عنه‏.‏ وأما ابن الزبير‏:‏ فإنه خب ضب فإن شخص لك فانبذ إليه إلا أن يلتمس منك صلحاً، فإن فعل فاقبل منه، واصفح عن دماء قومك ما استطعت‏.‏  )

 

 

ابن الزبير فى خلافة يزيد بن معاوية

1 ـ كتب يزيد الى واليه على المدينة ( الوليد بن عتبة ) يأمره بإرغام الحسين وابن الزبير على البيعة ، وماطل ابن الزبير فى الذهاب للوالى برغم الالحاح عليه ، ثم تسلل هاربا من المدينة ليلا الى مكة ،. تقول الروايات : ( لما خرج الحسين من المدينة إلى مكة  .. فأقبل حتى نزل مكة وأهلها مختلفون إليه ويأتونه ومن بها منالمعتمرين وأهل الآفاق ، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة فهو قائم يصلي عندهاعامة النهار ويطوف ، ويأتي الحسين فيمن يأتيه ولا يزال يشير عليه بالرأي ، وهو أثقل خلقالله على ابن الزبير لأن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين باقيًا بالبلد‏.‏)

2 ـ بعد مقتل الحسين أعلن ابن الزبير نفسه خليفة وشعاره :(أنا عائذ بالبيت )   وبويع من أهل مكة ، ومنع ابن الزبير عامل يزيد فى مكة من الصلاة بالناس ، فأمر يزيد واليه على مكة (عمرو بن سعيد الأشدق ) أن يرسل جيشا الى مكة ليعتقل ابن الزبير ويوثقه مقيدا . وبدأ عمرو بن سعيد الأشدق بضرب أنصار ابن الزبير بالمدينة ، وأرسل جيشا يقوده عمرو بن الزبير لاعتقال عبد الله بن الزبير ، وكان عمرو بن الزبير يكره اخاه عبد الله بن الزبير وقد قال للأشدق : (لا توجه إليه رجلا أبدا أنكأ له مني ). وتصدى أهل مكة للجيش الأموى فهزموه ، واستجار عمرو بن الزبير بأخيه عبيدة بن الزبير فأجاره ، وذهب به الى عبد الله بن الزبير فأمر عبد الله بن الزبير بضربه بالسياط حتى مات .

3 ـ وباختصار فقد بويع ابن الزبير بالخلافة أياميزيد بن معاوية.  ولما مات معاوية بن يزيد، إنضمت اليه الحجاز، واليمن، والعراق،ومصر، وخراسان، وسائر بلاد الشام إلا دمشق، . ثم تمكن مروان بن الحكم من استرجاع الشام ومصر من نواب ابن الزبير‏.‏ثم جهز السرايا إلى العراق، ومات . وتولى بعده عبد الملك بن مروانفقتل مصعب بن الزبير بالعراق وأخذها‏.‏ثم بعث إلى الحجاج فحاصر ابن الزبير بمكة قريباً من سبعة أشهر حتىظفر به في يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين‏.‏

صفات ابن الزبير الشخصية

 قال على بن زيد الجدعانى عن ابن الزبير : ( إنه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة ، لأنه كان بخيلا ضيق العطاء ، سىء الخلق ، حسودا ، كثير الخلاف . ).

بخل ابن الزبير

1 ـ والبخل أبرز صفات ابن الزبير ، ومن أساب فشله ، فقد كان بنو أمية يشترون الأنصار بالأموال ، وهم أنداد وأكفاء للهاشميين ، وكان الزبير وآله اقل مكانة ، وبالتالى كان على ( ابن الزبير ) أن يعالج هذه الفجوة بين نسبه ونسب الأمويين بأن يكون أكثر كرما منهم فى العطاء يكتسب به الأنصار ، ولكنه لم يفعل ، مع ثرائه الفاحش .

2 ـوكان ابن الزبير يبخل بالأموال التى يحصل عليها من معاوية بينما يتنافس غيره فى إنفاقها . تقول الرواية ‏:‏ ( بعث معاوية إلى الحسن بن علي بمائة ألف فقسمها على جلسائه، وكانوا عشرة، فأصاب كل واحد عشرة آلاف‏.‏ وبعث إلى عبد الله بن جعفر بمائة ألف فاستوهبتها منه امرأته فاطمة فأطلقها لها، وبعث إلى مروان بن الحكم بمائة ألف فقسم منها خمسين ألفاً وحبس خمسين ألفاً، وبعث إلى ابن عمر بمائة ألف ففرق منها تسعين واستبقى عشرة آلاف‏.‏ وبعث إلى عبد الله بن الزبير بمائة ألف فقال للرسول‏:‏ لم جئت بها بالنهار‏؟‏ هلا جئت بها بالليل‏؟‏ ثم حبسها عنده ولم يعط منها أحداً شيئاً‏.‏ فقال معاوية‏:‏ إنه لخب ضبّ، كأنك به قد رفع ذنبه وقطع حبله‏.‏ ) .

3 ـ  وبالاضافة الى ما حصل عليه ابن الزبير من معاوية فقد ورث من أبيه حظّا من الثروة . وكان الزبير ( بليونيرا ) بمقياس عصرنا . ونقل ابن سعد فى الطبقات روايات عن تركة الزبير ، ونعرف منها أن الزبير اشترى بستانا كبيرا (الغابة ) بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بن الزبير بألف ألف وستمائة ألف. وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف. ( فجميع ماله خمسة وثلاثون ألف ألف ومائتا ألف ) ،( اقتسم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف ) ( كانت قيمة ما ترك الزبير أحدا وخمسين أو اثنين وخمسين ألف ألف  ) ( كان للزبير بمصر خطط وبالإسكندرية خطط وبالكوفة خطط وبالبصرة دور وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة ‏.‏ )

4 ـ وبخل ابن الزبير كان يصحبه فى حياته ومواقفه ، قبيل موقعة الجمل دخلوا البصرة وأسروا واليها عثمان بن حنيف ، واهانوه وعذبوه بلا جريمة إرتكبها ، وكاوا يقتلونه لولا مخافة أهله من الأنصار . نرى لابن الزبير موقفين يعبران عن بخله : فقد جاء حكيم بن جبلة لانقاذ عثمان بن حنيف واسترجاع المؤن الغذائية المخصصة لقومه وقد استولى عليها أصحاب الجمل ، فرفض ابن الزبير وقال له : (" لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليا. " قال حكيم : "اللهم إنك حكم عدل فاشهد. "  وقال لأصحابه : " إني لست في شك من قتال هؤلاء فمن كان في شك فلينصرف . " وقاتلهم فاقتتلوا قتالا شديدا. ).  وأكثر من هذا ، تقول الرواية : ( وأراد الزبير أن يعطي الناس أرزاقهم ويقسم ما في بيت المال، فقال عبدالله ابنه : إن ارتزق الناس تفرقوا ).

5 ـ وعيّن عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير للكوفة وكان فارسا كريما من فتيان قريش ، وهو الذى قتل المختار وسيطر على العراق و ملك البصرة   ووجه المهلب على الموصل والجزيرة وأذربيجان وأرمينية . وارسل مصعب وفدا من أهل العراق لأخيه عبد الله ليعطيهم ويستميلهم فمنعهم ابن الزبير العطاء وأهانهم  . ولم يلبث ابن الزبير أن عزل أخاه مصعب عن العراق وولى مكانه أبنه حمزة حتى لا يأكل مصعب خير العراق وخراسان وحده . وظهر من الوالى الجديد حمق فطلب الأحنف بن قيس زعيم بنى تميم من ابن الزبير عزل ابنه فعزله ، وأعاد مصعب لولاية العراق، وكان ذلك عام 68  .

6 ـ ولم يفارق البخل ابن الزبير وهو تحت الحصار قبيل مقتله . تقول الرواية ( وقدم عليهقوم من الأعراب فقالوا: قدمنا للقتال معك، فنظر فإذا مع كل امرئ منهم سيف كأنه شفرةوقد خرج من غمده، فقال: يا معشر الأعراب لا قربكم الله! فوالله إن سلاحكم لرث، وإنحديثكم لغث؛ وإنكم لقتال في الجدب، أعداء في لخصب. فتفرقوا .) أى طردهم لأنهم جاءوا يقاتلون معه مرتزقة طامعين فى عطائه ، وهو يريد أن يقاتل الناس من أجله بلا أجر !.

7 ـ أكثر من هذا أنه وقت الحصار إشتد الغلاء فى مكة ، ولدى ابن الزبير مخازن الطعام ويبخل بها عن عسكره ، تقول الرواية : ( ولم يزل القتال بينهمدائماً، فغلت الأسعار عند ابن الزبير وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح فرسه وقسملحمها في أصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم، والمد الذرة بعشرين درهماً، وإن بيوتابن الزبير لمملوءة قمحاً وشعيراً وذرة وتمراً، وكان أهل الشام ينتظرون فناء ماعنده، وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق، ويقول: أنفس أصحابي قوية مالم يفن.) . لذا تفرق عنه أصحابه مللا منه ، تستمر الرواية تقول : ( فلما كان قبيل مقتله تفرق الناس عنه وخرجوا إلى الحجاج بالأمان، خرج منعنده نحو عشرة آلاف، وكان ممن فارقه ابناه حمزة وخبيب، وأخذا لأنفسهما أماناً. )   

جُبن ابن الزبير

1 ـ يتجلى جبنه أكثر فى خوفه من الخروج للعراق أو للشام للتصدى للأمويين والخوارج . أرسل قادته يحاربون عنه ، وهو متعلق بالبيت الحرام ليأمن على حياته ، وليضع الأمويين فى مأزق : إما أن يتركوه خوفا على حُرمة البيت الحرام ، وإما أن يهاجموه فيقعوا فى جريمة إنتهاك الحرم . ونؤكد مجددا على أن ابن الزبير هو الذى بدأ بانتهاك البيت الحرام حين جعله مركزه الحربى ، ولا بد للمركز الحربى من أن يكون ميدانا للحرب والقصف . إن رب العزة هو الذى أمر أن يكون البيت الحرام مثابة للناس وأمنا ( البقرة 125 ) فعصى الزبير أمر الرحمن وجعل بيت الرحمن قلعة حربية تتعرض للحصار والضرب بالمنجنيق مما سبب حرق الكعبة . ولم يعرف ابن الزبير للكعبة إحتراما ، فحين إنهزم فى مكة إنسحب الى ساحة البيت الحرام ثم الى الكعبة نفسها تقول الرواية  : ( حضرت قتل ابن الزبير ، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم حتى يخرجهم فبينما هو على تلك الحال إذ جاءته شرفة من شرفات المسجد فوقعت على رأسه فصرعته.)، وإستعمل سقف الكعبة فى الدفاع عن حياته ، تقول الرواية : ( كان على ظهر المسجد جماعة من أعوانه يرمونأعداءه بالآجر فأصابته آجرة من أعوانه من غير قصد من مفرق رأسه ففلقت رأسه ) . أى قُتل من حجر أصابه خطأ من أحد جنوده الذين إعتلوا سطح الكعبة  وانتهك ابن الزبير جوف الكعبة ، تقول الرواية عن عدد القتلى : ( وقتل معه مائتان واربعون رجلا ، منهم من سال دمه فى جوف الكعبة . ).

2 ـ جُبن ابن الزبير يتجلى قبل هذا فى موقعة الجمل التى كان شيطانها . حين أصابته جراحة خفيفة ألقى بين نفسه بين الجرحى وهو يعرف أن جنود ( على ) لا يقتلون الجرحى ، تقول إحدى الروايات عنه  : (.. فجُرح فألقى نفسه في الجرحى فاستُخرج ، فبرأ من جراحته ).

3 ـ وحين إنفض عنه أبناؤه وأخوته ولم يبق سواه ذهب لأمّه يستشيرها ، هل يسلّم نفسه أم يقاتل ويعرض نفسه للقتل . كان وقتها قد تعدى السبعين وليس طفلا مراهقا ، وكان وقتها قد إرتكب كل الشنائع فى سبيل السلطان ، وبسببه ضاعت حياة عشرات الألوف ، ولعله الوحيد ـ فيما نعرف ـ الذى بعد هذا كله وفى هذا العُمر يقف أمام أمه لتحميه من جُبنه . يكفى أن نتعقل هذه الرواية المشهورة عنه ، ونضعها فى سياقها فى تاريخ ابن الزبير وختام طموحه وحياته : ( فدخل على أمه فقال: يا أماهقد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير ومن ليس عنده أكثر من صبرساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: أنت أعلم بنفسك، إن كنتتعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك يتلعببها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتلمعك، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين،كم خلودك في الدنيا! القتل أحسن! فقال: يا أماه أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوابي ويصلبوني. قالت: يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ إذا ذبحت، فامض على بصيرتكواستعن بالله.).

4 ـ وقبل أن يتفرق عنه أبناؤه وأتباعه كان يرفض كل محاولات التسوية ، والتى كان مبعثها الحرص على حُرمة البيت الحرام . ( وقد أرسل عبد الملك رسالة الى الحجاج يقول له فيه : إعط ابن الزبير الأمان على هدر هذه الدماء وحكمه فى الولاية ، فعرضوا ذلك عليه فشاور أصحابه فأشاروا عليه بأن يفعل فقال : لا أخلعها إلا بالموت . ).  

5 ـ ومع هذا فقد وضع السنيون السلفيون أكاذيب فى تمجيد هذا المخلوق الحقير !.

من هو الأسوأ : دونالد ترامب أم عبد الله بن الزبير ؟

الهجاء السياسى بين ابن الزبير وابن عباس  / صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح

مقدمة

1 ـ ( الرعاع ) مصطلح ثقافى وليس مصطلحا طبقيا . هو يدل على فساد خلقى وفُحش لفظى .  ليس شرطا أن يكون صاحبه فقيرا ،  فهناك فقراء مهذبون ، وهناك مترفون أثرياء من الرعاع . فى دولة المستبد الشرقى يتصدر المشهد الفاسدون والرعاع ، وتطغى أخبارهم وبذاءاتهم على أجهزة الاعلام . ونشهد فى أمريكا الان ( 2016 ) ظاهرة غريبة تحدث لأول مرة فى تاريخ التنافس على الرئاسة ، وهى ظاهرة دونالد ترامب ، الذى يسعى الى ترشيح الحزب الجمهورى ( المحافظ ) . هو بيليونير ورجل أعمال ناجح ، ولكنه بكلامه وتصرفاته ينتمى الى طائفة الرعاع . فارق هائل بينه وبين السياسيين الأمريكيين والغربيين ، الذين قد يتخذون قرارات إجرامية ولكن يتكلمون بتهذيب وأدب راق رائع ، يسمونه ( الدبلوماسية ).!.

ما علينا ..!!

2 ـ بل علينا ..!!

3 ــ لأن عبد الله بن الزبير ينتمى الى نفس فصيلة الرعاع ( ثقافيا ) . لم يكن فقيرا بل ورث عن أبيه ملايين الأموال وجمع مثلها من عطايا الأمويين الذين ثار عليهم فيما بعد ، وهو أقل شأنا منهم حسبا ونسبا . وبمقياس عصرنا فهو أكثر ثراءا من دونالد ترامب ، إلا إن ترامب أكثر كرما بينما كان ابن الزبير أبخل الناس فى عصره . ولقد طمع ابن الزبير فى الخلافة وأوقع عصره فى فتنة عقيم قتل فيها عشرات الآلاف ، وهو لم يكن صالحا للخلافة بمقياس عصره لأنه لا ينتمى الى أشرف عنصرى قريش ( الهاشميين والأمويين ) ثم بسبب طبيعته الشخصية المذمومة عربيا ، وقد كان بخيلا جبانا . وبمقارنة أخرى بينه وبين دونالد ترامب ، فإن ترامب مهما بلغ حمقه وبذاءته إلا إنه يتنافس فى الانتخابات فى تداول سلمى للسلطة ، ولا يقتل خصومه الذين لا يؤيدونه فى الرأى ، بينما أشعل ابن الزبير المنطقة حروبا ليغير المعادلة السياسية ويصبح خليفة رغم أنف الأمويين والهاشميين ، ثم إنه لم يتورع عن قتل المعارضين السلميين له ، بل كاد أن يحرق الهاشميين لأنهم رفضوا البيعة له بالخلافة .! وهذه سابقة تاريخية على مستوى العالم ـ حسب علمنا ، وهى أيضا لم تتكرر ـ حسب علمنا . ولا نعتقد أن هذه الفكرة المجنونة يمكن أن تزور عقل دونالد ترامب ـ ولو على إستحياء .! .

4 ــ وعلى هامش الحرب التى أشعلها ابن الزبير ، وعلى هامش إضطهاده للهاشميين  ، فإن طبيعة الرعاع فيه أنتجت أيضا نوعا من الهجاء السياسى للهاشميين ، فقام ابن الحنفية بالرد عليه ، بينما نبغ فى الرد عليه ابن عباس. وابن عباس كان يمتلىء إحتقارا لابن الزبير . ومشهور أن ابن عباس فشل فى إقناع الحسين بالبقاء فى مكة وعدم الذهاب الى العراق حتى لا يخلو المجال لابن الزبير وطموحه المدمر للخلافة . وبعد فشله فى إقناع الحسين قابل ابن عباس إبن الزبير فقال له : (قرّت عينك يا ابن الزبير .! . هذا الحسين يخرج الى العراق ويخلّيك والحجاز . وأنشد :

 يالك من قنبرة بمعمر   

خلا لك الجوُّ فبيضى وصفرى  

ونقّرى ما شئت أن تنقرى .) . هنا إحتقار هائل لابن الزبير الذى صار خليفة لبعض الوقت ثم انتهى أمره مصلوبا مقطوع الرأس .  

نعطى لمحة عن الهجاء السياسى بين ابن الزبير ، وخصميه ابن الحنفية وابن عباس .

أولا :

1 ـ  بلغ ابن الحنفية ( محمد بن على بن أبى طالب )  أن ابن الزبير نال من ( على بن أبى طالب ) وأنتقص منه ، فأُتى له برحل فوضعه فى المسجد الحرام ، وقام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على محمد ثم قال : ( شاهت الوجوه ، يا معشر قريش . أيقال هذا بين ظهرانيكم وأنتم تسمعون ؟ ويُذكر ( علىُّ ) فلا تغضبون ؟ . ألآ إن عليا كان سهما صائبا من مرامى الله أعداءه ، يضرب ووجوههم ويهوّعهم ( أى يجعلهم يتقيأون ) مأكلهم ، ويأخذ بحناجرهم . ألا وإنّا على سنن ومنهج حاله ، وليس علينا فى مقادير الأمور حيلة ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون ) . هذه خطبة تعكس شخصية محمد بن الحنفية المُسالمة ، برغم ما فيها من غضب . ونلاحظ أنه لم يذكر إسم ابن الزبير ، وركّز عن الدفاع عن والده (على بن أبى طالب ) .

ولكن ابن الزبير لم يتحمل مقالة ابن الحنفية فى الدفاع عن أبيه ( على بن أبى طالب ) فأصدر تصريحا يقول فيه ( هذه عذرة بنى الفواطم ، فما بال ابن أمة بنى حنيفة  ). يعنى التعريض بمحمد بن على بن أبى طالب ، لأن أمه ليست فاطمة بنت النبى ، كأنه عيب فيه يكون مؤاخذا به أنه ليس ابنا لفاطمة بينت محمد .! ثم قال عن محمد ( إبن أمة بنى حنيفة ) أى وصف أمّه أنها (أمة ) أى جارية مملوكة . ولم تكن كذلك .

وبلغ محمد ابن الحنفية قوله ، فقال : ( يامعشر قريش ..وما ميزنى عن بنى الفواطم ؟ اليست فاطمة بينت رسول الله حليلة  ( زوجة ) أبى ؟ وام أخوتى ؟ أو ليست فاطمة بنت اسد بن هاشم جدتى ؟ وأم ابى ؟ أليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم جدة أبى وام جدتى ؟ أما والله لولا خديجة بنت خويلد لما تركت من بنى أسد عظما إلا هشمته ، فإنى بتلك التى فيها المعاب صبير )(أى هو كفيل بالرد على تلك الاتهامات ) السيدة خديجة هى اخت العوام والد الزبير . ( اليعقوبى فى تاريخه 261 : 261  ). وابن الحنفية هنا إقتصر على الدفاع دون أن يهاجم ابن الزبير المعتدى .

ثانيا :

1 ـ حين رفض بنوهاشم مبايعة ابن الزبير فقطع ابن الزبير ذكر رسول الله فى خطبه ، وهاجم بنى هاشم ، وزعم انه ليست لهم سابقة فى قريش . وبلغ الخبر ابن عباس ،وكان قد أصابه العمى ،  فخرج غاضبا ، فأتى المسجد الحرام فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ، ثم قال : ( إن ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول الله  ولا آخر . ( أى ليست لهم سابقة ولا مفاخر ) فياعجبا كل العجب لافترائه وكذبه . والله إن أول من أخذ الايلاف وحمى عيرات  ( قوافل ) قريش لهاشم ( أى هاشم بن عبد مناف جد الهاشميين )، وأن أول من سقى بمكة عذبا ( أى ماءا عذبا ) وجعل باب الكعبة ذهبا لعبد المطلب ( أى عبد المطلب بن هاشم جد النبى عليه السلام ). والله لقد نشأت نشأتنا مع ناشئة قريش ( أى عاش ونشأ فى قريش فى مكة )، وإن كنا لقالتهم إذا قالوا ( أى المتكلمون والزعماء ) ، وخطباءهم إذا خطبوا . وما عن مجد كمجد أولنا ( أى لا يوجد مجد مثل مجد آبائنا )  . وما كان فى قريش مجد لغيرنا  لأنها فى كفر ماحق ، ودين فاسق وضلالة فى عشواء عمياء ، ( يعنى أن بنى أمية ــ وهم أكفاء لبنى أعمامهم الهاشميين ـ  ليس لهم مجد لانهم تزعموا الكفر فى قريش ) حتى إختار الله تعالى لها نورا ، وبعث لها سراجا ، فأنتجه طيبا من طيبين ، لا يسبه بمسبة ( أى لا مجال لأحد ان ينتقص منه أو أن يسُبّه ) ولا يبغى عليه غائلة . فكان ( النبى محمد ) أحدنا وولدنا وعمنا وابن عمنا . ثم إن أسبق السابقين اليه منا وابن عمنا  ( أى كان الهاشميون الأسبق فى الايمان برسالته ) ، ثم تلاه فى السبق اهلنا ولُحمتنا واحدا بعد واحد . ثم إنا لخير الناس بعده وأكرمهم ادبا وأشرفهم حسبا ، وأقربهم منه رُحما . و اعجبا لابن الزبير .!! يعيب بنى هاشم . وإنما شرُف هو وأبوه وجدُّه بمصاهرتهم . أما والله إنه لمسلوب قريش . ومتى كان العوّام بن خويلد يطمع فى صفية بنت عبد المطلب . قيل للبغل : من خالك ؟ فقال : خالى الفرس ) . يقصد ابن عباس أن العوام والد الزبير قد تشرف بزواجه من صفية بنت عبد المطلب ولم يكن لها كفؤا . وختم ابن الزبير خطبته بهذا المثل المؤلم : (قيل للبغل : من خالك ؟ فقال : خالى الفرس ) . يعنى أن الحمار نزا على مهرة فأنجب منها بغلا ، فقيل للبغل من أبوك فتحرج أن يقول أن أباه الحمار خجلا من أبيه الحمار فقال ( خالى الفرس ) فخرا بالفرس .!!

2 ـ وهاجم ابن الزبير وهو على المنبر ابن عباس ، وكان ابن عباس جالسا مع الناس ، فقال ابن الزبير يشير اليه : ( إن هاهنا رجل قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره . يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله . ويفتى فى القملة والنملة . وقد إحتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضحون  النوى ( يصحنون ويكسرون النوى )، وكيف ألومه فى ذلك ، وقد قاتل أم المؤمنين وحوارى رسول الله ومن وقاه بيده . ) كانت لابن عباس نقطة سوداء فى حياته ، كان أميرا للبصرة فى خلافة ابن عمه (على بن أبى طالب ) ، وحين تهاوى مُلك ( على ) تخلى عنه ابن عباس ، وهرب من البصرة ومعه بيت المال ، وإحتمى بأخواله فى الصحراء . هذا ما أراده ابن الزبير بقوله عنه (. وقد إحتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضحون  النوى  )

3 ـ رد ابن عباس : فقال ابن عباس لقائده : إستقبل بى وجه ابن الزبير وارفع من صدرى ، ففعل ، فقال ابن عباس : يا ابن الزبير .

قد انصف القارة من راماها

أنا إذا ما فئة نلقاها

نرد أولاها على أخراها

حتى تصير حرضا دعواها

( القارة قبيلة عربية مشهورة بالمهارة فى رمى السهام ، ويريد ابن عباس أنه قادر على رد السهام التى وجهها له ابن الزبير ، ثم أكمل خطابه  فقال : )

 ( يا ابن الزبير : أما العمى فإن الله تعالى يقول : ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور ) . وأما فُتياى فى القملة والنملة فإن فيهما حكمين لا تعلمهما أنت ولا اصحابك . وأما حملى المال فإنه كان مالا جبيناه فأعطينا كل ذى حق حقه ، وبقىت بقية هى دون حقنا فى كتاب الله فأخذناها بحقنا ، وأما المتعة فسل أمك اسماء إذ أنزلت عن عوسجة . وأما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين ، لا بك ولا بأبيك . فانطلق أبوك وخالك الى حجاب مدّه الله عليها فهتكاه عنها . ثم إتخذاها فتنة يقاتلان دونها ، وصانا حلائلهما فى بيوتهما . فما انصفا الله ولا محمدا من أنفسهما ، أن أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما . واما قتالنا اياكم ، فإنا لقيناكم زحفا ، فإن كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا ، وإن كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم أيانا . وايم الله لولا مكانة صفية فيكم ومكانة خديجة فينا لما تركت بنى أسد بن عبد العزى عظما إلا كسرته . ) (شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 5 / 821 : 823 ) .

كان ابن عباس مؤلما فى رده . إذ قال  فى مواجهة ابن الزبير إن  أٌمّه أسماء بنت أبى بكر قد تزوجها الزبير زواج متعة ، وأن عائشة صارت ( أم المؤمنين ) بسبب زواجها بالنبى الهاشمى ، وأنه كان مفروضا عليها الحجاب وألا تغادر بيتها ، ولكن الزبير وطلحة هتكا الحجاب الأمر المفروض عليها بالقرآن ، وبينما تركا زوجاتهما فى الحفظ والصون أدخلا زوجة النبى فى معركة . ثم حُجته الرائعة عن حرب الجمل ، إن كان الهاشميون كفارا وطلحة والزبير وعائشة وابن الزبير مؤمنين فقد كفر أصحاب الجمل بفرارهم ، وإن كان الهاشميون مؤمنين وعلى حق فإن الزبير وطلحة كفروا بقتالهم . وعليه فإن طلحة والزبير وابن الزبير وعائشة هم كفرة فى كل الأحوال طبقا لاستنتاج ابن عباس .

أخيرا

1 ـ فى النهاية حبسهم ابن الزبير ، وخطب  فقال : ( قد بايعنى الناس ولم يتخلف عن بيعتى إلا هذا الغلام : محمد بن الحنفية ، والموعد بينى وبينهم أن تغرب الشمس ثم أضرم عليهم داره نارا ) ، ولكن ذلك لم يتم لأن خيل المختار وردت قبل غروب الشمس ، وإستنقذت ابن الحنفية وأصحابه )  (  المسعودى فى مروج الذهب : ج 2 / 86 . ).

2 ــ دونالد ترامب يصف خصمه الجمهورى ( مارك روبيو ) بالصغير إحتقارا لشأنه . وهنا نرى ابن الزبير يخاطب ابن الحنفية بنفس الاحتقار : (هذا الغلام : محمد بن الحنفية  ). ثقافة الرعاع تجمع ابن الزبير بدونالد ترامب ، ولكن يبقى السؤال :  من هو الأسوأ : دونالد ترامب أم عبد الله ابن الزبير ؟

 

 

مصعب بنالزبير: فتى قريش المتوحش

 أولا : قيل عنه :

1 ـ ( كان فارسا شجاعا جميلا وسيما سفاكا للدماء ) ( كان من أحسن الناس وجهًا وأشجعهم قلبًا وأجودهم كفًا‏.‏) ( قال إسماعيل بن أبي خالد : ما رأيت أميرا قط أحسن من مصعب )   وقال الشعبى : ( ما رأيت أميرا قط على منبر أحسن من مصعب  ) وعنه قال المدائني ( كان يُحسدُ على الجمال  ) .

2 ـ  ( قال عبد الله بنعمر لمصعب :‏ "أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة.! ".  فقالمصعب‏:‏ "إنهم كانوا كفرة سحرة."  فقال ابن عمر‏:‏ "والله لو قتلت عدتهم غنمًا من تراثأبيك لكان ذلك سرفًا‏.‏".! )

3 ـ وقال عبد الملك بن مروان عن مصعب بعد أن قتل مصعب : ( أشجع العرب من ولي العراقين خمس سنين فأصاب ثلاثة آلاف ألف، وتزوج بنت الحسين وبنت طلحة وبنت عبد الله بن عامر ، وأمه رباب بنت أنيف الكلبي سيد ضاحية العرب ،وأُعطي الأمان فأبى ، ومشى بسيفه حتى قتل.) 

4 ـ ( أسر مصعب بن الزبير رجلًا فأمر بضرب عنقه.  فقال‏:‏ " أصلح اللهالأمير ما أقبح بمثلي أن يقوم يوم القيامة فأتعلق بأطرافك الحسنة وبوجهك الذييُستضاءُ به فأقول‏:‏ يا رب سل مصعبًا فيم قتلني" ؟ فقال‏:‏ " يا غلام أعف عنه."  فقال‏:‏"  أصلح الله الأمير إن رأيت أن تجعل ما وهبت لي من حياتي في عيش رخيّ .! " قال‏:‏ " يا غلامأعطه مائة ألفا .!"  فقال‏:‏ " أيها الأمير فإني أشهد الله وأشهدك أني قد جعلت لابن قيسالرقيات منها خمسين ألفًا . " فقال‏‏ له‏:‏ "ولم ؟ " قال‏:‏ لقوله فيك‏:‏ إنما مصعب شهاب منالله تجلت عن وجهه الظلماء".) . 

ثانيا : مصعب واليا للعراق لأخيه عبد الله بن الزبير 

1 ـ ( عزل عبد الله بن الزبير أخاه عبيدةبن الزبير عن المدينة واستعمل أخاه مصعباً.
وسبب ذلك أن عبيدة خطب الناس فقاللهم:" قد ترون ما صنع الله بقوم في ناقة قيمتها خمسة دراهم،؟! " ) يعنى هلاك قوم ثمود لأنهم عقروا الناقة  . فسخر منه أهل المدينة ،(  فسمي مقوّم الناقة، فبلغذلك أخاه عبد الله فعزله واستعمل مصعباً.)

2 ـ ثم أرسل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب واليا على العراق بعد أن إستفحل أمر المختار . تقول الرواية : (  وولّى عبد الله بنالزبيراخاه مصعب بنالزبيرالعراق، فبدأبالبصرة فنزلها ، ثم خرج في جيش كثير الى المختار بن ابي عبيد وهو بالكوفة فقاتله حتىقتله ، وبعث برأسه الى اخيه عبد الله بنالزبير. وفرّق عماله فيالكور والسواد  ) أى أرسل ولاة عنه فى توابع العراق ( ايران الآن وما بعدها فى اواسط آسيا ).

3 ـ كان ابراهيم بن الأشتر أشهر قواد المختار ، وبعد أن قتل مصعب المختار استمال ابن الأشتر اليه ، فصار من قواده . وكان الخوارج يعيثون فسادا فى  الموصل والجزيرة وأذربيجان وأرمينية فأرسل اليهم مصعب بالمهلب بن أبى صفرة فاستمر المهلب فى حربهم الى أن قُتل مصعب ، ثم إنضم المهلب لعبد الملك بن مروان ، وصار من أشهر قواده فى المشرق .

4 ـ وبعد قتل المختار جبى مصعب خراج العراق ( ملايين ) فحسده أخوه عبد الله بن الزبير ، فاستقدمه اليه وحبسه عند فى مكة وعزله ، وولى على العراق ابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير .  وظهرت سفاهة ابنه، وإحتج الناس عليه ، فاضطر عبد الله بن الزبير الى عزل ابنه وإرجاع مصعب الى العراق  .

 ثالثا : موجز الحرب بين عبد الملك بن مروان و(صديقه السابق ) مصعب بن الزبير

1 ـ  تقول الرواية : ( لما أجمع عبد الملك المسير إلى مصعب تهيأ لذلك ، وخرج في جند كثير من أهل الشام،  وسار عبد الملك وسار مصعب حتى التقيا بمسكن. ثم خرجوا للقتال واصطف القوم بعضهم لبعض.  فخذلت ربيعة وغيرها مصعبا . فقال ( مصعب ): " المرء ميت على كل حال فوالله لأن أموت كريما أحسن منأن يضرع إلى من قد وتره لا أستعين بهم أبدا ولا بأحد من الناس . " ثم قال لابنه عيسى :"تقدم فقاتل " . فدنا ابنه فقاتل حتى قُتل . وتقدم إبراهيم ابن الأشتر فقاتل قتالا شديدا.  وكثره القوم ( أى تكاثروا عليه )  فقُتل ، ثم صاروا إلى مصعب وهو على سرير له، فقاتلهم قتالا شديدا وهو علىالسرير ، حتى قُتل . وجاء عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه، فأتى به عبد الملك،  فأعطاه ألف دينار، فأبى أن يأخذها . ). 

2 ــ وتقول رواية أخرى : ( وسار عبد الملك حتىنزل بمسكن وكتب إلى شيعته من أهل العراق ، ثم جاء مصعب . فلما تراءى العسكران تقاعسبمصعب أصحابه . فقال لابنه عثمان‏:‏ يا بني اركب إلى عمك أنت ومن معك فأخبره بما صنعأهل العراق ودعني فإني مقتول فقال ابنه‏:‏ الحق بالبصرة أو بأمير المؤمنين فقال‏:‏" والله لا تتحدث قريش أني فررت ، ولكن أقاتل فإن قتلت فلعمري ما السيف بعار ، وما الفرارلي بعادة‏.‏" )

رابعا : اسباب هزيمة مصعب

1 ـ كان عبد الملك أكفأ سياسيا من مصعب ، ولم تُغن عن مصعب شجاعته . وبينما كان أهل الشام مخلصين لعبد الملك فقد كان أهل العراق لا يعرفون الاخلاص لأحد . مقصود بأهل العراق القبائل العربية التى إستوطنته بعد الفتح ، وليس أهل البلاد الأصليين ، والذين كان يُطلق عليهم الموالى . وقد قال عبد الملك:يقارن بينه وبين مصعب : ( إني يصيربالحرب شجاع بالسيف إن احتجت إليه، ومصعب شجاع ..ولكنه لا علم له بالحرب..ومعه من يخالفه ومعي من ينصح لي. ). وقال عبد الملك (وقد كتب كثير من أشراف العراق يدعونني إليهم )

2 ـ  : نجاح عبد الملك فى إستمالة معظم قواد مصعب ، واستجاب لعبد الملك كثير من القادة سوى ابراهيم بن الأشتر الذى جاء بكتاب عبد الملك لمصعب ، وأخبره أن عبد الملك أغوى القادة الآخرين ونصحه بأن يضرب أعناقهم فرفض مصعب حتى لا يُغضب عشائرهم . وأحسّ بعضهم بإنكشاف أمره فخاف من مصعب وهرب الى جيش عبد الملك .

3 ـ من سوء سياسة مصعب أنه لم يعزز جيشه بأكفأ قواده المخلصين له، تركهم فى ولاياتهم وهو فى أمسّ الحاجة اليهم ؛ وهم عبد الله بن خازم السلمي أمير خراسان و عمر بن عبيد الله التيمي  أمير فارس و المهلب بن أبي صفرة أمير الموصل وعباد بن حصين  أمير البصرة . لم يكن معه سوى ابراهيم بن الأشتر .

4 ـ فى داخل جيش مصعب كان له أعداء من أتباع المختار ومن غيرهم . وكان الذى طعن مصعب من أتباع المختار الثقفى ، وهو زائدة الثقفى وكان من جنود مصعب . تقول الرواية : ( ثم طعنه زائدة الثقفي وكان من جنده وقال يا لثارات المختار  )  ( فأثخن مصعب بالرمي ، ثم شد عليه زائدة بن قدامة فطعنه وقال‏:‏ يالثارات المختار . ) . وكان الذى إحتزّ رأس مصعب هو عبيد الله بن زياد بن ظبيان ، وقد حملها الى عبد الملك بن مروان ، ورفض أن يأخذ مكافأة منه . تقول الرواية : ( ونزل إليه عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه وقال‏:‏ إنه قتلأخي ، فأتى به عبد الملك ، فأثابه ألف دينار ، فأبى أن يأخذها، وقال‏:‏ إنما قتلته على وترصنعه بي فلا آخذ في حمل رأس مالًا‏.‏) ( وجاء عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه فأتى به عبد الملكفأعطاه ألف دينار فأبى أن يأخذها. )   

خامسا : تخاذل وتفرق أتباع مصعب عنه فى المعركة

1 ـ تقول الرواية : (   فلما التقى الجمعان لحقوا بعبد الملك وهرب عتاب بن ورقاء وخذلوا مصعبا .  وجعل مصعب كما قال لمقدم من جيشه : "تقدم " ، لا يطيعه )

2 ـ وعن إنفضاض أتباعه خصوصا من قبائل ربيعة تقول الرواية : ( واصطف القوم بعضهم لبعضفخذلت ربيعة وغيرها مصعبا  )

3 ـ وأرسل مصعب مددا لابراهيم بن الأشتر يقوده عتاب بن ورقاء. تقول الرواية : ( فساء ذلك إبراهيم وقال: قد قلت له لا تمدنيبعتاب وضربائه، وإنا لله وإنا إليه راجعون! فانهزم عتاب بالناس، وكان قد كاتب عبدالملك وبايعه . ) .

4 ـ وأثناء إحتدام القتال رفض قواد مصعب أوامره ، تقول الرواية : (  وتقدم أهل الشام فقاتلهم مصعب ، وقال لقطن بن عبد اللهالحارثي: قدم خليلك أبا عثمان. فقال: أكره أن تقتل مذحج في غير شيء. فقال لحجار ابنأبجر: يا أبا أسيد قدم خيلك. قال: إلى هؤلاء الأنتان! قال: ما تتأخر إليه أنتن! فقال لمحمد بن عبد الرحمن بن سعيد مثل ذلك، فقال: ما فعل أحد هذا فأفعله. ).

سادسا :  مصعب يرفض الأمان ويرفض الفرار

1 ـ ووضح أنه مهزوم ، فعرض عليه عبد الملك الأمان فرفض ، وعرض عليه ابنه الانسحاب الى البصرة فرفض .

2 ـ  تقول الروايات : ( وبعث إليه عبد الملك مع أخيه محمد : " إني ياابن العم أمنتك " قال مثلي : "لاينصرف عن هذا المقام إلا غالبا أو مغلوبا   ) ( ثم دنامحمد بن مروان من مصعب وناداه: أنا ابن عمك محمد بن مروان فاقبل أمان أميرالمؤمنين. فقال: أمير المؤمنين بمكة، يعني أخاه عبد الله بن الزبير. قال: فإن القومخاذلوك.فأبى ما عرض عليه.  ) ( فنادى محمد ( ابن مروان ) عيسى بن مصعب بن الزبير له، فقال له مصعب: انظر ما يريد منك. فدنا منه، فقال له: إني لك ولأبيك ناصح ولكما الأمان. فرجع إلىأبيه فأخبره، فقال ( عيسى لآبيه مصعب ) : إني أظن القوم يوفون لك ، فإن أحببت أن تأتيهم فافعل. فقال: لاتتحدث نساء قريش أني خذلتك ورغبت بنفسي عنك. قال ( مصعب لابنه عيسى ) : فاذهب أنت ومن معك إلى عمك ( عبد الله بن الزبير )  بمكةفأخبره بما صنع أهل العراق ودعني فإني مقتول. فقال ( عيسى لآبيه ): لا أخبر عنك قريشاً أبداً، ولكنيا أبت الحق بالبصرة فإنهم على الطاعة أو الحق بأمير المؤمنين. فقال مصعب: لا تتحدثقريش أني فررت.وقال لابنه عيسى: تقدم إذن أحتسبك، فتقدم ومعه ناس فقتل وقتلوا؛وجاء رجل من أهل الشام ليحتز رأس عيسى، فحمل عليه مصعب فقتله وشد على الناسفانفرجوا له، وعاد ثم حمل ثانية فانفرجوا له )،( وبذل له عبد الملك الأمان وقال: إنهيعز علي أن تقتل فاقبل أماني ولك حكمك في المال والعمل. فأبى وجعل يضارب. )

سابعا : قتل مصعب

1 ـ مصعب وزوجته سكينة بنت الحسين :  قبيل قتله ودّع زوجته سكينة بنت الحسين . تقول الرواية : ( دخل مصعب على سكينةيوم القتل ، فنزع ثيابه، وليس غلالة وتوشح بثوب وأخذ سيفه، فعلمت سكينة أنه لا يريد أنيرجع ، فصاحت‏:‏ واحزناه عليك يا مصعب. فالتفت إليها ، وقد كانت تخفي ما في قلبها عنهفقال‏:‏" أوكل هذا لي في قلبك؟ ! " قالت‏:‏ " وما أخفي أكثر " .! فقال‏:‏ " لو كنت أعلم هذا كانتلي ولك حال"!.  ثم خرج فلم يرجع‏.‏)

(  لما قتل مصعب بن الزبير خرجت سكينة ( بنت الحسين ) تطلبه في القتلى فعرفته بشامةفي خده فأكبت عليه وقالت‏:‏ يرحمك الله نعم والله خليل المسلمة كنت )

2 ـ إختلاف الروايات فيمن قتل مصعب :

( وتركالناس مصعباً وخذلوه حتى بقى في سبعة أنفس، وأثخن مصعب بالرمي وكثرت الجارحات فيه،فعاد إلى عبيد الله بن زياد بن ظبيان، فضربه مصعب فلم يصنع شيئاً لضعفه بكثرةالجراحات، وضربه ابن ظبيان فقتله.وقيل: بل نظر إليه زائدة بن قدامة الثقفي فحملعليه فطعنه وقال: يا لثارات المختار! فصرعه. ) ( وكان الذي تولى قتله عبيد الله بن زياد بن ظبيان على دجيل عند نهرالجاثليق واحتز رأسه وحمله إلى عبد الملك فسجد عبد الملك وقال‏:‏ واروه فلقد كان منأحب الناس إلي وأشدهم لي لقاء ومودة ولكن الملك عقيم )

3 ـ بعد قتله خطب الملك فقال عن ابن الزبير وجُبنه :( إن عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لخرج فآسى بنفسه ولميغرز بذنبه في الحرم . ) 

ثامنا : إختلاف الروايات فى يوم مقتله وفى عمره :

( قتل يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولىأو الآخرة سنة إحدى وسبعين وهو ابن خمس وأربعين ) ( وقيل‏:‏ خمس وثلاثين‏.‏ ) ( قتل يوم الخميس للنصف من جمادي الاولى سنة اثنتين وسبعين ) وقيل ( قتل مصعب يوم نصف جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وله أربعون سنة). ( وكان عمر مصعب حين قتل ستاً وثلاثين سنة.)

تاسعا : رأس مصعب :

( ولما قتل مصعب بعث عبد الملك رأسه إلى الكوفة، أوحمله معه إليها، ثم بعث به إلى أخيه عبد العزيز بن مروان بمصر، فلما رآه وقد قطع السيف أنفه قال: رحمك الله! أما والله لقد كنت من أحسنهم خلقاً وأشدهم بأساً وأسخاهم نفساً. ثم سيره إلى الشام فنصب بدمشق، وأرادوا أن يطوفوا به في نواحي الشام، فأخذته عاتكة بنت يزيد بن معاوية زوجة عبد الملك بن مروان، وهي أم يزيد بن عبد الملك، فغسلته ودفنته وقالت: أما رضيتم بما صنعتم حتى تطرفوا به في المدن؟ هذا بغي.! )

 

  مروان بن الحكم : سبب الفتنة الكبرى الأولى وأساس فى الفتنة الكبرى الثانية

مقدمة : سيطر مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية على ابن عمه عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية ، وتسبب فى الثورة عليه ، ومقتله وإندلاع الفتنة الكبرى، وقد فصلناها فى مقالات كتاب (المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين)، وهى منشورة هنا . إستغل الأمويون حقد ( الزبير وطلحة وعائشة ) على ( على بن أبى طالب ) فدفعوهم للثورة عليه لإجهاده وتعطيله عن حرب معاوية .  وشارك مروان بن الحكم فى موقعة الجمل ضد ( على بن أبى طالب )، وفى ضجيج المعركة صوّب سهما فقتل به ( طلحة ) إنتقاما لعثمان .  وعيّنه معاوية واليا له على المدينة عدة مرات . وفى الفتنة الكبرى الثانية التى بدأت بمقتل الحسين أصبح مروان بن الحكم أحد أعمدتها ضد ابن الزبير ، وصار أول خليفة  لفرع الحكم بن أبى العاص بن أمية ، ومن نسله جاء الخلفاء الأمويون اللاحقون . ونعطى بعض التفصيلات .

أولا : نشأة مروان بن الحكم 

1 ـ  كان مولده سنة اثنتين منالهجرة، وكان أبوه الحكم بن أبى العاص قد أسلم عام الفتح، وهاجر للمدينة. وعوقب الحكم بن أبى العاص ــ فى العصر العباسى ــ بروايات كثيرة تلعنه وتلعن ذريته كراهية فى مروان ابن الحكم وخلفائه من بنى أمية . وأشهرها قولهم أن النبى عليه السلام  نفى الحكم بن العاص إلىالطائف لأنه يتجسس عليه، وأنه ظل منفيا فيها الى أن أعاده عثمان الى المدينة فى خلافته . وكان يقال لآل مروان ( بنو الزرقاء ) ذما وعيبا ، لأن ( الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه) كانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على بيوت البغاء فى الجاهلية. وقد توفى الحكم بن العاص فى خلافة ابن أخيه عثمان بن عفان بن العاص. وقد صلّى عليه عثمان .

2 ـ  عند موت النبى عليه السلام كان مروان بن الحكمفى الثامنة من عمره ، وعاش مروان بالمدينة مع أبيه الى أن مات ، ثم عاش ملازما لابن عمه عثمان بن عفان .

 ثانيا : فى خلافة عثمان

1 ـ كان مروان ( سكرتير ) أو ( كاتم سر) عثمان فى خلافته ، وقد نقم الناس فى المدينة وخارجها على ( عثمان ) أنه وقع تحت سيطرة ابن عمه مروان ، وأن عثمان أعطاه الكثير من الأموال . وفى نفس الوقت كان مروان يحرض عثمان ضد زعماء المعارضة (على بن أبى طالب) والزبير و طلحة   وعائشة . وانتهى الأمر بحصار عثمان فى داره وقتله فى ( يوم الدار) .

2 ـ وفى وقت الحصار تعللت عائشة بالحج  حتى لا تتحمل مسئولية ما سيحدث لعثمان ، وهى التى كانت تحرض على قتله، وتقول ( أُقتلوا نعثلا فإن نعثلا قد كفر). و( نعثل ) هو لقب عثمان فى الجاهلية. تقول الرواية: ( فأتاها مروان وزيد بن ثابت وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص فقالوا: "  يا أم المؤمنين لو أقمت فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور ومقامك مما يدفع اللهبه عنه . !" فقالت : " قد حلبت ظهري وعريت غرائزي ولست أقدر على المقام ." فأعادوا عليها الكلامفأعادت عليهم مثل ما قالت لهم ، فقام مروان وهو يقول‏:‏

 وحرّق قيس علي البلاد      حتى إذااستعرت أجذما ) يريد أنها سبّبت الثورة على عثمان ثم تتركه . وتمضى الرواية : ( فقالت عائشة : " أيها المتمثل عليّ بالأشعار وددت والله أنك وصاحبك هذاالذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وأنكما في البحر . " وخرجت إلى مكة . )

3 ـ وحين إقتحم الثوار بيت عثمان كان مروان يقاتل بضرواة دفاعا عن ابن عمه . تقول الرواية : ( خرج مروان بن الحكم يومئذ يرتجز ويقول : " من يبارز؟ "  فبرز إليه عروة بن شييمبن البياع الليثي فضربه على قفاه بالسيف ، فخر لوجهه ، فقام إليه عبيد بن رفاعة بن رافعالزرقي بسكين معه ليقطع رأسه ، فقامت إليه أمه التي أرضعته ، وهي فاطمة الثقفية وهي جدةإبراهيم بن العربي صاحب اليمامة، فقالت: " إن كنت تريد قتله فقد قتلته فما تصنع بلحمهأن تبضعه ؟ ! " فاستحيا عبيد بن رفاعة منها فتركه ). وبهذا نجا مروان إذ كان لا يزال فيه رمق ، وعاش بعدها ليصنع التاريخ .

 ثالثا : فى موقعة الجمل عام 36

1 ـ عادت عائشة لتجد عليا قد تولى الخلافة ، فانقلبت تتهم عليا بقتل عثمان ، وتطالب هى بدم عثمان ، وكان معها فى التحريض ضد (على ) ابن أُختها عبد الله بن الزبير . وانضم اليها الزبير وطلحة بعد بيعتهما ( لعلىّ ) . وارتحلوا الى البصرة ، ولحق بهم مروان بن الحكم . 

2 ـ مروان يريد الايقاع بين الزبير وطلحة
تقول الرواية : ( خرج أصحاب الجمل في ستمائة معهم عبد الرحمن بن أبي بكرة وعبد الله بن صفوان الجمحي ..) ولحقهم مروان ، تمضى الرواية عن مروان : ( وأذن مروان حين فصل من مكة ثم جاء حتى وقف عليهما فقال أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير على أبي عبد الله وقال محمد بن طلحة على أبي محمد ، فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان فقالت : " مالك أتريد أن تفرق أمرنا ليُصلّ ابن أختي " ، فكان يصلي بهم عبدالله بن الزبير حتى قدم البصرة . ). أى إن مروان أراد الايقاع بينهما مبكرا ، فسأل من هو الأمير ؟ هل هو الزبير أو طلحة ؟ ومن الذى سيؤم الناس فى الصلاة ، وفهمت عائشة قصده ، فجعلت عبد الله بن الزبير هو الذى يؤم الصلاة .

3 ـ مروان يقتل طلحة وقت هزيمة أصحاب الجمل

( قالوا: فلما قتل عثمان وسار طلحةوالزبير وعائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان خرج معهم مروان بن الحكم فقاتل يومئذأيضا قتالا شديدا ، فلما رأى انكشاف الناس ( أى هزيمة أصحابه ) نظر إلى طلحة ابن عبيد الله واقفا فقال: " والله إن دم عثمان إلا عند هذا ،هو كان أشد الناس عليه وما أطلب أثرا بعد عين."  ففوّقله بسهم فرماه به فقتله . ) وتقول رواية أخرى : (  فقاتلوهم، فقتل يومئذ سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل ،  فلما عقر الجمل وهزم الناس. وأصابت طلحة رمية فقتلته ،  فيزعمون أن مروان بن الحكم رماه ).

4 ــ جُرح مروان وإنقاذه وأخذه الأمان من ( على بن أبى طالب )

تقول الروايات :( وقاتل مروان أيضا حتى ارتث فحمل إلى بيت امرأة من عنزة،  فداووه وقاموا عليه ، فما زال آل مروان يشكرون ذلك لهم )،(  وانهزم أصحاب الجمل ، وتوارىمروان حتى أُخذ له الأمان من علي بن أبي طالب ، فأمّنه. فقال مروان : " ما تقرني نفسي حتىآتيه فأبايعه . " فأتاه فبايعه ،  ثم انصرف مروان إلى المدينة ، فلم يزل بها حتى ولي معاويةبن أبي سفيان الخلافة. ) أى لم يشارك معاوية فى القتال ضد (على ) فى صفين .

 رابعا : فى خلافة معاوية

1 ـ تقول الرواية ( ثم انصرف مروان إلى المدينة فلم يزل بها حتى ولي معاويةبن أبي سفيان الخلافة، فولى مروان بن الحكم المدينة سنة اثنتين وأربعين ،  ثم عزله وولىسعيد بن العاص ، ثم عزله وأعاد مروان ، ثم عزله وأعاد سعيد بن العاص،  فعزله وولى الوليدبن عتبة بن أبي سفيان فلم يزل على المدينة حتى مات معاوية ومروان يومئذ معزول عنالمدينة .) كان معاوية حريصا على الايقاع بين مروان بن الحكم بن أبى العاص وسعيد بن أبى العاص ، فكان يعزل هذا عن المدينة ثم يولى ذاك ، وهما معا أبناء عمومة له وأقرب لبعضهما فهما من فرع العاص بن أمية . وتقول الرواية عن أحداث عام 49 هجرية : (  وفيها عزل معاوية مروان بن الحكم عن المدينة في شهر ربيع الأول وأمر فيها سعيد بن العاص على المدينة في شهر ربيع الآخر وقيل في شهر ربيع الأول ، وكانت ولاية مروان كلها بالمدينة لمعاوية ثمان سنين وشهرين )

2 ـ أى تولى مروان المدينة لمعاوية عدة مرات ، تقول الروايات عن مروان : ( وولي المدينة لمعاوية مرات،فكان إذا ولي يبالغ في سب علي، وإذا عزل وولي سعيد بن العاص كف عنه، فسئل عنه محمدبن علي الباقر وعن سعيد، فقال: كان مروان خيراً لنا في السر، وسعيد خيراً لنا فيالعلانية.وكان الحسن والحسين يصليان خلفه ولايعيدان الصلاة. وهو أول من قدم الخطبة في صلاة العيد وقبل الصلاة.) ( وكان مروان في ولايته على المدينة يجمع أصحاب رسول الله يستشيرهم ويعمل بمايجمعون له عليه . ) 

خامسا : مروان  فى خلافة يزيد بن معاوية 

1 ـ  تولي يزيد بن معاوية سنة ستين.  وبدأ يزيد خلافته بأمر ابن عمه والى المدينة  الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بأن يأخذ البيعة له من الحسين وابن عمر وابن الزبير ، كتب يقول له : (أما بعد فخذ حسينا وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام ) . واستشار الوليد ( مروان بن الحكم ) فقال له مروان : ( أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة فإن فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم ، وإن أبوا قدمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنهم إن علموا بموت معاوية وثب كل امرئ منهم في جانب واظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه..)  

2 ـ وأرسل الوالى الوليد بن عتبة يستدعى الحسين وابن الزبير ، وكانا فى المسجد ، ففهما أن معاوية قد مات ، وأن الوالى يريد منهما البيعة . فجمع الحسين فتيانه وذهب بهم الى لقاء الوالى ، وأوصى فتيانه أنه إذا سمعوا صوته عاليا فليقتحموا بيت الأمير . وقابل الحسين الوالى الوليد وكان مروان حاضرا ، فأخبره الوليد بموت معاوية وطلب منه البيعة ليزيد ، فقال الحسين : ( إنا لله وإنا إليه راجعون، ورحم الله معاوية ، وعظم لك الأجر. أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سرا ولا أراك تجتزئ بها مني سرا دون أن نظهرها على رءوس الناس علانية . ) قال : "  أجل " . فقال الحسين للوالى : ( فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا . ) ووافق الوليد ،فقال مروان للوليد : ( والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه . احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه)  فوثب عند ذلك الحسين فقال : ( يابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو ؟ كذبت والله وأثمت )،  ثم خرج ...  فقال مروان للوليد : (عصيتني.!. لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه أبدا ) قال الوليد  : (..والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسينا . سبحان الله .! أقتل حسينا أن قال لا أبايع ؟! . والله إني لا أظن إمرأ يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة . ) .

3 ـ وعن ابن الزبير تقول الروايات : ( وأما ابن الزبير فقال الآن آتيكم ثم أتى داره فكمن فيها . فبعث الوليد إليه فوجده مجتمعا في أصحابه متحرزا ، فألح عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال ) ( وأما ابن الزبير فقال لا تعجلوني فإني آتيكم أمهلوني فألحوا عليهما عشيتهما تلك كلها وأول ليلهما ) وانتهى الأمر بهرب الحسين وابن الزبير الى مكة دون أن يبايعا يزيد .

4 ـ وترتب على هذا أن عزل ( يزيد بن معاوية ) ابن عمه ( الوليد بن عتبة )، وعيّن مكانه على المدينة  عمرو بن سعيد بن العاص (الأشدق ) ، وهو ابن عم لمروان بن الحكم بن العاص. وأمر يزيد بن معاويه واليه الجديد على المدينة أن يرسل جيشا الى مكة ليعتقل ابن الزبير . وكان عمرو بن الزبير أخ عبد الله بن الزبير متوليا الشرطة للوالى عمرو بن سعيد ، وكان يكره أخاه عبد الله بن الزبير ، فطلب من الوالى أن يرسله لحرب أخيه عبد الله بن الزبير ، وقال للوالى (لا توجه إليه رجلا أبدا أنكأ له مني )، فأرسله بجيش من 700 رجل ليهاجم ابن الزبير فى مكة حيث أعلن ابن الزبير أنه ( عائذ بالحرم ) .وتذكر الروايات موقفا إيجابيا لمرون بن الحكم ، تقول : ( فجاء مروان بن الحكم إلى عمرو بن سعيد فقال: " لا تغز مكة واتق الله ولا تحل حرمة البيت ، وخلُّوا ابن الزبير فقد كبر هذا له بضع وستون سنة وهو رجل لجوج والله لئن لم تقتلوه ليموتن . "  فقال عمرو بن الزبير : " والله لنقاتلنه ولنغزونه في جوف الكعبة على رغم أنف من رغم .! " فقال مروان : " والله إن ذلك ليسوءني .! " ). وفشلت حملة عمرو بن الزبير وهزمه أخوه عبد الله بن الزبير وقتله .

4 ـ مروان وموقعة الحرة  : وقد عرضنا من قبل لموقعة الحرة وموقف مروان ضد أهل المدينة ، وتقول الرواية إن مروان سار الى يزيد فى دمشق ، فأصبح مقربا منه الى ان مات يزيد بن معاوية .  

5 ـ وبأعتزال معاوية الثانى وموته وصفه مروان بن الحكم بأنه ( أبو ليلى ) يتندر على ضعفه ، تقول الرواية : ( فلما دفن معاوية بن يزيد قام مروان بنالحكم على قبره فقال :" أتدرون من دفنتم ؟ قالوا " " معاوية بن يزيد " فقال : "هذا أبو ليلى " )   

مؤتمر الجابية وتولية مروان الخلافة :

1 ـ بمقتل الحسين وموت معاوية الثانى تفرق بنو أمية وعلا أمر ابن الزبير فبايعه الضحاك بن قيس وزفر بن الحارث ، وكاد مروان أن يبايع ابن الزبير . تقول الرواية : (فلما رأى ذلك مروان خرج يريد بن الزبير بمكة ليبايع لهويأخذ منه أمانا لبني أمية وخرج معه عمرو بن سعيد بن العاص ، فلما كانوا بأذرعات ...لقيهم عبيد الله بن زياد مقبلا من العراق فقال لمروان : " أين تريد؟  فأخبره ، فقال : " سبحان الله أرضيت لنفسك بهذا؟ تبايع لأبي خبيب وأنت سيد بني عبد منافوالله لأنت أولى بها منه . " فقال له مروان : " فما الرأي ؟ " قال : " أن ترجع وتدعو إلى نفسك وأناأكفيك قريشا ومواليها ولا يخالفك منهم أحد . "  فقال عمرو بن سعيد  : " صدق عبيد الله ، إنكلجذم قريش وشيخها وسيدها وما ينظر الناس إلا إلى هذا الغلام خالد بن يزيد بن معاويةفتزوج أمه فيكون في حجرك وادع إلى نفسك، فأنا أكفيك اليمانية ،فإنهم لا يخالفوني ــ وكانمطاعا عندهم  ــ على أن تبايع لي من بعدك " قال ( مروان ) : " نعم " فرجع مروان وعمرو بن سعيد ومن معهما).

2 ـ وكان  حسان بن مالك بن بحدل الكلبى متمسكا بحق خالد بن يزيد فى الخلافة ، وتم الاتفاق فى مؤتمر الجابية على البيعة لمروان ثم بعده خالد بن يزيد بن معاوية ثم بعده عمرو بن سعيد الأشدق . فكانت بيعة مروان بالجابيةيوم الإثنين للنصف من ذي القعدة سنة أربع وستين وبايع عبيد الله بن زياد لمروان بنالحكم أهل دمشق وكتب بذلك إلى مروان .

مرج راهط

1 ـ ودخل عبيد الله بن زياد الى دمشق ، وكسب ثقة الضحاك بن قيس الذى إنشق عن الأمويين وبايع لابن الزبيروولاه ابن الزبير الشام ، وأخذ العهد لابن الزبير من أهل الشام . وخدع ابن زياد ( الضحاك بن قيس ) فجعله يدعو الناس الى نفسه بدلا من بيعتهم لابن الزبير ، فإحتجوا عليه فعاد يدعو لابن الزبير ففقد مكانته فى أعينهم . فنصحه ابن زياد بالخروج عن دمشق خوفا على حياته وأن يجمع جموعه فى المرج حيث قبيلته من قيس ، فوافقه وأخلى دمشق لابن زياد .

2 ــ وسار مروان من الجابية في ستة آلافحتى نزل مرج راهط ثم لحق به من أصحابه من أهل دمشق وغيرهم من الأجناد سبعة آلاففكان في ثلاثة عشر ألفا أكثرهم رجالة )( وكان على ميمنة مروان عبيد الله بنزياد وعلى ميسرته عمرو بن سعيد . ) ( وكتب الضحاك بن قيس إلى أمراء الأجناد فتوافوا عندهبالمرج فكان في ثلاثين ألفا وأقاموا عشرين يوما يلتقون في كل يوم فيقتتلون حتى قتلالضحاك بن قيس وقتل معه من قيس بشر كثير، فلما قتل الضحاك بن قيس وانهزم الناس رجعمروان ومن معه إلى دمشق، وبعث عماله على الأجناد وبايع له أهل الشام جميعا )

موت مروان وتولى ابنه عبد الملك

( مات فجأة وذلك في هلال شهر رمضان سنة خمس وستين ، وكان مروان يومئذ بنأربع وستين سنة وكانت ولايته على الشام ومصر لم يعد ذلك ثمانية أشهر ويقال ستة أشهر). ( ولما مات بويعلولده عبد الملك بن مروان في اليوم الذي مات فيه . ) 

عبد الملك بن مروان

ولا : فكرة سريعة عن خلافة عبد الملك :

1 ـ مكتوب الكثير عن عبد الملك بن مروان ، فهو المؤسس الثانى للدولة الأموية ، ومن ذريته جاء الخلفاء الأمويون اللاحقون ما عدا عمر بن عبد العزيز ، وآخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد بن مروان . وقد بويع  لأبيه ( مروان بن الحكم )  بالخلافة بالجابية يومالأربعاء 3 من ذي القعدة سنة 64 ... ثم عهد مروان بالخلافة لإبنيه عبد الملك ثم عبد العزيز    ، ومات مروان بن الحكم بدمشق لهلال شهر رمضان سنة خمس وستين، فتولى عبد الملك الخلافة فى نفس اليوم. )

2 ـ كانت المشاكل تحيط بعبد الملك من أول يوم فى خلافته ، بالاضافة الى الخوارج كان عبد الله بن الزبير يمتلك العراق وما يتبعه من ايران وما بعدها مع الحجاز . ثم كان ينافسه أقوى إثنين فى البيت الأموى . طبقا لقرارات مؤتمر الجابية كانت ولاية العهد لمروان ثم لخالد بن يزيد بن  معاوية ثم عمرو بن سعيد بن أبى العاص ( الأشدق )، ونقضها مروان بالعهد لابنيه عبد الملك وعبد العزيز. كان وجودهما  (عمرو الأشدق وخالد بن يزيد بن معاوية) ضمن متاعب عبد الملك . عمرو بن سعيد بن أبى العاص ( الأشدق ) كان يرى نفسه الأحق من عبد الملك بالخلافة ، وهذا ( الأشدق ) صاحب تاريخ فى تأسيس الدولة الأموية وصاحب نفوذ فى قبيلة كلب الراعى الأكبر للأمويين ، ثم هو ابن عم والده مروان . كما إن خالد بن يزيد بن معاوية لا يزال يطمع فى حقه فى الخلافة. ولم يكن عبد الملك يأمنهما على مُلكه ، لذا إصطحبهما وهو يقود الجيش ليقاتل مصعب بن الزبير . وفى جلسته معهما قال لهما عن صداقته القديمة فى المدينة لمصعب بن الزبير : ( والله إن في أمر هذه الدنيا لعجبا ، لقد رأيتني ومصعب بن الزبيرأفقده الليلة الواحدة من الموضع الذي نجتمع فيه فكأني واله ، ويفقدني فيفعل مثل ذلك، ولقد كنت أوتى باللطف فما أراه يجوز لي أكله حتى أبعث به إلى مصعب أو ببعضه ، ثم صرناإلى السيف.! ولكن هذا الملك عقيم ليس أحد يريده من ولد ولا والد إلا كان السيف . ). وهو تهديد مبطن من عبد الملك لأكبر رأسين فى دولته ، أى إن صداقة عبد الملك القديمة لمصعب بن الزبير لا تمنعه من السير اليه ليقاتله ، لأن ( المُلك ) لا مكان فيه للصداقة والعواطف مهما بلغت ، حتى الولد والوالد ، فكيف بأبناء العم ( عمرو الأشدق وخالد ).  تقول الرواية : (وإنمايقول هذا القول عبد الملك لأن خالد بن يزيد بن معاوية وعمرو بن سعيد بن العاص جالسان معه ، فأرادهما به ، وهو يومئذ يخافهما . قد عرف أن عمرو بن سعيد أطوع الناس عندأهل الشام ، وخالد بن يزيد بن معاوية قد كان مروان أطمعه في العقد له بعده ، فعقد مروانلعبد الملك ولعبدالعزيز بعد عبد الملك ، فأيس خالد وهو مع عبد الملك على الطمع والخوف ).

ولم ينفع هذا التهديد غير المباشر مع عمرو الأشدق . فمالبث أن رجع ليلا بفرقة من الجيش واستولى على دمشق ، فلحق به عبد الملك وحاربه وهزمه وذبحه بيده .!. رجع عبد الملك عن غزو مصعب ليتخلص من منافسه عمرو الأشدق ، وفى العام التالى غزا ( صديقه القديم ) مصعب بن الزبير ، وهزمه وقتله . !3 ـ بعد قتل مصعب وضم العراق وايران وما يتبعهما لم يبق إلا عبد الله بن الزبير فى مكة، فأرسل اليه عبد الملك جيشا يقوده الحجاج بن يوسف فحاصره ، وهزمه وقتله وصلبه . واستمر حصار ابن الزبير ستة اشهر بينها الأشهر الحُرُم الأربعة ، تقول الرواية  (وحصرا بن الزبير ليلة هلال ذيالقعدة سنة اثنتين وسبعين ستة أشهر وسبعة عشر يوما وقتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلتمن جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين وبعث برأسه إلى عبد الملك بن مروان بالشام ). وبهذا صفا ( المُلك ) ل ( عبد الملك ).!

.4 ــ وأراد عبد الملك بن مروان  أن يخلع أخاه عبد العزيز بن مروان من ولاية العهد  ويعقد لابنيه الوليد وسليمان بعده بالخلافة ، فنهاه عنذلك قبيصة بن ذؤيب وقال له : " لا تفعل هذا فإنك تبعث به عليك صوتا نعارا ولعل الموتيأتيه فتستريح منه. " فكف عبد الملك عن ذلك ونفسه تنازعه أن يخلعه . ثم فى شهر جمادي الأولى سنة 85   جاءه الخبر بوفاة أخيه عبد العزيز فى مصر وكان واليا عليها . فجعل عبد الملك ابنه عبد الله بن عبد الملك واليا على مصر وعقد البيعة بالخلافة لابنيه الوليد وسليمانبعده.   وتقول الرواية : ( مات عبد الملك بن مروان بدمشق يوم الخميس للنصف من شوال سنة ست وثمانين وله ستون سنة ،  فكانت ولايته من يوم بويع إلى يوم توفي إحدى وعشرين سنة وشهرا ونصفا ، وكان تسع سنين منها يقاتل فيهاعبد الله بن الزبير، ويُسلّم عليه بالخلافة بالشام ثم العراق بعد مقتل مصعب. ,  وبقي بعد مقتل عبد الله بن الزبير واجتماع الناس عليه ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر إلا سبع ليال .).

 

ثانيا : عبد الملك  والمدينة  قبل خلافته :

1 ـ  عبد الملك ينتمى لبنى أمية ( فرع أبى العاص ) من ناحية أبيه وأمه . أبوه مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، وأمه (عائشة بنتمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية ).  فهو ( أُموى ) إنتماؤه لأهله . ومن هنا تأتى نظرته للمدينة وعلاقته بها التى نشأ فيها  .  هو مولود بالمدينة عام 26 هجرية فى خلافة ابن عمه عثمان بن عفان ، وشهد سطوة أبيه مروان فى خلافة معاوية ، كما شهد نقمة أهل المدينة على أبيه وعلى الخليفة عثمان . بل وشهد حصار الثوار لدار عثمان وهو ابن عشر سنوات . وظل حياته فى المدينة متفرغا للعلم حتى أصبح من أئمة العلم بها ، هذه مع حقده على أهل المدينة .

2 ـ على أنه إستغل أول فرصة واتته فى الانتقام من أهل المدينة. قبيل معركة الحرة  أخرج أهل المدينة الأمويين منها ، وكان يتزعمهم مروان بن الحكم والوالى من قبل يزيد بن معاوية وهو ( عثمان بن محمد بن أبى سفيان ) . ولقد نصح عبد الملك بن مروان قائد الجيش الأموى ( مسلم بن عقبة ) بكيفية الهجوم على المدينة ومواطن الضعف فى دفاعاتها .  تقول الرواية  ( كان أهل المدينة قد أخذوا على بني أميةحين أخرجوهم العهود والمواثيق أن لا يدلوا على عورة لهم ولا يظاهروا عليهم عدوافلما لقيهم مسلم بن عقبة بوادي القرى قال مروان لابنه عبد الملك ادخل عليه قبليلعله يجتزيء بك مني فدخل عليه عبد الملك فقال له مسلم هات ما عندك أخبرني خبر الناسوكيف ترى فقال نعم ثم أخبره بخبر أهل المدينة ودله على عوراتهم وكيف يؤتون ومن أينيدخل عليهم وأين ينزل . ). وكان عبد الملك بن مروان  ينتظر نتيجة المعركة فى قصر أبيه فى منطقة ( ذى خشب )،  وظل عبد الملك كما تقول الرواية ينتظر أخبار المعركة  (وهو يخاف أن تكون الدولة لأهل المدينة ، فبينما عبد الملك جالس في قصر مروان بذي خشبيترقب ، إذا رسوله قد جاء يلوح بثوبه ، فقال عبد الملك : " إن هذا لبشير " ، فأتاه رسوله الذيكان بمخيض يخبره أن أهل المدينة قد قُتلوا ودخلها أهل الشام ، فسجد عبد الملك . ودخلالمدينة بعد أن برأ ).

3 ــ ثم ما لبث أن لحق بأبيه فى دمشق بعد أن تولى أبوه الخلافة . ولم يُسمع عنه مشاركات سياسية أو حربية مع أبيه ، إذا يبدو أنه ظل على حاله التى كان فيها فى المدينة فقيها قارئا للقرآن الكريم ، فلما تولى الخلافة إنقطع عهده بالقرآن الكريم .  تقول الرواية : ( لما سلم على عبد الملك بالخلافة كان في حجره مصحف فأطبقه وقال‏:‏ هذا فراق بيني وبينك‏.‏) (  وقيل أنه لما وضع المصحف من حجره قال‏:‏ هذا آخر العهد منك‏.)

عبد الملك والمدينة فى خلافته

1 ـ ظن بعض شيوخ أهل المدينة أن عبد الملك فى خلافته سيترفق بهم ، ولكنه خيّب ظنهم . ذهب اليه الصحابى ( جابر بن عبد الله ) فرحب به عبد الملك وقرّبه، فقال جابر: (  يا أمير المؤمنين إن المدينة حيث ترى ...وأهلهامحصورون فإن رأى أمير المؤمنين أن يصل أرحامهم ويعرف حقهم فعل ) تقول الرواية:( فكره ذلك عبدالملك ، وأعرض عنه ) وأخذ جابر يلحُّ على عبد الملك دون جدوى ، وكان جابر قد أصابه العمى ، ويقوده ابن قبيصة ، فأخذ ابن قبيصة يغمز جابر ليسكت. وخرجا . وقال قبيصة لجابر : ( يا أبا عبد الله إن هؤلاء القوم صاروا ملوكا) ، وبعث عبد الملك خمسة آلاف درهم لجابر، وقيل له (  قد أمر لك أمير المؤمنين بخمسة آلاف درهم فاستعن بها على زمانك.  فقبضها جابر.!)

2 ـ وبعد قتل ابن الزبير بعامين، وفى سنة 75 حجّ عبد الملك بن مروان ثم ذهب الى المدينة ، وخطب فيها خطبته الشهيرة التى يتوعد فيها أهلها، تقول الرواية: ( حجّ علينا عبد الملك سنة خمس وسبعين بعد مقتل ابن الزبير بعامين، فخطبنا فقال‏:‏ " أما بعد فإنه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون من المال ويوكلون، وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف، ( أى لا علاج عنده إلا السيف ) ، ولست بالخليفة المستضعف - يعني عثمان - ولا الخليفة المداهن - يعني معاوية - ولا الخليفة المأفون - يعني يزيد بن معاوية -   أيها الناس إنا نحتمل منكم كل الغرمة ما لم يكن عقد راية أو وثوب على منبر‏:‏ هذا عمرو ابن سعيد حقه حقه،وقرابته قرابته ، قال برأسه هكذا فقلنا بسيفنا هكذا، وإن الجامعة التي خلعها من عنقه عندي، وقد أعطيت الله عهداً أن لا أضعها في رأس أحد إلا أخرجها الصعداء، فليبلغ الشاهد الغائب‏.)‏. أى يذكرهم بأنه لم يتوان عن قتل ابن عمه عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق ) ، وأنه لا يزال يحتفظ لديه بالجامعة ـ أى بالقيد  الذى يقيد الرأس الجسد جميعا ـ وأنه عاهد الله إن أوثق بها أحدا فلن يخلعها عنه إلا بموته .

 عبد الملك الفقيه   

 1 ـ قالوا: ( وكان عبد الملك قد جالس الفقهاء والعلماء وحفظ عنهموكان قليل الحديث ). هذه العبارة ( وكان قليل الحديث ) تُقال فيمن لا يروى الأحاديث . وفى عصر عبد الملك انتشرت الروايات الشفهية عن النبى بعد ستين عاما من موته . ومن العجب أن يكون أبرز زعماء الفتنة الكبرى الأولى والثانية من أهل المدينة ( عائشة ، الزبير ، طلحة ، مروان بن الحكم وابن الزبير ) ثم ( ابن الزبير ومروان بن الحكم  وعبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير ) . ثم تُصاحب هذه الفتنة العسكرية إزدهار فى صناعة الأحاديث ، أى أن الصراع العسكرى صاحبه صراع ايدولوجى فكرى تخصّص فى صناعة الأحاديث وإختلاقها . وبينما إنتصر أهل الشام والأمويون فى ميدان السياسة والحرب فقد تفوق عليهم أهل المدينة فى الحرب ( الفكرية ) بصناعة الأحاديث ، التى جعلت المدينة حرما ثانيا ، وجعلت لقبر البنى قدسية وفرضت له الحج ، وجعلتها ( المدينة المنورة ) أى ( المقدسة ) التى تهوى اليها أفذئدة الناس لزيارة ( قبر الحبيب ). وهكذا دخل إنتصار الأمويين على المدينة الى متحف التاريخ ( كأى إنتصار حربى ) بينما لا يزال إنتصار أهل المدينة ( الفكرى الأيدلوجى ) حيا ، بل وأصبح جزءا اصيلا فى أديان المحمديين الأرضية . ومستحيل أن يقوم أحد المحمديين بالحج للبيت الحرام دون أن يحج الى ذلك الرجس المسمى بقبر النبى . كل هذه صنعه إنتصار أهل المدينة على أهل الشام والأمويين فى تلك الحرب الفكرية .

2 ـ وكما خطب عبد الملك يهدد بسيفه أهل المدينة فإنه ايضا خطب فيهم يستنكر إختلاقهم للأحاديث . تقول الرواية عن أحدهم  (  قال سمعت عبد الملك بن مروانيقول : يا أهل المدينة ، إن أحق الناس أن يلزم الأمر الأول لأنتم . ( أى أنتم أحق بالتمسك بالقرآن الكريم ) ، وقد سالت علينا أحاديثمن قبل هذا المشرق لا نعرفها ولا نعرف منها إلا قراءة القرآن ، فلازموا ما في مصحفكمالذي جمعكم عليه الإمام المظلوم رحمه الله) ( يقصد عثمان ).

كان عبد الملك هنا يتكلم بوصفه فقيها واعظا وليس خليفة مستبدا . فلقد عرفه أهل المدينة من قبل ناسكا عابدا .روى الواقدى ( محمد بن عمر ) عن رجالة من أهل المدينة قالوا عن عبد الملك أنه : (  كان عابدا ناسكا قبل الخلافة ) وتواترت الروايات تؤكد أنه ( كان عبد الملك عاقلاً حازماً أديباً لبيباً عالماً.) ويقول نافع مولى ابن عمر :( رأيت عبد الملك بن مروان وما بالمدينة شاب أشدتشميرا ولا أطلب للعلم منه ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان. ) ( وقال الأعمش، عن أبي الزناد‏:‏ كان فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب، وعروة، وقبيصة بن ذويب، وعبد الملك بن مروان قبل أن يدخل في الإمارة‏.‏ )وقال الشعبي:  ( ما ذاكرت أحداً إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك، فإني ما ذاكرته حديثاً إلا زادني فيه، ولا شعراً إلا زادني فيه. ) .

 3 ـ فى خلافة عبد الملك ظهر ابن شهاب الزهرى شابا طموحا يعرض خدماته على الخليفة عبد الملك ، أى يسير فى الاتجاه المعاكس لأهل المدينة الكارهين للأمويين ، خصوصا وأن جراح موقعة الحرة لم تندمل بعد .ولقد ذكرابن الجوزى فى ( تاريخ المنتظم ج 7 وفيات 124 ) فى ترجمة ابن شهاب الزهرى  إنه غادر المدينة وهو شاب والتحق ببلاط الخليفة عبد الملك بن مروان  ، فأمره عبد الملك بالرجوع ليستفيد من علم التابعين من الأنصار فرجع الى المدينة طالبا ليستزيد علما ، أى ربما إختبره فلم يجده على المستوى اللائق فأمره بالرجوع ليستزيد علما . وكان المقصود بالعلم وقتها أيام العرب والأنساب والروايات الشفهية التى تروج فى المدينة من الحكم والأخلاق والشعر وما يقال من إجتهادات فى القرآن وقصص السابقين ، والتى ما لبث فيما بعد أن صيغت فى أحاديث منسوبة للنبى عليه السلام  . فرجع الى المدينة ليستزيد علما ، ثم عاد الى دمشق يخدم الأمويين الى أن مات . وهذا ما حكاه الزهرى عن نفسه ، إذ يقول فى بداية حديثه عن الفرصة التى لاحت له للالتحاق بخدمة الأمويين (نشأت وأنا غلام لا مال لي من الديوان ، وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بنثعلبة بن صعير ، وكان عالمًا بنسب قومي ) وفى نهاية القصة التحق بخدمة الأمويين وقابل الخليفة عبد الملك. يقول الزهرى عن ذلك اللقاء ( وجعل عبد الملك يقول‏:‏ من لقيت فجعلت أسمي له وأخبره بمن لقيتمن قريش لا أعدوهم قال‏:‏ فأين أنت عن الأنصار فإنك واجد عندهم علمًا ؟ أين أنت عنخارجة بن زيد بن ثابت ؟ أين أنت عن عبد الرحمن بن يزيد؟  فسمى رجالًا . فقدمت المدينةفسألتهم وسمعت منهم‏. ‏وتوفي عبد الملك فلزمت الوليد حتى توفي ثم سليمان ثم عمر ثميزيد‏.‏ ) (  وحج هشام ( الخليفة هشام بن عبد الملك سنة ست ومائة وحج معه الزهري فصيره هشام مع ولدهيعلمهم ويفقههم) . وبالتالى فان الزهرى لم يعش فى المدينة سوى فترة طفولته ومراهقتها حين كان يأخذ العلم عن العلماء التابعين من القرشيين والأنصار، أما فترة تألقه كعالم فلم تكن فى المدينة ولكن فى دمشق ـ ولم تكن بين عوام الناس ومجالس العلم المتاحة للجميع ـ ولكن فى قصور الخلافة الأموية مستشارا ومعلما لأولاد الخلفاء، بعيدا عن عوام الناس ومجالس العلم . ولنتذكر أن الزهرى : مولود عام 58 . وقد رحل لدمشق فى حدود عام 80 . وظل بها فى قصور الخلفاء الأمويين الى أن مات عام 124.

ولكن مصانع تأليف الأحاديث فى المدينة فى الجيل التالى برز فيها ابن اسحاق الذى كتب السيرة النبوية زاعما أنه سمع رواياتها من الزهرى ، وبرز فيها مالك صاحب ( الموطأ ) والذى ينسب روايته الى الزهرى . ابن اسحاق : مولود عام 85 ومات عام 152 ـ ومالك : مولود عام 93 .ومات عام 179 . كلاهما ( ابن اسحاق ومالك ) وُلدا فى المدينة بعد رحيل الزهرى عن المدينة  نهائيا، ولم يريا الزهرى . ولكنها عبقرية الكذب ، والتى حذر منها سابقا عبد الملك بن مروان . وإذا كان عبد الملك قد انتصر على أهل المدينة عسكريا فقد انتصروا عليه ايدلوجيا . انتهى إنتصاره وبقى إنتصارهم جزءا فى أديان المحمديين الأرضية .

 

 عبيد الله بن زياد : مجرم كربلاء

 أولا : موجز عنه :

أبوه زياد ابن أبيه . مولود عام 39 . وأمه كانت مجوسية واسمها ( مرجانة ) وكان يُنسب اليها تحقيرا . وقد أرسله أبوه الى معاوية ، تقول الرواية عن ابن عساكر‏:‏ ( أن معاوية كتب إلى زياد‏:‏ أن أوفد إليَّ ابنك، فلما قدم عليه لم يسأله معاوية عن شيء إلا نفذ منه، حتى سأله عن الشعر فلم يعرف منه شيئاً، فقال له‏:‏ ما منعك من تعلم الشعر‏؟‏، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إني كرهت أن أجمع في صدري مع كلام الرحمن كلام الشيطان‏.‏)

ولاه معاوية على البصرة عام 55 . فلما تولى يزيد الخلافة جمع له بين البصرة والكوفة. وقد تزوج (  هند بنت أسماء بن خارجة ) وبعد مقتله تزوجها من حكم العراق بعده ، فقيل لها :  من أعز أزواجك عندك وأكرمهم عليك‏؟‏، فقالت‏:‏ ما أكرم النساء أحد إكرام بشير بن مروان، ولا هاب النساءهيبة الحجاج بن يوسف، ووددت أن القيامة قد قامت فأرى عبيد الله بن زياد واشتفي منحديثه والنظر إليه .

 وقالوا : ( وقد كانت في ابن زياد جرأة وإقدام ومبادرة إلى ما لا يجوز، وما لاحاجة له به ... ومن جرأته إقدامه على الأمربإحضار الحسين إلى بين يديه وإن قتل دون ذلك، وكان الواجب عليه أن يجيبه إلى سؤالهالذي سأله فيما طلب من ذهابه إلى يزيد أو إلى مكة أو إلى أحد الثغور‏.‏فلما أشار عليه شمر بن ذي الجوشن بأن الحزم أن يحضر عندك وأنت تسيرهبعد ذلك إلى حيث شئت من هذه الخصال أو غيرها، فوافق شمراً على ما أشار به من إحضارهبين يديه فأبى الحسين أن يحضر عنده ليقضي فيه بما يراه ابن مرجانة‏.‏وقد تعس وخاب وخسر، فليس لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنيحضر بين يدي ابن مرجانة الخبيث‏.‏ ).

وقالوا إنه بموت يزيد بن معاوية (  بايع الناس  فى المصرين ( الكوفة والبصرة ) لعبيدالله حتى يجتمع الناس على إمام، ثم خرجوا عليه فأخرجوه من بين أظهرهم، فسار إلىالشام فاجتمع بمروان، وحَسُنَ لمروان أن يتولى الخلافة ويدعو إلى نفسه ففعل ذلك، ثم انطلق عبيد الله إلى الضحاك بن قيس فما زال به حتى أخرجه من دمشقإلى مرج راهط‏.‏ثم خدع ابن زياد ( الضحاك بن قيس ) وحَسّنَ له أن دعا إلى بيعة نفسه وخلع ابن الزبير ففعل، فانحلنظامه ووقع ما وقع بمرج راهط، من قتل الضحاك وخلق معه هنالك. وأرسل مروان ( ابن زياد ) إلى العراق في جيش فالتقى هو جيش التوابين مع سليمان بن صرد فكسرهم،واستمر قاصداً الكوفة في ذلك الجيش، فتعوق في الطريق بسبب من كان يمانعه من أهلالجزيرة من الأعداء الذين هم من جهة ابن الزبير‏.‏ ثم اتفق خروج ابن الأشتر إليه في سبعة آلاف، وكان مع ابن زياد أضعافذلك، ولكن ظفر به ابن الأشتر فقتله شر قتلة على شاطئ نهر الخازر قريباً من الموصلبخمس مراحل‏.‏) .هذا موجز حياة ابن زياد . ويقول ابن سعد عن يوم مقتل ابن زياد

 ( وكان ذلك يوم عاشوراء‏.‏ وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين، ثم بعث ابن الأشتر برأسه إلىالمختار ومعه رأس الحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع وجماعة من رؤساء أصحابهم،فسر بذلك المختار)

ثانيا : ابن زياد ورأس الحسين ونساء الحسين

1 ـ تقول الرواية : ( ولما قتل الحسين أرسلرأسه ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد مع خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدي . ) وفى رواية أخرى : ( وقيل: بل الذي حمل الرؤوس كان شمر وقيس بن الأشعثوعمرو بن الحجاج وعروة بن قيس، فجلس ابن زياد وأذن للناس فأحضرت الرؤوس بين يديهوهو ينكت بقضيب بين ثنيته ساعة، فلما رآه زيد بن الأرقم لا يرفع قضيبه قال: أعل هذاالقضيب عن هاتين الثنيتين، فوالذي لا إله غره لقد رأيت شفتي رسول الله، صلى اللهعليه وسلم، على هاتين الشفتين يقبلهما! ثم بكى، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك! فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فخرج وهو يقول: أنتم يا معشرالعرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركمويستعبد شراركم، فرضيتم بالذل، فبعداً لمن يرضى بالذل!  ) .

2 ـ بعدها بيومين سار عمر بن سعد بن أبى وقاص إلى الكوفة وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان، وعلي بنالحسين مريض، فاجتازوا بهم على الحسين وأصحابه صرعى، فصاح النساء ولطمن خدودهن،وصاحت زينب أخته: يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء! هذا الحسين بالعراء، مرملبالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا! فأبكت كل عدووصديق.فلما أدخلوهم على ابن زياد لبست زينب أرذل ثيابها وتنكرت وحفت بهاإماؤها، فقال عبيد الله: من هذه الجالسة؟ فلم تكلمه، فقال ذلك ثلاثاً وهي لا تكلمه،فقال بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة. فقال لها ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكموقتلكم وأكذب أحدوثتكم! فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيراً،لا كما تقول أنت، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر. فقال: فكيف رأيت صنع الله بأهلبيتك؟ قالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمونعنده. فغضب ابن زياد وقال: قد شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك. فبكت وقال : لعمري لقد كان أبوك شجاعاً! فقالت: ما للمرأة والشجاعة! ولما نظر ابنزياد إلى علي بن الحسين قال: ما اسمك؟؛ قال: علي بن الحسين. قال: أولم يقتل اللهعلي بن الحسين؟ فسكت. فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقال: كان لي أخ يقال له أيضاً عليٌّفقتله الناس. فقال: إن الله قتله. فسكت عليٌّ. فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقال: {الله يتوفى الأنفس حينموتها}الزمر: 42،{وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذنالله} آل عمران: 145. قال: أنت والله منهم. ثم قال لرجل: ويحك! انظر هذا هلأدرك؟ إني لأحسبه رجلاً. قال: فكشف عنه مري بن معاذ الأحمري فقال: نعم قد أدرك. قال: اقتله. فقال علي: من توكل بهذه النسوة؟ وتعلقت به زينب فقالت: يا ابن زيادحسبك منا، أما رويت من دمائنا، وهل أبقيت منا أحداً! واعتنقته وقالت: أسألك باللهإن كنت مؤمناً إن قتلته لما قتلتني معه! وقال له علي: يا ابن زياد إن كانت بينكوبينهن قرابة فابعث معهن رجلاً تقياً يصحبهن بصحبة الإسلام. فنظر إليها ساعة ثمقال: عجباً للرحم! والله إني لأظنها ودت لو أني قتلته أني قتلتها معه، دعوا الغلامينطلق مع نسائه.
ثم نادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فخطبهم وقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابنالكذاب الحسين بن علي وشيعته.فوثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الوالبي،وكان ضريراً قد ذهب إحدى عينيه يوم الجمل مع علي والأخرى بصفين معه أيضاً، وكان لايفارق المسجد يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف، فلما سمع مقالة ابن زياد قال: يا ابنمرجانة! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه! يا ابن مرجانة أتقتلونأبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين؟ فقال: علي به. فأخذوه، فنادى بشعار الأزد: يا مبرور! فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه، فأرسل إليه من أتاه به فقتله وأمربصلبه في المسجد، فصلب، رحمه الله.وأمر ابن زياد برأس الحسين فطيف به فيالكوفة، وكان رأسه أول رأس حمل في الإسلام على خشبة في قول، والصحيح أن أول راس حملفي الإسلام رأس عمرو بن الحمق.  ثم أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحربن قيس إلى الشام إلى يزيد ومعه جماعة، وقيل: مع شمر وجماعة معه، وارسل معه النساءوالصبيان، وفيهم علي بن الحسين، قد جعل ابن زياد الغل في يديه ورقبته، وحملهم علىالأقتاب، فلم يكلمهم علي بن الحسين في الطريق حتى بلغوا الشام، فدخل زحر بن قيس علىيزيد، فقال: ما وراءك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله وبنصره، ورد عليناالحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته، وستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أنينزلوا على حكم الأمير عبيد الله أو القتال فاختاروا القتال فعدونا عليهم مع شروقالشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام القوم جعلوايهربون إلى غير وزر، ويلوذون بالإكام والحفر، كما لاذ الحمائم من صقر، فوالله ماكان إلا جزر جزور، أو نومة قائل، حتى أتينا على آخرهم! فهاتيك أجسادهم مجردة،وثيابهم مرملة، وخدودهم معفرة، تصهرهم الشمس، وتسفي عليهم الريح، زوارهم العقبانوالرخم  . فدمعت عينا يزيد وقال: كنت أرضى من طاغيتكم بدون قتلالحسين، لعن الله ابن سمية! أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين! ولم يصله بشيءٍ.) .

 تدمع العينان عند قراءة هذا . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .!!

ثالثا : مقتل ابن زياد سنة سبع وستين:

1 ـ استولى المختار بن عبيدة الثقفى على العراق ، وقد إنضم اليه ابراهيم بن الأشتر النخعى بآلاف من الشيعة ، وقد بعث المختار بابن الأشتر فتحارب مع ابن زياد الذى كان على رأس جيش يريد إستعادة العراق للأمويين .

2 ـ  تقول الرواية : ( ولما سار إبراهيم بن الأشتر من الكوفة أسرع السير ليلقوا بنزياد قبل أن يدخل أرض العراق، وكان ابن زياد قد سار في عسكر عظيم من الشام، فبلغالموصل وملكها،.. فسار إبراهيم وخلف أرض العراق وأوغل في أرضالموصل..  فنزل بقرية بارشيا. وأقبل ابن زياد إليه حتى نزل قريباًمنهم على شاطئ الخازر. ) .

3 ــ وكان عمير بن الحباب السلمي من قادة جيش ابن زياد ، ومن أقرب أعوانه . ولكنه كان حاقدا على الأمويين بسبب قتلهم الضحاك بن قيس ( زعيم قبائل مُضر ) فى موقعة مرج راهط . وكان معظم جنود الأمويين من قبائل كلب . وإلتقى عمير بن الحباب سرا مع ابراهيم بن الأشتر ( وكلاهما من قبائل مُضر ) ، واتفقا على أن ينهزم عمير بقومه تاركا جيش ابن زياد ، ونصح عمير ( ابن الأشتر ) بالطريقة المثلى لهزيمة ابن زياد .

4 ــ وبعد صلاة الفجر عبّأ ابن الأشتر قواته وحمّس جنوده بتذكيرهم بمقتل الحسين وآله ، بينما عبّأ ابن زياد جيشه ،  ( وقد جعل ابن زياد على ميمنته الحصين بن نمير السكوني، وعلى ميسرته عمير بنالحباب السلمي، وعلى الخيل شر حيل بن ذي الكلاع الحميري.  ) واصطدم الجيشان ، ولكن عمير بن الحباب  خجل من الفرار ، وكان ابن الأشتر ينتظر فرار عمير ، تقول الرواية : ( وحملتميمنة إبراهيم على ميسرة ابن زياد وهم يرجون أن ينهزم عمير بن الحباب، كما زعم،فقاتلهم عمير قتالاً شديداً وأنف من الفرار. ) وإختدم القتال حتى صاروا يقتتلون بالسيوف والعُمُد ، وانتهى الأمر بفرار عمير فعلا ، حتى قيل إن قتاله فى الأول كان تعذيرا . تقول الرواية : ( فتطاعنوا ثم صاروا إلى السيوف والعمد فاضطربوا بهاملياً، وكان صوت الضرب بالحديد كصوت القصارين ... واشتد القتال فانهزم أصحاب ابن زياد وقتل من الفريقين قتلىكثيرة.وقيل: إن عمير بن الحباب أول من انهزم، وإنما كان قتاله أولاًتعذيراً.  ).

5 ــ  وقتل ابراهيم بن الأشتر ( عبيد الله بن زياد ) دون أن يعرفه . تقول الرواية : ( فلما انهزموا قال إبراهيم: إني قد قتلت رجلا تحت راية منفردة على شاطئنهر الخازر فالتمسوه فإني شممت منه رائحة المسك .. فالتمسوهفإذا هو ابن زياد قتيلاً بضربة إبراهيم فقد قدّته بنصفين وسقط، كما ذكر إبراهيم،فاخذ رأسه وأحرقت جثته.) ( وحمل شريك بن جدير التغلبي على الحصين بن نمير السكونيوهو يظنه عبيد الله بن زياد، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، فنادى التغلبي: اقتلونيوابن الزاني فقتلوا الحصين . )

6 ــ وفى رواية أخرى ( وقيل: إن الذي قتل ابن زياد شريك بن جدير، وكان هذا شريكشهد صفين مع علي وأصيبت عينه، فلما انقضت أيام علي لحق شريك ببيت المقدس فأقام به،فلما قتل الحسين عاهد الله تعالى إن ظهر من يطلب بدمه ليقتلن ابن زياد أو ليموتندونه. فلما ظهر المختار للطلب بثأر الحسين أقبل إليه وسار مع إبراهيم بن الأشتر،فلما التقوا حمل على خيل الشام يهتكها صفاً صفاً مع أصحابه من ربيعة حتى وصلوا إلىابن زياد وثار الرهج فلا يسمع إلا وقع الحديد، فانفرجت عن الناس وهما قتيلان شريكوابن زياد. والأول أصح.  )

 7 ــ (  ولما انهزم أصحاب ابن زياد تبعهم أصحاب إبراهيم،فكان من غرق أكثر ممن قتل، وأصابوا عسكرهم وفيه من كل شيء.وأرسل إبراهيمالبشارة إلى المختار وهو بالمدائن ..  وأقام إبراهيمبالموصل، وأنفذ رأس عبيد الله بن زياد إلى المختار ومعه رؤوس قواده، فألقيت فيالقصر. ) .   

 

  المختار بن عبيد الثقفى : المغامر الأفّاق

 1 ـ ( قريش ) ..وآه  من قريش ..!! .

2 ـ تنقسم قبائل العرب الى : عرب الشمال ( العرب المستعربة ) ومنها ( مُضر ) و ( ربيعة ) ومن ( مضر ) قبائل قيس ، وينتهى الأمر بقريش . ثم عرب اليمن ( اليعاربة ) القحطانيون ، ومنهم قبائل حمير وكندة وكلب و..وو  . وينتهى الأمر بالأوس والخزرج . لا نقصد باليمن المكان ولكن النسب لبنى قحطان وأصلهم من اليمن .  كل أولئك وكل هؤلاء تبع لقريش . هذه حقيقة تتضح فى سطور القرن الأول الهجرى . فى داخل قريش فكل ( العائلات ) تبع لعائلة ( عبد مناف ) الذى إنجب التوأم ( هاشم ) و ( عبد شمس ) ثم أنجب (عبد شمس ) أمية . وإنحصر التنافس بين بنى امية وبنى هاشم ، وبقية قريش تبع لهما . وعندما حاول ابن الزبير تغيير هذه المعادلة فشل وقُتل وقُتل معه آلاف مؤلفة .

3  ـ زعماء القبائل اليمنية والشمالية من ربيعة أو مضر كان لابد لهم من التعامل مع قريش ،إما بالرفض لهيمنتها كما فعل الخوارج من كل القبائل ، أو بالتقاتل مع فريق قرشى ضد فريق قرشى آخر ، وخصوصا مع بنى هاشم أو بنى أمية . يبذلون دماءهم فى خدمة هذا الهاشمى أو ذاك الأموى . لا فارق هنا بين الأشعث بن قيس وذريته من قبيلة ( كندة ) اليمنية ، أو ذى الكلاع الحميرى ( اليمنى ) أو ابن بحدل الكلبى  (اليمنى )، أو المهلب بن أبى صفرة الأزدى (اليمنى ) أو خالد القسرى البجلى ( اليمنى ) . ينطبق هذا أيضا على قبائل مضر وربيعة ، ومن اشهرهم قبيلة ( ثقيف ) .

4 ـ من قبيلة ثقيف برز إثنان فى هذه الفتنة الكبرى الثانية ،وكانا على طرفى نقيض : الحجاج ابن يوسف الثقفى المشهور، المخلص لبنى أمية  ، والذى هزم وقتل ابن الزبير عام 73 ، أما الآخر فهو المختار بن عبيد الثقفى المقتول عام 67  ، الذى بحث عن دور لنفسه متقلبا بولائه بين الأمويين والهاشميين والزبيريين ( القرشيين )  .  نتعرف على هذا المختار الثقفى :  

أولا : المختار الثقفى فى لمحة سريعة :

1 ـ أبوه هو( هو أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عفرة بنعميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي‏.) (‏أسلم أبوه في حياة النبي  ولم يره. وقد كان عمر بعثه في جيش كثيف في قتال الفرسسنة ثلاث عشرة، فقتليومئذ ، وقتل معه نحو من أربعة آلاف من المسلمين ، وكان له من الولد صفية بنت أبي عبيد،  وهي زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وماتت في حياته )‏.‏.

2 ـ كان المختار ( وصوليا ) يطمح للوصول الى الثروة والسلطة بأى طريق . ولم يكن له من طريق سوى التعلق بقريش ، أى إما أن يكون مع بنى أمية أو بنى هاشم ، أو حتى مع ابن الزبير. وقد جرّب الانتماءات الثلاث .

3 ـ بعد مقتل (على بن أبى طالب ) ‏جمع ( الحسن بن على ) جيشا ليقاتل معاوية ، ولما أحسّ ( الحسن ) بغدر أهل العراق هرب منهم الى المدائن فى جيش قليل . وكان المختار فى المدائن مع واليها وهو ( عم ) المختار، فقال المختار لعمه‏:‏ ( لو أخذت الحسن فبعثته إلى معاوية لاتخذت عنده اليدالبيضاء أبداً‏.‏) فقال له عمه‏:‏ ( بئس ما تأمرني به يا ابن أخي. ) وانتشر هذا بين الشيعة فكانوا يبغضون المختار وقتها ، خصوصا مع ولائه للأمويين حتى صار من أعمدة أهل الكوفة فى ولاية ابن زياد .

4 ـ وسرعان ما حوّل المختار موقفه حين توقع أن يكون الملك للحسين . وكان أهل الكوفة ينتظرون مجىء الحسين اليهم . وقد أرسل الحسين  ابن عمه ( مسلم بن عقيل) الى الكوفة، فاعلن المختار أنه سينصر مسلم بن عقيل فإعتقله ابن زياد  وضربه مائة جلدة، فإستغاث المختار بصهره عبد الله بن عمر ، فأرسل ابن عمر إلىيزيد بن معاوية يتشفع فيه، فأمر يزيد ( ابن زياد ) فأطلق سراح المختار، ونفاه إلى الحجاز فيعباءة. وحين حوصر ابن الزبير فى مكة فى الحصار الأول فى خلافة يزيد بن معاوية قاتل المختار مع ابن الزبير قتالا شديدا فإكتسب ثقته .

5 ـ وبعد موت يزيد وشيوع الفوضى فى العراق وجد المختار فرصته فى العراق ، فعمل على أن يلعب على الحبلين معا ( ابن الزبير ) و ( محمد بن الحنفية ) وكان يميل الى العمل باسم ابن الحنفية أكثر لأن ابن الحنفية لا يريد الانغماس فى الفتنة ، وبالتالى يمكن للمختار أن يستغل إسمه ليحكم ويتحكم كما يريد ، أما ابن الزبير فهو مستبد حسود حقود بخيل ولا يسمح لرأس أن تبرز فى دولته ، أى لا مكان لأن يتحقق طموح المختار فى تبعيته لابن الزبير . لذا رسم سياسته على اللعب بابن الزبير وأن يتخذه موطأ قدم، ثم يصل بإسم ابن الحنفية  الى السلطة والثروة . ولم يكن ابن الحنفية ممن يسعى الى المشاكل ، ولم يكن يثق فى المختار . وطلب المختار إذنا من ابن الحنفية ليذهب باسمه الى العراق داعية له، فأذن له وأرسل معه عبد الله الهمذانى وأوصاه أن يأخذ حذره من المختار. وجاء المختار الى ابن الزبير فحصل على إذن منه أيضا أن يدعو اليه فى العراق.  

6 ـ  ولما قدم المختار الى العراق صار صديقا لابن مطيع وهو والي الكوفة يومئذ لعبد الله بن الزبير، بينما كان يدعو سرأ لابن الحنفية . وتكاثر أتباع المختار فانقلب على ابن مطيع ، وهزمه فهرب ابن مطيع  الى ابن الزبير . واستولى المختار على الكوفة وما يتبعها من ولايات ، فاشتعل العداء بين ابن الزبير والمختار. وبدأ إضطهاد ابن الزبير لابن الحنفية وبنى هاشم  لارغامهم على البيعة له ، وكاد أن يشعل فيهم النار لولا أن أنقذهم المختار .

7 ـ  وبعض الشيعة كان قد تملكهم الشك فى زعم المختار بأنه داعية ابن الحنفية فجاء وفد منهم الى المدينة  الى ابن الحنفية يسأل عن حقيقة المختار فقال لهم ابن الحنفية : ( نحن حيث ترون محتسبون ، وما احب ان لي سلطان الدنيابقتل مؤمن بغير حق ، ولوددت ان الله انتصر لنا بمن شاء من خلقه، فاحذروا الكذابينوانظروا لانفسكم ودينكم .). وهى إجابة تحتمل أكثر من تفسير . وإختلق المختار كتابا زعم أنه من ابن الحنفية الى ابراهيم بن الأشتر النخعى كبير الشيعة فى العراق ، وقد كان أبوه الأشتر النخعى القائد الأكبر لعلى بن أبى طالب. وإقتنع ابراهيم بن الأشتر بالمختار وصار قائد جيشه ، وبهذا علا شأن المختار . وشهد عام 66 أحداثا هامة : ( إستيلاء المختار على الكوفة فى 14 ربيع الأول ، وهروب ابن مطيع والى ابن الزبير . وفيها تمكن المختار من قتل كل من شارك فى قتل الحسين وآله فى كربلاء ومنهم شمر بن ذى الجوشن  وعمر بن سعد وابنه . تقول الرواية : ( ثم شرع في تتبع قتلة الحسين ومن شهد الوقعة بكربلاء من ناحية ابنزياد‏.‏  فقتل منهم خلقاً كثيراً، وظفر برؤوس كبار منهم كعمر بن سعد بن أبيوقاص أمير الجيش الذين قتلوا الحسين، وشمر بن ذي الجوشن أمير الألف الذين ولوا قتلالحسين، وسنان بن أبي أنس، وخولي بن يزيد الأصبحي، وخلق غير هؤلاء‏.‏)

8 ـ  وحاول المختار التلاعب بابن الزبير ولم يثق به ابن الزبير . وقد بعث المختار الى ابن الزبير يطلب منه ألف ألف درهم وأن يعترف به واليا على الكوفة مقابل أن يقاتل عبد الملك بن مروان ، فرفض ابن الزبير ، وبعث يقول له : ( إلى متى أماكر كذاب ثقيف ويماكرني؟  ) .! وكتب المختار إلىابن الحنفية يعرض عليه أن يرسل جيشا الى المدينة على أن يرسل ابن الحنيفة رجلا من عنده يؤكد أن المختار تابع له وفى طاعته ،فكتب إليه ابن الحنفية: ( أما بعد فقد قرأتكتابك وعرفت تعظيمك لحقي وما تنويه من سروري، وإن أحب الأمور كلها إلي ما أطيع اللهفيه، فأطع الله ما استطعت، وإني لو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعاً والأعوان ليكثيراً، ولكن أعتزلكم وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. ) وأمره بالكف عنالدماء.وفى كل ما سبق كان المختار يحكم العراق فى فترة الاضطراب هذه باسم محمد بن الحنفية. لمدة  ستة عشر شهرا.

 9 ـ ثم بعث ابن الزبير أخاه مصعب فاستولى على البصرة ، وصار المختار فى الكوفة يواجه ابن الزبير والأمويين معا . وكان من دهاء عبد الملك بن مروان أن ترك مصعب بن الزبير يصارع المختار  ثم يقتل المختار ، بعدها إنقض عبد الملك على ( مصعب بن الزبير ) وهزمه وقتله واستولى على العراق وما يتبعه ، ثم إلتفت بعدها لابن الزبير فى مكة فارسل اليه الحجاج فهزمه وقتله وصلبه .

10 ـ يوجز ابن الأثير تاريخ المختار فيقول :( وكان المختار قد خرج يطلب بثأر الحسين فاجتمع عليه بشر كثير منالشيعة بالكوفة ، فغلب عليها ، وتطلب قتلة الحسين فقتلهم . قتل شمر بن ذي الجوشن الذيباشر قتل الحسين ، وخولي بن يزيد الذي سار برأسه إلى الكوفة، وعمر بن سعد بن أبي وقاصأمير الجيش الذي حاربوا الحسين حتى قتلوه ، وقتل معه ولده حفصا . وأرسل إبراهيم بنالأشتر في عسكر كثيف فلقي عبيد الله بن زياد الذي كان جهز الجيش إلى الحسين فحاربوه،  فقتل عبيد الله بن زياد في تلك الواقعة . ..فلذلك أحب المختار كثير منالمسلمين فإنه أبلى في ذلك بلاء حسنًا . ..وكان يرسل المال إلى عبد الله بن عمر وهو صهره زوجأخته صفية بنت أبي عبيد ، وإلى ابن عباس وإلى بن الحنفية فيقبلونه .  ثم سار إليه مصعب منالبصرة فقتل المختار ) .  

11 ـ وعن مقتل المختار تقول الرواية إن المختار هزم الخوارج وزعيمهم ( شبث بن ربعي )    فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة وانضموا اليه ، ثم إنضم اليهم  (محمد بن الأشعث بن قيس ) ، وكان المختار قد هدم داره بالكوفة . وكتب مصعب الى ( المهلب بن أبى صفرة ) عامله فى فارس أن يأتى اليه بالجنود والأموال ليهاجموا المختار فى الكوفة ، فأقبل المهلب بجموع كثيرة وأموال عظيمة . كما إنضم لمصعب زعيم قبائل تميم ( الأحنف بن قيس ). وأرسل مصعب الى عبد الله بن مخنف الى الكوفة ليخذل أهلها عن المختار . وانهزمت طليعة للمختار يقودها احمد بن شميط ، وقُتل ابن شميط ، ثم إلتقى المختار مع جيش مصعب . وفى البداية إنهزم جيش مصعب ولكنه ثبت ولم يهرب فرجع اليه أصحابه وثبتوا معه ، وحمل المهلب بن أبى صفرة بجنده فهزم المختار وهرب اصحابه ، ولجأ المختار الى قصر الامارة بالكوفة وتحصّن به بمن بقى من جيشه ، وحوصروا فى القصر  ومنعوا عنهم الطعام والشراب ، وكان إذا خرج جماعة من جيشه تناولتها السهام والحجارة من البيوت والمياه القذرة . وإقترب جيش مصعب من القصر فأمر المختار من بقى معه بالقصر ليواجهوه  وقال ‏:‏ ( ويحكم إن الحصار لا يزيدكم إلا ضعفًا فانزلوا بنا نقاتل ، لنقتل كرامًا، والله ما أنا بآيس إن صدقتموهم أن ينصركم الله‏.‏) فتوقفوا عن قبول قوله ، فقال‏:‏ ( أما أنا فوالله لا أعطي بيدي‏.‏) . ثم أرسل إلى امرأته أم ثابت بنت سمرة بن جندب ، فأرسلت إليه بطيب كثير،فاغتسل وتحنط ووضع ذلك الطيب على رأسه ولحيته ، ثم خرج في تسعة عشر رجلًا . فقال لهم‏:‏( أتؤمنونني وأخرج إليكم ) فقالوا‏:‏ ( لا . إلا على الحكم ) فقال‏:‏ ( لا أحكمكم في نفسي أبدًا) .  فضارب بسيفه حتى قُتل . ونزل أصحابه على الحكم ، فقُتلوا). وقُتل المختار لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة سبع وستين وهو ابنسبع وستين سنة‏.‏

12 ـ (  وأمر مصعب بكفّ المختار فقُطعت، ثمسُمّرت بمسمار حديد إلى جنب حائط المسجد ، ولم يزل على ذلك حتى قدم الحجاج بن يوسف فنظرإليها فقال‏:‏ ما هذه فقالوا‏:‏ كف المختار فأمر بنزعها‏.‏)

13 ـ  وبعث مصعب برأس المختار مع رسول خاص إلى أخيه عبدالله بن الزبير فى مكة ، فوصل مكة بعد العشاء .، ولم يسمح ابن الزبير للرسول بالدخول عليه بزعم أنه يقوم الليل يصلى ، ثم أذن له فى الفجر فدخل عليه بكتاب مصعب وبرأس المختار . تقول الرواية : ( فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين معي الرأس‏.‏فقال‏:‏ ألقه على باب المسجد‏.‏فألقاه ، ثم جاء فقال‏:‏ جائزتي يا أمير المؤمنين‏.‏فقال‏:‏ جائزتك الرأس الذي جئت به تأخذه معك إلى العراق‏.‏).!!

أخيرا

هذا هو المختار المغامر (الأفّاق ).  ولنا وقفة أخرى مع المختار ( الأفّاك ) ، فهو صاحب تأثير كبير فى الدين الشيعى والدولة العباسية اللاحقة. 

 

شبث بن ربعى : ( داعش لم تأت من فراغ ).!!

مقدمة :

1 ـ هو : (شبث بن ربعي بن حصين بن عثيم بن ربيعة بن زيد بن رِياح بن يربوع بن حنظلة  التميمى ) .

2 ـ هو جندى من جنود الفتنة ، تاريخه يعبّر عن عشرات الألوف من الأعراب الصحابة المنافقين الذين وصفهم رب العزة بقوله (كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ) النساء 91  ). كانوا كفارا ، فأسلموا ، ثم إرتدوا ، ثم عادوا الى الاسلام ، ثم صاروا من جنود الفتح ، ثم ثاروا على الخليفة عثمان ، ثم صاروا شيعة ل ( على ) ثم إنقلبوا عليه وصاروا خوارج . هذه قصة ( شبث بن ربعى ) ولكنه تميز بأنه غيّر موقفه بعدها ورجع الى (على ) ثم صار مع الأمويين ، وممّن خدع الحسين ودعاه الى القدوم الى الكوفة ثم صار من قادة جيش ابن زياد الذى قتل الحسين ، ثم تقلبت حياته مع المختار الثقفى ،  واسهم فى القضاء على المختار ، وختم حياته تابعا لمصعب بن الزبير. حياة دموية حافلة بالتقلبات ، كان فيها يحمل سيفه يقاتل مع هذا أو ذاك لا يتأخر عن أى فتنة قريبة منه،  حتى بلغ أرذل العمر ، ومات عام 70 فى ولاية مصعب بن الزبير على العراق  .

3 ـ ولأنه شخصية وسط آلاف الشخصيات ( من عصر الصحابة الى التابعين ) فإن البحث عنه كمن يبحث عن إبرة فى كومة قش . إستلزم هذا مراجعة مئات الصفحات من تاريخ الطبرى وتاريخ ابن الأثير وابن كثير، ولم يذكره ابن الأثير ضمن الصحابة فى كتابه ( أُسد الغابة ). ونتعرض للأحداث التى ورد فيها ذكر ( شبث بن ربعى ) ،أوبالتعبير الدرامى : نتعرض للمشاهد التى ظهر فيها . 

أولا : شبث بن ربعى يعمل مؤذنا لسجاح التى إدّعت النبوة

1 ـ كان فتيا مراهقا وقت أن زعمت سجاح النبوة وتزعمت قومها بنى تميم فى خلافة أبى بكر ، وجعلت شبث بن ربعى مؤذنا لها . وتحالفت سجاح مع مسيلمة الكذاب وتزوجته .

2 ـ  ننقل هذا النّص من تاريخ الطبرى ، مع الاعتذار عما جاء في ثناياه : ( أن مسيلمة لما نزلت به سجاح أغلق الحصن دونها . فقالت له سجاح :  "انزل ". قال: " فنحي عنك أصحابك " . ففعلت . فقال مسيلمة : " اضربوا لها قبة وجمروها لعلها تذكر الباه " ( الشهوة الجنسية ) ، ففعلوا فلما دخلت القبة نزل مسيلمة فقال : " ليقف هاهنا عشرة وهاهنا عشرة. "  ثم دارسها ، فقال : " ما أوحي إليك ؟ " فقالت : " هل تكون النساء يبتدئن ولكن أنت ، قل ما أوحي إليك. "  قال : " ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى . " قالت : " وماذا أيضا ؟ " قال : " أوحي إلي أن الله خلق النساء أفراجا وجعل الرجال لهن أزواجا فنولج فيهن قعسا إيلاجا ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا فينتجن لنا سخالا إنتاجا . " . قالت : " أشهد أنك نبي " .  قال : " هل لك أن أتزوجك فآكل بقومي وقومك العرب ؟ "  قالت : "  نعم . " قال : " ألا قومي إلى النيك فقد هيي لك المضجع ..  وإن شئت ففي البيت وإن شئت ففي المخدع  ...وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع .. وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع.."  قالت:  " بل به أجمع " .قال  : " بذلك أوحي إلي ". فأقامت عنده ثلاثا ثم انصرفت إلى قومها ، فقالوا : " ما عندك "؟  قالت : " كان على الحق فاتبعته فتزوجته" .  قالوا : " فهل أصدقك شيئا ؟ قالت : " لا "  قالوا : " ارجعي إليه فقبيح بمثلك أن ترجع بغير صداق. "  فرجعت،  فلما رآها مسيلمة أغلق الحصن وقال: " مالك ؟ " قالت : " أصدقني صداقا " قال : " من مؤذنك ؟ "  قالت : "  شبث بن ربعي الرياحي " . قال : " عليّ به . " فجاء ، فقال : "  ناد في أصحابك أن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد صلاة العشاء الآخرة وصلاة الفجر . " .

ثانيا : شبث بن ربعى فى الفتوحات فى خلافة عمر بن الخطاب :

1 ــ بعد إخماد حركات الردة دعا أبو بكر ثم عمر الأعراب العائدين لسيطرة قريش الى الفتوحات ، فتوافد الأعراب الى المدينة فكان يبعثهم أبو بكر ثم عمر الى الفتوحات . وورد إسم شبث بن ربعى مع أبيه ( ربعى بن حصين ) ضمن هذه الوفود .يروى الطبرى عن قدوم بنى كنانة والأزد : ( وقدما على عمر غزاة بني كنانة والأزد في سبعمائة جميعا . فقال " أي الوجوه أحب إليكم ؟  قالوا : " الشأم أسلافنا أسلافنا ." فقال : "  ذلك قد كفيتموه.  العراق العراق ذروا بلدة قد قلل الله شوكتها وعددها واستقبلوا جهاد قوم قد حووا فنون العيش لعل الله أن يورثكم بقسطكم من ذلك فتعيشوا مع من عاش من الناس. ) أرادوا أن يبعث بهم عمر الى غزو الشام ، فأرسلهم عملر الى العراق فهو ( قليل الشوكة ) وأهله قد ( حووا فنون العيش ) على أمل أن يتعيشوا بما فى العراق من ثراء .

2 ــ ضمن هذه الوفود جاء ربعى ومعه ابنه شبث الى عمر فأرسله بمن معه الى العراق مددا الى المثنى بن حارثة . يقول الطبرى ( وجاء ربعي في أناس من بني حنظلة فأمّره عليهم ، وسرحهم وخرجوا حتى قدم بهم على المثنى ، فرأس بعده ابنه شبث بن ربعي. ) . هذا أول ذكر لشبث فى الفتوحات .

ثالثا : شبث فى الفتنة الكبرى ( الأولى ) بين ( على ومعاوية )  . 

1 ـ كان من أوائل الثائرين على فساد عثمان بن عفان ، ومن الطبيعى أن ينضم الى ( على ) فظهر إسمه واضحا وقتها . وننقل الروايات التى ورد فيها إسمه .

2 ــ فى اواخر ذى الحجة ( الشهر الحرام ) عام 36 ، فى موقعة (صفين ) فى ( مشهد ) منها تقول الرواية :  ( وجاء الناس حتى أتوا عسكرهم .  فمكث ( علي ) يومين لا يرسل إلى معاوية أحدا ولا يرسل إليه معاوية.  ثم إن (عليا ) دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي،  فقال : "  ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله وإلى الطاعة والجماعة . " فقال له شبث بن ربعي : "  يا أمير المؤمنين ألا تطمعه في سلطان توليه إياه ومنزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك ؟ " فقال علي : " ائتوه فالقوه واحتجوا عليه وانظروا ما رأيه . " ).

أرسل (على ) وفدا للتفاوض مع معاوية ، يريد ( على ) أن يستجيب له معاوية بلا قيد ولا شرط بمجرد الوعظ . وكان شبث بن ربعى له رأى سياسى أفضل من رأى (على ) ، فنصح  (عليا ) أن يعطى معاوية ولاية مقابل أن يبايع لعلى . ورفض ( على ) بعقليته التى تريد الاستحواذ على الكعكة كلها دون أن يعطى الآخرين مقابلا ، حتى لو كان هذا الغير منافسا له ومعه جيش وقوة عسكرية .

3 ـ وتمضى الرواية فتقول :  ( فأتوه ودخلوا عليه فحمد الله وأثنى عليه أبو عمرة بشير بن عمرو وقال يا معاوية إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة وإن الله عز وجل محاسبك بعملك وجازيك بما قدمت يداك وإني أنشدك الله عز وجل أن تفرق جماعة هذه الأمة وأن تسفك دماءها بينها فقطع عليه الكلام وقال هلا أوصيت بذلك صاحبك فقال أبو عمرة إن صاحبي ليس مثلك صاحبي أحق البرية كلها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة من الرسول قال فيقول ماذا قال يأمرك بتقوى الله عز وجل وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك قال معاوية ونطل دم عثمان رضي الله عنه لا والله لا أفعل ذلك أبدا فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث بن ربعي فتكلم فحمد الله وأثنى عليه وقال يا معاوية إني قد فهمت ما رددت على ابن محصن إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب إنك لم تجد شيئا تستغوي به على الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك قتل إمامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه فاستجاب له سفهاء طغام وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر وأحببت له بالقتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب ورب متمني أمر وطالبه الله عز وجل يحول دونه بقدرته وربما أوتي المتمني أمنيته وفوق أمنيته ووالله مالك في واحدة منهما خير لئن أخطأت ما ترجو إنك لشر العرب حالا في ذلك ولئن أصبت ما تمنى لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلي النار فاتق الله يا معاوية ودع ما أنت عليه ولا تنازع الأمر أهله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن أول ما عرفت فيه سفهك وخفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عنيت بعد فيما لا علم لك به فقد كذبت ولؤمت أيها الأعرابي الحلف الجافي في كل ما ذكرت ووصفت انصرفوا من عندي فإنه ليس بيني وبينكم إلا السيف وغضب وخرج القوم وشبث يقول أفعلينا تهول بالسيف أقسم بالله ليعجلن بها إليك فأتوا عليا وأخبروه بالذي كان من قوله وذلك في ذي الحجة . ) .

 دخل وفد (على ) لكى يعظ معاوية ، فنصحهم معاوية أن يعظوا (عليا ) . ورد الواعظ على معاوية بأحقية (على ) وأن الأولى لمعاوية فى دينه أن يستجيب ل ( على ). وتعلل معاوية بطلب الثأر لعثمان . وجاء رد شبث بن ربعى رائعا ، فأكد لمعاوية أن معاوية يطلب السلطان وليس ثأر عثمان ، وهو ــ أى معاوية ـ الذى أبطأ عن نُصرة عثمان وتركه للقتل . وغضب معاوية من منطق شبث وطردهم وهو يهددهم بالسيف ، وردّ عليه شبث التهديد بمثله . وهذا المشهد أروع موقف لشبث بن ربعى . تفوق به على ( على ) و ( معاوية ) معا .

4 ـ  وتمضى الرواية : ( فأخذ علي يأمر الرجل ذا الشرف فيخرج معه جماعة ويخرج إليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة فيقتتلان في خيلهما ورجالهما ثم ينصرفان وأخذوا يكرهون أن يلقوا بجمع أهل العراق أهل الشام لما يتخوفون أن يكون في ذلك من الاستئصال والهلاك فكان علي يخرج مرة الأشتر ومرة حجر بن عدي الكندي ومرة شبث بن ربعي ومرة خالد بن المعمر ومرة زياد بن النضر الحارث ومرة زياد بن خصفة التيمي ومرة سعيد بن قيس ومرة معقل بن قيس الرياحي ومرة قيس بن سعد وكان أكثر القوم خروجا إليهم الأشتر وكان معاوية يخرج إليهم عبدالرحمن بن خالد المخزومي وأبا الأعور السلمي ومرة حبيب بن مسلمة الفهري ومرة ابن ذي الكلاع الحميري ومرة عبيدالله بن عمر بن الخطاب ومرة شرحبيل بن السمط الكندي ومرة حمزة بن مالك الهمداني فاقتتلوا من ذي الحجة كلها وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرتين أوله وآخره  ). 

هذا عن وقائع القتال فى صفين فى الشهر الحرام  . كانوا يتقاتلون جماعة جماعة تفاديا لقتال عام يستأصلهم جميعا . وكان كل فريق له قائد . وكان شبث بن ربعى أحد قواد (على ).

5 ـ وعن محاولات الصلح فى هدنة للحرب بين (على ) ومعاوية ، تقول الرواية : (  .. لما توادع علي ومعاوية يوم صفين اختلف فيما بينهما الرسل رجاء الصلح . فبعث (علي ) عدي بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن خصفة إلى معاوية.  فلما دخلوا حمد الله عدي بن حاتم ثم قال : " أما بعد فإنا أتينا ندعوك إلى أمر يجمع الله عز وجل به كلمتنا وأمتنا ويحقن به الدماء ويؤمن به السبل ويصلح به ذات البين إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام أثرا وقد استجمع له الناس وقد أرشدهم الله عز وجل بالذي رأوا فلم يبق أحد غيرك وغير من معك فانته يا معاوية لا يصبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل . " فقال معاوية : " كأنك إنما جئت متهدددا لم تأت مصلحا .! هيهات يا عدي . كلا والله إني لابن حرب ، ما يقعقع لي بالشنان ، أما والله إنك لمن المُجلبين على ابن عفان رضي الله عنه ، وإنك لمن قتلته، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عز وجل به . هيهات يا عدي بن حاتم . قد حلبت بالساعد الأشد. " فقال له شبث بن ربعي ...: " أتيناك فيما يصلحنا وإياك فأقبلت تضرب لنا الأمثال. دع ما لا ينتفع به من القول والفعل وأجبنا فيما يعمنا وإياك نفعه. " ..) وتكلم معاوية فطلب منهم تسليم قتلة عثمان ، وهو يعلم إستحالة هذا الطلب لأنه سيفرّق جيش (على ) . ورد عليه شبث : ( أيسرك يا معاوية أنك أمكنت من عمار تقتله ؟ فقال معاوية : " وما يمنعني من ذلك والله لو أمكنت من ابن سمية ما قتلته بعثمان ولكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان . "  فقال له شبث : " وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلا ، لا والذي لا إله إلا هو لا تصل إلى عمار حتى تندر الهام عن كواهل الأقدام وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها . " فقال له معاوية : " إنه لو قد كان ذلك كانت الأرض عليك أضيق.! )

 هذه جولة أخرى من المفاوضات العقيمة ، يطلب فيها وفد ( على ) أن يبايع معاوية ل (على ) بلا قيد ولا شرط . وتنتهى الى الفشل ، ونرى شبث بن ربعى أحد رجال الوفد المتحدث باسم (على ) وهو الذى يهدد معاوية ، ويعامله رأسا برأس . وايضا : فقد كان شبث من أبرز قواد (على ) وقتها .

رابعا : شبث بن ربعى : يخرج على (على ) ثم يترك الخوارج ويعود الى (على )

1 ـ بعد فشل التحكيم وخدعة عمرو بن العاص لأبى موسى الأشعرى ، خرج بعض أصحاب (على ) عليه ،فأصبحوا ( الخوارج ) الذين كفّروا عليا لأنه رضى بالتحكيم ، وطلبوا منه أن يعلن كفره وتوبته من التحكيم ، ورفض (على )، فأصبح يواجه عدوا جديدا . وكان ( شبث بن ربعى ) هو القائد الحربى للخوارج ، وقد انسحبوا الى حروراء ، فكان إسمهم (الحرورية ).  . تقول الرواية : ( خرجوا مع (علي ) إلى صفين وهم متوادون أحباء ، فرجعوا متباغضين أعداء ما برحوا من عسكرهم بصفين حتى فشا فيهم التحكيم ولقد أقبلوا يتدافعون الطريق كله ويتشاتمون ويضطربون بالسياط . يقول الخوارج يا أعداء الله أدهنتم في أمر الله عز وجل وحكمتم وقال الآخرون فارقتم إمامنا وفرقتم جماعتنا . فلما دخل علي الكوفة لم يدخلوا معه حتى أتوا حروراء فنزل بها منهم اثنا عشر ألفا ونادى مناديهم إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي وأمير الصلاة عبدالله بن الكواء اليشكري والأمر شورى بعد الفتح والبيعة لله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )

 2 ـ وعن موقعة ( النهروان ) بين (على ) والخوارج ، يأتى الطبرى بروايات مختلفة ، ويرجح أن تكون الواقعة عام 38 ، وتقول الرواية عما حدث قبل المعركة  : ( أن شبث بن ربعي وابن الكواء خرجا من الكوفة إلى حروراء فأمر  (علي  ) الناس أن يخرجوا بسلاحهم ، فخرجوا إلى المسجد حتى امتلأ بهم ، فأرسل إليهم بئس ما صنعتم حين تدخلون المسجد بسلاحكم اذهبوا إلى جبانة مراد حتى يأتيكم أمري.  قال أبو مريم فانطلقنا إلى جبانة مراد فكنا بها ساعة من نهار ثم بلغنا أن القوم قد رجعوا وهم زاحفون قال فقلت أنطلق أنا حتى أنظر إليهم فانطلقت حتى أتخلل صفوفهم حتى انتهيت إلى شبث بن ربعي وابن الكواء، وهما واقفان متوركان على دابتيهما وعندهما رسل (علي ) وهم يناشدونهما الله لما رجعا بالناس.). أى كان شبث وابن الكواء زعيما الخوارج الحرورية وقتها . ولا تقول الرواية هل إستجاب شبث لرجاء (على ) وترك الخوارج أم لا .

3 ــ ولكن رواية أخرى تجعل (شبث ) من قادة (على ) فى موقعة  النهروان ضد الخوارج ، أى إنه تركهم وعاد الى (على ) . تقول الرواية عن بدء معركة النهروان : (فخرج ( علي )  فعبأ الناس فجعل على ميمنته حجر بن عدي وعلى ميسرته شبث بن ربعي أو معقل بن قيس الرياحي وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري وعلى أهل المدينة وهم سبعمائة أو ثمانمائة رجل قيس بن سعد بن عبادة...وعبأت الخوارج فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصين الطائي وعلى الميسرة شريح بن أوفى العبسي وعلى خيلهم حمزة بن سنان الأسدي وعلى الرجالة حرقوص بن زهير السعدي ).

4 ــ ولا نملك إلا تصديق هذه الرواية لسببين : الأول : إن شبث كان فى هذه الموقعة من قادة (على ) ، ولم يكن من قادة الخوارج فى تلك المعركة ، و (شبث ) كان شخصية قيادية وقتها . والثانى : أن معركة النهروان إنتهت بمقتل جميع الخوارج وقتها ، وهذا أمر معروف . عن جولات المعركة تقول الرواية  عن ( على )  ( نهض إليهم فقاتلهم حتى فرغ منهم  )ويقول أحد جنود (على ) :( فما لبثناهم فكأنما قيل لهم موتوا فماتوا  ). وعاش شبث بن ربعى بعدها .

خامسا : شبث فى خلافة معاوية يشهد زورا على رفيقه ( حُجر بن عدى )

1 ـ بايع شبث بن ربعى ( معاوية ) ضمن شيعة (على ) . وعاد ربعى الى الكوفة . وصار معروفا أنه من كبار الشيعة فيها ، والذين كانوا يعارضون الوالى المغيرة بن أبى شعبة حين كان يأخذ فى لعن (على ) فى خطبة الجمعة ، وهى بدعة إبتدعها معاوية . وكان معاوية يسكت عنهم . وإختلفت سياسته عندما بدأ التخطيط لتوريث إبنه يزيد ، فعمل على التخلص من رؤساء الشيعة فى البداية وكان منهم شبث بن ربعى  . فكان الايقاع بحُجر بن عدى الكندى وقتله مع أصحابه . وقد تعرضنا لهذا بالتفصيل فى كتابنا ومقالاته المنشورة هنا عن ( وعظ السلاطين ) . يهمنا من هذه الوقائع ما يرد فيها عن شبث بن ربعى .

2 ـ فى البداية كتب معاوية الى واليه بالكوفة المغيرة  يقول له :( خذ زيادا وسليمان بن صرد وحجر بن عدي وشبث بن ربعي وابن الكواء وعمرو بن الحمق بالصلاة في الجماعة . فكانوا يحضرون معه في الصلاة . ) . أى سعى معاوية الى إكراههم على حضور صلاة الجمعة مع الوالى حتى يسمعوا لعن (على ) ، وكان منهم شبث بن ربعى . كان معاوية يتحرش بهم لإثارتهم . فكانوا يحضرون ، ويرفعون صوتهم بالاحتجاج على المغيرة عندما يبدا بلعن (على ) . ويثور الشغب. ويسكت عنهم المغيرة .

3 ـ وبعد موت المغيرة تولى الكوفة ابن زياد وحكمها بالحديد والنار، وإعتقل حجر بن عدى وصحبه ، واشهد عليهم أنهم خلعوا الطاعة ورفعوا السلاح . وشهد بهذه الشهادة الزور جماعة من كبار أهل الكوفة كان منهم  القاضى أبو بردة بن أبى موسى الأشعرى وآخرون من أشياع بنى أمية . تقول الرواية : ( ثم بعث زياد إلى أصحاب حجر حتى جمع اثني عشر رجلا في السجن ، ثم إنه دعا رؤوس الأرباع فقال اشهدوا على حجر بما رأيتم منه . وكان رؤوس الأرباع يومئذ : عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة ، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان، وقيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة على ربع ربيعة وكندة ، وأبو بردة بن أبي موسى على مذحج وأسد.  فشهد هؤلاء الأربعة أن حجرا جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حرب أمير المؤمنين وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل أبي طالب ووثب بالمصر وأخرج عامل أمير المؤمنين . ) وأراد زياد شهادات أكثر وشهودا أكثر ، وتذكر الرواية شبث بن ربعى ضمن أولئك عن الشهود الجُدُد : ( .. فشهد إسحاق بن طلحة بن عبيدالله...  والسائب بن الأقرع الثقفي وشبث بن ربعي... )، وتهرب من الشهادة المختار بن عبيدة الثقفى ، تقول الرواية : (ودعا المختار بن أبي عبيد وعروة بن المغيرة بن شعبة ليشهدوا عليه فراغا  ). وبهذه الشهادة الزور تم قتل حُجر بن عدى وأصحابه . فى هذا المشهد نرى تقلب شبث بن ربعى ، كان من الشيعة فلما رأى حزم ابن زياد غيّر موقفه الى النقيض وصار من أتباع معاوية . ولكن التحول الأبشع له كان فى ماساة كربلاء .

سادسا : السقوط الأكبر : شبث والحسين وكربلاء

1 ـ كان شبث ممّن دعا الحسين ليأتى الى الكوفة . تقول رواية الطبرى : ( وكتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي : "  أما بعد فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار وطمت الجمام فإذا شئت فاقدم على جند لك مجند والسلام عليك . ). وفوجىء الحسين فى كربلاء بأولئك الذين دعوه للمجىء هم الذين ينتظرونه بالسلاح لقتاله . تقول الرواية عن الحسين أنه نادى : (  فنادى: يا شبث بن ربعي! ويا حجار بن أبجر! ويا قيس بنالأشعث! ويا زيد بن الحارث! ألم تكتبوا إلي في القدوم عليكم؟ قالوا: لم نفعل. ثمقال: بلى فعلتم. ثم قال: أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف إلى مأمني منالأرض.قال: فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم ابن عمك، يعني ابن زياد،فإنك لن ترى إلا ما تحب. فقال له الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله ولا أعطيهم بيدي عطاء الذليل، ولا أقر إقرارالعبد. عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجمون، أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لايؤمنبيوم الحساب ثم أناخ راحلته ونزل عنها.)

2 ـ وقبل أن يأتى الحسين الى الكوفة أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل ، وتكاثرت الشيعة حول ابن عقيل ، ولكن تحرك عبيد الله بن زياد بسرعة ، فالتقى برؤساء العشائر فى الكوفة يخوفهم ويمنيهم حتى إنضموا اليه وضغطوا على أهاليهم فإنفضوا من حول مسلم بن عقيل . وكان شبث بن ربعى ممّن إستجاب لعبيد الله بن زياد . تقول الرواية : ( ودعا عبيدالله كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي فأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج فيسير بالكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان وأمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي وشبث بن ربعي التميمي  ) . أكثر من ذلك ، صار شبث أحد قواد ابن زياد ، تقول الرواية : ( وعقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه ). وأخلص شبث بن ربعى فى قتال مسلم بن عقيل ، بينما حاول المختار بن أبى عبيدة نُصرة مسلم بن عقيل ، تقول الرواية  : ( أن المختار بن أبي عبيد وعبدالله بن الحارث بن نوفل كانا خرجا مع مسلم ، خرج المختار براية خضراء وخرج عبدالله براية حمراء وعليه ثياب حمر.... وإن ابن الأشعث والقعقاع بن شور وشبث بن ربعي قاتلوا مسلما وأصحابه عشية سار مسلم إلى قصر ابن زياد قتالا شديدا، وأن شبثا جعل يقول انتظروا بهم الليل يتفرقوا . ) .

3 ـ وأخرج ابن زياد جيشا لمواجهة الحسين ، يقوده عمر بن سعد بن الوقاص ، وكان شبث بن ربعى قائد على الرجّالة ، تقول الرواية عن قادة الجيش : ( وعلى الرجال شبث بن ربعي الرياحي وأعطى الراية ذويدا مولاه ).

4 ـ ويبرز إسم شبث بن ربعى فى قتال الحسين فى كربلاء . ونأخذ من روايات المعركة مشاهد متتابعة : ( وقاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا وأخذت خيلهم تحمل وإنما هم اثنان وثلاثون فارسا وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته .) وامر قائد الجيش عمر بن سعد بن الوقاص ( شبث ) أن يهاجم الحسين برجالته بالنبل ، فرفض شبث وقال :  ( سبحان الله أتعمد إلى شيخ مضر وأهل المصر عامة تبعثه في الرماة ؟ لم تجد من تندب لهذا ويجزئ عنك غيري ؟ ).

5 ـ وكان واضحا أن شبث كان كارها لمشاركته فى قتال الحسين مع مشاركته الفعلية فى القتال  . تقول الرواية :  ( وما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتاله . ) ووضح هذا فى مواقف أخرى له فى المعركة . أراد شمر بن ذى الجوشن أن يحرق فسطاط الحسين ومن فيه من نساء الحسين ، تقول الرواية : ( وحمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه ونادى علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله قال فصاح النساء وخرجن من الفسطاط قال وصاح به الحسين يابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي حرقك الله بالنار)   وتدخل شبث بن ربعى فقال لابن ذى الجوشن : (ما رأيت مقالا أسوأ من قولك ولا موقفا أقبح من موقفك أمرعبا للنساء صرت ؟ .! ). 

6 ـ وظل ضمير شبث يعذبه على جريمته فى كربلاء . تقول الرواية : ( وقال أبو زهير العبسي فأنا سمعته في إمارة مصعب يقول :" لا يعطي الله أهل هذا المصر خيرا أبدا ولا يسددهم لرشد . ألا تعجبون إنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين ، ثم عدونا على ابنه ، وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية. ضلال يا لك من ضلال . !!)  

 سابعا : شبث بن ربعى مع ابن الزبير ضد المختار :

1 ـ إنضم شبث الى ابن مطيع والى ابن الزبير ضد المختار بن أبى عبيدة الثقفى . والتفصيلات هنا كثيرة ومُملة ، وتنتهى بهزيمة ابن مطيع وهروبه من الكوفة . وانضم شبث الى المختار ليحمى نفسه ، وحين تتبع المختار قتلة الحسين تحارب معه شبث ، واسهم شبث فى هزيمة المختار بفضح مخاريق ومزاعم المختار عن التابوت الذى كان المختار يزعم أنه يستنصر به ، ثم وجد شبث بُغيته مع مصعب بن الزبير، فعمل على جذب خصوم المختار الى معسكر مصعب . 

ثامنا : شبث بن ربعى والخوارج الأزارقة

1 ـ عيّن مصعب واليا على الكوفة هو القباع ( الحارث بن ربيعة )   . وكانت الخوارج الأزارقة يعيثون فسادا فى الشرق ثم زحفوا غربا نحو الكوفة فى عام 68 ، فإستغاث أهل الكوفة بالوالى (القباع ) خوفا من الأزارقة ، فتحرك القباع بطيئا بجيشه ، فقال له ابراهيم بن الأشتر (  سار إلينا عدو ليست له تقية ، يقتل الرجل والمرأة والمولود ، ويخيف السبيل ويخرب البلاد فانهض بنا إليه ) و ايضا تحرك الوالى ببطء ، فتدخل شبث : ( دخل إليه شبث بن ربعي فكلمه بنحو مما كلمه به ابن الأشتر فارتحل ولم يكد فلما رأى الناس بطء سيره رجزوا به  ) ، وجاءت الأنباء أن الخوارج دخلوا قرية سماك بن يزيد ،  ( فأتت الخوارج قريته ، فأخذوه وأخذوا ابنته فقدموا ابنته فقتلوها . ..واسم ابنته أم يزيد ، وأنها كانت تقول لهم : " يا أهل الإسلام إن أبي مصاب فلا تقتلوه وأما أنا فإنما أنا جارية والله ما أتيت فاحشة قط ولا آذيت جارة لي قط ولا تطلعت ولا تشرفت قط . " فقدموها ليقتلوها ، فأخذت :  تنادي : " ما ذنبي .! ما ذنبي .! " ، ثم سقطت مغشيا عليها أو ميتة ،  ثم قطعوها بأسيافهم . )   وقال ابراهيم بن الأشتر للوالى الأقبع : ( اندب معي الناس حتى أعبر إلى هؤلاء الأكلب فأجيئك برؤوسهم الساعة ) وتدخل شبث بن ربعى وآخرون فأقنعوا الوالى أن يترك الخوارج يرحلون ( فقال شبث بن ربعي وأسماء بن خارجة ويزيد بن الحارث ومحمد بن الحارث ومحمد بن عمير أصلح الله الأمير دعهم فليذهبوا لا تبدأهم . ..وكأنهم حسدوا إبراهيم بن الأشتر ‏).

2 ـ  ولقد دخل الخوارج المدائن ، تقول الرواية : (  فلما سمع مصعب بقدومهم ركب في الناس وجعل يلوم عمر بن عبيد الله بتركه هؤلاء يجتازون ببلاده، وقد ركب عمر بن عبيد الله في آثارهم، فبلغ الخوارج أن مصعباً أمامهم، وعمر بن عبيد الله وراءهم، فعدلوا إلى المدائن فجعلوا يقتلون النساء والولدان، ويبقرون بطون الحبالى، ويفعلون أفعالاً لم يفعلها غيرهم‏.‏ ) .

أخيرا

بل فعلها غيرهم .. فإن داعش لم تأت من فراغ .!!

 

 الفصل الثالث : الخوارج فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 )

الخوارج فى الفتنة الكبرى الثانية: بداية الخوارج وإنهاؤهم الفتنة الكبرى الأولى بقتلهم (على ) 

مقدمة :

1 ـ كان الخوارج من القوى الفعّالة فى الفتنة الكبرى ، لم يؤثروا فى إلصراع على السلطة بين أطراف قريش وصراع الأجنحة القرشية ( أمويون ـ هاشميون ـ زبيريون ) ، ولكنهم ـ فى الأغلب ـ حاربوا الجميع فى هذه الفتنة الكبرى الثانية ، من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير ، ثم إستمروا فى حرب الأمويين ، واستمروا فى فسادهم فى العصر العباسى الأول . هذا عن الفتنة الكبرى الثانية .

2 ـ  أما فى الفتنة الكبرى الأولى فالغريب أن ظهور الخوارج ــ  إثر الخلاف بين اصحاب (على ) بسبب التحكيم ــ إنتهى بإغتيالهم عليا ، وإنهاء الفتنة الكبرى الأولى ، وإنفراد معاوية بالحكم . والغريب أيضا أن ( عليا ) قضى على جميع الخوارج الذين ثاروا عليه ـ قتلهم جميعا . ولكنه قضى على الأشخاص ولم يقض على الفكرة نفسها ، لذا إستمرت الفكرة وأنجبت خوارج قاتلوا عليا ثم قتلوه ، وأنجبت ( الفكرة ) آلافا مؤلفة فيما بعد قتلوا آلافا مؤلفة .

3 ـ  وهذا يؤكد  ــ لمن يهمه الأمر ــ أن مواجهة داعش وغيرها من بنات الوهابية ليس بالعسكر ، ولكن بعلاج المرض الذى أنتج داعش ، وأنتج من قبله الخوارج . وقد دفع (على بن أبى طالب ) الثمن بحياته لأنه فشل فى التعامل مع الخوارج ـ ضمن سلاسل فشل أخرى . ولا يزال الفشل نصيب كل من يتصدى لحرب ما يسمى بالارهاب بقوة الجيش واسلحة الأمن ، مع الابقاء على الفساد والظلم الذى تنبت فيه وتترعرع الحركات الارهابية من الخوارج الى حركة الزنج الى القرامطة الى الوهابية وبناتها . وسيظل الشرق الأتعس يعايش حركات الارهاب طالما يرتع فيه الاستبداد مصاحبا الفساد ، وطالما يرفض الاصلاح والعدل. وسنتوقف مع هذا فيما بعد . أمّا هنا فنتوقف مع نشأة الخوارج وحربهم وقتلهم ( عليا) بن أبى طالب .

أولا : الخلاف بين أتباع (على ) بعد التحكيم

1 ـ تقول الرواية : ( ثم رجع الناس عن صفين، فلما رجع علي خالفت ( الخوارج ) الحرورية وخرجت، كان ذلك أول ما ظهرت وأنكرت تحكيم الرجال، ورجعوا على غير الطريق الذي أقبلوا فيه، أخذوا على طريق البر، وعادوا وهم أعداء متباغضون وقد فشا فيهم التحكيم يقطعون الطريق بالتشاتم والتضارب بالسياط، يقول الخوارج ( الخارجون على (على ) : يا أعداء الله أدهنتم في أمر الله، ويقول الآخرون ( الذين بقوا على الولاء لعلى ) : فارقتم إمامنا وفرقتم جماعتنا.)

2 ـ وفارق الخوارج عليا ، تقول الرواية عن (على ) : (  ثم مضى فلم يزل يذكر الله حتى دخل القصر. فلما دخل الكوفة لم يدخل الخوراج معه فأتوا حروراء فنزلوا بها. ) ( ولما رجع علي من صفين فارقة الخوارج وأتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً، ونادى مناديهم: إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبد الله بن الكوا اليشكري، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله، عز وجل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ) .
3 ـ وبعث علي عبد الله بن عباس إلى الخوارج ليناقشهم ، وانتهى النقاش الى طلبهم من (على ) إعلان كفره لأنه وافق على التحكيم ، كما فعلوا هم حين إعترفوا بكفرهم حين وافقوا على التحكيم ثم تابوا . قالوا  : (  صدقت قد كنا كما ذكرت وكان ذلك كفراً منا وقد تبنا إلى الله فتب كما تبنا نبايعك وإلا فنحن مخالفون.)

4 : ظهور شعار التحكيم : وانتشر فى معسكر صيحة الخوارج ( لا حكم إلا لله ) ، تقول الرواية ( لما أراد علي أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج: زرعة ابن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فقالا له: لا حكم إلا لله! فقال علي: لا حكم إلا لله. وقال حرقوص بن زهير: تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال علي: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتاباً وشرطنا شروطاً وأعطينا عليها عهوداً، وقد قال الله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} النحل: 91. ) فقال حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه. فقال علي: ما هو ذنب ولكنه عجزٌ عن الرأي وقد نهيتكم. فقال زرعة: يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك. .. فخرجا من عنده يحكمان.) أى خرجا يهتفان ( لا حكم إلا الله ).

وصار هذا شعارا ودينا للخوارج . واصبح تعبيرا وقتها أن يقال ( حكّم ) و ( المُحكّمة ) ، تقول الرواية : ( وخطب علي ذات يوم، فحكمت المحكمة في جوانب المسجد، فقال علي: الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل! . ) (  ثم خطب علي يوماً آخر فقام رجل فقال: لا حكم إلا لله! ثم توالى عدة رجال يحكمون. فقال علي: الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل! أما إن لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدأونا، وإنما فيكم أمر الله. ثم رجع إلى مكانه من الخطبة.).

5 ـ واتفق الخوارج على أن يقودهم  ( عبد الله بن وهب ) وتسللوا يريدون المدائن ، ولحق بهم خوارج من الكوفة والبصرة ، وحدثت إشتباكات بينهم وبين من بقى على الولاء ل (على ). وكتب اليهم (على ) يريدهم الرجوع فكتبوا له : (  أما بعد فإنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نبذناك على سواء، إن الله لا يحب الخائنين.). ويأس منهم (على ) واخذ فى تجميع قواته ، وبعض أتباعه كانوا فى قلق ــ إذا سار بهم (على ) لقتال معاوية وتركو أهاليهم ــ من إحتمال هجوم الخوارج على أهاليهم . وتحققت مخاوفهم بما حدث لعبد الله بن خباب .

6 ـ تقول الرواية : ( لما أقبلت الخارجة من البصرة حتى دنت من النهروان رأى عصابةٌ منهم رجلاً يسوق بامرأة على حمار، فدعوه فانتهروه فأفزعوه وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم. قالوا: لا روع عليك.. ) وناقشوه فى التحكيم وفى (على )  ولمّا لم يعجبهم رأيه قتلوه وقتلوا زوجته  : (  فقالوا: إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلةً ما قتلناها أحداً.فأخذوه وكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته، وهي حبلى متم ... فأضجعوه فذبحوه، فسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: أنا امرأة ألا تتقون الله! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيء، وقتلوا أم سنان الصيداوية.)

7 ـ فزع اصحاب (على ) وقالوا له : ( علام ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا؟ سر بنا إلى القوم فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدونا من أهل الشام.). وأرسل (على ) الى الخوارج يطلب تسليم القتلة ، فقالوا : ( كلنا قتلهم وكلنا مستحل لدمائكم ودمائهم. ) . وبعد مناوشات كلامية تحتمت الحرب بينهما .

8 ـ معركة النهروان عام 37 : تجهز الفريقان ، ونصب (على ) راية الأمان أمامهم وناداهم أبو أيوب الأنصارى : ( من جاء تحت هذه الراية فهو آمن، ومن لم يقتل ولم يستعرض، ومن انصرف منكم إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمن، لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا منكم في سفك دمائكم.) ، وانصرف جماعة من الخوارج ، منهم فروة بن نوفل الأشجعي  في خمسمائة فارس، وخرجت طائفة أخرى متفرقين فنزلوا الكوفة،) وانضم ل (على ) منهم نحو مائة. ( وكانوا أربعة آلاف، فبقي مع عبد الله بن وهب ألف وثمانمائة، فزحفوا إلى (علي )، وكان علي قد قال لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدأوكم. فتنادوا: الرواح إلى الجنة! وحملوا على الناس. ) وانتهت المعركة بقتل جميع الخوارج . ( فلم يقتل من أصحاب علي إلا سبعة.). قتلهم فى هذه المعركة ولكن ظلت الفكرة قائمة :   

9 ـ خروج ( الخرّيت بن راشد الناجى  وبنى ناجية ) على (على ) عام 38 : كانوا مع (على ) فى الجمل وصفين ، ثم خرجوا عليه بعد معركة النهروان . وبعث (على ) لهم (زياد بن خصفة البكري ) فقاتلهم ،   وارسل له (على ) مددا يقود (معقل بن قيس ) ، بينما إنضم الى ( الخريت الناجي ) كثيرون من الفرس والعرب الناقمين على دفع الخراج من أهل الأهواز فارسل (على ) مددا لمعقل بن قيس من البصرة . وجرت معركة إنهزم فيها الخريت ، وهرب الى أسياف وظل يحرض على (على ) فإتبعه آخرون من قبائل عبد القيس وسائر العرب . وفى النهاية لحق معقل بن قيس بالخريت فهزمه وقتله.  

 10 ـ وتتابعت ثورات الخوارج : تقول الرواية : ( لما قتل أهل النهروان خرج أشرس بن عوف الشيباني على ( علي ) بالدسكرة في مائتين ثم سار إلى الأنبار، فوجه إليه ( علي ) الأبرش بن حسان في ثلاثمائة فواقعه، فقتل أشرس في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين.ثم خرج هلال بن علفة من تيم الرباب ومعه أخوه مجالد فأتى ماسبذان، فوجه إليه ( علي ) معقل بن قيس الرياحي فقتله وقتل أصحابه، وهم أكثر من مائتين، وكان قتلهم في جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين.ثم خرج الأشهب بن بشر، وقيل الأشعث، وهو من بجيلة، في مائة وثمانين رجلاًن فأتى المعركة التي أصيب فيها هلال وأصحابه فصلى عليهم ودفن من قدر عليه منهم، فوجه إليهم  ( علي  ) جارية بن قدامة السعدي، وقيل حجر ابن عدي، فأقبل إليهم الأشهب، فاقتتلا بجرجرايا من أرض جوخى، فقتل الأشهب وأصحابه في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين.ثم خرج سعيد بن قفل التيمي من تيم الله بن ثعلبة في رجب بالبندنيجين ومعه مائتا رجل فأتى درزنجان، وهي من المدائن على فرسخين، فخرج إليهم سعد بن مسعود فقتلهم في رجب سنة ثمان وثلاثين ) .( ثم خرج أبو مريم السعدي التميمي فأتى شهرزور، وأكثر من معه من الموالي، وقيل لم يكن معه من العرب غير ستة نفر هو أحدهم، واجتمع معه مائتا رجل، وقيل أربعمائة، وعاد حتى نزل على خمسة فراسخ من الكوفة، فأرسل إليه ( علي  ) يدعوه إلى بيعته ودخول الكوفة، فلم يفعل وقال: ليس بيننا غير الحرب. فبعث إليه علي شريح بن هانىء في سبعمائة، فحمل الخوارج على شريح وأصحابه فانكشفوا وبقي شريح في مائتين، فانحاز إلى قرية، فتراجع إليه بعض أصحابه ودخل الباقون الكوفة، فخرج  (علي ) بنفسه وقدم بين يديه جارية بن قدامة السعدي، فدعاهم جارية إلى طاعة ( علي ) وحذرهم القتل فلم يجيبوا، ولحقهم ( علي ) أيضاً فدعاهم فأبوا عليه وعلى أصحابه، فقتلهم أصحاب ( علي ) ولم يسلم منهم غير خمسين رجلاً استأمنوا فآمنهم. وكان في الخوارج أربعون رجلاً جرحى، فأمر علي بإدخالهم الكوفة ومداواتهم حتى برأوا. وكان قتلهم في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين، وكانوا من أشجع من قائل من الخوارج، ولجرأتهم قاربوا الكوفة.).

 أخيرا :  مقتل ( علي بن أبي طالب ) ( 17 رمضان عام 40 )

1 ـ تقول الرواية : ( وكان سبب قتله أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي والبرك بن عبد الله التميمي الصريمي، ..، وعمرو بن بكر التميمي السعدي، وهم من الخوارج، اجتمعوا ، فتذاكروا أمر الناس وعابوا عمل ولاتهم ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم، وقالوا: " ما نصنع بالبقاء بعدهم؟ فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد " ! . فقال ابن ملجم: " أنا أكفيكم علياً " ،  وكان من أهل مصر. وقال البرك بن عبد الله: " أنا أكفيكم معاوية ". وقال عمرو بن بكر: " أنا أكفيكم عمرو بن العاص" . .فتعاهدوا أن لا ينكص أحدهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، وأخذوا سيوفهم فسمُّوها ( أى جعلوها مُسمّمة ) واتعدوا لسبع عشرة من رمضان، وقصد كل رجل منهم الجهة التي يريد؛ فأتى ابن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه بالكوفة وكتمهم أمره، ورأى يوماً أصحاباً له من تيم الرباب، وكان ( علي ) قد قتل منهم يوم النهر عدة، فتذاكروا قتلى النهر، ولقي معهم امرأة من تيم الرباب اسمها ( قطام ) . وقد قتل أبوها وأخوها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال. فلما رآها أخذت قلبه فخطبها. فقالت: " لا أتزوجك حتى تشتفي لي ". فقال: " وما تريدين؟ " قالت:  " ثلاثة آلاف وعبداً وقينةً وقتل ( علي )".!. فقال:" أما قتل (علي ) فما أراك ذكرته وأنت تريدينني. " ، قالت:  " بلى، التمس غرته فإن أصبته شفيت نفسك ونفسي ونفعك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها ". قال: " والله ما جاء بي إلا قتل ( علي )، فلك ما سألت." . قالت: " سأطلب لك من يشد ظهرك ويساعدك." . وبعثت إلى رجل من قومها اسمه ( وردان ) وكلمته، فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال له: " هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ "  قال: " وماذا؟ " قال: " قتل علي."  قال شبيب: " ثكلتك أمك! لقد جئت شيئاً إداً! كيف تقدر على قتله؟ " قال: " أكمن له في المسجد فإذا خرج إلى صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا فقد شفينا أنفسنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. " قال:  " ويحك! لو كان غير ( علي )  كان أهون، قد عرفت سابقته وفضله وبلاءه في الإسلام، وما أجدني أنشرح لقتله."  قال: " أما تعلمه قتل أهل النهر العباد الصالحين؟ " قال: " بلى " . قال:" فنقتله بمن قتل من أصحابنا ". فأجابه.)

2 ـ وتمضى الرواية : ( فلما كان ليلة الجمعة، وهي الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي ومعاوية وعمرو، أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان ، وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها ( علي ) للصلاة، فلما خرج ( علي ) نادى: " أيها الناس الصلاة الصلاة ". فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب، وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف، وقال: " الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك! " ، وهرب وردان فدخل منزله، فأتاه رجل من أهله، فأخبره وردان بما كان، فانصرف عنه وجاء بسيفه فضرب به وردان حتى قتله، وهرب شبيب في الغلس، وصاح الناس، فلحقه رجل من حضرموت يقال له عويمر، وفي يد شبيب السيف، فأخذه وجلس عليه، فلما رأى الحضرمي الناس قد أقبلوا في طلبه وسيف شبيب في يده خشي على نفسه فتركه ونجا، وهرب شبيب في غمار الناس.)
3 ـ ( ولما ضرب ابن ملجم ( علياً ) قال: "لا يفوتنكم الرجل ". فشد الناس عليه فأخذوه، وتأخر (علي ) وقدّم جعدة بن هبيرة، وهو ابن أخته أم هانىء، يصلي بالناس الغداة، وقال ( علي ): " أحضروا الرجل عندي. " فأدخل عليه. فقال: " أي عدو الله! ألم أحسن إليك؟  "قال: " بلى ". قال: "فما حملك على هذا؟ " قال: " شحذته أربعين صباحاً وسألت الله أن يقتل به شر خلقه." ، فقال علي: " لا أراك مقتولاً به ولا أراك إلا من شر خلق الله."  ثم قال: " النفس بالنفس، إن هلكت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قد قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن إلا قاتلي، انظر يا حسن إن أنا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربةً بضربة ولا تمثلن بالرجل.." .. هذا كله وابن ملجم مكتوف. فقالت له أم كلثوم ابنة علي:  " أي عدو الله! لا بأس على أبي، والله مخزيك! "  قال:"  فعلى من تبكين؟ والله إن سيفي اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة بأهل مصر ما بقي منهم أحد" .!
.
4 ـ ( فلما قُبض بعث ( الحسن  ) إلى ابن ملجم فأحضره، فقال للحسن: هل لك في خصلة؟ إني والله قد أعطيت الله عهداً أن لا أعاهد عهداً إلا وفيت به، وإني عاهدت الله عند الحطيم أن اقتل علياً ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه فلك الله علي إن لم أقتله أو قتلته ثم بقيت أن آتيك حتى أضع يدي في يدك ". فقال له الحسن: " لا والله حتى تعاين النار.". ثم قدمه فقتله، وأخذه الناس فأدرجوه في بواري ،وأحرقوه بالنار.)

 

ثورات الخوارج فى خلافة معاوية

تعددت ثورات الخوارج فى خلافة معاوية قبل الفتنة الكبرى الثانية ، ومنها:

أولا : ثورات متفرقة فى عامى 41 : 42

1 ـ :  ( فروة بن نوفل الأشجعي ) : إعتزل (فروة بن نوفل الأشجعي ) في خمسمائة من الخوارج قتال (على )  فلما تولى معاوية قرروا حرب معاوية ، فتحركوا نحو الكوفة بقيادة (  فروة بن نوفل ) وإقتربوا من النخيلة عند الكوفة، فأرسل معاوية الى (الحسن ابن علي ) يدعوه إلى قتال الخوارج ، فكتب الحسن إلى معاوية: ( لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإني تركتك لصلاح الأمة وحقن دمائها.) . فأرسل اليهم معاوية جيشا فهزمه الخوارج . فأمر معاوية أهل الكوفة بقتال الخوارج ، وهددهم إن لم يفعلوا ، فخرج الكوفيون لقتال الخوارج ،  فقالت لهم الخوارج:( أليس معاوية عدونا وعدوكم؟ دعونا حتى نقاتله، فإن أصبنا كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا.) فقالوا: ( لابد لنا من قتالكم. ). فأخذت قبيلة (أشجع ) ابنهم ( فروة بن نوفل الأشجعى ) فحادثوه ووعظوه فلم يرجع، فأخذوه قهراً وحبسوه فى ( الكوفة) ، فجعل الخوارج قائدا عليهم هو ( عبد الله بن أبي الحوساءالطائى ) ، وقاتلهم أهل الكوفة وهزموهم ، وقتلوا ابن أبي الحوساء.  

2 ـ : ( حوثرة بن وداع ) : قادهم حوثرة بن وداع الأسدى ، وتحرك بهم الى (النخيلة ) قرب الكوفة ، ومعه مائة وخمسون ولحق به آخرون . فأرسل معاوية والد حوثرة ليعظه ، ولم يتعظ حوثرة بوعظ أبيه، فقال له أبوه : ( ألا أجيئك بابنك فلعلك إذا رأيته كرهت فراقه؟)  فقال حوثرة لأبيه : ( أنا إلى طعنة من يد كافر برمح أتقلب فيه ساعة أشوق مني إلى ابني.!). فرجع أبوه فأخبر معاوية بقول حوثرة ، فأرسل معاوية إليهم عبد الله بن عوف الأحمر في ألفين، وخرج أبو حوثرة فيمن خرج، فدعا ابنه إلى البراز، فقال: ( يا أبه لك في غيري سعة.! ). وإنهزم الخوارج، وقُتل حوثرة بيد عبد الله بن عوف قائد جيش معاوية. ورأى ابن عوف بوجه حوثرة أثر السجود، وكان صاحب عبادة، فندم على قتله.   

3 ــ ثورة فروة بن نوفل الثانية ومقتله : عاد ( فروة بن نوفل الأشجعي ) للثورة فى ولاية (المغيرة بن شعبة ) على الكوفة ، فأرسل إليه المغيرة خيلاً عليها شبث بن ربعي، ويقال: معقل بن قيس، فلقيه بشهرزور فقتله.

4 ـ ثورة شبيب بن بجرة:خرج شبيب على (المغيرة ) فى الكوفة ، فبعث إليه المغيرة خيلاً عليها خالد بن عرفطة، وقيل: معقل ابن قيس، فاقتتلوا فقتل شبيب وأصحابه.

5 ـ قتل معين الخارجي:كان للمغيرة بن أبى شعبه جواسيسه فى الكوفة ، فأبلغوه أن (معين بن عبد الله ) يريد الخروج، فحبسه المغيرة ، وبعث  إلى معاوية يخبره أمره، فكتب إليه معاوية: ( إن شهد أني خليفة فخل سبيله ). فأحضره المغيرة وقال له: ( أتشهد أن معاوية خليفة وأنه أمير المؤمنين؟) فقال معين : ( أشهد أن الله، عز وجل، حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. )، فأمر به فقتل، قتله قبيصة الهلالي. ثم فيما بعد قام رجل من الخوارج بإغتيال قبيصة .

6 ـ ثورة أبى مريم :خرج أبو مريم مولى بني الحارث بن كعب، ومعه امرأتان: قطام وكحيلة، وكان أول من أخرج معه النساء، فوجه إليه المغيرة جابراً البجلي، فقاتله فقتل أبو مريم وأصحابه .

7 ـ   ثورة سهم بن غالب عام 42:  خرج سهم بن غالب الهجيمي  في سبعين رجلاً منهم الخطيم ، فنزلوا بين الجسرين والبصرة، وقتلوا فى طريقهم رجلا وابن أخيه، فخرج إليهم والى البصرة ابن عامر بنفسه وقاتلهم وهزمهم ، وهرب بقيتهم إلى غابة وفيهم سهم والخطيم، فعرض عليهم ابن عامر الأمان فقبلوه، فآمنهم، فرجعوا، فكتب إليه معاوية يأمر بقتلهم، فكتب إليه ابن عامر: إني قد جعلت لهم ذمتك .فلما أتى زياد البصرة سنة 45 هرب سهم والخطيم خوفا منه فخرجا إلى الأهواز، فاجتمع إلى سهم جماعة ، فأقبل بهم إلى البصرة، فتفرق عنه أصحابه، فاختفى سهم،وطلب الأمان فلم يؤمنه زياد، وبحث عنه، فدُلّ عليه، فأخذه وقتله وصلبه في داره عام 45 .

ثانيا : ثورة الخوارج بزعامة المستورد بن علفة فى عامى 42 : 43
1 ـ كان (على ) قد عفا عن بعض الخوارج ، فارتحلوا شرقا الى منطقة ( الرى ) ، وكانوا بضعة عشر ، وتزعمهم  ( حيان بن ظبيان السلمي ) ، ولما علموا بمقتل (على ) دعاهم ( حيان ) إلى الخروج ومقاتلة أهل القبلة، فأقبلوا إلى الكوفة فأقاموا بها حتى قدمها معاوية، واستعمل على الكوفة المغيرة بن شعبة، وكان المغيرة يتسامح مع من يرى رأى الخوارج طالما لا يتأهب للثورة ، وكانت عيونه تأتيه بأخبارهم ( فيقال له: إن فلاناً يرى رأي الشيعة وفلاناً يرى رأي الخوارج، فيقول: قضى الله أن لا يزالوا مختلفين وسيحكم الله بين عباده. فأمنه الناس
.) وأسفرت إجتماعات الخوارج  عام 42عن تكوينهم جماعة من 400 شخص ، بقيادة ( المستورد بن علفة التيمي ) وقد جعلوه ( أمير المؤمنين ). وتواعدوا على الخروج فى شعبان 43 .

2 ـ ووصلت أخبارهم الى المغيرة  فأرسل صاحب شرطته، فإعتقلهم ولم يكن معهم المستورد وقتها ، وحقق معهم المغيرة فلم يعترفوا بشيء، وذكروا أنهم اجتمعوا لقراءة القرآن، وظلوا في السجن نحو سنة. وسمع إخوانهم فحذروا، وخرج صاحبهم المستورد فنزل الحيرة، واجتمعت به الخوارج إليه،  وبلغ المغيرة خبرهم وأنهم عازمون على الخروج تلك الأيام، فجمع رءوس القبائل وحذرهم ، وأيده معقل بن قيس الرياحي ، وكان من شيعة (على ) وكارها للخوارج ، فقال : ( أنا أكفيك قومي فليكفك كل رئيس قومه. ) فقال المغيرة : ( ليكفني كل رجل منكم قومه وإلا فوالله لا تحولن عما تعرفون إلى ما تنكرون، وعما تحبون إلى ما تكرهون.) ، فرجعوا إلى قومهم فناشدوهم الله والإسلام إلا دلوهم على كل من يريد أن يهيج الفتنة. )  وجاء أصحاب المستورد إليه فأعلموه بما قام به المغيرة في الناس وبما قام به رؤوسهم فيهم ، فتحرك بثلثمائة من أصحابه وساروا إلى الصراة، فسمع المغيرة بن شعبة خبرهم فدعا رؤساء الناس فاستشارهم فيمن يرسله إليهم،وانتهى الأمر بإرسال ( معقل بن قيس) ومعه ثلاثة آلاف فارس معظمهم من شيعة (على ) .وتحرك المستورد بالخوارج  إلى بهر سير ، وأرادوا العبور إلى المدينة العتيقة التي فيها منازل كسرى، فمنعهم سماك بن عبيد الأزدي العبسي، وكان عاملاً عليها . وأقام المستورد بالمدائن ثلاثة أيام، ثم بلغه مسير معقل إليهم ، فتحرك المستورد الى المذار. وبلغ ابن عامر والى البصرة خبرهم فأرسل اليهم (شريك بن الأعور الحارثي )، وكان من شيعة علي، ومعه ثلاثة آلاف فارس من الشيعة، وكان أكثرهم من ربيعة، وسار بهم إلى المذار.وأما معقل بن قيس فسار إلى المدائن حتى بلغها، فبلغه رحيلهم. فأرسل معقل فرقة إستطلاع من 300 فارس  يقودهم أبو الرواغ الشاكري ، فتبعهم أبو الرواغ حتى لحقهم بالمذار، وتقاتل معهم ، ثم لحق معقل بأبى الرواغ وقاتل معه المستورد وجماعته ، وجاءت الأخبار بوصول مدد من البصرة لمعقل يقوده (شريك بن الأعور) ومعه ثلاثة آلاف. فانسحب المستورد بأصحابه ، فارسل معقل خلفهم أبا الرواغ يطاردهم ومعه 600 فارس ، وأدركهم أبو الرواغ ونازلهم ، وخاف المستورد أن يأتى معقل بجيشه فمضى هو وأصحابه فعبروا دجلة ووقفوا في أرض بهرسير وتبعهم أبو الرواغ حتى نزل بهم بساباط، فانسحب المستود ليلقى معقل ، فوجد أصحاب معقل على وشك الرحيل ففاجأهم وتقاتل معهم وكادوا يهزمونهم لولا لحق ابو الرواغ ونشب قتال مرير ، وتبارز معقل والمستورد وقتل كل منهما صاحبه . وتولى القيادة بعد معقل نائبه عمرو بن محرز فأكمل هزيمة الخوارج ولم ينج منهم غير خمسة أو ستة.


ثالثا : الخوارج وزياد ابن أبيه 

1 ـ إشتد زياد فى مطاردة الخوارج فى ولايته على الكوفة ثم بعد ضم البصرة اليه، فقتل منهم كثيرين ، وأمر نائبه سمرة بذلك فقتل منهم بشراً كثيراً. وخطب زياد على المنبر فقال: ( يا أهل البصرة والله لتكفنني هؤلاء أو لأبدأن بكم! والله لئن أفلت منهم رجل لا تأخذون العام من عطائكم درهماً!) فثار الناس بهم فقتلوهم.

2 ـ وفى عام 52  خرج زياد بن خراش العجلي في ثلاثمائة فارس فأتى أرض مسكن من السواد، فسير إليه زياد خيلاً عليها سعد بن حذيفة أو غيره، فقتلوهم وقد صاروا إلى ماه

3 ـ وخرج  معاذ الطائي:فى نفس السنة في ثلاثين رجلاً هذه السنة، فبعث إليه زياد من قتله وأصحابه.

رابعا : الخوارج وعبيد الله بن زياد

1 ـ تولى بعد أبيه زياد، وقد إتبع سياسة أبيه فى أخذ الخوارج بالشدة وتتبع من له ميول للثورة ، ومن يؤمن بدين الخوارج .

2 ـ  وفى عام 58 : ( كان قوم من الخوارج بالبصرة يجتمعون إلى رجل اسمه جدار، فيتحدثون عنده ويعيبون السلطان، فأخذهم ابن زياد فحبسهم ثم دعا بهم وعرض عليهم أن يقتل بعضهم بعضاً ويخلي سبيل القاتلين، ففعلوا، فأطلقهم. ) وندم القتلة بعد إطلاق سراحهم ، وكان منهم ( طواف ) وأصحابه ، وتعرضوا الى اللوم ، فعرضوا على أهل القتلى دفع الدية فرفضوا أخذها ، فعرضوا أن يقتلوهم قصاصا فأبوا .فلم يجدوا سبيلا للتوبة إلا بالثورة وقتل ابن زياد . وبويع طواف عام 58 ، وتبعه 70 رجلاً من بني عبد القيس بالبصرة، وعلم بهم ابن زياد، فأرسل ابن زياد الشرطة ، فتحرك طواف قبل مجىء الشرطة وهرب ، ولحقتهم الشرطة ، ولكن انهزمت الشرطة ، ودخل طواف البصرة ، وطاردتهم من بقى من الشرطة ،    وذلك يوم عيد الفطر، وإنضم أهل البصرة للشرطة فقتلوا الخوارج ، وبقي مع طواف ستة فقط، وعطش فرسه فأقحمه الماء، فرمته الشرطة بالنشاب وقتلوه ثم صلبوه.    

3 ـ وتابع عبيد الله بن زياد سياسته المتشددة مع الخوارج ، فقتل منهم جماعةً كثيرة، بمجرد الاشتباه . ومنهم: عروة بن أدية. أحد الوُعّاظ  . وكان سبب قتله أن ابن زياد كان قد خرج في رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع إليه الناس وفيهم عروة، فأقبل عروة على ابن زياد يعظه، وكان مما قال له( أتبنون بكل ريعٍ آيةً تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارينالشعراء: 128- 130.)، فغضب ابن زياد ، فقام وركب وترك رهانه. فقيل لعروة: ليقتلنك! ، فاختفى عروة، فطلبه ابن زياد ، فهرب وأتى الكوفة، فأُخذ ، وجىء به لابن زياد، فقطع يديه ورجليه وقتله، وقتل ابنته.
4 ـ ( وأما أخوه أبو بلال مرداس فكان عابداً مجتهداً عظيم القدر في الخوارج، وشهد صفين مع علي فأنكر التحكيم، وشهد النهروان مع الخوارج، وكانت الخوارج كلها تتولاه،  وكان يقول: ( لا نقاتل إلا من قاتلنا ولا نجبي إلا من حمينا.)
5 ـ ( وكانت البثجاء، امرأة من بني يربوع، تحرض على ابن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته، وكانت من المجتهدات، فذكرها ابن زياد، فقال لها أبو بلال مرداس : ( إن التقية لا بأس بها فتغيبي فإن هذا الجبار قد ذكرك.) قالت: ( أخشى أن يلقى أحدٌ بسبي مكروهاً. ) فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها، فمر بها أبو بلال في السوق فعض على لحيته وقال: أهذه أطيب نفساً بالموت منك يا مرداس؟ ما ميتةٌ أموتها أحب إلي من ميتة البثجاء! .

6 ــ   وبسبب تطرف ابن زياد فى الايقاع بمن يعتنق فكر الخوارج أحسّ مرداس بالخطر (  فخرج في أربعين رجلاً إلى الأهواز، فكان إذا اجتاز به مالٌ لبيت المال أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ثم يرد الباقي، فلما سمع ابن زياد بهم بعث إليهم جيشاً عليهم أسلم بن زرعة الكلابي سنة ستين .. وكان الجيش ألفي رجل، فلما وصلوا إلى أبي بلال ، ناشدهم الله أن يقاتلوه فلم يفعلوا، ودعاهم أسلم إلى معاودة الجماعة، فقالوا: أتردوننا إلى ابن زياد الفاسق؟.  فرمى أصحاب أسلم رجلاً من أصحاب أبي بلال فقتلوه، فقال أبو بلال: قد بدؤوكم بالقتال. فشدّ الخوارج على أسلم وأصحابه شدة رجل واحد ، فهزموهم . فقدموا البصرة، فلام ابن زياد أسلم وقال: هزمك أربعون وأنت في ألفين، لا خير فيك! فقال: ( لأن تلومني وأنا حي خير من أن تثني علي وأنا ميتٌ ). فكان الصبيان إذا رأوا أسلم صاحوا به: أما أبو بلال وراءك! فشكا ذلك إلى ابن زياد، فنهاهم فانتهوا.وقال رجل من الخوارج:
أألفا مؤمنٍ منكم زعمتم ** ويقتلهم بآسك أربعونا

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ** ولكن الخوارج مؤمنونا ).


 

وقائع الخوارج فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 هجرية )

أولا :  الخوارج وعبيد الله بن زياد :

1 ـ فى ( آسك )هزم أبو بلال مرداس وأربعون معه من الخوارج جيش ابن زياد الذى بلغ تعداده ألفين . وإنتقم زياد بأن أرسل جيشا آخر بلغ تعداده ثلاثة آلاف يقوده عباد بن الأخضر. ولحق هذا الجيش الخوارج فى منطقة ( توج ) ، وثبت الخوارج لجيش ابن زياد . وحلّ وقت صلاة الجمعة ، فطلب أبو بلال هدنة للصلاة ، فاستجاب له ابن الأخضر . وتوقف القتال . تقول الرواية (فعجل ابن الأخضر الصلاة، وقيل قطعها، والخوارج يصلون، فشد عليهم هو وأصحابه  وهم ما بين قائم وراكع وساجد لم يتغير منهم أحد من حاله، فقتلوامن آخرهم وأخذ رأس أبي بلال.). رأى الخوارج الجيش الأموى يهجم عليهم غدرا وهم فى الصلاة ، فلم يقطعوا صلاتهم، وأتاحوا للجبناء قتلهم بلا مقاومة.!

2 ـ وانتقم الخوارج بإغتيال قائد هذا الجيش ( عباد بن الأخضر ) .تقول الرواية (  ورجع عباد إلى البصرة فرصده بها عبيدة بن هلال ومعه ثلاثة نفر، فأقبل عباد يريد قصر الإمارة وهو مردف ابناً صغيراً له، فقالوا له: قفحتى نستفتيك. فوقف، فقالوا: نحن إخوة أربعة قتل أخونا فما ترى؟ قال: استعدواالأمير. قالوا: قد استعديناه فلم يعدنا. قال: فاقتلوه قتله الله! فوثبوا عليهوحكّموا به ) ( حكّموا به ) أى صاحوا ( لا حكم إلا لله ) وهى صيحتهم عندما يبدأون فى القتل . تقول الرواية إن عباد بن الأخضر ألقى إبنه وثبت هو لهم فقتلوه ، ونجا إبنه . ثم إجتمع أهل البصرة على الخوارج الأربعة فقتلوا منهم ثلاثة ، وأفلت عبيدة بن هلال .

3 ـ وصمم ابن زياد على الانتقام . وكان نائبه على البصرة  ( عبيد الله بن أبي بكرة )، فكتب إليه يأمره أن يتتبع الخوارج، ففعل ذلك) وحبس ابن أبى بكرة كثيرا من الخوارج ، وكان من يشفع فى بعض الخوارج يطلق ابن أبى بكره سراحه على أن يكون الشافع فيه كفيلا أى مسئولا عن هذا الخارجى. وحضر ابن زياد الى البصرة ، وقتل كل المحبوسين من الخوارج . وطلب من كل كفيل أن يحضر اليه بمن يكفله من الخوارج ، فإذا عجز الكفيل قتله ابن زياد ، فإذا أحضر الخارجى أطلق ابن زياد الكفيل وقتل الخارجى .  

ثانيا : الخوارج وعبد الله بن الزبير

1 ـ  فى عام  64 ، وبعد أن هزم الجيش الأموى أهل المدينة فى موقعة الحرة ، تحرك الجيش نحو مكة ليقاتل ابن الزبير ، وإنضم الخوارج بزعامة نجدة بن عامر الى ابن الزبير دفاعا عن البيت الحرام . وانسحب الجيش الأموى من حصار مكة والحرم بعد أن بلغهم موت يزيد بن معاوية .

 2 ـ بعدها كان منتظرا أن يفارق الخوارج ابن الزبير. إنفجرت الخلافات القديمة بينهم ، سألوا ابن الزبير عن رأيه فى (عثمان ) ، وخاف منهم ابن الزبير ــ وكان جبانا ـ فأمهلهم الى العشية ، وعندما جاءوا وجدوا حوله أتباعه مسلحين . وأعلن ابن الزبير براءته من الخوارج ، فتركوه .

ثالثا : تفرق الخوارج

1 ـ بعد تركهم ابن الزبير تفرق الخوارج . منهم من ذهب الى البصرة وكلهم من بنى تميم وتزعمهم نافع بن الأزرق  ومعه ابن الصفار وابن اباض ، وإتجه آخرون الى اليمامة تزعمهم أبو طالوت وأبو فديك.

2 ــ فى البصرة إنتهز نافع بن الأزرق فرصة ثورة الناس على (ابن زياد ) والصراع بين بين قبيلتى الأزد وربيعة ـ فجمع معه ثلثمائة فاقتحم بهم سجن ابن زياد وأطلق من فيه .

وإتفق اهل البصرة على تولية عبد الله بن الحارث ، وواجهوا الخوارج ، فهرب نافع ببعض أصحابه الى الأهواز فى شوال 64 ، وتخلف عنه إبن الصفار وابن إباض .

وتبرأ نافع بن الأزرق من صاحبيه إبن الصفار وابن إباض ، وحرّم مناكحتهم وأكل ذبائحهم وقبول شهادتهم ,اخذ الدين عنهم . وأعلن نافع بن الأزرق أن جهاده يشمل ( قتل الأطفال والاستعراض،) أى القتل العشوائى لمن خالفه ، (  وأن جميع المسلمين كفار مثل كفار العرب لايقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.) . وهذا هو دين الأزارقة . وبهذا بدأ تقسيم هؤلاء الى الخوارج  الى : الأزارقة ( نافع بن الأزرق ) والاباضية ( ابن إباض ) القائل باستحلال الدماء دون الأموال ، والصفرية ( ابن الصفار ) الذى إعتبر ابن الأزرق متطرفا. وتبرأ الزعماء الثلاث من بعضهم .  وقد خالف (نجدة بن عامر الحنفى ) نافع بن الأزرق ، وإنفصل عنه وسار إلى اليمامة، فأطاعه الخوارج الذين بها وتركوا أبا طالوت.

3 ـ تقول الرواية : ( واشتدت شوكة ابنالأزرق ،وكثرت جموعه ، وأقام بالأهواز يجبي الخراج ويتقوى به. )، ثم أقبل نحو البصرة حتىدنا من الجسر، فبعث إليه واليها (عبد الله بن الحارث ) جيشا عام 65 ، وإقتتلوا ، فقُتل نافع بن الأزرق ، وتولى بعده ابن الماحوز التميمى ، واستمر القتال ، حتى ملّ الجيشان القتال ، وركن الفريقان الى الراحة ، ولكن أقبلت للخوارج كتيبة مددا لهم فتقوى بهم الخوارج وهزموا جيش أهل البصرة ، وتقدم الخوارج بعدها نحو البصرة .

رابعا : تولية المهلب بن أبى صفرة حرب الخوارج وإنقاذه البصرة

1 ــ المهلب أشهر من حارب الخوارج ، حاربهم باسم ابن الزبير ثم باسم الأمويين .

2 ـ وبدأ الأمر عندما فزع أهل البصرة من تقدم الخوارج نحوهم ، فلجأوا الى الأحنف بن قيس زعيم بنى تميم ليقودهم ضد الخوارج ، فإعتذر وأشار عليهم بالمهلب بن ابى صفرة . ورفض المهلب أولا ثم إشترط عليهم أن يكون له ما يغلب عليه وأن يتقوى بالأموال من بيت المال ، فوافقوا ، ووافق ابن الزبير على أن يقاتل الخوارج باسمه .

3 ــ وقام المهلب بتكوين جيش قوى من اهل البصرة قوامه 12 ألفا ، وسار بهم الى الخوارج فإنسحبوا الى الأهواز ، فطاردهم المهلب ، وأرسل مقدمة جيشه يقودها ابنه المغيرة ، فاقتتل معهم ، ثم اسحب الخوارج من الأهواز الى مناذر ، ثم التحم بهم المهلب بجيشه ، وفى البداية إنتصر الخوارج ولكن ثبت المهلب وابنه المغيرة ، فعاد اليه اربعة آلاف فارس من أصحابه المنهزمين ، وتم  صدُّ الخوارج . واستراح المهلب بجيشه ، ثم إنسحب الى العاقول ، وتحرك فى أثر الخوارج وعسكر قريبا منهم ، وهجم الخوارج ليلا على معسكر المهلب فوجدوه مستعدا لهم ، ودار قتال شديد ، تقول الرواية : ( وصبرالفريقان عامة النهار، ثم إن الخوارج شدت على الناس شدةً منكرةً، فأجفلوا وانهزموالا يلوي أحد على أحدٍ، حتى بلغت الهزيمة البصرة، وخاف أهلها السباء.) ، أى خافوا أن يسبى الخوارج نساءهم وذرياتهم . ولم ييأس المهلب فظل يصرخ فى جيشه المهزوم حتى تجمع حوله ، وفاجأ بهم الخوارج من حيث لا يشعرون وقد إنفصلت عنهم فرقة لتقتحم البصرة . وإقتتل المهلب مع مؤخرة الخوارج ، واستمر القتال ساعة ، وأسفر عن قتل قائد الخوارج ابن الماحوز وكثيرٌ من أصحابه، وغنم المهلبعسكرهم. وتراجعت مقدمة الخوارج التى كانت تتقدم لاحتلال البصرة فوقعوا فريسة لجيش المهلب ، تقول الرواية : ( وأقبل من كان في طلب أهل البصرة راجعاً، وقد وضع المهلب لهم خيلاً ورجالاًتختطفهم وتقتلهم، وانكفأوا راجعين مذلولين مغلوبين، فارتفعوا إلى كرمان وجانبأصبهان...فلما قتل عبد الله بن الماحوز استخلف الخوارج الزبيربن الماحوز.)، (ولما فرغ المهلب منهم أقام مكانه حتى قدم مصعب بنالزبير على البصرة أميراً. )

 

 خامسا : نجدة بن عامر الحنفى الخارجى  فى الجزيرة العربية

1 ـ كان ( نجدة ) مع نافع ابن الأزرق،ثم خالفه وفارقه وسار إلى اليمامة حيث كان فيها  خوارج آخرون بزعامة أبى طالوت فأصبح نجدة من كبار أتباع أبى طالوت . وكانت منطقة حضرموت من قبل تابعة لبنى حنيفة قوم نجدة بن عامر الحنفى. فإستولى عليها  معاوية من بنى حنيفة ،وقد أسكن فيها معاوية أربعة آلاف من الرقيق وعائلاتهم يعملون فى الأرض . وسار نجدة الى حضرموت فإستردها ، وغنم ما فيها   وقسمه بين أصحابه، عام 65 ، فكثر جمعه.ثم نهب نجدة قافلة كانت تحمل أموالا لابن الزبير ، وجاء بها لأبى طالوت  ( فقسمها بين أصحابه، وقال:  "اقتسموا هذا المال وردوا هؤلاء العبيد واجعلوهم يعملون الأرض لكم فإن ذلك أنفع" ،  فاقتسموا المال وقالوا: نجدة خير لنا من أبي طالوت؛ فخلعوا أبا طالوت وبايعوا نجدةوبايعه أبو طالوت، وذلك في سنة ست وستين، ونجدة يومئذٍ ابن ثلاثين سنة.)
2 ـ ثم حارب نجدة قبيلة بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فى منطقة ( ذي المجاز ) ( فهزمهم وقتلهمقتلاً ذريعاً ). ( ورجع نجدة إلى اليمامة فكثر أصحابه فصاروا ثلاثة آلاف، ثم سار نجدة إلىالبحرين سنة 67، . وانضمت اليه هناك الأزد من قبائل اليمن ، ووقفت ضده قبائل عبد القيس من ربيعة . ودارت معركة بين الفريقين فى القطيف ، وانتصر عليهم نجدة ، تقول الرواية : ( فالتقوابالقطيف فانهزمت عبد القيس ، وقتل منهم جمعٌ كثير ، وسبى نجدة من قدر عليه من أهلالقطيف . )  ( وأقام نجدة بالقطيف ووجه ابنه المطرح في جمع إلىالمنهزمين من عبد القيس، فقاتلوه بالثوير، فقتل المطرح بن نجدة وجماعة منأصحابه
.
وأرسل نجدة سريةً إلى الخط فظفر بأهله. )

3 ـ  وأقام نجدة بالبحرين. فلما قدم مصعب بن الزبير إلى البصرة سنة69 ، بعث إليه ( عبد الله بن عمير الليثي الأعور) في أربعة عشر ألفاً . ولكن نجدة فاجأه وهو غافل، وهزمه وهرب ابن عمير . وسبى نجدة جارية لابن عمير   فعرض عليها أن يرسلها إلى مولاها فقالت:" لا حاجة بي إلى من فرعني وتركني.". ( فرع ) كناية عن إفتضاض البكارة .
وبعث نجدة أيضاً بعد هزيمة ابن عمير جيشاً إلى عُمان واستعمل عليهم عطية بن الأسود الحنفي، وقد غلب عليها عباد بن عبدالله، وهو شيخ كبير، وابناه سعيد وسليمان يعشران السفن ( أى يفرضان العُشر ) ويجيبان البلاد ). وانتصر عطية وقتل عباد . واستولى عطية على البلاد فأقام بها أشهراً ثم خرج منها،  واستخلف رجلاً يكنى أبا القاسم، فقتله سعيد وسليمان ابنا عباد وأهل عمان
.) ( ثم خالف عطية نجدة،  فعاد إلى عمان ، فلم يقدر عليها ، فركب في البحر وأتى كرمان  ،وضرب بها دراهم سماها العطوية. وأقام بكرمان. فأرسل إليه المهلب جيشاً، فهرب إلى سجستان ثم إلى السند، فلقيه خيل المهلب بقندابيل فقتله. ).

4 ـ ( ثم بعث نجدة إلى البوادي بعد هزيمة ابن عمير  من يأخذ من أهلها الصدقة، فقاتل أصحابه بني تميم بكاظمة، وأعان أهل طويلع بني تميم، فقتلوا منالخوارج رجلاً، فأرسل نجدة إلى أهل طويلع من أغار عليهم وقتل منهم نيفاً وثلاثين رجلاً وسبى. ثم إنه دعاهم بعد ذلك فأجابوه، فأخذ منهم الصدقة. )

5 ـ ( ثم سار نجدة إلى صنعاء في خف من الجيش، فبايعه أهلها ، وظنوا أن وراءه جيشاً كثيراً، فلما لم يروامدداً يأتيه ندموا على بيعته، وبلغه ذلك فقال: إن شئتم أقلتكم بيعتكم وجعلتكم في حلمنها وقاتلتكم. فقالوا: لا نستقيل بيعتنا. فبعث إلى مخالفيها فأخذ منهم الصدقة،وبعث نجدة أبا فديك إلى حضرموت فجبى صدقات أهلها.)
6 ــ وحج نجدة سنة 68 ، وقيل سنة 69، وهو في ثمانمائة وستين رجلاً، وقيل في ألفي رجل وستمائة رجل، وصالح ابن الزبير على أن يصلي كل واحد بأصحابه ويقف بهم ويكف بعضهم عن بعض
.فلما صدرنجدة عن الحج سار إلى المدينة، فتأهب أهلها لقتاله، وتقلد عبد الله بن عمر سيفاً،فلما كان نجدة بنخل أخبر بلبس ابن عمر السلاح، فرجع إلى الطائف . )

7 ـ وسبى نجدة بنتا هى حفيدة عثمان بن عفان ، (بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان )  ( فسأله بعضهم بيعها منه، فقال: قد أعتقت نصيبي منها فهي حرة. قال: فزوجني إياها. قال: هي بالغ وهي أملك بنفسها فأنا استأمرها؛ فقام من مجلسه ثم عاد، قال: قد استأمرتها وكرهت الزواج.).
 8 ـ واتسع مُلك نجدة من الطائف الى البحرين وحضرموت واليمن وتبالة والسراة . 

9 ـ  ثم إن أصحاب نجدة اختلفواعليه لأسباب نقموها منه ... فانحازوا عنه وولوا أمرهم أبا فديك عبد الله بن ثور.. واستخفى نجدة، فأرسل أبوفديك في طلبه جماعةً من أصحابه وقال: إن ظفرتم به فجيئوني به. ) وعثروا عليه فقتلوه .

سادسا : مصعب بن الزبير والخوارج فى فارس والعراق :

1 ـ فى عام 68 عزل مصعب بن الزبير ( المهلب بن أبى صفرة ) وولى مكانه فى حرب الأزارقة (عمر بن عبيد الله بن معمر ) .  وكان الخوارج قد ولوا عليهم الزبير بنالماحوز عام 65 . ودارت معركة عند اصطخر بين الخوارج و (عمر بن عبيد الله )، فقتل الخوارج ابنه   ولكن انهزموا . وكاد عمر بهلك في هذهالوقعة، فدافع عنه مجاعة، فوهب له عمر تسعمائة ألف درهم.  وانسحب الخوارج وساروا غربا نحو العراق ، فطاردهم عمر بن عبيد الله ، وجهز مصعب جيشا آخر ، ووقع الخوارج بين جيشى مصعب و عمر بن عبيد الله ، فانطلقوا نحو المدائن فاقتحموها وهرب قائدها ( كردم بن مرشد القرادي ) ، تقول الرواية عما فعله الخوارج بأهل المدائن : ( شنوا الغارة على أهل المدائنيقتلون الرجال والنساء والوالدان ويشقون أجواف الحبالى. .. ) ثم ساروا الى ساباط : ( وأقبلوا إلىساباط ووضعوا السيف في الناس يقتلون .. وأفسد الخوارج فيالأرض.). وارتعب أهل الكوفة من مجىء الخوارج فحثوا واليهم ( القباع ) فخرج متثاقلا برغم الالحاح عليه . وقال فيه شاعر :
 سار بنا القباع سيراً نكرا ** يسير يوماً ويقيمشهرا

2 ـ وطورد الخوارج حتى اصبهان وحاصروها ، وكان والى اصبهان (عتاب بن ورقاء )، فصبر لهم، وكان يقاتلهم على باب المدينةويرمون من السور بالنبال والحجارة. واستمر حصار الخوارج لاصبهان فاضطر مقاتلوها للخروج لمقاتلة الخوارج ـ وكانوا لا يتوقعون الهجوم ، ففاجأهم الهجوم فانهزموا ، وقُتل أميرهم الزبير بن الماحوز .

3 ـ وولى الخوارج عليهم  قطري بن الفجاء ، فانسحب بهم الى كرمان وأقام بها  حتىاجتمعت إليه جموع كثيرة وجبى المال وقوي. ثم أقبل إلى أصبهان ثم أتى إلى أرضالأهواز فأقام بها. واضطر مصعب الى إعادة المهلب لقتال الخوارج . وجاء المهلب إلى البصرة وأعد جيشا وسار به نحو الخوارج، ثم أقبلوا إليه حتى التقوا بسولاف فاقتتلوا بها ثمانيةأشهر أشد قتال رآه الناس.

4 ـ وحين قتل مصعب عام 71 ، كان المهلب يحارب الأزارقةبسولاف، بلد بفارس على شاطئ البحر، ثمانية أشهر. وعرف الخوارج الأزارقة بقتل مصعب قبل أن يعرف به المهلب ، تقول الرواية : (فصاحوا بأصحاب المهلب: ما قولكم في مصعب؟ قالوا: أمير هدى، وهو ولينا في الدنياوالآخرة، ونحن أولياؤه. قالوا: فما قولكم في عبد الملك؟ قالوا: ذاك ابن اللعين، نحننبرأ إلى الله منه وهو أحل دماً منكم. قالوا: فإن عبد الملك قتل مصعباً وستجعلونغداً عبد الملك إمامكم. فلما كان الغد سمع المهلب وأصحابه قتل مصعب فبايع المهلبالناس لعبد الملك بن مروان، فصاح بهم الخوارج: يا أعداء الله! ما تقولون في مصعب؟قالوا: يا أعداء الله لا نخبركم. وكرهوا أن يكذبوا أنفسهم. قالوا: وما قولكم في عبدالملك؟ قالوا: خليفتنا. ولم يجدوا بداً إذ بايعوه أن يقولوا ذلك. قالوا: يا أعداءالله! أنتم بالأمس تبرأون منه في الدنيا والآخرة وهو اليوم إمامكم وقد قتل أميركمالذي كنتم تولونه! فأيهما المهتدي وأيهما المبطل؟ قالوا: يا أعداء الله رضينا بذلكإذ كان يتولى أمرنا ونرتضي بهذا. قالوا: لا والله ولكنكم إخوان الشياطين وعبيدالدنيا.)

سابعا : عبد الملك بن مروان والخوارج

1 ـ فى عام 72 ، ولّى عبد الملك (خالد بن عبد الله على البصرة، فلما قدمها خالد كان المهلب يحارب الأزارقة، فعزله وسيّر أخاه عبد العزيز بن عبد الله إلى قتل الخوارج. ). وهزم  قطرى بن الفجاءة الجيش الأموى ، وسبى إمرأة القائد عبد العزيز بن عبد الله . وهى ابنة المنذر بن الجارود ، وعرضها الخوارج للبيع فى مزاد  ، تقول الرواية : (وانهزم عبد العزيز، وأخذت امرأته ابنة المنذر بن الجارود فأقيمت في من يزيد، فبلغت قيمتها مائة ألف، فجاء رجل من قومها من رؤوس الخوارج فقال: تنحوا هكذا،ما أرى هذه المشركة إلا قد فتنتكم! وضرب عنقها، ولحق بالبصرة، فرآه آل المنذرفقالوا: والله ما ندري أنحمدك أم نذمك! فكان يقول: ما فعلته إلا غيره وحمية.). وأرسل عبد الملك يؤنب الوالى خالد بن عبد الله لعزله المهلب ، وأمره أن يُعيد المهلب ، وأمر عبد الملك أخاه بشر بن مروان والى الكوفة أن يرسل مددا من خمسة آلاف لحرب الخوارج ، فأرسل المدد بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث . واجتمع جيش البصرة وفيه أميرها خالد بن عبد الله وجيش الكوفة يقوده ابن الأشعث ، معهم المهلب مستشارا. وانهزم الخوارج . وكتب عبد الملك لأخيه بشر بن مروان بأن يطارد الخوارج .

واستمرت الحروب بين الخوارج وبنى أمية حتى سقوط دولة الأمويين .

الباب الثانى الباب الثانى : آثار الفتنة الكبرى الثانية :

الفصل الأول :

من سفك الدماء الى العشق والفحشاء (الحبُّ وقت الفتنة والحرب : خالد وأم خالد وحبيبة خالد : ( خالد بن يزيد بن معاوية )

 

  الحبُّ وقت الفتنة والحرب : خالد وأم خالد وحبيبة خالد :

 

( خالد بن يزيد بن معاوية)

 

أولا :  خالد و( السّت ) أم خالد

1ـ بطلتنا ( أم خالد ) : كنيتها الأولى ( أم هاشم ) مع إنها من بنى أمية ، فهي فاختة بنت هاشم إبن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن أمية . تزوجت ابن عمها يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن عبد شمس بن أمية ، وأنجبت من زوجها يزيد ثلاثة من الأبناء : معاوية وخالد وأبا سفيان.

وبطلتنا ( أم هاشم : فاختة ) تزوجت خليفتين من بني أمية ، هما يزيد بن معاوية ، ثم تزوجت بعده مروان بن الحكم ، والأخير ( مروان بن الحكم ) مات على يديها الكريمتين ، قتلته انتقاماً لاهانته لابنها خالد ، لذلك توارت كنيتها الأولى (أم هاشم)  وأصبحت كنيتها في التاريخ ( أم خالد ). وما فعلته فاختة من قتل زوجها الخليفة مروان بن الحكم يدخل في نطاق الجرائم السياسية ، ولكي تعرف دوافعها وراء قتل زوجها ـ  الذي هو ابن عمها ـ علينا أن نسترجع تاريخ الدولة الأموية في مرحلة بالغة التعقيد من تاريخ العرب والمسلمين .

2 ـ وتبدأ القصة بمعاوية وهو يعهد لابنه يزيد بالخلافة ويفتتح في تاريخ المسلمين وراثة الملك .

وكان معاوية قد أعـدَّ ابنه يزيد لتولى العهد، فزوّجه بنت عمه فاختة ليجتمع شمل بني أمية مع ابنه يزيد في خلافته ، وفعلا توحّد بنو أمية حول يزيد ، ولكن ثار عليه الحسين بن علي وآله من بني هاشم ، وانتهى الأمر بمأساة كربلاء ، فكان أن ثارت المدينة المنورة على يزيد وخلعت بيعته بمجرد أن عادت السيدة زينب بنت على أخت الحسين إلى المدينة ومعها رأس الحسين وما بقي من أطفال أسرتها ، فبعث يزيد بجيش اقتحم المدينة واستباحها قتلا واغتصابا ونهبا. وانتهز الفرصة عبد الله بن الزبير فأعلن نفسه خليفة في مكة ، وأثناء حصار الأمويين له جاء الخبر بوفاة يزيد بن معاوية، وتولي بعده ابنه الأكبر معاوية بن يزيد ، أو معاوية الثاني ، وبذلك تحولت بطلة قصتنا من زوجة للخليفة يزيد إلى أم للخليفة الجديد معاوية بن يزيد .

3 ـ وكان الخليفة الجديد شابا تقيا ورعا مختلفاً عن أبيه وجده ، وذلك يشى بأن لأمه أثراً كبيراً في تنشئته ، إذ أن الثابت تاريخيا أن يزيد بن معاوية كان ماجناً سكيراً عربيدا ، ولكن الثابت أيضاً من التاريخ أن أبناءه الثلاثة معاوية وخالد وأبا سفيان كانوا مشهورين بالصلاح والاتزان ، أي أن فاختة ـ التي فجعت في مجون زوجها يزيد وجرأته على المحرمات والخمرـ قد تفرغت لرعاية أبنائها فأصبحوا على نقيض أبيهم، والدليل على ذلك سيرة معاوية الثاني ابنها الذي تولى الخلافة ثم تنازل عنها قائلاً فى خطبة اعتزاله : "والله إن كانت الدنيا عزاً فقد نلنا حظنا منها،  وإنا كانت شراً فكفى ما أصابنا منها" وذكر ما فعله أبوه فبكى ، وطلبوا منه أن يرشح خليفة بعده فقال: ما أصبت حلاوتها فلماذا أتحمل مرارتها؟ واعتزل الناس، فقتله أهله بالسم..! واحتقارا له فقد سمّاه أهله الأمويون أبا ليلى . ودفنت فاختة أحزانها وهي ترى أهلها يقتلون ابنها الصالح ويهزءون به ويطلقون عليه لقب "أبي ليلى" لأنه في نظرهم جبن وخاف واعتزل .. وانصرفت همة فاختة لرعاية ابنيها خالد وأبي سفيان ، وقد كانا على نفس القدر من الصلاح تقريباً. ولكن الأحوال ساءت بالنسبة للأمويين بعد تنازل معاوية الثاني عن الخلافة ، إذ وقع التنافس بين كبار المرشحين منهم للخلافة ، في الوقت الذي ازداد فيه نفوذ عبد الله بن الزبير ، ودخلت في طاعته مصر والعراق وأجزاء من الشام ، وأصبح سقوط الأمويين سريعاً لولا أنهم عقدوا مؤتمراً في الجابية واتفقوا على تولية مروان بن الحكم الخلافة ثم يتولى بعده خالد بن يزيد بن معاوية أو ابن بطلة قصتنا.

4 ـ وكان مروان بن الحكم شيخ بني أمية في ذلك الوقت، وقد رضي على مضض أن يكون ولي عهده الشاب خالد ابن يزيد بن معاوية ، وذلك حتى تجتمع معه كلمة الأمويين ، ولكنه كان يريد أن يعهد بولاية العهد لابنه عبد الملك بن مروان ، لذا خطط للأمر بحنكة ، لكى يزيح خالد بن يزيد من ولاية العهد ، فتزوج فاختة أم خالد ليكون خالد تحت سيطرته وليحط من شأنه ومن كرامته..  

5 ـ إلا أن فاختة حين رضيت به زوجاً كانت تطمع في أن تحفظ لابنها حقه في ولاية العهد ، فهي كانت زوجة خليفة من قبل ، وزوّجها معاوية بن أبى سفيان إبنه ( يزيد ) لكي تجتمع حول ( يزيد ) بنو أمية ، واعتقدت أن مروان تزوجها لنفس الغرض ، واعتقدت أنها في وضعها الجديد ستكون أقدر على حفظ حق ابنها الثانى فى الخلافة بعد أن تنازل عنها ابنها الأول..

6 ـ ولكن أحلامها ضاعت هباء ، فقد فوجئت بزوجها يعمل على نقض الاتفاق بعد أن نجح في ضم مصر إليه وطرد والي عبد الله بن الزبير عنها ، أي أنه شعر بالأمن بعد ضم مصر إليه ، فعمل على تعيين ابنيه عبد الملك ، ثم عبد العزيز في ولاية العهد على الترتيب مكان خالد ، وقد جعل ابنه عبد العزيز والياً على مصر وهو والد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز.

أى إن السيدة فاختة تجاوزتها الأحداث هي وأحلامها فقنع ابنها خالد بتعلم الكيمياء ، ولكن مروان لم يتركه في حاله ، إذ خشي من قوة شخصيته وحب الناس له فعمل على تحقيره والحط من شأنه امام رجال الدولة ، وما كان لخالد أن يسكت ، فتوالت شكواه لأمه ، وأخذت هي تهديء من روعه وهي تـَحـس بالندم على قبولها الزواج وكيف انقلب هذا الزواج ضد مصلحة ابنها وحقوقه في الخلافة ثم يصل الأمر الى قيام زوجها بتحقير إبنها على الملأ . وتحملت أم خالد إلى أن حدثت الإهانة الأخيرة لها ولابنها خالد ، فكانت القشة الى قصمت ظهر البعير كما يقال..

7 ـ إذ  قال مروان لخالد أمام الناس كلمة جارحة نابية في حق أمه،قال له ( يا ابن رطبة الإست )، فدخل خالد على أمه غاضباً ، يقول لها : قد فضحتني وقصّرت بي ونكست برأسي ، والله لأقتلنك أو لأقتلن نفسي ، فقد قال لي مروان كذا وكذا على رءوس الأشهاد فقالت: له والله لن يقولها لك ثانية ، وأوصته بألا يعلم مروان أنها علمت بشيء وأن يكتم الموضوع. وأحس مروان بأنه أهان خالداً وأم خالد ، وخشي مغبة ذلك فدخل على زوجته أم خالد وقال: ما قال لك خالد اليوم؟ فقالت : ما حدثني بشيء ولا قال لي شيئاً ، فقال : ألم يشكني إليك ويشكو تقصيري به كما كان يفعل ؟ فقالت له : يا أمير المؤمنين لقد أفهمت خالداً من قبل أنك له بمنزلة الوالد ، وأنت أعظم في عيني من أن أسمح لخالد بأن يقول عنك شيئاً . فاطمأن مروان بن الحكم قليلا ، ولكن مازالت به حتى ازداد اطمئناناً لها ، ونام عندها ، فوثبت هي وجواريها فغلقن الأبواب ، ثم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجه مروان وجلست فوقها ومعها جواريها حتى مات تحتهن مخنوقاً ..ثم قامت فشقت جيبها وأمرت جواريها فشققن ملابسهن وعلا الصراخ ليعلن موت الخليفة وكان ذلك في غرة رمضان سنة 65هـ وكان مروان في الرابعة والستين من عمره.

ومن ضمن الروايات التى ذكرت نفس الموضوع ننقل منها ما ذكره المؤرخ محمد إبن سعد فى الطبقات الكبرى فى ترجمة مروان بن الحكم ، وقد وصل الى سبب وفاته فقال : (وكانمروان قد أطمع خالد بن يزيد بن معاوية في بعض الأمر ،  ثم بدا له فعقد لابنيه عبدالملك وعبد العزيز ابني مروان بالخلافة بعده ، فأراد أن يضع من خالد بن يزيد ويقصر بهويزهد الناس فيه.  وكان إذا دخل عليه أجلسه معه على سريره ، فدخل عليه يوما فذهب ليجلسمجلسه الذي كان يجلسه فقال له مروان وزبره  : " تنح يا ابن رطبة الاست والله ما وجدت لكعقلا " . فانصرف خالد وقتئذ مغضبا حتى دخل على أمه ، فقال : "  فضحتني وقصرت بى ونكست برأسيووضعت أمري .! " ، قالت : " وما ذاك ؟ " . قال : " تزوجت هذا الرجل فصنع بي كذا وكذا ،  ثم أخبرها بما قال.  فقالت له : " لا يسمع هذا منك أحد ، ولا يعلم مروان أنك أعلمتني بشيء من ذلك ، وادخل عليّكما كنت تدخل ، واطو هذا الأمر حتى ترى عاقبته، فإني سأكفيكه وانتصر لك منه. " .  فسكت خالدوخرج إلى منزله. وأقبل مروان فدخل على أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة،  وهيامرأته.  فقال لها : " ما قال لك خالد ما قلت له اليوم وما حدثك به عني ؟ " فقالت : " ما حدثنيبشيء ولا قال لي . " فقال : " ألم يشكني إليك ويذكر تقصيري به وما كلمته به ؟ " فقالت  : " يا أميرالمؤمنين أنت أجلُّ  في عين خالد وهو أشد لك تعظيما من أن يحكي عنك شيئا أو يجد من شيءتقوله. وإنما أنت بمنزلة الوالد له . " .  فانكسر مروان وظن أن الأمر على ما حكت له وأنهاقد صدقت ، ومكث حتى إذا كان بعد ذلك وحانت القائلة فنام عندها ، فوثبت هي وجواريها،  فغلقن الأبواب على مروان  ، ثم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه . فلم تزل هي وجواريهايغممنه حتى مات . ثم قامت فشقت عليه جيبها وأمرت جواريها وخدمها فشققن، وصحن عليه،  وقلن : "مات أمير المؤمنين فجأة . " وذلك في هلال شهر رمضان سنة خمس وستين . وكان مروان يومئذ ابنأربع وستين سنة ، وكانت ولايته على الشام ومصر لم يعد ذلك ثمانية أشهر ويقال ستة أشهر ). وقد نقل المؤرخ ابن الجوزى نفس الرواية نقلا عن ابن سعد . ثم نقلها ـ مع بعض تغييرـ  المؤرخ ابن كثير فى ترجمة مروان بن الحكم .

8 ـ وتولى عبد الملك بن مروان بعد أبيه ، وحقق في وفاة أبيه المفاجئة فعلم أن أم خالد قد قتلته فأراد أن يقتلها ، فقالوا له إنه عار عليك أن يعلم الناس أن أباك قد قتلته امرأة. فكف عنها ونجت أم خالد من القتل..

وتمتع عبد الملك بن مروان بالخلافة ، وأرد خالد أن يمحو من نفس عبد الملك بن مروان الجريمة التي اقترفتها أمه فاشترك مع جيش الأمويين في حرب ضد أهل الحجاز الذين انضموا لعبد الله بن الزبير..

وكانت أصداء ما حدث لمروان ومقتله قد وصلت للحجاز ، وتعجب أهل الحجاز لاشتراك خالد في الحرب مع عبد الملك ضدهم ، وأثناء الحرب أبلي خالد بلاء حسناً في جيش الأمويين ضد الحجازيين ، فما كان من أهل الحجاز إلا أن هتفوا في المعركة يسخرون منه شعراً بلفظ هابط بذىء ، و سمع خالد الشعر فانسحب من المعركة.

 يذكر الصفدى فى موسوعته ( الوافى بالوفيات ) تلك القصة بتفاصيل مختلفة ، ونعتذر مقدما عن ايراد النصّ كما هو : (  جرى بين خالد وبين مروان بن الحكم كلام فقال لمروان : أين أنت مني ؟ قال : بين رجلي أمك الرطبة . فدخل على أمه فاختة بنت ابي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فقال : هذا عملك بي والله لأقتلنك أو لأقتلن نفسي . قال لي مروان كذا . قالت : أما والله لا يقولها لك ثانية . فلما نام مروان ألقت على وجهه وسادة وجلست عليها حتى مات . وعلم عبد الملك خبرها فهم بقتلها فقيل له : أما إنه شر عليك أن يعلم الناس أن أباك قتلته امرأة .! فكفّ عنها . وحضر خالد مع مروان فأبلى بلاء حسنا حتى أن أنكى في أهل الحجاز فقال رجل منهم :  

ها إن همّ خالد ما همّه ... أن سلب الملك ونيكت أمّه
فجعل فتيان منهم يرتجزون بها ، فلم يخرج خالد للقتال بعد ذلك )( الوافى بالوفيات 13 / 273 )

وعاد خالد إلى أمه يدفن أحزانه في علم الكيمياء ، فأطلقوا عليه خالد الكيماوي..

ثانيا :  خالد و( حبيبة خالد  ) :

1 ــ تقول الرواية : ( حج عبد الملك بن مروان وحج معه خالد بن يزيد بن معاوية...فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصُر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقًا شديدًا ، ووقعت بقلبه وقوعًا متمكنًا‏.‏ فلما أراد عبد الملك القفول همّ خالد بالتخلف عنه ، فوقع بقلب عبد الملك تهمة ، فبعث إليه يسأله عن أمره فقال‏:‏  " يا أمير المؤمنين رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت قد أذهبت عقلي والله ما أبديت لك ما بي حتى عيل صبري فلقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله والسلو على قلبي فامتنع منه.! " .  فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال‏:‏ " ما كنت أقول إن الهوى يستأسر مثلك .! "  فقال‏:‏"  وإني لأشد تعجبًا من تعجبك مني ، ولقد كنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس‏:‏ الشعراء والأعراب‏.‏ فأما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل ، فمال طمعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى فاستسلموا له منقادين‏.‏ وأما الأعراب فإن أحدهم يخلو بامرأته فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها ولا يشغله شيء عنه فضعفوا عن دفع الهوى فتمكن منهم‏.‏ وجملة أمري ما رأيت نظرة حالت بيني وبين الحرم وحسنت عندي ركوب الإثم مثل نظرتي هذه‏.‏.! ".  فتبسم عبد الملك وقال‏:‏ " أو كل هذا قد بلغ بك ؟ " فقال‏:‏ " والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا . " .فوجّه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد،  فذكروا لها ذلك فقالت‏:‏ " لا والله أو يطلق نساءه." .! فطلق امرأتين كانتا عنده إحداهما من قريش والأخرى من الأزد وظعن بها إلى الشام‏.‏)  ..

2 ـ وكان الحجاج بن يوسف هو الذى أنهى فتنة ابن الزبير ، وتولى العراق فأخضعه للأمويين ، وزاد نفوذه عند عبد الملك . ( وقد بعث الحجاج إلى خالد  يقول له ‏:‏ " ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني . فكيف خطبت إلى قوم ليسوا بأكفائك وهم الذين نازعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيحة.! " ‏.‏ فقال لرسوله‏:‏ " ارجع فقل له‏:‏  " ما كنت أرى أن الأمور بلغت بك إلى أن أؤامرك في خطبة النساء.!! وأما قولك‏:‏ نازعوا أباك وشهدوا عليه بالقبيح فإنها قريش تتقارع فإذا أقر الله الحق مقره تعاطفوا وتراحموا‏.‏ وأما قولك‏:‏ ليسوا لك بأكفاء‏.‏ فقبحك الله يا حجاج ما أقل علمك بأنساب قريش.! أيكون العوام كفوءًا لعبد المطلب بن هاشم حتى يتزوج صفية ويتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ولا تراهم أكفاء لأبي سفيان‏.‏؟ .. ولما قدم الحجاج على عبد الخليفة عبد الملك مرّ بخالد بن يزيد فسأل رجل‏ خالد :‏ " من هذا ؟ " فقال خالد كالمستهزئ بالحجاج ‏:‏"  هذا عمرو بن العاص . " فرجع الحجاج إلي خالد وقال له ل‏:‏ " ما أنا بعمرو بن العاص ولكني ابن الغطاريف من ثقيف والعقائل من قريش ، ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلهم يشهد أن أباك وأنت وجدك من أهل النار، ثم لم آخذ لذلك عندك شكرًا‏.‏ )

3 ــ نلاحظ أن هذه الرواية تدور حول شيئين متلازمين: عشق خالد بن يزيد بن معاوية لرملة بنت الزبير أخت عبد الله بن الزبير. وزواجه منها برغم الخصومة الدائمة بين الأسرتين ، ومعارضة الحجاج لتلك العلاقة والعداء الكامن بين الحجاج وخالد . يلفت النظر شيئان فى الحوار بين خالد والحجاج. فالحجاج يتصرف كأنه ولى أمر خالد يحتج لماذا لم يشاوره فى خطبته لرملة بنت الزبير، و أن آل الزبير ليسوا أكفاء لبنى أمية ، وهم أعداء لهم . ويرد خالد باحتقار ضمنى للحجاج مستغربا أن يضع نفسه فوق خالد ، وأن الهاشميين قد أصهروا لبنى العوام ومنهم النبى محمد عليه السلام ، ثم أنهم جميعا قرشيون ـ أعلى العرب مكانة ، والقرشيون يتقاتلون سياسيا ولكن يتعاطفون اجتماعيا. والعرب أتباع لهم.  وفى موقف آخر رد الحجاج على سخرية خالد به قائلا : (ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلهم يشهد أن أباك وأنت وجدك من أهل النار ثم لم آخذ لذلك عندك شكرًا) الحجاج هنا لم يهاجم كل الأمويين ، اقتصر هجومه على الفرع السفيانى فقط. وهذه من أصول الدهاء.

 

الفصل الثانى :

عائشة بنت طلحة  : فاتنة عصر الفتنة 

أولا : مقدمة سريعة عنها :

1 ـ  فى عصر الفتنة : كان تعدد الزوجات شائعا ، وقد إستهلك الصراع الحربى أعمار الرجال ، فكانت المرأة تتزوج أكثر من مرة ، كلما مات قتيلا عنها زوج تزوجت بعده ، خصوصا إذا كانت من قريش وظالمة الجمال ، مثل عائشة بنت طلحة .

2 ـ هى فاتنة عصر الفتنة ، فهى مولودة فى بيت أسّس الفتنة الكبرى الأولى والثانية ، فأبوها الصحابى المشهور ( طلحة بن عبيد الله ) أحد الستة المرشحين للخلافة بعد عمر ، وأحد أعمدة الفتنة الكبرى ، وأحد قواد معركة الجمل ضد (على بن أبى طالب ) . وأمها  أم كلثوم ابنة أبى بكر ، وخالتها عائشة . وشيطان الفتنة الكبرى الأولى والثانية ( عبد الله بن الزبير ) هو ابن خالتها .

3 ـ عنها ( فتنة عصرها ) قالوا عن جمالها :  (وكانت أجمل اهل زمانها وأحسنهن وارأسهن ) ـ ( وكانت بارعة الحسن .) . ( ووصفتها المغنية ( عزة الميلاء ) لمصعب بن الزبير  لما خطبها فقالت : اما عائشة فلا والله ما غن رأيت مثلها مقبلة مدبرة محطوطة المتنين ، عظيمة العجيزة ، ممتلئة الترائب  ، نقية الثغر وصفحة الوجه ، غراء فرعاء الشعر ، لفاء الفخذين ممتلئة الصدر ، حميسة البطن ، ذات عكن ضخمة السرة ، مسرولة الساق ، يرتج ما بين اعلاها إلى قدميها ، وفيها عيبان : اما احدهما فيواريه الخمار ، واما الآخر فيواريه الخف : عظم الأذن والقدم ،) . هذا هو مقياس الجمال يومئذ ، ان تكون المرأة مثل كتلة ضخمة  من ال ( جيلى ) تسير على قدمين .!!.

4 ـ تكاثرت حولها الروايات بسبب شهرتها فى الحُسن والجمال ، وبعضها كاذب مثل قولهم : ( وكانت لا تستر وجهها من احد ، فعاتبها مُصعب في ذلك فقالت : إن الله عز وجل وسمني بميسم جمال أحببت ان يراه الناس ويعرفوا فضلي عليهم ، وما كنت لأستره ، ووالله ما في وصمة يقدر ان يذكرني بها احد ،). وهذه رواية نرفضها لأن وجه المرأة وقتها كان سافرا ، ولم يكن النقاب معروفا حينئذ . وكان الخمار يغطى الصدر فقط .

3 ـ ، وكانت شرسة الأخلاق وكذلك نساء بني تيم . وظهر هذا فى معاملتها لزوجها الأول وزوجها الثانى .

ثانيا : أزواجها :

1 ــ   تزوجها  (عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ) ومات عنها ، فتزوجها ( مصعب بن الزبير بنالعوام ، وهو أمير العراق لأخيه عبد الله بن الزبير ، فقُتل عنها ، فتزوجها ( عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي  ) ولم تتزوج بعده .

2 ــ الزوج الأول : ابن خالها  (عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ) تزوجها بكرا ، تقول الرواية ( وهو أبو عُذرها ) . وقد عانى منها الويلات . خاصمته مرة وتركت له البيت غاضبة الى بيت خالتها السيدة عائشة ، تقول الرواية :  ( .. وخرجت من دارها غضبى ، فمرت في المسجد ، وعليها ملحفة ، تريد عائشة ام المؤمنين ، فرآها ابو هريرة فسبّح ، وقال : سبحان الله كانها من الحور العين . فمكثت عند  ( خالتها ) عائشة أربعة أشهر. ).  وكان زوجها  عبد الله  يحبها ويتحمل شراسة أخلاقها ، قال عنها : ( والله لربما حملت ووضعت وهي مصارمة لي ( أى مخاصمة ) لا تكلمني . ) . ووصل به الغضب مرة الى أن هجرها وآلى منها ، فنصحته عمته السيدة عائشة أن يراجعها حتى لا يقع فى ( الايلاء ) فأعادها . وقيل له : (   طلقها  ، فقال شعرا :

يقولون طلقها لأُصبح ثاويا ....... مقيما علي الهمّ أحلامُ نائم

وإن فراقي اهل بيت أُحبهم ........لهم زلفة عندي لإحدى العظائم ).

وعندما توفى زوجها الأول ( عبدالله ) لم يظهر عليها حُزن فى جنازته ، تقول الرواية : (  فما فتحت فاها عليه ، وكانت عائشة ام المؤنين تُعدد عليها هذا من ذنوبها .)

3 ـ زوجها الثانى : ( مصعب بن الزبير ) ، دفع لها مهرا مائة ألف دينار ، وفى رواية (ثم تزوجها بعده مصعب بنالزبير وأمهرها خمسمائة ألف درهم. وأهدى لها مثل ذلك.   )

وكان لمصعب زوجتان أيضا (سكينة  بنت الحسين وبنت عبد الله بن عامر .. ).

مصعب بن الزبير ــ الذى كان جريئا فى سفك الدماء الى درجة أنه قتل خمسمتئة أسير مرة واحدة من أتباع المختار الثقفى ـ كان يعانى من شراسة خُلق زوجته عائشة بنت طلحة . بلغ من شرائة خلقها أنها كانت تتصرف كالزوج الرجل ، ( تهجره فى المضاجع ) أو تُقسم عليه بالظهار تحرمه على نفسها ، فقالت له : " أنت علي كظهر أُمي،"  واعتزلته  فى غرفة ، ورفضت أن تكلمه ، تقول الرواية : (  فجهد مصعب أن تكلمه فأبت ، فبعث إليها  ابن قيس الرقيات ( الشاعر ) فسألها كلامه، ( أى أن تكلمه )  فقالت : كيف بيميني ؟ فقال : هاهنا الشعبي فقيه اهل العراق فاستفتيه ،  فدخل عليها  ( الشعبى  ) ، فأخبرته فقال : ليس هذا بشيء ، فقالت : اتحلني وتخرج خائبا ، فأمرت له باربعة آلاف درهم . ) .

وهجرته مرة، ورفضت أن ينال منها فى الفراش ، فكان يغتصبها ، وفإستعان عليها بكاتبه فإحتال عليها بالتخويف حتى لانت لمصعب . تقول الرواية :( وكان مصعب لا يقدر عليها إلا بتلاح ( أى بالعراك ) وينالها منه ويضربها ، فشكى ذلك إلى ابن أبي فروة كاتبه ، فقال له : " أنا اكفيك هذا إن اذنت لي " ، قال :  " نعم ، افعل ما شئت ، فإنها افضل شيء نلته في الدنيا .! " ، فأتاهل ليلا ومعه  أسودان ( أى إثنان من العبيد السود ) ، فاستاذن عليها ، فقالت له : " أفي مثل هذه الساعة ؟ " قال : " نعم  " ، فأدخلته ، فقال للأسودان : "  احفرا ها هنا بئرا " ، فقالت له جاريتها : " وما تصنع بالبئر ؟ " قال : " شؤم مولاتك ، امرني هذا الفاجر ( أى مصعب ) ان ادفنها حية ، وهو أسفك خلق الله لدم حرام ." ، فقالت عائشة : " فانظرني اذهب إليه."  ، قال : " لا سبيل إلى ذلك. " ، وقال للأسودين : " احفرا " . فلما رات الجّد منه بكت وقالت :"  يا ابن ابي فروة . إنّك لقاتلي ما منه بد ؟ " قال :"  نعم  ، وإني لأعلم أن الله سيجزيه بعدك ، ولكنه  قد غضب وهو كافر الغضب.! " ، قالت : " وفي أي شيء غضبه ؟ " قال : "  في امتناعك عليه ، وقد ظن انك تبغضينه وتتطلعين إلى غيره ، وقد جُنّ ! . " فقالت : " أُنشدك الله إلا عاودته .!" ، قال : " أخاف ان يقتلني ،.! "  فبكت،  وبكى جواريها . فقال : " قد رققت لك "، وحلف أنه يغرر بنفسه ، ثم قال لها : " ماذا أقول ؟"  قالت : " تضمن عني الا اعود أبدا.! " قال : " فمالي عندك ؟ " قالت : " قيام بحقك ما عشت " ، قال :" فأعطني المواثيق " ، فأعطته ، فقال للأسودين : " مكانكما ."، واتى مصعبا فأخبره فقال له : " استوثق منها بالأيمان. " ، ففعلت ، وصلحت بعد ذلك.).

وكانت لا تأبه بهداياه لها مهما بلغت قيمتها ، تقول الرواية  : ( ودخل مصعب يوما عليها وهي نائمة مثضمقة  ومعه ثماني لؤلؤات قيمتها عشرون ألف دينار ، فأنبهها ونثر الؤلؤ في حجرها ، وقالت له : نومتي كانت احب إلي من هذا الؤلؤ.!! )  . هذا اللؤلؤ من عرق أهل البلاد المفتوحة .

4 ـ زوجها الأخير : ابن عمها : عمر بن عبيد الله التيمي . تزوجها بعد قتل مصعب ، وقدم لها صداقا قدره ألف الف درهم ، تقول الرواية :  ( وفي ذلك يقول الشاعر:بُضع الفتاة بألف ألف كامل * وتبيت سادات الجيوش جياعا ). ( بُضع فتاة ) أى ( عضوها الجنسى ).

وهناك روايتان عن زواجها من ابن عمها عمر بن عبيد الله التيمى ، تقول الأولى إن بشر بن مروان بن الحكم  ــ بعد أن قتل بنوأمية زوجها مصعبا ـ أراد أن يتزوج عائشة ، فارسل اليها ابن عمها عمر بن عبيد الله يخطبها له . فقالت لعمر : (‏:‏"  أما وجد بشر رسولًا إلى ابنة عمك غيرك ؟  فأين بك عن نفسك ؟ " ( يعنى تخطبه لنفسها ) قال‏:‏ "  أوتفعلين ؟ "  قالت‏: " ‏ نعمفتزوجها .).

والرواية الأخرى تقول إن عمر بن عبيد الله جاء من الشام الى الكوفة ، فبلغه أن بشر بن مروان بعث يخطب عائشة بنت عمه ، فأرسل الى عائشة جارية تقول لها : ( ابن عمك يقرئك السلام،  ويقول لك : أنا خير لك من هذا الميسور والمطحول وإن تزوجت بي ملأت بيتك خيرًا‏.‏ فتزوجته فبنىبها بالحيرة‏.‏ ) . فى الروايتين نرى كراهية بنى أمية الذين قتلوا مصعبا وأخاه عبد الله .  وتقول الرواية إن العريس الثالث  حمل اليها الف الف درهم مهرا. ( ألف ألف درهم ، خمسمائة ألف مهرًا ، وخمسمائة ألف هدية . وقاللمولاتها‏:‏ لك علي ألف دينار إندخلت بها الليلة فحمل المال فألقي في الدار وغُطّي بالثياب .  وخرجتعائشة فقالت لمولاتها‏:‏" ما هذا أفرش أم ثياب  ؟ قالت‏:‏ " انظري " ،  فنظرت فإذا به مال ، فتبسمت ، فقالتلها‏ ( مولاتها ) :‏ " أجزاء من حمل هذا أن يبيت عندنا . ؟ " قالت‏ ( عائشة ) :‏ " لا والله ، ولكن لا يجوز دخوله إلا بعدأن أتزين له وأستعد ."  .  قالت‏ ( الجارية ) :‏ " وبماذا ؟ فوالله لوجهك أحسن من كل زينة ، وما تمدين يديكإلى طيب وثوب أو فرش إلاوهو عندك ، وقد عزمت عليك أن تأذني له . "  قالت‏:‏ " افعلي " .  فذهبتإليه فقالت‏:‏ " بت ببيتناالليلة . " فجاءهم عند العشاء الآخرة. ) .

وهناك رواية أخرى ( فاحشة ) نعتذر عن ذكرها ، ونضطر لذلك لنعايش ثقافة عصر ( السلف الصالح ) الدموية الفاحشة . تقول الرواية : ( وتزوجها عمر بن عبيد الله ، وحمل غيها الف الف درهم ، وقال لرسولها : " انا أملأ بيتها خيرا  وحرها أيرا " ( الحر : عضو المرأة الجنسى ) ( الاير : عضو الذكر الجنسى ) ، وتمضى الرواية فتقول : ( ودخل بها من ليلته ، واكل الطعام الذي عُمل له على الخوان كله ، وصلى صلاة طويلة ، وخلا بها ، ودخل المتوضى سبع عشرة مرة ، فلما اصبح  قالت له جاريتها :"  والله ما رأيت مثلك ، أكلت أكل سبعة ، وصليت صلاة سبعة  ، ونكت نيك سبعة .! " ،  فضحك وضرب بيده على منكب عائشة ، وقال :" كيف رأيت ابن عمك ؟ " ، فضحكت وغطت وجهها . . ).

هدأت شراسة عائشة مع زوجها الثالث ، كانت فقط تُغيظه بوصف وسامة مصعب ، تقول الرواية : ( ومكثت معه ثماني سنين ، وكانت تصف لهمصعبًا  ، فيكاديموت من الغيظ . ) ومات زوجها الثالث سنة (82 هـ) ، فرفضت الزواج بعده . تقول الرواية : ( فلما مات ندبته قائمة ،  وقالت‏:‏ " كان أكرمهم علي وأمسهمرحمًا بي فلا أتزوجبعده . ") ( وكانت المرأة إذا ندبت زوجها قائمة عُلم أنها لا تتزوج بعده . ).

ثالثا : عائشة ( الأرملة الطروب )

1 ـ عاشت حياتها كما يحلو لها وهى أرملة ثرية ، ( كانت تقيم بمكة سنة، وبالمدينة سنة ،  وتخرج إلى مال لها بالطائف تدير أمورها بنفسها  .  وتخرج إلى مال لها بالطائف وقصر لها ، فتتنزه‏. وقدمت على هشام بن عبدالملك ، فقال‏:‏ "  ماأقدمك ؟"  فقالت‏:‏ " حبست السماء قطرها ومنع السلطان الحق . "  فأمر لها بمائةألف درهم . ).

2 ـ واصبحت عائشة بنت طلحة جُزءا من الحياة المنفتحة  فى مكة والمدينة ، حيث المجون والغناء ومشاهير المغنيين والمغنيات ، وقصائد العشق والغرام والتشبيب بالنساء . إذ أن الأمويين بعد الفتنة الكبرى الثانية أغرقوا أهل مكة والمدينة بالأموال والحوارى ليشغلوا أهلها عن الثورة بعد إخماد حركة ابن الزبير  .

3 ـ فى هذه الفترة كان لعائشة بنت طلحة ندوة أدبية يحضرها الشعراء والمغنون وسادة القوم ، وكانت تتنافس مع ضرتها السابقة ( سكينة بنت الحسين ) التى شاركتها مصعب بن الزبير . يقول ابن اسحاق عن ابيه : ( دخلت على عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ، وكانت تجلس ، وتأذن كما يأذن الرجل.) وبعضهم كان يأتى ليملأ عينيه من جمالها فقط ، تقول الرواية : ( وقال أنس بن مالك لعائشة بنت طلحة: " إن القوم يريدون أن يدخلوا اليك فينظروا إلى حسنك !"  قالت:  " أفلا قلت لي فألبس حسن ثيابي." )

4 ـ وفى هذا المناخ إشتهر عمر بن أبى ربيعة بالتشبيب أو التغزل بالنساء ، وتسابقت النساء الشهيرات ليحظين بشعره متغزلا فيهن . تقول الرواية : ( لقي عمر بن أبي ربيعة عائشة بنت طلحة بمكة،  وهي تسير على بغلة لها ، فقال لها :"  قفي حتى أسمعك ما قلت فيك " ، قالت : " أوقد قلت يا فاسق ؟ " قال: " نعم ،"  فوقفت فأنشدها:

ياربة البغلة الشهباء هل لك في * بأن تنشري ميتا لا ترهقي حرجا

قالت بدائك مت أو عش تعالجه *      فما نرى لك فيما عندنا فرجا

ومن مشاهير تغزل عمر بن أبى ربيعة فى عائشة بنت طلحة قصيدته التي أولها :

مـن لقـلب أمسـى رهـينا مُعنّى * مسـتكيـنا قـد شفـه مـا أجـنّا

إثر شخص نفسي فدت ذاك شخصا * نـازح الدار بـالمديـنة عـنا

3 ــ وكان لعائشة معجبون من مشاهير المغنيين ، ومنهم ابن محرز ، تقول الرواية : ( كان ابن محرز أحسن الناس غناء ، فمر بهند بنت كنانة بن عبدالرحمن .. فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها ، ففعل وقال: " أغنيكن صوتا أمرني الحارث بن خالد بن العاص بن هشام أن أغنيه عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، في شعر له قاله فيها ، وهو يومئذ أمير مكة قلن: نعم ، فغناهن:

فوددت إذ شحطوا وشطت دارهم * وعـدتهم عـنا عـواد تشـغل

 أنـا نطاع وأن تـنقل أرضـنا *         أو أن أرضهم إليـنا تـنقل

ومنهم المغنى ( العريض ) . تقول الرواية : ( حجت عائشة بنت طلحة بن عبيدالله ، فجاءتها الثريا ( الثريا عشيقة عمر بن أبى ربيعة ) وإخوتها ، ونساء مكة.  وكان المغني الغريض فيمن جاء ، فدخل النسوة عليها ، فأمرت لهن بكسوة وألطاف كانت قد أعدتها لمن يجيؤها، فجعلت تخرج كل واحدة ومعها جاريتها ومعها ما أمرت لها به عائشة .  والغريض بالباب حتى خرج مولياته مع جواريهن الخلع والألطاف ، فقال الغريض: فأين نصيبي من عائشة ؟ فقلن له: أغفلناك وذهبت عن قلوبنا ، فقال: ما أنا ببارح من بابها أو آخذ بحظي منها ، فإنها كريمة بنت كرام ، واندفع يغني بشعر جميل:

تذكرت ليلى فالفؤاد عميد * وشطت نواها فالمزار بعيد

فقالت: ويلكم هذا مولى العبلات بالباب يذكر بنفسه هاتوه ، فدخل ، فلما رأته ضحكت وقالت: لم أعلم بمكانك ، ثم دعت له بأشياء أمرت له بها ، ثم قالت له: إن أنت غنيتني صوتا في نفسي فلك كذا وكذا .. فغناها في شعر كثير:

ومازلت من ليلى لدن طر شاربي * إلى اليوم أخفي حبـها وأداجن )

4 ـ وكان والى مكة الحارث بن خالد بن العاص بن هشام من المتيمين بعائشة بنت طلحة . وكان ينظم فيها الشعر . تقول الرواية : ( قال الحارث بن خالد المخزومي متغزلا بعائشة بنت طلحة لما تزوجها مصعب بن الزبير ورحل بها إلى العراق :

ظـعن الأمـير بأحسـن الخـلق * وغـدا بـلبك مـطـلع الشـرق

 في البيت ذي الحسب الرفيع ومن * أهـل التـقى والبـر والصـدق

فـظـللت كـالمقهـور مـهجته * هـذا الجـنون وليــس بالغسق

أتـرجـة عـبق العـبير بـها * عـبق الدهـان بـجـانب الحـق

مـا صـبحت أحـدا بـرؤيتها * إلا غـدا بكـواكـب الـطـلق )

5 ــ قال أبوالفرج الأصفهانى : ( والحارث بن خالد أحد شعراء قريش المعدودين الغزليين ، وكان يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة لا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا الهجاء ، وكان يهوى عائشة بنت طلحة بنت عبيدالله ويشبب بها.وحج الحارث بن خالد المخزومي بالناس ، وحجت عائشة بنت طلحة عامئذٍ ، وكان يهواها ، فأرسلت إليه :" أخّر الصلاة حتى أفرغ من طوافي  "، فأمر المؤذنين فأخّروا الصلاة حتى فرغت من طوافها ، ثم أقيمت الصلاة فصلى بالناس ، وأنكر أهل الموسم ذلك من فعله وأعظموه.ولما أن قدمت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد ـ وهو أمير على مكة ـ : " أني أريد السلام عليك ، فإذا خف عليك أذنت ،"  وكان الرسول الغريض ، فقالت له: " أنا حرم ( أى فى الحرم فى الحج ) فإذا أحللنا إذناك ."  فلما أحلت سرت ( سارت ليلا ) على بغلاتها ، ولحقها الغريض بعسفان،  ومعه كتاب الحارث إليها:

" ما ضركم لو قلتم سددا ...". فلما قرأت الكتاب قالت: " ما يدع الحارث باطله " ، ثم قالت للغريض: "هل أحدثت شيئا ؟ " ( أى هل قال شعرا جديدا فيها ) قال: " نعم فاستمعي " ، ثم اندفع يغني في هذا الشعر ، فقالت عائشة: " والله ماقلنا إلاسددا ، ولاأردنا إلا أن نشتري لسانه " ، وأتى على الشعر كله ، فاستحسنته عائشة،  وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب ، وقالت: " زدني " ، فغناها في قول الحارث بن خالد أيضا.

6 ـ يضيق الصدر عن تحليل الروايات السابقة ، ونكتفى بالقول إنها كانت حياة ماجنة فى مكة والمدينة ، لا تختلف فى فسوقها عن سفك الدماء . أى إن السلف الصالح تقلب بين سفك الدماء والانغماس فى الفحشاء . وكانت عائشة بنت طلحة عنصرا فى هذا وذاك ، زوجها السفاح مصعب بن الزبير ، ثم هى بعده من أشهر النساء اللاتى تعلق بهن شعراء الفسق . وفى حالتى الفسق وسفك الدماء فقد حاز القرشيون الأموال بالملايين ، ليس من صحرائهم ولكن من عرق ومن دماء أهل البلاد المفتوحة ، من أواسط آسيا شرقا الى شمال أفريقيا غربا . .!! 

الشاعر العرجى  : نتاج عصر الفتنة / فتنة الدماء والفحشاء

 

أولا : من هو العرجى ؟

هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان .وأم العرجى هى ابنة عم أبيه ( آمنة بنت عمر بن عثمان ) ،أى إن العرجى حفيد لعثمان من ناحية أبيه وأمه معا ، ولكنه اكتسب لقب العرجى وغلب عليه لأنه كان يملك بستانا فى منطقة ( عرج الطائف ) . كان العرجى وسيما أشقر .وربما ورث هذه الوسامة من جده عثمان .وورث منه أيضا صفة الكرم. كما كان فارسا شارك فى غزو الروم مع مسلمة بن عبد الملك . وما عدا كرمه وفروسيته فإن المشهور عنه فى عصره كان تشبيبه بالنساء مع مجونه وتعصبه القبلى لأهله بنى أميه وتعصبه الجنسى ضد غير العرب. وهنا يأتى تأثره بالعصر الأموى والسياسة الأموية .

ثانيا : العرجى : ملامح الشخص وملامح العصر:

1 ـ من الصعب الفصل بين العرجى كشاعر تخصص فى التشبيب بالنساء او التغزل فيهن وبين مجونه وتعصبه . فمع كثرة نسائه وجواريه فقد أدمن التعرض للنساء والتغزل فيهن متشبها بشاعر الغزل الأشهر عمر بن ربيعة . إلّا إن العرجى لم يكن مثل ابن ربيعة فى رقته وإحترامه للنساء إذا رفضن غزله بهن ومطاردته لهن ، على العكس من ذلك كان العرجى يلحّ فى مطاردتهن ولا يأبه باعتراضهن ، ثم كان يجعل من تشبيبه بالمرأة طريقا للهجاء وفضيحة من يبغضهم. كان متعصبا ضد والى مكة ( محمد بن هشام ) فتكلف أن يتغزّل فى أمه وزوجته ليفضحهما ، ودفع العرجى الثمن . كان ابن ربيعة اكثر تخصصا فى الغزل وتخصصا فى مطاردة النساء والولع بهن ومحادثتهن ، وكان النجم المحبب لنساء عصره من مختلف المستويات ، ومع هذا فقد  كان يؤكد عفّته . على العكس من ذلك نجد العرجى فخورا بانحلاله الخلقى مباهيا به . ونعطى بعض التفصيلات .

1/ 1 : عن انحلاله الخلقى يحكى العرجى أنه واعد إمرأة ، فجاءته المرأة تركب حمارة ، وكان معها خادمة لها . وجاء العرجى ومعه خادم له وهو يركب حمارا . فزنى العرجى بالمرأة ، وزنا خادمه بالخادمة ونزا حماره على حمارة المرأة ، فقال العرجى : هذا يوم غاب عذّاله !! لا ننسى أن العرجى كان متزوجا بعدة نساء وله عدة جوارى ملك اليمين على عادة الملأ من قريش وقتها. ومع هذا كان يهوى الزنا . ومن طريف ما يحكى عنه أن رجلا قال له : جئتك أخطب اليك مودتك ، فقال له العرجى : بل خذها زنا فأنها أحلى وألذّ .!!

1/ 2 : وكان ابن ربيعة ينبهر بالمرأة الجميلة فيطاردها بشعره ويحاول لقاءها ، فإن رأى منها إعراضا عفّ وكفّ ، ولكن كان العرجى معهن ثقيلا بغيضا معتديا لحوحا ميالا للإنتقام . فقد إعترضت إحداهن على العرجى وتشبيبه بالنساء ، واسمها ( كلابة)، وكانت تقول : لشدّ ما إجترأ العرجى على نساء قريش حين يذكرهنّ فى شعره.وعرف العرجى بقولها فجاء اليها فطردته فقال فيها شعرا يؤكّد فيه بأن لها علاقة محرمة به،وحتى يعمم فضيحتها فق أعطى هذا الشعر للمغنيين فتغنوا به ، ووصل الشعر الى زوجها فاتهمها بالعرجى ، وما زال بها حتى حلّفها فى الكعبة أنها لا علاقة لها بالعرجى .

1 / 3 : والعرجى كان يطارد المحصنات المحترمات من النساء مثل أم الأوقص وقد زعم أنه يهواها ، وكان يتحايل فى الوصول اليها ، وتحاول السيدة الفاضلة أن تنجو منه . وكانت هذه السيدة الفاضلة قد وهبت حياتها لرعاية ابنها محمد بن عبد الرحمن المخزومى ورفضت الزواج لتتفرّغ لرعايته، وكانت قد ولدته قزما دميما قصير الرقبة، فأطلقواعليه لقب الأوقص ، وعرضنا للأوقص فى مقال سابق . وبرعايتها صار الأوقص فى النهاية أشهر قاض فى مكة فى العصر العباسى الأول. وفى وقت رعايتها لابنها المعاق هذا كان العرجى يطاردها ويشبب بها زاعما أنه يهواها ، وهى تناضل حتى تفرّ منه .!

1 / 4 : وممّن فضحهن بشعره الغزلى السيدة ( جيداء ) وهى أم محمد بن هشام المخزومى والى مكة . وكانت من القواعد من النساء ، وربما تضارع ام العرجى فى العمر. ولم يكن العرجى مفتونا بها ولكنه كان يريد فضحها ليغيظ ابنها والى مكة ، بل إن العرجى شبب وتغزّل أيضا بزوجة هذا الوالى . ولأن العرجى حفيد لعثمان بن عفان ولأنه ينتمى للأسرة الأموية الحاكمة ورفيق مسلمة بن عبد الملك فى غزواته فلم يستطع والى مكة الانتقام منه. وظل الوالى محمد بن هشام يتحيّن فرصة الانتقام منه إلى أن أتاحها له العرجى بكل ما لدى العرجى من حمق وعتو وتكبّر .

1/ 5 : فى هذا العصر عاش الموالى مواطنين من الدرجة السفلى يعانون من تعصب الأمويين ضدهم . والموالى هم غير العرب ، من الفرس بالذات . وبعض الموالى كان يعيش فى الحجاز ؛ ومنهم من كان من ذرية السبى أو ذرية الرقيق المستجلب ، وكان بعضهم يكتسب الولاء أوالتبعية لقبيلة عربية أو أسرة عربية أو شخصية عربية ، فيقال له مولى فلان أو مولى بنى فلان من العرب . وفى العصر الأموى كان لأشراف قريش فى مكة والمدينة موالى كثيرون . وكان للعرجى بعض الموالى بالاضافة الى خدمه من الرقيق . وجرت ملاحاة ومناقشة بين العرجى وأحد مواليه ، وانطلق العرجى يسب المولى ويلعنه بأمّه . وفى النهاية ردّ عليه المولى السّب ، فجّنّ العرجى وكان أشعب ( الطامع ) حاضرا ، فقال له العرجى وهو لا يصدّق أن مولاه يرد عليه السّب : إشهد على ما سمعت . فقال اشعب : علام أشهد ؟ قد شتمته ألفا وشتمك واحدة ، والله لو أن أمّك أمّ الكتاب وأمّه حمالة الحطب ما زاد على هذا .! وسكت العرجى على مضض. وفى الليل جمع غلمانه وعبيده وهاجم ذلك المولى فى بيته وأخذه وقيّده ، واحضر زوجة المولى وأمر عبيده أن يغتصبوها أمامه ، ثم قتله وأحرقه بالنار .!. وتوجهت إمرأة المولى القتيل الى والى مكة محمد بن هشام تشكو له ما فعله العرجى . ورآها الوالى فرصة للانتقام من العرجى فقبض عليه، وأوقفه للناس يعذّبه ويصب الزيت المغلى على رأسه ، ويطاف به على تلك الحال يتفرّج عليه الناس والصبيان . وتلك كانت عقوبة مشهورة فى العصر الأموى . ثم أعاده الى الحبس وأقسم ألّا يخرج من الحبس طالما ظل واليا على مكة .

1/ 6 ـ وفى حبسه ظل العرجى يستنجد شعرا بالخليفة هشام بن عبد الملك ، ولكن بلا فائدة . ومن شعره وهو فى محنته :

سينصرنى الخليفة بعد ربى ويغضب حين يخبر عن مساقى

على عباءة بلقاء ليست مع البلوى تغيّب نصف ساقى

وحين يأس قال هذا الشعر الذى اشتهربعده :

أضاعونى وأى فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر

وصبر عند معترك المنايا وقد شرعت أسنّتها بنحرى

أجرّر فى الجوامع كل يوم فيا لله مظلمتى وصبرى

كأنى لم أكن فيهم وسيطا ولم تك نسبتى فى آل عمرو

وصار مثلا فى العصر العباسى أن يقال :

أضاعونى وأى فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر

ولم يستجب الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك لصرخات العرجى فقد كانت هناك صلة صهر تجمع محمد بن هشام بعبد الملك والد الخلفاء المروانيين ، فظل العرجى فى السجن تسع سنوات الى أن مات سجينا .

2 ـ : وتولى الخلافة الوليد بن يزيد ، وكان مضطغنا على والى مكة محمد بن هشام المخزومى فعزله ، واستحضره معتقلا الى دمشق مع أخيه ابراهيم بن هشام . وأمر بضربه بالسياط بين يديه ، فاستعطفه محمد بن هشام قائلا : أسألك بالقرابة ؟ فقال له : وأى قرابة بينى وبينك ؟ وهل أنت إلّا من أشجع .! قال : فأسألك بصهر عبد الملك ، فقال له الوليد : لم تحفظه . فقال له : يا أمير المؤمنين قد نهى رسول الله أن يضرب قرشى بالسياط إلّا فى حدّ . فقال له الخليفة : ففى حدّ وقود أضربك،أنت أوّل من سنّ ذلك على العرجى وهو ابن عمّى وابن أمير المؤمنين عثمان، فما رعيت حق جدّه ولا نسبه بهشام ، وأنا ولى ثأره .! . وبعد ضربهما بعثهما الخليفة مثقلين بالقيود الحديدية الى والى العراق يوسف بن عمر ، فصادر أموالهما وظل يعذبهما الى ان لم يبق فى جسديهما موضع للعذاب ،ولم يعد بإمكانهما الحركة ، فكانوا إذا أرادوا أن يقيماهما يجذبانهما من لحاهما ، وأراد محمد بن هشام أن يرى وجه أخيه فتحامل على نفسه يحاول الوقوف فوقع ميتا على وجه أخيه فمات أخوه معه .. !

ثالثا : تأثير السياسة الأموية فى تكوين شخصية العرجى

1 ـ بعد ماساة كربلاء وبعد القضاء بصعوبة على حركة ابن الزبير إستنّ الأمويون سياسة محددة مع أبناء وأحفاد المهاجرين والأنصار المقيمين فى مكة والمدينة لتشغلهم عن السياسة ، هى إغراقهم فى المتع الحسّية ، فتكاثرت عليهم الأموال وجلبوا لهم الجوارى والقيان ، واصبحت المدينة بالذات مركزا لتعليم وتفريخ المغنيين والمغنيات من الرقيق و ذرية الرقيق ممن كان يطلق عليهن ( مولدات المدينة ) . تحولت المدينة ومكة الى ماخور لهو ومجون وغناء وخمر ، واشتهر فيهما أرباب الغناء من الذكور والاناث حتى أصبحت دمشق تستوردهم من مكة والمدينة . وانهمك أحفاد الصحابة فى حياة اللهو والمجون ، ليس فقط تمتعا بالعديد من الزوجات والجوارى ، بل بالزنا الذى شاع وانتشر . وفى المقابل كان هناك من تطرف فى العبادة الى درجة تحريم الحلال من الذهب والحرير وصاغ لتزمته الأحاديث إفتراءا على الله ورسوله . وتعايش الاتجاهان المتناقضان فى المدينة بالذات . ومن الطريف أن تجد محمد بن القاسم حفيد أبى بكر الصديق ناسكا راويا للأحاديث الكاذبة بينما تجد ابن أبى عتيق وهو حفيد آخر لأبى بكر ماجنا وصاحبا لعمر بن ربيعة. وهانحن مع العرجى حفيد عثمان . وفى النهاية أنتج جناح التزمت مالك بن أنس الذى ابتدع ( حد الرجم ) و(حد شرب الخمر) ليواجه إنحلال عصره ، بينما تكاثر الماجنون والزناة والمغنّون ومدمنو الخمر . هذا هو عصر (السلف الصالح ) من ( التابعين وتابعى التابعين) آلهة السلفيين فى عصرنا البائس الحزين .!!.

2 ـ ولم يكن المجون بالغناء والخمر هو السبيل الوحيد الذى نشره الأمويون لشغل الناس عن الثورة عليهم ، إذا شغلوا الناس بالشعر خصوصا شعر المدح للخليفة ، وشعر التهاجى بين الشعراء كما كان يحدث فى المربد من التهاجى بين الفرزدق وجرير والأخطل ، فظل هذا يشغل الناس حتى بعد زوال الدولة الأموية ، ثم شعر المجون والغزل والتشبيب بالنساء ، فاشتهر العصر الأموى بقصص العشّاق الشعراء المجانين بالعشق مثل مجنون ليلى وكثير عزّة وجميل بثينة وقيس ولبنى ..

3 ـ وأشعل شعر التهاجى نار العصبية القبلية التى شجعها الخلفاء الأمويون ، واستخدموها لصالحهم حين كان الخلفاء الأمويون أقوياء فلما ضعف الخلفاء الأمويون أصبحوا ضحايا لهذه العصبية وأسهمت فى القضاء عليهم ، وسننشر بحثا فى هذا . والواقع أن الأمويين تعاملوا بالعصبية على كل المستويات . تعصبوا جنسيا وعرقيا للعرب ضد غيرهم ، وداخل العرب استخدموا العصبية القبلية كما قلنا ، وتعصبوا لقريش ضد غيرها من قبائل مضر ، وداخل قريش تعصبوا إجتماعيا لذرية عبد مناف التى تجمعهم ببنى هاشم مع عدائهم لبنى هاشم بنى عمومتهم. ثم تعصبوا للأمويين ضد أبناء عمومتهم الهاشميين . وداخل الأسرة الحاكمة الأموية كان كل خليفة يتعصب لابنه ضد أخيه ولى العهد . وفى هذا الجو من التعصب نشأ وعاش وتأثر العرجى . فقد كان معاديا لمحمد بن هشام لأنه تولى مكة ، وهو ليس من الأمويين بل من بنى مخزوم القرشيين، وكل ميزته صلة مصاهرة تجمعه بعبد الملك بن مروان والد الخليفة هشام بن عبد الملك . وتفرّغ العرجى لهجاء محمد بن هشام والتشبيب بأمه وزوجته بلا سبب سوى تعصب العرجى لأسرته الأموية ورؤيته أنه الأحق من محمد بن هشام أو غيره من الأمويين فى ولاية مكة . بالاضافة الى تعصبه المحلّى هذا فقد كان العرجى متعصبا ضد غير العرب ، وقام بتطبيق هذا فيما فعله بمولاه المسكين .

4 ـ استعمل الأمويون كل الوسائل فى شغل الناس عن مشاكستهم سياسيا . ولم يتورعواعن استخدام الدين ، وسبق أن عرضنا لهذا فى مقال عن ( الجبرية ) فى السياسة الأموية ، أى كانوا يعتبرون ما يفعله الخليفة هو قدر الاهى لا يجوز الاعتراض عليه . وفى مبحث عن حرية الرأى والفكر أوضحنا سياسة الأمويين فى استخدام أبى هريرة فى صناعة الأحاديث واستخدامها سياسيا. ثم جعلوا لعن  (على ) من رسوم الخطبة فى صلاة الجمعة .

نرى تأثرا العرجى بهذه الثقافة الأموية ، فهو لم يستشعر ذنبا إقترفه حين قتل رجلا بريئا وحين جعل عبيده يغتصبون الزوجة المسكينة أمام زوجها الموثق ، ثم يحرقون زوجها أمامها. العرجى لا يرى فى ذلك إثما ، بل يرى نفسه مظلوما ، فظل ينتحب وهو فى محنته معتقدا ببراءته . كما نلمح هذا فى حوار محمد بن هشام مع الخليفة الوليد بن يزيد ، وقوله بأن الرسول منع ضرب القرشيين بالسياط .!!

أخيرا .. مثل معظم البشر، كان العرجى ابن عصره،إستمتع بعصره،وأصبح ضحية لعصره . وتبقى لعصرنا العبرة والعظة لو كان هناك من يعتبر ويتعظ ..!!

فسق بعض الخلفاء الأمويين 

ليتجنب الأمويون ثورات أهل مكة والمدينة أغرقوهم بالأموال والخمور والقيان ( الجوارى المغنيات ) ووصلت اصداء ذلك الى دمشق وقصور الخلافة فاشتهر بعض الخلفاء الأمويين بالمجون ، وأشهرهم يزيد بن عبدالملك ، ثم ابنه الوليد بن يزيد .

أولا : يزيد بن عبد الملك : (101 ـ 105)  

1 ـ تولى بعد عمر بن عبد العزيز ، وفى البداية تأثر به فقال : سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز ، ولم تتحمل بنو أمية ذلك ، فجاءوا له بأربعين شيخا شهدوا له بأنه ما على الخلفاء حساب ولا عذاب .

وتطلع الخليفة الشاب حوله فجاءته أخبار المجون فى المدينة . ووصلت اليه أخبار أشهر مغنيتين فى المدينة وهما سلّامة وحبابة، وعشق الناسك عبد الرحمن ( القس ) لسلامة .

2 ـ كانت ســلامــة قد نشأت جارية بالمدينة وتعلمت الغناء على أعلام الغناء فيها وأشهرهم معبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبي السمح. وحين استوى عودها واشتهرت بحسن الصوت نافستها جارية أخرى كانت دونها في حسن الصوت إلا أنها كانت أجمل منها وجهاً وهي "حبابة" ، إلا أن ســلامــة امتازت عن حبابة بميزة إضافية وهي قولها الشعر ، فكان ثمنها أعلى ومحـبـُّوها أكثر. ونالت سـلامـة إعجاب أحد المترفين في مكة فاشتراها وأحضرها إلى بلده مكة ، وهو سهيل بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبوه الصحابي المشهور . وتحولت دار سهيل إلى ملتقى للماجنين محبي الغناء والسمر والجمال ، تظل نوافذه مضاءة ورواده إلى الفجر في سرور وحبور وأصواتهم تصل إلى جنبات الشارع. وذات يوم مر عبد الرحمن القــس على دار سهيل فسمع صوت سلامة وهي تغني فأعجبه صوتها فتوقف ، وكان منظراً غريباً أن يتوقف القس العابد ليسمع الغناء ، ووصل الخبر إلى الفتى الماجن سهيل فنزل يدعو القس للدخول فأبى وانصرف في خجل ، إلا أنه في اليوم التالي عاد في الوقت نفسه ووقف يسمع الغناء ، وتلاحقت الهمسات حول القـس كلما مر يوم وهو على عادته يسمع الغناء ويرفض الدخول ، وفي النهاية غلبه الشوق فاستجاب لرجاء سهيل ودخل داره وشاهد سـلامـة وجلس معها وشغف بها حباً وهامت به غراماً ، ولم يستطع كتمان مشاعره ففاض لسانه شعراً سارت به الركبان ، فاشتهرت سلامة وأصبح لقبها سلامة القس. على أن عبد الرحمن القس في حبه لسلامة ظل محافظاً على ورعه وتقواه ، تقول الرواية : ( وإنما قيل لسلامة سلامة القس لأن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار أحد بني جشم بن معاوية بن بكير ـ  كان فقيهاً عابداً مجتهداً في العبادة، وكان يسمى القس لعبادته، مر يوماً بمنزل مولاها فسمع غناءها فوقف يسمعه، فرآه مولاها فقال له: هل لك أن تنظر وتسمع فأبى، فقال: أنا أقعدها بمكان لا تراها وتسمع غناءها؛ فدخل معه فغنته، فأعجبه غناؤها، ثم أخرجها مولاها إليه، فشغف بها وأحبها وأحبته هي أيضاً، وكان شاباً جميلاً. فقالت له يوماً على خلوة: أنا والله أحبك! قال: وأنا والله أحبك! قالت: وأحب أن أقبلك! قال: وأنا والله! قالت: وأحب أن أضع بطني على بطنك! قال: وأنا والله! قالت: فما منعك؟ قال: قول الله تعالى( الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين )، وأن أكره أن تؤول خلتنا إلى عداوة؛ ثم قام وانصرف عنها وعاد إلى عبادته،  فقيل لها سلامة القس لذلك.)
3 ـ   وانتشرت قصة سلامة وغرام العابد الناسك بها ، ووصلت إلى دمشق مصحوبة بالأشعار التي قالها الناسك والأشعار الأخرى التي قيلت فيهما ، وكان الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك  يبحث عن الجديد والمشهور من ألوان المتع ، فبعث من اشترى له سلامة ، وسافرت سلامة إلى دمشق وحظيت مع حبابة لدى الخليفة الشاب.  وبينما ماتت حبابة في عهد الخليفة فإن سلامة عاشت بعده ، ويذكر المؤرخون أن الخليفة الأموي  اشترى سلامة من مولاها بعشرين ألف دينار.

4 ــ  ويروى الطبرى أن الخليفة يزيد بن عبد الملك : (  قال يوما :  وقد طرب ، وعنده حبابة وسلامة : " دعوني أطير .! " فقالت حبابة  : " إلى من تدع الأمة ؟ " )  وروى الطبرى أنه (  حجّ  يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان بن عبد الملك فاشترى حبابة ، وكان اسمها العالية بأربعة آلاف دينار من عثمان بن سهل بن حنيف ، فقال سليمان : " هممت أن أحجر على يزيد . " فرد يزيد حبابة ، فاشتراها رجل من أهل مصر.  فقالت سعدة ليزيد : : يا أمير المؤمنين هل بقي من الدنيا شيء تتمناه بعد ؟ " قال : " نعم.  حبابة . " فأرسلت سعدة رجلا فاشتراها بأربعة آلاف دينار،  وصنعتها حتى ذهب عنها كلال السفر ، فأتت بها يزيد فأجلستها من وراء الستر، فقالت : " يا أمير المؤمنين أبقي شيء من الدنيا تتمناه ؟  قال : "  ألم تسألييني عن هذا مرة فأعلمتك ؟ فرفعت الستر وقالت : " هذه حبابة . " قامت وخلتها عنده ، فحظيت سعدة عند يزيد  وأكرمها وحباها . وسعدة امرأة يزيد وهي من آل عثمان بن عفان . ) .

وتقول الرواية عن يزيد وحبابة وسلامة :  فقال يوماً وقد طرب وعنده حبابة وسلامة القس: دعوني أطير قالت حبابة: على من تدع الأمة؟ قال: عليك؛ قيل وغنته يوماً:

وبين الترافي واللهاة حرارة ** ما تطمئن وما تسوغ فتبردا
فأهوى ليطير، فقالت: يا أمير المؤمنين إن لنا فيك حاجة. فقال: والله لأطيرن! فقالت: على من تخلف الأمة والملك؟ قال: عليك والله! وقبل يدها؛ فخرج بعض خدمه وهو يقول: سخنت عينك فما أسخفك! )

5 ـ وماتت حبابة فمات الخليفة يزيد ( الثانى ) حزنا عليها.!!

وعن موتها تقول الرواية : ( وخرجت معه إلى ناحية الأردن يتنزهان، فرماها بحبة عنب فدخلت حلقها فشرقت ومرضت وماتت، فتركها ثلاثة أيام لم يدفنها حتى أنتنت وهو يشمها ويقبلها وينظر إليها ويبكي، فكُلّم في أمرها حتى أذن في دفنها، وعاد إلى قصره كئيباً حزيناً، وسمع جاريةً له تتمثل بعدها: كفى حزناً بالهائم الصب أن يرى ** منازل من يهوى معطلة قفرا

فبكى، وبقي يزيد بعد موتها سبعة أيام لا يظهر للناس، أشار عليه مسلمة بذلك وخاف أن يظهر منه ما سفهه عندهم.) .

وفى رواية (كان سبب موته أن حبابة لما ماتت وجد عليها وداً شديداً، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، فخرج مشيعاً لجنازتها ومعه أخوه مسلمة بن عبد الملك ليسليه ويعزيه، فلم يحبه بكلمة، وقيل إن يزيد لم يطق الركوب من الجزع وعجز عن المشي فأمر مسلمة فصلى عليها، وقيل: منعه مسلمة عن ذلك لئلا يرى الناس منه ما يعيبونه به. فلما دفنت بقي بعدها خمسة عشر يوماً ، ومات ودفن إلى جانبها، وقيل: بقي بعدها أربعين يوماً لم يدخل عليه أحد إلا مرة واحدة . ) ( ومات فى شعبان عام 105 (وله أربعون سنة، وقيل خمس وثلاثون سنة، وقيل غير ذلك، وكانت ولايته أربع سنين وشهراً وأياماً ) . 

ثانيا : الوليد بن يزيد بن عبد الملك :

1 ــ بعد موت يزيد بن عبد الملك تولى أخوه هشام بن عبد الملك (105 ـ125هـ) . وكان ولى عهده الوليد بن يزيد بن عبد الملك ( أبن أخيه ) . وحاول هشام عزل ابن أخيه الوليد بن يزيد عن ولاية العهد وتولية ابنه مسلمه ابن هشام ، ولكن عارضه كبار الأمويين ، فصب هشام سخطه على الوليد بن يزيد مما ملأه حقداً على هشام وأسرته. وحين تولى الوليد بن يزيد الخلافة(125ـ 126هـ) انتقم من أولاد عمه هشام وممن مالأ هشاماً في محاولة عزله عن ولاية العهد . وأشتهر الوليد بالمجون أكثر من أبيه يزيد . وتسبب فسقه فى ثورة الناس عليه  فتجمعوا تحت قيادة  (يزيد بن الوليد بن عبد الملك ) المعروف بيزيد الناقص ، الذي نجح في ثورته وقتل الخليفة الوليد بن يزيد سنة 126هـ . 

2 ــ وقيل عن الوليد بن يزيد : ( كان فاسقا شريبا للخمر منتهكا حرمات الله ، أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة ، فمقته الناس لفسقه ، وخرجوا عليه ، وحين حوصر قال للناس : ألم أزد فى أُعطياتكم ..ألم أعط فقراءكم ؟ فقالوا : ما ننقم عليك فى أنفسنا ، ولكن ننقم عليك إنتهاك حُرُم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك ، وإستخفافك بأمر الله ) ( ولما قُتل وقُطع رأسه قال أخوه سليمان : بُعدا له . أشهد أنه كان شروبا للخمر فاسقا ، ولقد راودنى على نفسى .! ) . ويذكر المؤرخ الصفدي أنهم اتهموه بأن له علاقة بسلامة جارية أبيه .

3 ــ ويقول الطبرى إن الذى أفسد الوليد هو معلمه عبد الصمد بن عبد الأعلى ، الذى أحاط الوليد بندماء السوء . وأرد الخليفة هشام إصلاح ابن أخيه الوليد ولى عهده:( فولاه الحج سنة تسع وعشرة ومائة ، فحمل معه كلابا في صناديق فسقط منها صندوق .. وفيه كلب ..وحمل معه قبة عملها على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة وحمل معه خمرا ، وأراد أن ينصب القبة عل الكعبة ، ويجلس فيها ، فخوفه أصحابه ، وقالوا : " لا نأمن الناس عليك وعلينا معك . " فلم يحركها . وظهر للناس منه تهاون بالدين واستخفاف به . وبلغ هشاما فطمع في خلعه والبيعة لابنه مسلمة بن هشام ،  فأراده على أن يخلعها ويبايع لمسلمة فأبى ، فقال له اجعلها له من بعدك فأبى ، فتنكر له هشام ، وأضرّ  به وعمل سرا في البيعة لابنه فأجابه قوم . ) واشتدت العداوة بين الخليفة هشام وولى عهده ، ومع هذا فقد نصحه هشام ، يقول الطبرى : (  وتمادى الوليد في الشراب وطلب اللذات فأفرط ،  فقال له هشام : ويحك يا وليد والله ما أدري أعلى الإسلام أنت أم لا ؟ ما تدع شيئا من المنكر إلا أتيته غير متحاش ولا مستتر به ؟ فكتب إليه الوليد :

يا أيها السائل عن ديننا نحن على دين أبي شاكر

نشربها صرفا وممزوجة بالسخن أحيانا وبالفاتر )

وروى ابن عساكر فى تاريخه أن الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمار بخمسمائة دينار‏.

4 ـ وقتلوه بعد أن حكم حوالى ستة أشهر . وكان عمره إذ ذاك أربعاً وثلاثين سنة‏.

  ويقول الطبرى فى التأريخ للعام التالى 126 عن أسباب مقتل الخليفة الوليد بن يزيد : ( ولما ولي الخلافة وأفضت إليه لم يزدد في الذي كان فيه من اللهو واللذة والركوب للصيد وشرب النبيذ ومنادمة الفساق إلا تماديا وحدا تركت الأخبار الواردة عنه بذلك كراهة إطالة الكتاب بذكرها فثقل ذلك من أمره على رعيته وجنده فكرهوا أمره وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه إفساده على نفسه بني عميه بني هشام وولد الوليد ابني عبد الملك بن مروان مع إفساده على نفسه اليمانية وهم عظم جند أهل الشأم ) ( كان الوليد صاحب لهو وصيد ولذات فلما ولي الأمر جعل يكره المواضع التي فيها الناس حتى قتل ولم يزل ينتقل ويتصيد حتى ثقل على الناس وعلى جنده  ) ( فثقل الوليد على الناس ورماه بنو هشام وبنو الوليد بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه. ) .

5 ــ ويذكر ابن الجوزى فى المنتظم عن الوليد  ( فظهر من الوليد لعب وشرب للشراب واتخذ ندماء ، فولاه هشام الحج سنة ستة عشرة ومائة ، فحمل معه كلابًا في الصناديق  ، وعمل قبة على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة، وحمل معه خمرًا وأراد أن ينصب القبة على الكعبة ويجلس فيها فخوفه أصحابه فجمع المغنين بمكة وتشاغل باللهو ) (الوليد بن يزيد كان أمر بالقبة من حديد أن تعمل وتركب على أركان الكعبة ، ويخرج لها أجنحة لتظلله إذا حج وطاف فعملت ولم يبق إلا أن تركب . فقال الناس في ذلك – الفقهاء والعباد - وغضبوا في ذلك ، وتكلموا وقالوا‏:‏ لا يكون هذا قط . وكان أشدهم في ذلك كلامًا وقيامًا سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن . وكتب إلى الوليد بذلك فكتب‏:‏ اتركوها ‏.)‏ وقال ابن الجوزى عنه : (  قام على بركة مملوءة خمرًا ..فقذف نفسه في البركة فنهل منها ثم خرج فتلقي في الثياب والمجامر ..) ( :‏ كان الوليد بن يزيد زنديقًا وأنه فتح المصحف يومًا فرأى فيه ‏{‏واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد‏}‏ فألقاه ورماه بالسهام ، وقال‏:‏

تهددني بجبار عنيد **           فها أنا ذاك جبار عنيد

 إذا ما جئت ربك يوم حشر ** فقل يا رب حرقني الوليد ).

جدير بالذكر أنه حين حوصر فتح المصحف وقال : يوم كيوم عثمان ، وقتلوه والمصحف معه ، ولعله كان نفس نسخة المصحف الذى أطلق عليه السهام.

ويذكر المسعودى فى ( مروج الذهب ) شعرا للوليد بن يزيد يكفر فيه : يقول 

تلعب بالخلافة هاشمى         بلا وحى أتاه ولا كتاب 

فقل لله يمنعنى طعامى         وقل لله يمنعنى شرابى .

وقُتل بعدها. 

ويذكر المسعودى عن فسقه ، أنه حين إعتزل عمه الخليفة هشام ، وأقام فى الرصافة ، ثم جاءه نعى الخليفة وتوليه الخلافة قال شعرا عن بنات عمه هشام :

إنى سمعت خليلى          نحو الرصافة رنه 

اقبلت اسحب ذيلى           أقول ما حالهنّ

إذا بنات هشام                يندبن والدهنّ 

يدعون ويلا وعولا        والويل حلّ بهنّ 

أنا المُخنث حقا             إن لم   أُنيكهنّ

 

الفصل الثانى :

الفتنة الكبرى الثانية : من سفك الدماء الى تأسيس أديان أرضية :

لمحة عامة 

أولا :

1 ـ أن تخاطب الله جل وعلا تستغفره وتسبحه وتحمده وتدعوه فهذه هى العبادة فى الصلاة والدعاء ، والمؤمن يخاطب ربه فى صلاته . والفاتحة التى يقولها 17 مرة يوميا هى خطاب المؤمن لربه جل وعلا ، ومفروض أن يخاطب ربه جل وعلا بخشوع وأن يدعوه بخشوع . وبذكره جل وعلا تطمئن القلوب . 

أمّا أن تزعم أن الله جل وعلا يخاطبك ويكلمك ويوحى اليك فهذا أفظع الكذب على الله جل وعلا . وإذا كنت البادىء بهذا فأنت تخترع دينا أرضيا . وكل مخترعى الأديان الأرضية بدأوا بهذا الكذب ، وكل الأديان الأرضية مؤسسة على وحى إلاهى مزعوم مفترى . ويتنوع هذا الوحى الكاذب بين المنامات الرؤى والهاتف ونسبة حديث لرب العزة فيما يزعمون أنه الحديث القدسى ونسبة حديث للنبى فيما يزعمون أنه الحديث النبوى ، ونسبة أحاديث للآلهة الأرضية ، وهناك من يزعم رؤية النبى فى المنام ، وبعضهم يزعم رؤية النبى يقظة كما كان يزعم السيوطى . وإشتهر الحنابلة والصوفية بمزاعم رؤية الله جل وعلا فى المنام والحديث معه، واشتهر الصوفية بخرافة العلم اللدنى الذى يزعمون أنهم يتلقونه مباشرة من الله ــ تعالى عن ذلك علوا كبيرا . والغزالى أشهر من زعم ذلك ، وقد ملأ كتابه ( إحياء علوم الدين ) بهذا الخبل العقلى . ولم يتخلف الشيعة عن ميدان الافتراء هذا ، فبالاضافة الى أحاديثهم التى ينسبونها للنبى ولعلى بن أبى طالب ، فهم ينسبون لأئمتهم أقوالا يعتبرونها دينا .

2 ـ وعموما ، فهناك وحى إلاهى صادق نزل على كل الأنبياء ، والقرآن الكريم هو الوحى الالهى النهائى باللسان العربى للبشر جميعا والى قيام الساعة، يقول جل وعلا :( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) الشعراء ) (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) الشعراء). وانتهى الوحى الالهى نزولا بإكتمال القرآن الكريم وموت خاتم النبيين ، ولكن الوحى الشيطانى مستمر لا يزال يتنزل على أتباع الشياطين من أئمة الأديان الأرضية ، يقول جل وعلا : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) الشعراء ). وكل أئمة الأديان الأرضية أصحاب وحى شيطانى  من سنة وتشيع وتصوف وكاثولوكية وارثوذكسية وبوذية..الخ ، وكل أئمة الأديان الأرضية أعداء للأنبياء لا فارق بين مالك والشافعى وابن حنبل والبخارى والغزالى وبولس والكلينى والكاشانى والشعرانى والجيلانى ..الخ  . يقول جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) الانعام ) (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان ).

ثانيا :

1 ـ بعد موت النبى ظهر مسيلمة الكذاب وطليحة وسجاح يزعمون الوحى الالهى . كانت حركة ردة إعرابية ساذجة تعبّر عن رد فعل للهيمنة القرشية .  وبعد إخماد قريش لحركة الردة هذه ، قامت قريش بزعامة الخلفاء الراشدين بردة أخطر تعبّر عن المكر القرشى الذى وصفه رب العزة بأنه مكر تزول منه الجبال ( ابراهيم 46 ) . هى الأخطر ، لأنها لم تعلن الانسلاخ عن الاسلام بل حملت إسمه وإستغلته فى الغزو والاحتلال وما يُعرف بالفتوحات.هو كُفر سلوكى بالاعتداء والظلم للبشر يثضاف اليه ظلم لرب العزة جل وعلا ، يستخدم إسم رب العزة ضد شرع رب العزة القائم على السلام والعدل وحرية الدين وعدم الاكراه فى الدين . وبينما لا يزال مسيلمة الكذاب يحمل لقب ( الكذاب ) فإن من كانوا يفوقونه فى الكذب وفى الاجرام لا يزالون يحملون لقب ( الخلفاء الراشدين ). !! هذا أكبر دليل على مكر قريش الذى تزول منه الجبال ، ولا يزال بلايين المسلمين خلال 14 قرنا أسرى لهذا المكر الذى تزول منه الجبال .!!

2 ـ شرع الله جل وعلا يجعل القتال محصورا فى الدفاع فقط (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)  البقرة ) ، ويأمر بالبرّ والقسط مع الأمم المخالفة فى الدين التى لم تقاتل المؤمنين ولم تُخرجهم من ديارهم (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة ) ، ويجعل الكافر فى مجال التعامل البشرى هو الذى يعتدى ظالما على المسالمين كما كانت قريش تفعل مع النبى والمؤمنين معه ، كما يجعل المسالم المأمون الجانب هو المسلم المؤمن بغض النظر عن عقيدته لأن مرجع الاختلاف فى الدين والعقائد هو لرب العزة جل وعلا يوم القيامة .

3 ـ قامت قريش بزعامة (الخلفاء الراشدين ) بتغيير ذلك . إتهموا الأمم الأخرى التى لم تعتد عليهم ولم تهاجمهم بأنهم كفرة ، وبتكفيرهم إستباحت قريش بزعامة الخلفاء الراشدين غزو تلك الأمم واحتلال أراضيهم وبلادهم وسلب ثرواتهم واستعباد ذراريهم وسبى وإغتصاب نسائهم . وإستغلت قريش ـ بمكرها الذى تزول منه الجبال ـ حيوية الأعراب الحربية ، وأقنعتهم بأن هذا هو الجهاد الاسلامى ، وأنهم به يكسبون الأموال والنساء فى الدنيا والجنة فى الآخرة . ورحّب الأعراب بهذا فتفانوا فى القتال تحت قيادة قريش ففتحت بهم الشام والعراق وايران ومصر وشمال افريقيا . ثم تبين لهم فى خلافة عثمان أن قريش إستحوذت على كل الغنائم وتركت لهم الفُتات ، فثاروا وقتلوا عثمان ، وإشتعلت الفتنة الكبرى فى حرب أهلية ضروس .

4 ـ هذه الفتنة الكبرى الأولى جعلت بعض الأعراب ( خوارج ) . هؤلاء الخوارج إستعملوا سلاح التكفير ضد قريش وكل من هو خارج عنهم . أى إنه إذا كانت قريش قد إستعملت التكفير للآخرين مسوغا لغزوهم واحتلالهم وسلبهم وسبيهم وإستعبادهم فإن الخوارج إستعملوا نفس سلاح التكفير ضد قريش وسائر ( المسلمين ) مسوغا لقتلهم وقتل أطفالهم . ومن العجيب أن الخوارج قصروا تكفيرهم للمسلمين فقط دون أهل الكتاب . وبهذا تأسس دين الخوارج ، كان تطرفا فى العبادة السطحية يستر تطرفا فى القتل العشوائى ، اى كان كفرا سلوكيا دمويا يصاحبه كفر عقيدى يسوّغه ويُشرّعه ، بنفس ما سوّغت قريش فتوحاتها .

5 ــ وعلى هامش الفتنة الكبرى ــ  التى بدأت بقتل عثمان عام 35 ، وانتهت بقتل (على ) عام 40 ــ  بدأ نوع آخر من الكفر العقيدى ، هو صناعة أحاديث منسوبة للنبى عليه السلام ، تناصر عليا وحزبه وتهاجم معاوية وحزبه والخوارج ، أو العكس . وبرز إسم أبى هريرة عميلا لبنى أمية فى هذه الحرب الفكرية التى بدأ بها الكفر ( العقيدى ) بالكذب على النبى ، مصاحبا للكفر السلوكى الذى تمثل فى حروب الجمل وصفين والنهروان .

وفى الفتنة الكبرى الأولى ظهر التشيع ، بالسبئية الأولى بعبد الله بن سبأ الذى أعلن تأليه (على بن أبى طالب ) ورجعته بعد موته ، كما ظهرت بوادر الدين السُّنّى من قبل بدور ( كعب الأحبار ) الذى كان معلما لأبى هريرة ، ومؤسسا لما أصبح فيما بعد بالدين السُّنّى . وكلاهما ( ابن سبأ وكعب الأحبار ) كانا من يهود اليمن وأسلما فى خلافة (عمر ) ، وإنضم ( كعب ) الى معاوية فى ولايته على الشام بعد أن حظى فى خلافة (عمر ) بينما إنضم ابن سبأ الى فريق (على ) وأدرك خلافة (على ) .

6 ــ بالفتوحات والفتنة الكبرى تأسّست جذور الأديان الأرضية للمسلمين ، وهى تشريع بتكفير الآخر لاستحلال دمه وثروته وذريته ، وبالكذب على النبى وإختراع وحى كاذب . ولا يزال هذا سائدا حتى اليوم . فالوهابية تستعمل سلاح التكفير لتُسوّغ به إستحلال دم المخالف لها وحقوقه ، بل إن الوهابيين يستخدمون التكفير لاستحلال دماء بعضهم ، والمعارضة الوهابية فى الدولة السعودية قامت بتكفير الأسرة السعودية ، وفقهاء الأسرة السعودية يكفّرون المعارضة لإتاحة الفرصة للأسرة السعودية كى تقتلهم .

ثالثا :

1 ـ وأنتجت الفتنة الكبرى الأولى الفتنة الكبرى الثانية . وممّن اشعل الفتنة الكبرى كان مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير ، وقد أصبحا أعمدة الفتنة الكبرى الثانية التى بدأت بقتل الحسين وآله فى كربلاء عام 61 وانتهت بقتل ابن الزبير عام 73، وتخللتها معارك ومآسى أكبر وأفظع من معارك الفتنة الكبرى الأولى . وكانت لهذه الفتنة الكبرى آثار إجتماعية وأخلاقية تمثلت فى الانحلال الخلقى ، الذى نشره الأمويون فى مكة والمدينة لشغل أهلها عن الطموح السياسى ، كما كان لهذه الفتنة الكبرى الثانية آثار فى تأسيس أديان أرضية ، أهمها التشيع . جاءت الفتنة الكبرى الثانية فأسست كفرا عقيديا إضافيا لدين التشيع بالذات ، وظهر هذا مبكرا فى الدولة الأموية ، وقد جاء على هامش الصراع السياسى والعسكرى بين حزب العلويين وحزب الأمويين .

2 ـ المدينة التى تزعمت المعارضة للأمويين ثم هزمها الأمويون دخلت فى طور جديد بعد موقعة الحرة .   توزعت المدينة بين تيارى ( المجون والفسق ) و ( التزمت الدينى ) الذى تخصّص فى صناعة الأحاديث ، ومن الطريف أن المدينة التى كانت ماخورا للمجون هى نفسها المدينة التى إخترعت تشريع الرجم للزانى المحصن ، ونسبه مالك الى سعيد بن المسيب ، يزعم أن سعيد بن المسيب سمعه من عمر بن الخطاب ، هذا مع أن سعيد بن المسيب لم ير عمر بن الخطاب .!

3 ـ وبالإفتراء جعلوا المدينة حرما يضاهى الحرم المكى وجعلوا قدسية للقبر المنسوب للنبى وأوجبوا الحج له ، وجعلوا ذلك من شعائر الحج فى الاسلام كما لو كان النبى يحج الى قبره فى حياته .!!.

4 ـ  هذا التكريم والتقديس للمدينة جاء رد فعل للإهانة الى حدثت للمدينة فى موقعة الحرة . لذا ظهر فيها ( مالك بن انس ) الذى قام تلامذته بكتابة كتابه ( الموطّأ ) فى نُسخ كثيرة ومتعددة تخلو من الاستشهاد بالقرآن الكريم ، وتمتلىْ بأحاديث منسوبة للنبى وللصحابة والتابعين ، يزعم مالك أنه سمعها من ابن شهاب الزهرى ، وهو لم يلق ولم ير إبن شهاب الزهرى كما حققنا هذا من قبل. الذى يهمنا أن مالك بن انس جعل (عمل أهل المدينة ) مصدرا للتشريع فى دينه الأرضى تعصبا منه للمدينة . أى شهدت المدينة بعد مأساة ( الحرة ) إنحلالا خُلُقيا وإنحلالا عقيديا تمثل فى تأسيس الدين الأرضى السّنّى ، كأثر من آثار الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 ) .

أخيرا :

ونعطى بعض التفصيلات فى هذا الفصل لأثر الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 ) فى تأسيس الأديان الأرضية للمسلمين .

 

تأثير المختار الثقفى فى الدين الشيعى : محمد بن على ( ابن الحنفية )

مقدمة :

1 ـ المختار بن عبيد الثقفى ـ ذلك المغامر الأفّاق الأفاك ـ قفز الى ذروة الأحداث فى الفتنة الكبرى الثانية ، وصار من أعمدتها بضع سنوات ، ولكن تأثيره إمتد سياسيا حتى العصر العباسى ، ودينيا ــ فى تشكيل التشيع ــ  حتى الآن .

2 ــ  لم يكن مسموحا للمختار بين عبيدة الثقفى بالظهور السياسى إلا بواحد من طريقين ، أن يكون ضد قريش ، يتزعم فرقة من الخوارج ، أو أن يكون تابعا لقريش ، أى لأحد الأجنحة المتصارعة من قريش ( الأمويين / العلويين الهاشميين / الزبيريين ) . إختار أن يكون تابعا للعلويين الهاشميين ، وإختار تبعيته لمحمد بن على بن أبى طالب المشهور بابن الحنفية نسبة لأمّه . الحقيقة أن الظروف فرضت عليه هذا ، وكان هذا مناسبا له ، فقد كان إنحصرت زعامة العلويين بعد مأساة كربلاء فى إثنين فقط : ( على زين العابدين بن الحسين ) الشاب الذى نجا من المذبحة وعاش يحمل ذكرياتها كوابيس تؤرق حياته وتجعله بعيدا عن الوقوع فى أى مغامرة سياسية ـ اى لا مجال لأن يعلق المختار الثقفى عليه آمالا ، والثانى هو محمد بن الحنفية ، الذى عاش مترددا ،  بين النشاط السياسى والاعتزال ، يتقدم خطوة ويتراجع أخرى . كان ابن الحنفية هو الأنسب للمختار فى أن يستغل إسمه ، ويصل له الى قيادة الشيعة فى العراق فى فترة الاضطراب هذه . على أن هذا لم يكن وحده كافيا . كان لا بد من ( رتوش ) أخرى يضفيها المختار على نفسه ودعوته وشيخه ابن الحنفية ، سواء رضى إبن الحنفيه ذلك أو كرهه ، وهو تلك المزاعم الدينية التى نشرها المختار ليجمع بها الأنصار . تلك المزاعم الدينية إستمرت لتصبح من معالم الدين الشيعى بعد مقتل المختار ، وبعضها لا يزال باقيا حتى اليوم ضمن معالم الدين الشيعى .

3 ـ وفى هذه اللمحة البحثية نبدأ بالتوقف مع شخصية محمد بن على بن أبى طالب ( محمد ابن الحنفية ) ثم نعرض لمزاعم المختار والكيسانية الدينية ، وتأثيراتها السياسية والدينية اللاحقة . 

 أولا : تحليل شخصية ابن الحنفية

1 ـ شارك ابن الحنفية مع ابيه فى معاركه فى الفتنة الكبرى الأولى ، وبعدها آثر الابتعاد عن الفتن مع الانتظار للوقت المناسب .

2 ـ  بدأ هذا فى نصيحته لأخيه الحسين بن على ألا يذهب الى الكوفة ، تقول الرواية عن خروج الحسين : ( أما الحسين فإنه خرج ببنيه وإخوته وبني أخيه وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية، فإنه قال له : " يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك.  تنحّ بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك ، فإن بايعوا لك حمدت الله على ذلك وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك . إني أخاف أن تدخل مصرا من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم ، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون لأول الأسنة..) ورفض الحسين نصيحته فقال له محمد : ( فانزل مكة فإن اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس وتعرف عند ذلك الرأي.. ) ورد عليه الحسين : ( يا أخي قد نصحت فأشفقت ... ) .

3 ـ نلاحظ أن ابن الحنفية يعبّر عن رأيه وموقفه الشخصى لو كان فى وضع الحسين ، أن يأتيه المُلك طوعا عن رغبة من الناس دون الدخول فى فتنة وحرب تكرر ما حدث فى الجمل وصفين . وبالتالى لم يكن يريد أن يبايع ابن الزبير أو عبد الملك الى أن تستقر لأحدهما الأمور ، فطالما ليس هو صاحب الأمر فلا يدخل فيه مأمورا وتابعا لهذا أو ذاك وهما يقتتلان .  وبالتالى أيضا كانت حيرته مع المختار فى الكوفة الذى يستغل إسمه فى هوجة الفتنة فى العراق . إحتار ابن الحنفية بين ( الـتأييد المعلن والمطلق للمختار وما يجرّه هذا عليه من نقمة ابن الزبير المسيطر على الحجاز ومكة حيث كان ابن الحنفية يعيش مع أهله من بنى هاشم بالاضافة الى دخولة فى فتنة المختار ، والتى قد تنجح أو تخسر ،) وبين ( رفض دعوة المختار وإعلان تبرأه منه ومن مزاعمه ) ولكنه فى نفس الوقت يحتاج الى سند وعون وهو تحت سُلطة ابن الزبير .

4 ـ لذا أخذ ابن الحنفية موقفا وسطا وحذرا من المختار ، تقول الرواية : ( وكان ابنالحنفيةيكره امرالمختار وما يبلغه عنه ولا يحب كثيرا مما ياتي به . ) . ولكن تطور الأحداث ألجأ ابن الحنفية لأن يستغيث بالمختار حين حصر ابن الزبير ابن الحنفية وبنى هاشم  فى شعب أبى طالب ، وهددهم بالحرق إن لم يبايعوا له ، فأنقذهم المختار  بفرقة مسلحة بأسلحة خشبية ( مراعاة لقدسية الحرم فى مكة ) وهى المعروفة بالخشبية . ولازمت هذه الفرقة ابن الحنفية فى تنقلاته ، وصارت له بها قوة تحميه ، وجماعة تلتف حوله الى أن مات ، فاستمرت بعده مع إبنه (أبى هاشم ) ، وصارت عماد ما يُعرف بالكيسانية . وبالكيسانية وبمزاعم المختار الدينية كان تشكيل التشيع ، كما أن هذه القوة الحربية التى كانت تصاحب ابن الحنفية جعلته مبعث خوف ابن الزبير وعبد الملك . كانوا يخشون أن يستغل هذه القوة فى الصراع للوصول الى السلطة . ونعطى بعض التفصيلات :

ثانيا : مجىء الخشبية لانقاذ الهاشميين من الحرق:

1 ـ قبيل مجىء مسلم بن عقبة وحدوث موقعة الحرة ترك ابن الحنفية المدينة ورحل الى مكة ومعه ابن عباس . وأعلن ابن الزبير فى مكة نفسه خليفة. وبينما لم يجد ابن الزبير بأسا من موقف عبد الله بن عمر الرافض لبيعة أى خليفة حتى تجتمع عليه الأمة ، فإن ابن الزبير لم يرض من بنى هاشم إلا التسليم له والبيعة له .

2 ـ يقول ابن سعد فى الطبقات الكبرى فى ترجمة ابن الحنفية : (  فلما جاء نعي يزيد بنمعاوية وبايع بن الزبير لنفسه ودعا الناس اليه دعا ابن عباس ومحمد بنالحنفيةالى البيعةله ، فابيا يبايعان له ، وقالا  : " حتى يجتمع لك البلاد ويتسق لك الناس."  فاقاما على ذلك مااقاما ، فمرة يكاشرهما ، ومرة يلين لهما ، ومرة يباديهما ، ثم أغلظ عليهما ، فوقع بينهم كلاموشرُّ ،  فلم يزل الامر يغلظ حتى خافا منه خوفا شديدا ومعهما النساء والذرية ،  فاساءجوارهم ،  وحصرهم واذاهم.  وقصد لمحمد بنالحنفية،  فاظهر شتمهوعيبه، وأمره وبني هاشم ان يلزموا شعبهم بمكة،  وجعل عليهم الرقباء . وقال لهم فيما يقول: " والله لتبايعن او لاحرقنكم بالنار ." ، فخافوا على انفسهم . )

3 ـ وبلغ المختار  ــ وهو بالكوفة ــ ما يحدث لهم : ( .. فقطع المختار بعثا الى مكة ، فانتدب منهم اربعة الاف ، فعقد لابيعبد الله الجدلي عليهم وقال له : " سر فان وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم انت ومن معكعضدا وانفذ لما امروك به ، وان وجدت بن الزبير قد قتلهم فاعترض اهل مكة حتى تصل الىابن الزبير ثم لا تدع من ال الزبير شفرا ولا ظفرا " .  وقال : "  يا شرطة الله لقد اكرمكم اللهبهذا المسير ، ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عُمر.! "  فسار القوم ومعهم السلاح حتى اشرفواعلى مكة ، فجاء المستغيث  : " اعجلوا فما اراكم تدركونهم .! " فقال الناس : "  لو ان اهل القوة عجلوا؟! " فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية ابن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة ، فكبّرواتكبيرة سمعها ابن الزبير، فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة، ويقال بل تعلق باستارالكعبة ، وقال : " انا عائذ الله " .!

4 ـ وتم إنقاذ بنى هاشم : ( قال عطية : ثم ملنا الى بن عباس وابنالحنفيةواصحابهما فيدور قد جمع لهم الحطب فاحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر ، لو ان نارا تقع فيه ما رئي منهماحد حتى تقوم الساعة. واخرناه عن الابواب، وعجل علي بن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجلفاسرع في الحطب يريد الخروج فادمى ساقيه . واقبل اصحاب بن الزبير فكنا صفين نحن وهمفي المسجد نهارنا ونهاره ، لا ننصرف الا الى صلاة حتى اصبحنا . وقدم ابو عبد اللهالجدلي في الناس فقلنا لابنعباس وابنالحنفية: " ذرونا نريحالناس من ابن الزبير"  فقالا : " هذا بلد حرمه الله ما احله لاحد الا للنبي عليه السلامساعة ما احله لاحد قبله ولا يحله لاحد بعده فامنعونا واجيرونا." ) .

ثالثا : بقاء جيش الخشبية وملازمتهم لابن الحنفية

1 ــ  واستمرت هذه القوة مع ابن الحنفية تحرسه ، تقول الرواي : ( وقال ابو العريان المجاشعي قال بعثنا المختار في الفيفارس الى محمد بنالحنفية..فكناعنده .. فكان ابن عباس يذكر المختار فيقول : " ادرك ثارنا وقضى ديوننا وانفق علينا " ..وكان محمد ابنالحنفيةلا يقول فيهخيرا ولا شرا . ) .

2 ـ وتقول رواية أخرى : ( ..وبقينا مع بنالحنفية،  فلما كانالحج ، وحج ابن الزبير من مكة فوافى عرفة في اصحابه ، ووافى محمد بنالحنفيةمن الطائف فياصحابه ، فوقف بعرفة ، ووافى نجدة بن عامر الحنفي تلك السنة في اصحابه من الخوارج فوقفناحية وحجت بنو امية على لواء فوقفوا بعرفة فيمن معهم . ).  وفى رواية أخرى عن موسم الحج فى هذا العام : (  اقام الحج تلك السنة ابن الزبير ، وحج عامئذ محمد بنالحنفيةفي الخشبيةمعه وهم اربعة الاف نزلوا في الشعب الايسر من منى ) أى اصبح لابن الحنفية جيش من ( الخشبية ) أدوا مناسك الحج معه فى هذا العام ، حيث كانت هناك وفود من بنى أمية والخوارج وابن الزبير  

3 ــ هذه المظاهرة العسكرية مع ابن الحنفية أخافت منه الخصمين المتصارعين : ابن الزبير وعبد الملك ابن مروان .يقول أحدهم : ( كنت في العصابة الذين انتدبوا الى محمد بن علي ..وكان ابن الزبير قد منعه انيدخل مكة حتى يبايعه فابى ان يبايعه.. فانتهينا اليه ، فاراد ( المسير الى ) اهل الشام فمنعه عبدالملك ان يدخلها حتى يبايعه ، فأبى عليه.. فسرنا معه ما سرنا ، ولو امرنا بالقتاللقاتلنا معه. ).   

رابعا  : ابن الحنفية بين ابن الزبير وعبد الملك :

1 ـ بعد قتل المختار كشّر ابن الزبير أنيابه لابن الحنفية ، وبعث اليه أخاه عروة  بن الزبير يخيره بين البيعة له أو أن يضعه فى الحبس . فقال ابن الحنفية لعروة ابن الزبير : ( مااسرع اخاك الى قطع الرحم والاستخفاف بالحق .. والله ما بعثت المختار داعيا ولاناصرا .. وما عندي خلاف ولو كان خلاف ما اقمت في جوارهولخرجت الى من يدعوني فابيت ذلك عليه .....واني لاحسب ان جوار عبد الملك خير لي من جوار اخيك، ولقد كتب الييعرض علي ما قبله ويدعوني اليه. "  قال عروة : " فما يمنعك من ذلك ؟  قال : " استخير الله وذلك احبالى صاحبك . " )

2 ـ كان عبد الملك قد بعث الى ابن الحنفية كتابا يقول له فيه : (  انهقد بلغني ان ابن الزبير قد ضيق عليك وقطع رحمك واستخف بحقك حتى تبايعه، فقد نظرتلنفسك ودينك ، وانت اعرف به حيث فعلت ما فعلت . وهذا الشام فانزل منه حيث شئت ، فنحنمكرموك وواصلوا رحمك وعارفوا حقك . )   

3 ـ ارتحل ابن الحنفية بأتباعه الى الشام فنزلوا فى منطقة إيلة . وإكتسب ابن الحنفية حب الناس وتعظيمهم فخشى منه عبد الملك ، وحتى يطمئن قلبه فقد طلب أن يبايعه ابن الحنفية ، مقابل مئات الألوف من الدنانير ومرتبات ( فرائض ) لأتباعه . ورفض ابن الحنفية العرض السّخى ، وغادر بأصحابه الشام . يقول الراوى : ( قال ابو الطفيل : فسرنا حتى نزلنا ايلة فجاوروناباحسن جوار وجاورناهم باحسن ذلك ، واحبوا ابا القاسم حبا شديدا وعظموه واصحابه ، وامرنابالمعروف ونهينا عن المنكر ولا يظلم احد من الناس قربنا ولا بحضرتنا . فبلغ ذلك عبدالملك بن مروان ، فشق ذلك عليه ..  فكتب اليه عبد الملك : " انك قدمت بلادي فنزلت في طرف منها وهذه الحرب بيني وبين بنالزبير كما تعلم وانت لك ذكر ومكان ، وقد رايت ان لا تقيم في سلطاني الا ان تبايع لي، فان بايعتني فخذ السفن التي قدمت علينا من القلزم وهي مائة مركب فهي لك وما فيهاولك الفا الف درهم اعجل لك منها خمسمائة الف والف الف وخمسمائة الف اتيتك مع مااردت من فريضة لك ولولدك ولقرابتك ومواليك ومن معك ، وان ابيت فتحول عن بلدي الى موضعلا يكون لي فيه سلطان . .. فكتب اليه محمد بن علي : " بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد بنعلي الى عبد الملك بن مروان : سلام عليك . فاني احمد اليك الله الذي لا اله الا هو. امابعد ، فقد عرفت رأيي في هذا الامر قديما ،  واني لست اسفهه على احد . والله لو اجتمعت هذهالامة عليّ الا اهل الزرقاء ما قاتلتهم ابدا ولا اعتزلتهم حتى يجتمعوا.  نزلت مكةفرارا مما كان بالمدينة ، فجاورت ابن الزبير ، فاساء جواري واراد مني ان ابايعه فابيتذلك حتى يجتمع الناس عليك او عليه . ثم ادخل فيما دخل فيه الناس فاكون كرجل منهم . ثمكتبت الي تدعوني الى ما قبلك ، فاقبلت سائرا فنزلت في طرف من اطرافك ، والله ما عنديخلاف ومعي اصحابي، فقلنا بلاد رخيصة الاسعار وندنو من جوارك ، ونتعرض صلتك فكتبت بماكتبت به ونحن منصرفون عنك ان شاء الله." ).!

4 ــ وكان مع ابن الحنفية يومئذ سبعة آلاف رجل ، وتقول الرواية : (  بعث اليه عبد الملك:  اما ان تبايعني واما ان تخرج منارضي ، ونحن يومئذ معه سبعة الاف،  فبعث اليه محمد بن علي  : " على ان تؤمن اصحابي"  ففعل، ) وخيّرهم ابن الحنفية بين البقاء معه أو الرحيل ، (   .. فبقي معه تسعمائة رجل ) (قال ابو الطفيل فانصرفنا راجعين فاذن للموالي ولمنكان معه من اهل الكوفة والبصرة فرجعوا من مدين ، ومضينا الى مكة حتى نزلنا معه الشعببمنى ، فما مكثنا الا ليلتين او ثلاثا حتى ارسل اليه بن الزبير ان اشخص من هذا المنزلولا تجاورنا فيه ) وارتحل ابن الحنفية الى الطائف بمن معه : ( ثم خرج الى الطائف فلم يزل بها مقيما حتى قدم الحجاج لقتالبن الزبير لهلال ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين فحاصر ابن الزبير حتى قتله يومالثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادي الاخرة   ).

خامسا : ابن الحنفية يبايع عبد الملك

1 ــ وأرسل الحجاج الى ابن الحنفية يأمره بالبيعة  لعبد الملك وإلا قتله ، ورفض ابن الحنفية حتى يبايع الناس ، ومنهم عبد الله بن عمر الذى بايع ثم قال لابن الحنفية :( ما بقي شيءفبايع ) ( فكتب ابنالحنفيةالى عبدالملك : بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عبد الملك امير المؤمنين من محمد بن علياما بعد فاني لما رايت الامة قد اختلفت اعتزلتهم فلما افضى هذا الامر اليك وبايعكالناس كنت كرجل منهم ادخل في صالح ما دخلوا فيه فقد بايعتك وبايعت الحجاج لك وبعثتاليك بيعتي ورايت الناس قد اجتمعوا عليك ونحن نحب ان تؤمننا وتعطينا ميثاقا علىالوفاء فان الغدر لا خير فيه فان ابيت فان ارض الله واسعة . ) (فكتب اليه عبد الملك : " انك عندنا محمود ، انت احب واقرب بنا رحما من ابن الزبير، فلكالعهد والميثاق وذمة الله وذمة رسوله ان لا تُهاج ولا احد من اصحابك بشيء تكرهه .ارجعالى بلدك واذهب حيث شئت ، ولست ادع صلتك وعونك ما حييت . ) ( وكتب الى الحجاج يامره بحسنجواره واكرامه فرجع بنالحنفيةالى المدينة. ) .

2 ــ ووفد ابن الحنفية على عبد الملك فى دمشق عام 78 ، فأكرمه عبد الملك ، وسأل عبد الملك  ابن الحنفية (ان يرفع حوائجه،  فرفع محمد دينه وحوائجه وفرائض لولدهولغيرهم من حامته ومواليه ، فاجابه عبد الملك الى ذلك كله ، وتعسر عليه في الموالي لأنيفرض لهم ، والح عليه محمد ، ففرض لهم، فقصر بهم فكلمه ، فرفع في فرائضهم ، فلم يبق له حاجةالا قضاها واستاذنه في الانصراف فاذن له . ) . أى فرض عبد الملك فرائض ــ أى مرتبات وعطايا ـ لأتباع ابن الحنفية من العرب والموالى ، وصمّم ابن الحنفية على أن يأخذ الموالى نفس عطايا العرب .  

3 ـ ومات في المحرم في سنة احدىوثمانين وقد ترك جيشا من الأتباع يحيط بأولاده الذكور ، وهم  عبد الله وهوابو هاشم وحمزة وعليا وجعفرا الاكبر ، والحسن  ( وكان من ظرفاء بنيهاشم واهل العقل منهم وهو اول من تكلم في الارجاء ) وابراهيم والقاسم وعبدالرحمن وجعفرا الاصغر وعونا وعبد اللهالاصغر.

أخيرا

 جيش ابن الحنفية الذى لم يرفع السلاح بعده حمل الدعوة الشيعية المعروفة بالكيسانية ، واسهم فى تدمير الدولة الأموية .

 

 خزعبلات المختار الثقفى

أولا : تذكير بالمختار بن عبيد الثقفى   

1 ـ هذا المختار كان داهية يبحث عن دور بطولى ، وقد وجده فى هذه الفترة المضطربة ( فى الفتنة الكبرى الثانية ) ، فأصبح من شخصياتها الأساس . وقد إنضم الى ابن الزبير حين حوصر أول مرة فى خلافة يزيد . وأبلى بلاء حسنا مع ابن الزبير . وبموت يزيد وعلو شأن ابن الزبير وإعلانه الخلافة تقرب المختار أكثر لابن الزبير ، هذا بينما كان هواه مع الهاشميين ورئيسهم وقتها محمد بن على بن أبى طالب ( ابن الحنفية ) .  ولم يكن ابن الحنفية ممن يسعى الى المشاكل ، ولم يكن يثق فى المختار ، بينما يخطط المختار لأن يلعب دورا تحت راية ابن الحنفية . وطلب المختار إذنا من ابن الحنفية ليذهب باسمه الى العراق داعية له ، فأذن له وأرسل معه عبد الله الهمذانى وأوصاه أن يأخذ حذره من المختار. وجاء المختار الى ابن الزبير فحصل على إذن منه أيضا أن يدعو اليه فى العراق.  ولما قدم المختار الى العراق صار صديقا لابن مطيع وهو والي الكوفة يومئذ لعبد الله بن الزبير، بينما كان يدعو سرأ لابن الحنفية . وتكاثر أتباع المختار فانقلب على ابن مطيع ، وهزمه . وشكّ بعض الشيعة فى زعم المختار بأنه داعية ابن الحنفية فجاء وفد منه الى ابن الحنفية يسأل عن حقيقة المختار فقال لهم ابن الحنفية : ( نحن حيث ترون محتسبون ، وما احب ان لي سلطان الدنيابقتل مؤمن بغير حق ، ولوددت ان الله انتصر لنا بمن شاء من خلقه، فاحذروا الكذابينوانظروا لانفسكم ودينكم .). وهى إجابة تحتمل أكثر من تفسير . وإنضم  للمختار ابراهيم بن الأشتر النخعى كبير الشيعة فى العراق وصار قائد جيشه ، واضطهد ابن الزبير الهاشميين وكاد أن يحرقهم لولا أنقذهم المختار بجيش بعثه لهم ، هو جيش الخشبية الذى بقى مع ابن الحنفية بعد موت المختار.

2 ـ  وقالوا عن المختار  (  وكان قد طلب الإمارة وغلب على الكوفة حتى قتله مصعب بن الزبير بالكوفة سنة سبعوستين ، وكان قبل ذلك معدودا في أهل الفضل والخير إلى أن فارق بن الزبير، وكان يتزينبطلب دم الحسين ويسر طلب الدنيا فيأتي بالكذب والجنون . وكانت إمارته ستة عشر شهرا...)

3 ـ إحتاج المختار فى تدعيم زعامته الى رتوش دينية لا إسلامية ، جعلت أعداءه يرمونه بالكفر وزعم النبوة . وهذه الخزعبلات تنقسم الى نوع إنقرض مع المختار ، ونوع إستمر بعده : ونعطى هنا بعض التفصيلات :

ثانيا : خزعبلات للمختار أندثرت مع المختار : ( كرسى المختار )

1 ـ وتتمثل فى ( كرسى ) كان المختار يستنصر به هو جنوده . وظهر هذا فى مسير إبراهيم بن الأشتر إلى  قتال عبيد الله بنزياد عام 66 ، وهى المعركة التى انتهت بقتل ابن زياد وهزيمة جيشه . تقول الرواية : عن خروج ابن الأشتر ( فخرج يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة ست وستين، وخرج معهالمختار يودعه في وجوه أصحابه، وخرج معهم خاصة المختار، ومعهم كرسي المختار على بغلأشهب ليستنصروا به على الأعداء، وهم حافون به يدعون ويستصرخون ويستنصرونويتضرعون‏.‏.. واستمر أصحاب الكرسي سائرين مع ابن الأشتر..)

2 ــ وروى الطبرى أن طفيل بن جعدة بن هبيرة هو الذى أعطى هذا الكرسى للمختار على أنه فيه (أثرة من علم ) . فاشتراه منه باثني عشر ألفاً، ، تقول الرواية عن الطبرى : ( فخطب المختار الناس فقال‏:‏ إنه لم يكن في الأمم الخالية أمرإلا وهو كائن في هذه الأمة مثله، وأنه قد كان في بني إسرائيل تابوت يستنصرون به،وإن هذا مثله‏.‏ثم أمر فكشف عنه أثوابه وقامت السبابية فرفعوا أيديهم وكبرواثلاثاً ..‏فلما قيل‏:‏ هذا عبيد الله بن زياد قد أقبل، وبعث المختار ابنالأشتر، بعث معه بالكرسي يحمل على بغل أشهب قد غشي بأثواب الحرير، عن يمينه سبعةوعن يساره سبعة‏.‏فلما تواجهوا مع الشاميين كما سيأتي وغلبوا الشاميين وقتلوا ابنزياد، ازداد تعظيمهم لهذا الكرسي حتى بلغوا به الكفر‏.‏قال الطفيل بن جعدة فقلت‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، وندمت على ماصنعت، وتكلم الناس في هذا الكرسي وكثر عيب الناس له، فغُيّب حتى لا يُرى بعد ذلك‏.‏)

ثالثا  : خزعبلات للمختار إستمرت بعد المختار :

1 ـ   إطلاق لقب المهدى على ( ابن الحنفية ).

1 / 1  لم يزعم ابن الحنفية أنه ( المهدى ) ، ولم يُطلق أحد على أخيه الحسين ( ابن فاطمة ) لقب المهدى برغم أن الحسين أعلى مكانة من أخيه ابن الحنفية . المختار هو الذى أطلق لقب المهدى على ( ابن الحنفية ). ومبلغ علمنا أنه أول من أطلق هذا اللقب وذلك الوصف ، وبعدها أصبح ( المهدى ) جزءا من العقيدة الشيعية . وبهذه المهدية قالت بعض الدعوات السياسية الشيعية بعد المختار ، ولا تزال . 

1 / 2 : وقد قالوا عن المختار : (  أراد تأكيد أمره فادعى أن محمد بن الحنفية هوالمهدي الذي سيخرج في آخر الزمان ، وأنه أمره أن يدعو الناس إلى بيعته. ) . واستمال المختار الى جانبه ابراهيم بن الأشتر بزعم أن ( المهدى) ( أبن الحنفية ) بعث له بكتاب ، تقول الرواية  : (وكتب المختار كتابا على لسان محمد بنالحنفيةالى ابراهيمبن الاشتر وجاء فاستاذن عليه وقيل : " المختار امين ال محمد ورسوله . " . فاذن له وحياه ورحببه واجلسه معه على فراشه . فتكلم المختار وكان مفوها ..ثم قال انكم اهل بيت قد اكرمكم الله بنصرة ال محمد .. وقد كتب اليك المهديكتابا وهؤلاء الشهود عليه  )وعندما وصله كتاب إستغاثة الهاشميين وقد هددهم ابن الزبير بالحرق ، تقول الرواية  ( فقدموا على المختار فدفعوا إليه الكتاب ، فنادى في الناس وقرأ عليهمالكتاب وقال‏:‏ هذا كتاب مهديكم وصريح أهل بيت نبيكم وقد تُركوا ينتظرون التحريقبالنار .. ) .‏

  1 / 3 ــ يقول المختار فى رسالة لابن الحنفية : ( بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد بن علي من المختار بن أبي عبيد،سلام عليك أيها المهدي، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد‏:‏فإن الله بعثني نقمة على أعدائكم فهم بين قتيل وأسير، وطريد وشريد،فالحمد لله الذي قتل قاتلكم، ونصر مؤازركم، وقد بعثت إليك برأس عمر بن سعد وابنه،وقد قتلنا ممن اشترك في دم الحسين وأهل بيته كل من قدرنا عليه، ولن يعجز الله منبقي، ولست بمنحجم عنهم حتى يبلغني أنه لم يبق وجه على الأرض منهم أحد، فاكتب إليأيها المهدي برأيك أتبعه وأكون عليه، والسلام عليك أيها المهدي ورحمه اللهوبركاته‏.‏ )

1 / 4 : وأراد ابن الحنفية أن يهرب الى الكوفة بسبب خوفه من ابن الزبير ، وخشى المختار من قدومه للكوفة ، تقول الرواية : ( فهم بنالحنفيةان يقدم الىالكوفة ، وبلغ ذلك الى المختار فثقل عليه قدومه ، فقال ان للمهدي علامة، يقدم بلدكم هذافيضربه رجل في السوق بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه . فبلغ ذلك بنالحنفيةفاقام . ).

2 ـ  الزعم بأن جبريل والملائكة معه : وهو زعم ردّده أساطين الأديان الأرضية فى التصوف والسنة والتشيع .

2 / 1 :  يقول  رفاعة القتباني: ( دخلت علىالمختار فألقلى إلي وسادة وقال لولا أن أخي جبرائيل قام عن هذه ــ وأشار إلى أخرى عنده ــ  لألقيتها لك ).

2 / 2 : حكاية الشاعر (سراقة  بن مرداس الأزدى البارقى ) . كان اسيرا لدى المختار بعد هزيمة ابن زياد . وقد إستغل زعم المختار بأنه يعلم الغيب وأن الملائكة تقاتل معه ــ إستغل هذا فى أن ينجو من القتل  تقول الرواية : (كان قد قاتل المختار فأخذه أسيرا ، وأمر بقتله ، فقال : لا والله ، لا تقتلنى حتى تنقض دمشق حجرا حجرا . فقال المختار لأبى عمره : من يخرج أسرارنا ؟ ثم قال : من أسرك ؟ قال : قوم على خيل بلق ، عليهم ثياب بيض ، لا أراهم فى عسكرك ( يعنى الملائكة )  ، فأقبل المختار على أصحابه فقال : ( إن عدوكم يرى من هذا ما لا ترون . ) قال : إنى قاتلك.  قال : والله يا أمين آل محمد انك تعلم أن هذا ليس باليوم الذى تقتلنى فيه ، قال : ففى أى يوم اقتلك ؟ قال : تضع كرسيك على باب دمشق ، فتدعونى يومئذ فتضرب عنقى . فقال المختار لأصحابه : يا شرطة الله من يرفع حديثى . ثم خلّى عنه..).

وتقول رواية أخرى : ( ولما خرج المختار منجبانة السبيع، وأقبل إلى القصر.. ناداه سراقة بن مرداسبأعلا صوته ، وكان في الأسرى‏.‏

أمنن عليّ اليوم يا خير معد * وخير من حل بشحر والجند

وخير من لبى وصام وسجد

  فبعث إلى السجن فاعتقله ليلة، ثم أطلقه من الغد، فأقبل إلىالمختار وهو يقول‏:‏

ألا أخبر أبا إسحاق أنا * نزونا نزوةً كانت علينا

خرجنا لا نرى الضعفاء شيئاً * وكان خروجنا بطراً وشينا

 نراهم في مصافهم قليلاً * وهم مثل الربا حين التقينا

برزنا إذ رأيناهم فلما * رأينا القوم قد برزوا إلينا

رأينا منهم ضرباً وطحناً * وطعناً صائباً حتى انثنينا

نصرت على عدوك كل يومٍ * بكل كثيبةٍ تنعى حسيناً

كنصر محمدٍ في يوم بدرٍ * ويوم الشعب إذ لاقى حُنينا

فاسجح إذ ملكت فلو ملكنا * لجرنا في الحكومة واعتدينا

تقبل توبةً مني فإني * سأشكر إذ جعلت العفو دينا

وجعل سراقة بن مرداس يحلف أنه رأى الملائكة على الخيول البلق بينالسماء والأرض، وأنه لم يأسره إلا واحد من أولئك الملائكة، فأمره المختار أن يصعدالمنبر فيخبر الناس بذلك‏.‏فصعد المنبر فأخبر الناس بذلك، فلما نزل خلا به المختار، فقال له‏:‏إني قد عرفت أنك لم تر الملائكة، وإنما أردت بقولك هذا‏:‏ أني لا أقتلك، ولست أقتلكفاذهب حيث شئت لئلا تفسد على أصحابي‏.) 

3 ـ وضع الحديث :  واشتهر هذا البلاء وعمّ وطمّ بعد المختار . سبقهم المختار بوضع أحاديث منسوبة للنبى ، (قال المختار لرجل من أصحاب الحديث‏:‏ ضع لي حديثًا عن النبيصلى الله عليه وسلم أني كائن بعده خليفة وطالب له ثرة ولده وهذه عشرة آلاف درهموخلعة ومركوب وخادم فقال الرجل‏:‏ أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا ولكن اخترمن شئت من الصحابة واحطط من الثمن ما شئت قال‏:‏ عن النبي أأكد قال‏:‏ والعذاب عليهأشد‏.‏ ). ورفض ابن عمار بن ياسر أن يضع حديثا يرويه عن أبيه ، فقتله المختار ، تقول الرواية : ( وقتل المختار محمد بنعمار بن ياسر ظلما لأنه سأله أن يحدث عن أبيه بحديث كذب فلم يفعل فقتله )

4 ـ ( شرطة الله ): وهذا يشبه ما يقال فى عصرنا عن أحد الأحزاب الشيعية : ( حزب الله ).

حين أرسل جيش الخشبية لانقاذ بنى هاشم من الحريق قال لهم:   ( يا شرطة الله لقد اكرمكم اللهبهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمر. ). أى أصدر المختار قراره بأن يكون ثواب كل جندى منهم عشر حجات وعشر عُمرات . وحين قال لهم هذا لم يبصق أحدهم فى جهه.!!..بل على العكس ، شاع تعبير ( يا شرطة الله ) فى وصف جيش المختار ، وفى معركة جيش المختار بقيادة ابراهيم بن الأشتر ضد عبيد الله بن زياد ، تقول الرواية : (فجعل الأشتر يناديهم‏:‏إلي يا شرطة الله، أنا ابن الأشتر، وقد كشف عن رأسه ليعرفوه،فالتاثوا به وانعطفوا عليه ..).

اخيرا : شهادة أعدائه عليه بالكفر

1 ـ تعرض كرسى المختار وقوله ( شرطة الله ) الى هجوم لاذع . يقول أعشى همدان‏:‏

شهدت عليكم أنكم سبائية * وأني بكم يا شرطة الشرك عارف

وأقسم ما كُرْسِيُّكُمْ بسكينةٍ *   وإن كان قد لفت عليه اللفائف

 وقال المتوكل الليثي‏:‏

أبلغ أبا إسحاق إن جئته * أني بِكُرْسِيُّكم كافر

 ( المختار كنيته أبو اسحاق ) .

 2 ـ وكما كان المختار يصنع أحاديث تؤيده فإن خصومه وضعوا أحاديث تجعله كذابا . ومنها زعمهم ان النبى قال : ‏‏(‏إن في ثقيف كذاباً ومبيراً‏)‏‏)، وقد جاء فى ( صحيح مسلم ) ، وفسروا المبير بأنه الحجاج بن يوسف الثقفى ، والكذاب هو المختار الثقفى.

‏ومعلوم انه عليه السلام لا يعلم الغيب وليس له أن يتكلم فيه.

 

 ابن الحنفية المفترى عليه : التضارب فى الأقوال المنسوبة لابن الحنفية

مقدمة :

مأساة كربلاء جعلت ابن الحنفية يتأكد من سلامة موقفه ، ولقد نصح أخاه الحسين بألا يذهب الى الكوفة فرفض الحسين ، وبعد ما حدث آثر ابن الحنفية الابتعاد عن الفتن ما إستطاع. ثم ظهر المختار الثقفى يرفع إسم ابن الحنفية  فى خضم الصراع بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان فتعقد الموقف بالنسبة له ـ وقد اصبح كبير العلويين ـ وكل من ابن الزبير وابن مروان يريد منه البيعة . أصبح مرغما على التعامل مع هذه التعقيدات بما يحافظ على سلامته وسلامة أهله وما يتجنب به سفك الدماء .

ويذكر ابن الأثير والطبرى أن بعض الشيعة فى الكوفة شكُّوا فى زعم المختار التحدث باسم ابن الحنفية وارسلوا وفدا لابن الحنفية يستوثق من الأمر فقال لهم : ( وأما ما ذكرتم ممن دعاكم إلى الطلببدمائنا فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه .). وعرض المختار على ( ابن الحنفية ) أن يرسل اليه جيشا (  كثيفا ،ً وتبعثإليهم من قبلك رجلاً يعلموا أني في طاعتك فافعل. ) يعنى يريد منه إعترافا صريحا واضحا بأن المختار يتصرف باسمه وبإذنه ، ( فكتب إليه ابن الحنفية: " أما بعد فقد قرأتكتابك وعرفت تعظيمك لحقي وما تنويه من سروري، وإن أحب الأمور كلها إلي ما أطيع اللهفيه، فأطع الله ما استطعت، وإني لو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعاً والأعوان ليكثيراً، ولكن أعتزلكم وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. " وأمره بالكف عنالدماء.) . هذه هى شخصية ابن الحنفية وسط هذه الحروب المشتعلة والتى يُشعلها البعض باسمه . وحتى بعد أن صار لابن الحنفية جيش من الأتباع يسير ويقيم معه فإنه لم يلجأ للقتال ، بينما يطرده ابن الزبير ثم عبد الملك بن مروان . أكثر من هذا ، كان ابن الزبير على وشك أن يحرقهم ـ وأطفالهم ـ بالنار ، وجاء الجيش الذى أنقذهم ، وهرب ابن الزبير ، وكان الجيش متحفرا لقتل ابن الزبير لولا أن نهاهم ابن الحنفية .

2 ـ لم يكن محمد بن الحنفية يعلم أنه ستتكون بعد موته فرقة الكيسانية الشيعية بعقائد أرساها المختار بخزعبلاته . ولم يكن يعلم أنهم سيسندون له أقوالا ، وسيصنعون له شخصية إلاهية ، وأنه سيكون محل إختلاف بينهم .  كان يؤمن بأحقيتهم بالخلافة ، ولكن لا يريد أن يقاتل من أجل هذا الحق ، يريد أن يؤتى له بهذا الحق بتراض وإتفاق .

ولكن إختلف الحال بعد موته ، بوجود أولاده الكثيرين ، وأكبرهم ( ابو هاشم ) وبوجود الفرقة العسكرية التى لازمته فى حياته ، وظلت مع أولاده بعد مماته ، وحياتهم فى كنف الأمويين وقريبا منهم بعد أن أعطى لهم عبد الملك الأمان ، وأنفق عليهم الفرائض أى العطاء والمرتبات .

3 ـ بدأ الاختلاف على مستويين : ( الدعوى ) بالدعوة الكيسانية، و ( السياسى ) بتحرك الكيسانية سرا لاقامة المُلك الهاشمى لشخص مجهول من آل البيت أطلقوا عليه :( الرضى من آل محمد ) ،ولم يكن إلا من نسل محمد بن الحنفية . من هنا نشأ التضارب بين ابن الحنفية وسيرة أولاده ( ابوهاشم ) على المستوى الدعوى الذى تأثر بخزعبلات المختار الثقفى ، وعلى المستوى السياسى ، فبعد أن كان ابن الحنفية ينتظر أن تأتيه الخلافة على طبق من ذهب ، فإن أولاده سعوا الى الفوز بها بتكوين جماعة سرية عنقودية ، وجعلوا رأسها مجهول الاسم ليستقطبوا الجميع لها من ناحية وليحافظوا على حياة زعيم التنظيم من ناحية أخرى .

4 ـ  وكان لا بد لهم من الكذب على (ابن الحنفية ) بنسبة اقوال له تسوغ هذا التطور الدعوى العقيدى وهذا التحرك السياسى التآمرى . وبهذا نرى تضاربا فى الأقوال المنسوبة لابن الحنفية . فطبقا لما جاء فى سيرته فى الطبقات الكبرى لابن سعد فإن شخصية ابن الحنفية من خلال مواقفه تتناقض مع صورته التى رسمتها فرق وطوائف الكيسانية . ولكن نسب ابن سعد لابن الحنفية أقوالا متضاربة ، بعضها ينسجم مع شخصيته وعصره وبيته الهاشمى وقتها ، والبعض الآخر يتناقض معه ومع عصره ، واقرب ما يكون لخزعبلات المختار ، الذى لم يكن ابن الحنفية يستسيغه ويطمئن اليه . وهذا هو موضوعنا هنا :

أولا : ـ من الأقوال التى نرى أنها تنسجم مع شخصية ابن الحنفية ما يلى :

1 : رفض ابن الحنفية لمزاعم الأحاديث التى قيل انهم ورثوها عن النبى ، تقول الرواية : (  فبلغ محمدا انهم يقولون ان عندهم شيئا اي من العلم .. فقام فينافقال : " إنا والله ما ورثنا من رسول الله الا ما بين هذين اللوحين. " ثم قال : " اللهم حلاوهذه الصحيفة في ذؤابة سيفي." قال فسالت وما كان في الصحيفة ؟ قال : " من احدث حدثا او آوىمحدثا ) يعنى انه يحفظ عن النبى ورقة مكتوبا فيها حديثين فقط .. وهما لا يخلوان من التشويش والابهام .

2   قال  منذر الثوري : (  كنتعند محمد بنالحنفيةفسمعته يقول: "ما اشهد على احد بالنجاة ولا انه من اهل الجنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلمولا على ابي الذي ولدني . " ). أى إنه لا يشهد لأبيه ( على بن أبى طالب ) بالجنة .!. يشهد للنبى محمد فقط . وهذا طبقا لما جاء فى القرآن الكريم ( التوبة 88 : 89 )

  3 : قوله عن بنى هاشم وبنى أمية ، وإنحياز الناس الى بنى هاشم أو بنى امية يتقاتلون بسببهما : (    اهلبيتين من العرب يتخذهما الناس اندادا من دون الله نحن وبنو عمنا هؤلاء .ــ يعني بنيامية  ــقال نحن اهلبيتين من قريش نُتّخذ من دون الله اندادا ، نحن وبنو امية . ) يعنى أنه يجعل هذا الاقتتال فى سبيل بنى هاشم أو بنى أمية قرين الشرك بالله جل وعلا ، أى إنه بدلا من القتال فى سبيل الله جل وعلا يقاتلون فى سبيل بنى هاشم أو بنى أمية . وهذا فكر صائب ورائع .!

  4: كان ابن الحنفية مُدركا لمكانة الهاشميين فى قريش ، ومدركا أيضا للظلم الذى يحيق به وبأهله ، تقول الرواية : ( جاء رجل الى بنالحنفيةفسلم عليه،  فرد عليه السلام . فقال : " كيف انت ؟ "  فحرك يده ، فقال : " كيف انتم ؟ أما  آن لكم ان تعرفوا كيف نحن ؟  انما مثلنا في هذه الامة مثل بني اسرائيل في ال فرعون، كان يذبحابناءهم ويستحيينساءهم ، وان هؤلاء يذبحونابناءنا وينكحوننساءنا بغير امرنا .  فزعمت العرب ان لها فضلا على العجم ، فقالت العجم وما ذاك ؟ قالواكان محمدا عربيا . قالوا صدقتم ... وزعمت قريش ان لها فضلا على العرب، فقالت العرب:  وبم ذا ؟ قالوا قد كان محمد قرشيا،  فان كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس . )

  5 : كان يؤمن أنه لهم حقا ، وان هذا الحق سيأتيهم بلا سفك دماء ، وما عليهم إلا الانتظار . نفهم هذا من هاتين الروايتين : قال محمد بنالحنفيةلأبى الطفيل : ( إلزم هذا المكان ، وكن حمامة من حمام الحرم حتى ياتي امرنا .  فان امرنا اذا جاء فليس بهخفاء كما ليس بالشمس اذا طلعت خفاء . وما يدريك ان قال لك الناس تاتي من المشرق وياتيالله بها من المغرب ، وما يدريك ان قال لك الناس تاتي من المغرب وياتي الله بها منالمشرق ، وما يدريك لعلنا سنؤتى بها كما يؤتى بالعروس ) ،  ( قال إبنالحنفية: "رحم اللهامرا اغنى نفسه وكف يده وامسك لسانه وجلس في بيته له ما احتسب وهو مع من احب .... الا ان لاهل الحق دولة ياتي بها اللهاذا شاء ، فمن ادرك ذلك منكم ومنا كان عندنا في السنام الاعلى ، ومن يمت فما عند اللهخير وابقى ).

  6 :  ثم هذه القصة الرائعة التى تُصوّر الشخصية الحقيقية لابن الحنفية فى رفضه للفتن وسفك الدماء برغم معاناته وأهله ، وفى رفضه للأحاديث التى بدأت تنتشر منسوبة للنبى تصاحب الصراعات السيايسة الحربية وقتئذ . ذهب الراوى لهذه القصة الى ابن الحنفية وهو يتكلم فى الناس ، فطلب من ابن الحنفية ان يختلى به .  يقول : (   قلت : " ان لي اليك حاجة . " قال : " أسرُّ هي ام علانية ؟ .. قلت : " بل سر " قال : " اجلس " . فجلست ، وحدث القومساعة،  ثم قام فقمت معه ،  فلما ان دخل دخلت معه بيته . قال :"  قل بحاجتك " ...  قلت : " اما بعدفوالله ما كنتم اقرب قريش الينا قرابة فنحبكم عن قرابتكم ولكن كنتم اقرب قريش الىنبينا قرابة فلذلك احببناكم على قرابتكم من نبينا ،  فما زال بنا الشين في حبكم حتىضربت عليه الاعناق وابطلت الشهادات وشردنا في البلاد واوذينا حتى لقد هممت ان اذهبفي الارض قفرا فاعبد الله حتى القاه ، لولا ان يخفى علي امر ال محمد ، وحتى هممت اناخرج مع اقوام شهادتنا وشهادتهم واحدة على امرائنا فيخرجون فيقاتلون.. وقد كانت تبلغنا عنك احاديث من وراء وراء فاحببت ان اشافهك للكلام فلااسال عنك احدا وكنت اوثق الناس في نفسي واحبه الي ان اقتدي به فارى برايك وكيف ترىالمخرج اقول هذا واستغفر الله لي ولكم . " ... فحمد الله .. ثم قال : " أما بعد فاياكم وهذه الاحاديث، فانها عيب عليكم . وعليكم بكتاب الله تبارك وتعالى ، فانه به هدي اولكم وبه يهدى اخركم.  ولعمري لئن اوذيتم لقد اوذي من كان خيرا منكم . اما قيلك لقد هممت ان اذهب في الارضقفرا  فاعبد الله حتى القاه واجتنب امور الناس لولا ان يخفى علي امور ال محمد ، فلاتفعل فانك تلك البدعة الرهبانية ولعمري لامر ال محمد ابين من طلوع الشمس . واما قيلكلقد هممت ان اخرج مع اقوام شهادتنا وشهادتهم واحدة على امرائنا فيخرجون فيقاتلونونقيم ، فلا تفعل لا تفارق الامة اتق هؤلاء القوم بتقيتهم .. ولاتقاتل معهم ".  قلت : " وما تقيتهم ؟  قال : " تحضرهم وجهك عند دعوتهم فيدفع الله بذلك عنك عندمك ودينك وتصيب من مال الله الذي انت احق به منهم . " .. قلت : أرايت ان اطاف بي قتالليس لي منه بد  ؟ قال : " تبايع باحدى يديك الاخرى لله وتقاتل لله ، فان الله سيدخل اقوامابسرائرهم الجنة وسيدخل اقواما بسرائرهم النار.  واني اذكرك الله ان تبلغ عني ما لمتسمع مني او تقول علي ما لم اقل اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ." ). الواضح من أقوال ابن الحنفية هنا : رفضه الأحاديث تمسكا منه بكتاب الله جل وعلا ، ورفضه قتال الأمويين ، إلا القتال الدفاعى عند الاضطرار .

ثانيا :  من الأقوال التى تتناقض معه وتتفق مع الكيسانية وخزعبلات المختار ما يلى : 

  1 : قوله  أنه المهدى : يزعمون أنه ( كانوا يسلمون على محمد بن علي سلام عليك يا مهديفقال اجل انا مهدي اهدي الى الرشد والخير ، اسمي اسم نبي الله وكنيتي كنية نبي الله،  فاذا سلم احكم فليقل سلام عليك يا محمد السلام عليك يا ابا القاسم . ) وهى رواية تتناقض عباراتها ،

  2 :  قوله : (   من احبنانفعه الله وان كان في الديلم  ) . وهذا ممن الأحاديث السياسية المنسوبة اليه والتى أشاعتها الدعوة الكيسانية السرية فى المشرق .

3   : رواية مضحكة  تنسب العلم اللدنى الالهى لابن الحنفية ، تقول : ( لما بعث عبد الملك الحجاج الى مكة والمدينة قال له انه ليس لك على محمدبنالحنفيةسلطان قالفلما قدم الحجاج ارسل اليه الحجاج يتوعده ثم قال اني لارجو ان يمكن الله منك يومامن الدهر ويجعل لي عليك سلطانا فافعل وافعل قال كذبت يا عدو نفسه الاشعرت ان لله فيكل يوم ستون وثلاثمائة لحظة او نفخة فارجو ان يرزقني الله بعض لحظاته او نفحاته فلايجعل لك علي سلطانا قال فكتب بها الحجاج الى عبد الملك فكتب بها عبد الملك الى صاحبالروم فكتب اليه صاحب الروم ان هذه والله ما هي من كنزك ولا كنز اهل بيتك ولكنها منكنز اهل بيت نبوة. ). المضحك هنا أن الراوى يجعل نفسه حاضرا لما دار بين ابن الحنفية والحجاج ، وحاضرا لما دار بين الحجاج وعبد الملك بن مروان ، وحاضرا لما دار من تراسل بين ملك الروم وعبد الملك . كل هذه الأكاذيب المضحكة لينسب علما الاهيا لابن الحنفية .

أخيرا

  ـ هذه الخزعبلات نسبها أساطين الكيسانية لمحمد بن الحنفية . ونتوقف فى لمحة عن الكيسانية وتوابعها الالحادية  .

الكيسانية وتوابعها الالحادية  

أولا : خزعبلات الكيسانية :

1 ـ  ظهرت السبئية فى حياة (على بن أبى طالب ) تؤلهه ، ثم ظهرت الكيسانية بعد موت محمد بن على بن أبى طالب ، تؤلهه أيضا ، وتختلف فيما بينها ، بعضها يتطرف فيجعل ابن الحنفية أفضل من أخويه الحسن والحسين وبعضها يقدسه ولكن يعاقبه لأنه بايع عبد الملك بن مروان .

2 ـ لم يكن اسم الكيسانية موجودا فى حياة ابن الحنفية ، ظهر وشاع بعد موته ، ولذا كان مختلفا فى أصله يقول ابو الحسن الأشعرى فى كتابه ( مقالات الاسلاميين ): الكيسانية : (وإنّما سمّوا كيسانية لأنّ المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي ودعا إلى محمد ابن الحنفية كان يقال له كيسان ، ويقال إنّه مولى لعلي بن أبي طالب ـ رضي اللّه عنه ـ) وبعضهم يطلق على ابن الحنفية ـ بعد موته ـ إسم كيسان . وهذا يعنى ان الاختلاف والاختلاق صاحبا الكيسانية من البداية حتى فى إسمها .

3 ـ . ويذكر الأشعرى الفرق المختلفة للكيسانية : ( وهي إحدى عشرة فرقة : الفرقة الأولى من الكيسانية :  يزعمون أنّ علي بن أبي طالب عليه‌ السلام نصّ على إمامة ابنه محمد ابن الحنفية. والفرقة الثانية : يزعمون أنّ علي بن أبي طالب نصّ على إمامة ابنه الحسن بن علي وأنّ الحسن بن علي نصّ على إمامة أخيه الحسين بن علي وأنّ الحسين بن علي نصّ على إمامة أخيه محمد بن علي وهو محمد ابن الحنفية. والفرقة الثالثة من الكيسانية ، هي الكربية أصحاب أبي كرب الضرير ، يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية حيّ بجبال رضوى ، أسد عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه ، يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه. ومن القائلين بهذا القول كُثَيِّـر الشاعر وفي ذلك يقول : 

ألاّ إنّ الأئمّة من قريش                   ولاة الحقّ أربعة سواء

علي والثلاثة من بينيه                    هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبطٌ، سبطُ إيمانٍ وبرٍّ                   وسبطٌ غيَّبت كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى             يقود الخيل يَقْدُمها اللواء

تغيّب لا يُرى فيهم زمان                برضوى عنده عسل وماء

 

الفرقة الرابعة : يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية إنّما جُعل بجبال رضوى عقوبة لركونه إلى عبد الملك ابن مروان وبيعته إيّاه. والفرقة الخامسة : يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية مات وأنّ الاِمام بعده ابنه أبو هاشم : عبد اللّه بن محمد الحنفية  . والفرقة السابعة : قالت إنّ الاِمامة بعد موت أبي هاشم لابن أخيه الحسن بن علي بن محمد ابن الحنفية. والفرقة الثامنة : قالت إنّ أبا هاشم أوصى إلى أخيه علي بن محمد ، وعليّ أوصى إلى ابنه الحسن ، فالاِمامة عندهم في بني الحنفية لاتخرج إلى غيرهم . والفرقة التاسعة : يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد اللّه ابن العباس قالوا : وذلك أنّ أبا هاشم مات بأرض الشراة  منصرفة من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ، ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ، ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض ، ثم رجع بعض هوَلاء عن هذا القول وزعموا أنّ النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم نصّ على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماماً ، ثمّ نصّ العباس على إمامة ابنه عبد اللّه ونصّ عبد اللّه على إمامة ابنه علي بن عبد اللّه ، ثم ساقوا الاِمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور. الفرقة العاشرة : يزعمون أنّ أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي وانّه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه. الفرقة الحادية عشرة : يزعمون أنَّ الاِمام بعد أبي هاشم عبد اللّه بن محمد ابن الحنفية وعليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب  . )( وقالت فرقة من الكيسانية إنّ محمد بن الحنفية هو المهدي ، وهو وصيّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام ليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه ولا يخرج عن إمامته ولايُشهّر سيفه إلاّ بإذنه ، وإنّما خرج الحسن بن علي عليهما‌ السلام إلى معاوية محارباً له بإذن « محمّد » وأودعه وصالحه بإذنه ، وأنّ الحسين إنّما خرج لقتال يزيد بإذنه ، ولو خرجا بغير إذنه هلكا وضلاّ ، وأنّ من خالف محمد ابن الحنفية كافر مشرك. ) أى يفضلون ابن الحنفية على أخيه الحسين .   

 

4 ـ ونضع بعض ملاحظات :

4 / 1 : عاش الجيش الذى صحب ابن الحنفية معه ثم مع اولاده بعده ، متمتعين بكرم الأمويين ، ولم يمنعهم هذا من التآمر على الدولة الأموية بتكوين تنظيم سرى عنقودى للدعوة الى إقامة خلافة لشخص مجهول ( الرضى من آل محمد )  كان هو ابو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية . وإكتشف الأمويون الأمر عام 99 ، ووضع الخليفة سليمان بن عبد الملك فى طريق أبى هاشم من سقاه السُّم ، وأحسّ ابو هاشم بالموت وهو فى الطريق ومعه أسرار الدعوة العنقودية ، وكان فى طريقه وقريبا منه ابن عمه ( محمد بن على بن عبد الله بن عباس ) فسار اليه وأفضى اليه بأسرار الدعوة ، وجعله ( الرضى من آل محمد ) صاحب الدعوة . وبهذا إنتقلت الدعوة السياسية من فرع الطالبيين الهاشميين الى فرع العباسيين الهاشميين . ولم يحس الأتباع بهذا التغيير على رأس الدعوة وصاحبها . وإختلفت الكيسانية عندما نجح العباسيون بالدعوة الكيسانية فى إسقاط الدولة الأموية واكتشفوا أن جهادهم ذهب الى بنى العباس وليس الى بنى (على بن ابى طالب ) . إختلفوا . منهم من عارض التحول الجديد تمسكا بحق اولاد (على ) ومنهم من وافق على الوضع الجديد ، ورضى بتحوّل الأمر الى بنى العباس .

وظهر هذا الاختلاف ضمن الفرق الجديدة للكيسانية ، ونسترجع ما قاله الأشعرى عنهم : (والفرقة التاسعة : يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد اللّه ابن العباس قالوا : وذلك أنّ أبا هاشم مات بأرض الشراة  منصرفة من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ، ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ، ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض ، ثم رجع بعض هوَلاء عن هذا القول وزعموا أنّ النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم نصّ على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماماً ، ثمّ نصّ العباس على إمامة ابنه عبد اللّه ونصّ عبد اللّه على إمامة ابنه علي بن عبد اللّه ، ثم ساقوا الاِمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور.  ).

4 / 2 : وبعض الكيسانية أخرجت العلويين من الموضوع تماما ، وهى  : ( الفرقة العاشرة : يزعمون أنّ أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي ، وانّه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه. ). أى إن تنازل أبى هاشم لابن عمه العباسى جعلهم يزعمون أنهم الأولى بوراثة الكيسانية . 

ثانيا : توابع الكيسانية :

1 ـ هذا المسمى ( بيان بن سمعان التميمى ) تحالف معه أفّاق آخر إسمه المغيرة بن سعيد . وقد قتلهم الوالى الأموى المشهور خالد بن عبد الله القسرى والى العراق عام 119. تقول الرواية : ( ذكر قتل المغيرة بن سعيد وبيان:في هذه السنة خرج المغيرة بن سعيد وبيان في ستة نفر، وكانوا يسمون الوصفاء، وكان المغيرة ساحراً، وكان يقول: لو أردت أن حيي عاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً لفعلت.وبلغ خالد بن عبد الله القسري خروجهم بظهر الكوفة وهو يخطب فقال::( أطعموني ماء؛ ) فقال يحيى بن نوفل في ذلك:أخالد لا جزاك الله خيراً ** وأير في حر امك من أمير

وكنت لدى المغيرة عبد سوء ** تبول من المخافة للزئير

وقلت لما اصابك أطعموني ** شراباً ثم بُلت على السرير.

لأعلاج ثمانية وشيخٍ ** كبير السن ليس بذي نصير ). وواضح ان الشاعر من الكيسانية . وتقول الرواية أن خالد القسرى أحرقهم بالنار . ( فأرسل خالد فأخذهم وأمر بسريره فأخرج إلى المسجد الجامع وأمر بالقصب والنفط فأحضرا فأحرقهم. ) وتعرض الرواية لمعتقدات  المغيرة الكيسانية : ( وكان رأي المغيرة التجسيم، يقول: إن الله على صورة رجل على رأسه تاج، وإن أعضاءه على عدد حروف الهجاء، ويقول ما لا ينطق به لسان؛ تعالى الله عن ذلك، يقول: إن الله تعالى لما أراد أن يخلق تكلم باسمه الأعظم فطار فوقع على تاجه، ثم كتب بإصبعه على كفه أعمال عباده من المعاصي والطاعات، فلما رأى المعاصي ارفض عرقاً، فاجتمع من عرقه بحران أحدهما ملح مظلم والآخر عذب نير، ثم اطلع في البحر فرأى ظله فذهب ليأخذه فطار فأدركه فقلع عبيني ذلك الظل ومحقه فخلق من عينيه الشمس وسماء أخرى، وخلق من البحر الملح الكفار، ومن البحر العذب المؤمنين. وكان يقول بإلهية علي وتكفير أبي بكر وعمر وسائر الصحابة إلا من ثبت مع علي، وكان يقول: إن الأنبياء لم يختلفوا في شيء من الشرائع، وكان يقول بتحريم ماء الفرات وكل نهر أو عين أو بئر وقعت فيه نجاسة، ..وجاء المغيرة إلى محمد الباقر فقال له: أقرر أنك تعلم الغيب حتى أجبي لك العراق. فنهره وطرده. وجاء إلى ابنه جعفر بن محمد الصادق فقال له مثل ذلك، فقال: أعوذ بالله! ) وتقول الرواية عن بيان بن سمعان التميمى ( الكيسانى ) : ( وأما بيان فإنه يقول بإلهية علي وإن الحسن والحسين إلهان، ومحمد بن الحنفية بعدهم، ثم بعده ابنه أو هشام بن محمد بنوع من التناسخ، وكان يقول: إن الله تعالى بفنى جميعه إلا وجهه، ويحتج بقوله: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}. تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً. وادعى النبوة، وزعم أنه المراد  بقوله الله جل وعلا : (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) آل عمران  )

2 ـ المغيرة وبيان لم يكونا من قريش ، وكانت مفاجأة أن يأتى الالحاد من ذرية الطالبيين ، وهو (عبدالله ابن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب  ) ظهر فى فترة الاضطراب التى صاحبت سقوط الدولة الأموية ، ثار بالكوفة وتبعه ناس ، وانتهى أمره الى المسير الى  اصفهان ، ( وغلب على تلك الديار , ثم ظفر به أبو مسلم الخرساني فقتله وقيل : سجنه إلى أن مات ) . وفى رواية تفصيلية : ( وكان قد خرج عبدالله هذا قبيل الدولة العباسية أوان اختلاف التزارية واليمينية  وقال : " إني اجد الذي يلي الخلافة من بني هاشم اسمه عبدالله وليس فيهم من اسمه عبدالله يستحق ذلك غيري . " . فقدم الكوفة وجمع وأظهرأمره في الجبانة . وعلى العراق عبدالله بن عمر بن عبد العزيز من قبل مروان بن محمد  ، فوجه اليه بخالد بن قطن الحارثي فهزمه عبدالله.  ثم انه خرج إلى المدائن وغلب على الماهيين وهمزان واصبهان والري . وخرج الىه العبيد وتلاحق به الشداد ، ودخل فارس وجبى الاموال في سنة ثمان وعشرين ومائة.  واتسع امره ،  واستعمل اخاه الحسن على الجبال واخاه يزيد على فارس . وقصده الناس من بني هاشم وغيرهم . وقدم يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أميراً على العراق ، فوجه لحربه نباتة بن حنطلة الكلابي ، فهزمه . ثم وجه بابن ضبارة مع ابنه داوود بن يزيد ومعه معن بن زائدة فانهزم عبدالله بن معاوية من اصطخر،  وقتل منهم ابن ضبارة واسر منهم خلقا. ومضى  ابن معاوية الى سمنان ثم الى خرسان ثم وصل هراة هو واخوه الحسن ويزيد اخوه، فأخذهم مالك بن الهيثم ,وكان من قبل أبي مسلم فكتب اليهم يخبرهم فقال : " احبسهم إلى ان يأتيك أمري.". ووجه اليهم بعين ( جاسوس ) فحُبس معهم ، وكانوا يقولون ولا يدرون بمكان العين :" ابومسلم كذاب . ". فكتب العين إليه بذلك ، فجهز يطلبهم فحملوا اليه، فأطلق الحسن ويزيد ابني معاوية،  وقتل عبدالله بن معاوية اخاهم.  وقيل : بل مات سنة تسع وعشرين ومائة . ).

 وقد ذكره ابن حزم في " الملل والنحل " ،وقال :( كان ردئ الدين معطلا يصحب الدهرية وذهب بعض الكيسانية إلى  أن عبدالله حي لم يمت وانه بجبال أصفهان ولا بد أن يظهر . وكانت قتلته في حدود الثلاثين ومائة . , وهو مؤسس فرقة ( الجناحية ) الشيعية . ومنسوب لهم قولهم : ( أن الارواح تتناسخ ، وأن روح الله حلت في آدم ثم في الانبياء إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثم في (علي ) ثم في أولاده الثلاثة من بعده , ثم صارت إلى عبدالله بن معاوية  . وأنه حي لم يمت ومقيم في جبال اصبهان . وذهبوا إلى القول بإلهية الانبياء والائمة وكفروا بالقيامة فأنكروها وأباحوا شرب الخمر وأكل الميتة فكفروا بجميع ذلك . ).

أخيرا : أسئلة بريئة :

هل قدّم الشيطان إستقالته بعد موت النبى عليه السلام أم إتسع له المجال ؟ هل مسيلمة الكذاب .. هو وحده الكذاب ؟ وهل انتهت حركات الردة بعد مقتل مسيلمة و توبة طليحة وسجاح ؟ وهؤلاء الأمويون والقرشيون الذين أمضوا معظم حياتهم حربا للنبى محمد عليه ..ثم دخلوا فى الاسلام قبيل موته ..هل إنصاعوا الى الاسلام أم إستخدموه لمصالحهم ؟  وأخيرا ..الى متى يظل معظم تاريخ ( المسلمين ) فى القرن الأول الهجرى مسكوتا عنه ؟ والى متى يظل التطبيل لتاريخ الخلفاء مناخا لأحلام عودة الخلافة بكل ما فيها من حمامات دم وفسق وإلحاد ..؟ وهل جاءت داعش وأخواتها من فراغ أم من مناهج التعليم وتزوير التاريخ ؟

 

عبد الملك بن مروان أنشأ المسجد الأقصى بديلا عن الكعبة

مقدمة

1 ـ من الحُمق الاعتقاد بأن حديث رب العزة عن مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون فى المدينة ( التوبة  107 : 110 ) كان مجرد تاريخ انتهى ومضى ولم يتكرر . مسجد الضرار هو الذى يُستخدم فى الاضرار بالناس ، بالتناقض مع دور المسجد الذى يجب أن يكون مكانا آمنا للتقوى والاخلاص فى العبادة لرب العزة وحده لا شريك له . مسجد الضرار يجمع بين الكفر الاعتقادى بتقديس البشر والحجر ( كما كانت تفعل قريش بمساجدها : ( الجن 18 : 23 ) وفى الكفر السلوكى بالاعتداء والظلم ، وهذا أيضا كانت تفعله قريش فى إرهابها المؤمنين ومنعهم من دخول مساجد الله جل وعلا ( البقرة 114 ) . وجمعت قريش بين النوعين فى إستخدامها للبيت الحرام ( التوبة 17 : 18 ) .

2 ــ أعادت قريش فى خلافة الراشدين والأمويين مسيرة مساجد الضرار . لم يعد هناك وحى قرآنى يتنزل يفضحهم كما كان الحال فى حياة النبى محمد عليه السلام فى المدينة ،فإنطلقوا يفعلون ما يشاءون من غزو وأحتلال وسبى وسلب ، وقتال أهلى . كل ذلك مع وجود المساجد وإنتشار بنيانها ، والمحافظة على تأدية الصلاة ، حتى وقت المعارك ، سواء كانت غزوا للآخرين أو حربا أهلية . بل تحولت المساجد الى ساحات حرب .

3 ـ الصلاة كانت معروفة بمواقيتها وركعاتها ضمن شعائر ملة ابراهيم والتى تشمل الصيام والحج والتسبيح وإخلاص القلب لرب العزة جل وعلا ، بحيث تكون العبادات وسائل للتقوى . والتقوى تنعكس فى السلام والعدل والابتعاد عن الظلم فى التعامل مع الناس ، وعدم تقديس المخلوقات . قريش حافظت على شكل الصلاة وارتكبت فظائع فى إستغلال البيت الحرام مركزا لتقديس آلهة العرب ، وإضطهاد النبى والمؤمنين ، وبهذا أضاعوا ثمرة صلاتهم ( مريم 59 ).

4 ــ الانغماس فى الظلم مع ( تأدية ) الصلاة  تأدية سطحية يعنى أن تتحول الصلاة الى وسيلة تبرر الظلم وتؤكده وتساعد عليه، أى بدلا من أن تكون وسيلة للتقوى تصبح وسيلة للإثم والعدوان .  أسلمت قريش ، وما لبث أن سيطرت فى خلافة الراشدين فارتكبت جريمة الفتوحات ثم جريمة الفتنة الكبرى الأولى ثم الثانية . وفى كل فظائعها حافظت قريش على ( تأدية ) الصلاة بمواقيتها وحركاتها حتى فى أثناء القتال ، بل كان الأمير على البلد المفتوح وقائد الجيش يسمى ( أمير الصلاة ) وهو الأعلى شأنا من صاحب الجباية و القاضى . ونشروا تعليم الصلاة ، ولا زلنا نصلى بنفس الكيفية ، ونرتكب نفس الفظائع ، نقتل ونصلى ، ننهب ونصلى ، بل يهتفون ( الله أكبر ) وهم يرتكبون الفظائع . سنعرض لتأديتهم الصلاة ومبالغتهم فيها مع تمسكهم بالقتل والقتال فى مقال قادم .نتوقف هنا مع قيام عبد الملك بن مروان بإنشاء المسجد الأقصى بديلا عن الكعبة

أولا : عبد الملك وإنشاء المسجد الأقصى

1 ـ تعرضت الكعبة للإهانة والحرق بيد القرشيين ( الجيش الأموى ، وجيش ابن الزبير ) . ولقد إستغل ابن الزبير موسم الحج لتكثيف دعايته ضد الأمويين ، وبدأ تأثير ذلك واضحا فى أهل الشام الذين يؤدون فريضة ويعودون وقد سمعوا الطعن فى الأمويين . خشى عبد الملك بن مروان من أن ينفضوا عنه وأن ينضموا لابن الزبير ، وهداه تفكيره الى إنشاء ما اسماه بالمسجد الأقصى ، و جعل الحج اليه ، واستغل ذكر اسم المسجد الأقصى فى سورة الاسراء فى الدعوة لتقديس مسجده هذا ، وإستجاب له أهل الشام خصوصا من اسلم منهم ولا يزال يحمل مؤثرات دينه القديم ، وتقديس الهيكل وكنيسة القمامة ، والتى تم إنشاء المسجد الأقصى فى مكانهما . وقد قلنا فى مقالات كتاب ( ليلة القدر هى ليلة الاسراء ) وهى منشورة هنا أن المسجد الأقصى المذكور فى القرآن هو ( طور سيناء ) .

 المسجد الأقصى الحالى لم يكن موجودا فى عصر النبى ، ولم يكن موجودا فى عصر الخليفة (عمر ) حين فتح الشام وفلسطين وزار كنيسة القمامة وصلى خارجها .هذا المسجد الأُكذوبة بناه الخليفة عبد الملك بن مروان .

2 ـ فى تاريخه ( البداية والنهاية ) ينقل المؤرخ الشامى ابن كثير فى أحداث عام 66: (  وفيها‏:‏ ابتدأ عبد الملك بن مروانببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاثوسبعين‏.‏)

 ويقول عن سبب بنائه : ( وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة،وكان يخطب في أيام منى وعرفة، ومقام الناس بمكة، وينال من عبد الملك ويذكر مساويبني مروان، ويقول‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وما نسل، وأنه طريدرسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحاً، فمال معظمأهل الشام إليه‏.‏وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا، فبنى القبة علىالصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عندالصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة‏.‏وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم، ففتح بذلك على نفسه بأن شنع ابنالزبير عليه، وكان يشنع عليه بمكة ويقول‏:‏ ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى،والخضراء، كما فعل معاوية‏. )

وعن عمارته وبنائه يقول : ( ولما أراد عبد الملك عمارة بيت المقدس وجه إليه بالأموال والعمال،ووكل بالعمل رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولاه، وجمع الصناع من أطراف البلادوأرسلهم إلى بيت المقدس، وأرسل إليه بالأموال الجزيلة الكثيرة، وأمر رجاء بن حيوةويزيد أن يفرغا الأموال إفراغاً ولا يتوقفا فيه‏.‏فبثوا النفقات وأكثروا، فبنوا القبة فجاءت من أحسن البناء، وفرشاهابالرخام الملون، وعملا للقبة جلالين أحدهما من اليود الأحمر للشتاء، وآخر من أدمللصيف، وحفا القبة بأنواع الستور، وأقاما لها سدنة وخداماً بأنواع الطيب والمسكوالعنبر والماورد والزعفران، ويعملون منه غالية ويبخرون القبة والمسجد من الليل‏.‏وجعل فيها من قناديل الذهب والفضة وسلاسل الذهب والفضة شيئاًكثيراً، وجعل فيها العود القماري المغلف بالمسك وفرشاها والمسجد بأنواع البسطالملونة‏.‏وكانوا إذا أطلقوا البخور شم من مسافة بعيدة. )

وعن إفتتان الناس به يقول : ( وكان إذا رجع الرجل منبيت المقدس إلى بلاده توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أياماً، ويعرف أنه قدأقبل من بيت المقدس، وأنه دخل الصخرة، وكان فيه من السدنة والقوم القائمين بأمرهخلق كثير، ولم يكن يومئذٍ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيتالمقدس، بحيث إن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج، وبحيث كانوا لا يلتفتون في موسمالحج وغيره إلى غير المسير إلى بيت المقدس‏.‏وافتتن الناس بذلك افتناناً عظيماً، وأتوه من كل مكان، وقد عملوافيه من الإشارات والعلامات المكذوبة شيئاً كثيراً مما في الآخرة، فصوروا فيه صورةالصراط وباب الجنة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووادي جهنم، وكذلك فيأبوابه ومواضع منه، فاغتر الناس بذلك وإلى زماننا‏.‏) أآ ظل إفتتان الناس بالمسجد الأقصى الذى صنعه عبد الملك من عهد عبد الملك فى القرن الأول الهجرى الى عصر المؤلف ابن كثير فى القرن الثامن الهجرى ..,لا يزال حتى اليوم .

ويقول ابن كثير عن الاسراف فى تزيين وتذهيب هذا المسجد  : ( وبالجملة أن صخرة بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير علىوجه الأرض بهجة ومنظراً، وقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شيءكثير، وأنواع باهرة‏.‏ولما فرغ رجاء بن حيوة، ويزيد بن سلام من عمارتها على أكمل الوجوهفضل من المال الذي أنفقاه على ذلك ستمائة ألف مثقال‏.‏وقيل‏:‏ ثلاثمائة ألف مثقال، فكتبا إلى عبد الملك يخبرانه بذلك،فكتب إليهما‏:‏ قد وهبته منكما‏.‏فكتبا إليه‏:‏ إنا لو استطعنا لزدنا في عمارة هذا المسجد من حلينسائنا‏.‏فكتب إليهما‏:‏ إذ أبيتما أن تقبلاه فأفرغاه على القبة والأبواب،فما كان أحد يستطيع أن يتأمل القبة مما عليها من الذهب القديم والحديث‏.)

ويقول عما حدث لهذا المسجد فى خلافة ابى جعفر المنصور العباسى :‏( فلما كان في خلافة أبي جعفر المنصور قدم بيت المقدس في سنة أربعينومائة، فوجد المسجد خراباً، فأمر أن يقلع ذلك الذهب والصفائح التي على القبةوالأبواب، وأن يعمروا بها ما تشعث في المسجد، ففعلوا ذلك‏.‏وكان المسجد طويلاً فأمر أن يؤخذ من طوله ويزداد في عرضه. ). وحتى الآن لا يزال هذا المسجد مقدسا ؛ يجعلونه  ثالث الحرمين .

ثانيا : الوليد بن عبد الملك وبناء مسجد المدينة عام 88 .

1 ـ عن عمد وإصرار أسس عبد الملك بن مروان مسجد الأقصى ، وجعله يضاهىء البيت الحرام . إبنه الوليد بن عبد الملك أسس المسجد الذى صار فيما بعد معروفا بالمسجد النبوى ، وصار ثانى الحرمين فى ديانات المسلمين الأرضية . لم يقصد الوليد بن عبد الملك إتخاذ هذا المسجد ثانى الحرمين ، ولم يكن ذلك معروفا وقتها ، ولكن توسعة المسجد نشأ عنها إدخال بيوت أمهات المؤمنين بعد موتهن ، وإدخال بيوت أخرى . ولأن النبى محمدا عليه السلام كان مدفونا من قبل فى غرفة عائشة فإن المسلمين حين دخلوا فى تقديس النبى وتأليهه إختاروا مكانا فى مسجد المدينة زعموا أنه مكان حجرة عائشة ، وجعلوه قبرا للنبى بأثر رجعى ، وقصدوه بالحج والزيارة . وحتى الآن يعتقدون أن النبى يعيش حيا ( تحت الأرض ) فى حفرة ضيقة حيث يرد السلام على من يسلم عليه ، وتُعرض عليه أعمال ( أمة محمد ) فيراجعها ويتشفع فيها ، وهو يعمل كل الوقت بلا كلل وبلا ملل ، وبلا أجهزة تساعده وبلا موظفين مساعدين.......وكم فى الديانات الأرضية من خبل وجنون .

2 ـ يقول الطبرى فى أحداث عام  88  : ( وفيها أمر الوليد بن عبدالملك بهدم مسجد رسول الله وهدم بيوت أزواج رسول الله وإدخالها في المسجد . . وارسل الوليد رسولا الى عمر بن عبد العزيز الوالى على المدينة يأمره بهدم بيوت امهات المؤمنين والبيوت الأخرى وتعويض أصحابها . تقول الرواية (  فدخل على عمر بن عبد العزيز بكتاب الوليد  ، يأمره بإدخال حجر أزواج رسول الله في مسجد رسول الله وأن يشتري ما في مؤخره ونواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع،  ويقول له : " قدم القبلة إن قدرت وأنت تقدر لمكان أخوالك فإنهم لا يخالفونك ،  فمن أبى منهم فمر أهل المصر فليقوموا له قيمة عدل . ثم اهدم عليهم وادفع إليهم الأثمان،  فإن لك في ذلك سلف صدق عمر وعثمان . "  فأقرأهم كتاب الوليد وهم عنده ، فأجاب القوم إلى الثمن ، فأعطاهم إياه . وأخذ في هدم بيوت أزواج النبي وبناء المسجد ، فلم يمكث إلا يسيرا حتى قدم الفعلة ، بعث بهم الوليد . )

وحضر مع عمر بن عبد العزيز أعيان أهل المدينة : ( رأيت عمر بن عبدالعزيز يهدم المسجد ومعه وجوه الناس ، القاسم وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعبيد الله بن عبدالله بن عتبة وخارجة بن زيد وعبدالله بن عبدالله بن عمر ، يرونه أعلاما في المسجد ، ويقدرونه.  فأسسوا أساسه ، لما جاء كتاب الوليد من دمشق . )

وعن الهدم والبناء : ( قال صالح فاستعملني على هدمه وبنائه ، فهدمناه بعمال المدينة ، فبدأنا بهدم بيوت أزواج النبي حتى قدم علينا الفعلة الذين بعث بهم الوليد . ) ( ابتدأنا بهدم مسجد رسول الله في صفر من سنة ثمان وثمانين . وبعث الوليد إلى صاحب الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول الله وأن يعينه فيه . فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهب ، وبعث إليه بمائة عامل وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين حملا , وأمر أن يتتبع الفسيفساء في المدائن التي خربت فبعث بها إلى الوليد فبعث بذلك الوليد إلى عمر بن عبد العريز ).

 

 صلاتهم التى تأمر بالفحشاء والمنكر والبغى

أولا :بين الصلاة الاسلامية والصلاة القُرشية

1 ـ الصلاة الاسلامية ليست مجرد حركات قيام وركوع وسجود وكلمات تُقال ، فهكذا كانت تفعل قريش فى تأديتها السطحية للصلاة . وهى بهذا الشكل أقرب ما تكون الى اللهو واللعب ، وهذا وصف رب العزة جل وعلا لصلاتهم عند البيت الحرام (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35) الانفال  ). حافظت قريش هلى تأدية صلاة سطحية تؤدى نفس الصلاة الابراهيمية التى نعرفها الآن ، ولكن بلا خشوع وبلا تقوى . الصلاة الاسلامية هى أن تخشع لربك وانت تصلى له ، ثم أن تنهاك صلاتك عن الفحشاء والمنكر ( العنكبوت 45 ) . بدون ذلك تصبح الصلاة وسيلة للفسوق والعصيان ، أى فطالما تُصلّى فلا عليك مهما فعلت .

2 ـ بدخول قريش فى الاسلام وقيادتها المسلمين إحتاجت قريش للمبالغة فى ( تأدية ) هذه الصلاة السطحية خدمة لمصالحها ولتبرير مظالمها . أقنعت قريش الأعراب إن الغزو الاحتلال والبغى والسلب والسبى هو فريضة اسلامية ، لذا كان لا بد أن يصاحب جهادهم هذا تأدية لصلاة سطحية تؤكد لهم إقتناعهم بأنهم على الحق . وبعض الاعراب الذين إقتنعوا بدين قريش هذا هم الذين ثاروا على قريش وخرجوا عليها وتطرفوا فى سفك الدماء بنفس تطرفهم فى صلواتهم السطحية . وهنا يبدو التناقض هائلا بين المؤمن الخاشع الذى يصلى ويخاطب ربه فى الصلاة قائلا ( إهدنا الصراط المستقيم ) 17 مرة يوميا ، ثم إذا عرضت له معصية بين الصلوات تذكر دعاءه لربه جل وعلا وقوله ( إهدنا الصراط المستقيم ) فيخجل من نفسه إذ كيف يعصى ثم كيف له فى الصلاة التالية يقول لربه جل وعلا ( إهدنا الصراط المستقيم ) . اما هذا ( السلف الصالح ) من الصحابة والتابعين فقد إمتلأ جوفه من الأموال السُّحت المغتصبة من دماء وعرق الشعوب التى إحتلوا أوطانها وإعتبروهم مواطنين من الدرجة الدنيا ، مجرد ( موالى ) .

3 ـ وبرز دور الصلاة السطحية فى التحريض على الفسوق والعصيان منذ خلافة ابى بكر والفتوحات الى خلافة (على ) والفتنة الكبرى الأولى ( 35 : 40 ) الى الفتنة الكبرى الثانية التى نبحثها ( 61 : 73 ) وما بعده ـ وحتى الآن . وفى عصور الخلفاء نرى ملامح لدور الصلاة ، وهى : أن يكون الخليفة هو إمام الصلاة ، وأن يكون الوالى أو الأمير فى الولاية هو والى الصلاة ، المقدم فى الرتبة على والى الخراج والقاضى ، أن يكون المسجد هو مركز السياسة والاعلام ، وبالتالى أن تكون الصلاة مصاحبة للنشاط السياسى والاقتتال العسكرى ، يحافظون على ( تأديتها ) فى مواقيتها ، يؤدون الصلاة ثم يقتتلون بعدها . ونعطى بعض التفاصيل عن مصاحبة الصلاة والمسجد لسنوات الفتنة الكبرى خلال سنوات ( 61 : 73 )

ثانيا : إمامة الصلاة

1 ـ الخليفة هو إمام الصلاة ، والذى يطمع للخلافة تكون الصلاة خلفه اعترافا بإمامته السياسية . فى موقعة الجمل تقول الرواية : ( وخرجت عائشة ومن معها من مكة، فلما خرجوا منها وأذن مروان بن الحكم، ثم جاء حتى وقف على طلحة والزبير فقال: " على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة ؟   )  قول مروان بن الحكم : (على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة ؟  ) ربط بين الامامة السياسية والامامة فى الصلاة .

2 ـ وفى حكم الولايات كان أمير الصلاة هو الأعلى رتبة ، ولأن المال هو الاله المعبود للخلفاء القرشيين فقد جعلوا واليا للخراج فى كل ولاية ، يجمع المال للخليفة ويتبعه مباشرة . تقول الرواية ( وفيها استعمل معاوية (عبد الله بن عمرو بن العاص ) على الكوفة، فأتاه المغيرة ابن شعبة فقال له: " استعملت عبد الله على الكوفة وأباه على مصر فتكون أميراً بين نابي الأسد " . فعزله عنها واستعمل المغيرة على الكوفة. وبلغ عمراً ما قال المغيرة، فدخل على معاوية فقال: " استعملت المغيرة على الخراج فيغتال المال ولا تستطيع أن تأخذه منه، استعمل على الخراج رجلاً يخافك ويتقيك. " فعزله عن الخراج واستعمله على الصلاة.) . أى جعله أمير الصلاة ، أى الحاكم السياسى وليس أمير الخراج أى الذى يجمع المال للخليفة .

3 ـ وفى هذه الفتنة الكبرى الثانية ،انضمت الكوفة لابن الزبير لإبن الزبير فعيّن واليا للصلاة وواليا للخراج ( .. ، ثم قدم عليهم عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري على الصلاة، وإبراهيم بنمحمد بن طلحة على الخراج من عند ابن الزبير. ) 

4 ـ وحضور الصلاة فى المسجد الرسمى كان دليل الولاء للخليفة القائم ، ولقد حرص الأمويون على لعن (على ) فى خطبة صلاة الجمعة ، إستغلالا للمسجد فى سياستهم ، وكان حضور شيعة (على ) إلزاميا ، تقول الرواية ( فكتب معاوية إلى المغيرة ليلزم زياداً وحجر بن عدي وسليمان بن صرد وشبث بن ربعي وابن الكوا بن الحمق بالصلاة في الجماعة، فكانوا يحضرون معه الصلاة. وإنما ألزمهم بذلك لأنهم كانوا من شيعة علي.)

 5ـ وكانت الصلاة خلف الوالى إعترافا بشرعيته ، لذا قيل أن الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان بن الحكم فى ولايته على المدينة . وإشتهر عبد الله بن عمر بصلاته خلف الحجاج ، إعترافا بولايته .

ثالثا : المسجد ( مساجد الضرار )

تعبير مسجد الضرار ينطبق على المساجد التى أسسها العرب فى البلاد المفتوحة . هى مساجد أُنشئت على ارض مغتصبة وبأموال حرام ، وهى تعبّر عن السلطة القائمة المحتلة . وكان المسجد عاكسا ومعبرا عن الصراعات القائمة ، وكان خلفية الأحداث ،من عقد مؤتمرات ومفاوضات وقتال .

ونعطى بعض التفصيلات :  . 

1 ـ كان مركز الاعلام وقتها ، عند الأمور الهامة يؤذّن بنداء ( الصلاة جامعة ) فيأتى الناس لسماع الخبر . ومن الطبيعى أن يكون هذا فى المسجد الأكبر ، ومنه إكتسبت بعض المساجد وصف ( الجامع ) .

2 ـ بعد قتل الحسين أعلن ابن زياد هذا يبشر أهل الكوفة ، تقول الرواية : ( ثم نادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فخطبهم وقال " : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابنالكذاب الحسين بن علي وشيعته."، فوثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ... ،وكان ضريراً قد ذهب إحدى عينيه يوم الجمل مع علي والأخرى بصفين معه أيضاً، وكان لايفارق المسجد يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف، فلما سمع مقالة ابن زياد قال: يا ابنمرجانة! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه! يا ابن مرجانة أتقتلونأبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين؟ فقال: عليّ به. فأخذوه، فنادى بشعار الأزد: يا مبرور! فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه، فأرسل إليه من أتاه به فقتله وأمربصلبه في المسجد، فصلب. ) .هنا يلعب المسجد الأموى أدوارا شتى ، فهو مركز إعلامى ، وأيضا ساحة للقتل والصلب .

3 ـ ومعاوية بن يزيد بن معاوية ــ ذلك الشاب التقى النقى الذى إعتزل الخلافة ، أعلن إعتزاله فى المسجد ، تقول الرواية : ( ولما كان في آخر إمارته أمر فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمعالناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني ضعفت عن أمركم فابتغيت لكم مثلعمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلمأجدهم، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم. ثم دخل منزله وتغيب حتىمات.) .

4 ـ وتحت عنوان ( ذكر حالابن زياد بعد موت يزيد ) تقول الرواية : ( لما مات يزيد وأتى الخبر عبيد الله بن زياد  ..، فأمر فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس،وصعد المنبر فنعى يزيد وثلبه.. وقال: يا أهل البصرة إنمهاجرنا إليكم ودارنا فيكم ومولدي فيكم،...) أراد ابن زياد التحبب الى أهل البصرة فعقد هذا المؤتمر الجامع فى المسجد .

5 ـ وهرب ابن زياد الى الشام ، ووقعت إضطرابات بين القبائل وفى تفصيلات عديدة يأتى ذكر المسجد ساحة للقتال ، ونقتطفها من بين السطور : (  وصعد مسعود المنبر وسارمالك بن مسمع نحو دور بني تميم حتى دخل سكة بني العدوية فحرق دورهم  ... وجاء بنو تميم إلى الأحنف فقالوا: يا أبا بحر، إنربيعة والأزد قد تحالفوا وقد ساروا إلى الرحبة فدخلوها. فقال: لستم بأحق بالمسجدمنهم. ... فسار عبس إلى المسجد، فلما سار عبس جاء عبادفقال: ما صنع الناس؟ فقيل: سار بهم عبس. فقال: لا أسير تحت لواء عبس، وعاد إلى بيتهومعه ستون فارساً. فلما وصل عبس إلى المسجد قاتل الأزد على أبوابه ومسعود علىالمنبر يحضض الناس.. ) ( واجتمعت تميم إلى الأحنف فقالوا له: إن الأزد قد دخلوا المسجد. قال: إنما هولهم ولكم. قالوا: قد دخلوا القصر وصعد مسعود المنبر.. ) (  .. فجاءت عصابة منهم حتىدخلوا المسجد ومسعود على المنبر يبايع من أتاه..)

6 ـ ويتردد ذكر المسجد فى خروج الضحاك بن قيس الفهرى على الأمويين ومعه قبائل قيس وانضمامه لابن الزبير ، وما نتج عن ذلك من عقد مؤتمر الجابية ثم معركة مرج راهط ، ونقتطف من بين السطور : ( ثم خرج الضحاك إلى المسجد فجلس فيه وذكر يزيد بن معاوية فسبه، فقام إليهشاب من كلب فضربه بعصا، فقام الناس بعضهم إلى بعض فاقتتلوا، قيس تدعو إلى ابنالزبير ونصرة الضحاك، وكلب تدعو إلى بني أمية  ...ودخل الضحاك دار الإمارة ولم يخرج من الغد إلى صلاة الفجر . ) ، أى كان معتادا أن يذهب للمسجد الأموى ، فلما بدأ فى تحويل ولائه الى ابن الزبير أعلن سبّ يزيد بن معاوية فى المسجد تمهيدا للخروج من طاعة الأمويين ، وحين عورض إنقطع عن صلاة الفجر فى المسجد . فالمسجد هنا والصلاة فيه هو خلفية الأحداث .

7 ـ وفى صراع المختار الثقفى فى العراق يبدو تركيزه على المساجد .  نقتطف هذه السطور :

7 / 1 ـ عن تجميعه الناس ليبايعوه نرى المختار يستخدم المساجد : (. ثمركب راحلته نحو الكوفة فوصل إلى نهر الحيرة يوم الجمعة فاغتسل ولبس ثيابه، ثم ركبفمر بمسجد السكون وجبانة كندة لا يمر على مجلس إلا سلم على أهله وقال: أبشروابالنصرة والفلج، أتاكم ما تحبون.) (ومر على حلقة من همدان فقال: قد قدمت عليكم بما يسركم، ثم أتى المسجد واستشرف لهالناس، فقام إلى سارية فصلى عندها حتى أقيمت الصلاة وصلى مع الناس ثم صلى ما بينالجمعة والعصر ثم انصرف إلى داره، واختلف إليه الشيعة، وأتى إسماعيل بن كثير وأخوهوعبيدة بن عمرو فسألهم فأخبروه خبر سليمان بن صرد وأنه على المنبر، فحمد الله ثمقال: إن المهدي ابن الوصي بعثني إليكم أميناً ووزيراً ومنتخباً وأميراً وأمرني بقتلالملحدين والطلب بدم أهل بيته والدفع عن الضعفاء، فكونوا أول خلق اللهإجابةً.فضربوا على يده وبايعو؛.. ) وتجمع معه جيش صلى بهم الفجر : (فلحقوا بالمختار، فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف وثمانمائة مناثني عشر ألفاً كانوا بايعوه، فاجتمعوا له قبل الفجر، فأصبح وقد فرغ من تعبيته وصلىبأصحابه بغلس.)

7 / 2 ـ الخصم هنا وهو ابن مطيع والى ابن الزبير على الكوفة استخدم المسجد أيضا ، إذ أمر أتباع بالاجتماع بالمسجد الرسمى ، ومن لا يحضر فقد برئت منه الذمة : (  وأرسل ابن مطيع إلى الجبابين فأمر من بها أن يأتوا المسجد، وأمرراشد بن إياس فنادى في الناس: برئت الذمة من رجل لم يأت المسجد الليلة. فاجتمعوافبعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو ثلاثة آلاف إلى المختار، وبعث راشد بن إياس فيأربعة آلاف من الشرط.فسار شبث إلى المختار، فبلغه خبره وقد فرغ من صلاة الصبح،فأرسل من أتاه بخبرهم.. ) هنا الصلاة أيضا فى وقت الحرب الأهلية .  وانتصر المختار فدخل قصر الامارة والمسجد الرسمى : ( ودخل المختارالقصر فبات فيه، وأصبح أشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر، وخرج المختار فصعدالمنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: الحمد لله الذي وعد وليه النصر، وعدوه الخسر،وجعله فيه إلى آخر الدهر، وعداً مفعولاً وقضاء مقضياً، وقد خاب من افترى.. ) 

7 / 3 : وعن الكرسى الذى زعم المختار أن ينتصر به تقول الرواية ان المختار ( عقد مؤتمرا صحفيا فى المسجد ) : ( ثم دعا: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فقال المختار: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلاوهو كائن في هذه الأمة مثله، وإنه كان في بني إسرائيل التابوت، وإن هذا فينا مثلالتابوت. فكشفوا عنه، وقامت السبئية فكبروا.)
 7 / 4 : وأراد الشاعر سراقة بن مرداس ــ وهو أسير ـ أن ينجو من القتل فزعم للمختار أن الملائكة كانت تقاتل معه ، فأمره المختار أن يعلن ذلك ( فى مؤتمر صحفى ) : ( وقال سراقة بن مرداس للمختار وقال : أصلح الله الأمير،أحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت الملائكة تقاتل معك على الخيول البلق بينالسماء والأرض. فقال له المختار: اصعد المنبر فأعلم الناس. فصعد فأخبرهم بذلك ثمنزل، فخلا به المختار فقال له: إني قد علمت أنك لم تر شيئاً وإنما أردت ما قد عرفتأن لا أقتلك، فاذهب عني حيث شئت لا تفسد علي أصحابي.. )

7 / 5 : وفى موقف آخر نرى الصلاة السطحية ركنا أساسيا  فى هذه الحرب الأهلية : (   ثم سار ( ابن الأشتر )  ليلته كلهاومن الغد فوصل العصر وبات ليلته في المسجد ومعه من أصحابه أهل القوة. ولما اجتمعأهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة، فكره كل رأس من أهل اليمن أن يتقدمه صاحبه،فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف: هذا أول الاختلاف، قدموا الرضى فيكم سيد القراء رفاعةبن شداد البجلي، ففعلوا، فلم يزل يصلي بهم حتى كانت الوقعة.)

7 / 6 : وجاء مصعب بن الزبير واليا على البصرة فدخل الى مسجدها مباشرة : ( فقدمها مصعبملثماً  ، ودخل المسجد وصعد المنبر، فقال الناس: أمير أمير! وجاء الحارث بن أبي ربيع،وهو الأمير، فسفر مصعب لثامه فعرفوه، وأمر مصعب الحارث بالصعود إليه فأجلسه تحتهبدرجة ثم قام مصعب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال.. ). الناس حين رأوا مصعب يصعد المنبر عرفوا أنه الأمير الجديد .  مصعب  يجعل الوالى السابق يجلس تحته بدرجة على المنبر .

7 / 7 : وقتل مصعب بن الزبير المختار ، وجىء له برأس المختار : ( وأمر مصعب بكف المختار بن أبي عبيدة فقطعت وسمرت بمسمارإلى جانب المسجد، فبقيت حتى قدم الحجاج فنظر إليها وسأل عنها عقيل: هذه كف المختار،فأمر بنزعها.) .

8 ـ وكان المسجد والصلاة فيه خلفية لنشاط عبد الملك بن مروان

8 / 1 : قتل عبد الملك بن مروان ابن عمه عمرو بن سعيد  غدرا بعد أن أعطاه العهود والمواثيق بالأمان . قتله وهو يواظب على الصلاة السطحية فى المسجد  : ( وأذنالمؤذن العصر فخرج عبد الملك يصلي بالناس ، وأمر أخاه عبد العزيز أن يقتله، فقام إليهعبد العزيز بالسيف، فقال عمرو: " أذكرك الله والرحم أن تلي قتلي، ليقتلني من هو أبعدرحماً منك"!.فألقى السيف وجلس، وصلى عبد الملك صلاة خفيفة ، ودخل.. ) ( ودخل عبد الملك حين صلى فرأىعمراً بالحياة، فقال لعبد العزيز: ما منعك أن تقتله؟ فقال: إنه ناشدني الله والرحمفرققت له. فقال له: اخزى الله أمك البوالة على عقبيها، فإنك لم تشبه غيرها! ثم أخذعبد الملك الحربة فطعن بها عمراً فلم تجز، ثم ثنى فلم تجز، فضرب بيده على عضده فرأىالدرع فقال: ودرع أيضاً؟ إن كنت لمعداً! فأخذ الصمصامة وأمر بعمرو فصرع، وجلس علىصدره فذبحه . )

 8 / 2 : من على المنبر أعلن عبد الملك بن مروان هزيمة التوابين الشيعة : ( ولما سمع عبدالملك بن مروان بقتل سليمان وانهزام أصحابه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فإن الله قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنةٍ ورأس ضلالةٍ سليمان بنصرد،..)   

 رابعا  : الصلاة وقت سفك الدماء 

حين لا يكون هناك مسجد ، ويحدث قتال يحافظ المقاتلون على تأدية صلاتهم السطحية ، بينما هم يتقاتلون فى سبيل الدنيا ، وليس فى سبيل الله جل وعلا بل فى سبيل الشيطان .

1 ـ فى مذبحة كربلاء يتردد بين سطورها أن القوم كانوا يصلٌّون وقت الاقتتال : ( وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثماليربوعي، فوقفوا مقابل الحسين وأصحابه في نحر الظهيرة ... فلم يزل مواقفاً الحسينحتى حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين مؤذنه بالأذان، فأذن ..فسكتواوقالوا للمؤذن: أقم، فأقام، وقال الحسين للحر: أتريد أن تصلي أنت بأصحابك؟ فقال: بلصل أنت ونصلي بصلاتك. فصلى بهم الحسين، ثم دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلىمكانه، ثم صلى بهم الحسين العصر. ) ( ..

فلما أمسوا قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويتضرعونويدعون. فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت، وقيل الجمعة، يوم عاشوراء، خرج فيمنمعه من الناس، وعبى الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثونفارساً، وأربعون راجلاً،  ...ولما حضر وقت الصلاة قال أبو ثمامة الصائدي للحسين: نفسي لنفسك الفداء! أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، والله لا تقتل حتى أقتل دونك، وأحب أن ألقى ربي وقد صليتهذه الصلاة! فرفع الحسين رأسه وقال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين ،نعم هذا أول وقتها، ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي. ففعلوا، فقال لهم الحصين: إنها لا تقبل. فقال له حبيب بن مطهر: زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله، صلىالله عليه وسلم، وتقبل منك يا حمار! فحمل عليه الحصين، وخرج إليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب فسقط عنه الحصين فاستنقذه أصحابه . ثم صلوا الظهر، صلى بهمالحسين صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعد الظهر، فاشتد قتالهم.)

2 ـ واشتهر الخوارج بالتطرف فى العبادة السطحية والتطرف فى سفك الدماء . وتحت عنوان ( ذكرمقتل أبي بلال مرداس حدير الحنظلي ) تقول الرواية  : (  وبلغ ذلك ابن زياد ارسل إليه ثلاثة آلاف عليهم عباد بن الأخضر ..  فاتبعه حتى لحقه بتوج ، فصفله عباد وحمل عليهم أبو بلال فيمن معه، فثبتوا واشتد القتال حتى دخل وقت العصر،فقال أبو بلال: هذا يوم جمعة وهو يوم عظيم وهذا وقت العصر فدعونا حتى نصلي. فأجابهمابن الأخضر وتحاجزوا، فعجل ابن الأخضر الصلاة، وقيل قطعها، والخوارج يصلون، فشدعليهم هو وأصحابه وهم ما بين قائم وراكع وساجد لم يتغير منهم أحد من حاله، فقتلوامن آخرهم وأخذ رأس أبي بلال.).

 

خاتمة الكتاب

1 ـ القارىء لهذا الكتاب تفاجئه فظائع لم يكن يتوقعها وشخصيات لم يكن يعرفها ، ويتعرف على تاريخ مسكوت عنه للسلف الصالح مكتظ بالأوحال . والسؤال الذى يتبادر للذهن هو الى متى يظل هذا التاريخ مسكوتا عنه ؟ الى متى يظل التهليل للخلافة وإعتبارها إسلامية وهى ( عمل سياسى ) إستغل كل الوسائل مشروعة وغير مشروعة فى الوصول الى الحكم أو الاحتفاظ به ؟ وقد وصلت هذه الوسائل الى أسفل سافلين فى هذه الفتنة الكبرى الثانية ( المجهولة ) ؟

2 ــ ما تفعله ( داعش ) اليوم هو تكرار ( مهذّب ) للفتنة الكبرى الثانية .

وللقارىء لهذا الكتاب ـ بعد زوال داعش ـ نقول إنها منظمة وهابية إستغلت ظروفا سياسية محلية واقليمية ودولية لأن تنشىء لها دولة ( متحركة ) بين الرقة والموصل فى سوريا العراق ، وأطلقت عليها ( الدولة الاسلامية فى العراق والشام : داعش ). وأفزعت العالم بتكرار ما كان يفعله الخلفاء فى العصور الوسطى .

3 ــ ستنتهى داعش، ولكن ستظهر منظمات أخرى تحاول إستعادة عصر الخلافة (الاسلامية ) ، طالما يظل الحمقى متمسكين بإطلاق إسم الاسلام على الحركات التى تستغل إسمه فى السياسة ، وطالما يظل تاريخ الخلفاء الحقيقى مسكوتا عنه ممنوعا من العرض ومن النقد . وطالما لا يتم إصلاح دينى حقيقى وإصلاح حقيقى فى مناهج التعليم خصوصا فى التاريخ والمواد الدينية .

4 ــ الى متى يظل المسلمون يدفعون الثمن فى حمامات دم متواصلة ؟ والى متى يظل شبابهم مشدودين الى ماض مكتظ بالدم بدلا من إستشراف المستقبل ؟

نعرف أننا ــ كالعادة ـ نصرخ فى الفراغ ، ونعرف أننا نخاطب من لا يسمع ولا يعقل ومن لا يهتم ، ولكن لا يزال لنا أمل فى المستقبل . ومن هذا الأمل أن يأتى جيل يعرف أننا قضينا حوالى أربعين عاما نناضل فى سبيل إصلاح سلمى للمسلمين ، والآن ــ وقد مضى قطار العمر ـ فقد تواضعت أحلامنا لتصبح مجرد إعلام الأجيال القادمة بنضالنا الذى يتعرض للتعتيم والتحقير .

5 ـ وإذا ضاع عملنا فى هذه الدنيا هباءا فإننا نرجو من الله جل وعلا ألّا يحرمنا أجرنا يوم الحساب ، وسبحانه جل وعلا الذى لا يضيع أجر من أحسن عملا .

والله جل وعلا هو المستعان

أحمد صبحى منصور:

فرجينيا ـ الولايات المتحدة : 

الاربعاء 13 ابريل 2016

 

وبالتأكيد نتفق مع أ. أحمد صبحي منصور في أشياء ونختلف معه في أشياء، قد نصف ابن الزبير بالأنانية وسوء التخطيط والبخل وأشياء كثيرة مما قاله كتبة التاريخ، لكن ليس الجبن من بينها. ونختلف معه في قوله أن الإسلام في أصله ونصه دين سلام لا دين فتوحات واحتلال وتقتيل واستعباد وسبي ونهب، وفي قوله أن هناك أديانًا ليست أرضية وإنسانية وأنها سماوية وفي قيمه الدينية الرجعية المتخذة لمسحة علمانية في فكر ديني علماني مهجن، لكننا نكن له كبير وعميق الاحترام كمسلم مستنير، وكذا لكل مسلم معتدل.

 

 

رأي موسوعة المعرفة الإنترنتية في حرب ابن الزبير وثورته على الأمويين:

 

ثورة عبد الله بن الزبير

 

ثورة عبد الله ابن الزبير، هي ثورة قام بها ضد يزيد الأول في أعقاب معركة كربلاء.

خلفية

 

كان عبد الله ابن الزبير، أول مولود ولد للمهاجرين بالمدينة بعد الهجرة.[1]أمه هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، ووالده الزبير بن العوام أحد المبشرين بالجنة، عرف عنه شدة الدهاء، والشجاعة والنزاهة.[2]

إستطاع عبد الله بن الزبير استغلال ردود الفعل عند المسلمين ضد الحكم الاُموي بعد قتل الإمام الحسين، فسيطر على مكة ومعظم الحجاز والبصرة والكوفة. ووجدت حركته أنصاراً لها في صفوف المسلمين الذين كانوا محسوبين على التيار الحاكم بعد وفاة الرسول. وقد استمر حكم عبد الله بن الزبير على المناطق التي وقعت تحت نفوذه من سنة 61هـ إلى سنة 73هـ.[3]

 

أسباب الثورة

 

  • بعد مقتل الحسين أخذ عبد الله بن الزبير يدعو لأحقيته بالخلافة بمكة.[4]
  • اتهام يزيد بن معاوية بترك الصلاة، وشرب الخمر وملاعبة الكلاب[5]، من قبل وفد المدينة الذي زاره فأحسن وفادتهم وأكرمهم بوافر المال.
  • قيام يزيد بشنّ حملة عسكرية على أهل المدينة الذين خلعوه ، سُميت بالحرة 63 هجري وهي منطقة شرقي المدينة. وبلغ جيش الأمويين حوالي 12000 مقاتل بقيادة مسلم بن عقبة . وقتل من أهل المدينة 1000 رجل معظمهم من الأنصار والمهاجرين واتهم جيش يزيد[6] بالتهم التالية:

- إرسال رؤوس القتلى إلى يزيد.

- استباحة المدينة بأمر من يزيد –" فإن ظهرتَ عليهم فأبحها ثلاثاً، فما فيها من مال أو سلاح أو طعام فهو للجند فإن مضت الثلاث فأكفف عن الناس".[7]

- عن الإمام مالك : قتل يوم الحرة (700) رجل من حملة القرآن. [8]

- انتهاك حرمة المدينة وهي مدينة مقدسة عند الله ورسوله والمسلمين فلا يحل فيها القتال.[9]

- رفض عبد الله بن الزبير مبايعة يزيد، وشجعه كثير من الصحابة والزعماء وعامة الناس.

- انحطاط مكانة الحجاز الاقتصادية والاجتماعية بسبب انفراد الشام بالخيرات، وقد صعب على أهل الحجاز زوال النعم عنهم.[10]

 

انتهاء الثورة ووقف القتال

 

احتمى عبد الله بن الزبير بالبيت الحرام داخل مكة ففرض حصاراً على مكة وأهلها، تَّم رمي مكة بالمنجنيق.[11]توفي يزيد أثناء الحصار فتم وقف القتال سنة 63 هجري.

 

نتائج الثورة

  • رفض عبد الله بن الزبير عرضاً مغرياً للحصين بن نمير قائد القوات الأموية بأن يصبح خليفة، قال له: " أنت أحق بهذا الأمر هلم فلنبايعك، ثم اخرج معنا إلى الشام فإن هذا الجند الذين معي هم وجوه الشام وفرسانه فوالله لا يختلف عليك اثنان على أن تؤمن الناس وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك ". [12] وعلى الأرجح فإن ابن الزبير ضيع فرصة ذهبية سانحة ليصبح خليفة المسلمين الأوحد، لكنه ربما خاف أن يغدر به أهل الشام، ورفض أن يتخلى عن الحجاز ومكانته الهامة.
  • نجح عبد الله بن الزبير أن ينتزع السلطة من الأمويين في معظم الأقطار الإسلامية، الحجاز، فلسطين، العراق، مصر، وحتى أجزاء كبيرة من سوريا. [13]
  • حتى زعماء البيت الأموي كادوا يتنازلون لابن الزبير عن الخلافة وعلى رأسهم مروان بن الحكم الذي وحد كلمة الأمويين بعد معركة مرج رهط 684 م.[14]
  • نجح مصعب بن الزبير اخو عبد الله في القضاء على ثورة التوابين وهم من الشيعة وزعيمهم المختار 67 هجري.[15]
  • بسحق مصعب للشيعة في العراق يكون أيضا قد خدم الأمويين والخليفة عبد الملك بن مروان.
  • أراد عبد الملك أن يهاجم مصعب في العراق قبل أن يهاجمه في عقر داره، وشجعه تشجيع أهل العراق له بالقدوم وفي معركة مسكن في العراق سنة 72 هجري قتل مصعب وقتل معه عدد من الصحابة وآلاف الموالين [16]ويعود سبب خسارته لغدر أهل العراق به.
  • بقتل مصعب وخسارة العراق خسر عبد الله ساعده الأيمن وانكشف ظهره للأمويين ونقم على أهل العراق.
  • عين عبد الملك الحجاج بن يوسف الثقفي ليقارع ابن الزبير المتحصن في مكة فجهز له جيشاً قوياً.
  • رمى الحجاج الكعبة بالمنجنيق وألحق بها خسائر فادحة.[17]
  • احتراق الكعبة بسبب القصف وهنالك من يرجح ذلك أن جماعة عبد الله بن الزبير سبب الحريق بسبب إشعال النار بالقرب من الكعبة.[18]
  • قاتل عبد الله بن الزبير قتالاً شديداً بطولياً.[19]
  • نقص في المؤن وارتفاع بالأسعار مما زاد من تضايق الناس في مكة.
  • تخلى أكثر من عشرة آلاف مقاتل عن عبد الله بن الزبير وبينهم ولداه حمزة وخبيب وانضموا إلى صفوف الحجاج.

 

نقد

هناك من يتهم ابن الزبير أنه استغل حرمة المدينة ومكة.[20]

 

المصادر

 

1.      ^ ابن الجوزي، صفوة الصفوة، ص 293 .

2.      ^ سيد أمير علي، تاريخ العرب، ص 84.

3.      ^ "ثورة ابن الزبير". مؤسسة السبطين العالمية. Retrieved 2012-11-27.

4.      ^ 77) محمد أبو الفضل ابراهيم، أيام العرب في الإسلام، ص 418.

5.      ^ 78) حمدي شاهين، الدولة الأموية المفترى عليها، ص 340.

6.      ^ سيد أمير علي، تاريخ العرب، ص 75.

7.      ^ محمد أبو الفضل إبراهيم، أيام العرب في الإسلام، ص 423.

8.      ^ ابن كثير، البداية والنهاية، ص 229.

9.      ^ محمد الخضري، الدولة الأموية، ص 329.

10.  ^ "ثورة عبد الله بن الزبير". الخيمة. Retrieved 2012-11-27.

11.  ^ ن. م، ص 239 .

12.  ^ محمد أبو الفضل إبراهيم، أيام العرب في الإسلام، ص 432.

13.  ^ حابا لتصروم - يافه، فصول في تاريخ العرب والإسلام، ص 135.

14.  ^ ن. م، ص 135.

15.  ^ سيد احمد علي، تاريخ العرب والتمدن الإسلامي، ص 80.

16.  ^ نبيه عاقل، خلافة بني أمية، ص 100.

17.  ^ سيد أمير علي، مختصر تاريخ العرب، ص 81.

18.  ^ حمدي شاهين، الدولة الأموية المفترى عليها، ص 349 .

19.  ^ نبيه عاقل، تاريخ بني أمية، ص 107.

20.                        ^ حمدي شاهين، الدولة الأموية المفترى عليها.

 

ثورة عبد الرحمن بن الأشعث والجنود الذين معه على الدولة الأموية بسبب قسوة وعسف الحجاج الثقفي

 

نلخص الخبر بالاقتباس من ويكيبديا العربية:

 

عبد الرحمن بن محمد الكندي كان قائداً عسكرياً أموياً من أهل الكوفة وأشرافها وصاحب أعنف الثورات ضد الدولة الأموية[1] بدأ عبد الرحمن كأي قائد عسكري حليف لبني أمية وضم عددا كبيراً من البلدان لصالح الدولة الأموية ولم تكن أسباب خروجه دينية على الإطلاق[2]

نشأته

ولد عبد الرحمن في الكوفة في بيت من أشرافها فأبوه محمد بن الأشعث، أحد وجوه كندة وأمه أم عمران بنت سعيد بن قيس الهمداني[3] ولد مترفاً غنياً فكان لذلك أثر على شخصيته إذ وصفته عدد من كتب التراث بالغرور والأبهة والإعتداد بالذات [4] كان والده قاتل مسلم بن عقيل واشترك في قتال المختار الثقفي[5]

معاركه

سأل الحجاج عن رجل يعينه على الشرطة في العراق، فأجابوه أن عبد الرحمن بن الأشعث أصلح للمهمة مشيرين لمكانته في العراق [6] ووافق الحجاج وذهبوا يخبروا عبد الرحمن الذي رد قائلا :

 

ومثلي يتقلد سيفا ويمشي بين يدي ابن أبي رغال؟ (يقصد الحجاج) والله ما رأيت أحدا قط على منبر يخطب إلا وظننت في نفسي أنا أحق بذلك منه

 

كانت العلاقة بين الحجاج بن يوسف وعبد الرحمن سيئة للغاية حتى إن عم عبد الرحمن دعى الحجاج بعدم إرسال عبد الرحمن الذي كان يسمي الحجاج بـ"ابن أبي رغال" وكان الحجاج كلما رآى عبد الرحمن قال:

 

يالخيلائه! أنظر إلى مشيته، ولله لهممت أن أضرب عنقه

 

فقد كان عبد الرحمن مغروراً معتداً بنفسه وبنسبه إلى ملوك مملكة كندة[7][8] وكان يجلس في مجالس أخواله من همدان ويقول [7] :

 

وأنا كما يقول ابن أبي رغال إن لم أحاول أن أزيله عن سلطانه، فأجهد الجهد إذ طال بي وبه البقاء

 

خرج عبد الرحمن على رأس أربعين ألف مقاتل سماه الناس بـ"جيش الطواويس" [9] أبلغ الرسل الحجاج بموقف عبد الرحمن فرد قائلا لاحاجة لي به وعين على الشرطة رجلا آخر. عندما تعرض جيش الحجاج لهزيمة قاسية من شبيب الخارجي توجه عبد الرحمن بنفسه على رأس ستة آلاف مقاتل نحو شبيب، كان شبيب يحاول استدراج عبد الرحمن وإرهاق جيشه وقد مشى عبد الرحمن على وصية سلفه الجزل بن سعيد الكندي الذي أهداه فرساً يقال لها الفسيفساء [10] فكان عبد الرحمن حذراً مدركاً لأسلوب شبيب الخارجي في القتال [11] فقد كان الخارجي يستدرج الجيوش إلى الأماكن الوعرة ويدعهم يقتربون منه حتى يغير عليهم بغتة ففطن عبد الرحمن لذلك وجعل يلاحق شبيب ويحفر خندقا حول جيشه كلما توقف الخارجي [12]

في سنة ثمانين للهجرة توجه عبد الرحمن إلى سجستان بعد إبادة جيش عبيد الله بن أبي بكرة من قبل الترك. غزا عبد الرحمن بلاد الترك فعرض صاحبهم أن يدفع الخراج للمسلمين فلم يجبه عبد الرحمن حتى ضم من بلادهم جزء ا كبيراً وتوقف بسبب دخول موسم الشتاء[9] بعث الحجاج برسالة إلى عبد الرحمن ينهاه عن التوقف وهدده بعزله وتعيين أخاه إسحق بن محمد الكندي أميراً على الناس [13] فتشاور عبد الرحمن مع جنده وقال أنه لا ينقض رأيا رآه بالأمس ووافقه عامر بن واثلة الكناني ودعوا إلى خلع من سموه بـ"عدو الله" الحجاج [14] كانت تلك بداية واحدة من أعنف الثورات وأشدها على الدولة الأموية. بعث عبد الملك بن مروان بمدد للحجاج فقتل عبد الرحمن بن الأشعث مطهر بن الحر الجذامي وعبد الله بن رميثة الطائي واقتحم البصرة فبايعته البصرة وكل همدان وهم أخواله وانضم إليه القراء والتابعين مثل سعيد بن جبير ومحمد بن سعد بن أبي الوقاص وعظم شأن عبد الرحمن فخشي عبد الملك بن مروان وهلع وعرض على أهل العراق نزع الحجاج وتولية عبد الرحمن عليهم فحز ذلك في نفس الحجاج كثيراً [15] استمر خروج بن الأشعث قرابة الأربع سنين وخاض بضعا وثمانين معركة مع الحجاج وجيوشه كلها كانت لصالح عبد الرحمن إلا أن هُزم في دير الجماجم فهرب عبد الرحمن إلى بلاد الترك هو وعبيد بن أبي سبيع التميمي فأرسل الحجاج عمارة بن تميم اللخمي يطلب عبد الرحمن، فعندما أدرك الكندي أنه سيسلم إلى اللخمي آثر الإنتحار على أن يسلم للحجاج وذلك سنة خمس وثمانين للهجرة [16]

 

مصادر

 

  1. ^ موقعة دير الجماجم ـ الثورة العاتية موقع مفكرة الإسلام
  2. ^ جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل ج ٧ ص 270 ـ 275
  3. ^ أحمد بن أعثم الكوفي، كتاب الفتوح ج ٧ الصفحة ٧٢
  4. ^ إبن قتيبة الدنوري، الإمامة والسياسة ج ٢ ص ٢٩
  5. ^ بحوث في الملل والنحل جعفر السبحاني، ج 7، ص 270 ـ 275
  6. ^ كتاب الفتوح أحمد الكوفي ج ٧ ص ٧٣
  7. تاريخ الطبري مج ٢ ص ١٥٢٠
  8. ^ إبن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة ج ٢ ص ٢٩
  9. تاريخ الطبري مج ٢ ص ١٥٢١
  10. ^ الكامل في التاريخ ابن الأثير ج ٤ ص ٤١٣
  11. ^ الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٨٠
  12. ^ الكامل في التاريخ ابن الأثير ج ٤ ص ٤١٤
  13. ^ تاريخ الطبري مج ٢ ص ١٥٢٣
  14. ^ تاريخ الطبري مج ٢ ص ١٥٢٤
  15. ^ تاريخ الطبري مج ٢ ص ١٥٢٩
  16. ^ تاريخ الطبري مج ٢ ص ١٥٥٠

 

عسف الحجاج بن يوسف الثقفي والأمويين

 

ادعى محمد أو رواة الأحاديث أن عصره أفضل العصور هو وصحبه، وهذا باطل، وأعتقد أن ما يكشفه كتابي هذا على طوله، وفي الجزء الأول(حروب محمد الإجرامية) كلاهما يكشف لنا بطلان زعم كهذا، ومدى فظاعة العصر والحكم الإسلاميين. هذا التعليم الفاسد يجعل السذج يتصورون أن الخير الوحيد هو العودة إلى الماضي وإيقاف عقارب الساعة، وتبني نموذج قديم همجي ظلامي، أخلاق الإنسان وعلومه وحضارته تصير أحسن وتتحسن وتتقدم، فلا يوجد مثلًا اليوم استعباد ولا حروب يسبى فيها الأطفال والنساء، باستثناء إحياء جماعات شاذة على نطاق ضيق لذلك اليوم كجماعة داعش الإسلامية الإرهابية، لكن حتى أغلب جماعات الإرهاب كانوا أشرف من التفكير بخسة كهذه رغم قتلهم للمدنيين، كذلك في معظم العالم بل وحتى كثير من أرجاء العالم الإسلامي لم يعد هناك حد ردة وتنفيذ لفكرة قتل تارك الإسلام وأصحاب العقائد والأفكار المناقضة له كالمفكرين الأحرار (الملحدين) الناقدين للإسلام، وفي معظم أرجائه لم يعد هناك عقوبات شرعية دينية وحشية، سوى في السعودية وإيران وبعض دول أفريقيا المظلمة الحال عديمة جودة الظروف لكن قليلة جدًّا، وبعض مجاهل صحاري وجبال باكستان وأفغانستان في المناطق الحدودية وما شابه، البعيدة عن أي مدنية أو تعليم أو تقدم،حيث تسود القبائلية العشائرية وأعراف الإسلام. تريد أفكار الأحاديث منع تقدم الحضارة البشرية اتباعًا لنموذج بدوي بدائي همجي لا يرضى إنسان فاضل عاقل به.

 

روى البخاري:

 

 

7068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

ورواه بإسناد آخر صحيح على شرط الشيخين، أحمد 12347، وأخرجه أبو يعلى (4037) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري (7068) عن محمد بن يوسف، وابن حبان (5952) من طريق عصام بن يزيد جبّر، كلاهما عن سفيان الثوري، به.

 

ورواه أحمد بن حنبل:

 

12162 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ يَعْنِي ابْنَ مِغْوَلٍ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا هُوَ شَرٌّ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي قَبْلَهُ " . سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. ابن نمير: هو عبد الله. وأخرجه أبو يعلى (4036) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (903) ، والسهمي في "تاريخ جرجان" (471) من طرق عن مالك بن مغول، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (468) ، والطبراني في "المعجم الصغير" (52) ، والسهمي في "تاريخ جرجان" (471) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" 8/173 من طرق عن الزبير بن عدي، به. ورواه أحمد بالأرقام (12347) و (12817) و (12838) و (13753) . وأخرجه الترمذي (2206) من طريق يحيى بن سعيد القطان بإسناد آخر،

 

هذا تكون نتيجته لمن يصدقون به-وهو خرافة-أن يستسلموا لكل ظلم الحكام وأصحاب رؤوس الأموال والإداريين كمثال الرضوخ لبطش وعسف الحجاج بن يوسف الثقفي القائد العسكري والوالي المعين من الأمويين_باعتبار كل الظلم والقهر قدره الله الخرافي، وأنه ليس بالإمكان أحسن ما كان، وأن الزمان الجيد انتهى، وهذا غير صحيح، فدول الغرب كانت سيئة الحال في القرون الوسطى، ومعظمها ازدهرت اليوم وصار سكانها مرفهين مثقفين في عمومهم لديهم ما فوق الكفاية من احتياجات أساسية من طعام ومسكن وملابس وتعليم. وينبغي على شعوب البشر العمل على تحسين أحوالهم واتخاذ الخطوات المفيدة لذلك.

 

محاولة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان منع عبد الله بن عمرو بن العاص من الوعظ بسبب ميله للمعارضة والنقد

 

روى أحمد:

 

6561 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدًا بِالشَّامِ، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسْتُ، فَجَاءَ شَيْخٌ يُصَلِّي إِلَى السَّارِيَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، ثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ (1) ، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو فَأَتَى (2) رَسُولُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يَمْنَعَنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ وَإِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ، وَمِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ " (3)

 

(1) في (ظ) : ثاب إليه الناس.

(2) في (ظ) : فأتاه.

(3) مرفوعه صحيح، وهذا إسناد ضعيف لإبهام الشيخ الذي حدث عنه عبد الله بن أبي الهذيل. وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح، غير يزيد بن عطاء -وهو اليشكري- فقد روى له أبو داود والبخاري في "أفعال العباد"، وهو لين الحديث. حسين بن محمد: هو ابن بهرام التميمي، وأبو سنان: هو ضرار بن مرة الشيباني الأكبر، وعبد الله بن أبي الهذيل: هو العنزي أبو المغيرة الكوفي.

وسيأتي برقم (6865) ، وسلف مرفوعه برقم (6557) ، وذكرنا هناك شواهده.

 

6865 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ الطَّحَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنْ شَيْخٍ، مِنَ النَّخَعِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ إِيلِيَاءَ، فَصَلَّيْتُ إِلَى سَارِيَةٍ رَكْعَتَيْنِ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَصَلَّى قَرِيبًا مِنِّي، فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَإِذَا هُوَ (1) عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، فَجَاءَهُ رَسُولُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ: أَنْ أَجِبْ، قَالَ: هَذَا يَنْهَانِي (2) أَنْ أُحَدِّثَكُمَا (3) كَمَا كَانَ أَبُوهُ يَنْهَانِي، وَإِنِّي سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَمِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ" (4)

 

(1) "هو" ليس في (ظ) .

(2) "أن" ليس في (م) .

(3) في (ظ) : أحدث. وفي طبعة الشيخ أحمد شاكر: أحدثكم.

(4) مرفوعه صحيح، وهذا إسناد ضعيف لإبهام الشيخ الذي روى عنه عبد الله بن أبي الهُذيل. وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح. عفان: هو ابن مسلم، وخالد الواسطي الطحان: هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 4/362 من طريق يحيى الحماني، عن خالد الواسطي، بهذا الإسناد

وسلف مرفوعه برقم (6557) ، وذكرنا هناك شواهده.

وقول ابن عمرو: إن هذا ينهاني أن أحدث... الخ، كأنه ذكر الحديث المذكور للتنبيه على أنه إذا لم يحدث بالعلم صار علما لا ينفع. قاله السندي.

 

لطالما في دول الجهل دولنا هذه كانت أقوى معارضة للأسف هي الدينية من الشخصيات والرموز الدينية.

 

إجبار الحجاج الثقفي لابنة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب على الزواج منه بالإكراه والاغتصاب

 

روى أحمد:

 

1762 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّهُ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ، فَقَالَ لَهَا: إِذَا دَخَلَ بِكِ فَقُولِي: " لَا إِلَهَ إِلا اللهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ قَالَ هَذَا قَالَ حَمَّادٌ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَالَ: " فَلَمْ يَصِلِ الَيْهَا "

 

إسناده حسن، ابن أبي رافع- واسمه عبد الرحمن- قال ابن معين: صالح، وباقي رجاله ثقات. عبد الصمد: هو ابن عبد الوارث.

وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (646) من طريق عبد الصمد، بهذا الإسناد. وانظر الحديث في مسند علي (701) .

 

 

الأمويون كانوا يمنعون ويحرمون ذكر آل محمد في الخطبة وفي التشهد في الصلاة كطقس وشعيرة غير مشروعة

 

روى عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسند بعد حديث رقم 16588:

 

قَالَ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مُصْعَبًا الزُّبَيْرِيَّ يَقُولُ: جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ الْقَاصُّ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ قَوْمًا قَدْ نَهَوْنِي أَنْ أَقُصَّ هَذَا الْحَدِيثَ " صَلَّى الله عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَعَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ "، فَقَالَ (1) مَالِكٌ: حَدِّثْ بِهِ وَقُصَّ بِهِ وَقُولَهُ (2) (3)

 

(1) في (ظ 12) و (ص) : له.

(2) ضبب فوقها في (س) ، وكأنه يريد: قُلْهُ، فأشبع الضمة.

(3) هذا الأثر مقطوع، وقد أدرج هنا في غير موضعه .

وفي "الموطأ" 1/165 من حديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نُصلَي عليك؟ فقال: "قولوا: اللهمَّ صَل على محمدٍ وأزواجه وذريته كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذُريَّته كما باركتَ على آل إبراهيم إنك حميد مجيد". ورواه من طريق مالك البخاري (3369) ، ومسلم (407) .

 

كان الأمويون ينهون الناس عن ذكر آل محمد (نسل علي وفاطمة بنت محمد) في التشهد لأنهم كانوا منافسيهم على السلطة وذوي شعبية دينية ذات مسحة من القداسة المزعومة، ولعل صيغة الصلاة والسلام على آل محمد صيغة تبناها واخترعها المؤيدون لبني علي وبني العباس وصارت اليوم هي الثابتة عند السنة والشيعة والإباضية، ولا يوجد ما يؤكد أن محمدًا هو نفسه حقًّا من قال وصاغ هذه الصيغة رغم نسبتهم إياها له كما في البخاري 3369 ومسلم 1407 وعشرات الأحاديث في كتب الحديث.

 

عدم مبالاة حكام الدولة الأموية بالوعظ الديني من جهة إصلاح أحوال وأساليب حكم الشعوب

 

روى أحمد:

 

20637 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: دَخَلَ عَائِذُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ يَزِيدُ: وَكَانَ مِنْ صَالِحِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " شَرُّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ "، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَأَظُنُّهُ قَالَ: إِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَشُكَّ يَزِيدُ، فَقَالَ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ، أَوْ فِيهِمْ، نُخَالَةٌ ؟ ‍ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ " (2)

 

(1) قال السندي: عائذُ بن عمرِو، مُزَنيٌّ، وكان ممن بايع تحت الشجرة، وسكن البصرة، ومات في إمارة ابن زياد. وهو أخو رافع بن عمرو المزني.

(2) صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، إلا أن علي بن المديني قال: ما أرى الحسن سمع من عائذ بن عمرو، ومع ذلك فقد أدرج حديثه هذا الأئمة في صحاحهم كمسلم وأبي عوانة وابن حبان.

وأخرجه الدولابي في "الأسماء والكنى" 1/93، وأبو عوانة 4/424 من طريق يزيد بن هارون وحده، بهذا الإسناد. وقرن أبو عوانة بيزيد عارماً محمد ابن الفضل السدوسي.

وأخرجه مسلم (1830) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1093) ، وأبو عوانة 4/424-425، وابن حبان (4511) ، والطبراني في "الكبير" 18/ (26) ، والبيهقي 8/161 من طرق عن جرير بن حازم، به. وليس عند ابن أبي عاصم رد عبيد الله على عائذ.

وأخرجه أبو عوانة 4/424، والطبراني 18/ (27) من طريق يونس بن عبيد، عن الحسن، به.

وروى المرفوع منه البزار (1604) من طريق عبد الكريم- وهو ابن أبي المخارق- عن الحسن، عن أنس، وعبد الكريم مجمع على ضعفه.

قوله: "شر الرعاء" قال السندي: بالكسر والمد: جمع راعٍ، كتجار جمع تاجر.

"الحطمة" بوزن هُمَزة: هو العنيف برعاية الإبل في السَّوْق والإيراد والإصدار، يلقي بعضها على بعض، ضربه مثلاً لوالي السوء.

وقيل: الحُطمة: القاضي الذي يظلم الرعية ولا يرحم، من الحطم: وهو الكسر.

وقيل: الأكول الحريص الذي يأكل ما يرى ويقضمه، فإن مَنْ هذا دأبه يكون دنيء النفس ظالماً بالطبع، شديد الطمع فيما في أيدي الناس.

"من نخالة"، بضم نون، معروف، أي: لست من فضلاء الصحابة وعلمائهم، بل من أراذلهم. فأجاب بأنهم كلهم فضلاء وعدول وصفوة الأُمة وسادتهم، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم.

 

ورواه مسلم:

 

[ 1830 ] حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير بن حازم حدثنا الحسن أن عائذ بن عمرو وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد فقال أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم فقال له اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال وهل كانت لهم نخالة إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم

 

وبالتأكيد لا أعتقد اعتقاد المسلمين السنة بأن أصحاب محمد صفوة البشر ولا اعتقاد الشيعة بأن نسل علي وأنصارهم صفوة البشر، بل هم في أغلبهم من أسوئهم ومن مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية والمشاركين في أعمال احتلال الشعوب والقتل والإبادة والنهب والاستعباد، لكن نصيحة صاحب محمد هنا كانت نصيحة صالحة حكيمة والحاكم تجاهلها وسخر منها، واستمرار وتمادي الأمويين في العسف والظلم تسبب في زوال ملكهم وسلطتهم وثورة الشعوب عليهم وإبادة العباسيين لهم.

 

اضهاد المسيحيين والزردشتيين وغيرهم كان سبب إسلام معظمهم

 

روى مسلم:

 

[ 2613 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن هشام بن حكيم بن حزام قال مر بالشام على أناس وقد أقيموا في الشمس وصب على رؤوسهم الزيت فقال ما هذا قيل يعذبون في الخراج فقال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يعذب الذين يعذبون في الدنيا

 

[ 2613 ] حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع وأبو معاوية ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير كلهم عن هشام بهذا الإسناد وزاد في حديث جرير قال وأميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين فدخل عليه فحدثه فأمر بهم فخلوا

 

 [ 2613 ] حدثني أبو الطاهر أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب عن عروة بن الزبير أن هشام بن حكيم وجد رجلا وهو على حمص يشمس ناسا من النبط في أداء الجزية فقال ما هذا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا

 

ورواه أحمد 15330 و15846.

 

ومن يطالع كتب التاريخ المسيحي العربية مثل (تاريخ البطاركة) لساويرس بن المقفع و(القصارى في نكبات النصارى) وبعض كتابات البارسيين الزردشتيين مما وصل لنا مترجمًا شذرات منه في الكتب النقدية مثل ( الفتوحات الإسلامية في روايات المغلوبين) وكتابات مهاجري الفرس الذي استقروا في الهند المترجمة اليوم إلى الإنجليزية وغيرها مثل Dhabhar, Persian Rivayats, Bombay، وحتى بعض ثنايا كتب التاريخ الإسلامي، بالإضافة إلى تعاليم العنصرية التي ذكرناها في باب (العنصرية ضد الكتابيين وغير المسلمين) وباب (تعليم العنف) يدرك أن سبب اتباع معظم هذه الشعوب للإسلام هو الهيمنة الثقافية والسياسية وتفضيل المسلمين في الوظائف واضطهاد ومضايقة ونهب الغير مسلمين.

 

النهب الإسلامي للدولة المحتلة وأهل الأديان الأخرى

 

روى ابن أبي شيبة:

 

38885- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ بِالْبَصْرَةِ وَقَدْ أُتِيَ بِجِزْيَةِ أَصْبَهَانَ ثَلاَثَةِ آلاَفِ أَلْفٍ ، فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا وَائِلٍ ، مَا تَقُولُ فِيمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مِثْلَ هَذِهِ ، قَالَ : فَقُلْتُ : أَعْرِضُ بِهِ كَيْفَ إِنْ كَانَتْ مِنْ غُلُولٍ ، قَالَ : ذَاكَ شَرٌّ عَلَى شَرٍّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا وَائِلٍ ، إِذَا أَنَا قَدِمْت الْكُوفَةَ فَأْتِنِي لَعَلِّي أُصِيبُك بِخَيْرٍ ، قَالَ : فَقَدِمَ الْكُوفَةَ ، قَالَ : فَأَتَيْت عَلْقَمَةَ فَأَخْبَرْته ، فَقَالَ : أَمَا إنَّك لَوْ أَتَيْته قَبْلَ أَنْ تَسْتَشِيرَنِي لَمْ أَقُلْ لَكَ شَيْئًا ، فَأَمَّا إِذَا اسْتَشَرْتنِي فَإِنَّهُ بَحَقٍّ عَلَيَّ أَنْ أَنْصَحَك ، فَقَالَ : مَا أُحِبُّ ، أَنَّ لِي أَلْفَيْنِ مِنَ الْفَيْءِ وَإِنِّي أَعَزُّ الْجُنْدِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ أَنِّي لاَ أُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئًا إِلاَّ أَصَابُوا مِنْ دِينِي أَكْثَرَ مِنْهُ.

 

تعذيب وقتل البشر لمجرد اختلاف المذهب والفكر (مثال من عصر هشام بن عبد الملك بن مروان)

 

روى عبد الله بن أحمد:

 

• 5881 -[قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ] : حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: "أَنَا رَأَيْتُ غَيْلَانَ يَعْنِي الْقَدَرِيَّ مَصْلُوبًا عَلَى بَابِ دِمَشْقَ"

 

هذا الأثر إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن أحمد، وسوار بن عبد الله- وهو ابن سوار بن عبد الله العنبري- فمن رجال أصحاب السنن.

وهو في كتاب"العلل" (5249) من رواية عبد الله بن أحمد، عن سوار، بهذا الإسناد.

وأخرجه العقيلي في"الضعفاء"3/437 عن عبد الله بن أحمد، به.

ورواه البخاري في " التاريخ الكبير"7/103 عن محمد بن بشار، عن معاذ بن معاذ، به.

وغيلان، قال الذهبي في"تاريخ الِإسلام"ص 441، وفيات 101-120: غيلان القدري أبو مروان صاحب معبد الجهني، ناظره الأوزاعي بحضرة هشام بن عبد الملك، فانقطع غيلان، ولم يتب، وكان قد أظهر القدر في خلافة عمر بن عبد العزيز، فاستتابه عمر، فقال: لقد كنت ضالاً فهديتني، وقال عمر: اللهم إن كان صادقاً، وإلا فاصلبه واقطع يديه ورجليه، ثم قال: أمَّن يا غيلان فأمَّن على دعائه .

وقد حج بالناس هشام بن عبد الملك سنة ست ومئة في أول خلافته، وكان معه غيلان يفتي الناس ويحدثهم، وكان ذا عبادة وتأله وفصاحة وبلاغة، ثم نفذت فيه دعوة الإمام الراشد عمر بن عبد العزيز، فأخذ، وقطعت أربعته، وصلب بدمشق بالقدر، نسأل الله السلامة، وذلك في حياة عبادة بن نسي، فإنه أحد من فرح بصلبه.

 

شيء مقزز لا يتوافق مع حق كل إنسان في حرية الاعتقاد والتعبير. وكتابات الملل والنحل القديمة لابن حزم والشهرستاني وغيرهما حافلة بهذه الأخبار وكذلك كتب التاريخ كالطبري والبداية والنهاية لابن كثير وغيرها.

 

تركهم جوهر الأخلاق واتباعهم لشكليات الطقوس

 

روى البخاري:

 

650 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمًا قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَقُلْتُ مَا أَغْضَبَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا

 

ورواه أحمد 21700

 

530 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ وَقَالَ بَكْرٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ نَحْوَهُ

 

وروى أحمد:

 

11977 - حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ أَبُو خِدَاشٍ الْيُحْمَدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: " مَا أَعْرِفُ شَيْئًا الْيَوْمَ مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ: قُلْنَا لَهُ: فَأَيْنَ الصَّلَاةُ ؟ قَالَ: " أَوَلَمْ تَصْنَعُوا فِي الصَّلَاةِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ "

 

إسناده صحيح على شرط البخاري، زياد بن الربيع من رجال البخاري، ومن فوقه من رجال الشيخين. أبو عمران الجوْني: هو عبد الملك ابن حبيب.

وأخرجه أبو يعلى (4184) عن نصر بن علي، عن زياد بن الربيع، بهذا الإسناد.

وأخرجه الترمذي (2447) عن محمد بن عبد الله بن بزيع، عن أبي عمران الجوني، به.

وسيأتي برقم (13168) من طريق عثمان بن سعد، و (13861) من طريق ثابت، كلاهما عن أنس.

وأخرجه بنحوه ابن أبي شيبة 13/366 و15/70 من طريق حصين بن عبد الله، والبخاري (529) من طريق غيلان بن جرير، و (530) من طريق الزهري، وأبو يعلى (4149) من طريق معاوية بن قرة، أربعتهم عن أنس بن مالك.

وسبب قول أنس هذا أن بعض الأمراء كان يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، انظر ما سيأتي برقم (13861) ، و"فتح الباري" 2/13.

 

13861 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، قَالَ أَنَسٌ: " مَا أَعْرِفُ فِيكُمُ الْيَوْمَ شَيْئًا كُنْتُ أَعْهَدُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ قَوْلَكُمْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ "، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ الصَّلَاةَ ؟ قَالَ: " قَدْ صَلَّيْتُمْ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، أَفَكَانَتْ تِلْكَ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ " قَالَ: فَقَالَ: " عَلَى أَنِّي لَمْ أَرَ زَمَانًا خَيْرًا لِعَامِلٍ مِنْ زَمَانِكُمْ هَذَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ زَمَانًا مَعَ نَبِيٍّ "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سليمان بن المغيرة، فمن رجال مسلم، وروى له البخاري تعليقاً ومقروناً.

وأخرجه أبو يعلى (3330) ، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات " (3195) ، والضياء في "المختارة" (1723) من طريق هدبة بن خالد، وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (1512) ، ومن طريقه الضياء (1724) ، كلاهما (هدبة وابن المبارك) عن سليمان بن المغيرة، بهذا الإسناد.

وانظر ما سلف برقم (11977) .

وقوله: "ليس قولَكم ": "ليس " هنا حرف استثناء بمنزلة "إلا"، وما بعدها منصوب على الاستثناء.

 

وما أكثر ذلك عند المسلمين والشرقيين، ترى أحدهم يقوم بطقوسه من صلاة وحج، ثم يسيء للناس ويتكبر عليهم ويؤذيهم ظانًّا نفسه من صفوة وعلية البشر وأنه مغفورة له جرائمه بحق الناس وأكله حقوقهم وغيرها من أفعال قبيحة مشينة.

رفض المتدينين من صالحيهم وملتزميهم بالدين للتعاون مع السلطة الأموية بتولي المناصب، كمقاومة سلبية

 

 

روى أحمد:

 

20654 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ يَعْنِي ابْنَ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: أَرَادَ زِيَادٌ أَنْ يَبْعَثَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَلَى خُرَاسَانَ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَتَرَكْتَ خُرَاسَانَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهَا ؟ قَالَ: فَقَالَ إِنِّي وَاللهِ مَا يَسُرُّنِي أَنْ أُصَلِّيَ بِحَرِّهَا، وَتُصَلُّونَ بِبَرْدِهَا، إِنِّي أَخَافُ إِذَا كُنْتُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، أَنْ يَأْتِيَنِي كِتَابٌ مِنْ زِيَادٍ، فَإِنْ أَنَا مَضَيْتُ هَلَكْتُ، وَإِنْ رَجَعْتُ ضُرِبَتْ عُنُقِي، قَالَ: فَأَرَادَ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ عَلَيْهَا، قَالَ: فَانْقَادَ لِأَمْرِهِ، قَالَ: فَقَالَ عِمْرَانُ: أَلَا أَحَدٌ يَدْعُو لِي الْحَكَمَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّسُولُ، قَالَ: فَأَقْبَلَ الْحَكَمُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ عِمْرَانُ لِلْحَكَمِ: أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عِمْرَانُ: لِلَّهِ الْحَمْدُ، أَوِ اللهُ أَكْبَرُ

 

إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح. بهز: هو ابن أسد العمِّي.

 

20661 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ زِيَادًا اسْتَعْمَلَ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ، فَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: وَدِدْتُ أَنِّي أَلْقَاهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، قَالَ: فَلَقِيَهُ، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أَمَا عَلِمْتَ، أَوَمَا سَمِعْتَ، رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَذَاكَ الَّذِي أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ لَكَ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. أيوب، هو ابن أبي تميمة السختياني، وابن سيرين: هو محمد. وهو عند عبد الرزاق في "المصنف" (20700) . وانظر (20653) . وانظر أحمد 19880 و20653 و20656 و20658 و20659 و20661

 

16281 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مَرَّ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى كِلَابِ بْنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مَجْلِسِ الْعَاشِرِ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكَ هَاهُنَا ؟ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي هَذَا عَلَى هَذَا الْمَكَانِ - يَعْنِي زِيَادًا - فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: بَلَى، فَقَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " كَانَ لِدَاوُدَ نَبِيِّ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ يُوقِظُ فِيهَا أَهْلَهُ، فَيَقُولُ: يَا آلَ دَاوُدَ قُومُوا فَصَلُّوا، فَإِنَّ هَذِهِ سَاعَةٌ يَسْتَجِيبُ اللهُ فِيهَا الدُّعَاءَ، إِلَّا لِسَاحِرٍ أَوْ عَشَّارٍ "، فَرَكِبَ كِلاَبُ بْنُ أُمَيَّةَ سَفِينَتَهُ، فَأَتَى زَيِادًا فَاسْتَعْفَاهُ فَأَعْفَاهُ .

 

إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد: وهو ابنُ جُدْعان، والاختلاف في سماع الحسن من عثمان سلف الكلام عليه في الرواية رقم (16280) ، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. يزيد: هو ابن هارون.

وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1544) ، والطبراني في "الكبير" (8374) ، وفي "الدعاء" (139) من طريقين عن حماد بن زيد، بهذا الإسناد. وعند الطبراني: الأُبُلَّة بدل البصرة.

وأخرجه الطبراني في "الدعاء" (140) من طريق عدي بن الفضل، عن علي ابن زيد، عن الحسن، عن كلاب بن أمية، عن عثمان، به. وعدي بن الفضل متروك، وكلاب بن أمية ترجمه الحافظ ابن عساكر في "تاريخه" 14/ورقة 615-617، ولم يأثر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وأخرج نحوه الطبراني في "الكبير" (8371) من طريق أبي الجماهر عن خُليد بن دعلج، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن كلاب، عن عثمان، بلفظ: "إن الله يدنو من خلقه فيغفر لمن استغفر إلا لبغي بفرجها أو عشار". قلنا: وخليد بن دعلج ضعيف.

وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (جزء التراجم الساقطة) ص 104-105 من  طريق سلمة بن سليمان، عن خليد بن دعلج، عن كلاب بن أمية أنه لقي عثمان، فذكره نحو الحديث السابق.

وانظر ما سلف برقم (16280) .

وفي باب ذم العشَّار انظر حديث رويفع بن ثابت السالف برقم (17001) .

 

غطرسة الأمويين

 

روى أحمد:

 

15837 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُمَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ، قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَسَنٍ، بَيْنَنَا ابْنُ رُمَّانَةَ مَوْلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ، قَدْ نَصَبْنَا لَهُ أَيْدِيَنَا فَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيْهَا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبهَا ابْنَ نِيَارٍ - رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ائْتِنِي، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ رُمَّانَةَ بَيْنَكُمَا يَتَوَكَّأُ عَلَيْكَ، وَعَلَى زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَنْ تَذْهَبَ الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ عِنْدَ لُكَعِ ابْنِ لُكَعٍ "

 

إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الصحيح غير أن الوليد بن عبد الله بن جُميع فيه كلام خفيف ينزل مرتبةً عن درجة الصحيح. أبو بكر بن أبي الجهم: هو أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، نسب إلى جده، وأبو نعيم: هو الفضل ابن دكين.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" 22/ (512) ، وابن أبي عاصم في "الزهد" (197) من طريق أبي نعيم، شيخ أحمد، بهذا الإسناد. دون ذكر القصة.

وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة 15/242- ومن طريقه ابن أبي عاصم في "الزهد" (197) - عن جعفر بن عون، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، به.

وسلف ذكر أحاديث الباب في الرواية (15831) .

قال السندي: قوله: وبها ابنُ نيار: أي تلك البقعة، وهي المسجد.

فأرسل إلى أبي بكر: ذكر نفسه [بضمير] الغيبة.

 

ولا شك أن كثيرين الحكام العرب والمسلمين من بعد الأمويين كبعض العباسيين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين وغيرهم لم يكونوا أقل تكبرًا وغطرسة وعجرفة على الناس، وهي لا تزال إلى اليوم سمة للكثير من الحكام والرأسماليين وأصحاب المناصب العرب والمسلمين، وكثيرًا ما تكون نتاج مركبات نقص معقدة منذ طفولتهم ونوعًا من جنون العظمة (البارانويا).

 

نفاق بعض الناس والفقهاء للحكام الأمويين بدلًا من توجيه النصح والنقد لهم

 

روى أحمد:

 

5373 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ الْهَادِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، (1) أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ لَقِيَ نَاسًا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جَاءَ هَؤُلَاءِ ؟ قَالُوا: خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الْأَمِيرِ مَرْوَانَ قَالَ: وَكُلُّ (2) حَقٍّ رَأَيْتُمُوهُ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ، وَأَعَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مُنْكَرٍ رَأَيْتُمُوهُ أَنْكَرْتُمُوهُ وَرَدَدْتُمُوهُ عَلَيْهِ، قَالُوا: لَا وَاللهِ، بَلْ يَقُولُ: مَا يُنْكَرُ، فَنَقُولُ: قَدْ أَصَبْتَ، أَصْلَحَكَ اللهُ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ قُلْنَا قَاتَلَهُ اللهُ، مَا أَظْلَمَهُ وَأَفْجَرَهُ قَالَ عَبْدُ اللهِ: " كُنَّا بِعَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا لِمَنْ كَانَ هَكَذَا " (3)

 

(1) كذا في (ظ14) وهامش (س) و (ص) ، وهو الموافق لما في "أطراف المسند" 3/455، ووقع في بقية النسخ: محمد بن عبد الله. وانظر"التاريخ الكبير" 6/167.

(2) في (ظ14) : فكُلْ.

(3) حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمر بن عبد اللُه - وهو عمر بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب - فقد روى عنه اثنان، وذكره البخاري في "تاريخه"6/167 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلًا، وقال ابن سعد فى"الطبقات" ص 220 (القسم المتمم) : وكان قليل الحديث، وذكَره ابن حبان في "ثقاته"2/146 وهو متابع.

فقد أخرجه البخاري (7178) ، والبيهقي في "السنن"8/164 من طريق عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه: قال أناس لابن عمر: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، قال: كنا نعدها نفاقاً.

وأخرجه الطيالسي في "مسنده" (1955) عن عبد الله بن عمر العمري، عن عاصم بن محمد بن زيد: به، وزاد: قال العمري: فحدثني أخي أن ابن عمر قال: كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وأخرجه مطولًا الطبراني في "الكبير" (13264) من طريق الزهري، عن عروة، عن ابن عمر.

وأخرجه الطبراني (13265) ، والبيهقي في "السنن"8/165، وفي "الشعب" (9395) من طريق يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عبد الله بن خارجة بن زيد، عن عروة (وهو الصواب فيما قال الدارقطني في "العلل"4/ورقة 71) ، قال: قلت لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن إنا ندخل على الأمراء، فيقضي أحدهم بالقضاء جوراً، فنقول: وفقك، وينظر إلى الرجل منا فيثني عليه، فقال: أما نحن معشر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنا نعده نفاقاً، فما أدري ما تعدونه أنتم.

وأخرجه الطبراني (13548) مختصراً من طريق شريك، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر. وشريك وليث - وهو ابن أبي سليم - كلاهما ضعيف.

وأخرجه الخرائطي في "مساوىء الأخلاق" (300) من طريق داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: قلت لابن عمر: إنا ندخل على أمرائنا... فذكر نحوه.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (280) من طريق سلام بن سليم، عن أبي إسحاق، عن عَريب الهمداني، قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: إنا إذا دخلنا على الأمراء زكيناهم بما ليس فيهم، فإذا خرجنا دعونا عليهم، قال: كنا نعد ذلك النفاق.

وسيأتي برقم (5829) .

 

ورواه البخاري في صحيحه:

 

7178 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أُنَاسٌ لِابْنِ عُمَرَ إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ لَهُمْ خِلَافَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ قَالَ كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا

 

كتم بعض أصحاب محمد لبعض أحاديثه وآرائه

 

روى أحمد:

 

11167 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ قَالَ: قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، وَقَالَ: " النَّاسُ حَيِّزُ ، وَأَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزُ "

وَقَالَ: " لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ " فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ كَذَبْتَ، وَعِنْدَهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُمَا قَاعِدَانِ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَوْ شَاءَ هَذَانِ لَحَدَّثَاكَ، وَلَكِنْ هَذَا يَخَافُ أَنْ تَنْزِعَهُ عَنْ عِرَافَةِ قَوْمِهِ، وَهَذَا يَخْشَى أَنْ تَنْزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ فَسَكَتَا، فَرَفَعَ مَرْوَانُ عَلَيْهِ الدِّرَّةَ لِيَضْرِبَهُ، فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ قَالَا (1) : صَدَقَ (2)

 

(1) في (س) و (ص) و (م) : قالوا، والمثبت من (ظ 4) و (ق) .

(2) صحيح لغيره، دون قوله: "الناس حيز، وأنا وأصحابي حيز"، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه، أبو البختري الطائي: وهو سعيد بن فيروز لم يسمع من أبي سعيد، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين، عمرو بن مُرة: هو المرادي الجملي.

وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 498-499 عن محمد بن جعفر، بهذا الإسناد.

وأخرجه مختصراً الطيالسي (2205) -ومن طريقه الحاكم 2/257، والبيهقي في "الدلائل " 5/109-110-، والطبراني في "الكبير" (4444) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (845) من طريق عمرو بن مرزوق، والطبراني في "الكبير" (4786) من طريق عمرو بن حكام، ثلاثتهم عن شعبة، به. وقال الحاكم: هذا  حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي!

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/250، و10/17، وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار كثير، رجال أحمد رجال الصحيح.

وتحرف في المطبوع عند بعضهم: حيز إلى خير -بالخاء-.

وسيكرر 5/187 سنداً ومتناً، في مسند زيد بن ثابت.

وقوله: "لا هجرة بعد الفتح..." ، سلفت شواهده في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص في الرواية (7012) .

قال السندي: قوله: "الناس حيز" : بفتح حاء مهملة، وتشديد ياء مكسورة، ثم زاي، أي: في ناحية في الفضل، والمراد بالناس هم المذكورون في قوله تعالى: (رأيت الناس يدخلون في...) وهم الذين أسلموا بعد الفتح، وظاهر الحديث أنه أخرج أولئك عن فضل الصحبة والهجرة، وضم الصحابة إليه في الفضل، فلذلك غضب مروان.

 

اللافت للنظر أن أحد مجاملي مروان كان زيد بن ثابت المشرف الرئيسي على عملية جمع نصوص القرآن، مما يشكك في أمانته ومصداقيته.

 

تلفيق الأحاديث كمقاومة سلبية للسلطة الأموية

 

روى أحمد:

 

14818 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ الْفِتْنَةِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُ جَابِرٍ، فَقِيلَ لِجَابِرٍ: لَوْ تَنَحَّيْتَ عَنْهُ، فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ فَنُكِّبَ ، فَقَالَ: تَعِسَ مَنْ أَخَافَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنَاهُ - أَوْ أَحَدُهُمَا -: يَا أَبَتِ، وَكَيْفَ أَخَافَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ مَاتَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَقَدْ أَخَافَ مَا بَيْنَ جَنْبَيَّ "

 

حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن عياش، فمن رجال البخاري، وفي هذا الإسناد انقطاع، فإن زيد بن أسلم لم يسمع من جابر.

وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 1/53 من طريق موسى بن شيبة، عن محمد بن كليب، عن محمود ومحمد ابني جابر، سمعا جابراً بالمرفوع فقط. وموسى بن شيبة لين الحديث.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/180-181 عن عبد الله بن نمير، عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد الله بن نسطاس (وقد تحرف فيه إلى: بسطام) ، عن جابر بلفظ: "من أخاف أهل المدينة، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، من أخافها فقد أخاف ما بين هذين"، وأشار إلى ما بين جنبيه. وإسناده قوي، عبد الله بن نسطاس لم يرو عنه غير هشام، ووثقه النسائي.

وأخرجه ابن حبان (3738) من طريق عبد الرحمن بن عطاء، عن محمد بن جابر بن عبد الله، عن أبيه بلفظ: "من أخاف أهل المدينة أخافه الله"، وإسناده حسن في الشواهد من أجل عبد الرحمن بن عطاء.

وسيأتي المرفوع منه فقط برقم (15225) عن حسين المروذي، عن محمد ابن مطرّف.

وفي الباب عن السائب بن خلاد، وسيأتي 4/55.

قوله: "فَنكبَ" قال السندي: على بناء المفعول، أي: أصابته حجارة.

 

والكثير من أشباه ونظائر هذا الحديث ذكرتها في باب (مما أحدثوه في دينهم).

نموذج للصراعات والتعصب اللاهوتي في عصر العباسيين

 

اختلافهم على مسائل لاهوتية وكلامية وتعذيب بعضهم للآخر حسبما يكون من تولى السلطة والرأي الذي يناصره، تعذيب المعتزلة للسنة حينما تولوا السلطة

 

من مرويات أبي نعيم في حلية الأولياء

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ أَبِي: لَمَّا كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ حُوِّلْتُ مِنَ السِّجْنِ إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَا مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ وَاحِدٍ يُوَجَّهُ إِلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَجُلَانِ سَمَّاهُمَا أَبِي، قَالَ أَبُو الْفَضْلِ: وَهُمَا أَحْمَدُ بْنُ رَبَاحٍ، وَأَبُو شُعَيْبٍ الْحَجَّاجُ , يُكَلِّمَانِي وَيُنَاظِرَانِي فَإِذَا أَرَادَا الِانْصِرَافَ دَعَوْا بِقَيْدٍ فَقُيِّدْتُ بِهِ، فَمَكَثْتُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَارَ فِي رِجْلَيَّ أَرْبَعَةُ أَقْيَادٍ، فَقَالَ لِي أَحَدُهُمَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي كَلَامٍ دَارَ بَيْنَنَا وَسَأَلْتُهُ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ فَقَالَ: عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا كَافِرُ كَفَرْتَ، فَقَالَ لِي الرَّسُولُ الَّذِي كَانَ يَحْضُرُ مَعَهُمْ مِنْ قِبَلِ إِسْحَاقَ: هَذَا رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ هَذَا زَعَمَ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَالْمُنْكِرِ عَلَيْهِ مَا قَالَ ثُمَّ انْصَرَفَا. قَالَ أَبِي: وَأَسْمَاءُ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ فَقَدْ كَفَرَ. قَالَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ: فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَجَّهُ الْمُعْتَصِمُ بِنَا إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيِّ يَأْمُرُهُ بِحَمْلِي فَأُدْخِلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ، فَقَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ إِنَّهَا وَاللَّهِ نَفْسُكَ إِنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْتُلَكَ بِالسَّيْفِ وَأَنْ يَضْرِبَكَ ضَرْبًا بَعْدَ ضَرْبٍ وَأَنْ يُلْقِيَكَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَرَى فِيهِ الشَّمْسَ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3] فَيَكُونُ مَجْعُولًا إِلَّا مَخْلُوقٌ؟ قَالَ أَبِي: فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قَالَ: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] أَفَخَلَقَهُمْ؟، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ، قَالَ أَبِي: فَأُنْزِلْتُ إِلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ فَأُحْدِرْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ الْبُسْتَانِ وَمَعِي بُغَا الْكَبِيرُ وَرَسُولٌ مِنْ قِبَلِ إِسْحَاقَ. قَالَ: فَقَالَ بُغَا لِمُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ بِالْفَارِسِيَّةِ: مَا تُرِيدُونَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَ: يرِيدُونَ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ. فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَقِرَابَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبِي: فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى الشَّطِّ أُخْرِجْتُ مِنَ الزَّوْرَقِ فَجُعِلَتْ أَكَادُ أَخِرُّ عَلَى وَجْهِي حَتَّى انْتُهِيَ بِي إِلَى الدَّارِ فَأُدْخِلْتُ، ثُمَّ عُرِجَ بِي إِلَى الْحُجْرَةِ فُصُيِّرْتُ فِي بَيْتٍ مِنْهَا وَأُغْلِقَ عَلَيَّ الْبَابُ وَأُقْعِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ سِرَاجٌ، فَاحْتَجْتُ إِلَى الْوُضُوءِ فَمَدَدْتُ يَدِي أَطْلُبُ شَيْئًا فَإِذَا أَنَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَشْتٌ، فَتَهَيَّأْتُ لِلصَّلَاةِ وَقُمْتُ أُصَلِّي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جَاءَنِي الرَّسُولُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي الدَّارَ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ حَاضِرٌ قَدْ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَالدَّارُ غَاصَّةٌ بِأَهْلِهَا، فَلَمَّا دَنَوْتُ سَلَّمْتُ، فَقَالَ لِي: ادْنُ فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِينِي حَتَّى قَرُبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: اجْلِسْ فَجَلَسْتُ وَقَدْ أَثْقَلَتْنِي الْأَقْيَادُ، فَلَمَّا مَكَثْتُ هُنَيْهَةً قُلْتُ: تَأْذَنُ فِي الْكَلَامِ، فَقَالَ: تَكَلَّمْ، فَقُلْتُ: إِلَامَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِنَّ جَدَّكَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَحْكِي أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامَ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغُنْمِ». قَالَ أَبُو الْفَضْلِ: حَدَّثَنَاهُ أَبِي , ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ: قَالَ أَبِي: فَقَالَ لِي عِنْدَ ذَلِكَ: لَوْلَا أَنْ وَجَدْتُكَ فِي يَدِ مَنْ كَانَ قَبْلِي مَا تَعَرَّضْتُ لَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَلَمْ آمُرْكَ أَنْ تَرْفَعَ الْمِحْنَةَ؟ قَالَ أَبِي: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اللَّهُ أَكْبَرُ إِنَّ فِي هَذَا فَرَجًا لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوهُ ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَلِّمْهُ، فَقَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا تَقُولُ فِي عِلْمِ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ. قَالَ أَبِي: فَجَعَلَ يُكَلِّمُنِي هَذَا وَهَذَا فَأَرُدَّ عَلَى هَذَا وَأُكَلِّمُ هَذَا ثُمَّ أَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطُونِي شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقُولُ بِهِ، أُرَاهُ قَالَ: فَيَقُولُ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ: فَأَنْتَ مَا تَقُولُ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ. قَالَ: فَقُلْتُ تَأَوَّلْتَ تَأْوِيلًا فَأَنْتَ أَعْلَمُ وَمَا تَأَوَّلْتَ تُحْبَسُ عَلَيْهِ وَتُقَيَّدُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ: هُوُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ضَالٌّ مُضِلٌّ مُبْتَدَعٌ وَهَؤُلَاءِ قُضَاتُكَ وَالْفُقَهَاءُ فَسَلْهُمْ، فَيَقُولُ: مَا تَقُولُونَ فِيهِ؟ فَيَقُولُونَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ ضَالٌّ مُضِلٌّ مُبْتَدَعٌ. قَالَ: وَلَا يَزَالُونَ يُكَلِّمُونِي، قَالَ وَجَعَلَ صَوْتِي يَعْلُو أَصْوَاتَهُمْ، وَقَالَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] أَفَيَكُونُ مُحْدَثًا إِلَّا مَخْلُوقًا، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ تَعَالَى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] فَالْقُرْآنُ هُوَ الذِّكْرُ وَالذِّكْرُ هُوَ الْقُرْآنُ وَيْلَكَ لَيْسَ فِيهَا أَلْفٌ وَلَامٌ، قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ سَمَاعَةَ لَا يَفْهَمُ مَا أَقُولُ قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُمْ: مَا يَقُولُ قَالَ: فَقَالُوا: إِنَّهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَقَالَ لِي إِنْسَانٌ مِنْهُمْ: حَدِيثُ خَبَّابٍ «تَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّكَ لَنْ تَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ» قَالَ: أَبِي، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَعَمْ هَكَذَا هُوَ. فَجَعَلَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَلْحَظُهُ مُتَغَيِّظًا عَلَيْهِ. قَالَ أَبِي: وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَلَيْسَ قَالَ: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] قُلْتُ: قَدْ قَالَ: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] فَدَمَّرَتْ إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّهُ. قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَمَا تَقُولُ وَذَكَرَ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الذِّكْرَ» فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الذِّكْرَ , فَقُلْتُ: هَذَا خَطَأٌ حَدَّثَنَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الذِّكْرَ» قَالَ أَبِي: فَكَانَ إِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنْهُمُ اعْتَرَضَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَتَكَلَّمَ. فَلَمَّا قَارَبَ الزَّوَالُ، قَالَ لَهُمْ: قُومُوا ثُمَّ حُبِسَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، فَخَلَا بِي وَبِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَجَعَلَ يَقُولُ: أَمَا تَعْرِفُ صَالِحًا الرَّشِيدِيُّ كَانَ مُؤَدِّبِي وَكَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَالِسًا وَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الدَّارِ، قَالَ فَتَكَلَّمَ وَذَكَرَ الْقُرْآنَ فَخَالَفَنِي فَأَمَرْتُ بِهِ فَسُحِبَ وَوُطِئَ، ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ لِي: مَا أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْتِينَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْرِفُهُ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً يَرَى طَاعَتَكَ وَالْحَجَّ وَالْجِهَادَ مَعَكَ وَهُوَ مُلَازِمٌ لِمَنْزِلِهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَفَقِيهٌ وَإِنَّهُ لَعَالِمٌ وَمَا يَسُوءُنِي أَنْ يَكُونَ مَعِي يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الْمُلْكِ، وَلَئِنْ أَجَابَنِي إِلَى شَيْءٍ لَهُ فِيهِ أَدْنَى فَرَجٍ لَأُطْلِقَنَّ عَنْهُ بِيَدِي، وَلَأَطَأَنَّ عَقِبَهُ وَلَأَرْكَبَنَّ إِلَيْهِ بِجُنْدِي. قَالَ: ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَيَّ فَيَقُولُ: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: فَأَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطُونِي شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا طَالَ بِنَا الْمَجْلِسُ ضَجِرَ فَقَامَ فَرُدِدْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، ثُمَّ وَجَّهَ إِلَيَّ بِرَجُلَيْنِ سَمَّاهُمَا وَهُمَا صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَغَسَّانُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ يُنَاظِرَانِي فَيُقِيمَانِ مَعِي حَتَّى إِذَا حَضَرَ الْإِفْطَارَ وَجَّهَ إِلَيْنَا بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا طَعَامٌ فَجَعَلَا يَأْكُلَانِ وَجَعَلْتُ أَتَعَلَّلُ حَتَّى تُرْفَعَ الْمَائِدَةُ وَأَقَامَا إِلَى غُدُوٍّ فِي خِلَالِ ذَلِكَ يَجِيءُ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَيَقُولُ لِي: يَا أَحْمَدُ يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَقُولُ؟ فَأَقُولُ لَهُ: أَعْطُونِي شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقُولَ بِهِ، فَقَالَ لِي ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُتِبَ اسْمُكَ فِي السَّبْعَةِ فَمَحَوْتُهُ، وَلَقَدْ سَاءَنِي أَخْذُهُمْ إِيَّاكَ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَيْسَ السَّيْفُ إِنَّهُ ضَرْبٌ بَعْدَ ضَرْبٍ، ثُمَّ يَقُولُ لِي: مَا تَقُولُ، فَأَرُدُّ عَلَيْهِ نَحْوًا مِمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ. ثُمَّ يَأْتِينِي رَسُولُهُ فَيَقُولُ: أَيْنَ أَحْمَدُ بْنُ عَمَّارٍ أَجِبِ الرَّجُلَ الَّذِي أُنْزِلْتَ فِي حُجْرَتِهِ، فَيَذْهَبُ ثُمَّ يَعُودُ، فَيَقُولُ: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: مَا تَقُولُ؟ فَأَرُدَّ عَلَيْهِ نَحْوًا مِمَّا رَدَدْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ، فَلَا تَزَالُ رُسُلُهُ تَأْتِي أَحْمَدَ بْنَ عَمَّارٍ وَهُوَ يَخْتَلِفُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَيَقُولُ: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: أَجِبْنِي حَتَّى أَجِيءَ فَأُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي قَالَ: فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أُدْخِلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوهُ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَتَكَلَّمُونَ هَذَا مِنْ هَاهُنَا وَهَذَا مِنْ هَاهُنَا فَأَرُدُّ عَلَى هَذَا وَهَذَا، فَإِذَا جَاءُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ مِمَّا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِيهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ قُلْتُ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا، قَالَ: فَيَقُولُونَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا تَوَجَّهَتْ لَهُ الْحُجَّةَ عَلَيْنَا وَثَبَ، وَإِذَا كَلَّمْنَاهُ بِشَيْءٍ يَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نَاظِرُوهُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَحْمَدُ إِنِّي عَلَيْكَ شَفِيقٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَرَاكَ تَذْكُرُ الْحَدِيثَ وَتَنْتَحِلُهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَقَالَ: خَصَّ اللَّهُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَقُولُ إِنْ كَانَ قَاتِلًا أَوْ عَبْدًا أَوْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَسَكَتَ، قَالَ أَبِي: وَإِنَّمَا احْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ [ص:201] بِهَذَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَيَّ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلِقَوْلِهِ أَرَاكَ تَنْتَحِلُ الْحَدِيثَ، وَكَانَ إِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنْهُمُ اعْتَرَضَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّهِ لَئِنْ أَجَابَكَ لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ فَيَعْدُدْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِيَامِ وَخَلَا بِي وَبِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيَدُورُ بَيْنَنَا كَلَامٌ كَثِيرٌ وَفِي خِلَالِ ذَلِكَ يَقُولُ: نَدْعُو أَحْمَدَ بْنَ أَبِي دُؤَادٍ فَأَقُولُ ذَلِكَ إِلَيْكَ، فَيُوَجِّهُ إِلَيْهِ فَيَجِيءُ فَيَتَكَلَّمُ. فَلَمَّا طَالَ بِنَا الْمَجْلِسُ قَامَ وَرُدِدْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَجَاءَنِي الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ كَانَا عِنْدِي بِالْأَمْسِ فَجَعَلَا يَتَكَلَّمَانِ فَدَارَ بَيْنَنَا كَلَامٌ كَثِيرٌ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْإِفْطَارِ جِيءَ بِطَعَامٍ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أُتِيَ بِهِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ، فَأَفْطَرُوا فَتَعَلَّلْتُ وَجَعَلَتْ رُسُلُهُ تَأْتِي أَحْمَدَ بْنَ عَمَّارٍ فَيَمْضِي إِلَيْهِ فَيَأْتِينِي بِرِسَالَةٍ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا كَانَ فِي أَوَّلَ لَيْلَةٍ. وَجَاءَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرْبًا وَأَنْ يَحْبِسَكَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَرَى فِيهِ الشَّمْسَ، فَقُلْتُ لَهُ: فَمَا أَصْنَعُ، حَتَّى إِذَا كِدْتُ أَنْ أُصْبِحَ قُلْتُ لَخَلِيقٌ أَنْ يَحْدُثَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنْ أَمْرِي شَيْءٌ، وَقَدْ كُنْتُ خَرَجَتْ تِكَّتِي مِنْ سَرَاوِيلِي فَشَدَدْتُ بِهَا الْأَقْيَادَ أَحْمِلُهَا بِهَا إِذَا تَوَجَّهْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ كَانَ مَعِي الْمُوَكَّلُ بِي: أُرِيدُ لِي خَيْطًا فَجَاءَنِي بِخَيْطٍ فَشَدَدْتُ بِهِ الْأَقْيَادَ وَأَعَدْتُ التِّكَّةَ فِي سَرَاوِيلِي وَلَبَسْتُهَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي فَأَتَعَرَّى. فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَالْقَوْمُ حُضُورٌ، فَجَعَلْتُ أَدْخَلُ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السُّيوفُ وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السِّيَاطُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الزِّيِّ وَالسِّلَاحِ، وَقَدْ حُشِيَتِ الدَّارُ بِالْجُنْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْيَوْمَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ كَبِيرَ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ حَتَّى إِذَا صِرْتُ إِلَيْهِ قَالَ: نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوهُ، فَعَادُوا لِمِثْلِ مُنَاظَرَتِهِمْ، فَدَارَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ كَلَامٌ كَثِيرٌ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَخْلُو بِي فِيهِ فَجَاءَنِي ثُمَّ اجْتَمَعُوا فَشَاوَرَهُمْ ثُمَّ نَحَّاهُمْ وَدَعَانِي فَخَلَا بِي وَبِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ أَنَا وَاللَّهِ عَلَيْكَ شَفِيقٌ، وَإِنِّي لَأُشْفِقُ عَلَيْكَ مِثْلَ شَفَقَتِي عَلَى هَارُونَ ابْنِي فَأَجِبْنِي، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطُونِي شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا ضَجِرَ وَطَالَ الْمَجْلِسُ، قَالَ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ لَقَدْ طَمِعْتُ فِيكَ، خُذُوهُ، اخْلَعُوهُ، اسْحَبُوهُ. قَالَ: فَأُخِذْتُ فَسُحِبْتُ، ثُمَّ خُلِعْتُ، ثُمَّ قَالَ: الْعَقَابِينُ وَالسِّيَاطُ فَجِيءَ بِعَقَابِينَ وَالسِّيَاطِ. قَالَ: أَبِي وَقَدْ كَانَ صَارَ إِلَيَّ شَعْرَتَانِ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَرْتُهُمَا فِي كُمِّ قَمِيصِي فَنَظَرَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى الصُّرَّةِ فِي كُمِّ قَمِيصِي فَوَجَّهَ إِلَيَّ: مَا هَذَا الْمَصْرُورُ فِي كُمِّكَ فَقُلْتُ: شَعْرٌ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَعَى بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى الْقَمِيصِ لِيَحْرِقَهُ فِي وَقْتِ مَا أُقِمْتُ بَيْنَ الْعَقَابِينَ فَقَالَ لَهُمْ: لَا تُحْرِقُوهُ وَانْزَعُوهُ عَنْهُ، قَالَ أَبِي: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بِسَبَبِ الشَّعْرِ الَّذِي كَانَ فِيهِ. ثُمَّ صُيِّرْتُ بَيْنَ الْعَقَابِينَ وَشُدَّتْ يَدِي وَجِيءَ بِكُرْسِيٍّ فَوُضِعَ لَهُ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ وَالنَّاسُ اجْتَمَعُوا وَهُمْ قِيَامٌ مِمَّنْ حَضَرَ، فَقَالَ لِي إِنْسَانٌ مِمَّنْ شَدَّنِي خُذْ أَيَّ الْخَشَبَتَيْنِ بِيَدِكَ وَشُدَّ عَلَيْهَا. فَلَمْ أَفْهَمْ مَا قَالَ. قَالَ: فَتَخَلَّعَتْ يَدِي لَمَّا شُدَّتْ وَلَمْ أُمْسِكِ الْخَشَبَتَيْنِ، قَالَ أَبُو الْفَضْلِ، وَلَمْ يَزَلْ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَوَجَّعُ مِنْهَا مِنَ الرُّسْغِ إِلَى أَنْ تُوفِّيَ، ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِينَ تَقَدَّمُوا فَنَظَرَ إِلَى السِّيَاطِ فَقَالَ: ائْتُوا بِغَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: تَقَدَّمُوا، فَقَالَ لِأَحَدِهِمْ: أَدْنِهِ أَوْجِعْ قَطَعَ اللَّهُ يَدَكَ. فَتَقَدَّمَ فَضَرَبَنِي سَوْطَيْنِ ثُمَّ تَنَحَّى فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَيَضْرِبُنِي سَوْطَيْنِ وَيَتَنَحَّى، ثُمَّ قَامَ حَتَّى جَاءَنِي وَهُمْ مُحَدِّقُونَ بِهِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ تَقْتُلُ نَفْسكَ، وَيْحَكَ أَجِبْنِي حَتَّى أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي. قَالَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لِي: وَيْحَكَ إِمَامُكَ عَلَى رَأْسِكَ قَائِمٌ، قَالَ: وَجَعَلَ يَعْجَبُ وَيَنْخَسُنِي بِقَائِمِ سَيْفِهِ وَيَقُولُ: تُرِيدُ أَنْ تَغْلِبَ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ، وَجَعَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: وَيْلَكَ الْخَلِيفَةُ عَلَى رَأْسِكَ قَائِمٌ: قَالَ ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دَمُهُ فِي عُنُقِي، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ عَلَى الْكُرْسِيِّ ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِ: أَدْنِهِ شُدَّ - قَطَعَ اللَّهُ يَدَكَ - ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَدْعُو بِجَلَّادٍ بَعْدَ جَلَّادٍ فَيَضْرِبُنِي سَوْطَيْنِ وَيَتَنَحَّى وَهُوَ يَقُولُ لَهُ شُدَّ قَطَعَ اللَّهُ يَدَكَ، ثُمَّ قَامَ لِي الثَّانِيَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا أَحْمَدُ أَجِبْنِي وَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ لِي: مَنْ صَنَعَ بِنَفْسِهِ مِنْ أَصْحَابِكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ مَا صَنَعْتَ؟ هَذَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَهَذَا أَبُو خَيْثَمَةَ وَابْنُ أَبِي. . . . . . وَجَعَلَ يُعَدِّدُ عَلَيَّ مَنْ أَجَابَ وَجَعَلَ هُوَ يَقُولُ: وَيْحَكَ أَجِبْنِي قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ نَحْوًا مِمَّا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ فَجَلَسَ ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ لِلْجَلَّادِ: شُدَّ - قَطَعَ اللَّهُ يَدَكَ - قَالَ أَبِي: فَذَهَبَ عَقْلِي وَمَا عَقَلْتُ إِلَّا وَأَنَا فِي حُجْرَةٍ طُلِقَ عَنِّي الْأَقْيَادُ، فَقَالَ إِنْسَانٌ مِمَّنْ حَضَرَ: إِنَّا كَبَبْنَاكَ عَلَى وَجْهِكَ وَطَرَحْنَا عَلَى ظَهْرِكَ سَارِيَةً وَدُسْنَاكَ، قَالَ أَبِي: فَقُلْتُ: مَا شَعَرْتُ بِذَلِكَ. قَالَ: فَجَاءُونِي بِسَوِيقٍ فَقَالُوا لِي: اشْرَبْ وَتَقَيَّأَ فَقُلْتُ: لَا أُفْطِرُ ثُمَّ جِيءَ بِي إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ أَبِي: فَنُودِيَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، قَالَ ابْنُ سَمَاعَةَ صَلَّيْتَ وَالدَّمُ يَسِيلُ مِنْ ضَرْبِكَ؟ فَقُلْتُ: قَدْ صَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا فَسَكَتَ، ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ وَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِرَجُلٍ مِمَّنْ يُبْصِرُ الضَّرْبَ وَالْجِرَاحَاتِ لِيُعَالِجَ فِيهَا فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَنَا: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ ضُرِبَ أَلْفَ سَوْطٍ مَا رَأَيْتُ ضَرْبًا أَشَدَّ مِنْ هَذَا، لَقَدْ جُرَّ عَلَيْهِ مِنْ خَلْفِهِ وَمِنْ قُدَّامِهِ ثُمَّ أَدْخَلَ مِيلًا فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِرَاحَاتِ، وَقَالَ: لَمْ يَثْعَبْ فَجَعَلَ يَأْتِيهِ وَيُعَالِجُهُ، وَقَدْ كَانَ أَصَابَ وَجْهَهُ غَيْرُ ضَرْبَةٍ، ثُمَّ مَكَثَ يعَالِجُهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَاهُنَا شَيْئًا أُرِيدُ أَنْ أَقْطَعَهُ فَجَاءَ بِحَدِيدَةٍ فَجَعَلَ يُعَلِّقُ اللَّحْمَ بِهَا وَيَقْطَعُهُ بِسِكِّينٍ مَعَهُ، وَهُوَ صَابِرٌ لِذَلِكَ يَحْمَدُ اللَّهَ فِي ذَلِكَ فَيَرَاهُ مِنْهُ وَلَمْ يَزَلْ يَتَوَجَّعُ مِنْ مَوَاضِعَ مِنْهُ وَكَانَ أَثَرُ الضَّرْبِ بَيِّنًا فِي ظَهْرِهِ إِلَى أَنْ تُوفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ

 

اعتبر مفكرنا الملحد العلماني القديم سلامة موسى المصري في كتيبه عن الفكر الحر أن أحمد بن حنبل أحد أبطال الفكر الحر أو حرية الفكر والاعتقاد لتحمله كل ذلك التعذيب لأجل رأيه اللاهوتي، ورغم أن ﭬولتير قد قال في الحكمة دافعوا عن أفكاركم كما تدافعون عن حصون مدينتكم، لكنه قال كذلك هو أو غيره، وهي القاعدة اللادينية للفكر الحر: قد أختلف معك في الرأي لكني مستعد لدفع حياتي ثمنًا للدفاع عن حقك في التعبير عن رأيك، وهي "الروح" والجوهر والطبيعة الأخلاقية التي افتقدها أشخاص كأحمد بن حنبل، ففقهاء الخرافة والإجرام هؤلاء_ رغم كل الإجلال والاحترام لموقف ابن حنبل المذكور هنا_ كانوا لن يتورعوا عن قتل وتعذيب المخالفين لهم عند منحهم السلطة بما فيه مجرد المخالفين في المذهب الإسلامي، هذا غير قتل المخالفين والتاركين والمختلفين مع الإسلام بالجملة، وإني أربأ بالفكر الحر أن نعتبر من رموزه شخصيات سلفية كهذه، ربما شخصيات دينية كأحمد صبحي منصور أو نصر حامد أبو زيد أو جمال البنا أو مارتن لوثر وبعض اللاهوتيين التاريخيين الإنجليز والألمانيين والأوربيين سنحترمهم ونعتبرهم كذلك.

 

 

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.