2 الأخطاء القرآنية والحديثية في علوم التاريخ والآثار وعلم الأديان

 

الأخطاء القرآنية والحديثية في علوم التاريخ والآثار وعلم الأديان

 

اعتمدت في هذا الباب على الكثير من مقالات الإخوة الآخرين من لادينيين عقلانيين ومسيحيين كذلك، واستعنت بمراجع علمانية ومسيحية، وما لم أذكر مؤلِّفًا للبحث فمن ثم فأنا مؤلفه، وكل الشكر للإخوة المستعان بأبحاثهم لجهودهم التنويرية السابقة، فإن كل كتابٍ أو مقال يكتبه كاتب إنما يكون اعتمادًا على مصادر ومساهمات ممن سبقوه، وهذا قمت به هنا في هذا الباب وبباب الأخطاء العلمية قليلًا كذلك توفيرًا لبذل جهد قام به آخرون بشكلٍ أفضل مني ويعالج أوجه قصور عندي، فلا أحد يدعي معرفة كل فروع العلوم ودقائقها، هناك من درس التاريخ أو طالع فيه بتعمق أكثر، وهناك من هو طبيب أو عالم بيولوجي من علماء الحياة والأحياء، ولست أيًّا من هؤلاء، أنا مجرد مثقف عامّ ومتخصص في أبحاث علم الأديان واللاهوت أو الإلهيات والميتافيزيقيا والأساطير (الميثيولوجي) فقط.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غُلِبَت الرومُ

 

مقال مقتبس عن كاتبٍ أخٍّ في الإنسانية مسيحيّ:

نعلم من التاريخ أن فارس هزمت الروم في أرض سورية في السنة السادسة قبل الهجرة الموافقة لسنة 615 ميلادية وإذ تمت هذه الحادثة وغلبت الروم في أدنى الأرض بلغ هذا الخبر إلى مكة في أيام قليلة قال البيضاوي في تفسيره ما معناه أن تلك النبوة تمت يوم انتصر الروم على فارس وكان ذلك في يوم الحديبية, ونعلم أن معاهدة الحديبية تمت في ذي القعدة من السنة السادسة بعد الهجرة الموافقة شهر مارس سنة 628 ميلادية فإن صح تفسير البيضاوي وكانت غلبة الروم في السنة الثانية عشرة بعد انهزامهم خلافاً لما جاء في القرآن من أن بين الحادثتين بضع سنين والبضع لا يزيد عن تسع وعليه فلم تتم النبوة على أن ليس من النوادر البالغة حد الإعجاز أن يخبر أحد أية الدولتين تحرز الغلبة فإن هذا يمكن معرفته بدون تكليف جبريل بأن يأتي بوحي من السماء بل يعرف ذلك بمضاهاة الدولة الواحدة بالأخرى فمن كا نت أكثر رجالاً وأوفى عدة وأعلا همة فهي الغالبة لا محالة حتى وإن غلبت في بادئ الأمر, لهذا لنا الحق أن ندعي بأن محمداً أنبأ بانتصار الروم أخيراً من تلقاء نفسه بمجرد رأيه الثاقب وذكاء فكره إسوة بكثيرين من ذوي الآراء الصائبة وقيل في الأمثال ظن العاقل أصح من يقين الجاهل, عدا ذلك نقول أنه من المحتمل ان يكون أبو بكر راهن صاحبه على انتصار الروم من قبل أن يشاور محمداً فإن صح هذا الاحتمال كان أبو بكر نبياً أيضاً كمحمد لأنه تأكد أن الروم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين حتى أنه عقد مراهنة على هذه النتيجة فتأمل, أما الحقيقة الناصعة فهي أنه لا قول أبي بكر ولا قول محمد من النبوة في شيء بل إنهما كرجلين مدربين بمرور السنين ومحنكين بمشاهدة الوقائع لاحظا أن دولة الفرس كثر فيها الاضطراب والهرج وأخذ منها الضعف والاختلال كل مأخذ بدليل تولية الملوك عليها وسقوطهم في زمن قصير فإنه ما بين موت أنوشروان سنة 587 ميلادية وبين سقوط يزدجرد الثالث سنة 642 ميلادية ملك على الفرس لا أقل من أربعة عشر ملكاً ومات أكثرهم قتلاً بعد تمليكهم بزمن قصير وحدث في السنين الخمس التي ما بين ملك خسروفرويز (سنة 227 ميلادية) وبين تولية يزدجرد أنه قد ملك نحو أحد عشر ملكاً فكل من له مسكة من العقل يحكم لأول وهلة أن دولة كهذه لا تقوى على الروم فليس بعظيم على محمد أن يعرف هذه النتيجة الضرورية على أن محمد لم يعين بالضبط عدد السنين التي تكون الغلبة من بعدها بل أتى بعدد مرن يتمدد وينكمش فقال بضع سنين محتاطاً لنفسه لئلا تمسك عليه غلطة ومع ذلك فأخطأ الحقيقة بالرغم عن احتياطه ولو مددنا بضعاً إلى أقصى حدودها لأن الروم لم يغلبوا فارس قبل مرور عشرة سنين لا تسع بعد انهزامهم على أقل تقدير,

ومما يؤكد لنا أن محمداً كان عالما ًبضعف الفرس من قبل أن يطلع على آية الروم بسنين كثيرة ما رواه ابن هشام في سيرة الرسول قال ما معناه عقد محمد وروساء قريش مؤتمراً في مكة قبل الهجرة واجتهد في أن يستميلهم إلى الإقرار بالكلمة الأولى من الشهادتين واطراح الشرك واعداً إياهم بعلو المنزلة على العجم والعرب إلى أن قال يا عم كلمة واحدة تعظونها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم ,

ومع هذا كله فإن البيضاوي كفانا مؤونة هذا البحث وأراحنا من المناظرة فيما إذا كانت آية الروم نبوة كما زعموا أم لا وذلك لأنه يروي لنا خبر اختلاف قراءة تلك الآية إذ يقرأها بعضهم هكذا غلبت (مبنياً للمعلوم) عوض غلبت (مبنياً للمجهول) وسيغلبون (مبنياً للمجهول) عوض سيغلبون (مبنياً للمعلوم) فتكون جملة الآية هكذا غَلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلبتهم سيُغلبون في بضع سنين فإن صحت هذه القراءة بطلت دعوة الذين يدعون باشتمال هذه الآية على معجزة الإنباء بالمستقبل وكانت حكاية المراهنة التي زعموا أن ابا بكر عقدها مع أبي حديث خرافة لأن أبيا كان قد مات قبل انتصار المسلمين على الروم بل قبل انتصار الروم على الفرس بسنين كثيرة ومن هنا نعلم شطط الحديث ووهنه وهو عندهم مصادر الثقة وقال البيضاوي في تفسيره آية الروم بحسب القراءة الثانية ما معناه أن الروم انتصروا على ريف الشام ثم أن بقية الآية تبشر بانتصار المسلمين عليهم في بضع سنين وبموجب هذا التفسير يلزم أن يكون الحديث الذي اثبتوا به نزول الآية المذكورة قبل تاريخ الهجرة بست سنين غير صحيح لأنها تكون قد نزلت بعد ذلك باثنتي عشرة سنة على الأقل والحاصل أن الاستدلال على كون محمد رسول الله بإنبائه عن حادثة مستقبلة كما يزعمون استدلال باطل, أولاً لأن تاريخ نزول الآية المتضمنة الإنباء بالمستقبل غير معلوم بالضبط, ثانياً لأن قراءتها الصحيحة غير معلومة أيضاً, ثالثاً لا يمكن أن يتبين من معنى الآية المذكورة أن شيئاً من النبوة قد تم.

إضافة من موسوعة Wikipedia الإصدارة الإنجليزية من ترجمتي لؤي عشري للتأكيد على تاريخ انتصار الروم الشرقيين:

 

...انتهى حصار القسطنطينية (كونستانتينبول) في عام626 من جانب الامبراطورية الساسانية بنصر حاسم للبيزنطيين، مع انتصارت أخرى حققها هركليوز (هرقل) في السنة التي قبلها، وفي 627، ممكنًا بيزنطة من استعادة مناطقها وفرض معاهدة محببة لهم بالعودة إلى أوضاع الحدود كما كانت عام 590م.

 

طبعًا كما نعلم من كتب التاريخ استعاد هرقل أملاك الامبراطورية في آسيا الصغرى وفلسطين واسترد صليب الصلب أو الصلبوت المقدَّس الخرافيّ كما تقول كتب التاريخ وكتب الحديث كلها نفَّذ نذرًا دينيًّا ضمن احتفاله بأن سار من حمص في سوريا إلى القدس على قدميه، ويقال أن جنوده بسطوا له السجاجيد لهذا الغرض على طول الطريق.

 

أما القصة التي توردها كتب التفسير والسيرة عن مراهنة أبي بكر مع بعض الوثنيين حين إعلان محمد للنص في مكة، فعلى الأغلب قصة مفبركة مختلقة، فوقت نصر الروم بعد 12 سنة كان أبو بكر في المدينية يثرب، والمكيون في مكة، زمن صلح الحديبية، لا يوجد شيء يفرض على أيٍّ من الطرفين الالتزام بهذا الرهان المزعوم لأسبابٍ منها وجود عداء وحروب سابقة بينهم فلم تكن قريش لتهدي أغنامًا لمسلم من البارزين والوجوه، ولا عقد اجتماعي بينهم لتنفيذ عقود وعهود كهذه لاختلاف الدولة. وبعض القصص المتناقضة التي يوردها ابن كثير من كتب الحديث كأحمد والترمذي قد نشم منها رائحة خسارة أبي بكر للرهان المزعوم لو صحت قصة الرهان من أساسها. روى الترمذي:

 

3194 - حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني ابن أبي الزناد عن أبي الزناد عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت { الم } { غلبت الروم } { في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون } { في بضع سنين } فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب وفي ذلك قول الله تعالى { ويومئذ يفرح المؤمنون } { بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم } فكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث فلما أنزل الله تعالى هذه الآية خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة { الم } { غلبت الروم } { في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون } { في بضع سنين } قال ناس من قريش لأبي بكر فذلك بينا وبينكم زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارسا في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك ؟ قال بلى وذلك قبل تحريم الرهان فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر كم تجعل ؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه قال فسموا بينهم ست سنين قال فمضت الست سنين قبل أن يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن الله تعالى قال في بضع سنين قال وأسلم عند ذلك ناس كثير

 قال هذا حديث صحيح حسن غريب من حديث نيار بن مكرم لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد

 

قال الألباني: حسن

 

لكن حسب حساباتي فالسنة السادسة (621م) ستكون أول سنة يقضيها المسلمون في يثرب، السنة الأولى هجرية (1ه)، لأن نصر الروم في الحديبية 7ه= 627م، ولا أعتقد أن الفريقين المسلم والوثني كانوا في مزاج يسمح بالوفاء بأي مرهانات أو عقود كهذه، وعداوتهم طازجة مشتعلة، الأرجح أن القصة باطلة من جذورها، أو أن أبا بكر خسر رهانه، فلو صح أن محمدًا تنبأ بذلك في مكة يوم هزيمة الروم على أيدي الفرس، وأن أبا بكر راهن على صحة النبوءة، فخسارته للرهان أمر حتميّ حسب معطيات التاريخ الموثَّق السليم لتلك الحروب.

 

خرافة طوفان نوح الذي أغرق كل الكوكب بزعم الخرافة

 

كذلك قصة الطوفان هناك أبحاث كثيرة جيولوجية وغيرها تفنّدها تمامًا، فلا وجود لكمية ماء كافية من الأصل تكفي لتغطية كل سطح الأرض اليابسة، وقرأت سابقًا عدة مواضيع مهمة عن هذا منها موضوع بأحد أعداد مجلة العصور الجديدة عدد يناير2000 من أول ص122، التي ظهرت في تسعينيات القرن العشرين ثم توقّفت وكانت إلحادية علمانية (وكنت قمت برفعها بموقع إلحاد). وجميع الحضارات كالهند والصين ومصر وسومر استمرت دون انقطاع تاريخيّ لو وُجِد لكان ليثبتَ صحة خرافة الطوفان المزعومة، لا يوجد طبقة واحدة في زمن واحد من الترسبات المائية متطابقة في كل كوكب الأرض أو معظمه إجمالًا لكي تكون خرافة كهذه صحيحة.

{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)} القمر

 

{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)} نوح

 

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (82)} الصافّات

 

{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)} الأحقاف

 

ولو أنصفنا وأصبنا لما وضعنا قصة نوح هنا، بل في باب الخرافات والخزعبلات بالذات، فعلى عكس باقي القصص هنا المبنية على معطى من الآثار أو الجيولوجي وتفسيره تفسيرًا خرافيًّا، فليس لخرافة نوح أي أصل تٌبنى عليه كتفسير خرافيّ له، ويزعم البعض أن السومريين كان نهر دجلة عندهم يفيض في العراق كثيرًا ومن هنا تشكَّل وعيهم الدينيّ الجمعيّ بخرافة الطوفان الشامل للعالم كله حسب أقدم نسخة من الأسطورة عند حضارة ودين سومر. وتتناقض خرافة الطوفان كذلك مع كيفية توزُّع الكائنات الحية على كوكب الأرض.

 

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حرق مسيحيي نجران كان بدون أخدود

 

{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)  الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} البروج

 

منطقة الأخدود معروفة جدًّا كمعلم سياحي في السعودية اليوم، لكن لمحمد هنا عدة أخطاء تاريخية، فأولًا قد لاحظ أخونا (الخليجي) وهو عالم آثار سعودي من المدينة-يثرب ملحد عقلاني أن المنطقة ليس بها أخدود، راجع جمعي لمقالاته في كتاب (تفنيد أساطير القرآن عن الأقوام المبادة)/ منطقة أصحاب الأخدود ليس بها أخدود، أدناه صور للموقع والأركيولوجي (علم الآثار) يثبت فعلًا أن الملك اليهوديّ ذا نواس يوسف من ملوك تبابعة اليمن أحرق مسيحيي النجران في بيوتهم، كما نرى من الصور أدناه، ولم يجمعهم في أخدود أو أخاديد، يتضافر مع الدليل الأثري كذلك الدليل من كتب التاريخ من وثيقة تعود كتابتها إلى تاريخ معاصر للحدث كتبها مار شمعون الأرشمي سنة524م ومكتوب عليها (قصة أي شهادة الطوباويين الحميريين الذين تكلَّلوا في مدينة نجران) ويقول مترجمها من المخطوطة السريانية التي تعود إلى القرن ال12 وهو بطريرك أنطاكية الأرثوذكسي أغناطيوس يعقوب الثالث_نشر بطريركية السريان الأنطاكية، وهي متاحة على النت، كتب في المقدمة:

 

"فطالعناها فألفيناها مشتملة على رسالة ثانية من مار شمعون الأرشمي، أنفذها في تموز سنة 524 من حيرةِ جبلة ملك الغساسنة، إلى شمعون رئيس دير الجبول في سوريا الشمالية، أي بعد بضعة أشهر من كتابته الرسالة الأولى إليه من حيرة النعمان، مضيفًا إلى ما جاء في الأولى أخبارًا جديدة قيمة، استقى بعضها من حديث بعض النجرانيين الذين شهدوا شهادة مواطنيهم، ونقل الباقي عن رسائل وردت إليه من نجران باللغة النجرانية. إنها ولا شك وثيقة يتمية، يجهلها المؤرخون...إلخ"

 

ويقول جواد العلي في (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) عن هذه الوثيقة:

 

و "شمعون الأرشامسي" "Simeon of Beit Arsam"، و هو صاحب "رسائل الشهداء الحميريين" التي تبحث في تعذيب ذي نواس للنصارى في نجران، و قد جمع أخبارهم "على ما يدعيه" من بلاط ملك الحيرة أيام أوفده إليه امبراطور الروم في مهمة رسمية."

 

وكما ذكر في موضع آخر كانت المهمة الدبلوماسية هي فك أسر أسيرين روميين عند الملك المنذر بن النعمان ملك الحيرة.

 

أثناء قراءتي لها كمحب لقراءة كتب التاريخ وما فيه من عبرة ودروس ومهتم بالتاريخ العربيّ، خصوصًا مع أهمية وفرادة وثيقة أصيلة كهذه من نوادر ما وصلنا عن فترة قريبة لعصر محمد نسبيًّا وتتعلق بشبه الجزيرة العربية، لاحظت أنها تذكر أن اليهود وذا نواس أحرق بيوت المسيحيين عليهم وهم فيها، وليس أنه حفر أخدودًا أو أخاديد، وهذا يثبت فعلًا خطأ القرآن هنا فلعله استقى معلوماته على نحوٍ خاطئ دون اطلاع كافٍ على الحدث التاريخيّ، لو أن شيئًا كهذا حدث لما تردّدوا كما أرى في حكايته لأجل التأثير العاطفيّ لكنه لم يحدث، وتتضمن الوثيقة ما يدل على أن المسيحيين قبلها كذلك اضطهدوا اليهود، وأنها كانت حرب اضطهاد متبادل في عصور ظلام وجهل وإيمان أعمى متعصِّب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطأ الثاني لمحمد أنه يعتبر المسيحيين في نجران الذين حرقوا واضطُهِدوا مؤمنين، لكنه لاحقًا يعتبر المسيحيين واليهود وغير المسلمين عمومًا كالمجوس الرزدشتيين والصابئة والوثنيين كفارًا ومشركين، محمد أراد وضع مثال يُحتذَى به لأتباعه المتعرِّضين للاضطهاد والتعذيب والظلم في مكة، ووجد أن أقرب مثال جغرافيًّا وتاريخيًّا معروف وشهير للعرب هو حدث اضطهاد يوسف ذي نوّاس لمسيحيي نجران، وإلا فلدينا أمثلة لاضطهاد اليهود على يد إيزابِل في أسفار كتاب اليهود وعلى يد أنطيوخس الرابع السلوقيّ ملك سوريا في الأسفار القانونية الثانية وهو تاريخ معروف لليهود (عيد حانوكاه أو تجديد الهيكل بعد موت المذكور)، أو اضطهاد المصريين القبط على أيدي الروم لما كانوا وثنيين ثم لما تنصّروا ثم اختلفوا معهم في العقيدة، لاحقًا لحل هذه المشكلة يزعم ابن هشام في السيرة والمفسّرون لحل هذه المعضلة والتناقض أن النجرانيين النصارى كانوا من أتباع عقيدة التوحيد الإسلاميّ، لكن الدليل التاريخي ينفي ذلك، فكل الكلام المذكور في الوثائق على لسان المتعرّضين للاضطهاد كلام مسيحيّ تثليثيّ غير توحيديّ، والحارث بن كعب ملك نجران المقتول في تلك الحادثة St. Aretas يعتبر قدِّيسًا لدى الكنيسة الكاثوليكية ويحتفلون بذكراه يوم 24 أكتوبر. وقد بحثت في أخبار الإنترنت فوجدتُ خبرًا يؤكّد جزئيًّا أن مسيحية نجران كانت تثليثية تقليدية:

 

اكتشاف نقوش كثيفة للصلبان ولاسماء الشهداء المسيحيين في صحراء المملكة العربية السعودية
 

 

وتم اكتشاف النقوش على جبل كوكب في منطقة نجران جنوب غرب المملكة العربية السعودية القريبة من الحدود اليمنية. وتمتد النقوش على مساحة 1 كيلو متر مربع، وتبدو ككتابة محلية باللغة الآرامية، او ما يُسمى بالنبطية العربية القديمة التي اشتقت من الحروف الآرامية قبل الاسلام. ويلفت النظر الى وجود اسماء "مرثد" و "رابي" منقوشة على الصلبان، وكلاهما موجودان في قائمة شهداء نجران، في كتاب يسمى بـ "الشهداء الحِميَّريون". وكانت المسيحية قد بدأت في الانتشار في الجزيرة العربية في القرن الرابع ميلادي، وفي القرن السادس وصلت الى منطقة الخليج، نجران وساحل اليمن

 

هذا الخبر وجدته منشورًا بكل اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية من خلال البحث في جوجل على هذه الصورة، وللأسف لم أجد صورًا أخرى عن الموضوع. وبالتالي فالأدلة التاريخية والأثرية تنفي كون قتلى نجران مسلمين أو حتى إبيونيين أو آريوسيين أو أي شيء مماثل.

هناك تناقضات أخرى تظهر في نسختين من القصة، واحدة ترد في مسند أحمد وصحيح مسلم، والأخرى تظهر في السيرة النبوية لابن هشام عن ابن إسحاق.

 

نبدأ بالتي في كتب الحديث، فقد روى مسلم:

 

باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام

 

 [ 3005 ] حدثنا هداب بن خالد حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فأبعث إلي غلاما أعلمه السحر فبعث إليه غلاما يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكى ذلك إلى الراهب فقال إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وانك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي وكان الغلام يبرئ الاكمه والأبرص ويداوى الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمى فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما ههنا لك أجمع ان أنت شفيتنى فقال اني لا أشفى أحدا إنما يشفى الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك من رد عليك بصرك قال ربي قال ولك رب غيري قال ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال إني لا أشفى أحدا إنما يشفى الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمئشار فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللهم أكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشى إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم أكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشى إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك قال كفانيهم الله فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيه فقال لها الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق

 

ومن لفظ الترمذي3340: .... فقال الناس لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام قال فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثة فهذا العالم كلهم قد خالفوك قال فخد أخدودا ثم ألقى فيها الحطب والنار ثم جمع الناس فقال من رجع عن دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار فجعل يلقيهم في تلك الأخدود قال يقول الله تعالى {قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود} حتى بلغ {العزيز الحميد} قال فأما الغلام فإنه دفن فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل.

 

ورواه أحمد بن حنبل (23931) 24428 والنسائي في "الكبرى" (11661)، والبزار في "مسنده" (2090) و(2091)، والطبري في "تفسيره" 30/133-134، وأبو عوانة كما في "إتحاف المهرة" 6/315، وابن حبان (873)، والطبراني (7319) و(7320) وعبد الرزاق (9751)، والترمذي (3340).

 

بهذه القصة خطآن فادحان تاريخيًّا فهي تصوّر الأمر على أن المسيحية اتبعها سكان نجران قبل الاضطهاد بقليل فقط وهذا غير صحيح كما نعلم من الاطلاع على كتاب (الشهداء الحميريون في الوثائق السريانية) وفيها توثيق وأسماء ناس قتلهم الملك يوسف أسار اليهودي كانوا مسيحيين أحفاد مسيحيين منهم حفيدات حيان الكبير ممن نشروا المسيحية بنجران واليمن ومنهم بنات وزوجات الملك المسيحي الحارث بن كعب المعتبر قدّيسًا عند الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية كليهما كما سنورد بعضًا من ذلك أدناه، وتصوّر ذا نواس يوسف على أنه ملك وثنيّ يدّعي الألوهية، وهو غير صحيح، ومن غير المألوف في شبه جزيرة العرب في تلك العصور أن يدّعي إنسان أنه إله ويعبده البشر، سوى في حالات نادرة جدًّا كما ورد في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ج8 ونقله الأب أنستانس الكرملي في كتابه (أديان العرب وخرافاتهم) عن عوف بن ربيعة بن سوادة بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة كاهن بني أسد الذي ادّعى الربوبية وألّهه قومه، أو عمل حمى مقدّس حرام حول قبر عامر بن الطفيل كما يذكر الأب جرجس داوود في (أديان العرب قبل الإسلام) نقلًا عن كتاب الأغاني كذلك، لكن وضع اليمن كان لا يقبل أشياء كهذه بحكم التطور الفكريّ والحضاريّ فكانت الأديان السائدة كما نعلم عبادة الأوثان والشمس ومنها آثار تماثيل ذي الشرى ومعابد الشمس، والمسيحية، واليهودية، وكان ملوك اليمن من التبابعة وغيرهم يهودًا ومسيحيين والكثير من كتاب النقوش يسمّون الله أو الأقنوم الأول المسيحيّ الأبّ باسم (ها رحمان) أو الرحمن وهو اسم إله وثنيّ في الأصل تطوّر فكر اليمنيين ليصلوا به بالتعظيم كإله أكبر على الآلهة الأخرى المعتقدين بها، وهي مرحلة نسمّيها كعلماء أديان التفضيل والتفريد، وهي قبل مرحلة التوحيد، ونفس اسمه صار دلالة على كلمة الله والرب اليهودي والمسيحي عند أهل الكتاب اليمنيين. ويقول جواد العلي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام عن كتابة وثنية يمنية من عصر ملك تبعي اسمه شرحب إيل يعفر أو شرحبيل يعفر، جاء فيها:

 

" وفي النص كما نرى ونقرأ جملة مهمة تشير إلى انتشار عقيدة التوحيد في ذلك الزمن بين اليمانين، و إلى الابتعاد عن آلهة اليمن القديمة. وتشير إلى ظهور "إلَه السماء والأرض" أو "إله السماوات والأرض"، فهو إلَه واحد، يرعى ملكوت السماء والأرض. وفي هذه العقيدة اعتقاد بوجود إله واحد. فقد ورد في النص: "بنصر وردا الهن بعل سمين وأرضن"، أي "بنصر وبعون الإلَه رب السماوات والأرض"، وهي عقيدة ظهرت عند أهل اليمن بعد الميلاد بتأثير اليهودية والنصرانية ولا شك.

و في جملة "إلهن ذلهو سمین وأرض" الواردة في النص Ryckmans 507 ومعناها "الإله الذي له السماوات والأرض، تعبير عن التوحيد أيضًا وهي نص يرجع إلى هذا الملك أيضًا. فنحن إذن بصدد عصر أخذت عقيدة التوحيد تنتشر فيه."

 

ويذكر جواد العلي في المرجع المذكور نصًّا حاسمًا يعرّفنا بشكل يقيني الأحداث الحقيقية في تلك الفترة، وحقيقة يهودية الملك يوسف أسأر (المسمّى في المصادر العربية بيوسف ذي نواس):

 

وزعم المؤرخ "ابن العبري" Barhebeaeus، أن "ذا نواس" واسمه "يوسف"، وكان من أهل الحيرة في الأصل، وكانت أمه يهودية من أهل "نصيبين" Nisibis، وقعت في الأسر، فتزوجها والد "يوسف" فأولده منها. ومعنى هذا أنه لم يكن يمانياً، بل يهودياً وفد على اليمن من الحيرة. وقد لاحظ بعض المستشرقين أن اسم "يوسف ذو نواس"، ليس على شكل وطراز اسماء وألقاب ملوك اليمن، وهذا ما دعاهم إلى التفكر قي احتمال وجود شيء من الصحة في رواية "ابن العبري"، لا سيما وأن يهود اليمن ويثرب وخيبر كانوا من المؤيدين للساسانيين ومن المناصرين لهم.

وقد اختلف الأخباريون في مدة حكمه، فقال بعضهم: انه ملك ثماني وثلاثين سنة. وذكر المسعودي وآخرون أنه حكم مئتي مشة وستين سنة. وذكر حمزة أنه ملك عشرين سنة. وهكذا هم فيه وفي غيره مختلفون.

واذا ما استثنينا الأخبار التي رويت عن تعذيب "ذي نواس" لنصارى نجران، فإننا لا نعرف شيئاً آخر مهماً عن اعمال هذا الملك، الذي كان متحاملاً جداً على النصارى والنصرانية حتى انه راسل ملك الحيرة لكي يؤثر عليه فيحمله على أن يفعل بنصارى مملكته ما يفعله هو بهم. ولعله كان يريد بذلك أن يكوّن حلفاً سياسياً مع ملوك الحيرة ومن ورائهم الفرس لمقاومة الحبش الذين كانوا قد وطئوا سواحل اليمن وأقاموا لهم قواعد فيها وعقدوا معاهدات مع الأمراء المنافسين ملوك حمير، وصاروا يحرضونهم على أولئك الملوك، ليتمكنوا بذلك من السيطرة على كل من اليمن والتوسع من ثم نحو الحجاز، للاتصال بحلفهائهم الروم. والسيطرة بذلك على أهم جزء من جزيرة العرب، والهيمنة على البحر الأحمر والمحيط الهندي، وانزال ضربة عنيفة بسياسة خصوم الروم، وهم الساسانيون.

وفي حوالي السنة "525 م" كانت نهاية حكم "ذي نواس"، إذ احتل الأحباش اليمن كما سنرى ذلك فيما بعد.

وفي موضع "سلع"، ويسمى "نخلة الحمراء" وهو خربة عادية، موضع زعم أنه قبر "ذي نواس"، المتوفى في حوالي "سنة 525 م". وقد فتح الموضع واستخرجت سنه آثار فنية ذات قيمة، من بينها تمثالان لزنجيين من البرنز.

ويظن بأن ما جاء بنص"حصن غراب" الموسوم بين المستشرقين ب REP. EPIG. 2633 من إن الأحباش فتحوا أرض حمير سنة "640" من التقويم الحمري الموافقة لسنة "525" للميلاد، وقتلوا ملكها وأقياله الحميريين والأرحبيين، يشير إلى الملك "ذي نواس"، وان لم يرد بالنص على اسمه.

وقد عثر على نصين مهمين هما: Rykcmans 507 والنص Rykcmans 508، وقد أشير فيهما إلى حروب وقعت بين الأحباش وبين ملك سمي فيهما ب "يسف اسار" "يوسف أسأر"، ولم يلقب النصان "يوسف" باللقب الطويل المألوف بل نعتاه ب "ملكن يسف أسأر"، أي "الملك يوسف أسأر" فقط. و "يسف اسار"، هذا هو الملك "ذو نواس". وقد كتب النصان في سنة واحدة هي سنة "633" من التقويم الحميري، الموافقة لسنة "518" للميلاد. إلا أنهما كتبا في شهرين مختلفين. فكتب أحدهما في شهر "ذ مذرن" "ذ مذران" "ذو مذران" وكتب الثاني في شهر "ذ قيضن" "ذو قيضن" "ذو القيض". ويستنتج من عدم تلقيب "يوسف" باللقب الملكي الطويل المألوف، إن ملكه لم يكن متسعاً وان سلطانه لم يكن عاماً شاملاً كل اليمن، بل كان قاصراً على مواضع منها. فقد كان الأحباش يحتلون جزءاً منها بما في ذلك عاصمة حمير مدينة "ظفار" وكان الأقيال ينازعونه السلطة وقد كوّنوا لهم إقطاعيات مستقلة، نازعت الملك على الحكم والسلطان. وكانت الفتن مستعرة وهذا مما مكّن الحبش من انتهاز الفرص، فأخذوا يتوسعون بالتدريج حتى قضوا على استقلال البلاد واستولوا عليها وتلقب حكام الحبش باللقب الملكي اليماني الطويل المألوف دلالة على سيطرتهم على اليمن.

وقد سقطت من النص Rykcmans 507 كلمات من صدره، فأثر سقوطها هذا بعض التأثير على فهم المعنى فهماً واضحاً. وقد وردت في الفقرة الأولى منه كلمات مثل: "أشعبه" أي "قبائله"، و "أقولهمو ومراسهمو"، أي "أقيالهم ورؤساوهم". وجاءت جملة: "وبنيهمو شرحب ال يكمل" أي "وبنيهم: شرحبيل يكمل"، أي "وابنهم: شرحبيل يكمل". ثم دوّنت بعد هذا الاسم أسماء: "هعن اسانن"، و "لحيعت يرخم" و "ومرثد ال يملد" "مرتد ايل يملد"، وقد سقطت كلمات بعد لفظة "بني" أي أبناء، وهم من مؤيدي "الملك يوسف أسأر" ومن مساعديه. وقد أشير بعد ذلك إلى قتال وقع بينها أي جماعة الملك الحبش "أحبشن" بموضع "ظمو" وفي مواضع أخرى.

وتناول النص الثاني خبر حروب وقعت بين الملك "يوسف اسأر" وبين الحبش ومن كان يؤيدهم من أقيال اليمن. وهو نص سجله القيل "قولن" "شرح ايل يقبل بن شرح ايل يكمل" من بني "يزأن" "يزن و "جدن" "جدنم" و "حبم" و "حب" و "نسان" "نان" و "جبا" و "جبأ". ويتبن من هذا النص إن الملك "يوسف أسأر" هاجم "ظفر" "ظفار" مقر الأحباش، واستولى على "قلسن"، أي كنيسة "ظفار". ثم سار بعد ذلك على "اشعرن"، أي "الأشعر" "الأشاعر". قبيلة من قبائل اليمن. ثم سار الجيش إلى "مخون" "مخا"، وحارب وقاتل، فقتل كل سكانها "حورهو"، واستولى على كنيستها، وحارب كل مصانع أي معاقل " شمر" ودكها دكاً، وحارب سهول "شمر" كذلك. ثم هاجم الملك هجوماً ماحقاً قبيلة "الأشعر" "اشعرن". ثم أحصى عدد من قتل في هذا الهجوم وعدد ما وقع في أيدي جيشه من غنائم، فكان عدد من قتل: ثلاثة عشر ألف قتيل، وعدد من أحذ أسيراً تسعة آلاف وخمسمائة اسير، واستولى على "280" ألف رأس من الابل والبقر والمعز "عنزم" "عنز". واحذت غنائم عديدة اخرى واتجه الملك مع جيوشه بعد ذلك إلى "نجرن" "نجران". وفي صعيد هذه المدينة كان قد تجمع "أقرام" "قرم" "بني "أزأن" وقبائل همدان وأهل مدنهم واعرابهم واعراب "كندت" "كندة" و "مردم" "مراد" و "مذحج"، فانزلت جيوش الملك خسائر بالأحباش الذين كانوا قد تحصنوا بالمصانع والحصون وبمن ساعدهم من القبائل. وبمن كان قد تجمع في "نجران" لمساعدتهم. وكان مع الملك وفي جيشه "أقولن" الأقيال: "احيعت يرخم" و "سميفع أشوع" و "شرحب ال اسعد" "شرحبيل أسعد". اقيال وسادات "يزان" يزأن" "يزن" ومعهم قبائلهم: قبل "ازانن" "أزأن".

وقد جاءت في هذأ النص جملة: "سسلت مدبن". وقد قصد بها "حصن المندب"، أي ما يسمى بموضع "باب المندب". في الوقت الحاضر.

نرى من خلال قراءتنا لهذين النصين إن الوضع في اليمن كان قلقاً جداً، وأن الأمور كانت مضطربة، وان الفتن كانت تعم البلاد، وان الأحباش كانوا يمتلكون قسماً كبيراً من ارض اليمن. وكان مقرهم مدينة "ظفار". وكان لهم أعوان وأحلاف من الأقيال والقبائل. وقد استعان بهم الحبش في نزاعهم مع "يوسف أسأر" حتى تمكنوا في الأخير من الاستيلاء على كل اليمن ومن انتزاع السلطة من أيدي حكام اليمن الشرعيين، ومن القضاء على الملك سنة "525" بعد الميلاد.

و "بنو يزان" "بنو يزأن"، هم "ذو يزن" عند أهل الأخبار، وكانوا من العشائر البارزة التي ورد اسمها في نصوص عديدة، واليهم ينسب "سيف بن ذي يزن". وذكر "ابن دريد" إن "يزن" موضع، ويقال "ذو أزن" و "ذو يزن"، وهو أول من اتخذ أسنة الحديد، فنسبت إليه، يقال للأسنة "يزني" و "أزني" و "يزأزني"، وإنما كانت أسنة العرب قرون البقر.

والأقيال المذكورون في النصين وهم: "شرحبيل يكمل" و "لحيعت يرخم" و "شرحئيل يقلل" "شرح ال يقيل" و "السميفع أشوع" و "شرحبيل أسعد ? كانوا من أقيال "يزان" "يزن". وقدّ لعبوا دوراً هاماً في الميدان السياسي والعسكري لهذا العهد.

وقد ورد ذكر القيل "شرحب ال يكمل" "شرحبيل يكمل". قي النص: Rykcmans 512. ومدوّنه رجل اسمه "حجي ايهر" "حجي أيهر". وذكر اسم قيل آخر اسمه: "شرح ال ذ يزان" "شرحئيل ذي يزأن" "شرحئيل ذي. يزن".

وورد اسم قيل آخر من أقيال "ذي يزن" عرف ب "شرحثيل ذي يزن" "شرح ال ذ يزان"، لعله القيل المتقدم. وقد جاء اسمه في نص عرف ب Rykcmans 515، دوّنه شخص اسمه "معويت بن ولعت" "معاوية بن والعة" و "نعمت بن ملكم" "نعمت بن مالك" "نعمة بن مالك". وقد ختم النص، بعبارة مهمة هي: "رب هود برحمنن"، أي: "بالرحمن: رب يهود". ويدل هذا النص على إن صاحبيه كانا من اليهود، أو من العرب المتهودة.

وأما "جدنم" فهم "جدن". وهم أيضاً من العشائر اليمانية المعروفة. وقد ورد اسمها في عدد من الكتابات. وقد ذكر "ابن دريد" إن من رجال "جدن" "ذو قيفان بن عَلَسْ جدن"، الذي ذكره "عمرو بن معدى كرب" في شعره: وسيف لابن ذي قيفان عندي=تخيره الفتى من قوم عاد، وقد أشير في النص Rykcmans 51  إلى قيل من اقيال هذه القبيلة دعي ب "لحيعت ذ جدنم" "لحيعت ذي جدن". وقد دوّنه رجل اسمه "تمم يزد" "تميم يزيد". وقد نعت نفسه ب "مقتوت لحيعت ذ جدنم"، أي ضابط وقائد "لحيعت ذي جدن". ومعنى هذا انه قد كان لهذا القيل جيش. وكان "تميم" من قادة ذلك الجيش.

وقد يكون "تميم" هذا هو "تميم" "تمم" مدوّن النص الموسوم Rykcmans 513 وقد جاء فيه: "تمم مقتو لحيعت يرخم ذ جدنم وترحم على ابني ملكم ذ جدنم. رحمن وامنن". ومعناه: "تميم ضابط لحيعت يرخم ذو جدن. وترحم على ابن مالك ذو جدن. الرحمن والأمن "الأمان آمين". واذا كان تميم هو "تميم" المتقدم ذكره، فيكون "لحيعت ذو جدن" المذكور هو "لحيعت يرخم" المذكور في هذا النص إذن."

 

إذن حلفاء يوسف أسأر من أقيال قبيلة ذي يزن كانوا يهودًا، وهو دليل جزئيّ على يهودية يوسف أسأر، ودليل على الوضع الفكريّ في بلاد اليمن وبانتشار الديانتين الكتابيتين المسيحية واليهودية صار الوضع المجتمعيّ والفكريّ أرقى ولا يسمح بتأليه إنسان، فهذه ممارسات الناس البدائيين كقدماء الفراعنة واليابانيين الشنتو والأزتك والمايا والعصر المذكور كان أكثر تطوّرًا من تلك المراحل البدائية.

 

كذلك رواية صحيح مسلم وأحمد تعكس ترتيب الأحداث، فالمسيحية دخلت اليمن ونجران مع رحلات التجارة من وإلى الشام والعراق، ولم يتبعها الناس بين يوم وليلة نتيجة معجزة، فهذا مما لا يحدث في الواقع، وليس الطريقة التي يتبع بها الناس عقيدة من العقائد، ثم اضطهدهم الملك يوسف أسار اليهوديّ، وليس أنه قتل غلامًا ما وراهبًا فاتبع الناس المسيحية نتيجة معجزة مزعومة. والكتاب المذكور (الشهداء الحميريون) يؤرّخ البطريرك في صفحاته الأولى الانتشار التدريجي للمسيحية في اليمن ونجران فهو يذكر الرسول برثولماوس أولا وأنه ترك للحميرين إنجيل متى مترجمًا للسريانية الفلسطينية، ثم تلاه الفيلسوف السكندري القس بنتينوس الذي دعاهم إلى المسيحية في القرن الثاني، وفي القرن الثالث ضمت نجران واليمامة إلى أبرشية أنشئت في قطر وفي القرن الرابع أنشأ عبد يشوع الناسك ا لسرياني في جنوبي قطر ديرًا باسم مار توما، زاره سنة390 مار يونان الناسك احد تلاميذ مارأوجين فوجده آهلًا بمئتي راهب، وفي حدود سنة354م بعث القيصر قسطنطيوس الآريوسي (من المذهب القائل بأن المسيح أقل من الله) إلى البلاط الحميري وفدًا برئاسة تاوفيلس السيلاني الهندي فنصر الملك وبنى  في بلاد حمير ثلاث  بيع كما أكد المؤرخ فيلوسترجيوس، وقد شهد مؤرخو العرب بنصرانية كثير من ملوك اليمن، منهم عبد كلال بن مثوب الذي ولي المُلك بسن وتجربة وسياسة حسنة.

 

ثم يذكر البطريرك من كتب التاريخ شخصية حيان الكبير التاجر الوثني الذي مر ببلاد القسطنطينية ففارس فالحيرة، حيث ألف النصارى وعرف مقالتهم وتنصَّر، ونشر المسيحية في أسرته وخلق من أهل نجران والبلاد الحميرية المتاخمة كذلك. أما حيان الصغير بن حيان الكبير فيحدّده الكاتب بالذات على أنه هو فيميون المذكور في الكتب الإسلامية، وهو والد عدة شهيدات وشهداء ممن قتلهم الملك اليهودي يوسف أسار (مسروق كما تسمّيه الوثائق السريانية وذو نواس كما في المصادر العربية الإسلامية) وتذكر إحداهن_حبصة بنت حيّان الصغير_ لليهود قبل مقتلها: (إن أبي أحرق مجمعكم....)، بالتالي نسبة انتشار ديانة أهل نجران إلى شخص واحد أو معجزة واحدة محض أسطورة.

 

ونلاحظ عنصرًا يونانيًّا في قصة الأحاديث هو الوحش معترض الطريق، وعناصر عربية الطابع مثل الساحر والراهب والأخدود، وعناصر مسيحية أصيلة نجدها في كتاب الحميريين حيث يذكر الكاتب السرياني تسابق نسائهم على إلقاء أنفسهن في النار قائلات عبارات على غرار: هلم نتمتع برائحة الكهنة (يعني الذي أُحرِقوا) أو التعرّض للقتل بالسيف على يد جنود الملك المجرم يوسف، وتقديم الأمهات أولادهن الصغار جدًّا للقتل (أو الشهادة للمسيح بتعبير المسيحية) وهي نفس فكرة المرأة التي معها ابنها على الأخدود. لا تبدو سلوكيات كهذه عقلانية، ربما سلوك إنسان عاقل متعقِّل هو ترك الأطفال لا يتعرّضون لتعذيب وإبادة، والتظاهر بطاعة ملك مجنون كهذا إلى حين الاستنجاد بقوة أخرى للإنقاذ، هناك ملمح مهم للقصة ربما ملمح قومي أن الملك يوسف وجنوده كما يتبدّى اعتبر المسيحيين كحلفاء للأحباش_المسيطرين على أجزاء من اليمن فعليًّا_خونة يعرقلون مشروعه في حكم اليمن، ويذكر الكاتب ذو يزن الكبير الأول كشخصية يهودية عنصرية ائتمرت بأوامر يوسف في إبادة نساء نجران المسيحيات.

 

أما القصة التي عند ابن هشام عن ابن إسحاق فتضم عنصر إسلامي يهوديّ المنبع غير مسيحيّ هو فكرة أو معتقد الاسم الأعظم السريّ (شم هامفوراش-راجع بحثي عن الهاجادة) والذي تقول أسطورته أن الراهب فيميون (حيان الصغير أو حيان الابن في المراجع المسيحية) كان يعلمه واستطاع الغلام عبد الله بن الثامر معرفته فصنع معجزات ونشر ديانته بها...إلخ، لكنه يتجنّب خطأ الرواية الأولى فيجعل الملكَ  الوثنيَّ (باعتبار أن له ساحر أو كاهن فهو غير يهودي) يموت فور قتله للغلام، ويجعل المضطهد ذا نواس يأتي زمنيًّا لاحقًا، هذه محاولة جيدة لإزالة التناقضات، لكن قوله (واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر، وكان على ما جاء به عيسى ابن مريم من الإنجيل وحُكمه، ثم أصابهم مثل ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن هنالك كان أصل النصرانية بنجران - والله أعلم بذلك.) مناقضة لوصف القرآن لهم بالمؤمنين أيضًا، من ابن هشام في السيرة:

 

.... فملَّكوه [يعني ذا نواس]، واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير، وهو صاحب الأخدود، وتسمى: يوسف، فأقام في ملكه زماناً، وبنجران بقايا من أهل دين عيسى ابن مريم عليه السلام على الإنجيل. أهل فضل واستقامة من أهل دينهم، لهم رأس يقال له: عبد الله بن الثامر. وكان موقع أصل ذلك الدين بنجران، وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان، وأهلها وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها، وذلك أن رجلا من بقايا أهل ذلك الدين يقال له: فَيْمِيون، وقع بين أظهرهم، فحملهم عليه، فدانوا به.

 

قال ابن إسحاق: حدثني المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس، عن وهب بن مُنَبِّه اليماني أنه حدثهم: أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل ديِن عيسى ابن مريم يقال له فَيْمِيون، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا، مُجاب الدعوة، وكان سائحا ينزل بين القرى، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يُعرف بها، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه، وكان بنَّاء يعمل الطين، وكان يعظم الأحد، فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا. وخرج إلى فلاة من الأرض يصلى بها حتى يمسي. قال: وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له: صالح، فأحبه صالح حُبّاً لم يحبه شيئاً كان قبله. فكان يتبعه حيث ذهب، ولا يفطن له فَيْميون، حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض - كما كان يصنع - وقد أتبعه صالح، وفَيْمِيون لا يدري؛ فجلس صالح منه منظرَ العين مستخفيا منه، لا يحب أن يُعلم بمكانه، وقام فيميون يصلي فبينما هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين - الحية ذات الرءوس السبعة- فلما رآها فَيْمِيون دعا عليها فماتت، ورآها صالح ولم يدر ما أصابها، فخافها عليه، فَعِيل عَوْلَه فصرخ: يا فَيْمِيون! التنين قد أقبل نحوك، فلم يلتفت إليه، وأقبل على صلاته حتى فرغ منها، وأمسى، فانصرف، وعرف أنه قد عُرف، وعَرف صالح أنه قد رأى مكانه، فقال له: يا فَيْمِيون! تعلَّم والله ما أحببت شيئاً قطُّ حبَّك وقد أردت صحبتك، والكينونة معك حيث كنت، فقال: ما شئتُ، أمري كما ترى، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح، وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه، وكان إذا فاجأه العبد به الضرُّ دعا له فشفي، وإذا دُعى إلى أحد به ضر لم يأته، وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير، فسأل عن شأن فَيْمِيون، فقيل له: إنه لا يأتى أحداً دعاه، ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجْر، فعمد الرجل إلى ابنه ذلك، فوضعه في حجرته، وألقى عليه ثوباً ثم جاءه فقال له: يا فيميون، إنى قد أردت أن أعمل في بيتي عملا، فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه فأشارطك عليه، فانطلق معه حتى دخل حجرته، ثم قال له: ما تريد أن تعمل في بيتك هذا؟ قال: كذا وكذا، ثم انتشط الرجلُ الثوبَ عن الصبى، ثم قال له: يا فَيْمِيون، عبد من عباد الله أصابه ما ترى، فادعُ الله له؟ فدعا له فَيْمِيون؛ فقام الصبي ليس به بأس.

وعَرف فيميون أنه قد عُرِف، فخرج من القرية، واتبعه صالح، فبينما هو يمشي في بعض الشام إذ مر بشجرة عظيمة، فناداه منها رجل، فقال: يا فَيْمِيون! قال نعم. قال: ما زلت أنظرك، وأقول: متى هو جاء؟ حتى سمعت صوتك، فعرفت أنك هو، لا تبرحْ حتى تقوم عليَّ فإني ميت الآن. قال: فمات، وقام عليه حتى واراه، ثم انصرف، وتبعه صالح، حتى وطئا بعض أرض العرب، فعدُوا عليهما، فاختطفتهما سَيَّارةٌ من بعض العرب، فخرجوا بهما، حتى باعوهما بنجران، وأهل نجران يومئذ على دين العرب، يعبدون نخلةً طويلة بين أظهرِهم لها عيد في كل سنة، إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه، وحُلىَّ النساء، ثم خرجوا إليها، فعكفوا عليها يوماً.

 

فابتاع فَيْمِيونَ رجلٌ من أشرافهم، وابتاع صالحاً آخرُ، فكان فيمِيون إذا قام من الليل - يتهجد في بيت له أسكنه إياه سيده - يصلي، استسرج له البيتُ نوراً حتى يصبح من غير مصباح، فرأى ذلك سيده، فأعجبه ما يرى منه، فسأله عن دينه فأخبره به، وقال له فيميون: إنما أنتم في باطل، إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع، ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده، لأهلكها وهو الله وحده لا شريك له، قال: فقال له سيده: فافعل، فإنك إن فعلت دخلنا في دينك، وتركنا ما نحن عليه. قال فقام فَيْمِيون، فتطهر وصلى ركعتين، ثم دعا الله عليها، فأرسل الله عليها ريحاً فَجَعَفَتْها من أصلها فألقتها، فاتَّبعه عند ذلك أهل نجران على دينه، فحملهم على الشريعة من دين عيسى ابن مريم عليه السلام، ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض، فمن هنالك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب.

قال ابن إسحاق: فهذا حديث وهب بن مُنَبِّه عن أهل نجران.

لا تخلو هذه القصة من خرافات البائسين والفقراء والجهلة عن العلاج باللمس والبركة الوهمية بدل العلاج الطبي السليم المفيد عمليًّا وحقيقةً، الإثيوبيون كذلك تحدّثوا عن معجزات مزعومة لقدّيسهم أزقير Azkir نشرت المسيحية بنجران. يعود ابن إسحاق ليسرد القصة الخرافية الأخرى:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي، وحدثني أيضاً بعض أهل نجران عن أهلها: أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان، وكان في قرية من قراها قريباً من نجران - ونجران: القرية العظمى التي إليها جماع أهل تلك البلاد - ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر، فلما نزلها فَيْمِيون - ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به وهب بن منبه، قالوا: رجل نزلها - ابتنى خيمة بين نجران، وبين تلك القرية التي بها الساحر، فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر، يعلمهم السحر، فبعث إليه الثامرُ ابنَه عبدَ الله بن الثامر مع غلمان أهل نجران، فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى منه من صلاته وعبادته، فجعل يجلس إليه، ويسمع منه حتى أسلم، فوحَّد الله وعبده، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا فقه فيه، جعل يسأله عن الاسم الأعظم - وكان يعْلمُه - فكتمه إياه وقال له: يا ابن أخي! إنك لن تحملَه، أخشى عليك ضعفَك عنه. والثامر أبو عبد الله لا يظن إلا أن ابنَه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمانُ، فلما رأى عبدُ الله أن صاحبَه قد ضَنَّ به عنه، وتخوَّف ضَعْفَه فيه، عمد إلى قِداح فجمعها، ثم لم يُبق للّه اسماً يعلمه إلا كتبه في قِدْح، لكلِّ اسم قِدْح، حتى إذا أحصاها أوقد لها ناراً، ثم جعل يقذفها فيها قِدْحاً قِدْحاً، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بِقدْحه، فوثب القِدْح حتى خرج منها لم تضره شيئاً، فأخذه ثم أتى صاحبه، فأخبره بأنه قد علم الاسم الذي كتمه، فقال: وما هو؟ قال: هو كذا وكذا، قال: وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع، قال: أي ابنَ أخي! قد أصبته فأمسكْ على نفسِك، وما أظنُّ أن تفعلَ.

فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحداً به ضر إلا قال: يا عبد الله، أتوحِّدُ الله، وتدخل في ديني، وأدعو الله، فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟ فيقول: نعم، فيوحد الله ويُسْلم، ويدعو له فيُشْفَى، حتى لم يبق بنجران أحد به ضُر إلا أتاه فاتَّبعه على أمره، ودعا له فعوفِيَ، حتى رفع شأنه إلى مَلك نجران، فدعاه فقال له: أفسدت عليَّ أهل قريتي، وخالفت ديني ودين آبائى، لأمثلنَّ بك. قال: لا تقدر على ذلك. قال: فجعل يُرسل به إلى الجبل الطويل، فيُطرَح على رأسه، فيقع إلى الأرض ليس به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران، بحورٍ لا يقع فيها شئ إلا هلك، فيُلْقَى فيها، فيخرج ليس به بأس، فلما غلبه، قال له عبد الله بن الثامر: إنك والله لن تقدر على قتلي حتى توحد الله فتؤمن بما آمنتُ به، فإنك إن فعلت ذلك، سُلِّطْتَ عليَّ فقتلتنى، قال: فوحَّد الله تعالى ذلك الملك، وشهد شهادة عبد الله بن الثامر، ثم ضربه بعصا في يده، فشجه شجة غير كبيرة، فقتله ثم هلك الملك مكانه، واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر، وكان على ما جاء به عيسى ابن مريم من الإنجيل وحُكمه، ثم أصابهم مثل ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن هنالك كان أصل النصرانية بنجران - والله أعلم بذلك.

قال ابن إسحاق: فهذا حديث محمد بن كعب القُرَظيّ، وبعض أهل نجران عن عبد الله بن الثامر - والله أعلم أي ذلك كان.

 

فسار إليهم ذو نواس بجنوده، فدعاهم إلى اليهودية، وخيرهم بين ذلك والقتل، فاختاروا القتل، فخدَّ لهم الأخدود، فحرق من حرق بالنار، وقتل من قتل بالسيف، ومثَّل بهم، حتى قتل منهم قريباً من عشرين ألفاً، ففي ذي نُواس وجنده تلك أنزل الله تعالى على رسوله سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ. وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ. وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِالله الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. [البروج:4 - 8]

 

تفسير الأخدود: قال ابن هشام: الأخدود: الحَفْر المستطيل في الأرض، كالخندق والجدول ونحوه، وجمعه: أخاديد.

 

كما قلنا فافتراض أن قتلى نجران كانوا موحّدين لا يصحّ، وافتراض قيام الملك اليهودي بحفر أخدود كذلك، هذا بالنسبة لافتراضات ومزاعم القرآن، أما مزاعم الأحاديث عن اتباع بعض النجرانيين أو كلهم للمسيحية فجأة بين عشية وضحاها فغير صحيحة تاريخيًّا كذلك.

 

 

خرافة الأقوام المبادة

 

إذا كانت التوراة اكتفت ببعض قصص عن أقوام أبادهم الله لمعصيته وعدم عبادته حسب الخرافات كقصة البشر في عهد نوح الأسطوريّ، أو قصة البشرية لما سكنت بابل وحاولت بناء برج يصل إلى الله، أو قصة قوم لوط في مدينتي سدوم وعمورة، فالقرآن استفاض كذلك في سرد قصص أخرى بالاقتباس من أساطير العرب التي كانت موجودة منذ ما قبل الإسلام مع إكساء محمد لها قالبًا توحيديًّا، كنت جمع مقالات وبحوث في كتاب_سأعرض بعضًا منه هنا_ لزميل عالم آثار يعيش في يثرب المدينة ويسمّي نفسه (الخليجي) ومقالات أخرى من كتاب (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) لجواد العلي، ومقالة لأخ من منتدى اللادينيين عن تمثال واهلة امرأة لوط المزعوم نواحي البحر الميت، وما وجده أخونا الخليجيّ مثلًا هو وغيره من متخصّصين أن ما يسمونه مدائن صالح أو العُلا ليس سوى قبور ومساكن كانت خاصة بالأنباط والكتابات الموجودة بها نبطية وليست من الحروف الثمودية، وكذلك البئر المزعوم أنه كانت ترده الناقة الأسطورية ليس سوى بئر به نقش لحيانيّ يدل على القائمين بحفره! نقتبس من تقرير "الخليجي":

 

"البئر كما تذكر النقوش اللحیانیة الموجودة في وسطھا تذكر الإله ( ذو غابة ) إله غابات النخیل التي كانت ولا تزال تشتھر بھا منطقة العلا ( دادان ) عاصمة لحیان القدیمة اي انھا لا تمت باي صلة الي ناقة صالح المذكورة عند المسلمین

النقش الكتابیة داخل البئر

 


 

مـن الـداخـل ويـظـهـر ثـلاث درجـات ويُـلاحـظ أن الـنـقـوش تـمـلأ الـحـوض مـن كـافـة الاتـجـاهـات

 

وھناك ایضا مغالطة اخري یصر علیھا المسلمین بغباء!!!.. وھي محاولتھم المستمیتة وبالقوة في دمج بئر المعبد اللحیاني مع القبور النبطیة التي نسبوھا ھي الاخري لقوم صالح او ما یعرف باسم ثمود!!!..

 

رغم ان الفارق الزمني كبیر جدا بین حضارة لحیان والوجود النبطي في المنطقة!!!!..

ولكن ماذا عسانا نقول سوى أنه الجھل المتأصل بعقول غالبیة المسلمین

وعلي بعد بضعة مئات من الامتار من العلا توجد منطقة الخریبة

وفیھا یوجد العدید من القبور اللحیانیة المحفورة بالصخر ..ومن اشھرھا ضریح الاسود

الذي یرجع الي احد الملوك على الارجح

 

القبور المحفورة بالصخر

 

 

 

 

ضريح الأسود الشهير المزين بتماثيل للأسود:

 

 

 

في الواقع ھناك الكثیر لاضیفه، ولكن اخشى ان یخرج الموضوع عن صیغتة الدینیة الي التاریخیة، لذلك فسوف اكتفي بنبذات قصیرة. تسمیة الدادانیین نسبة لمدینة دادان ( العلا ) عاصمة مملكة لحیان التي انتھت في القرن الثاني قبل المیلاد ..واضطر شعبھا المنتسب لقبیلة لحیان ( التي انتمي لھا ) الي اللجوء الي نواحي المدینة المنورة ومكة وغیرھا من بلاد الحجاز، وقد ورد ذكرھم في سفر النبي اشعیا ..حیث یقول: (وحي من جھة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تبیتین یا قوافل الددانیین ١٣ھاتوا ماء لملاقاة العطشان یا سكان ارض تیماء وافوا الھارب بخبزه ١٤ فانھم من امام السیوف قد ھربوا. من امام السیف المسلول ومن امام القوس المشدودة ومن امام شدة الحرب ١٥ فانه ھكذا قال لي السید في مدة سنة كسنة الاجیر یفنى كل مجد قیدار ١٦ ..( انتھى

 

اتسعت مملكة لحیان كثیرا ووصلت حدودھا من شمال خلیج العقبة والذي كان یسمي بخلیج لحیان الي نواحي المدینة المنورة ..شاملة العدید من المدن التاریخیة المھمة مثل ..تیماء ..دومة الجندل او ادوماتو كما تسمَّى بالحولیات الاشوریة.. بالاضافة الي العاصمة العلا ...الخ

 

منطقة المقابر المعروفة محلیا باسم مدائن صالح مجرد مقابر نبطیة تؤرخ ما بین القرن الاول قبل المیلاد والقرن الثالث میلادي، وبالقرب منھا توجد مدینة الحجر النبطیة العربیة ..والتي ترجع لزمن الملك ( الحارث) النبطي، ولم یتم كشف سوى جزء بسیط منھا

شعب او قبیلة ثمود كانت موجودة بالفعل.. ولا یزال خطھم الشھیر باسمھم موجود لحد الان وبكثرة في شمال البلاد وفي منطقة ) مدائن صالح ) حیث قطنوا تلك المنطقة في القرن الرابع قبل المیلاد ..الیك رابط یوضح الخط الثمودي Thamudic

 

 

http://www.mnh.si.edu/epigraphy/e_pre-islamic/thamudic.htm

واول ذكر لھم یرجع الي العصر الاشوري ..ضمن مجموعة من الاقوام التي یزعم الملك سرجون أنه اخضعھا ( في الواقع لا یوجد اي دلیل یثبت وجود استیطان اشوري في المنطقة.. ( وذكرتھم الحولیات الاشوریة تحت اسم ( ثامودي ) ..وذكرھم ایضا الرحالة بطلیموس..كما عثر علي نقوش كتابیة في مدینة تیماء تتحدث عنھم ولكن بالمقابل ..لا یوجد اي رابط بین المقابر النبطیة المسماة بمدائن صالح وقوم ثمود، والقاسم المشترك الوحید بینھم ھو انھم تواجدوا بنفس المكان ولكن لیس بنفس الزمان

 

ونقتبس مقالًا لأخ يسمي نفسه Saudi Atheist ولعله اسم مستعار لشخص غير "الخليجي" عن كون مقابر الأنباط في مدينة العلا ليست مدينة صالح الأسطورية المزعومة المعتقد بها:

 

"إن من يقلب صفحات الإنترنت سعيا لإثراء معلوماته حول موضوع علاقة مدائن صالح بشعب الأنباط سيواجه عقبة صنتعها عادة مألوفة لدى المسلمين و هي تحريف المعلومات و تحريف التاريخ عبثا لإنقاذ مبنى الإسلام المتهاوي. فبعدما أظهرت البحوث الأثرية أن المغاور الصخرية في مدائن صالح هي مقابر للأنباط و ليست مساكن أو بيوت لثمود شغّل المسلمون ماكينة التحريف و شرعوا يلطخون الإنترنت بمقالات محشوة بمعلومات كاذبة حول علاقة الشعب الثمودي بهذه المدينة و مبانيها. [قارن مع قول القرآن: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)} الأعراف.]

إن أحد أفضل المراجع حول هذا الموضوع هو كتاب البروفسور جون هيلي "نقوش المقابر النبطية في مدائن صالح". و يمكن الحصول مجانا على أكثر من ٥٠ صفحة من الترجمة العربية لهذا الكتاب المنشورة عام ١٩٩٣ عبر صفحة المترجم أستاذ الآثار في جامعة الملك سعود سليمان الذيب على الرابط التالي  http://fac.ksu.edu.s...blication/31575

يتحدث الكتاب عن نقوش مدينة الحِجر (الإسم الأصلي لمدائن صالح) دون أن يبخل المؤلف أو كاتب مقدمة الترجمة وكيل الوزارة المساعد لشئون الآثار و المتاحف في السعودية د. عبدالله حسن مصري علينا بالإشارة إلى أن هذه هي المدينة التي يتحدث عنها القرآن و يربطها القرآن بقوم ثمود الذين حسب الأسطورة ينتمي إليهم النبي صالح. غير أن المؤلف لا يتردد في نفي أي ارتباط جذري بين المدينة و الثموديين ناسبا إياها لقوم الأنباط الذين كانت عاصمتهم البتراء في الأردن.

و يؤكد المؤلف (ص ١٦) أن جميع الآثار الشاخصة في الحِجر تعود للأنباط. كما يذكر أنه باستثناء الديوان الكبير الذي كان مخصصا للإحتفالات الدينية في جبل إثلب القريب من الحِجر فإن جميع المغاوِر الصخرية و عددها بحسبه ثمانون هي مقابر و ليست مساكن. غير أنني وجدت مقالا حديثا نسبيا (عام ٢٠٠٦) ذكر فيه مدير وحدة المتاحف و الآثار في منطقة العلا مطلق سليمان المطلق أن عدد المقابر ١٣٢ و أكد أنها جميعا مقابر نبطية أسرية.

و يجزم الآثاريون بأن أقدم المغاور الصخرية (القبور) يعود تاريخ نحته إلى القرن الأول ما قبل الميلاد، في حين يزعم المسلمون بأن النبي صالح عاش في منتصف الزمان بين آدم و محمد، أي أقدم بكثير من العمر الحقيقي للمغاور الصخرية.

كما أكد البروفسور جون هيلي و جميع الآثاريون الذين اطلعت على آرائهم أن المدينة قد تم استطيناها قبل دخول الأنباط إليها من قبل الديدانيين و المعينيين و اللحيانيين دون أن يجد العلماء أي أثر يدل على استيطان ثمودي. بالمقابل ترك الثموديون في مناطق أخرى على سبيل المثال قرب حائل و العقبة آثارا غزيرة

 
و هكذا يظهر لنا بوضوح أن التناول الجاد لموضوع مدائن صالح بعيدا عن التشويشات المتعمدة من قبل المسلمين يكشف لنا أن الأسطورة القرآنية عن النبي صالح باطلة حتما. و يمكننا أن نتصور أن الأسطورة قد تشكلت كالتالي:

-
كانت مدينة الحِجر حتى عهد قريب تقع على الطريق الرئيسي بين جنوب الجزيرة و شمالها.

-
أثناء استراحة القوافل في مدينة الحِجر يدخل بعض المسافرين بدافع الفضول السياحي إلى المغاور الصخرية التي تبدو واجهاتها كواجهات المنازل، فيشاهدون عظام الموتى و بعضها متناثر وسط الغرفة بفعل الزمن أو عبث العابثين، فيظنون أنه شخص مات فجأة و هو مستلقٍ في غرفة نومه.

-
ثم يدخل المسافرون إلى مغاور أخرى فيشاهدون نفس المنظر، فيتصورون أنه لا بد أن هؤلاء ماتوا جميعا في نفس الليلة و هم نيام، و أن ذلك لا بد أن يكون قد حدث بفعل صوت مجلجل قتل الأحياء على فُرشهم و لم يُلحق أي ضرر بالمباني.

-
تتطور الفكرة إلى أسطورة عقاب إلهي بسبب الخروج عن طاعة الله، ثم يتم اختراع فكرة نبي و معجزة (الناقة) و قصة كاملة.

-
تصبح هذه الأسطورة حكاية مألوفة لدى العجائز يرددونها و ينقلونها للأجيال القادمة. و قد أشار عبد المسيح الكندي في رسالته إلى عبد الله الهاشمي في القرن الثالث الهجري إلى أن محمد لم يذكر من أساطير العالم سوى أساطير التوراة و الإنجيل و حكايات عجائز العرب.

أما بخصوص نصوص السيرة النبوية التي تناولت مدينة الحِجر فيمكن تلخيصها كالتالي:
هناك رواية تقول أن محمد دعا أصحابه إلى التصرف بطريقة هستيرية، و لكن فقط في مكان محدد. هنا نستعرض معكم الرواية ثم نقدم لكم الحقائق التي قد تكشف اللغز.
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِ الحِجْرِ " لا تدخُلوا على هؤلاءِ القومِ المُعذَّبين . إلا أن تكونوا باكين . فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبَكم مثلُ ما أصابهم " .

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2980
خلاصة حكم المحدث: صحيح.

هل تعرف من هم أصحاب الحِجر؟ هم قوم ثمود. و المكان المشار إليه هو مدائن صالح. و الحديث صحيح و ورد بعدة طرق صحيحة.

تخيل محمد يدعو أصحابه إلى البكاء أثناء المرور على منازل ثمود! هل نحن نتفرج على فيديو لطمية شيعية أم ماذا؟ ما هو السبب الذي جعل محمد يشجع على هذه التصرفات الهستيرية في هذا المكان بالذات؟ نحن لا نتكلم عن بكاء بطريقة خاشعة أثناء قراءة القرآن أو أثناء الصلاة. نحن نتكلم عن جماعة كبيرة تتفرج على منازل أثرية مهجورة و تغرق في النحيب و البكاء! فما فهو تفسير هذا اللغز؟

لنقرأ الحديث التالي:

إنَّ الناسَ نزلوا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أرضَ ثمودَ، الحِجْرَ، فاستقوا من بئرها واعتجنوا بهِ، فأمرهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن يُهريقوا ما استُقوا من بئرها، وأن يَعلفوا الإبلَ العجينَ، وأمرهم أن يَستقوا من البئرِ التي كانت تَرِدُهَا الناقةُ .

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3379
خلاصة حكم المحدث: [صحيح].

هنا تبدو الصورة أكثر وضوحا. فمحمد قد نزل مع جماعة كبيرة بمدائن صالح. و كما في كل قافلة، شرع الطباخون في إعداد الطعام، ثم فجأة أوقفهم محمد و أمرهم بإراقة المرق و اللحم، و أن يطعموا العجين للإبل ثم طلب منهم الإنتقال بسرعة إلى مكان آخر. و الحديث التالي يعطي صورة أوضح عن الحكاية:
عن ابنِ عمرَ قال نزل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالناس عامَ تبوكَ الحِجرَ عند بيوتِ ثمودَ فاستقى الناسُ من الآبارِ التي كانت تشربُ منها ثمودُ فعجَنوا ونصبُوا القدورَ باللحم فأمرهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأَهرِقوا القدورَ واعلفوا العجينَ الإبلَ ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئرِ التي كانت تشربُ منها الناقةُ ونهاهم أن يدخلوا على القومِ الذين عُذِّبوا فقال إني أخشى أن يُصيبَكم مثلُ ما أصابهم فلا تدخُلوا عليهم.

الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن كثير - المصدر: البداية والنهاية - الصفحة أو الرقم: 5/10
خلاصة حكم المحدث: إسناده على شرط الصحيحين من هذا الوجه.

أولا: ذِكر عام تبوك لا يترك شكا أن المقصود هو مدائن صالح، بسبب الموقع الجغرافي حيث تقع بين يثرب و تبوك.

ثانيا: الطباخون استقوا الماء من الآبار المتوفرة في المكان و شرعوا في الطبخ فوضعوا اللحم في القدور و عجنوا العجين. و ذلك معناه أن محمد لم يمنعهم من السقاية في البداية، ثم فجأة تغير رأيه و أمر بالتحرك العاجل "ارتحل بهم" حتى لو أدى ذلك إلى خسارة وجبة كاملة.

فما الذي يمكن أن يكون قد رآه محمد في هذه المنطقة و دفعه إلى استعجال الصحابة بالرحيل حتى لو كلفهم ذلك خسارة وجبة كاملة هم في أشد الحاجة إليها في السفر؟

دعوني أولا أعطيكم حديثين يدعمان الإستنتاج القائل أن محمد لم يغير رأيه إلا بعد مرور مدة زمنية كانت كافية لاستكشاف المنطقة. إقرأوا هذا الحديث:

رأيت رجلا جاء بخاتم وجده بالحِجر في بيوت المعذبين فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم واستتر بيده أن ينظر إليه وقال: ألقه فألقاه.
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: فتح الباري لابن حجر - الصفحة أو الرقم: 1/632
خلاصة حكم المحدث: إسناده ضعيف.

(
ملحوظة: إسناد الحديث ضعيف و لكن ذلك لا يعني أنه حديث باطل، خصوصا أنه عبارة عن جزء يتسق تماما مع بقية أجزاء الرواية من خلال بقية الأحاديث)

الإستنتاج: أن الوقت كان كافيا ليتمكن أحد الصحابة من العثور على خاتم أثري في المنطقة.

و لكن السؤال هو: ما الذي يدعو إلى العجب حينما ينهى محمد عن أخذ خاتم من منطقة مدائن صالح؟ الجواب: الذي يدعو للعجب هو الحديث التالي:

سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول حين خرجْنا معه إلى الطائفِ فمرَرْنا بقبرٍ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هذا قبرُ أبي رِغالِ وكان بهذا الحرمِ يدفع عنه فلما خرج أصابتْه النِّقمةُ التي أصابتْ قومَه بهذا المكان ِفدُفن فيه وآيةُ ذلك أنه دُفن معه غصنٌ من ذهبٍ إن أنتُم نبَشتُم عنه أصبتُموه معه فابتدره الناسُ فاستخْرجوا الغُصنَ.

الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3088
خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].

هل فهمتَ الحديثين؟ محمد في الحديث الثاني يدعو أصحابه لنبش قبر رجل (هو بالمناسبة من قوم ثمود حسب أحاديث أخرى أكثر تفصيلا، إبحث في الإنترنت للإطلاع على الأحاديث الأخرى) من أجل استخراج غصن من الذهب مدفون معه، و لكن محمد حسب الحديث الأول ينهى رجلا عن الإحتفاظ بخاتم وجده في منطقة مدائن صالح و ربما يكون قد وجده بدون أي نبش! فكيف يأمر محمد بنبش قبر لأجل استخراج الذهب و ينهى عن الإحتفاظ بخاتم وُجد ربما بدون نبش؟ لا يوجد سوى تفسير واحد: هو أن محمد خشي أن يهرع عدد كبير من الصحابة إلى التنقيب في مدائن صالح عن النفائس و الثروات. و لكن لماذا يخشى؟ ما هو الشيء الذي كان يخاف محمد أن يكتشفه الصحابة لو شرعوا ينقبون في مدائن صالح بحثنا عن الكنوز؟

قبل أن نستكمل، دعونا نعود إلى الحديث الأول الذي طلب فيه محمد من الصحابة أن يبكوا عند استكشاف مدائن صالح، فهو يرد عند ابن كثير بصيغة أشد:

"
لا تدخلوا بيوت القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم". تفسير ابن كثير، و البداية و النهاية لابن كثير.

فهنا في هذه الصيغة يطلب محمد من الصحابة أن يتباكوا أثناء استكشاف مدائن صالح. فلماذا يبالغ محمد في إصراره على هذا المستوى من الهستيريا؟ أليست الهستيريا تلهي العقل عن التدقيق و التأمل؟ فما الذي كان محمد يخشاه لو أن الصحابة استكشفوا مدائن صالح بهدوء و تأن ليتاح لهم التأمل و التركيز؟

فك اللغز:

لقد وردت في القرآن هذه الآية في وصف قوم ثمود:

(
وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ )

تفسير ابن كثير: كما هو المشاهد من صنيعهم في بيوتهم بوادي الحجر، الذي مر به رسول الله.

تفسير القرطبي: فكانوا يتخذون من الجبال بيوتا لأنفسهم بشدة قوتهم.

تفسير الطبري: بيوتهم التي نحتوها من الجبال.
تفسير فتح القدير: وكانوا يتخذون لأنفسهم من الجبال بيوتا، أي: يخرقونها في الجبال.
هل يظل شك بعد قراءة هذه التفاسير في معنى الآية؟ هذه الآية تشير بكل وضوح إلى أن ما نحته قوم ثمود في صخور مدائن صالح هي منازل كانوا يقيمون فيها مثل المنازل التي يقيم فيها الرجل السعودي مع زوجته و أطفاله.

المفاجأة الكبرى: التنقيبات الأثرية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن هذه التجاويف المنحوتة في الصخور ليست سوى قبور لأسر نبطية عاشت في المنطقة!

"
توجد في مدائن صالح مجموعة رائعة جداً من تجاويف الأضرحة وواجهاتها على الصخور الحجرية.. ويعتقد العرب بأن هذه التجاويف والحجيرات قد نحتها قوم ثمود في عصر النبي صالح عليه السلام، ولهذا السبب أطلق على المستوطنة اسم مدائن صالح.. ومن ناحية ثانية فإن التاريخ الحقيقي قد دل على أنها تعود إلى عهد أقرب بكثير، ربما إلى العصر النبطي.

وقد نجحت أعمال داوتي وايرنست رينان في كشف غموضها وترجمتها، وبينوا بأن تلك القبور كانت أماكن دفن لمختلف الأسر النبطية.

وعادة ما تكون الأضرحة الأصلية مفروشة ببعض أكوام النفايات التي ربما يوجد بينها العديد من العظام البشرية، وأطباق طعام خشبية، وأجزاء من أغطية القبور." (المصدرhttp://www.qudamaa.com/vb/f82/مقابر-مدائن-صالح-21319/ )

لم يعد لدى أحد من الخبراء ثمة شك في أن التجاويف المنحوتة في صخور مدائن صالح هي قبور و ليست بيوت كما ورد في القرآن.

و هذا يفسر كل شيء فعله محمد:

1-
في البداية لم يكن محمد يعلم بأن التجاويف الصخرية المنحوتة في صخور مدائن صالح هي قبور، و كان يظنها منازل، و قد ألف القرآن موافقا لتصوره عنها. و لأن محمد لم يكن يعلم بذلك فقد سمح للطباخين بالإستقاء من مائها و الشروع في الطبخ.

2-
عندما تجول محمد في المنطقة للمرة الأولى في حياته تفاجأ بالحقيقة المحرجة، و هي أن هذه التجاويف أصغر كثيرا من أن تكون منازل، و يظهر من شكلها أنها قبور. (أنظر هنا للإطلاع على المصدر الذي يذكر أن هذه التجاويف ضيقة كالقبور، على عكس ما يبدو من الخارج http://www.alwatan.c...?ArticleId=6284 ).

3-
نهى محمد أصحابه عن دخول هذه التجاويف، و من أفلت منهم من المراقبة و دخلها فإن عليه، حسب أوامر محمد، أن يبكي أو يتباكى، لأن الهستيريا لا تسمح للإنسان أن يتأمل بهدوء و يكتشف الحقائق الصادمة.
4-
استعجل محمد أصحابه للرحيل من المكان و لو أدى ذلك إلى خسارة وجبة كاملة، و هي خسارة فادحة بمقاييس ذلك الزمن.

5-
يبدو أن محمد صار كلما مر بهذه المنطقة يتجنبها و يسرع بالسير و ينهى عن الإقتراب منها:

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرَّ بالحجَرِ مِن وادي ثمودَ فقال: أسرِعوا السيرَ، ولا تنزِلوا بهذه القريةِ المُهلَكِ أهلُها.

الراوي: أبي بن كعب المحدث: البوصيري - المصدر: إتحاف الخيرة المهرة - الصفحة أو الرقم: 2/517
خلاصة حكم المحدث: سنده صحيح.

و في رواية أخرى:

لَمَّا مَرَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحِجْرِ قال: ( لا تَدخلوا مَساكنَ الذينَ ظَلموا أنفُسَهم، أنْ يُصيبَكم ما َأصابَهم، إلا أنْ تَكونوا باكينَ). ثم قنَّعَ رأْسهُ وأسرَعَ السيْرَ حتى أجازَ الواديَ .
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4419
خلاصة حكم المحدث: [صحيح].

هل فهمتَ الحديث الأخير؟ محمد يتقنع (أي يتلثم) أثناء مروره بمدائن صالح (المسماة الحِجر). أليس في ذلك إشارة للصحابة كي يكفوا حتى عن النظر باتجاه المقابر التي ظنها محمد يوما من الأيام منازل لقوم ثمود؟ فقط في المرة الأولى سمح محمد للقافلة بالنزول عند مدائن صالح، و بعدها أصبح يتجنب المكان و يتلثم بردائه كيلا تواجه عيناه الحقيقة المرة المتمثلة في أن هذه التجاويف ليست سوى قبور، لا كما ذَكر في القرآن أنها منازل.

و حتى عندما طُرحت الإكتشافات الحديثة على أحد المفسرين المحدثين، فماذا كان جوابه؟ قد تظن أن جوابه كان أن هذه ليست مدائن صالح. أبدا. هو لم يقل ذلك. لقد زعم ببساطة أن الخبراء قد أخطأوا في تحديد هويتها و أنها بالفعل كانت منازل لقوم ثمود. و دليله على ذلك هو كما يزعم خلوها من العظام، و لكن الحقيقة المرة هي أنها مليئة بالعظام المتفرقة. يقول ابن عاشور في تفسير التحرير و التنوير:

"
وقد توهم بعض المستشرقين من الإفرنج أن البيوت المنحوتة في ذلك الجبل كانت قبورا، وتعلقوا بحجج وهمية، ومما يفند أقوالهم خلو تلك الكهوف عن أجساد آدمية، وإذا كانت تلك قبورا فأين كانت منازل الأحياء ؟"

عفوا يا بن عاشور، بل هي قبور و ليست منازل. هي لأسر نبطية و ليست لقوم ثمود. و منازل الأحياء كانت تُبنى بالطوب في مكان آخر كما فصّل في ذلك البروفسور جون هيلي. حاول مرة أخرى يا بن عاشور.

و كالعادة، أتوقع أنه بعد مرور عشرات السنين، و بعد أن يصبح من المسلمات أن هذه التجاويف هي قبور للنبط و ليست منازل لقوم ثمود، سوف يظهر من يغير تفسير الآيات أو يزعم أن هذه المناطق ليست مدائن صالح، و أن مدائن صالح تقع في مكان آخر لم يكتشف بعد. و لكن ذلك سيكون مجافيا بشدة لآية وردت في القرآن:

"
وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ" (سورة العنكبوت ٣٨)

فالآية تتحدث عن مساكن قوم ثمود بأنها قد تبينت للمسلمين، أي أن المسلمين يعرفون موقعها و يشاهدونها و يتعظون منها. فلا يمكن بعد ذلك الإدعاء بأن مساكن قوم ثمود كانت في مكان يجهله المسلمون أثناء حياة محمد.
لماذا لا نأخذ الأمور ببساطة؟ لماذا لا نقول أن محمد كان يحمل تصورا خاطئا و أنه كان يؤلف القرآن مصدقا لتصوره على ما فيه من علات؟

 

 

 

 

 

 

 

ذكر الأحاديث في هذا الموضوع:

 

روى البخاري:

433 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ

4420 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِ الْحِجْرِ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ

3380 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ بِالحِجْرِ قَالَ: «لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ» ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ "

 

 

 

3379 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَ ثَمُودَ، الحِجْرَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا، وَاعْتَجَنُوا بِهِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا، وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ العَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ البِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ» تَابَعَهُ أُسَامَةُ، عَنْ نَافِعٍ

 

ومما روى مسلم:

 

[ 2980 ] حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب وهو يذكر الحجر مساكن ثمود قال سالم بن عبد الله إن عبد الله بن عمر قال مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم زجر فأسرع حتى خلفها

 

[ 2981 ] حدثني الحكم بن موسى أبو صالح حدثنا شعيب بن إسحاق أخبرنا عبيد الله عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبره أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

4561- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ ، فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ.

 

5342- حَدَّثَنَا يَعْمَرُ بْنُ بِشْرٍ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ : لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ، وَتَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ.

 

5984- حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ ، يَعْنِي ابْنَ جُوَيْرِيَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ عَامَ تَبُوكَ نَزَلَ بِهِمُ الْحِجْرَ عِنْدَ بُيُوتِ ثَمُودَ ، فَاسْتَسْقَى النَّاسُ مِنَ الآبَارِ الَّتِي كَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا ثَمُودُ ، فَعَجَنُوا مِنْهَا ، وَنَصَبُوا الْقُدُورَ بِاللَّحْمِ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَرَاقُوا الْقُدُورَ ، وَعَلَفُوا الْعَجِينَ الإِبِلَ ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ عَلَى الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا النَّاقَةُ ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبُوا قَالَ : إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ ، فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ.

 

وانظر أحمد 5225 و5404 و5441 و5645 و5705 و5931

 

 

قصة قوم لوط الخرافية

 

(23وَإِذْ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى الأَرْضِ دَخَلَ لُوطٌ إِلَى صُوغَرَ، 24فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. 25وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ، وَنَبَاتَ الأَرْضِ. 26وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ.) سفر التكوين من التوراة، إصحاح 19: 23-25

 

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)} الذاريات

 

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39)} القمر

 

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)} العنكبوت

 

{وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)} الصافّات

 

{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)} الحِجْر

 

{قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} هود

 

{وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)} العنكبوت

 

أقول: كذلك تضاريس منطقة البحر الميت تشكّلت قبل وجود الإنسان بملايين السنين كما حدّد علماء الجيولوجي وليس لها علاقة بالأسطورة التوراتية المزعومة، وهكذا كل تلك المعجزات المحكية كحكايا عجائز وجهلة هي فقاعات وهم يزيلها العلم بسهولة. وأقتبس من إحدى المقالات فقرات:

 

"صوغر هي على الأرجح تلك القرية الصغيرة التي تقع في الأغوار الأردنية عند الحافة الجنوبية الشرقية للبحر الميت، ولا يزال من أطلالها....إلخ وهناك الطريق التي تحتضن آثار الخسف الظاهر للعيان والصخور الهائلة ذات الأشكال الغرائبية التي توحي بأنها نتائج النقمة الإلهية التي نزلت على قوم لوط، وهناك قام فريق من صحيفة الرأي الأردنية بالبحث عن عمود الملح الحقيقي الذي يقال أنه لامرأة لوط التي سخطها الله.

وسلك فريق التحقيق طريقًا صخريًّا صعبًا بين الأودية والشعاب صعودًا نحو التمثال الذي يعتقد البعض أنه لـ "واهلة" زوجة لوط.

 

في تلك الرحلة الاستكشافية كان أستاذ علوم الأرض والبيئة د. ملاعبة مرافقًا لفريق التحقيق ويدلو برأيه في هذا فيقول:

 

"إنه قبل 30 مليون عام وبعد أن ترسبت صخور فوق الدرع العربي وهو جزء من الدرع العربي النوبي الذي يتكشَّف على طرفي البحر الأحمر الشرقي والغربي، الشرقي الجزيرة العربية، أما الغربي فمصر والسودان والذي يمتد إلى الشاطئ الجنوبي للبحر الميت الذي لم يكن قبل ذلك التاريخ قد تشكل بعد.

 

 

أما بعد ثلاثين مليون عام وبعد أن حدث الخسف الطبيعي الأكبر الذي أدى إلى حدوث الانهدام الغوري الأردني، والممتد من خليج العقبة جنوبًا حتى يصل إلى بحيرة طبرية شمالًا ويمتد حتى يصل إلى جنوب تركيا وبامتداد يصل إلى ألف كم طوليًّا.

ويعتبر هذا الانهدام جزءً من الانهدام العربي الأفريقي الذي يبدأ من بحيرة فكتوريا في كينيا مرورًا بإثيوبيا والصومال ولغاية انهدام عفار في مضيق عدن مرورًا بانهدام البحر الأحمر وحتى خليج العقبة وبطول كليّ يجاوز ستة آلاف كم.

 

يقول د. ملاعبة: عندها بدأ البحر الميت بالظهور، ولم تكن ولادة هذا البحر يسيرة، بل جاءت بعد مخاض عسير لرحم الغلاف الصخري الأرضي، حيث وُلِد الجزء الأول منه واستمر هذا المخاض لملايين الأعوام لم تهدأ خلالها حركة المولود الجديد فاستمر في تخبطه داخل الغلاف الصخري إلى أن تروَّض جموحه نتيجة خسف عنيف مما أدى إلى انخفاض مستواه عن كل شيء حتى عن مستوى سطح البحر الذي يساوي صفر، ليظهر بصورته الحالية قبل عشرة آلاف عام، إذ تشكلت حفرة عميقة خاوية حنت عليها الشعاب والأودية والصخور المتشكلة على دفتيها وعلى طول الانهدام الغوري بالماء ليخرج إلى النور البحر الميت أي قبل أي استيطان أو ظهور للبشرية على سطح الأرض.

 

.........وما بين الكهف المحفور القابع في صخور السرموج والتمثال الذي يُزعَم أنه لـ"واهلة" زوجة لوط الكائن في الصخور الرملية (السليكاتية) ليس فقط مسافة لا تزيد عن الخمسين كيلومترًا فقط، وإنما هناك أيضًا فرق في التكون الجيولوجي يزيد عن خمسين مليون عام، حسب د.ملاعبة، الذي يضيف: إنه إذا قارنّا العمر الجيولوجي لصخور السرموج مع الصخور الرملية التي ينتصب عليها التمثال المزعوم_علمًا بأن الصخور الرملية المتواجدة عليها ما يسمى بتمثال واهلة تُعرف جيولوجيًّا باسم (أم عشرين)، والتي تعلوها رسوبيات من الصخور الجيرية المعروفة باسم (الترافرتين) وهي رسوبيات عادة ما تنتج من الينابيع والمياه المعدنية الحارة والباردة التي تكون مشبعة بالعناصر_فإننا سنصل إلى حقيقة أن انصب الذي يعتقد الكثيرون أنه لواهلة ما هو إلا عبارة عن إحدى الظواهر التضاريسية الكلسية التي تشكلت طبيعيًّا في العصور الجيولوجية الغابرة.

 

وخلال تجوال فريق جريدة الرأي سجلت عدسة الكامِرا نُصُبًا كثيرة مشابهة لتمثال واهلة المزعوم! وتكون أشكال النصوب في العادة على شكل أعمدة أو على شكل موائد تعرَف جيولوجيًّا بـ"موائد الشيطان" وهي على هيئة عمود قطره أكبر وتعلوه قمة سطحها مستدير الشكل يشابه الفطر."

 

من هذا المقال نفهم أن كل تشكيلات البيئة في منطقة البحر الميت هي نتاج عوامل طبيعية، مثلًا ظاهرة الصخور المتشكلة فيما يُعرَف بموائد الشيطان، وهي تشكل جيولوجي للصخور بحيث تشابه شكل الفِطر، وتشكيل المياه الجوفية لأعمدة تصورها الجهلاء تماثيل أو أناسًا ممسوخين. وهذا أيضًا من مقال في دائرة المعارف الكتابية وليم وهبة في مادة البحر الشرقي (البحر الميت) نظرًا لاحتوائه على معلومات عقلانية علمية غير خرافية مناسبة:

 

 1- أصله وتركيبه : تدل القرائن الجيولوجية على أن البحر الميت تكون أصلاً عندما حضرت هزة أرضية في العصر الميوسيني طرف البحر المتوسط الشرقي القديم بين جدران الأخدود. وعندما بدأ هذا البحر الداخلي الذي كان يمتد من سفوح جبل حرمون إلى وسط سهل العربة في الانكماش، إنحصر في مسطحات مائية صغيرة في الحولة والجليل والبحر الميت. وقد تركت هذه الهزة الأرضية طابعها في الجدران الحادة، والطبقات الغائصة، والقشرة الواهية. ولقد ترك البحر المتوسط ( وكان يسمي قديماً بحر " تيثيس " ) رواسبه على شكل طبقات سميكة من الحجر الجيري الصلد والطباشير الرخو، التي تتكون منها تلال اليهودية، والتي تغطي الطبقات القارية المتبلورة والحجر الرملي النوبي في شرقي الأردن. كما تبدو أيضاً خطوط الشواطيء المتموجة على ارتفاعات متدرجة ( تدل على تغير مناسيب المياه في البحر الميت على مختلف العصور ) مع رواسب متفتتة، وهذه صورة مبسطة لطبقات قد تداخلت وتعقدت من التواءات القشرة الأرضية، والتغيرات المناخية، وبخاصة تعاقب عصور من المطر الغزير والجفاف الشديد، وتزامنت مع امتداد وانكماش المسطحات الثلجية في أوربا.

وفي أثناء العصور الثلاثة الكبري غزيرة الأمطار، تزايد البحر الميت حتى بلغ المدرجات العليا من حوائط الاخدود، وفي نفس الوقت نشطت عوامل التعرية، فأحدثت الكثير من التجعدات والالتواءات في سفوح الوادي، وغطت بطن الوادي برواسب سميكة، وفرشته بكميات هائلة من الحصباء حتي سدت مخارج الوادي، كل ذلك فوق طبقات من الصخور الملحية والجبس والصلصال والطفل والرمل والطباشير الناعم من الرماد والطين الضارب إلى الصفرة، والتي تتكون منها شبه جزيرة " اللسان "، كما تغطي سفوح الوادي، وبتعرضها لعوامل التعرية وبخاصة في دورات الجفاف، تفتت الطبقات الطينية وتراكمت في غير انتظام مكونة طبقة مجعدة تكسو ارض "الغور "، كما نحت الأردن خندق " الزور " الذي تغطيه الأدغال. وقد سببت هذه التشوهات القشرية انخفاض الحوض الشمالي للبحر الميت وانحدار جوانبه، ربما في نفس الوقت الذي برزت فيه طبقات الملح الصخري والجبس التي تكوّن جبل سدوم. ولعل ما أعقب ذلك من تصدع طرف لسان سدوم وفيضان الحوض الجنوبي، هما أهم الأحداث التاريخية التي ردمت عمق السديم...إلخ

2- الينابيع والغمقات : إن ضعف القشرة أسفر عن انطلاق العديد من المواد من تحت الطبقة السطحية، فالملح الصخري في جبل سدوم قد انبثق من تصدع في الطبقة الصخرية، كما تفجرت أيضاً الينابيع الحارة والباردة، العذبة والمعدنية. والمسطحات السندسية الخضراء تدل على مواقع الينابيع العذبة مثل صوغر وعين جدي. وتستخدم المياه الحارة الكبريتية مثلما في " الزرقاء معين " للعلاج الطبي. كما تنبثق في قاع البحر ينابيع من المياه المالحة المحملة بالأملاح المعدنية مثل البروميدات والكبريت، التي تمنع وجود كائنات حية فيما عدا القليل من البكتريا وهذه الاملاح هي التي تعطي مياه البحر الميت مذاقها المر ورائحتها الكريهة، كما تختلط به غازات ومواد بترولية، وبخاصة القار المختلط بالطباشير والحجر الجيري، والذي يزود التجار والفنانين " بحجر البحر الميت " الشبيه بالفحم، والذي يطفو علي سطح البحر وبخاصة عقب الزلازل. أما آبار الحمر " (تك 14 : 10 ) فالأرجح أنها كانت أباراً للقار. وحيث أن الثوران البركاني غير محتمل جيولوجياً، فلابد أن ....... كان زلزالاً عاتياً صحبه انفجار شديد قذف بالغازات والقار والصخور الملحية.

3- بحر الملح : ( تث 3 : 11 ) بينما يستمد البحر بعض ملوحته من السطح أو الينابيع تحت السطحية، ومن الغدران المتقطعة ( غير الدائمة ) التي تمر بصخور سدوم الملحية، فإن بعض الملوحة تأتي من تربة المستنقعات شبه الجافة، والنهيرات الأربعة الدائمة التي تصرف مياه أمطار مرتفعات موآب، وهي اليودهمي والزرقا وأرنون وزارد، مع عدد لا يعد من الوديان متقطعة الجريان، جميعها تحمل إليه ما فيها من أملاح، بينما يمده نهر الأردن بنحو 6,500,000 طن من المياه من السبعة المليون طن التي تصب فيه يومياً، وبها نسبة عالية من كلوريد الصوديوم والمغنسيوم.

ومع كل ذلك، كان يمكن أن يكون البحر الميت عذباً أو أقل ملوحة لو كان له مخرج، ولكنه حوض مقفل في بيئة قاحلة حارة تجعل منه قدرًا ممتازاً للتبخير حيث تشتد الحرارة في المناخ الصحراوي مع ندرة الأمطار علي مرتفعات اليهودية، وهبوب الرياح العاصفة التي تنحدر علي السفوح إلي الغور. ولايزيد متوسط سقوط الامطار عن أربعة بوصات سنوياً في الطرف الشمالي،أما في الجنوب فيقل المتوسط عن بوصتين. والحرارة الجافة تساعد علي سرعة البخر، والرطوبة النسبية لا تزيد عن 57 %، ومتوسط درجة الحرارة ( بما في ذلك فصول الشتاء الباردة وهواء الصحراء البارد ليلاً ) يصل إلى 77 ° فهرنهيت في بعض الأماكن، وقد تصل درجة الحرارة في بعض الأيام إلي 124° فهرنهيت في الظل، وما أندره ! ناهيك عن الحر اللافح في الأماكن المكشوفة لأشعة اشمس. ولكن تهب أحياناً رياح معتدلة من الشمال، فتلطف من حرارة الجو في الحوض الشمالي، ولكنها في نفس الوقت تزيد من سرعة البخر. ومع أن الضغط الجوي المرتفع وما يصاحبه من ضباب خفيف، ودرجة الملوحة العالية، يقللان من البخر، فإن البخر رغم ذلك يبلغ من الشدة حتي إنه ليتوازن مع كمية مايرد من الماء للبحر يومياً وهو نحو سبعة ملايين طن من الماء، مما يجعل مستوي سطح البحر ثابتاً تقريباً، وإن كانت تحدث بعض التغيرات بين الفصول المختلفة، فيرتفع عادة مستوي السطح في الشتاء نحو عشرة أقدام أو خمسة عشر قدماً عنه في الصيف. وحيث أن البحر محصور بين المرتفعات شرقاً وغرباً، فإن خطوط شطئانه تتمدد وتنكمش في حدود السفوح المتدرجة، وقد تغمر منطقة السبخة إلى عدة أميال.

4- المنتجات المعدنية : وهي تتركز في الأطراف الضحلة. ومنذ القديم  استخرج " حجر البحر الميت " من الشاطيء الغربي، وجمع الملح للتسويق العالمي، ولذبائح الهيكل، من سدوم والطرف الجنوبي الغربي. وقد زاد استخراج الأملاح المعدنية بازدياد الطلب على المواد الكيميائية وبخاصة الأسمدة، فالبحر الميت مخزن لهذه الكيميائيات الثمينة، فعلاوة على الأملاح المتبلورة المترسبة مثل الجبس ( كبريتات الكلسيوم ) وملح الطعام ( كلوريد الصوديوم ) والتي تكسو قاع البحيرة، فإن تركيز الاملاح المعدنية في المياه يبلغ 25 %، وترتفع هذه النسبة إلى 30 % في الحوض الجنوبي الضحل وإلي 33 % في الأعماق، ولايفوق البحر الميت في ذلك سوي بحيرة فان في أرمينية في تركيا. وأكثر العناصر الموجودة في أملاحه هي الكلور والبوتاسيوم والصوديوم بنسبة 67 %، 16 %، 10 % علي الترتيب، كما يوجد به أيضاً البروم والكلسيوم والكبريت، وتبلغ هذه الكميات من الضخامة حتى إنه ليوجد بالبحر الميت 22.000.000.000 طن من كوريد المغنسيوم، 11.000.000.000 طن من ملح الطعام، 6.000.000.000 طن من كلوريد الكلسيوم، 2.000.000.000 طن من كلوريد البوتاسيوم، 980.000.000 طن من بروميد المغنسيوم، 200.000.000 طن من الجبس. وعلاوة علي ذلك فإن جبل سدوم يختزن كميات هائلة من الأملاح المعدنية من رواسب بحر أعظم من عصور جيولجية سابقة.

وقد امتد استخراج هذه الأملاح المعدنية إلى سدوم التي أصحبت مركزاً للتعدين، فبني بها مصنع للبروم في 1955، وانتشرت أحواض التبخير حول البحر وبداخله أيضا. ًوعندما تدخل المياه المحملة بالأملاح إلى الأحواض، يترسب أولاً ملح الطعام قبل التعرض للبخر، ثم يستخرج بعد ذلك أملاح البوتاسيوم ثم البروميدات. وقد تضاعف انتاج البوتاس أربع مرات فيما بين 1960، 1965، ثم تضاعف مرة أخري حتي وصل إلى مليون طن في 1971، مع إنتاج ملح المائدة المكرر، وكذلك استخراج الغاز الطبيعي من حقل " اراد " الذي اكتشف حديثا، وكذلك صناعة تعبئة البروم في بئر سبع. وهكذا نشأت مجموعة من الصناعات الكيميائية الهامة.

 

 

 

 

ويمكنكم العودة إلى كتاب (تفنيد أساطير القرآن عن الأقوام المبادة) ولعلي نشرته ببعض مواضيعي بساحة الكتب بموقع إلحاد العربي وهو يتضمّن صور قيمة جدًّا للآثار السعودية وتفاصيل موثّقة لا يمكننا عرضها كلها هنا لأنها كتاب كامل كبير مستقل. سندرس بشكل مختصر أصول هذه القصص الوثنية في باب المصادر.

نسرد هنا بعض آيات القرآن بخصوص هذه الخرافات التي استُغلِت بطريقة وثوقية دوجمائية لفرض الشمولية وتكفير الآخرين وعدم التعايش السلمي، باعتبار الله كقدوة لاهوتية إله عنيف غير متسامح:

 

{(10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} الشمس

 

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)} البروج

 

{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)} النجم

 

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)} الفجر

 

{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)} الذاريات

 

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)} طه

 

لم يكن هناك عملة الدرهم في عصر يوسف المفترَض

 

جاء في القرآن في سرد أسطورة يوسف:

 

{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)} يوسف

 

هذا خطأ تاريخي، لأن عملة الدرهم أول من سكَّها هم اليونانيون الجريكيون، واسمها الأصلي درخمة، وهذا بعد التاريخ الافتراضي القديم ليوسف في مصر القديمة وحضارتها. وتقول موسوعة ويكيبديا بالنسخة الإنجليزية/ drachma:

 

Initially a drachma was a fistful (a "grasp") of six oboloí or obeloí (metal sticks, literally "spits") used as a form of currency as early as 1100 BC

 

أقدم استعمال لها كعملة ووحدة النقد يعود إلى 1100 ق.م.

 

دائرة المعارف الكتابية:

دراخمة: هي الكلمة اليونانية المترجمة "بدرهم" في الأصحاح الخامس عشر من إنجيل لوقا (15: 8و9). وقد استخدمت الترجمة السبعينية كلمة "دراخمة" معادلة "لنصف الشاقل". وكانت تعتبر في العهد الجديد معادلة للدينار الروماني رغم أنها لم تكن تساويه تماماً. وما زالت الدراخمة وحدة العملات اليونانية. ولم تستخدم هذه الكلمة في اليونانية إلا في هذا الموضوع من إنجيل لوقا  .

 

والذي في التوراة أنها عملة الفضة التي اشترى بها المديانيون يوسف من إخوته، عملة قديمة بالزمن القديم استعملها اليهود:

 

(28وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ.) التكوين37: 28

 

تصورات قرآنية غير صحيحة تاريخيًّا ووفقًا لعلم الأديان عن ملوك وشعب مصر القديمة

 

{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)} إلى قوله {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)} الشعراء

 

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)} القصص

 

ونحوها في غافر: 36-37، هنا يصوِّر محمدٌ لنا أن المصريين القدماء لم يصل فكرهم الدينيّ للتصوُّر الدينيّ الخرافيّ لوجود إله كليّ الوجود يحكم كل الكون وليس فقط أرضهم، وهذا غير صحيح، فمن يقرأ كتبًا عنهم ككتب آلهة المصريين لوالاس بدج البريطاني وديانة مصر القديمة لأدولف إرمان الجرمانيّ ومدخل إلى نصوص الشرق القديم لفراس سواح، يجد أنهم توصّلوا بتطور الفكر عندهم إلى أن كل الآلهة هي تجليات لرع إله الشمس، سوبك- رع، أوزوريس-رع، خنوم-رع، واعتقدوا أن الرب أو رع في حقيقة الأمر كل الآلهة تجسدات أو أقانيم له، وحكم حكمائهم التي تركوها في الكتب مليئة بالوصايا عن إرضاء الإله بالإحسان إلى الناس وعدم ظلمهم، واعتقدوا أن الإله رع سيحاكم كل البشر في يوم البعث على حسب أعمالهم وتوزن أعمالهم عن طريق ريشة الإلهة ماعت إلهة العدل على ميزانها، أما إخناتون على اختلاف أفكاره عنهم وكتطور لها فكتب في ترتيلته أن آتون إله الكل، منح النيل لشعب مصر، والأمطار لشعوب الصحراء، في مرحلة حكم البطالمة الجريك (اليونان) اعتبروا أن زيوس اليوناني هو نفسه آمون أو رع، وسموه سيرابيس، وكان في الإسكندرية معبد السيرابيوم يتعبّد فيه المصريون واليونان على السواء، حتى دمّره المسيحيون لاحقًا. كذلك القول بأن حاكم مصر ادّعى أنه لا إله غيره فباطل، لأن الملوك المصريين اعتقدوا بالآلهة المتعدة وبنوا لها المعابد العظيمة ومنها الكرنك وفيلة كأمثلة فقط، تكريسًا لهذا الوهم كشكر وامتنان لها أو نفاقًا للشعب الساذج لاكتساب الشرعية والغلاف الديني، كان الملك المصري يعتبر ابنًا لإله الشمس رع، لذلك اعتبروه إلهًا أو نصف إلهٍ بشريّ مقدَّس صغير، هذا فقط الشيء الصحيح تاريخيًّا فيما سرده القرآن. وبالتناقض في سورة الأعراف قال محمد: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}. هذا تناقض نصيّ هل كان فرعون يعترف بآلهة مؤلَّهة غيره أم لا.

 

 

برعا أو فرعون

 

كلمة فرعون أو بالمصرية القديمة برعا لم تكن تطلق على ملوك مصر من الفترات التي يفترضون أن بني إسرائيل كانوا في مصر أثناءها كما تحكي الخرافة، مما يدلّ كذلك على صحة فكرة أن تلك القصة مؤلفة متأخرً زمنيًّا، حدده إسرائيل فنكلشتاين رئيس قسم الآثار بجامعة تل أبيب وغيره بأنه في القرن السابع قبل الميلاد تحت رعاية الملك يوشِيّا وعلى يد كهنته الذين شكّلوا لجنة لجمع أساطيرهم وصياغتها لتكون إلهامًا لجيل يوشيّا وما بعده، خاصة أن يوشيا كذلك كان مهدَّدًا بخطر وتهديد احتلال خارجيّ من فرعونٍ مصريّ، كلمة برعا تعني بيت الملك، شيء كإطلاق المسلمين منذ زمن طويل على السلطان العثماني لقب الباب العالي. وجاء في المحيط الجامع في الكتاب المقدَّس وشعوب الشرق القديم_المكتبة البولسية_لبنان:

 

فرعون: لقب بيبلي لملوك مصر حيث نجد كلمة "فرع" أي أكبر بيت في أيام المملكة القديمة. أمّا أقدم مثل معروف يدلّ فيه فرعون على الملك لا على القصر (أكبر بيت) فيعود إلى زمن إخناتون (القرن 14 ق.م.)

 

نفس الشيء تؤكده موسوعة ويكيبديا بالنسخة الإنجليزية/ pharaoh:

 

Etymology

The word pharaoh ultimately was derived from a compound word represented as pr-3, written with the two biliteral hieroglyphs pr "house" and ꜥꜣ "column". It was used only in larger phrases such as smr pr-aa 'Courtier of the High House', with specific reference to the buildings of the court or palace.[4] From the twelfth dynasty onward, the word appears in a wish formula 'Great House, may it live, prosper, and be in health', but again only with reference to the royal palace and not the person.

During the reign of Thutmose III (circa 1479–1425 BC) in the New Kingdom, after the foreign rule of the Hyksos during the Second Intermediate Period, pharaoh became the form of address for a person who was king.[5]

The earliest instance where pr-aa is used specifically to address the ruler is in a letter to Amenhotep IV (Akhenaten), who reigned circa 1353–1336 BC, which is addressed to 'Pharaoh, all life, prosperity, and health!.[6] During the eighteenth dynasty (16th to 14th centuries BC) the title pharaoh was employed as a reverential designation of the ruler. About the late twenty-first dynasty (10th century BC), however, instead of being used alone as before, it began to be added to the other titles before the ruler's name, and from the twenty-fifth dynasty (eighth to seventh centuries BC) it was, at least in ordinary usage, the only epithet prefixed to the royal appellative.[7]

 

أقدم استعمال للكلمة في عهد إخناتون، وبرزت أكثر في عصر تحتمس الثالث، أما قبل ذلك فكانت تعني القصر أو المحكمة كأبنية، وليس شخص الملك المصريّ. كل هذه الأشخاص بعيدة زمنيًّا عن الأزمنة المفترضة ليوسف وموسى والخروج الخرافي.

 

{ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)} يوسف

 

الأسطورة الخرافية قالت أن يوسف نشأ في مصر ومن سياق الكلام قبله وبعده نفهم أن الكلام عن المصريين القدماء، وهذا كلام باطل، لأن المصريين اعتقدوا بحياة بعد الموت، ويعتبرهم كثير من علماء الأديان مصدرًا لأساس تصورات الأديان الإبراهيمية الثلاث عن الآخرة والجنة والجحيم.

 

{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39)} القصص

 

نفس الخطأ، محمد_لقدم وتطاول العهد وعدم فك رموز الكتابات المصرية القديمة منسية الحروف في عصره_ ظن أن وثنية المصريين القدماء مثل وثنية العرب، وأخطأ في هذا، كما نعلم نحن من عشنا بعد فك شامبليون لرموز حجر رشدي ونشوء علم المصريات.

 

خرافة بني إسرائيل في مصر وغرق فرعون بعد مطاردته لهم

 

هذه الخرافة على سخافتها وتعلّقها_مع كامل احترامي وتقديري لكل البشر_بقبيلة بدوية واحدة صغيرة قبل الميلاد تصوغ خرافاتها، بسبب تبنّي المسيحية ثم الإسلام لتلك الأساطير التي ألفها مجموعة كهنة في القرن السابع قبل الميلاد برعاية وأمر الملك يوشيَّا، ليست حقيقية تاريخيًّا أو على الأقل لا دليل عليها، تاريخ حكّام مصر القديمة لم يحدث به أي انقطاع تاريخيّ أو موت بمعجزة لملك، ولا دليل أثريّ قط على وجود بني إسرائيل بمصر، نعم يوجد أدلة مثلًا على وجود دولة وقوم إسرائيل في فلسطين ومحاربة مرنفتاح لهم، وتوجد كتابات كثيرة لملوك آشور وآرام كحزائيل وشلمنصر وغيرهما عن حروبهم مع إسرائيل، لكن هذه مسألة أخرى، الاطلاع على كتاب (التوراة مكشوفة اللثام) لإسرائيل فنكلستَيْن وعالم آخر سيكون مفيدًا جدًّا لمن أراد تطهير عقله من الخرافات، ومما يقوله القرآن:

 

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)} البروج

 

{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)} النجم

 

{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)} المزمِّل

 

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)} الفجر

 

{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)} الذاريات

 

وهذه مقالة توضّح بعض المسائل كذلك، وهي لابن الراوندي، اسم مستعار لأخ مصري، بعنوان فرعون الخروج وخروج القصص القرآني من سياق التاريخ:

 

 ظاهرة مؤسفة تحدث بين ظهرانينا حين يتصدى بعض رجال العلم للحديث في أمور إختصاصهم ( لاسيما الحديث عبر وسائل الإعلام المرئية التي تحظى بالتفاف الكثيرين من العوام حولها فتساهم أكثر من غيرها في تشكيل وعيهم العام وتكسب كلام المتحدث من خلالها لديهم سحرا خاصا) فيخلط أولئك العلماء بين ما هو ذاتي(معتقداتهم الشخصية وأقصد معتقدهم الديني تحديدا) وبين ما هو موضوعي (مجال إختصاصهم العلمي) وإن كان هذا الأمر مفهوم الحدوث عند العوام الذين لايفصلون بين الأمرين (الذاتي والموضوعي) بحكم ضمور الحس العلمي لدى الكثيرين منهم ..

فلن يكون ذلك مقبولا ممن يفترض فيهم التشبع بروح العلم الناقدة والمميزة بين الأمرين (الذاتي والموضوعي) من أرباب العلم ومن أمثلة ذلك الخلط المشين ما اعتاد بعض المتخصصين في التاريخ القديم عليه من الحديث بدم بارد عن بعض القصص التوراتي/القرآني (والذي يشكل جزءا رئيسا من معتقدهم الديني) يتحدثون عنه باعتباره حقائق تاريخية موضوعية وذلك من خلال محاولات تلفيقية (لا أقول توفيقية) واعية أوغير واعية لإخراس صوت التاريخ الموضوعي لينطق بلسان هذا القصص (مزعوم القداسة) ..ومن الأمثلة المؤسفة على ذلك الخلط ما تحدث به أحد هؤلاء المتخصصين مؤخرا عبرشاشات أحد أجهزة التلفزة العربية عن الفرعون مرنبتاح بن رمسيس الثاني باعتباره فرعون الخروج التوراتي / القرآني المزعوم..وهو رأي قديم وذو بريق خاص قال به كثيرون وتفننوا فيه منذ اكتشاف اللوح المسمى بلوح مرنبتاح (عام 1896 م) والذي ورد به ذكر مايسمى ب"إسرائيل" لأول مرة في التاريخ ضمن قائمة المهزومين على يد مرنبتاح ..ويأتي حديث عالمنا المتخصص بهذا الرأي الذي عفا عليه الزمن جهلا ب.. أو تجاهلا لمعطيات علم الآثار الحديثة (لاسيما في العشرين عاما الأخيرة من القرن العشرين)..تحت وطأة الصوت الزاعق للمقدس (الذاتي الجماهيري..ولاعزاء لموضوعية العلم!!!) تلك المعطيات الأثرية الحديثة التي تجعل قصة الخروج العبراني من مصر ضمن القصص اللا تاريخي والذي لايقدم علم الآثار سندا كافيا لصحته أو لحدوثه أصلا و يدخل في هذا الإطار أيضا القصص المتعلق بالآباء التوراتيين كآدم و إبراهيم ويوسف و كذلك القصص التوراتي المتعلق بدخول ما يسمى بالإسرائليين إلى أرض كنعان بقيادة يشوع بن نون بل إن القرائن الأثرية بفلسطين تنفي أصلا إمكانية أي وجود لما يسمى بدولة "كل إسرائيل" المنسوبة إلى داوود و سليمان (اللا تاريخيين بالطبع فلا توجد أية قرائن أثرية يعتد بها تشير لوجود مملكتيهما ..رغم ما سرده المقدس الديني عن عظمة سليمان وملك سليمان!!) فمملكتا إسرائيل و يهوذا هما مملكتان كنعانيتان نشأتا منفصلتين الأولى نشأت في القرن التاسع ق.م والثانية في القرن الثامن ق.م..ولا علاقة لهما بداوود أو سليمان المزعومين؟! ..ولا تتقاطع أحداث العهد القديم بشكل ملموس مع التاريخ المستند لعلم الآثار إلا بداية من أحداث القرن التاسع ق.م حيث المد الإستعماري الآشوري في سورية وفلسطين.. ..أما إسرائيل الواردة بآخر سطر من لوح مرنبتاح حوالي أواخر ق 13 ق.م فلا صلة لها بأحداث العهد القديم بل و ردت كإشارة لقوم محليين كنعانيين عاشوا خارج مصر آنذاك جنوب فلسطين شملتهم حملة مرنبتاح في العام الخامس من
حكمه ...كما أن البحث الأثري و التاريخي على أرض الواقع قد فشل في تحديد مسار الخروج اعتمادا على الرواية التوراتية فبعض هذه المواقع التوراتية للخروج لم يعثر عليها خارج التوراة كما أن المواقع التي تحمل اسماءا مشابهة في سيناء لم يعطي المسح الأثري أية نتائج تسمح بمطابقتها بالمواقع التوراتية لقصة الخروج المزعومة ..أما بخصوص المحاولات المتعسفة للبحث عن فرعون بطل لقصة الخروج المزعومة فلقد تفرعت وتشعبت على غير أساس أثري متين فشملت فراعنة كثيرين منهم حتشبسوت نفسها لكن بقى رمسيس الثاني وولده مرنبتاح الأكثر جاذبية من بين هؤلاء الفراعنة لإلصاق هذه البطولة الوهمية لهما !! وذلك بالاستناد إلى ما ورد بالتوراة عن تسخير العبرانيين في بناء مدينتي فيثوم و رعمسيس لأجل فرعون(؟) ومقارنة ذلك بما ينسب تاريخيا لرمسيس الثاني من تشييد عاصمته في شرق الدلتا وبالاستناد كذلك لكلمة إسرائيل الواردة على لوح مرنبتاح والتي بينت أمرها قبل قليل ..والواقع إن الكاتب التوراتي قد استخدم إسم أرض رعمسيس للإشارة للدلتا قبل أحداث الخروج المزعومة منذ أيام يوسف المزعوم في سفر التكوين أي قبل بناء بر رعمسيس بحوالي خمسمئة سنة (إذا سايرنا التوراة) و ذلك يعني أن هذا الكاتب لسفر الخروج قد كتبه في وقت متأخر من الألف الأول ق.م حين كان إسم بررعمسيس شائعا عن الدلتا في وقت معاصر لكتابة هذا السفر بصرف النظر عن ارتباط بررعمسيس بفترة تاريخية معينة..و من أقوى الأمثلة المشابهة لذلك بنفس السفر و التي يتجلى فيها الخلط التاريخي للكاتب التوراتي حين أورد بسفر الخروج قيام ملك مؤآب بدعوة عراف يدعى "بلعام بن بعور " ليلعن له إسرائيل وقد ورد إسم بلعام هذا بنصوص دير المعلا /شرق الأردن والتي ترجع إلى حوالي عام 750ق.م( في وقت قريب جدا من كتابة التوراة حيث كانت ذكرى بلعام التاريخي العراف ما تزال شائعة) ليصبح بلعام التاريخي أحدث من بلعام التوراتي بسفر الخروج بحوالي خمسمئة سنة حيث يفترض وقوع الخروج حوالي 1200ق.م على أحدث تقدير!!!!! ..أي أن محرر التوراة استخدم شخصية تاريخية شائعة لديه في زمنه(أواخر الألف الأول ق.م) وقت كتابته لقصة الخروج ليضعها في زمن أقدم بخمسمئة سنة!!!…أما المثال الثاني لخلط مماثل ما قام به الكاتب التوراتي حين جعل من حيرام ملك صور معاصرا وصديقا للملك سليمان المزعوم (حوالي القرن العاشر ق.م إذا سايرنا التوراة) بينما حيرام ملك صور التاريخي ورد ذكره التاريخي بعد ذلك بحوالي مئتين سنة ضمن قائمة الملوك الذين دفعوا الجزية للملك الأشوري تجلات بلاسر(745-727ق.م)!!!!أي في وقت قريب من تدوين أسفار التوراة كسابقه بلعام بن بعور.. فوضعه الكاتب التوراتي وبنفس الطريقة بطلا لقصته السليمانية قبل زمنه بمئتي سنة!!..وبناءا على ما تقدم وهو قليل من كثير فللعهد القديم تاريخه الخاص المختلف كثيرا عن التاريخ المتعارف عليه بالإستناد لعلم الآثار فلا يصح وفقا لهذا ان نقارن بين إسرائيل مرنبتاح وبين بني إسرائيل التوراتيين أو بين بررعمسيس التاريخية وبررعمسيس التوراتية أو بين إسرائيل ويهوذا الكنعانيتين و إسرائيل ويهوذا التوراتيتين أو بين أشباح و وقائع ..أما بخصوص ما ذكره الأستاذ الدكتور(المتخصص في علمه) عن قرائن تشير لغرق مرنبتاح فلقد قال بذلك بعض الباحثين إستنادا لإختلافات كثيرة تميز مومياء مرنبتاح مثلا كرسم حواجبها باللون الأسود بدلا من كونها طبيعية وعدم وجود رموش ومظهر الأذنين غير الطبيعي ووجود تجاعيد بالوجه شبيهة توحي بعملية تجميل فضلا عن بعض الكسور بالكتفين والرقبة عزاها القائلون بغرق مرنبتاح إلى إرتطامه بعربته الحربية أثناء غرقه المزعوم كما تتميز المومياء بكثرة الأملاح المترسبة بها والتي عزاها هذا الفريق تعسفا للغرق غير أن أبحاث الفريق الأمريكي الذي قام سابقا بدراسة وتصوير بعض المومياوات بالمتحف المصري(حيث ترقد مومياتي رمسيس الثاني وولده مرنبتاح حاليا) تشير إلى ما أسفرت عنه نتائج تصوير موميائي رمسيس الثاني ومرنبتاح بالأشعة السينية والتي تنفي موتهما غرقا بل نتيجة لأسباب طبعية تعزى إلى الشيخوخة و تأخر السن..ولقد آن الأوان لأن يوضع هذا القصص المقدس في إطاره الصحيح بعد أن مارس إبتزازا طويل الأمد للتاريخ القديم في مصر وفلسطين على وجه الخصوص لينطق بما ليس فيه ذلك الإتجاه الذي تمثلت بداياته في عدم الترحاب بالصمت باكتشافات شمبليون الذي أبداه بعض المسيحيين نظرا لأن ابحاث شمبليون لم تقدم دليلا على إقامة الإسرائيليين بمصر أو الخروج منها !!! كما تمثلت هذه البدايات في فشل دروفتي (القنصل الفرنسي في مصر في أوائل القرن التاسع عشر) في البداية في تصريف مجموعته الأثرية لأن الكهنة الفرنسيين عارضوا شراء آثار قد تهدم مرجعية الكتاب المقدس !!وصولا إلى بداية التنقيب الأثري بفلسطين عام 1865 مع "صندوق التنقيب في فلسطين " تلك الهيئة البريطانية التي تشكلت برعاية الملكة فيكتوريا وبرئاسة أعلى مرجع ديني في المملكة: اسقف كانتربري والذي تركزت أهدافه في التحري الدقيق وراء معلومات أثرية متزامنة مع الكتاب المقدس وظل التاريخ المصري الفلسطيني القديم خاضعا لسطوة الكتاب المقدس حتى أواسط ستينيات القرن العشرين حين قامت البريطانية كاثلين كينيون بأبحاثها الأثرية في فلسطين وبعدها جامعات الكيان الصهيوني وعلى رأسها جامعة تل أبيب بعد 1967بعمل أبحاث شاملة مسحت كل متر في المناطق الهضبية بفلسطين مستعينة بعلماء من شتى الإختصاصات في علم الآثار إلى أن كانت النتيجة الثورية المذهلة في العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين حين أسقطت تلك الأبحاث الصورة الخيالية للتاريخ التوراتي بقيام التيار المتحرر من سطوة الفكر التوراتي على التاريخ القديم (والذي طالما أخضع هذا التاريخ لأولوياته طويلا) ومن أشهر أعلام هذا التيار المتحرر توماس طومسون الذي فقد وظيفته كأستاذ جامعي عام 1993 في إحدى الجامعات الأمريكية بسبب آرائه الثورية تلك وصاحب كتاب( التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي) و كيث وايتلام صاحب كتاب (إختلاق إسرائيل القديمة ..إسكات التاريخ الفلسطيني)والكتابان مترجمان للعربية وغيرهم كثيرون ولتصبح بعد ذلك أسفار التوراة التاريخية على محك علم الآثار أسفارا لاتاريخية ألفت في أواخر العصر الفارسي /أوائل العصر الهلينستي كأخيولة أدبية إستعانت بتأميم بعض من الأساطير والملاحم البطولية والأحداث السياسية بالمنطقة وقامت بتوليفها في شكل خاص لتعكس المزاج النفسي والإجتماعي لمؤلفيها لتبرير الشرعية السياسية لكيانهم بفلسطين(مقاطعة اليهودية) في مرحلة ما بعد السبي تحت الحكم الفارسي بحيث توحي بوجود كيان متماسك موهوم لهذه الجماعة المسماة ببني إسرائيل منذ فجر التاريخ ..وها هو ذا عالم الآثار الصهيوني زئيف هرتسوج المدرس بقسم آثار و حضارة الشرق القديم في جامعة تل أبيب والذي شارك في عدة حفائر أثرية بمدن فلسطين المحتلة وله عدة كتب في هذا المجال يعلن في صحيفة ها آرتس الصهيونية بتاريخ 29/10/1999قائلا:" من المعتقد أن سكان العالم كله وليس مواطنو إسرائيل وأبناء الشعب اليهودي وحدهم سيذهلون لسماع الحقائق التي باتت معروفة لعلماء الآثار الذين يتولون الحفريات في أرض إسرائيل منذ فترة من الزمن .ففي العشرين سنة الأخيرة حدث إنقلاب حقيقي في نظرة علماء الآثار الإسرائيليين إلى التوراة باعتبارها مصدرا تاريخيا .إن اغلبية المشتغلين في النقاشات العلمية في مجال توراة وآثار وتاريخ شعب إسرائيل الذين كانوا حتى الان يبحثون عن البراهين و الدلائل للحكايات الواردة في العهد القديم , يتفقون الآن على أن مراحل تكون شعب إسرائيل كانت مغايرة تماما لما جاء وصفه في التوراة .إن من الصعوبة بمكان قبول ذلك , ولكن من الواضح للعلماء و الباحثين اليوم أن شعب إسرائيل لم يقم في مصر ولم يتيه في الصحراء ولم يحتل البلاد (يقصد أرض فلسطين الكنعانية) من خلال حملة عسكرية ولم يستوطنها من خلال أسباطه الإثنا عشر …"وبخصوص تاريخية واقعة الخروج نراه يضيف قائلا:"لا تتطرق الوثائق المصرية المعروفة لنا بالمرة إلى مكوث شعب إسرائيل في مصر أو لخروجهم منها وقد تطرقوا في وثائق ومستندات كثيرة إلى عادات و تقاليد الرعاة الرحل (الذين يسمون شاسو )في الدخول إلى مصر إبان القحط و الجوع والإستيطان في أطراف الدلتا ولكن ذلك لم يكن بالحدث الوحيد فمثل هذه الأحداث ظهرت في أحيان متقاربة خلال آلاف السنين ولم تكن ظاهرة شاذة…. هذه الأحداث المركزية في التاريخ الإسرائيلي لاتحظى بالدعم و التأكيد من الوثائق الخارجية للتوراة أو من خلال مكتشفات أثرية وتجمع غالبية المؤرخين اليوم على أن المكوث في مصر والخروج منها كانا في أقصى الأحوال مجرد تصرفات لبعض العائلات وتم توسيع حكاية هذه العائلات وتأميمها من أجل خدمة العقيدة اللاهوتية لتشمل الشعب كله" …ويتقارب ما ذكره العالم الصهيوني بخصوص الخروج العبراني المزعوم من مصر مع ما ذهبت إليه قبل ذلك البريطانية كاثلين كينيون (إحدى أهم المنقبين الأثريين بفلسطين المحتلة في النصف الثاني من القرن العشرين ) حيث تقول:" تكمن صعوبة التقييم التاريخي لمسألة الخروج في ان الأسفار الأولى للكتاب المقدس قد جاءت لتجميع عدد كبير من التقاليد القبلية , حاول المحررون تذويبها في نص مضطرد عن تحركات جماعات اعتقدوا أنها تشكل شعبا واحدا منذ البداية , ولقد كان من نتائج إعادة الصياغة هذه , أن المحررين قد أظهروا أن كل تلك القبائل قد شارك في الخروج ومر من خلال التجربة الدينية ذاتها في سيناء و ولكن الإحتمال الأقوى هو أن القبائل التي إستقرت في فلسطين كانت من أصول مختلفة ومتنوعة.." وفي نفس الشهر الذي نشر فيه "زئيف هرتزوج" مقالته المهمة المشار إليها في أكتوبر 1999 انعقدت بمدينة شيكاغو الأمريكية إحدى الندوات الدولية التي تبحث في أصول الشعب اليهودي في ظل المكتشفات الأثرية الحديثة في العشرين عاما الماضية ضمن ندوات كثيرة تناقش الشأن نفسه ومما يسترعي الإنتباه في تلك الندوة هو ضيق الهوة إلى حد كبير بين الباحثين التوراتيين التقليديين(الذين يؤمنون بصحة التوراة تاريخيا) وبين الباحثين النقديين (من يرفضون تاريخية الأحداث التوراتية) فجميع الأبحاث المقدمة في الندوة عن عصر الاباء التوراتيين المتضمن لإبراهيم وسلالته في سفر التكوين لم تتصدى للدفاع عن تاريخية هذا القصص كما أهمل
الجميع تماما تقديم اية بيانات تاريخية أو أثرية على وجود العبرانيين في مصر ولم يجادل أحدهم في تاريخية أحداث الخروج أو يقدم أية شواهد على صحة هذه المسألة!!! وفي نهاية ملف الندوة يعلق باحث بريطاني يدعى "فيليب ديفز" على وقائع الندوة قائلا:"إن ما يقوله علم الآثار بخصوص الجماعات التي شكلت إسرائيل التاريخية هو إنها جماعات فلسطينية محلية , وأن ثقافتها التي تعكسها مخلفاتها المادية هي ثقافة فلسطينية لا يمكن تمييزها عن ثقافة بقية المناطق الفلسطينية … وإنه لمن المؤكد أن هؤلاء الناس لم ينحدروا من سلف واحد جاء من بلاد الرافدين (يقصد إبرام/إبراهيم) ولم يخرجوا من مصر ولم يدخلوا كنعان حاملين معهم ديانة نزل وحيها خلال تجوالهم في الصحراء …."ومن المهم أن أقول أن بشائر التنبه لمجافاة القصص المقدس لبني إسرائيل لمقولات علم الآثار والتاريخ ربما تعود إلى زمن بعيد أبعد من العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين فها هو ذا أحد علماء الكتاب المقدس البارزين في القرن السابع عشر ونائب مدير جامعة كمبريدج الدكتور "جون لايتفوت" يصل بالإعتماد على معطيات الكتاب المقدس إلى قناعة لاعلمية مؤسفة حين يزعم آنذاك أن خلق الإنسان قد تم في الثالث و العشرين من أكتوبر عام 4004ق.م في الساعة التاسعة صباحا!!!! وهو تقدير يبدو متسقا إلى حد بعيد مع حسابات اولئك الذين يعتقدون في تاريخية هذا القصص المقدس من المعاصرين في بداية القرن الحادي والعشرين!!!!! (وبعضهم من المشتغلين بالآثار!!!) فترى الغالبية منهم يقولون بالخروج العبراني من مصر حوالي 1200ق.م(زمن مرنبتاح أو رمسيس الثاني) ودخول يوسف وأخوته لمصر أيام الهكسوس (حوالي 1700ق.م) وقدوم إبراهيم إلى مصر قبل ذلك في عصر الدولة الوسطى حوالي( 1900ق.م )فإذا علمنا أنه ووفقا لسفر التكوين لا يفصل ميلاد إبراهيم (أحد آباء البشر الأوائل!!! ) عن ميلاد آدم أبو البشر سوى 1946 سنة تقريبا فيكون آدم قد ولد حوالي عام 3846ق.م!!! وهو تقدير يقترب كثيرا من تقدير جون لايتفوت في القرن السابع عشر!!!!!! حيث قام هذا الأخير بتدوين تاريخ الميلاد المقدس هذا(23/10/4004 ق.م) على هوامش نسخ معتمدة من الكتاب المقدس آنذاك منذ عام1701م حيث أضفيت عليها عصمة النص ذاته!!! ومن المفارقة أن نعرف أن أقدم وجود معروف علميا للإنسان العاقل(جد الإنسان الحالي) يعود إلى العصر الحجري القديم الأعلى والذي يبدأ فيما بين عامي 15000 و11000ق.م!! بينما سيكون أبو البشر المقدس القادم إلى العالم في عام 4004ق.م أو (حتى في عام 3846ق.م) معاصرا لحضارات العصر الحجري الحديث في مصر كمرمدة بني سلامة في الدلتا والبداري في الصعيد أي بعد مدة تتراوح بين 11000& 7000سنة من وجوده التاريخي!!!وبناءا على ذلك فإنه ووفقا لتلك الحسابات المقدسة لم يكن ممكنا لمصر أن تكون صاحبة حضارة قديمة في عهد الكتاب المقدس لأن العالم لم يوجد فترة تكفي لذلك !!! وهو ما لاحظه بفراسة محمودة بحار ورجل دولة إنجليزي يدعى السيروالتررالي(1552-1618م) في كتابه (تاريخ العالم)"1603-1616م" أنه في عصر إبراهيم:"كانت في مصر كثير من المدن الفخمة …ليست مبنية من الطوب وإنما من الأحجار المقطوعة …وتستدعي فخامتها آباء أقدم مما يفترض الآخرون" ..كما يلاحظ فولتير نفس ما لاحظه والتر رالي حين يقف عند قصة الهدايا التي تلقاها إبراهيم في مصر من الأغنام والثيران والخدم والحمير…الخ بالكتاب المقدس مؤكدا بأن هذا يبين أن مصر في ذلك الحين كانت غنية جدا وقوية ومن ثم كانت حضارة شديدة القدم … وهذه الإشكاليات المتعلقة بتاريخية القصص المقدس لبني إسرائيل عموما تطل برأسها كما هي مع بعض الإختلافات البسيطة حين يستلهم محمد أبطال القصص التوراتي في قرآنه(الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..وهوما يتبارى الإعجازيون القرآنيون في التغني به!!!) ليحدثنا القرآن مثلا عن وزير معاصر لفرعون الخروج المزعوم يدعى "هامان"؟؟!!.و.لترد علينا آثار مصر القديمة بأنه لا يوجد وزير أو حتى أي شخص عرف بهذا الإسم في التاريخ المصري القديم حتى الآن ..ناهيك عن أن التوراة التي يظهر فيها هامان هذا كوزير لا علاقة له بفرعون الخروج(1200ق.م كما يفترض البعض) بل نراه في التوراة بعد ذلك بما يزيد عن سبعة قرون كوزير في البلاط الفارسي(حوالي القرن الخامس ق.م) لملك فارسي تدعوه التوراة بأخشويرش وكان كلاهما(هامان التوراتي و هامان القرآني) وزيراو عدوا للإسرائيليين..إلا ان هامان الفارسي /التوراتي إرتبط عند اليهود بعيد البوريم الشهير أو عيد إستير والذي يحتفلون به في مارس من كل عام حتى اليوم حين تمكنت إستير الإسرائيلية من الزواج بأخشويرش ودبرت مع عمها مردخاي مكيدة قضت بها على الوزير الظالم لقومها هامان وولغت إستير في دم هامان وفريقه بإذن من أخشويرش!!!..ليصبح بهذا هامان القرآني واقعا في مشكلة مركبة باعتباره معضلة تاريخية وخلطا توراتيا في آن واحد!!! … وتستمر اشكالات الشخصيات اللاتاريخية و كذلك خلط القصص التوراتي المرتبط بحدث الخروج في الحضور حين يجري الحديث القرآني عما يدعى بالسامري كشخص معاصر لموسى يصنع لبني إسرائيل عجلا من ذهب كإله بعد النجاة من بطش فرعون ..بدلا من هارون الذي قام بهذا الدور في التوراة أيام موسى فضلا عن كون "السامرة" (والتي ينتسب إليها السامري) عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية(والتي ظهرت في القرن التاسع ق.م) لم تكن قد ظهرت إلى الوجود في زمن موسى(أواخر القرن الثالث عشر ق.م) لكن التوراة في سفر الملوك الأول تحدثنا عن أن أول ملوك السامرة المدعو يربعام بن ناباط(وعلى هذا فهو سامري) والذي يفصله عن موسى ما يقرب من أربعمئة عام وقد صنع للإسرائيليين عجلا من ذهب وقال لهم"هو ذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر "..فمن يكون إذا ذلك السامري القرآني المعاصر لموسى وصانع العجل الذهبي بمعياري التاريخ والتوراة؟؟؟..وحين نصل إلى قارون القرآني الذي كان من قوم موسى ذلك الرجل شديد الثراء الذي ابتلعته الأرض لجحوده بنعمة ربه (والذي لا يعرف التاريخ المصري القديم عنه او عن ثرائه شيئا ..رغم ذيوع صيته كثري نادر المثال بين أهل زمانه!!!!) فإننا نجد التوراة كذلك لاتعرف ذلك القارون الثري بل تعرف رجلا يدعى "قورح بن يصهار "(؟) ابتلعته الأرض هو وزمرته لسبب آخر مختلف تماما وهو قيامه بتدبير تمرد على موسى بعد النجاة من فرعون!!!!..أما فرعون القرآني حين يزعم للناس بأنه لايعلم لهم إلها غيره فهو يضع أي باحث تاريخي مدقق في مأزق لايحسد عليه حين يبحث في التاريخ المصري القديم طولا وعرضا عن ذلك الفرعون الذي لايعرف إلها غير ذاته على الإطلاق ..وبالطبع فهو ليس مرنبتاح( والذي يعني اسمه:حبيب الإله بتاح!!!) ومأزق البحث عن هذا الفرعون الذي لايعلم للناس إلها غيره شبيه تماما بمأزق البحث عن سليمان القرآني صاحب الجيوش الجرارة من الجان التي تأتي له بالأشياء من أقاصي الأرض في طرفة عين وبالطيور التي تنقل له أخبار الأمم المجاورة كما تفعل الأقمار الصناعية(لاسيما الأمريكية والإسرائيلية منها) في زماننا ..ومع ذلك فلقد فوجيء رغم إمكاناته الهائلة تلك بأنه لايعلم(كسابقه الفرعون الذي لايعلم..) بأن الشمس تعبد ويسجد لها من دون الله إلا حينما أخبره الهدهد بعد أن ذهب إلى آخر بلاد الدنيا..على الرغم من أن عبادة الشمس كانت متفشية في بلدان العالم القديم ومنها مصر صاحبة العلاقات السياسية والثقافية بفلسطين وسورية بل وربما جزر البحر المتوسط التي تبعد مئات الأميال عن فلسطين لزمن امتد لألاف السنين قبل وخلال زمن سليمان المفترض و هي أقرب جيران سليمان إليه والتي عبدت الشمس تحت إسم الإله رع على مدار تاريخها كإله رئيس لم تهتز مكانته ..دخل في تركيب أسماء 99.9% من فراعنتها وعليه فإن العلم بأمر هذه العبادة في ظني آنذاك كان من أساسيات ما يعلمه الأطفال بمجرد قدرتهم على الحبو!! ..فضلا عن ذلك اللغز الأكبر المتمثل في إختفاء واقعة غرق فرعون يفترض أنه ينتمي للأسرة 18 أو 19 (مرنبتاح مثلا) أي أنه وبمقاييس زمانه ملك من اعظم ملوك الأرض قاطبة إختفاء هذه الواقعة بحرفيتها الواردة في المقدس من ذاكرة المصريين ووثائق الشعوب المجاورة قاطبة!!!؟..ناهيك عن أن المصريين القدماء(الذين تميزوا بين الأمم القديمة بالذخيرة الوافرة من رسوم وكتابات ملئوا بها جدران المقابر والمعابد عن تفاصيل حياتهم اليومية) قد سقط سهوا من ذاكرتهم فساد شريان حياتهم وسر من أسرار حضارتهم بقلبه دما!!!..وخلاصة القول عندي لمن يتعاملون مع القصص الديني خارج إطار الإيمان الغيبي به في قلوبهم باعتباره تاريخا واقعا فيبتزون التاريخ كعلم لينطق بما ليس فيه لاسيما وإن كان هؤلاء من أهل الإختصاص في التاريخ و الآثار فإنهم بذلك يرتكبون خطأ منهجيا خطيرا بإلباس العلم ما ليس منه فيسيئون بذلك لعلمهم ودينهم معا ويمارسون ولو عن غير قصد تضليلا خبيثا للعوام..كما أن الأمر يدعو للأسف بشدة في حال ما إذا كان علمائنا المتخصصين في الآثار على غير علم بما يستجد من أمور علومهم كتلك الثورة المعرفية الهائلة التي شهدها علم الآثار فيما يتعلق بموقفه من تاريخية القصص التوراتي في العشرين عاما الماضية..و يدعو للرثاء والحسرة إن كانوا يعلمون و تنقصهم الشجاعة الكافية في أن يجهروا بما يبدو الآن أنه الأقرب للصواب حتى ولو كان قاسيا وحساسا فيقولون ما ليس بحق بدلا من الصمت كحل وسط هو أشرف من قول ما لا نؤمن بصحته..ومن ناحية أخرى فمن أراد ان يتحدث مثلا عن اللاتاريخية فيما يخص مثلا ما ادعاه بعض اليهود بأنهم قد بنوا الأهرام المصرية( كما قال بذلك الإرهابي الدموي رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق:مناحم بيجن حين زار مصر في عهد السادات وقالها في حضور السادات نفسه والذي لاذ بالصمت وقتها؟!) فليمد الخط على استقامته وليناقش الأمر بشكل كامل فلا يكتفي ببعضه دون بعض..

أما المفكّر والمترجم واكد العراقيّ فلخّص فصلًا من كتاب (التوراة مكشفة على حقيقتها) أو مكشوفة اللثام، رغم أن ترجمته العربية متاحة، لكن هذا ملائم للاختصار،فاختصره  كالتالي:

هل حدث الخروج حقا؟

هذا هو ملخص الفصل الثاني من كتاب the bible unearthed
وفيه يقوم الباحثان بتحليل واحده من اهم واخطر مراحل تاريخ بني اسرائيل الا هو قصه خروج بني اسرائيل من مصر وذهابهم الى كنعان بعد ان يكونوا قد تحرروا من اسيادهم المصريين على يد البطل القومي لبني اسرائيل موسى،وقصه عبورهم الاسطوريه الى سيناء والتيه الذي عاشه بني اسرائيل لمده اربعين عاما في صحراء سيناء عقابا وفاقا لما اقترفته ايديهم من ترك لعباده الرب يهوه والعوده الى عباده العجل . والسؤال الكبير الذي لابد من طرحه بدايه هل ان هذا السرد القصصي وهذه الاحداث، تاريخ فعلي قد حصل ؟وهل يستطيع علم الاثار مساعدتنا في تحيد مسارات هذا التاريخ ان صح ذلك؟ وهل هناك فعلا شخص اسمه موسى ارسله يهوه لينقذ شعبه المختار ؟
لقد مر اكثر من مائتي عام على بدأ الحفريات الاثاريه والدراسات التفصيليه لتاريخ مصر وقدمت لنا اثار مصر الغنيه بالمعلومات الموثقه لوحه تفصيليه عن حياه الملوك وسيرهم وسلالاتهم،واخبار غزواتهم ومعاركهم . بل ان ماقدمته لنا دراسه تاريخ مصر من تفاصيل غنيه لخلفيه الحياه اليوميه في مصر يفوق بكثير ماتم نقله لنا من خلفيه حياه اباء بني اسرائيل في التوراه .

اسرائيل في مصر

ان قصه الخروج تصف لنا حدثين مفصليين من تاريخ بني اسرائيل وهذان الحدثان من الاهميه بمكان بحيث انهما يحددان مابعدهما من مراحل تاريخ بني اسرائيل .ففي المقام الاول قصه ابناء يعقوب الاثنى عشر وعوائلهم وحياتهم في المنفى في مصر والذين تحولوا الى امه كبيره كما تدعي التوراه .وفي المقام الثاني قصه تحول هذه الامه وتحررها واتباعها لقوانين دعيت بالمقدسه او الالهيه مما ميزها عن باقي الامم .
لذا فان رساله التوراه تسلط الضوء على القوه الكامنه في وحده بني اسرائيل عندما يبدأ هذا الشعب بسلك طريق الحريه ليتحول الى شعب ومملكه من اغنى ممالك الارض هكذا تهيأنا التوراه لتقبل مصير بني اسرائيل المستقبلي المتميز . وقد اعد المسرح لهذا الظهور الدراماتيكي القوي عندما اسدل الستار في الفصل الاخير من سفر التكوين على الحياه الامنه لبني اسرائيل في ظل وحمايه اخاهم يوسف الذي كان قد اصبح من قاده مصر المتميزين .
فبعد موت اباهم يعقوب تم دفنه في هيبرون الخليل مع ابائه واجداده ابراهيم واسحاق وساره، وعاش بني اسرائيل المتحدرين من الاسباط الاثنى عشر لمده اربعمائه وثلاثون عاما في مصر وخلال هذه الفتره تحول بنو اسرائيل الى امه عظيمه كما وعدهم يهوه،وقد عرفهم المصريون القدماء بالعبرانين .ولكن حظوظهم تغيرت عندما اعتلى عرش مصر فرعون جديد ظن الظنون ببني اسرائيل واتهمهم بالتامر ضد مصر وقرر ابعادهم الى مراكز اعتقال ومخيمات عمل بالسخره حيث اجبروا على العمل ببناء المدن الملكيه مثل بيتهوم
pithom ورمسيس raamses ولكنهم ورغم هذا الاضطهاد استمروا بالتكاثر -- خروج 1:12 -- وخوفا من ازدياد عددهم الى مالانهايه قرر الفرعون اغراق جميع اطفال بني اسرائيل ولكن طفلا من بيت ليفي وضع في سله وانتشلته احدى بنات الفرعون وربي في البلاط الفرعوني وسمي موسى والاسم مشتق من الجذر العبري ويعني المنتشل من الماء،وبعد سنوات حيث نما موسى وترعرع الى رجل قوي وناضج قتل احد مراقبي عمل السخره حيث شاهد العذاب الذي كان يسلطه هذا المراقب على احد اليهود، وخوفا مما اقترفت يداه هرب موسى الى ارض مدين في الصحراء وهناك واثناء تجواله مع قطعانه في البريه كلمه يهوه قرب جبل الرب --هوريب -- من خلال نار مشتعله في اعشاب لم تنطفأ رغم ان الاعشاب كانت قد استهلكت وامره ان يعود الى مصر ويطلب من الفرعون اطلاق سراح بني اسرائيل -- خروج 7:16 --، ورغم كل مافعله موسى ورغم كل الاشارات والعلامات من ضفادع وذباب وطاعون لم يقبل الفرعون اطلاق بني اسرائيل ولكن بعد ان وجه يهوه ضربته القاضيه بقتل كل مولود بكر من الناس والماشيه بما فيهم ابن الفرعون نفسه رضخ الفرعون ووافق على ان يغادر بني اسرائيل مصر مع ماشيتهم واملاكهم، وهكذا تحرك هذا الجمع من بني اسرائيل والذي بلغ عدده 600 الف من الرجال عداهم من النساء والاطفال متجهين الى سيناء،ولكن الفرعون ندم على قراره هذا وامر بتجهيز ستمائه عريه مسلحه لمطاردتهم ولكن بني اسرائيل نجحوا بعبور البحر الاحمر الذي انشق سامحا لهم بالعبور مبتلعا جيش فرعون --خروج 15:1-18 -- . وتوجه الاسرائيليون بقياده موسى الى جبل الرب حيث كان اول لقاء بين مويى ويهوه وصعد موسى الى قمه الجبل لتلقي واستلام الوصايا العشر،وعند عودته وجد موسى ان قومه قد عادوا عباده العجل لذا وفي لحظه غضب حطم موسى اول مجموعه من الالواح والتي كتب عليها العهد المقدس،ولكن يهوه وجه رسالته الى بني اسرائيل من خلال موسى وانزل عليهم مجموعه من التشريعات حفظت كلها في ما يدعى صندوق أو تابوت العهد المقدس -ark of the covenant - والذي ظل فيما بعد مصاحبا لبني اسرائيل في كل معاركهم وغزواتهم وطوال فتره تجوالهم في صحراء سيناء , بعد ان اقاموا معسكرهم في فاران ارسل موسى الجواسيس لجمع المعلومات عن الكنعانين --أعداد13-- ولكن الجواسيس عادوا بمعلومات مخيفه عن اعداد الكنعانين وحصانه مدنهم واسوارهم العاليه وهنا جبن الاسرايليون وطلبوا من موسى اعادتهم الى مصر حيث يكونوا في مامن من هؤلاء الاعداء المرعبين، عندما شاهد يهوه ذلك قرر معاقبه هذا الجيل من بني اسرائيل وتركهم في التيه لمده اربعين عاما حيث اضطروا الى التجوال في طريق طويل قادهم من قادش الى عربه،خلال اراضي ادوم ومؤاب الى الشرق من الحر الميت ويسدل الستار في سفر الخروج على بني اسرائيل وهم في ارض مؤاب شرق الاردن على مرمى حجر من ارض الميعاد وهنا يكمل لهم موسى الذي اصبح طاعنا في السن --120 عاما --،قوانين الرب والي ستدرج في سفر التثنيه او القانون الثاني والذي يوضح التشريعات الواجب اتباعها من قبل بني اسرائيل للحفاظ على على علاقتهم مع يهوه والذي تعهد لهم بانقاذهم من كل الاخطار ان هم اتبعوا تعليماته وابلغهم لانه يجب ان يعبد في مكان واحد سيمون من اختياره هو --تثنيه 2:26 -- وبعد ان بعين موسى يوشع بن نون ليقود بني اسرائيل في مغامرتهم التاليه يصعد موسى الى قمه جبل نيبو حيث يموت هناك .
صعود وسقوط الهكسوس

ان اهم المصادر والتي تكلمت عن نجاحات سجلها المها جرين من كنعان هو ماكتبه المؤرخ المصري
MANETHO مانيتو في حوالي القرن الثالث ٌ ق.ع.ح. B.C.E والذي سجل نجا حات متميزه لمهاجرين ولكن من وجهه نظر وطنيه مصريه كانت هذه النجاحات تعتبر كارثه وطنيه، بانيا تسجيله للتاريخ معتمدا على ماسماه كتب مقدسه وقصص شعبيه واساطير سجل مانيتو الغزو الوحشي من قبل احانب قادمين من الشرق وسماهم الهكسوس هذا الاسم الغامض الذي ترجم من الاغريقيه القديمه ويمكن ان يترجم الملوك الرعاه ولكنه في الحقيه يعني الحكام الاجانب .ويذكر مانيتو ان الهكسوس اسسو لانفسهم في شرق الدلتا مدينه سميت أفاريس . وكونوا لنفسهم سلاله حكمت مصر بالحديد والنار لمده تقارب الخمسمائه عام .
في بدايات البحث الاثاري تصور الباحثون ان فتره حكم الهكسوس عاصرت فتره حكام السلاله الخامسه عشر والتي حكمت مابين 1670-1570
BCE، حيث قبل الباحثون الاوائل حرفيا ماجاء بكتابات مانيتو لذا فقد بحثوا عن ادله على حدوث غزو من قبل اقوام ذو اصول اجنبيه قامت بغزو واحتلال مصر . الا أن الدراسات الاثاريه الحديثه اثبتت ان الاختام والكتابات والتي تحمل اسماء ملوك الهكسوس،هذه الاسماء كانت ذات اصول غرب ساميه وبكلمه اخرى كنعانيه . وأثبتت الحفريات الاثاريه الاخيره في منطقه شرق الدلتا صحه هذا الاستنتاج وبينت ان مازعم عن غزو من قبل الكسوس لم تكن الا عمليه استيطان وهجره تدريجيه ولم تكن عمليه غزو عسكريه صاعقه .

كان من اهم عمليات التنقيب تلك التي اجراها مانفريد باتيك من جامعه فينا في موقع يدعى تل الدبه شرق دلتا نهر النيل تم التعرف عليه على انه مدينه افاريس عاصمه الهكسوس، وأثبتت الحفريات هناك وجود تأثير تدريجي ومتزايد للكنعانين في هذه المنطقه وذلك بعد تحديد طراز الفخاريات،ونظم العماره والمقابر وحددت الفتره بحوالي 1800
B.C.e .في الوقت الوقت الذي كانت تحكم به السلاله الخامسه عشر في مصر كانت الثقافه الغالبه على هذه المدينه كنعانيا خالصا . ان اللقى التي وجدت في تل الدبه كانت اثباتا على تطور تدريجي وبطيء للتواجد الكنعاني واستلام سلمي للسلطه .
ان ماكتبه وسجله مانيتو بعد 1500 عام من هذه الاحداث واصفا غزوا صاعق وسيطره دمويه بدلا من عمليه استيطان تدريجيه، يمكن فهمه على ضوء خلفيه الاحداث التي كانت جاريه في ايامه،حيث بقيت ذكرى و مراره غزو مصر من قبل الاشوريين والبابليون والفرس في القرن السابع والسادس
B.C.Eعالقه بألم في ضمير المصريين .
هناك تشا به ولو بحدود بسيطه وبخطوط عامه بين ملحمه غزو الهكسوس والسرد التوراتي وحيث تربط قصص التوراه بين مادعته بخروج اليهود من مصر قد يكون اسقاطا لما قام به احد الفراعنه الابطال من وضع حد لتواجد الهكسوس في مصر حيث يصف مانيتو ماقام به هذا الفرعون الذي طارد الهكسوس الى حدود سوريا بعد ان قتل المئات منهم ويذكر مانيتو ان الهكسوس او بقاياهم قاموا ببناء معبد لهم في منطقه سالم اي اورشليم الحاليه.
ومن المصادر الاكثر مصداقيه مصدر مصري من القرن السادس عشر
B.C.E والذي يذكر فيه كيف ان الفرعون احموس من السلاله الثامنه قام بغزو افاريس عاصمه الهكسوس وطاردهم الى جنوب كنعان قرب غزه والتي تم استباحتها وتدميرها بعد حصار طويل . وفي الحقيه فاننا قد شاهدنا من حفريات تل الدبه ان هذه المدينه قد هجرت في حوالي القرن السادس عشر قبل الميلاد B.C.E
وبشكل مفاجيء مما يؤشر الى حدوث انحسار في التاثير الكنعاني هناك .ولكن يجب هنا الاجابه على سؤالين الا وهما من هم هؤلاء المهاجري الساميين ؟ وهل تتطابق تواريخ اقامتهم في مصر مع السرد التوراتي ؟

تناقض في التواريخ والملوك

تم طرد الهكسوس حوالي العام 1570
B.C.E. وذلك استنادا الى المصادر المصريه التي وصلتنا وكذلك ماتم اثباته من ادله الحفريات الاثاريه .بنما يخبرنا السرد التوراتي ان مايدعى هيكل سليمان قد بدأ العمل في بناؤه في العام الرابع من حكم سليمان اي بعد اكثر من 480 عاما من الخروج .وبمقارنه اسماء ملوك اسرائيل مع قوائم ملوك اسرائيل وفقا للمصادر الاشوريه والفرعونيه يكون عام 1440 B.C.E هو عام الخروج المفترض وهذا اكثر من مائه عام بعد تاريخ طرد الهكسوس والذي حدث في عام 1570B.C.E وهذا انحراف واضح وتناقض بين السرد التوراتي والاحداث التي جرت على الارض فعلا . ولكن هناك من التعقيدات ان لم نقل من المتناقضات اكثر من ذلك، فالتوراه تتكلم وبدقه واسهاب عن اعمال السخره في مشاريع الفراعنه والتي من المفترض ان يكون قد تعرض لها بني اسرائيل ومن اهم هذه الاعمال بناء مدينه رمسيس خروج 1:11 ولكن ان يكون مثل هذا الاسم اي رمسيس واردا في القرن الخامس عشر B.C.E فهذا بعيد الاحتمال حيث ان اول فرعون وسمي رمسيس كان قد اعتلى العرش في عام 1320 اي بعد اكثر من 100 عام مما ورد في القصص التوراتيه .
ونتيجه لهذا التناقض حاول الكثير من الباحثين استبعاد القيمه الحرفيه للتواريخ الوارده في التوراه ولكن ذكر التوراه لرمسيس تفصيل لايمكن التجاوز عنه لذا فقد اعتبر اغلب الباحثين ان الخروج من مصر يجب ان يكون قد حدث في القرن الثالث عشر
B.C.E، ويرد في المصادر المصريه ذكر لبناء مدينه تدعى ph-ramesses اي بيت رمسيس من قبل الفرعون رمسيس الثاني والذي نعلم انه قد حكم مابين 1279-1213 B.C.E، وان من العمال من قد يكون من اصول ساميه .
ولكن الاهم من ذلك ان اسم اسرائيل لم يكمن قد ورد ذكره الا في عهد الفرعون ميرنبتاح وهو ابن رمسيس الثاني وذلك في مسله يصف بها الفرعون ميرنبتاح حمله قام بها لتأديب بعض الاقوام المتمرده في كنعان ومن هؤلاء قوم يدعون اسرائيل وكان هذا في القرن الثالث عشر
B.C.E ويذكر الفرعون كيف انه قد محا كل اثر يذكر لبني اسرائيل، ان ماجاء في هذه المسله يعتبر اول ذكر لبني اسرائيل من مصدر خارج التوراه .وهذا يعني ان الخروج من مصر اذا كان قد حصل فلابد ان يكون قد حصل في عصر الفرعون ميربنتاح .
وهذا يدفعنا الى طرح بعض التساؤلات الهامه فمن هم هؤلاء الساميين في مصر ؟ وهل يمكن اعتبار هذه الاقوام اسرائيليه ؟علما ان اي ذكر لبني اسرائيل لم يكن قد ورد في وثائق المرحله التي تخص الكسوس، كما لم يرد اي ذكر لاسرائيل في ايه مصادر مصريه ولا في الارشيف الذي تم الكشف عنه في حفريات تل العمارنه حيث تم اكتشاف اكثر من 400 رساله تصف الحياه الاجتماعيه، اليساسيه والاقتصاديه والبشريه في كنعان خلال تلك الفتره وبذا نستطيع ان نقول ان بني اسرائيل لم يكونوا سوى مجموعه بشريه صغيره ظهرت من خلال التطور التدريجي والانقسامات للمجموعات البشريه في كنعان حوالي نهايه القرن الثالث عشر
B.C.E

هل كان الخروج ممكنا في زمن رمسيس الثاني

مما تقدم ان حل مشكله خروج بني اسرائيل ليس بالسهل خصوصا اذا اخذنا بنظر الاعتبار عدم تطابق تواريخ واسماء الملوك، ان طرد الهكسوس من مصر والذي حدث عام 1570
B.C.E. في الوقت الذي بدا به المصريون بالرفض لحدوث المزيد من الاختراقات والاعتداءت على بلدهم من قبل الغزاه الاجانب وكان للتجربه اليمه والمريره لفتره غزو الهكسوس لمصر انعكاساتها على الارض والتي يمكن ان نجدها في المواقع الاثريه، فبعد طرد الهكسوس من مصر قام المصريون بتشديد سيطرتهم على تدفق المهاجرين من كنعان الى دلتا نهر النيل،وقام المصريون ببناء منظومه من القلاع المحصنه على احدود الشرقيه وجهزت هذه القلاع بكافه التجهيزات العسكريه وتحميها كتائب من الجيش وفي احد صحائف البردي والتي تم العثور عليها والتي تعود الى اواخر القرن الثالث عشر B.C.E. يصف احد قاده هذه القلاع كيف كان يتم التدقيق في كل من يريد الدخول الى مصر او الخروج منها وتصف هذه الوثيقه عمليه دخول احدى القبائل البدويه ومكان الدخول وعدد القطعان التي سمح لها بالدخول . وتذكر هذه الوثيقه اسمين لموقعين قد يكونا قد ذكرا في السرد التوراتي وهاذين الموقعين هما succoth والذي ذكر في سفر الخروج 12:37 واعداد 33:5 وقد يكون مرادفا لاسم الموقع بالمصريه القديمه Tjkw والذي يظهر في سجلات السلاله التاسعه عشر من ملوك مصر وهي سلاله رمسيس الثاني والموقع الثاني هو pithom خروج 1:11 وقد يكون المرادف العبري للاسم المصري pr-itm ويعني بيت الاله اتوم . يظهر هذا الاسم وللمره الاولى في زمن المملكه الجديده في مصر وفي الحقيه فأن اسمين لموقعين اخرين قد تم ايضا ذكرهما في السرد التوراتي وهما pi-ramesses وهي المدينه التي بنيت في زمن رمسيس الثاني والمدينه الاخرى هي migdol والتي ورد ذكرها في خروج 14:2 وهي اسم لموقع قلعه على الحدود الشرقيه في شمال سيناء .

مما تقدم ذكره نرى ان الحدود الشرقيه لمصر كانت محميه بشكل دقيق ومسيطر عليه لذا فأنه من الصعب ان نتوقع ان يكون قد سمح لهذه الاعداد الهائله من اليهود والذي قد بلغ عددهم ستمائه الف شخص بالخروج من مصر رغما عن اراده الفرعون وحتى لو فرضنا ان يكون قد سمح لهم بالعبور فلابد من وجود اشاره ما الى مثل هذا الحدث الضخم، ولننا لم نجد ايه اشاره من قريب او من بعيد الى واقعه عبور اي اسرائيلي من احد هذه المعابر المحصنه، علما اننا وجدنا ان قاده هذه الحصون قد قاموا بتسجيل حركه اقوام اقل اهميه او عددا من البدويين او الادوميين . كما ان مسله ميربنتاح والتي اشرنا لها يابقا تذكر اسرائيل كمجموعه بشريه تسكن كنعان اصلا،ولكننا لم نجد ايه اشاره ولو بكلمه واحده عن اي وجود لاسرائيل في مصر قبل ذلك لا في الكتابات الجداريه على ابنيه المعابد او الهياكل الضخمه التي تركها لنا المصريون القدماء ولا في قبر او حتى في الواح البردي . وبكل بساطه فأن اسرائيل كانت غائبه تماما لا كحليف يرتجى ولاكعدو يحسب له حساب ولا حتى كأمه مستعبده .ولم نجد ايه اثار في مصر نستطيع ان ننسبها لاقوام ذوي اثنيات غير مصريه كما تزعم التوراه بأن بني اسرائيل كانوا قد شكلوا امه كبيره وتواجد متميز في مصر .
وفوق ذلك كله فأن اي هروب من مصر حتى لمجموعه محدوده من الشر سبه مستحيله في زمن حكم رمسيس الثاني ففي هذه الفتره كانت مصر هي القوه الاعظم في العالم القديم وكانت تسيطر بيد من حديد على كل مجريات الحياه الاقتصاديه والسياسيه في كنعان وقد عثر الاثاريون على الكثير من القلاع والمحميات التي كانت تدار من قبل مصر مباشره في كنعان . وفي مراسلات تل العمارنه والتي يعود تأريخها الى 100 عام قبل هذه الفتره ان قوه قوامها 50 جنديا مصريا كانت كافيه لقمع تمرد في كنعان . وفي فتره المملكه الجديده وجدنا ان الجيش المصري كان قد وصل الى غرب الفرات في سوريا .لذا فان الطريق الرئيسي والذي كان ممرا للقبائل والمسافرين والتجاره من مصر الى كنعان وبالعكس مارا بمدينه غزه كان الطريق الاكثر حراسه وذلك لاهميته بالنسبه الى مصر الفرعونيه وتعزز ذلك بأكتشاف الاثاريين لهذه الشبكه المعقده من القلاع والحصون ومخازن الغلال وسمي هذا الطريق بطريق حورس .
لذا فان فكره محاوله قطع هذا الطريق من قبل هذا الكم الهائل من --وفقا للتوراه -- العبيد الاسرائيين وصولا الى كنعان بوجود هذا من التحصينات العسكريه الفرعونيه يبدو انه ضرب من الخيال العلمي . لذا فان الطريق الوحيد والذي كان يمكن للاسرائيليون سلوكه هو جنوب سيناء ولكننا سنرى ان امكانيه تواجد مثل هذه الاعداد الكبيره في هذه الصحراء ضرب من المستحيل ايضا ولاتدعمه ايه ادله اريكولوجيه .

أشباح متجولون

وفقا للتوراه فأن بني اسرائيل بعد عبورهم الاسطوري اقاموا فتره تقارب الاربعين عاما في منطقه جبل سيناء، واذا تذكرنا ان عدد بني اسرائيل والذين خرجوا من مصر يقارب الستمائه الف فأن النص التوراتي لا بفسر لنا كيف استطاعت هذه المجموعه البشريه الهائله العيش ولمده اربعين عاما في هذه الصحراء بظروف حياتيه اقل مايقال عنها صعبه بل وصعبه جدا، ان هذه المجموعه البشريه لم تتمكن من تحمل تحديات الصحراء بل وانها استطاعت فيما بعد دخول كنعان وطرد الكنعانيون واحتلال كنعان بقوه السلاح .
ان مجموعه بشريه بهذا الحجم لابد وان تكون قد تركت اثرا ما حيث كانت تعيش ولكن الاثاريون لم يعثروا على ايه مخيمات او مناطق تكون قد سكنت من قبل هذه الاعداد البشريه لافي زمن دمسيس الثاني ولا في زمن الفراعنه الذين حكموا قبله او بعده ولم يكن ذلك بسبب عدم توفر البعثات الاثاريه او عدم وجود الرغبه او ان الجهود التي بذلت كانت قاصره حيث ان العثات الاثاريه المتلاحقه وكافه الجهود المضنيه التي بذلت في سبيل العثور ولو على اثر لاي تجمعات بشريه في منطقه خليج سيناء ودير سانت كاترينا قد فشلت بالعثور على اي ادله وحتى ولو خيط واحد او هيكل لبيت او مقبره .
وقد يزعم البعض انه لايمكن العثور على ايه اثار او بقايا اذا كان ذلك يخص مجموعه بشريه متواضعه العدد ولكن تطور اجهزه المسح الحديثه والتي تستطيع تحديد اثار ايه مجموعات بشريه مهما كانت صغيره الحجم او العدد في اي مكان في العالم لايترك لنا مجالا للاجتهاد وفي الواقع فأن نفس هذه الاجهزه قد استطاعت ان تسجل لنا جميع الفعاليات الاثاريه في منطقه شبه جزيره سيناء والتي كانت تخص فعاليات كانت قد حدثت في الفتره البزنطينيه او اليونانيه .
والواقع وبكل يساطه اننا لم نجد اي دليل على حدوث مازعمت التوراه انه قد حدث من خروج للمصريين او استيطان لاي مجموعه بشريه بمثل هذا الحجم في اي مرحله من مراحل تاريخ هذه المنطقه .
مما تقدم نستطيع ان نجزم وبكل تأكيد ان مايدعى بخروج بني اسرائيل من مصر لم يحدث لا وفقا لما ذكرته التوراه ولا في الازمان التي ذكرت في التوراه .حيث اننا لم نجد كما بينا سلبقا اي اثار تؤيد حدوث هذه الاحداث . ان بعضا من المواقع التي ورد ذكرها في التوراه قد سكنت في مراحل وازمان مختلفه ولكن لسوء حظ اولئك الذين يبحثون عن تأييد لقصه خروج بني اسرائيل من مصر فأن ايا من هذه المواقع وبالذات لم يكن مأهولا في الوقت الذي افترض حصول الخروج فيه .

ان السرد الغامض والباهت لقصه الخروج في التوراه قد وصلت مرحله من الغموض والعموميه الى درجه ان اسم الفرعون الذي كان من المفترض ان يكون قد عاصر الخروج لم يرد في السرد التوراتي .
ان جميع ما تقدم يقودنا الى استنتاج واحد فقط وهي ان قصه الخروج وظهور يهوه الرب الى موسى على جبل سيناء وأعطاؤه الشرائع الخاصه ببني اسرائيل هي اساطير قد حيكت وبمهارة في القرن السابع قبل الميلاد
BCE في زمن الملك يوشيَّا  كان الهدف منها سياسي بالدرجه الاولى وذلك لتوحيد بني اسرائيل للاستفاده من فرصه سقوط الامبراطوريه الاشوريه للتوسع في مناطق اخرى من كنعان تم ربطها بتاريخ بني اسرائيل من خلال افتعال صلات قرابه مفترضه الى اباء مشتركين مثل ابراهيم واسحاق وغيرهم مما كان سيحقق الحلم بتوحيد مملكتي يهودا وبقايا مملكه اسرائيل والعمل على جعلها دوله قويه مزدهره تحت شعار اله واحد ملك واحد وطن واحد .ولكن هذا ماكان ليكون الا بمواجهه مع مصر الفرعونيه بقوتها الهائله وبذا نستطيع ان نرى ان من المواجهه المفترضه مع موسى والفرعون ماهي الاتعبير عن واقع الصراع الحاصل بين مملكه يهودا ومصر الفرعونيه في ذلك الزمان وماهي الا عمليه اعلاميه محضه تهدف الى تحفيز واثاره حماس بني اسرائيل وتهيئتهم لمواجهه محتمله مع العملاق الفرعوني .
انها اسطوره كأي اسطوره استخدمتها شعوب العالم المختلفه في مراحل مختلفه من تاريخها .
إذا عجز علم الاثار عن ايجاد ما يثبت حقيقة الخروج وحقيقة وجود موسى في مصر، بالرغم من ذكره ما لا يقل عن 700 مرة في القرآن، فأن ذلك يدل على إما ان قصة موسى مختلقة برمتها من الاساطير اليهودية، او انها حدثت في مكان اخر غير مصر، او انها قصة صغيرة جرت في مقاطعة صغيرة غير مهمة، لم يعرها المصريين اي اهتمام، في حين كبرها الكهنوت اليهودي لجعلها مثالا، بالرغم من عدم القدرة على اثبات حقيقتها التاريخية، لتبقى أسطورة دينية.

وهذه مقالة للأستاذ وأحد معلِّميَ في بدايات طريقي إلى الاستنارة والفهم: الغريب المنسيّ:

 

التلفيق الإعجازي و إسلام "بوكاي" بمومياء فرعون

 

بتاريخ الأربعاء 27/8/2003 أرسل العضو المحترم T_KHA قصة موجودة بمقال يحمل عنوان"مومياء فرعون"(يرجى الرجوع إليه بفهرس المنتدى تحت بند الأديان) عن إسلام جراح فرنسي يدعى موريس بوكاي كان كبيرا للجراحين الذين فحصوا مومياء فرعون(؟؟؟) بعد سفرها للترميم بفرنسا عام 1981 م في عهد الرئيس ميتران وذلك بعد أن تبين لبوكاي أن مومياء (فرعون؟؟!!) والتي كانت أكثر سلامة من غيرها قد علقت بها بقايا ملح تشير لموته غرقا وهوما يتفق مع الآية القرآنية عن نجاة فرعون ببدنه ليكون لمن خلفه آية بما يؤكد على الإعجاز العلمي للقرآن باعتباره كلام الله المنزل على نبيه ورسوله محمد!! وقد تباينت ردود الأفعال للأعضاء المحترمين الذين تابعوا هذه القصة بالمنتدى فاتهم العضو" الحكيم الرائي"


بوكاي يقول بذلك بعد أن اشترته المؤسسات الدينية الوهابية مقابل ملايين الدولارات ليطالبه العضو"أنيس الروح" بإلحاح على أن يثبت له صحة خراب ذمة بوكاي كما يزعم بينما نعى العضو "جهاد" على "الحكيم الرائي " لاعقلانيته وظل "الحكيم الرائي " متمسكا برأيه رغم ذلك ليتدخل العضو "سبعاوي" المتحمس للقصة مهاجما المتشككين في قصة بوكاي المزعومة زاعما عدم قدرتهم على الرد حيث لايوجد دليل على كذب بوكاي إلى الآن بنظره ليؤكد لنا العضو "ليث" بأن القصة مجرد مثال للإستمناء الفكري عند الإسلاميين بينما أبدى الأعضاء "حيران" و "القبطان و
Chajjam تساؤلات حائرة (بغرض الإستعلام) عن مدى مصداقية الأقوال المنسوبة لبوكاي وعن صاحب المومياء التي نقلت لفرنسا ؟ وبعد أن يسخر العضو "حيران" من بعض مما ورد بالقصة يشير إلى أن صاحب المومياء إما أن يكون "رمسيس الثاني " أو"مرنبتاح" كما يشير على إستحياء لأهم شيء (بنظري) ورد في مداخلات جميع الأعضاء المحترمين ألا وهو أن هذه المومياء لرمسيس الثاني وأنها قد نقلت في عهد فاليري جيسكار ديستان إلى فرنسا..
وما عرضته هنا كان جانبا من مداخلات بعض الأعضاء المحترمين والتي بدا منها بشكل عام عدم معرفتهم بالقصة الحقيقية التي إستندت عليها القصة الملفقة المزعومة عن موريس بوكاي والتي تعد بحق مثالا قبيحا للتدليس الرخيص لإثبات وهم الإعجاز العلمي للقرآن المحمدي فكان لزاما علي أمام تساؤلات الأعضاء المحترمين المثارة بمداخلاتهم حول قصة بوكاي الملفقة و كذلك من منطلق التصدي ليس فقط لفكرة الوهم الإعجازي في القرآن بل التصدي كذلك لكذب صريح لحاملي هذا الوهم والمدافعين عنه(كما ورد بقصتهم المزعومة عن بوكاي وفرعون) بما يكشف عن مدى التردي اللاأخلاقي الذي وقعوا فيه حين يلجأون للكذب للدفاع عن دين ينهاهم عن الكذب !! وبما يدل على مدى التهافت الإعجازي الذي يحتمي بالكذب!!!؟ كان لزاما علي إذا إنطلاقا من كل هذا أن أورد للجميع القصة الحقيقية والتي تمثل أصل هذه القصة الملفقة:
بداية فإن الدكتور "موريس بوكاي" هو طبيب أمراض باطنية (ليس كبيرا للجراحين كما زعمت القصة)يهودي ومستشرق فرنسي من أصل مغربي وكلمة بوكاي أو بوكايا الداخلة في إسمه هي نطق فرنسي لإسم قبيلته أو عائلته "بوخية" وهوإسم مركب من كلمتين مثل "بورقيبة".."بومدين"..الخ
وكان "بوكاي" لامعا في مجاله كطبيب باطني في سبعينيات القرن العشرين وكانت له علاقات واسعة بشخصيات مرموقة في العالمين العربي والإسلامي ومنهم الرئيس المصري الراحل "م.أ.السادات" حيث كان بوكاي طبيبا معالجا لعديل "السادات" آنذاك والمدعو"محمود أبو وافية"وكان بوكاي الذي كان يتردد بكثرة على مصر آنذاك على صلة بكثير من الشخصيات المهمة في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر وكانت له إهتمامات خاصة بفحص ودراسة المومياوات الفرعونية الملكية لاسيما مومياتي الفرعون" رمسيس الثاني" وولده الفرعون "مرنبتاح" فكان دائم التردد على المتحف المصري بالقاهرة حيث غرفة المومياوات الملكية التي تضم المومياتين وكانت هناك توصيات من كبار المسئولين في مصر ومن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالإحتفاء به وتسهيل مهامه البحثية..أما الكتاب الذي ألفه بوكاي بعنوان "القرآن والتوراة والإنجيل والعلم" فلقد إنقسم إلى موضوعين: الأول: تناول فيه حقائق العلم في القرن العشرين وما تعالجه القصص المقدسة بالأديان الإيلية/الإبراهيمية(يهودية_مسيحية_إسلام) كخلق العالم وتاريخ ظهور الإنسان..الخ أما الموضوع الثاني فلقد قدم فيه دراسة مقارنة بين روايتي القرآن والتوراة عن قصة فرعون الخروج مشيرا إلى إتفاق الروايتين في الخطوط العريضة لهما ومبينا لأوجه الخلاف بينهما كذلك مشيرا إلى ماتحدث به القرآن منفردا عن نجاة فرعون ببدنه بالرغم من عدم علم محمد آنذاك بان جثث الفراعنة مدفونة بوادي الملوك وهي التي لم تكتشف إلا بداية من نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ..منتهيا في نهاية كتابه على الرغم من ملاحظته الأخيرة تلك عن آية نجاة فرعون ببدنه في القرآن إلى الأخذ برأي التوراة في وجود فرعونين لقصة موسى(فرعون اضطهد بني إسرائيل ومات أثناء وجود موسى في مدين وفرعون ثان طارد موسى وبني إسرائيل أثناء خروجهم من مصر) لافرعون واحد كما تحدث بذلك القرآن ( وبالتالي فبوكاي كيهودي كان مؤمنا بالتوراة لا القرآن بعكس ما تحدثنا القصة الملفقة عنه ولم يكن كتابه إذا عن إعجاز القرآن وحده كما توهمنا بذلك تلك القصة !!!) وفي زعم بوكاي أن التوراة قد حددت بالإسم الفرعون الذي اضطهد اليهود وهو"رمسيس" ويعد ذلك مذهلا للعقل بحسب "بوكاي"(فالإعجاز إذا ليس قرآنيا فقط عند بوكاي!!!) وعليه ينتهي بوكاي إلى القول بوجود فرعونين للخروج أولهما:رمسيس الثاني والذي ولد موسى في عهده والذي سخر بني إسرائيل(بحسب التوراة) في بناء مدينتي فيثوم وبررعمسيس والذي مات أثناء وجود موسى في مدين(لم يقل القرآن بذلك)وثانيهما: مرنبتاح والذي تقع باقي القصة الموسوية المزعومة في عهده والتي تنتهي بحدث الخروج ..
وكان "بوكاي" قد حصل في يوليو1975 على موافقةالسلطات المصرية لدراسة مومياتي "رمسيس الثاني" وولده "مرنبتاح" داخل المتحف المصري بالقاهرة(لم يدرسها بوكاي إذا بفرنسا سنة 1981م في عهد ميتران بحسب القصة الملفقة بل درسها في القاهرة سنة1975م في عهد فاليري جيسكار ديستان ولم تكن مومياء لفرعون واحد كما يفهم من القصة المتأسلمة (والتي لم تخبرنا عن إسمه؟؟؟! ومع ذلك تصفه تلك القصة بأشهر طاغوت في الأرض!!!و ربما لم يذكر صاحب تلك القصة الرديئة الإسم مسايرة للقرآن المحمدي فكان راوي تلك القصة كنبيه محمد يكره فرعون مجهول الإسم لديه؟؟!!أو ربما كان فرعون هذا لديهما "الراوي ونبيه" إسما لشخص؟! ) بل كانتا مومياتين لفرعونين ذائعي الصيت .
وفي هذا السياق يتحدث الدكتور "جمال مختار " رئيس هيئة الآثار المصرية آنذاك عن إتصال تلقاه من "محمود أبو وافية"(عديل الرئيس السادات المشار إليه سابقا) للضغط عليه لتسهيل مهمة "بوكاي" البحثية وعن إتصالات مماثلة تلقاها من "المجلس الأعلى للشئون الإسلامية" للغرض نفسه..وبحسب رواية د.مختار فإن "بوكاي" قد تقدم بطلب لهيئة الآثار المصرية للكشف على مومياء مرنبتاح(في القاهرة طبعا) لرغبته في معرفة ما إذا كان مرنبتاح هو فرعون الخروج …والذي تحدث القرآن عن نجاته ببدنه أم لا؟ وبعد فحص المومياء بالأشعة وتصويرها بالمنظار .. زعم"بوكاي" بأنه قد عثر على آثار تدل على غرق "مرنبتاح" وأن "مرنبتاح " هو فرعون الخروج ويضيف د.مختار بأنه لايثق فيما يقوله بوكاي حيث كان قد قابله كثيرا وتحدث معه طويلا وأدرك أنه ليس موضع ثقة وليس مؤهلا علميا فيما يتحدث عنه وهو يريد الدعاية لنفسه فقط!!(هذا هو حجم بوكاي كبير الجراحين وصاحب إحدى الفتوحات الظافرة في الإعجاز القرآني العظيم ..مكتشف الفرعون القرآني الناجي ببدنه في فرنسا!!) فبوكاي إذا كان مجرد رجل غير متخصص يهم السادات أمره فاضطر د.جمال مختار إلى التعاون معه على مضض فيذكر د.جمال مختار أن فحص المومياء قد قام به أساتذة وأطباء مصريون بالأشعة والمنظار (بناءا على طلب بوكاي الذي لم يلمس المومياء وهو الطلب الوحيد لبوكاي الذي تمت الموافقة عليه ضمن عدة طلبات أخرى له تم رفضها!!)حيث رفض د.جمال مختار ورجاله أن يأخذ بوكاي عينة من جسم المومياء أو من الكتان الملفوفة به ورفضوا تحريكها له من مكانها أو حتى أن يلمسها!!( ومن هنا نرى كيف كان بوكاي كبير الجراحين يمارس عمله بصلاحيات واسعة كرئيس لفريق البحث الفرنسي) كما رفضوا أن يقلبوا له المومياء على ظهرها بحجة أنه كان يظن في وجود ضربة على ظهر المومياء وأنهاكانت قبل الغرق ..والواقع إن نتيجة الكشف السابق الذي طلبه بوكاي على مومياء مرنبتاح قد لفتت أنظار د.جمال مختار ومعاونيه إلى الحالة السيئة التي كانت عليها المومياء وهوما دفع الدكتور مختار إلى الكشف على مومياء "رمسيس الثاني" في حضور كثيرين من بينهم"بوكاي" ليطمئن عليها فوجد المومياء بحالة أقل سوءا من حالة مومياء مرنبتاح..ولنتوقف مؤقتا عن الحديث عن (كبير الجراحين!!) بوكاي لنعود إليه بعد قليل في حينه.
إذ أننا وفي العام نفسه عام 1975 (تحديدا في 11/12/1975م) أي بعد ما يقرب من خمسة أشهر من أبحاث بوكاي بالمتحف المصري يأتي الرئيس الفرنسي آنذاك(فاليري جيسكار ديستان ) في أول زيارة له إلى مصر بل وأول زيارة لهذا الرئيس لدولة من دول المنطقة وكان ترحيب السادات بضيفه كبيرامتمثلا في الحفاوة التي قوبل بها الرئيس الفرنسي وفي الصخب الإعلامي المرحب بسيادته ضيفا عزيزا على مصر (حيث وضع التلفاز الملون حديث العهد في مصر بالميادين لينقل وقائع إستقبال الرئيس الفرنسي!) ومنح سيادته الدكتوراة الفخرية في الإقتصاد من جامعة القاهرة وثوب الجامعة ودرعها تقديرا لجهوده في إقرار السلام وكانت مصر آنذاك قد خرجت لتوها من حرب أكتوبر 1973م وتتطلع لمعاونة فرنسا في تعمير القناة والصناعات العسكرية وتجديد الأسطول البحري..الخ ولقد نجح الرئيس الفرنسي في إستثمار هذا الظرف ليطلب من السادات نقل مومياء الفرعون "رمسيس الثاني" من مصرلتكون ضمن معرض مسرحي خاص بباريس حيث ستعرض بصورة مبهرة هناك(تحدث ديستان عن الأضواء المبهرة التي ستسقط على وجه رمسيس بشكل يجعله كالمبتسم..الخ) مما ينتظر معه رواجا سياحيا كبيرا لمصر وقد قبل السادات وقتها هذه الفكرة بشكل مبدأي تاركا للأثريين والفنيين من مصر وفرنسا مناقشة التفاصيل وكيفية التنفيذ..وكان وزيرا الثقافة المصري والفرنسي قد اتفقا على تكليف عالمة المصريات المرموقة الفرنسية"كريستيان ديروش نوبلكور"باقامة معرض لرمسيس الثاني في باريس يحتوي على 52 قطعة من آثار هذا الملك فرأت "نوبلكور" ان تضم مومياء رمسيس الثاني إليه فسعت لدى رجال هيئة الاثار المصرية لتقنعهم بأهمية عرض مومياء رمسيس الثاني ضمن هذا المعرض إلا أن محاولاتها باءت بالفشل فرأت أن تلجأ مباشرة للرئيس "ديستان" ليتوسط لدى السادات في هذا الأمر وكان ديستان خلال زيارته للمتحف المصري بالقاهرة قد إصطدم مباشرة برفض د.جمال مختار رئيس هيئة الآثار المصرية لسفر مومياء رمسيس إلى باريس خوفا عليها من المخاطر(كاليهود المتعصبين مثلا) ورفضا لإهانة رمسيس بعرض موميائه عارية في معرض عام هذا الرفض الذي عبر عنه كذلك الأثري "لبيب حبشي" للرئيس "ديستان" أثناء زيارته لآثار الأقصر بإيعاز من د.جمال مختار بشكل استفز "ديستان" وقتها إلا أن كل محاولات منع سفر المومياء قد باءت بالفشل وبدأت الإستعدادات لسفرها إلى باريس إلا أن الرأي العام الخارجي خارج مصر مارس ضغوطا كبيرة على ديستان لاسيما في فرنسا وأمريكا وبريطانيا إستهجانا لفكرة عرض مومياء فرعون عظيم في معرض عام وفضحت الصحف العالمية إستغلال ديستان لحاجة مصر للمساعدات الفرنسية بعد حرب أكتوبر للحصول على هذا الطلب مما جعل "ديستان" يرسل رسالة للسادات يعلن فيها عدوله عن طلبه أبرزتها الصحف العالمية مع صور لرمسيس .
إلا أنه وبعد أسابيع قليلة من تلك المحاولة الفاشلة لنقل مومياء رمسيس الثاني إلى باريس بحجة العرض إرتفعت نداءات إستغاذة من الصحف الفرنسية للعالم كله لإنقاذ مومياء "رمسيس الثاني" من التحلل والفناء بفعل البكتيريا والفطريات المنتشرة فيها ..وكان صاحب النداء الأصلي هذه المرة هو"موريس بوكاي " نفسه والذي كان يعلم أن حالة مومياء رمسيس الثاني رغم سوئها أحسن حالا من مومياء مرنبتاح بحكم ما سمح له به من أبحاث في المتحف المصري؟؟!!
وتقدم الفرنسيون آنذاك في عام 1976 (وليس في نهاية الثمانينيات؟؟)وفقا لذلك بطلب لعلاج رمسيس في باريس ورفضت هيئة الآثار المصرية ذلك وطالبوا بأن يكون هذا في القاهرة إلا أن د.باللو رئيس متحف الإنسان بباريس والذي أعد كمكان لعلاج المومياء برئاسةد. باللونفسه(فمعالجة فرعون؟؟ لم تكن إذا بجناح خاص بمركز الآثار الفرنسي تحت رئاسة كبير الجراحين "بوكاي"!!؟؟) إلا إن باللو قد بين للمصريين عدم توافر الإمكانات لمثل هذه العملية لديهم والمتضمنة لما يقرب من 15_20معمل متخصص فضلا عن ميكروسكوب إليكتروني متطور تولى فحص أول عينة من تراب القمر سيستخدم في فحص الفطريات الموجودة بالمومياء دون أخذ أي شريحة من المومياء نفسها ..و في خلال ذلك كله نجح "بوكاي" في إقناع السادات بضرورة سفر المومياء للعلاج بعد أن عرض عليه صورا لها تؤكد ما وصلت إليها من حالة خطيرة وأن ذلك سيكون بمتابعة مصرية من علماء مصريين متخصصين فوافق السادات ليسافر رمسيس الثاني على متن طائرة من سلاح الجو الفرنسي إلى باريس من القاهرة في يوم26/9/1976حيث كان ضمن مرافقي رمسيس بالطائرة من القاهرة فضلا عن د.باللو السيدة"نوبلكور" المشار إليها سابقا و أختفى تماما أي دور لبوكاي بعد ذلك في علاج رمسيس بباريس (فلم يكن إذا كبيرا لمعالجي مومياء فرعون؟؟ بفرنسا!!) وربما ساهمت نوبلكور بنفوذها الواسع في إقصائه بعد صراع محتمل معه للاستئثار برمسيس؟! المهم أن "بوكاي " لم يكن إطلاقا ضمن الوفد المشرف على علاج رمسيس في متحف الإنسان بباريس والذي بلغ عدد أعضائه 105 شخصا فضلا عن عشرين معهدا متخصصا!!!!!
وحين وصل رمسيس إلى باريس استقبل وفقا لمراسم إستقبال رؤساء الدول وكانت وزيرة التعليم العالي الفرنسية في إستقباله نيابة عن الرئيس "ديستان"(لم يكن الرئيس الفرنسي موجودا إذا لإستقبال رمسيس لا منحنيا كما تزعم القصة المتأسلمة ولا حتى ساجدا!!؟)
ولنتوقف إذا عند بعض النتائج التي جاءت بها ابحاث هؤلاء الفرنسيين المتخصصين في متحف الإنسان بباريس برئاسة د.باللو عن مومياء رمسيس الثاني قبل ترميمها بباريس: فطول المومياء حوالي 173 سم ملامحها بيضاء قريبة الشبه بسكان البحر المتوسط بشعر أشقر حريري الملمس (ربما بفعل الحناء؟) وتشير الأشعة السينية التي فحصت بها المومياء آنذاك إلى سلامة مدهشة لهيكلها العظمي بصفة عامة بخلاف بعض المظاهر المرضية والمتمثلة في وجود بعض التكلس في غضاريف العمود الفقري والجمجمة وأعراض إلتهاب المفاصل الفقارية وتصلب في الشرايين ووجود جيوب في جذور الأسنان تشير لوجود خراريج بها وهوما يعني أن شيخوخة "رمسيس" في العشرين سنة الأخيرة من عمره المديد والذي زاد عن التسعين كانت شيخوخة غير مريحة بسبب الآلام الشديدة التي عانى منها في أسنانه ومفاصله الملتهبة فكان في أواخر عمره يمشي منحنيا متكئا على عصا ولوحظ كذلك وجود شرخ بين الفقرتين السادسة والسابعة العنقيتين رجح أنه بسبب المحنطين أثناء وضع مادة الراتنج في التجويف الجمجمي حيث كان الرأس بالغ الإنحناء للأمام بسبب كبر السن كما لوحظ وجود أجسام غريبة من حبوب الفلفل الأسود بالرقبة والأنف حشرت أثناء التحنيط كما عثر على بقايا لنبات الدخان بمعدة الفرعون فضلا عن العثور على حشرة محنطة تتغذى عليه في بقايا الأحشاء المحنطة للمومياء ..وهوما يشير لإعتياد رمسيس لمضغ هذا النبات آنذاك !!
كما ذكرت التقارير آنذاك أن هناك ما يقرب من تسعين نوعا من الفطريات (بعضها خطرة) قد غزت جسد فرعون (لم تتحدث تلك التقارير إذا عن وجود أية أملاح عالقة بالمومياء تشير لغرق صاحبها !!).. والغريب أن بقايا الملح التي يحدثنا عنها كاتب القصة المتأسلمة الملفقة والعالقة بمومياء فرعونه الطاغوت (والذي سافر إلى فرنسا بحسب القصة للعلاج وطبعا لم يسافر هناك للعلاج إلا رمسيس) هذه البقايا التي تشير إلى غرق صاحبها في نظر البعض قد أشار لوجودها بعض الباحثين (وربما كان بوكاي منهم؟) بمومياء مرنبتاح لا رمسيس (فمومياء مرنبتاح عثر بها على نسبة عالية من الأملاح) (راجع ما طرحته بمقالي في قسم "الأديان" بالمنتدى وعنوانه "فرعون الخروج وخروج القصص التوراتي /القرآني من التاريخ" عن مسألة مومياء مرنبتاح) ويزيد كاتبنا العبقري الطين بلة بقوله بأن مومياء فرعونه قد اكتشفت عام 1898م وهوما ينطبق أيضا على مومياء مرنبتاح و التي اكتشفت في ذلك العام ضمن خبيئة المومياوات التي عثر عليها الفرنسي فيكتور لوريه في مقبرة الفرعون"إمن_حتب الثاني" ..بينما اكتشفت مومياء رمسيس الثاني الذي سافر إلى فرنسا للعلاج اكتشفت ضمن خبيئة مقبرة بمنطقة الدير البحري في عام 1881م !!!
بقي أن نعلم أن الرئيس الفرنسي الذي زار المومياء في متحف الإنسان الفرنسي خلال ترميمها قد نشرت صحيفة " لو جورنال دي ماتش " الفرنسية على لسانه أن مومياء رمسيس الذي كان يسجد له الناس بوضع جباههم على التراب لن تعرض وهي مريضة على الملأ وتحدث د.باللو عن المعنى نفسه مشيرا لإتفاق مماثل مع الحكومة المصرية على قائمة ممنوعات منها العرض الصحفي والتلفزي إلا أن ذلك كله قد ضرب به عرض الحائط حين ظهرت مومياء "رمسيس" عارية تماما من أكفانها في فيلم تسجيلي بالتلفاز الفرنسي لمدة عشرين دقيقة يصاحبه تعليق عصبي لمذيع فرنسي:"إليكم فرعون مصر الشهير !إليكم ملك ملوك الفراعنة الذي طارد اليهود قبل أكثرمن 3آلاف عام !الفرعون الذي اضطهد بني إسرائيل وسخرهم في أعمال البناء والتشييد وسقاهم سوء العذاب ! ها هو الآن أمامكم انظروا..شاهدوا"مما أثار حملة إستياء واسعة داخل وخارج فرنسا على المستويين الرسمي المصري والشعبي الفرنسي تبين بعدها ضلوع الفريق المعالج للمومياء في صناعة هذا الفيلم بالمخالفة لما تم الإتفاق عليه بين مصر وفرنسا كما انفردت الصحف اليمينية الصهيونية وقتها بتصوير الملك والإشارة له باعتباره طارد اليهود من مصر مما جعل صحيفة "الهيرالد تريبيون" الأمريكية واسعة الإنتشار ومن بعدها الصحف الأوروبية تتحدث صراحة عن مؤامرة يهودية لإخراج رمسيس من مصر لاصلة لها بما قيل عن مرض المومياء الذي روج له اليهودي "بوكاي" كحجة لإخراج المومياء من مصر وهوماكان حتى الآن أساسا لشكوك كبيرة حامت حول ما فعله الفريق المعالج برمسيس وحول عدم إختصاصهم من الأصل في علاج المومياوات..الخ لنجد لاحقا و بعيد حملة الإستنكار هذه نجد "موشى ديان" يزور رمسيس الثاني سرا أثناء علاجه بباريس بالتواطؤ مع السلطات الفرنسية رغم رفض السفارة المصرية لطلبه بهذا الخصوص ذلك الرفض الذي أعلنت السلطات الفرنسية إلتزامها به!!(هذه التحركات اليهودية المريبة والتي أحاطت بخروج رمسيس من مصر وعلاجه بباريس تكشف لنا طبعا عن مدى إرتباط "بوكاي" بالإسلام كما ورد بالقصة المتأسلمة؟!)
لتنتهي قصة علاج "رمسيس" بعودته إلى المتحف المصري بعد سبعةشهور ونصف قضاها في باريس للعلاج (كما أعلن؟) داخل صندوق خاص مغطى بخيمة من البلاستيك يعمل بالكهرباء له نظام تهوية خاص لحفظ حرارة الجو ورطوبته للمومياء بشكل معين للحفاظ على المومياء و قتل الجراثيم ..ليصدر السادات بعدها قرارا بعدم عرض رمسيس بالمتحف المصري بل وصل به الأمر إلى المطالبة بإعادة دفنه!!( وهوما عدل عنه بعد ذلك) فلم يشاهد رمسيس بعيد ذلك إلا الشخصيات الكبيرة من ضيوف مصر ..وحاليا يمكن للزائر لمصر مشاهدة مومياء رمسيس الثاني المعروضة بالقاعة العلوية بالمتحف المصري بالقاهرة
وفي النهايةفإن ما يتكشف لنا في ختام ذلك العرض المقارن لوقائع قصة علاج رمسيس الثاني في باريس وصلة" موريس بوكاي" بها وبين القصة المتأسلمة الملفقة عن إسلام بوكاي على خلفية تيقنه من إعجاز القرآن أثناء مشاركته المزعومة في ترميم مومياء (فرعون؟)بباريس إن ما يتكشف لنا هوحجم التشويش المعلوماتي الهائل الذي يتمتع به كاتبنا الإعجازي المرموق واضع هذه القصة الملفقة إستنادا على معلومات مشوشة (حقيقية بالطبع) عن سفر مومياء فرعونية للترميم بفرنسا لم يعلم كاتبنا العبقري كنه صاحبها ربما كأسلافه من مؤلفي القرآن والتوراة فخلط بين رمسيس ومرنبتاح بشكل فاضح دون أن يدري ليمتد التشويش المعلوماتي لكاتبنا الألمعي إلىطبيعةصلة تلك المومياء (؟) بطبيب فرنسي يدعى "موريس بوكاي"(خلع عليه كاتبنا من عنده لقب كبير الجراحين حيث يبدو الجراح ربما بنظر الكاتب الأقرب لخياله في التعامل مع المومياوات!!)ثم جعل من "بوكاي" بطلا لقصة مختلقة تماما من نسج خياله معتمدا على عدم علم غالبية محدثيه (أو هكذا يظن) بحقيقية الأمور مستغلا التلهف الإسلامي الشديد لمستمعيه الإسلاميين لإسلام بطل الرواية كنهاية سعيدة لفيلمه الهابط‍‍‍ ..وكاتبناالرديء في هذا المسلك التشويشي التلفيقي خير خلف لأسلافه: محمد مؤلف القرآن ومن قبله مؤلفي التوراة حين يمزجون بشكل مشوش بين جهلهم التاريخي(أو سوء نيتهم أحيانا) المتمثل في خلط مغلوط لشخوص وأحداث التاريخ وبين تطلعاتهم الشخصية المأمولة من وراء هذا الخلط والمتمثلة في إستقطاب الأتباع (الجاهلين) لهم بإسم المقدس .
ختاما احب أن أؤكد أن هذا المقال لم أقصد منه أية تجريح أو إهانة لأشخاص أي من زملائي المحترمين رواد المنتدى والمشاركين قبل هذا المقال في مناقشة تلك المسألة والذين وردت أسماء بعضهم في بدايةالمقال..المقصود طبعا بالنقد والتفنيد هي تلك القصة الرديئة وكذلك قد قصدت اللوم والتوبيخ للمسلك التلفيقي الرخيص لواضع تلك القصة (وهو على الأرجح من غير الأخوة المحترمين الذين أشرت لبعضهم ضمن مقالي هذا)..
ولعلي بهذا الجهد البسيط أكون قد أخلصت لحكمة الأستاذ"شبلي شميل" الجميلة:" الحقيقة أن تقال لا أن تعلم" ولحكمة الإمام أبي حنيفة النبيلة:"إذا كان العالم يصمت , والجاهل يجهل فمتى يعرف الناس؟"..وهما بمثابة الدافع الحقيقي لكتابة ماكتبت.

-----
عن مومياء "مرنبتاح" وصلتها بقصة الخروج المزعومة توراتيا فلقد أشارت الأبحاث التي جرت على تلك المومياء وعلى مومياء والده"رمسيس الثاني" بالأشعة السينية إلى أنهما قد ماتا طاعنين في السن بسبب الشيخوخة ولاصلة لهما بالفرعون التوراتي اللاتاريخي الغريق

من كتابة الغريب المنسي
--------------
مداخلة للزميل حيران:
دعونا نلخص ما يريد أن يقوله صاحب هذا المقال [الإعجازي] في نقاط، وسأضع تعليقي بين قوسين ( ..):

1- أن المومياء التي إستضافتها فرنسا عام 1981 (لم أتحقق من هذه المعلومة) هي مومياء "فرعون" (حتى الآن الأمر عادي .. جداً) "أشهر طاغوت عرفته الأرض" (هل يستطيع السيد طارح الموضوع أن يأتينا بمرجع علمي واحد يصف أي من فراعنة مصر العظام بهذا الوصف؟؟! .. فعلى حد علمي، أن فرعون الخروج الذي تدعيه الأساطير الإسرائيلية، غير معلوم من التاريخ المصري، وجل ما في الأمر هو محاولات لتحديد شخصية فرعون الخروج إما عن طريق الدراسات الدينية الغيبية، أو عن طريق تحديد الفترة الزمنية للأحداث أو خلافه، ولكن كل هذه المحاولات تصطدم بحقائق التاريخ، فمثلاً: قالوا أن فرعون الخروج هو رمسيس الثاني، لكن تاريخ وفاة رمسيس الثاني لا يتفق أبداً مع مجريات الأحداث ولا يتفق مع وفاته إبان فترة الخروج، وقالوا أنه مرنبتاح ابن رمسيس الثاني، وهذا الأخير سجل إنتصاراته على الإسرائيليين في لوح، وهناك من جعل سيتي الأول – والد رمسيس الثاني – هو فرعون السخرة، وأن الخروج حدث في عهد رمسيس الثاني، علماً بأن الباحثين يحددون فترة الخروج بالعام 1290 ق.م، بينما كانت وفاة رمسيس الثاني في العام 1235 ق.م .. أي بعد أحداث الخروج الأسطورية بخمسة وخمسين سنة كاملة ! ولم يعرف من المصادر التاريخية المصرية أنه لا هو ولا أبيه ولا إبنه قاد ماتوا غرقاً !).

2- كان دليل البروفيسور موريس بوكاي على أن صاحب المومياء قد مات غريقاً هو "وجود بقايا ملح عالقة في جسده"
أساليب التحنيط الفرعوني يعتمد على خليط من زيوت وأملاح ومواد مختلفة من بينها بطبيعة الحال "الملح المستخرج من وادي النطرون" كما وصفه المؤرخ الإغريقي هيرودوت !.. بالمناسبة .. الجهل ليس عيباً، لكن العيب هو أن يتصدى الجهال للقضايا التي يجهلونها)
3- كان موريس بوكاي حيراناً (مش أوي طبعاً ) .. حيث كيف بقيت هذه الجثة "دوناً عن غيرها" أكثر سلامة من باقي المومياوات؟؟ ( نصيحتي للبروفيسور موريس بوكاي وأمثاله أن يتفضلوا بزيارة المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة، وهناك سيشاهدون عشرات المومياوات الجيدة، وبعضها لأطفال صغار، وكثير منها بحالة جيدة جداً جداً، وكمان ممكن يتفرجوا على مومياء رمسيس الثاني، بس يخلوا بالهم، لازم يقطعوا تذكرة منفصلة عن تذكرة دخول المتحف )

4- إستند البروفيسور موريس بوكاي إلى أن البشرية جمعاء لم تكن تعرف أن الفراعنة يحنطون موتاهم إلا في العقود الأخيرة!
الدنيا كلها عارفة إن الفراعنة كانوا يحنطون جثث موتاهم، هيرودوت سجل ذلك، مانيتون (325 – 268 ق.م) سجل ذلك، وغيرهم الكثير من المؤرخين حتى بعد التأريخ الميلادي، بل والطريف والظريف واللطيف هو أن أي زائر للمتحف المصري، سيكتشف وجود مومياوات محنطة من الحقبة الرومانية والمسيحية، حيث كانت الديانات المصرية القديمة لازالت قائمة، ولازال بعض المصريون يمارسون طقوس التحنيط للجثث، والتي كان من شأنها أن تضمن الحياة الأبدية لصاحب الجثة المحنطة حيث تعود الروح فتجد الجسد سليماً، فترتديه مرة أخرى .. وقولوا للسيد البروفيسور موريس بوكاي أن يتعب نفسه شوية ويتفضل يزور المتحف أو يقرأ له كتابين ولا تلاتة، جايز ربنا يكرموا ويتعلم حاجة صح)

5- موريس بوكاي عاد إلى التوراة فوجد أنها تقول أن جيش فرعون لم يبقى منه ولا واحد، (ولكنها وللحقيقة لم توضح مصير فرعون ذاته، فهل مات غرقاً أم لا ؟، وإن كان السياق العام يفهم منه أنه مات غرقاً مع الغارقين) أما القرآن، فهو أكثر غموضاً .. لأنه لا يصرح، هل مات فرعون غرقاً أم لا ؟ فالقرآن يقول أن الغرق قد أدركه، لكن هل مات غرقاً ؟ لا يجيب القرآن على ذلك، كما أن عبارة "ننجيك ببدنك"، هي عبارة غامضة، فهل تعني أنه مات ولكن جسده فقط هو الذي سيبقى؟ أم أنها تعني أنه "نجى" من الموت "ببدنه" – زي ما نقول كده ها ينفد بجلده – المهم ..

 
الآن .. ماذا تبقى لدينا ؟
مجموعة إدعاءات تنم عن جهل صاحبها بأبسط الحقائق العلمية، والتاريخية، والدينية .. والغريب أنه يحمل لقب بروفيسور !

المصدر منتدى اللادينيين العرب

 

 

وهكذا فإن جميع الآيات التي على غرار ذلك والمحتوية على نفس هذه القصص، هي خرافات لا أكثر:

{هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)} النازعات

 

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18)} المرسلات

 

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)} الحاقّة

 

{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)} الذاريات

 

ومن الأخطاء الكبيرة للقرآن ظنه أن بني إسرائيل حكموا وسيطروا على مناطق كبيرة من المنطقة الشرقأوسطية وانتزعوها من حكم المصريين القدماء وغيرهم، وهي ترديد لخرافات كتاب اليهود:

 

{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)} الأعراف

 

{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)} الشعراء

 

{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28)} الدخان

 

ويقول ابن كثير في تفسير سورة الدخان: 29 كلامًا مضحكًا للغاية:

 

...فَسُلِبُوا ذَلِكَ جَمِيعُهُ فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَارَقُوا الدُّنْيَا وَصَارُوا إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ وَتِلْكَ الْحَوَاصِلِ الْفِرْعَوْنِيَّةِ وَالْمَمَالِكِ الْقِبْطِيَّةِ بَنُو إِسْرَائِيلَ...

 

ومثله قال الطبري قبله زمنيًّا:

 

وقوله (وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ) يقول تعالى ذكره وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومقَاماتهم وما كانوا فيه من النعمة عنهم قوما آخرين بعد مهلكهم، وقيل: عُنِي بالقوم الآخرين بنو إسرائيل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ) يعني بني إسرائيل.

 

وفي تفسير الشعراء: 57 قال:

 

يقول تعالى ذكره: فأخرجنا فرعون وقومه من بساتين وعيون ماء، وكنوز ذهب وفضة، ومقام كريم. قيل: إن ذلك المقام الكريم: المنابر. وقوله (كذلك) يقول: هكذا أخرجناهم من ذلك كما وصفت لكم في هذه الآية والتي قبلها. (وأورثناها) يقول: وأورثنا تلك الجنات التي أخرجناهم منها والعيون والكنوز والمقام الكريم عنهم بهلاكهم بني إسرائيل.

 

كل الأدلة الأثرية والتاريخية الحقيقية تنفي وصول ملك اليهود خارج منطقة فلسطين، بل وليس كلها كذلك، جزء منها فقط. أما القول بأن بني إسرائيل حكموا مصر فشيء مضحك لا أدري ما الذي أوحى لمحمد به أو كيف كان يفكِّر حينما قال شيئًا تافهًا كهذا.

 

رحلة إلى الهيكل السليماني/المسجد الأقصى دون وجوده في زمن محمد

 

زعم محمدٌ أنه قام برحلة عن طريق ملاك لله إلى القدس في عصر لم تكن به طائرات ولا سيارات ذوات محرك، في ليلة واحدة فقط وعاد، وتحدث الكثيرون مسلمين ومسيحيين وملحدين في نقاشهم عن هذا الأمر، التراث الإسلامي عن هذه القصة في الأحاديث ثريّ وكثير جدًّا كغابة متشابكة من الأساطير، معظمها مستمدّ من رؤيا بولس وعهد إبراهيم من الأسفار الأبوكريفية كما قلتُ في دراسة سابقة، اليوم بمصر وغيرها يوجد احتفال وإجازة رسمية في ما يسمُّونه بذكرى الإسراء والمعراج (ربما بالنسبة للثقافة الغربية شبيه باحتفال الكاثوليك بصعود جسد مريم الأسطوري الافتراضي  assumptionوشبيه بخرافات صعود المسيح وصعود بولس وصعود زردشت وصعود أردا فيراف وغيرها) لكن ما فات معظم هؤلاء عدا بعض الملحدين العقلانيين هو ملاحظة أن الهيكل السليمانيّ الذي يزعم محمد زيارته ليس له وجود في عصر محمد، لأن تيتُس الروميّ بعد ثورة اليهود بقيادة بار كوكبا (ابن الكوكب) قام بقمع اليهود وتدمير الهيكل، سنة 70م، ولم يعد منه حجر على حجر، وحاول اليهود في فترة اقتحام الفرس للقدس في السنتين 614-615م أن يعيدوا بناءه، إلا أن الأهالي من الأغلبية المسيحية قاوموا ذلك، ولم يتم المشروع، وكما نعلم من المصادر الغربية والعربية والقرآن نفسه بسورة الروم استعاد هركليس (هرقل) الشام إلى حكم الروم من أيدي الفرس، واستعاد صليبهم المقدَّس الأسطوريّ، ومشى من إحدى مدن الشام حتى القدس أورشليم كتعبُّدٍ ووفاءٍ لنذرٍ كان قد نذرَه، ولما هزمت جيوش العرب المسلمين الروم واستولت بدلًا منهم على القدس، أراد عمر بن الخطاب بناء المسجد الأقصى الإسلاميّ بموضع الهيكل اليهوديّ المهدوم منذ قرون، وكان المسيحيون يتعمَّدون إلقاء القمامة في ذلك الموضع  كيدًا وإغاظة لليهود، وروى أحمد بن حنبل:

 

261- حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ، وَأَبِي مَرْيَمَ، وَأَبِي شُعَيْبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ بِالْجَابِيَةِ، فَذَكَرَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو سِنَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِكَعْبٍ: أَيْنَ تُرَى أَنْ أُصَلِّيَ ؟ فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتَ عَنِّي صَلَّيْتَ خَلْفَ الصَّخْرَةِ، فَكَانَتِ الْقُدْسُ كُلُّهَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ، لاَ، وَلَكِنْ أُصَلِّي حَيْثُ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ فَكَنَسَ الْكُنَاسَةَ فِي رِدَائِهِ وَكَنَسَ النَّاسُ.

 

يقول ابن كثير في تفسيره لسورة الإسراء: 1

 

فَلَمْ يُعَظِّمِ الصَّخْرَةَ تَعْظِيمًا يُصَلِّي وَرَاءَهَا وَهِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا أَشَارَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَهَا حَتَّى جَعَلُوهَا قِبْلَتَهُمْ. وَلَكِنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، فهُدي إِلَى الْحَقِّ؛ وَلِهَذَا لَمَّا أَشَارَ بِذَلِكَ قَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ، وَلَا أَهَانَهَا إِهَانَةَ النَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا قَدْ جَعَلُوهَا مَزْبَلَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا قِبْلَةُ الْيَهُودِ، وَلَكِنْ أَمَاطَ الْأَذَى، وَكَنَسَ عَنْهَا الْكُنَاسَ بِرِدَائِهِ.

 

بل وبعض الأحاديث زعمت أن محمدًا وصف لوثنيي مكة شكل الهيكل! روى البخاري:


3886 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَا اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ

 

ورواه مسلم 170 و172:

 

 [ 172 ] وحدثني زهير بن حرب حدثنا حجين بن المثنى حدثنا عبد العزيز وهو بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله قط قال فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني نفسه فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال قائل يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام

 

وروى أحمد:

 

 (2819) 2820- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَرَوْحٌ الْمَعْنَى ، قَالاَ : حَدَّثَنَا عَوْفٌ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي ، وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ ، فَظِعْتُ بِأَمْرِي ، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ فَقَعَدَ مُعْتَزِلاً حَزِينًا ، قَالَ : فَمَرَّ بِهِ عَدُوُّ اللهِ أَبُو جَهْلٍ ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ : هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ قَالَ : إِلَى أَيْنَ ؟ قَالَ : إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَلَمْ يُرِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ ، مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ . فَقَالَ : هَيَّا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ حَتَّى قَالَ : فَانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ ، وَجَاؤُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا ، قَالَ : حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ ، قَالُوا : إِلَى أَيْنَ ؟ قَالَ : إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، قَالُوا : ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ ، وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ، مُتَعَجِّبًا لِلكَذِبِ زَعَمَ قَالُوا : وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ ؟ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ ، وَرَأَى الْمَسْجِدَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ ، قَالَ : فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ ، أَوْ عُقَيْلٍ فَنَعَتُّهُ ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ ، قَالَ : وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ قَالَ : فَقَالَ الْقَوْمُ : أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البزار (56- كشف الأستار) من طريق محمد بن جعفر وحده، بهذا الإسناد.وأخرجه ابن أبي شيبة 11/461-462، والنسائي في "الكبرى" (11285) ، والطبراني (12782) ، والبيهقي في "الدلائل" 2/363-364 و364 من طرق عن عوف ابن أبي جميلة، به. وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 5/222 وزاد نسبته إلى ابن مردويه وأبي نعيم في "الدلائل"، والضياء في. "المختارة"، وابن عساكر، وصحح إسناده. وأحمد (15034) 15099.

 

3546- حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، وَحَسَنٌ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، قَالَ حَسَنٌ أَبُو زَيْدٍ : قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ : قَالَ : حَدَّثَنَا هِلاَلٌ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ ، وَبِعَلاَمَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَبِعِيرِهِمْ ، فَقَالَ نَاسٌ ، قَالَ حَسَنٌ : نَحْنُ نُصَدِّقُ مُحَمَّدًا بِمَا يَقُولُ ؟ فَارْتَدُّوا كُفَّارًا...إلخ

 

من هنا نتأكد أن_وهذا طبيعي ومؤكد_أن ما نسبوه من كلام للوثيين مزيَّف، لأن الهيكل لم يكن له وجود من الأساس! في الحقيقة على الأغلب حينئذٍ تأكد من زاروا أورشليم القدس أن محمدًا كان يكذب ويخترع لعلمهم بوجود قمامة يرميها المسيحيون في ذلك الموضع وأن الهيكل لم يكن له وجود. وأنا كذلك تأكدت من كذب نبوة محمد لما اطلعت على علم التاريخ وفهمت الحقيقة.

 

 

موقف معتدل مطلوب ومحتاج له بخصوص مسألة هيكل اليهود في القدس العربية

 

{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}

 

هنا يشير محمد لهدم الهيكل الأول على يد نبوخذنصَّر، والثاني على يد تيتُس الروميّ، لو بحثنا في الوثائق التاريخية غير اليهودية منها فحتمًا سنجد إشارات لهيكل اليهود في القدس، الحل الأصح كان سيكون اتجاه الناس إلى العقلانية ونبذ الأديان والخرافات وعدم المبالاة بأرض المسجد الأقصى التي عليها صراع كبير بين المسلمين واليهود، ربما كانوا حينئذ سيقيمون ناديًا ليليًّا أو جامعة علمية مكانه كشيء أفيد للبشرية، لكن طالما المشوار طويل لتحقق شيء كهذا، فيجب الاعتراف بأنه لا حق لليهود من كل مكان في العلم باحتلال ما تبقى من فلسطين بعد اتفاقيتي التقسيم الظالمتين، فيكفي هذا وعليهم الالتزام بحدود 1948م، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يحق لليهود من كل العالم خاصة يهود العرب ومن أصل عربي واليهود السامريين وسائر اليهود أن يكون لهم في القدس مزارًا وهيكلً يبنونه، ولا يكون على أنقاض المسجد الأقصى لصعوبة فعل ذلك دون إثارة غضب العرب والمسلمين والإساءة لمعتقداتهم، رغم أنه كان خطأ محمد بجعل المكان المقدس لليهود مقدسًا كذلك للمسلمين، لكن هذه مشكلة لن يكون لها حل الآن، فيبني اليهود هيكلهم بجوار المسجد الأقصى، ويكون المكان تحت إشراف قوات دولية محايدة، يجب على العرب الفلسطينيين كذلك عدم التعرض بعدوان وإرهاب لليهود المدنيين. ويعلن الطرفان المكان رمزًا للسلام الدائم بين اليهودية والإسلام، وبين العرب واليهود، هل يتحقق حلم كهذا يومًا؟! قديمًا قال الشاعر الفلسطينيّ محمود درويش: حبة القمح ستكفيني وتكفي أخي العدوّ. سأعود في الصفحات التالية لذكر آثار يهودية وإيراد صور وتفاصيل لها.

 

 

 

سامريّ قبل بناء شامر لمدينته السامرة بآلاف الأعوام!

 

{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)} طه

 

درست في كتابي عن الهاجادة بتفصيل شديد واجتهاد كيف تطورت ونشأت قصة العجل الذهبي، وأن المصدر اليهويّ (وفقًا لنظرية تعدد مصادر التوراة والتاناخ) كان معاديًا للكهنة (المصدر الكهنونيّ)، لذلك نسب لهارون النبيّ وأول الكهنة وأبوهم في التوراة أنه من صنع العجل الذهبيّ، هذه إحدى نظريات التفسير للمسألة، لاحقًا الهاجادة ستحاول حل المشكلة بالقول أن له تبريرًا لفعل ذلك منها خشيته على حياته وأنهم لو قتلوا نبيًا يعني نفسه كان سيكون ذنبًا يجلب عليهم هلاكًا من الله وغضبًا أكبر وذكروا شخصًا صالحًا مزعومًا في الهاجادة عارضهم فقتلوه...إلخ، محمد حاول حل المشكلة والمعضلة والتناقض بنسبة الفعل إلى شخص من طائفة وانتماء يكرهه اليهود التقليديون كما هو مشهور، وهم اليهود السامريون، الناصريّ في الإنجيل كان يمتدحهم ويضرب بهم المثل ليدلل على رفضة لعنصرية اليهود ضد السامريين، كما تحكي الأناجيل (مثلًا لوقا10: 25- 37، يوحنا8: 48، و4: 39)، لكن ما جهله محمد لنقص اطلاعه على تاريخ اليهود أن السامرة سيبنيها الملك عمري (الملوك الأول16: 24) ويسميها على اسم من اشترى منه الجبل وهو شامر، بعد موت موسى بل وبعد موت داوود وسليمان كعاصمة لإسرائيل الشمالية بعد زمن طويل جدًّا من عصر موسى المفترَض.

 

(24 واشترى جبل السامرة من شامر بوزنتين من الفضة وبنى على الجبل ودعا اسم المدينة التي بناها باسم شامر صاحب الجبل السامرة)

 

وهذه معلومات تاريخية عن السامرة، من دائرة المعارف الكتابية لوليم وهبة:

 

تاريخ المدينة : ورد اسم مدينة السامرة أكثر من مائة مرة فى العهد القديم ، رغم أنها بنيت بعد موت سليمان بنحو خمسين عاماً ، فقد تأسست فى نحو 875 ق. م. على يد عمري ملك إسرائيل ، الذى " اشترى جبل السامرة من شامر بوزنتين من الفضة وبنى على الجبل ، ودعا اسم المدينة التى بناها باسم شامر صاحب الجبل، السامرة " ( 1مل 16: 24) . ومات عمري قبل أن يتم بناء المدينة الجديدة فأكملها إبنه آخاب ، ولم تكن العاصمة الجديدة " السامرة " إلا تطويراً للمدينة السابقة " ترصة ".

وقد قامت بعثة جامعة هارفارد بالتنقيب فى موقع المدينة فى 1908م باشراف " ج. شوماخر " (Schumacher)  ، وفى 1909/1910 باشراف " أ. رايزنر" ( A-Reisner) وقامت بعثة استكشاف أخري فى 1931-1933م . بتمويل من جهات عديدة ( تضم جامعة هارفارد ، والجامعة العبرية فى  أورشليم ، وصندوق استكشاف فلسطين ، والأكاديمية البريطانية ، والمدرسة البرطانية ) للبحث عن الآثار فى أورشليم، والسامرة . وفى 1935م قامت المؤسسات البريطانية المذكورة آنفاً، بعملية تنقيب ثانية بإشراف " جى. و. كراوفوت" (J.W.Croefoot) وسنذكر فيما بعد أهم ما أسفرت عنه هذه الحفريات :

كانت منطقة قمة الجبل ماهولة فى العصر البرونزى المبكر ، إلا أن الأرض تحولت إلى أرض زراعية، إلى أن أشتراها الملك عمري . كما أن المدينة التى شرع فى بنائها عمري وأكملها أخآب ، حلت محل معظمها إنشاءات حديثة فيما بعد. وأجزاء المدينة الأصلية التى كشف عنها علماء الآثار، تدل على أنها كانت جيدة التصميم بديعة البناء، ويبدو أن قام ببنائها كانوا عمالاً مهرة من فينيقية ، حيث تم العثور على أعمال مشابهة فى مدينة صور. وكانت إسرائيل وصور متحالفتين ، وقد تزوج أخآب ملك إسرائيل من ابنة ملك فينيقية . وكان قصر الملك شبيهاً بغيره من قصور الشرق الأدنى حيث بنى على نفس الطراز ، فكان من طابقين. وقد سقط أخزيا بن آخاب من نافذة الدور الثاني ( 2مل 1: 2-17) . كما يبدو أن أبنيه القصر كانت على نفس التصميم المألوف للقصور فى ذلك العهد، إذ بنيت حول أفنية فسيحة مفتوحة. وقد تم الكشف فى أحد هذه الأفنية عن بحيرة ضحلة مستطيلة الشكل، يبلغ طولها ثلاثة وثلاثين قدماً ونصف القدم ، وعرضها نحو سبع عشرة قدماً غسلت فيها مركبة أخآب ( 1مل 22: 38) وتبلغ المساحة الكلية للقصر نحو 178× 89 متراً مربعاً .

وكان هذا القصر يدعى " بيت العاج " ( 1مل 22: 39، عا 3: 15) . وهناك ثلاث نظريات لتفسير هذه التسمية ، فالحجر الجيري  الأبيض المصقول المستخدم فى بنائه، يعتبر حسب إحدى هذه النظريات فى لون العاج. بينما يرى آخرون أن هذه التسمية جاءت من استخدام ألواح خشبية مطعمه بالعاج فى إقامة الحوائط . أما النظرية الثالثة وهى أرجحها فتعزو هذه التسمية إلى أثاث القصر المطعم بالعاج . فالحشرات صغيرة تناسب نمط الأثاث أكثر مما لألواح الحوائط الضخمة .

وقد بنيت السامرة على قمة تل بيضاوي الشكل يرتفع نحو ثلثمائة قدم ، وينفصل عن بقية التلال المحيطة ،إلا من جهة الشرق حيث كان يتصل ، من خلال مرتفع آخر ، بسلسلة الجبال الممتدة من الشمال إلى الجنوب . ومع أن التل الذى كانت تقوم عليه السامرة أقل ارتفاعاً من التلال المحيطة به ، إلا أنه كان يبعد عنها بمسافة لا تسمح للقذائف منها أن تصل إليها. وقد قاومت مدينة السامرة العديد من الحصارات التى فرضها عليها الأراميون، بل صمدت أيضاً أمام حصار الأشوريين لها لمدة ثلاث سنوات ( 2مل 17: 5) ، وهو أمر عجيب ، وبخاصة إذا عرفنا أن نبع الماء يبعد عن المدينة بنحو ميل، وكان لابد للسكان من الاعتماد على الخزانات. وهندما أعاد هيرودس بناء السامرة ، دعاها " سبسطة " تكريماً لمولاه أوغسطس قيصر ( فسبسطة هو الاسم الإغريقي لأوغسطس ) . ومازالت القرية  العربية القائمة عند الطرف الشرقي للموقع تحمل اسم " سبسطية" . وقد سبي سرجون نحو 27.290 نسمة من أهاليها . ولعل أقصى ما وصل إليه عدد سكانها حتى فى عصر العهد الجديد هو ـأربعون ألف نسمة إذ أن مساحة قمة التل تتحكم فى حجم المدينة ، فهى لا تتجاوز العشرين فداناً .

 

أما عن بداية استعمال كلمة السامريّ كهوية وانتماء، فيجعل الأمر أسوأ للقرآن بكثير، حيث يقول بمادة السامريين:

 

التاريخ السياسي: لم تظهر كلمة " السامريين " كتعبير سياسي إلا بعد هزيمة السامرة على يد الملك الأشوري سرجون الثاني فى 721ق. م. أما الاستخدام الوحيد لكلمة  " السامرة " فى العهد القديم للدلالة على إقليم السامرة ، فقد  ورد فى سفر الملوك الثاني ( 17: 24و29). وأطلق عليها سرجون اسم " سامرينا " . وتذكر سجلات سرجون ترحيل27.290 شخصاً من مدينة السامرة عاصمة الإقليم. ولكن من الواضح أنه قد أخذ أسرى من المدن الأخرى لأنه أسكن أعداداً كبيرة من المهجرين فى مدن السامرة، نقلهم من " بابل وكوث وعوا وحماة وسفروايم " ( 2مل 17: 24). كما  سكن فى مدن السامرة مهجرون آخرون فى أيام آسرحدون وابنه أشور بانيبال ( اسنفر العظيم الشريف- عزرا 4: 2و10)، إلا أن القاعدة السكانية ظلت أساساً من الإسرائيليين، حيث لم تؤثر فى عقيدة السامريين - بصفة دائمة -أي ديانة من الديانات التى مارسها المهجرون إلى البلاد.

وعندما ضعفت الإمبراطورية الأشورية، حاول يوشيا أن يضم إقليم السامرة إليه، إلا أنها وقعت قى يد منافسة فرعون نخو، ولكنها لم تظل فى يد نخو طويلاً، إذ سرعان ما فقدها بدوره، لتقع فى يد نبوخذ نصر الذى يبدو أنه ضم هذا الإقليم إلى إمبراطورية البابلية فى 612 ق.م. وفى ذلك الوقت كان إقليم السامرة يمتد جنوباً حتى بيت إيل، لذلك نجت هذه المدينة من الدمار عندما أحرق نبوخذ نصر أورشليم فى 587 ق.م. ويبدو أنه ألحق المنطقة حول أورشليم بإقليم السامرة القديم. كما يبدو أن الفرس واصلوا نفس السياسية البابلية، لأن سنبلط كان المسئول سياسياً عن هذا الإقليم، الذى تقلص حجمه بعض الشئ على يد نحميا الذى جعل منطقة أورشليم منطقة شبه مستقلة سياسياً بقيادة رؤساء الكهنة.

وليس لدينا الكثير من المعلومات التاريخية عن إقليم السامرة فى الفترة من العودة من السبي وبناء أسوار أورشليم فى زمن نحميا، وعصر الإسكندر الأكبر. وقد سجل يوسيفوس الكثير من القصص المثيرة عن عهد الإسكندر الأكبر فى فلسطين، إى أن غالبية المؤرخين يرفضونها باعتبارها محض خيال. ولكن من المعروف أن الإسكندر قد أسكن بعض جنوده- من حملته على صور- فى مدينة السامرة. وقد قتل شعب الإقليم القائد الروماني الذى عينه مسئولاً عن إقليم  السامرة،  فأوقع بالمدينة عقاباً صارماً، حتى ليبدو أن شعب السامرة  قد أبيد عن آخره، إذ صارت المدينة بعد ذلك مدينة يونانية فى غالبيتها. وقد  أكدت الاكتشافات الأركيولوجية الحديثة هذه التفاصيل، وهكذا أصبحت شكيم هى المدينة الكبيرة الوحيدة فى السامرة. ويبدو أن القسم الجنوبي من إقليم السامرة ظل دائماً على العقيدة السامرية، أما القسم الشمالي المحيط بالعاصمة فقد سادت فيه الوثنية.

وقد أخذ بطليموس إلى الإسكندرية أسرى من اليهود ومن السامريين، فقد ظل لهاتين الطائفتين الدينيتين أهميتهما فى المدينة حتى أيام العهد الجديد . ويبدو أن أنطيوكس إبيفانوس لم يزعج السامريين، ما لم تكن الفقرة الواردة فى 2مك6: 2 صحيحة، حيث تذكر أنه كرس هيكل السامرة على جبل جرزيم للإله " زوس مؤوى الغرباء" . ولكن حيث أنه لم يحارب السامريين، فيبدو أن هذه الفقرة غير صحيحة، حيث أن السامريين كانوا فى كل العصور - كما هو معروف شديدي التعصب ضد تدنيس جبل جرزيم. وقد وضع حاكماً فى جبل جرزيم( 2مك 5: 23).

وقد ظهر إقليم السامرة لأول مرة ف تاريخ المكابيين، عندما قام سلوقس ديمتريوس بمكافأة يوناثان لرفعة الحصار عن القلعة فى أورشليم، فأعطاه ثلاث مناطق فى السامرة: أفرايم واللدة ورمتايم. وفى 128 ق.م. استطاع يوحنا هيركانوس أن يستولى على شكيم وعلى جبل جرزيم، وأن يهدم الهيكل السامري هناك. ولما كانت مدينة السامرة العاصمة حصناً يونانياً منيعاً . فقد صمدت أمام القوات اليهودية لمدة عام قبل أن تسقط. وكانت سكيثوبوليس ثاني مدينة تسقط. وبسقوطها صارت كل بلاد السامرة فى أيدى اليهود.

وعندما استولى بومبى على فلسطين، ضم مدينة السامرة إلى ولاية سورية. وأصبح السامريون مرة أخرى،هم القوة المحلية فى المنطقة . وفى أزمنة العهد الجديد كانت السامرة تمتد من  سكيثوبوليس وجنين شمالاً إلى خط يبعد نحو خمسة عشر ميلاً إلى الجنوب من شكيم.

 

الصورة للدعابة فقط فلا تأخذوها حرفيًّا

 

خرافة عن أحد تبابعة اليمن

 

يقول محمد بشكل غامض هذه الأسطورة الغامضة المشوَّشة غير واضحة المعالم:

 

{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)} الدخان

 

ويقول الطبري في التفسير:

 

....حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن نجيح، عن مجاهد، في قول الله عزّ وجلّ (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) قال: الحميريّ.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) ذُكر لنا أن تبعا كان رجلا من حمير، سار بالجيوش حتى حير الحيرة، ثم أتى سمرقند فهدمها. وذُكر لنا أنه كان إذا كَتَب كَتَب باسم الذي تسمَّى وملك برّا وبحرا وصحا وريحا. وذُكر لنا أن كعبا كان يقول: نُعِتَ نَعْتَ الرَّجُلِ الصَّالح ذمّ الله قومَه ولم يذمه. وكانت عائشة تقول: لا تسبوا تُبَّعا، فإنه كان رجلا صالحا.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قالت عائشة: كان تبَّع رجلا صالحا. وقال كعب: ذمّ الله قومه ولم يذمه.

 

ويقول بتفسير سورة ق: {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)}

 

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي، قال: سمعت إبراهيم بن محمد القرظي، قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله يحدّث " أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها، حالت حِمْيَر بينه وبين ذلك، وقالوا لا تدخلها علينا، وقد فارقت ديننا فدعاهم إلى دينه، وقال: إنه دين خير من دينكم، قالوا: فحاكمنا إلى النار، قال نعم، قال: وكانت في اليمن فيما يزعم أهل اليمن نار تحكم فيما بينهم فيما يختلفون فيه، تأكل الظالم ولا تضرّ المظلوم، فلما قالوا ذلك لتبَّع، قال: أنصفتم، فخرج قومه بأوثانهم، وما يتقرّبون به في دينهم قال: وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديهما، حتى قعدوا للنار عند مخرجها التي تخرج منه، فخرجت للنار إليهم، فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها، فرموهم من حضرهم من الناس، وأمروهم بالصبر لها، فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قرّبوا معها، ومن حمل ذلك من رجال حِمْيَر وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما، تعرق جباههما لم تضرّهما، فأطبقت حِمْيَر، عند ذلك على دينه، فمن هنالك وغير ذلك كان أصل اليهودية باليمن ".

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق عن بعض أصحابه أن الحَبرين، ومن خرج معهما من حِمْيَر، إنما اتبعوا النار ليردّوها، وقالوا: من ردّها فهو أولى بالحقّ فدنا منهم رجال من حمير بأوثانهم ليردُّوها، فدنت منهم لتأكلهم، فحادوا فلم يستطيعوا ردّها، ودنا منها الحبران بعد ذلك وجعلا يتلوان التوراة، وتنكص حتى ردّاها إلى مخرجها الذي خرجت منه، فأطبقت عند ذلك على دينهما، وكان رئام بيتا لهم يعظمونه، وينحرون عنده، ويكلمون منه، إذ كانوا على شركهم، فقال الحبران لتبَّع إنما هو شيطان يعينهم ويلعب بهم، فخلّ بيننا وبينه، قال: فشأنكما به فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا أسود، فذبحاه، ثم هدما ذلك البيت، فبقاياه اليوم باليمن كما ذُكر لي".

 

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن لهيعة، عن عمرو بن جابر الخضرميّ، حدثه قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي، يحدّث عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: "لا تَلْعَنُوا تُبَّعا فإنَّهُ كانَ قَدْ أسْلَمَ".

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد أن شعيب بن زرعة المعافريّ، حدثه، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وقال له رجل: إن حِمْيَر تزعم أن تبعا منهم، فقال: نعم والذي نفسي بيده، وإنه في العرب كالأنف بين العينين. وقد كان منهم سبعون ملكا.

 

وأصل الخبر موجود في السيرة لابن هشام بلفظه، ويذكر ابن إسحاق في السيرة لابن هشام أخبارًا عن تبَّع اليهوديّ وتكريمه للكعبة وليهوديته قد نشك في القصة، إلا إن كان فعل ذلك كسياسة تقرب لهم لأن حكمه وصل إلى مكة:

 

.... قال: وكانت باليمن - فيما يزعم أهل اليمن - نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه، تأكل الظالم ولا تضر المظلوم، فخرج قومه بأوثانهم وما يتقرَّبون به في دينهم، وخرج الحَبْران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديها، حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها، فذَمَرهم من حضرهم من الناس، وأمروهم بالصبر لها فصبروا حتى غشيتهم، فأكلت الأوثان وما قربوا معها، ومن حمل ذلك من رجال حمير، وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما تعرق جباههما لم تضرّهما، فأصفقَتْ عند ذلك حمير على دينه، فمن هنالك، وعن ذلك، كان أصل اليهودية باليمن.

 

...وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها، فتوجه إلى مكّة، وهي طريقهُ إلى اليمن، حتى إذا كان بين عُسْفان، وأمَج أتاه نفر من هُذيل بن مُدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد؛ فقالوا له: أيها الملك ألا ندلك على بيت مال دائر، أغفلته الملوك قَبْلك، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة؟ قال: بلى قالوا: بيت بمكة يعبده أهله، ويصلون عنده. وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك، لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغَى عنده. فلما أجمع لما قالوا، أرسل إلى الحبرين، فسألهما عن ذلك فقالا له: ما أراد القوم إلا هلاكَك وهلاك جندك. ما نعلم بيتاً للّه اتخذه في الأرض لنفسه غيره، ولئن فعلت ما دعوك إليه، لتهلكن وليهلكن من معك جميعا، قال: فماذا تأمرانني أن أصنع إذا أنا قدمت إليه قالا: تصنع عنده ما يصنع أهله: تطوف به وتعظمه وتكرِّمه، وتحلق رأسك عنده وتذِل له، حتى تخرج من عنده، قال: فما يمنعكما أنتما من ذلك، قالا: أما واللّه إنه لبيت أبينا إبراهيم، وإنه لكما أخبرناك، ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حولَه، وبالدماء التى يُهْرقون عنده، وهم نَجِس أهلُ شرك - أو كما قالا له - فعرف نصحَهما وصدق حديثهما فقرب النفر من هُذيل، فقطع أيديهم وأرجلهم، ثم مضى حتى قدم مكة، فطاف بالبيت، ونحر عنده، وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام - فيما يذكرون - ينحر بها للناس ويطعم أهلها، ويسقيهم العسل، وأرِيَ فى المنام أن يكسو البيت، فكساه الخَصَف ثم أرِيَ أن يكسوه أحسنَ من ذلك فكساه المَعافرَ، ثم أري أن يكسوه أحسنَ من ذلك فكساه المُلاء والوصائل، فكان تُبع - فيما يزعُمون - أول من كسا البيت، وأوصى به ولاته من جرهم، وأمرهم بتطهيره وألا يقربوه دما، ولا ميتة، ولا مئلات - وهى المحايض - وجعل له باباً ومفتاحاً

 

الخَصَفَ: جمع: خَصَفَة، وهي شيء يُنسج من الخوص والليف، والخصف أيضاً الثياب الغليظة. المعافر: ثياب يمنية. الملاء: جمع ملاءة، وهي الملحفة. والوصائل: ثياب موصلة من ثياب اليمن.

 

على الأغلب لأن العرب في شبه الجزيرة العربية آنذاك كانوا جميعًا بعقليات محبة للأساطير والخرافات ذات الطابع المميَّز كهذه، ألف يهودهم في اليمن هذه القصة كسرد خرافي غير تاريخيّ لكيفية انتشار اليهودية في اليمن، مثلما كان يؤلِّف المسيحيون العرب وغيرهم قصصًا عن معجزات كهذه، لننظر مثلًا سير وأساطير تراجم رسلهم إلى البلدان وأعمال الرسل الأبوكريفية الكثيرة، وغالبًا محمد كان يشير إلى هذه الخرافة بالذات، لكن تاريخيًّا هذه مجرد خرافة لا تاريخية لا قيمة لها. وسأورد من كتاب (تفنيد أساطير الأقوام المبادة) اقتباسات من كتاب (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للعلّامة جواد العلي، ولا أصل في التاريخ لخرافة إهلاك بعض أهل اليمن بمعجزة مزعومة واتباع الباقين لليهودية.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

22880 - حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَمْرُو بْنُ جَابِرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا ؛ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ "  

 

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة وأبي زرعة عمرو بن جابر، وأبو زرعة أشدُّ ضعفاً. وأخرجه البغوي في "التفسير" 4/153-154 من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص 275، والطبراني في "الكبير" (6013) ، وفي الأوسط (3314) ، وابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" 7/244 من طرق عن ابن لهيعة به .

وفي الباب عن ابن عباس عند الطبراني في "الكبير" (11790) ، وفي "الأوسط" (1441) ، والخطيب في "تاريخه" 3/205، وإسناده ضعيف، فيه أحمد ابن محمد بن أبي بزة وهو ليِّن الحديث صاحب مناكير كما في ترجمته من "لسان الميزان" 1/283-284، وفيه أيضاً مؤمل بن إسماعيل وهو سيىء الحفظ، وفيه كذلك سماك بن حرب عن عكرمة، وسماك مضطرب الحديث عن عكرمة. وروى عبد الرزاق في "تفسيره" 2/209 عن بكار بن عبد الله اليمامي، عن وهب بن منبِّه مرسلاً قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سبِّ تُبَّع. وبكار قال الذهبي في "الميزان" 1/341: ما به بأس . ووهب ابن منبه ثقة من رجال الشيخين. وروي أيضاً مرسلاً 2/209 عن أبي الهذيل -وهو عمران بن عبد الرحمن- قال: أخبرني تميم بن عبد الرحمن قال: قال لي عطاء بن أبي رباح: لا تسبُّوا تُبَّعاً، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهى عن سبِّه. وأبو الهذيل وثَّقه يحيى بن معين كما في "الجرح والتعديل" 6/301 . وأما تميم بن عبد الرحمن فقد ذكره ابن حبان في "الثقات" 6/121 . وأخرج الحاكم 2/450 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان تُبَّع رجلاً صالحاً، ألا ترى أن الله عز وجل ذمَّ قومه ولم يذمَّه . ورجاله ثقات رجال الشيخين. وأما ما أخرجه أبو داود (4674) ، والحاكم 2/14 و450، والبيهقي 8/329 عن أبي هريرة مرفوعاً: "ما أدري تُبَّع لَعِين هو أم لا؟" فرجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنه مُعلٌّ بالإرسال، ورجَّح البخاري في "تاريخه" 1/153 الرواية المرسلة عن الزهري.

 

ومن الأخبار التي ذكرها لنا جواد العلي في (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام):

 

وكلمة "تبع" لم ترد في نصوص المسند، لا بمعنى ملك، ولا بمعنى آخر له علاقة بحكم أو بوظيفة أو بملك. وقد أطلقت تلك النصوص على اختلاف لهجاتها لقب "ملك" على الملوك، أي على نحو إطلاقنا لها في عربيتنا، ولهذا يرى المتشرقون أن كلمة "تبع" هي "بتع" القبيلة التي تحدثت عنها من "همدان". وحرفت الكلمة فصارت "تبع".

وقد كان الحميريون يسيطرون على القسم الجنوبي الغربي من العربية الجنوبية في أيام مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري"، ولا سيما في مدينة "ظفار" وحصنها الشهير المعروف ب "ريدان"، الذي يرمز إلى ملك حمير والذي يحمي العاصمة من غارات الأعداء. وهو بيت الملوك وقصرهم أيضاً. وقد كانت منازل حمير في الأصل إلى الشرق من هذه المنازل التي ذكرها مؤلف الكتاب. كانت تؤلف جزءاً كل من أرض حكومة قتبان وتتصل بحكومة حضرموت.

وتقع في جنوب "ميفعه". وتؤلف أرض "يافع" المسكن القديم للحميريين، وذلك قبل نزوحهم عنها قبل سنة "100" قبل الميلاد إلى مواطنهم الجديدة. حيث حلّوا في أرض "دهس" "داهس" وفي ارض "رعين" حيث كانت "رعين" " فأسسوا على أشلائها حكومة "ذو ريدان".

وحدود أرض حمير في مواطنها القديمة: "ارض" "رشأى" "رشاى" و "حبان" "حبن" في الشمال وأرض حضرموت في الشرق، وأرض "ذيب" "ذياب" في الغرب. وقد كانت في الأصل جزءاً من حكومة قتبان.

و يظهر من الكتب العربية إن الحميريين كانوا يقطنون حول "لحج" في منطقة "ظفار" و "رداع" وفي "سرو حمير" و "نجد حمير".

وقد عرفت الأرض التي أقام بها الحميريون ب "ذي ريدان" "ذ ريدن"، نسبة إلى "ريدن" "ريدان"، قصر ملوك حمير بعاصمتهم "ظفار". وهو عند حمير بمثابة قصر "سلحن" "سلحان" "سلحين"، وقصر "غمدن" "غمدان" عند السبئيين.

وقد اخذ حصن "ريدان" اسمه من حصن اقدم عهداً منه كان في قتبان، بني عند ملتقى اودية في جنوب العاصمة "تمنع"- عرف ب "ذي ريدان" "ذ ريدان"، وقد بني على جبل يسمى ب "ذي ريدان" يؤدي إلى "حدنم" "حدن". ولما كان الحميريون يقيمون في هذه الأرض المعروفة ب "ذي ريدان" وذلك حينما كانوا اتباعاً لمملكة قتبان، لذلك أطلقوا على الحصن الذي بنوه ب "ظفار" اسم حصن "ذي ريدان"، تيمناً باسم قصرهم القديم، وأطلقوا "ذي ريدان" على وطنهم الجديد الذي أقاموا فيه بعد ارتحالهم عن قتبان، ليذكرهم. اسم وطنهم القديم.

وقد عشر على كتابة في خرائب حصن "ريدان" القديم، الذي كان قد بناه الريدانيون أيام أقامتهم بقتبان، قدّر الخبراء زمان كتابتها بحوالي السنة "400" قبل الميلاد.

 

...... وذكر "فون وزمن" إن "ذمر على يهبر" حكم مع ابنه "ثارن يهنعم" "ثأران يهنعم" في الشطر الثاني من أيام حكمه، وذللك فيما بين السنة "340" والسنة "360" للميلاد. وجعل في حوالي هذا العهد خراب سد مأرب للمرة الثانية.

وفي هذا العهد دخل ملك حمير في النصرانية بتأثير "ثيوفيلوس" عليه. وبنيت كنائس في "ظفار" وفي "عدن". فما أشرك الملك "ثأران يهنعم" "ثارن يهنعم" ابنه "ملك كرب يهامن" "ملكيكرب يهأمن" معه في الحكم.

وذكر أنه في حوالي السنة "378" للميلاد ترك معبد "اوم" "أوام"، وأهمل، بسبب انصراف أكثر الناس عن التعبد فيه وتركهم عبادة آلهة سبأ القديمة.

وذكر "فون وزمن" أن الملك "ملكيكرب يهنعم" "ملكيكرب يهأمن" حكم منذ السنة "385" للميلاد مع ولديه: "اب كرب اسعد" "أبو كرب أسعد" و "ذرأ أمر أيمن". ثم ذكر بعدهم اسم "أبو كرب أسعد" مع ابنه "حسن يهأمن" "حسّان يهأمن". وقد ذكر أن "أبا كرب أسعد" هو الذي حكم بعد والده "ملكيكرب يهنعم" "ملكيكرب يهأمن"، ثم حكم مع ابنه "حسان يهأمن" حكماً مشتركاً، مستعملين لقباً جديداً هو: "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعربهمو طودم و تهمتم". وذلك في حوالي السنة "400" للميلاد.

ويعرف "أبو كرب أسعد" "ابو كرب اسعد" ب "أسعد تبع" عند أهل الأخبار. و يذكرون أنه اعتنق اليهودية أثناء نزوله بيثرب في طريقه إلى اليمن.

وقد ذهب "فون وزمن" إلى أن الذين حكموا حمير كانوا من أسرة ملكية واحدة. ولكنهم يرجعون إلى فرعين. وذهب "ريكمنس" إلى أن ملوك حمير كانوا أسرتين: أسره "ياسر يهنعم" وأسرة "ياسر يهصدق"، وقد حكم أعضاء الأسرتين متفرقتين ولكن في وقت واحد.

..... وانتقل الملك بعد وفاة "ملكَ كرب يهأمن" إلى ابنه "أب كرب أسعد" "أبي كرب أسعد"، ويرى المستشرقون أنه "أسعد كامل تبع" الذي يزعم الأخباريون انه أول من تهوّد من التبابعة ونشر اليودية بين اليمانيين.

وقد جعل "الطبري" حكم "أبو كرب أسعد" بعد حكم "شمر يهرعش"، اذ قال: "ثم كان بعد شمر يرعش بن ياسر ينعم تبع الأصغر، وهو تبان اسعد أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد بن تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار، وهو الذي قد قدم المدينة، وساق الحبرين من يهود إلى اليمن، وعمر البيت الحرام وكساه" وتهود وطلب من قومه الدخول في اليهودية. "وقال الكلبي: تبع هو أبو كرب أسعد بن ملكيكرب، وإنما سمي تبعاً لأنه تبع من قبله. وقال سعيد بن جبير: هو الذي كسا البيت الحبرات". وذكر أنه قال شعراً أودعه. عند أهل يثب، "فكانوا يتوارثونه كابراً عن كابر إلى إن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدّوه إليه. ويقال كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد". وورد في مسند الإمام "أبي حنيفة": "أول من ضرب الدينار تبع، وهو أسعد بن كرب".

وقد تحدث "الهمداني" عن "أبي كرب اسعد"، فقال: " فأولد ملكيكرب بن تبع الأكبر: أسعد تبع بن ملكيكرب. وهو أسعد الكامل، وتبع الأوسط" "وكانت امه من فايش بن شهاب بن مالك بن معاوية بن دومان بن يكيل بن جشم بن جبران بن نوف بن همدان، ومولده نجمر من ديار فايش بن شهاب". و "خمر" موضع بظواهر همدان. "ونشأ بجبل هَنْومَ من أرض همدان... فأولد أسعد تبع بن ملكيكرب: كرباً وهو الفدى، وبه كان يكنى... ومعدى كرب وحسان وعمراً... وجبلاً... فهؤلاء... خمسة أنفر بنو أسعد بن ملكيكرب وقال اللبخي وغيره: خطيب بن أسعد. والخطيبون بأكانط ومدر من ولده" فيكون ولد "أسعد" ستة نفر على هذه الرواية.

وذكر "الهمداني" إن والد "أسعد" هو "ملكيكرب بن تبع الأكبر. وهو الرائد بن تبع الأقرن بن شمر يرعش بن إفريقس ذي المنار بن الحارث الرائش بن إلى شدد". وعرف "تبع الأقرن" بالأقرن، لشمامة كانت في قرنهْ.

وقد اورد "الهمداني" في كتابه "الإكليل" أشعاراً كثيرة نسبها إلى "أسعد بن ملكيكرب"، بعضها قصائد، ذكر انه نظمها في مناسبات مختلفة. وقد تطرق في بعض منها إلى أنساب الناس والى أمور ذكر انه تنبأ بها قبل وقوعها بمئات من السنين، ومنها ظهور الرسول ومبعثه في قريش. وذكر "الهمداني" إن شعر "أسعد" وفصاحته من شعر وفصاحة "همدان". ونسب له شعراً في مدحهم.

ويلاحظ أن أهل الأخبار قد صيّروا اسم "اب كرب اسعد" "أبكرب أسعد" "أبو كرب أسعد" على هذا النحو: "أسعد تبع" و "أسعد تبع بن ملكيكرب" و "أسعد الكامل"، فأسقطوا "اب كرب" "أبكرب" منه، وأخذوا الجزء الأخير منه وهو "اسعد". ويظهر إن فتوحاته كانت قد تركت أثراً في ذاكرة أهل اليمن، وقد بقي ذلك الأثر إلى الإسلام، ولكن الزمن والعصبية لعبا دوراً خطيراً في تكييفه حتى طغى عليه الطابع الأسطوري، فوصل إلينا على نحو ما نجده في كتب أهل الأخبار والتواريخ.

ولقد تولى هذا الملك - على رأي المستشرقين-الحكم منفرداً من سنة "400" بعد، الميلاد حتى حوالي سنة "415" أو "420 ب. م." على رأي، أو من سنة "385" حتى سنة "420 ب. م." على رأي آخر، أو من سنة "378" حتى سنة "415 ب. م." على رأي "فلبي". والذي أراه إن حكمه امتد إلى ما بعد السنة "430" للميلاد، كما سأشرح ذلك في موضعه. وقد أضاف إلى لقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" الذي ورثه من أبيه إضافة جديدة في آخره، هي: "واعربهمو طودم وتهمتم"، أي "وأعرابها في الجبال وفي التهائم"، فصار بذلك أًول ملك سيحمل هذا اللقب.

ولا بد إن تكون للإضافة التي ألحفت بآخر اللقب معنى سياسي مهم، اذ لا يعقل إن يكون هذا الملك قد ألحقها باللقب اعتباطاً من غير قصد. والظاهر إن الذي حمله على إلحاقها به، هو ظهور أهمية الأعراب، ولا سيما أعراب الهضاب وأعراب جنوب نجد من قبائل "معد" وقبائل تهامة او التهائم، أي المنخفضات الساحلية ، بالنسبة إلى زمانه اذ صاروا يؤثرون في سياسة العربية الجنوبية تأثيراً واضحاً، وصار في استطاعتهم احداث تغيير كبير في الوضع السياسي، فانتبه لقوتهم هذه وأعارها أهمية كبيرة، فأضاف اسمهم إلى اللقب، دلالة على سيطرته عليهم وخضوعهم له، كما فعل الملوك الماضون بإضافة أسماء جديدة إلى ألقابهم الملكية كلما اخضعوا أرضاً من الأرضين.

ومعنى ذلك إن حكم "أبو كرب اسعد" كان قد شمل التهائم بأعرابها وقراها وكذلك قبائل معدّ التي تمتد منازلها من أرض نجران إلى مكة ونجد.

وعلى مقربة من مدينة "غيمان" قبر ينسب إلى هذا الملك، وقد فتح من عهد غير بعيد. وذكر أن "غيمان" كانت مقراً للتبابعة مدة ما، وان "أب كرب أسعد" أقام بها زمناً. ويظن إن الرأس المصنوع من البرنز الذي يمثل رأس امرأة والمحفوظ في المتحف البريطاني، والرأس الجميل الذي يمثل مهارة فائقة في الصنعة ويمثل رأس رجل، كلاهما قد أخذ من ذلك القبر.

ويقع قبر "أسعد أبو كرب" أسفل التل الذي أقيم عليه قصر "غيمان" "حصن غيمان". وقد دل البحث في موضعه على انه يعود إلى عهود متعددة، وان جملة ترميمات وإصلاحات أدخلت على هذا القصر.

وقد ذكر "الهمداني" إن "ابيكوب أسعد" خَان قد أقام في مدينة "بينون"، أوقام أيضاً في مدينة "ظفار" أقام في قصر "ريدان" ب "ظفار" وفي قصر "هكر" بمدينة "بينون"، كما أقام في قصر "غيمان" وفي قصر "غمدان" بصنعاء وهي كلها من قصور اليمن وحصونها الشهيرة المذكورة في تأريخ اليمنْ.

وقد أخذ جماعة من المستشرقين برواية أهل الأخبار في تهود "أب كرب أسعد" "أبكرب أسعد"، فجعلوه على رأس أسرة متهودة حكمت منذ هذا العهد. وجعله "فلبي" رأس الأسرة الثامنة من الأسرة التي حكمت السبئيين بحسب ترتيبه لقائمة الأسر الحاكمة.

ويدل عثور "فلبي" على كتابة دوّن فيها اسم "أب كرب أسعد" واسم ابنه "حسان يهأمن" في وادي "مأسل الجمح" "ماسل جمح"، في موضع مهم على طريق بين "مكة" والرياض، ولا يزال يعرف اسم جمح على أن هذا الموضع كان من جملة الأرضين الخاضعة لحكم ذلك الملك، وان نفوذه كان قد جاوز اليمن حتى بلغ نجداً. وبلغ هذه الأرض المهمة التي تجتازها القوافل والتجارات حتى اليوم، وكانت تعدّ من منازل قبائل "معد" في ذلك الحين، وهي قبائل متحالفة يجمع شملها هذا الاسم.

والكتابة التي أقصدها، هي الكتابة التي وسمت ب Philby، وقد دوّنت عند إقامة حصن في وادي "ماسل الجمح"، وورد فيها اسم موضع آخر هو "مودم ضمو". ويرى "فلبي" انه المكان المسمى "دودمي" "دوادمي" في الزمن الحاضر. وقد وردت فيها أعلام أخرى، منها: "كدت" "كدة"، و "سود"، و "وله" "وده".

وقد ذكر "الهمداني" إن "مأسل الجمح" كان من مواضع "نُميَر". واسم "نمير"، قريب من اسم قبيلة Nomeritae التي ذكرها "بلينيوس" اذ قال:Nomeritae Mesala Oppido، ولذلك ذهب بعض الباحثين إلى إن "مأسل الجمح" كان من مواضع "نمير"، وذلك في أيام "بلينيوس"، أي في أواخر القرن الأول قبل الميلاد فما بعده.

ويظهر إن الملك "أب كرب أسعد" أقام هذا الحصن في "وادي مأسل" ليكون معقلاً تقيم فيه قوات سبئية لحماية الطريق من هجوم القبائل وتعرضها للقوافل التي تسلك هذا الوادي محملة بالبضائع والتجارات بين اليمن ونجد، وهو طريق مهم من الطرق التي تصل أرضى اليمن بنجد وبشرق الجزيرة.

وقد افتتح نص: Philby بجملة: "ابكرب اسعد وبنهو حسن يهأمن ملكي سبا وذ ريدان وحضرموت ويمنت واعربهمو طودم وتهمتم بن حسن ملك كرب يهامن ملك سبا وذ ريدان وحضرموت ويمنت"، أي "أبو كرب اسعد. وابنه حسان يهأمن، ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الأطوأد والتهائم، أبنا حسان ملكيكرب يهأمن ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت". فيفهم منها إذن أن اسم والد "أبي كرب اسعد" هو "حسان ملكيكرب يهأمن"، لا "ملكيكرب يهأمن". فهل نحن أمام ملك واحد، عرف ب "ملكيكرب يهأمن" وب "حسان ملكيكرب يهأمن"، ام أمام ملك آخر غير الملك "ملكيكرب يهأمن"? ويتبين من هذا النص إن الملكين كانا قد غزوَا "كسباو" ارض "مودم ضمو". غزواها بجمع من أهل حضرموت وسبأ وبني مأرب أي أهل مأرب وبأصاغر الناس "صغرم". وكان في جيشهما "المقتوين" "مقتوتهمو"، أي القادة: قادة الجيش. وأشير في النص إلى أعراب كندة "باعربهمو كدت" والى "سود" و "وله" "واله".

ولدينا كتابة وسمت ب Ryckmans 534، ورد فيها اسم الملك "أبو كرب اسعد" وأشير فيها إلى ستة أولاد من أولاده. وهي كتابة مورخة، ويقابل تأريخها الحميري "543" السنة "428 م" أو "4344 م"، كما عثر على كتابة أخرى وسمت ب Ryckmans 534 يرى من حرسها إنها يجب إن تكون قد كتبت بعد السنة "433" أو "439 م". ومعنى هذا إن حكم "أبي كرب اسعد"، قد جاوز السنة "328 ب. م." أو السنة "430 ب. م.، أي إن تقدير الذين جعلوا نهاية حكم "أبي كرب اسعد" في سنة "415ب. م." أو "420 ب. م."، هو تقدير خاطى. والظاهر انهم قد وقعوا في هذا الخطأ، لأن الكتابتين المذكورتين لم تكونا قد نشرتا في ذلك العهد.

وقد أشير في الكتابة Rossi 24 إلى ستة أو سبعة أبناء للملك "أبو كرب اسعد". وتشير الكتابة الموسومة ب Ryckmans 409 إلى حملة قام بها الملك "أبو كرب أسعد" وابنه الأول "حسان يهأمن" على "وادي مأسل" في أرض "معد". وقد ساهم بها معه جمع من "كندة". ونجد قبيلة "كندة" ذكر في الكتابات التي يعود عهدها إلى ما بعد الميلاد.

وذهب "كروهمن" إلى إن ورود اسم "أبو كرب اسعد" في النص: Jamme 856- وهو من النصوص السبئية المتأخرة - يجعل أيامه في السنين الثمانين فما بعد من القرن الخامس للميلاد. وقد قدّر أيام حكمه بحوالي السنة "400" بعد الميلاد.

ويظهر إن حكم الملك "ابي كرب اسعد"، كان حكماً طويلاً، وان عمره كان عصراً طويلاً أيضاً وذلك لأنه كان ملكاً إلى ما بعد السنة "430" بعد الميلاد، واذ قد ذكر ملكاً مع والده في النص المؤرخ بسنة "378 ب. م." أو "384 ب. م."، فيكون مجموع حكمه قد بلغ زهاء خمسين سنة أو اكثر من ذلك بقليل. ولو فرضنا انه كان في حوالي العشرين من عمره يوم ذكر مع أبيه في النص، فيكون عمره أذن يوم وفاته حوالي السبعين، أو بعد ذلك بسنين.

لقد استطاع "ابو كرب اسعد" توسيع ملكه، حتى بلغ البحر الأحمر والمحيط الهندي والأقسام الجنوبية من نجد، وربما كان قد استولى على جزء كبير من الحجاز. وفي روايات أهل الأخبار عن فتوحاته وعن غزواته أساس من الصحة، وان دخل فيها عنصر المبالغة والقصص. ولا بد إن يكون هذا الملك ذا شخصية قوية وكفاية مكنته من القيام بتلك الفتوحات والتغلب على القبائل، حتى تركت أعماله أثراً بقي يتنقل بين الأجيال، ويتطور بمروره على الأفواه حتى وصل إلينا على الشكل الذي نقرأه في كتب أهل الأخبار.

وقد ذكر "الطبري" إن "اسعد ابو كرب بن ملكيكرب"، ونعته ب "تبع" كان قد قدم بجيوشه الأنبار، وأسكن من قومه الأنبار والحيرة، ثم رجع إلى اليمن. وذكر غيره انه "تبان اسعد أبو كرب بن قيس بن زيد الأقرن بن عمرو ذي الأذعار، وهو تبع الآخر، ويقال له الرائد، وكان على عهد يستأسف أحد ملوك الفرس الكيانية وحافده اردشير، وملك اليمن والحجاز والعراق والشام، وغزا بلاد الترك والتبت والصين، ويقال إنه ترك ببلاد التبت قوماً من حمير... وغزا القسطنطينية ومر في طريقه بالعراق فتحير قومه فبنى هناك مدينة سماها الحيرة... ويقال انه أول من كسا الكعبة المُلأ ونجعل لبابها مفتاحاً وأوصى ولاتها من جرهم بتطهيرها ودام ملكه ثلثمائة وعشرين عاماً".

وهذه الفتوحات التي نسبوها إلى "تبان أسعد"، هي مثل الفتوحات التي نسبوها ل "شمر يرعش"، وهي في الواقع تكرار لها. والظاهر إنها خلط بين فتوحات الملكين التي وضعها لهما أهل الأخبار.

 

خرافة لا أصل لها من الحقيقة عن سبأ وسد مأرب

 

{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)} سبأ

 

هذه خرافة باهتة مما اخترعه محمد، التاريخ لا يُفهم بهذه الطريقة الأسطورية، تغير مناخ اليمن التدريجي وهو السمة العامة التي تتعرض لها المنطقة منذ قرون ولا تزال، حيث تتجه كامل منطقة الشرق الأوسط للتصحر، في القديم كان بشبه جزيرة العرب حياة حيوانية مزدهرة وأسود وغيرها، وفي مصر كان هناك قرود وتماسيح وأفراس نهر، تغيرت البيئة وانقرضت كثير من الحيوانات، كذلك كانت هجرات قبائل اليمن منها بسبب تغير المناخ وازدياد التصحر، ولعامل آخر ذكرته مقالات: منذ القرنین الثاني والثالث قبل المیلاد تكرست الفرقة في الیمن بظهور عدد من الدول في زمن واحد هي: سبأ ، قتبان ،معین ، حضرموت ، ثم حمیر ، وبدأ الیمنیون یهملون الزراعة اعتماداً على المكاسب الهائلة التي كان یدرها النشاط التجاري ، وقد تعرضت الممالك الیمنیة إلى ضربة شدیدة بعد أن نجح (البطالمة) في مصر من التوصل إلى أسرار الملاحة في البحر الأحمر والمحیط الهندي فانتقل الطریق التجاري من البر إلى البحر ، واتجه البطالمة للتجارة بحراً دون وساطة الیمنیین مما أضعف من قدراتهم وأضعف من هیبتهم بین الأمم .

 

 

تفسير خرافي لأصل اسم الإلهة الوثنية اللات

 

روى البخاري:

 

4859 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوْزَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ {اللَّاتَ وَالْعُزَّى} كَانَ اللَّاتُ رَجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ

 

حسنًا أنا شخصيًّا كنت أظنه تأنيثًا لاسم الله، وربما هذا ما خمّنه المسلمون الأوائل فأرادوا الهروب منه، لكن اتضح لي أن أصل الاسم غير عربي وهو كالتالي، حسب دائرة المعارف الكتابية لوليم وهبة:

 

أيلات- أيلة

 

اسم ميناء على الطرف الشمالي لخليج العقبة، وكانت تقع على تخوم أدوم، وتذكر مع عصيـون جابر فى رحلات بنى إسرائيـل حول أرض أدوم (تث 2: 8) . وتكتـب "أيلات"و" أيلون " فى الترجمة السبعينية . ويسميها يوسيفوس " أيلانيس " مما يدل على أن اسمها الأرامي " أيلان " أو " أيلانا " كان يستخدم مع العبري " أيلة " و " وأيلوت " . ولابد أنها سميـت هكذا ( ومعنى اسمهـا " بلوطة " ) لوجود بعض الأشجار المقدسة وقد تكون هى " بطمة فاران " ( تك 14: 6 ) وإيلة ( تك 36: 41 ) .

 

أيلة

 

ومعناه "البلوطة" أو "البطمة" وهو اسم:

( 1 ) أحد أمراء أدوم (تك 36: 41، 1 أخ 1: 52).

( 2 ) أحد ابناء كالب بن يفنة، وهو أبو قنار (1 أخ 4: 15).

( 3 ) أبي هوشع آخر ملوك إسرائيل (2 مل 15: 30، 17: 1).

( 4 ) بنياميني ابن عزي أحد الرؤساء من سبط بنيامين، ومن الذين سكنوا في أورشليم عند الاستقرار في أرض الموعد (1 أخ 9: 8)

( 5 ) ابن بعش، ورابع ملوك اسرائيل (1 مل 16: 6- 14)

 

أما معجم المحيط الجامع في الكتاب المقدس وشعوب الشرق القديم_المكتبة البولسية_لبنان، فذكر:

 

ايلات

مرفأ أدومي على الذراع الشرقيّة للبحر الأحمر. يرتبط اسمه بشجرة مقدسة (السنديان). احتُفظ بذكرها في ايل فاران (تك 14: 6: شجرة مقدسة في فاران). وإن القبيلة الادومية ايلة ارتبطت بإيلات. كانت إيلات وعصيون جابر مرفأين بحريين، وشكّلتا مركزا تجاريا هاما باتجاه الجزيرة العربية. ولهذا كان امتلاك ايلات مهمًّا لبني اسرائيل. فكانت الحروب ضد الأدوميين (داود: 2صم 8:14). جعل سليمان ويوشافاط المرفأ في عصيون جابر، وجهّزا فيه اسطولا تجاريا (1مل 9:26؛ 22:48 ي). لن تذكر إيلات فيما بعد إلا في زمن عزريا (2مل 14:22؛ 2أخ 26:2؛ رج إش 2:16). خسر بنو اسرائيل نهائيا مرفأ ايلات في أيام أحاز (2مل 16:6). في أيام الرومانيين سميت المدينة أيلا. بالنسبة الى حفريات تل الخليفه رج * عصيون جابر.

 

إذن لم يكن معنى الاسم في أصله الآرامي إلا شجرة، بلوطة، ولا يزال اسم ميناء إيلات بإسرائيل- فلسطين شاهدًا، ويعلم علماء الأديان القارئون في نصوص وتواريخ أديان منطقة العراق وسوريا وفلسطين وغيرها، وتواريخ العرب من ابن هشام والبخاري ومسلم وأحمد، وما حكته توراة اليهود، أن الوثنيين القدماء كانوا يقدّسون بعض الأشجار رمزًا للخصوبة والولادة والأمومة والأنوثة، وأحيانًا رُمِز لإلهة من إلاهاتهم بشجرة.

وذكر البيهقي في دلائل النبوة عن إلهة أنثى أخرى هي العُزَّى:

 

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد ابن فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى نَخْلَةَ وَكَانَتْ بِهَا الْعُزَّى، فأتاها خالد بن الْوَلِيدِ وَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثِ سَمُرَاتٍ، فَقَطَعَ السَّمُرَاتِ، وَهَدَمَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ،....إلخ

 

وقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطبري في تفسيره: وَكَذَا العُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ.وَكَانَتْ شَجَرَةً عَلَيْهَا بِنَاءٌ وَأَسْتَارٌ بِنَخْلَةَ، وَهِيَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، كَانَتْ قُرَيْشٌ يعظمونها..إلخ

 

يبدو أن العقل العربي الذكوري لكتبة كتب الحديث والتفاسير أصحاب السلطة الدينية لم يتحمّل فكرة أن عقيدة الأنوثة لبعض أشكال الألوهية القديمة أصيلة قديمة لا ترجع إلى اسم رجل ذكر، ويقول الطبري:

 

يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها المشركون اللات، وهي من الله ألحقت فيه التاء فأنثت، كما قيل عمرو للذكر، وللأنثى عمرة; وكما قيل للذكر عباس، ثم قيل للأنثى عباسة، فكذلك سمى المشركون أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره، وتقدّست أسماؤهم، فقالوا من الله اللات، ومن العزيز العُزَّى; وزعموا أنهن بنات الله..إلخ

 

لكن اليوم نعلم عن التراث الميثيولوجي والتاريخ الديني وجود عشرات الإلهات الإناث ومئات وآلاف منها، كسخمت وباستت وإيزيس ونفتيس وحتحور وأمنيت وعديد من أسماء إلهات مصر القديمة، وعشتار (إنانا) وعشتروت وأرشكيكيجال وعناة والعزّى وأيلات عند العراق والشام القديمة والأنباط، ومناة (قد تكون هي نفسها عناة الفلسطينية) واللات والعُزّى (إلهتان من أصل نبطيّ أردنيّ لهما آثار في البتراء) وشجرة ذات أنواط المذكورة بكتب السيرة والحديث وغيرها عند قدامى العرب هؤلاء.

 

فرضية أن التوحيد هو الأصل في العقائد

 

{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)} المؤمنون

 

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)} الشورى

 

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)} البقرة

 

وجاء في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بنى إسماعيل، أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم، حين ضاقت عليهم، والتمسوا الفُسَح في البلاد، إلا حمل معه حجراً من حجارة الحرم تعظيما للحرم، فحيثما نزلوا وضعوه، فطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم، حتى خلف الخُلوف، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها: من تعظيم البيت، والطواف به، والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة، وهَدْي البُدْن، والإهلال بالحَج والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه. فكانت كنانةُ وقريش إذا أهلُّوا قالوا: "لَبَّيك اللهمَّ لبيك، لَبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكُه وما مَلَكَ ". فيوحدونه بالتلبية، ثم يُدخلون معه أصنامَهم، ويجعلون مِلْكَها بيده. يقول اللّه تبارك وتعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] أي ما يوحدونَنى لمعرفة حقِّي إلا جعلوا معي شريكاً في خلقي.

 

نظرية الإسلام وفرضيته، ولعلها نفس فرضية اليهودية والمسيحية، أن البشر بدؤوا موحدِّين ثم صاروا إلى الوثنية والتعددية، أدبيات سيرة ابن هشام وغيرها تحكي وتطيل في التنظير لذلك كسردهم لعبادة أصنام نوح الخرافي على أنها كانت تماثيل قوم صالحين أو تعدد آلهة وكعبات وبيوت تعبد قدماء العرب بأخذهم حجارة من الكعبة وما حولها ثم قدَّسوها وعبدوها، لكن الواقع والتاريخ وعلم الأديان وعلم تاريخ الأديان يقول بالعكس تمامًا، بدأ البشر في العصور الحجرية بعبادات الطوطم (حيوانات أو رموز أو أشجار اعتُبِرَت رمزًا للقبيلة ومقدّسة) ثم عبادة الآلهة المتعددة (تماثيل حجرية أثرية لآلهة منتصبة القضيب مثلًا أو تماثيل غير متقنة تمثل سيدة سمينة تُعرف بالأم أو الإلهة الكبرى، وأقدم منها رسومات كهوف أهل الكهف الممثلة للشامان وهو يقوم بسحره، يلي ذلك ظهور أديان الحضارت لاحقًا في العراق ومصر والشام والهند والصين وغيرها)، ثم عند البعض تفريد إله بالعبادة رغم الاعتراف بوجود آلهة أخرى كعبادة سين إله القمر أو نبو في العراق أو آمون مثلًا في بعض أشكالها، وجمع عدة آلهة متشابهة ذكورًا أو إناثًا لوحدة أو تقارب وظائفهم واعتبارهم إلهًا واحدًا بأسماء مختلفة، والبعض رأوا في آمون-رع أن كل الآلهة تجليات وأقانيم له، وفي بعض مذاهب الهندوس (الـﭭيدانتا) نفس الفكرة عن براهما أو براهمان أو أتمان روح الإله الحالّة في كل شيء وأن الكلَّ آلهةً وبشرًا وكائناتٍ تجليات له) ثم وصولًا للتوحيد كما في آتونية إخناتون واليهودية والزردشتية والمسيحية والإسلام والسيخية وغيرها. كل أدلة علم الآثار وتفاصيل علم الأديان كما درسته وتعمَّقت فيه تؤكِّد ترتيب الأمور وتطورها عكس ما يقول القرآن والتوراة بالضبط. علم الآثار يؤكد أن توحيد اليهودية للإله لم يبدأ سوى على يد يوشيَّا وكهنته في القرن السابع قبل الميلاد حينما هدم كل المعابد الأخرى عدا الذي في القدس أورشليم كما دلت عليه الآثار (راجع كتاب التوارة مكشوفة على حقيقتها، وبرنامج التوراة مكشوفة الحجاب). حتى إخناتون مثلًا في البدء_كما أثبتت الآثار _وضع بجوار آتون (آمون رع الشمس وحده كإله) زوجته أمنيت، ثم تفكَّر قليلًا فقام بإلغائها نتيجة تطور فكره الديني ورؤيته عدم صلاحية فكرة الزوجة والجنس لإله.

 

 

 

التوراة لم يتم تأليفها أو "نزولها" جملة وقطعة واحدة

 

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)} الفرقان

 

{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)} الأعراف

 

هذه النصوص بها خطأ من وجهة نظر من اطلع على التوارة نفسها، لأنها كالقرآن لها أسباب نزول وناسخ ومنسوخ كما عرضت في (نقد كتاب اليهودية)، مثلًا التشريع الأول جعل الكهانة واجبًا على أول بكر من أبناء كل الأسباط، ثم تم إلغاء هذا وجعلها لسبط لاوي فقط، كذلك آية أو عدد تشريع توريث البنات لو لم يكن لأبيهن أولاد ذكور لأن اليهودية الأصلية لا تعطي ميراثًا في الأصل للإناث جاءت بحالة وقضية بنات أتين لموسى عارضين تلك الحالة عليه لكي لا يضيع ميراث أبيهن، وغيرها، حسب التوارة وأسطورتها فقط الوصايا العشر هي التي نزلت قطعة أو جملة واحدة، لو أخذنا بزعمها. لم تنزل التوراة ولا أي نص ديني عمومًا بطريقة الكتاب المنشور من دار نشر والصادر على مرة واحدة وبلا تعديلات تقريبًا. وواضح أن محمدًا تصور أن الألواح (يعني اللوحين الأسطورين) لم يكن منقوشًا عليهما فقط الوصايا العشر، بل كل التوارة، ولو تمت كتابة التوارة على حجارة أو طين مشويّ كألواح لاحتاج موسى لجمال أو دواب وربما عربة نقل، ربما حتى حاوية Container مما ننقل به بضائع المحلات الكبرى جدًّا ككارفور وما يشبهه أو الأثاث للقصور. أما من الناحية العلمية والتاريخية فهي مكتوبة بعد الزمن الافتراضي لموسى الغير مؤكد وجوده من عدمه بكثير، في القرن السابع قبل الميلاد، بعصر الملك يوشيَّا في معظمها، ويُعتقد لتناقضاتها أن لجنة جمع التوارة (كلجنة جمع القرآن بعهد عثمان نوعًا ما) جمعوها ونقلوها وصاغوها من عدة نسخ مختلفة للقبائل العبرية لذلك نجدها فيها تكرارات لقصص أحيانًا منسوبة لعدة أشخاص بنفس القصة، كقصة أبيمالك مع عدة آباء أسطوريين لليهود، وتناقضات في التشريعات، وفي مديح شخص في نصوص وسرد قصص تعيبه في أخرى، لأن مصالح المصدر الكهنوتي كانت تختلف عن اليهوي وغيرها من مصادر حسب نظرية أو فرضية المصادر، وكان الغرض من توحيد كل ذلك رغم تنافراته وتناقضاته عمل كتاب وأسطورة تأسيس تجمع كل قبائل العبرانيين على أن لهم آباء مشتركين وهوية واحدة.

أصل كلمة يهود

 

حسب تفسير محمد نفسه في القرآن فأصلها قول اليهود:

 

{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)} الأعراف

 

هدنا أي تبنا وعدنا، ولكن هذا تفسير غلط، لأن أصل الانتماء والمسمى كنسب يعود إلى إقليم يهوذا أو اليهودية في فلسطين القديمة، حيث تم اختراع الدين اليهودي في يهوذا بالذات على يد لجنة كهنة يوشيَّا بشكله الأساسيّ وأسسه المعروفة. وتقول دائرة المعارف الكتابية لوليم وهبة:

 

كلمة " يهود " مشتقة من " يهوذا " ، الابن الرابع ليعقوب من زوجته ليئة ( تك 29 : 31 - 35 ) . وقد أطلقت " ملمة يهود " أولا على بنى يهوذا الذين طردهم " رصين " ملك أرام من أيلة على خليج العقبة ( 2 مل 16 : 6 ) . وفي عصر إرميا أصبحت اسما عاماً لكل بنى إسرائيل فيما قبل السبي ( فى أواخر القرن السادس قبل الميلاد - انظر مثلا إرميا 32 : 21 ) تمييزا لليهود عن غيرهم من الأمم المحيطة بهم ، وتستخدم الكلمة مرادفاً لكلمــة " عبرانيين " ( إرميا 34 : 9 ) . كما يذكر إرميا أن نبوخــذ نصر سبى " من اليهود " فى السنة السابعة من ملكه ، ثلاثة آلاف وثلاثة وعشرين ( إرميا 52 : 28 ) .

وعندما كان الشعب في السبي البابلي ، اتسع مرمى الكلمة ليشمل كل أتباع الديانة اليهودية ، فقد كان اليهود يختلفون عن الشعوب المحيطة بهم ، إذ كانوا يعبدون الله الحي الحقيقي ، وهكذا انقسم العالم إلى : " يهود وأمم " وقد تقدم رجال كلدانيون إلى نبوخذ نصر ملك بابل ، قائلين له " يوجد رجال يهود ..لم يجعلوا لك أيها الملك اعتباراً، آلهتك لا يعبدون، ولتمثال الذهب الذي نصبته لا يسجدون" ( دانيال 3 : 8 - 12) . كما أن سفر أستير يبرز موضوع انفصال اليهود عن سائر الشعوب ، مما جعلهم موضع عداء .

 

أما قاموس (المحيط الجامع في الكتاب المقدس وشعوب الشرق القديم) فيقول:

 

يهوديّ

1) شخص يقيم في اليهوديّة التي هي امتداد لأرض يهوذا. بعد الرجوع من المنفى لم تعد "بقية يهوذا" إلاّ مقاطعة (يهودا) يسكن حولها أمم مجاورة كالأدوميّين والعمونيّين والعرب. سمّيت المقاطعة في اليونانيّة "يودايا" أي الأرض اليهوديّة. وسمّيت أيضاً أرض اليهود (أع 10 :39). ولكن منطقة اليهوديّة الصغيرة أخذت تتّسع بفعل حروب المكابيّين. في بداية المسيحيّة، كان اليهود يعيشون خارج اليهوديّة، بل خارج فلسطين في ما يسمّى الشتات. لهذا اتّخذت كلمة "يهوديّ" معنى عرقيًّا ووطنيًّا (اس 10 :3؛ 1مك 2 :23؛ اع 16 :1، 20؛ 21 :39). يتكلّم اليهود اللغة اليهوديّة (2مل 18 :26؛ 2أخ 32 :12؛ إش 36 :11؛ 13، نح 13 :3) أي اللغة الأراميّة. أما يهود الشتات فيتكلّمون اليونانيّة (يو 7 :35؛ أع 16 :1). في إنجيل يوحنا يعني اليهود السلطات اليهوديّة المعادية ليسوع (يو 1 :19؛ 2 :18؛ 5 :10؛ 7 :3؛ 9 :22؛ 18 :12؛ 19 :38؛ 20 :19).

 

تحريمات الأطعمة عند اليهود ليست نتيجة عقاب إلهيّ

 

افترض محمد أن كثرة تحريمات الأطعمة في سفر اللاويين من التوراة هو نتيجة غضب إلهي عليهم بزعمه:

 

{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)} الأنعام

 

{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)} النحل

 

{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} النساء: 160

 

ومما جاء في تفسير الطبري على سورة الأنعام: 146:

 

قال أبو جعفر: و"الحوايا" جمع، واحدها"حاوِياء"، و"حاوية"، و"حَوِيَّة"، وهي ما تحوَّى من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللبن، وهي"المباعر"، وتسمى"المرابض"، وفيها الأمعاء.

* * *

وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

14109- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (أو الحوايا) ، وهي المبعر.

 

 (1) ((الربض)) (بفتحتين) و ((المربض)) (بفتح الميم، وفتح الباء أو كسرها) ، و ((الربيض)) مجتمع الحوايا، أو ما تحوى من مصارين البطن. و ((بنات اللبن)) : ما صغر من الأمعاء.

14118- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أو الحوايا) ، يعني: البطون غير الثروب.

 

لكن هذه الفرضية غير سليمة، بدايةً فتحريم الخنزير أو الحمير على المسلمين لم يكن نتيجة غضب إلهي، بل هذه تابوهات Tabbos خرافية يحتاج الخوض فيها إلى جدال وبحث ليس هذا موضعه، لكنها محرمة لأسباب خرافية تعتبر رمزًا للدين ووحدة المجموعة، أو لتأسيس قواعد أخلاقية سليمة أو غير سليمة كتحريم القتل وسفاح القربى، إن تحريم الجمال والأرانب والنعام والقشريات البحرية وغيرها عند اليهود ليست إلا تابوهات خرافية، ليست نتيجة غضب إلهي، بل بلايا العقول البشرية الدينية البدائية على الأصح، وجاء في موسوعة الويكيبديا بالإصدارة الإنجليزية ما ترجمتي له:

 

التابو هو تحريم شديد لفعل على أساس الاعتقاد بأن مثل هذا السلوك إما مقدس للغاية أو ملعون جدًّا بحيث لا يمكن للأفراد العاديين أن يقوموا به، تحت تهديد بعقاب فوق طبيعيّ. مثل هذه المحرمات موجودة في كل المجتمعات تقريبًا وعمليًّا. توسع في استخدام الكلمة إلى حد ما في علم الاجتماع لتعني التحريمات القوية المتصلة بأي جانب من النشاط أو العادات البشرية التي هي مقدسة أو محرم فعلها بناء على حكم أخلاقي أو اعتقادات دينية. انتهاك تابو يعتبر عادةً موضع رفض واعتراض من جانب المجتمع عمومًا، وليس فقط مجموعة فرعية (أقلية) لثقافة ما.

 

الكلمة نفسها جاءت من اللغة البولينزية القديمة التي هي أصل لعدة لغات في الجزر، فهي لسان جزيرة تونجا ولسان مائوري: تاﭘو بباء ثقيلة، وفي لغة فيجي تابو، وفي لسان هاواي: كاﭘو، وفي لغة مالاجاسي: فادي، الكلمة دخلت اللغة الإنجليزية وصارت مصطلحًا في علم الأديان والاجتماع منذ عام 1777م على يد المستكشف البريطاني جيمس كُكْ James Cook  الذي زار جزيرة تونجا ووصف الممارسات الثقافية للتونجويين، وكتب [يبدو أنه هنا في الفقرة المقتبسة كان قد قدم لهم طعامًا_المترجم]:

لا أحد منهم جلس، ولا أكل قضمة من أي شيء، لدهشتي لهذا فقد كانت كلها تابو (محرمة)، كما قالوا، والتي هي كلمة لها معنى متوسع وشامل، لكنها_في العموم_تعني أن شيئًا ما محرَّمٌ.

 

...عندما يكون أي شيء محرّم أكله أو استعماله، فإنهم يقولون أنه تابو.

 

أصل الكلمة

 

المصطلح ترجمه جيمس كُكْ بمعنى حرام لا يجب انتهاكه، مكرَّس مقدَّس، محرَّم، نجِس، أو ملعون. كلمة تابو ليست تونجاوية الأصل، بل موروثة من اللغة البولينزية القديمة لأن لغة تونجا نفسها ليس فيها ب ثقيلة، والبولينزية بدورها ورثتها من اللغة المحيطية القديمة. في الاستعمال الحالي للكلمة في لسن تونجا فإن الكلمة تعني مقدس وغالبًا بمعنى كونها محظورة أو مقيَّدة أو محمية بعرف أو قانون. على الجزيرة الأكبر لتونجا تستعمل الكلمة غالبًا بالإضافة إلى كلمة تونجا بكلمة "تونجا تابو" لتعني هنا "الجنوب المقدّس" وليس "الجنوب المحرَّم".

 

أمثلة

 

افترض سيجمُنْد فرويد في كتابه (الطوطم والتابو) أن سفاح الأقارب وقتل الأب هما التابوهين الوحيدين العالميين ويشكلان أساس الحضارة. رغم ذلك، فرغم أن أكل لحوم البشر، والقتل داخل نفس المجموعة البشرية، وسفاح المحارم هي تابوهات في أغلب المجتمعات، فإن الأبحاث الحديثة وجدت استثناآت لكلٍّ منها ولا تابو يُعرَف بأنه عالميّ.

 

تتضمن التابوهات الشائعة تقييدات أو تنظيم طقسيّ للقتل والصيد والجنس والعلاقات الجنسية (على نحو أساسي سفاح المحارم والجنس مع الجثث والزواج المختلط بين الأجناس أو الأديان المختلفة والزنا [هنا الكلمة في الإنجليزية لها معنيان، قاموس أكسفورد Pocet Oxford Dictionary لا يذكر سوى المعنى الحديث المعروف للمعاصرين المتحضرين لكلمة adultery وهو أنه العلاقة الطوعية بين شخص متزوج مع آخر غير زوجه، أما المعنى القديم فلا يذكره القاموس ولم يعد الغربيون المعاصرون يستعملون سوى القليل من المتدينين الأصوليين منهم هذه الكلمة لتعني العلاقات الجنسية بدون زواج، كما هو استعمال الكلمة في الكتاب المقدس، وتكاد تكون استعمالًا مهجورًا مُماتًا في أورُبا وأمِرِكا وأستراليا، وكلا المعنيين عند المسلمين العرب لهذه الكلمة، أما فعلfornicate  فيقول عنه أنه استعمال قديم أو مُمات تعني قيام شخصين غير متزوجين بعلاقة جنسية، وهذا كما أرى هو تطور اللغة ومعانيها مع تطور القيم الأخلاقية وتخلص المجتمعات من التابوهات الخرافية غير الضرورية_م]، الجنس مع الأطفال وتعشقهم، والمثلية الجنسية، والزواج بين أفراد الأسرة [في الإسلام واليهودية يعني هذا تحريم زواج الأب بابنته أو الأم بابنها أو الأخ بأخته وما شابه وهذا يبدو تنظيمًا معقولًا مقبولًا، وفي المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية يحرمون زواج أبناء العم وأقارب الدرجة الأولى وهو بنظري تشريع عجيب شاذّ وتقول الكتب أنهم أخذوه ليس من شرائع التوراة بل من تحريمات وتقاليد وتابوهات الرومان واليونان في مجتمعيهم وفسره البعض بمعيشة أغلب هؤلاء ببيوت كبيرة كان يوجد بها كل الأسرة ومعلوم أن من يعيشون سويًّا في الطفولة بدافع بيولوجي غامض يشعرون بمشاعر أخوة وعدم ميل للزواج من بعضهم البعض_المترجم] والجنس مع الحيوانات، والاستمناء، والإجهاض وقتل الأطفال الرضع، والتعرض للموتى وقبورهم، وكذلك الطعام وقواعد تناوله (على نحوٍ أساسيٍّ أكل لحوم البشر، وشرائع الطعام، مثل الطعام اليهودي الحلال (كاشروت dining) والحلال في الإسلام ومثله في الهندوسية وغيرها...إلخ

 

اكتسبت كلمة تابو شعبية في استعمالها في أحيان كثيرة، وقد استعملها بعض الباحثين بدلًا من الكلمات الإنجليزية التي قد استُعمِلَت سابقًا بنفس المعنى، كمثال في كتابه (الكتاب المقدس الأمِرِكيّ) في مقدمة المحرر لطبعة 1927 استعمل كلمة تابو عدة مرات فيما يتعلق بخيمة المسكن الإسرائيلية التي كانت قبل بناء الهيكل وقوانين الطقوس، بما في ذلك الخروج30: 36، و29: 37، والعدد16: 37-38، والتثنية22: 9، وإشعيا65: 5، وحزقيال44: 19 و46: 20.

 

 

التوظيف للمصطلح

 

جادل المنظِّرون الشيوعيون والماديون الجدليون بأن التابوهات يمكن استعمالها للكشف عن تواريخ المجتمعات عندما تُفتَقَد التسجيلات الأخرى. سعى Marvin Harris على وجه الخصوص لتفسير التابوهات كنتيجة للظروف البيئية والاقتصادية.

 

[تعليق: التفسيرات الشيوعية الماركسية تظل بنظري دومًا جزئية ولا تفسر وحدها كل الظواهر الاجتماعية والدينية والأخلاقية، ولا تنطبق على كل الأمور والحالات، عادةً يتسم شيوعيو الشرق بالذات بدوجمائية وشمولية فكرية وثوقية شبيهة بالإيمان الأعمى وتعصبه، ومن غريب أن كاتب الكلام يميل قليلًا لفكرة الشيوعية والمساواة قدر الإمكان بين البشر ومحاربة الرأسمالية، لكن المنظومة الفكرية والتطبيقية الشيوعية المتبناة في الشرق والدول اللاتينية في أمركا الجنوبية فيها علل وعيوب وشمولية واستبداد_المترجم]

 

في عصر الحداثة [في الدول العلمانية المتقدمة]

 

جادل البعض بأن المجتمعات متعددة الثقافات لديها تابوهات ضد القبلية (مثل القومية الشوفينية والتمركز العرقيّ) والأحكام المسبقة والانحيازات (مثل العنصرية والتفرقة الجنسية والتطرف الديني).

 

إن تغير العادات والمعايير الاجتماعية يخلق أيضًا تابوهات جديدة، مثل تحريم الاستعباد، ومد تابو تعشق الأطفال الجنسي إلى تحريم تعشق المراهقين. وتحريمات إدمان الكحول واستعمال المخدرات وأدوية الأمراض النفسية والعصبية كمخدرات (خاصة بالنسبة للحوامل [وقائدي السيارات])، وتوظيف أسلوب تلطيف الألفاظ التمييزية العنصرية لتخفيف التصريحات العنصرية المفترضة، على نحو غير ناجح أحيانًا.

 

سفاح المحارم [هنا غالبًا لا يقصده بمعناه الإسلامي واليهودي بالذات، بل المعنى المسيحي لأنهم يحرمون زيجات قرابات الدرجة الأولى والثانية مثل أبناء العمومة والخؤولة_م] نفسها قد دُفِعَت في كلا الاتجاهين المتقابلين، فبعضهم سعى لتطبيع علاقات البالغين المتراضى عليها بين الطرفين بغض النظر عن درجة القرابة (على نحو ملاحظ في أوربا) [ملاحظة: مثال متطرف في رواية أسرى ألتونا لجون بول سارتر حيث يبدو أنه يطبِّع علاقة بين أخ وأخته، ويظل هذا في المجتمعات حتى أكثرها تحررًا شيئًا غيرَ مقبولٍ ومستهجَنًا_المترجم] بينما وسَّع البعض درجات العلاقات المحرمة (على نحو جدير بالملاحظة في أمِرِكا).

 

في حقل الطب، فإن المتخصصين الذين يمارسون مهنتهم في مناطق أخلاقية رمادية، أو مجالات عرضة للوصمة الاجتماعية، مثل الإجهاض المتأخر للحمل، قد يحجمون على النقاش العام العلنيّ لممارستهم. فضمن أسباب أخرى، قد يكون هذا التابو (عدم النقاش) جاء خشيةَ أن التعليقات قد تُتنزَع من سياقها الملائم وتُستعمَل لاتخاذ قرارات سياسية مبنية على التزويد بمعلومات خاطئة.

 

وفي دائرة المعارف الكتابية، مادة سفر اللاويين:

 

ويرى البعض أن العلة في اعتبار بعض الحيوانات طاهرة والبعض الآخر نجساً هو أن الحيوانات النجسة كانت تقدم ذبائح في العبادات الوثنية ، أو كانت تمثل آلهة وثنية . والحقيقة هي أن بعض الحيوانات النجسة كانت تستخدم في العبادات الوثنية، وكذلك كانت تستخدم بعض الحيوانات الطاهرة ، مما يجعل هذه العلة غير مقنعة.

 

واحتمال آخر هو أن العلة كانت ترجع لأسباب صحيحة ، فكان أكل لحوم الحيوانات الطاهرة مأموناً صحياً ، بينما لم يكن أكل لحوم الحيوانات غير الطاهرة مأموناً . وهناك بعض الحق في هذا التعليل ، ولكنه غير جازم ، فلحوم بعض الحيوانات الطاهرة يمكن أن تكون ضارة في بعض الظروف ، بينما قد لا تكون لحوم بعض الحيوانات النجسة ضارة في بعض الأحوال . وقد أبطل العهد الجديد هذا التفريق ( انظر أع 10 : 10-15 ، 1كو 8 : 8 ، 10 : 25 ، 1 تي 4 : 3 و 4 ). اهـ

 

وفي مادة طهر:

 

ويرى البعض أن التمييز بين الحيوانات الطاهرة وغير الطاهرة كانت تعتبر مقدسة عند بعض الشعوب الوثنية ، مثلما كان يعتبر الخنزير - مثلاً - في كريت وبابل . ويبنون هذا الظن على القول : (ولا تسلكون في رسوم الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامكم . لأنهم قد فعلوا كل هذه فكرهتهم) (اللاويين 20: 23) .

وجاء في سفر اللاويين من إصحاح 3:

 

(«وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ، فَإِنْ قَرَّبَ مِنَ الْبَقَرِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَصَحِيحًا يُقَرِّبُهُ أَمَامَ الرَّبِّ. 2يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ قُرْبَانِهِ وَيَذْبَحُهُ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَيَرُشُّ بَنُو هَارُونَ الْكَهَنَةُ الدَّمَ عَلَى الْمَذْبَحِ مُسْتَدِيرًا. 3وَيُقَرِّبُ مِنْ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ وَقُودًا لِلرَّبِّ: الشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الأَحْشَاءَ، وَسَائِرَ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الأَحْشَاءِ، 4وَالْكُلْيَتَيْنِ، وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا الَّذِي عَلَى الْخَاصِرَتَيْنِ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ يَنْزِعُهَا. 5وَيُوقِدُهَا بَنُو هَارُونَ عَلَى الْمَذْبَحِ عَلَى الْمُحْرَقَةِ الَّتِي فَوْقَ الْحَطَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ، وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.

6«وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مِنَ الْغَنَمِ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَصَحِيحًا يُقَرِّبُهُ. 7إِنْ قَرَّبَ قُرْبَانَهُ مِنَ الضَّأْنِ يُقَدِّمُهُ أَمَامَ الرَّبِّ. 8يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ قُرْبَانِهِ وَيَذْبَحُهُ قُدَّامَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. وَيَرُشُّ بَنُو هَارُونَ دَمَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ مُسْتَدِيرًا. 9وَيُقَرِّبُ مِنْ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ شَحْمَهَا وَقُودًا لِلرَّبِّ: الأَلْيَةَ صَحِيحَةً مِنْ عِنْدِ الْعُصْعُصِ يَنْزِعُهَا، وَالشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الأَحْشَاءَ، وَسَائِرَ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الأَحْشَاءِ، 10وَالْكُلْيَتَيْنِ، وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا الَّذِي عَلَى الْخَاصِرَتَيْنِ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ يَنْزِعُهَا. 11وَيُوقِدُهَا الْكَاهِنُ عَلَى الْمَذْبَحِ طَعَامَ وَقُودٍ لِلرَّبِّ.

12«وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مِنَ الْمَعْزِ يُقَدِّمُهُ أَمَامَ الرَّبِّ. 13يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَيَذْبَحُهُ قُدَّامَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَيَرُشُّ بَنُو هَارُونَ دَمَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ مُسْتَدِيرًا. 14وَيُقَرِّبُ مِنْهُ قُرْبَانَهُ وَقُودًا لِلرَّبِّ: الشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الأَحْشَاءَ، وَسَائِرَ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الأَحْشَاءِ، 15وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا الَّذِي عَلَى الْخَاصِرَتَيْنِ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ يَنْزِعُهَا. 16وَيُوقِدُهُنَّ الْكَاهِنُ عَلَى الْمَذْبَحِ طَعَامَ وَقُودٍ لِرَائِحَةِ سَرُورٍ. كُلُّ الشَّحْمِ لِلرَّبِّ. 17فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِكُمْ فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ: لاَ تَأْكُلُوا شَيْئًا مِنَ الشَّحْمِ وَلاَ مِنَ الدَّمِ».)

 

ومن إصحاح 7 منه:

 

(22وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 23«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: كُلَّ شَحْمِ ثَوْرٍ أَوْ كَبْشٍ أَوْ مَاعِزٍ لاَ تَأْكُلُوا. 24وَأَمَّا شَحْمُ الْمَيْتَةِ وَشَحْمُ الْمُفْتَرَسَةِ فَيُسْتَعْمَلُ لِكُلِّ عَمَل، لكِنْ أَكْلاً لاَ تَأْكُلُوهُ.)

 

أما ما جاء في  سفر التثنية 12:

(15وَلكِنْ مِنْ كُلِّ مَا تَشْتَهِي نَفْسُكَ تَذْبَحُ وَتَأْكُلُ لَحْمًا فِي جَمِيعِ أَبْوَابِكَ، حَسَبَ بَرَكَةِ الرَّبِّ إِلهِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ. النَّجِسُ وَالطَّاهِرُ يَأْكُلاَنِهِ كَالظَّبْيِ وَالإِيَّلِ. 16وَأَمَّا الدَّمُ فَلاَ تَأْكُلْهُ. عَلَى الأَرْضِ تَسْفِكُهُ كَالْمَاءِ.)

 

(20«إِذَا وَسَّعَ الرَّبُّ إِلهُكَ تُخُومَكَ كَمَا كَلَّمَكَ وَقُلْتَ: آكُلُ لَحْمًا، لأَنَّ نَفْسَكَ تَشْتَهِي أَنْ تَأْكُلَ لَحْمًا. فَمِنْ كُلِّ مَا تَشْتَهِي نَفْسُكَ تَأْكُلُ لَحْمًا. 21إِذَا كَانَ الْمَكَانُ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ لِيَضَعَ اسْمَهُ فِيهِ بَعِيدًا عَنْكَ، فَاذْبَحْ مِنْ بَقَرِكَ وَغَنَمِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ كَمَا أَوْصَيْتُكَ، وَكُلْ فِي أَبْوَابِكَ مِنْ كُلِّ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ. 22كَمَا يُؤْكَلُ الظَّبْيُ وَالإِيَّلُ هكَذَا تَأْكُلُهُ. النَّجِسُ وَالطَّاهِرُ يَأْكُلاَنِهِ سَوَاءً. 23لكِنِ احْتَرِزْ أَنْ لاَ تَأْكُلَ الدَّمَ، لأَنَّ الدَّمَ هُوَ النَّفْسُ. فَلاَ تَأْكُلِ النَّفْسَ مَعَ اللَّحْمِ. 24لاَ تَأْكُلْهُ. عَلَى الأَرْضِ تَسْفِكُهُ كَالْمَاءِ. 25لاَ تَأْكُلْهُ لِكَيْ يَكُونَ لَكَ وَلأَوْلاَدِكَ مِنْ بَعْدِكَ خَيْرٌ، إِذَا عَمِلْتَ الْحَقَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.)

 

ويقول كتاب مشنة توراة (Mishneh Torah) لموسى بن ميمون (ميمونيد) حيث طالعت فقرة مترجمة منه بالإنجليزية عن الأصل العبريّ _أدناه_أنه ليس محرمًا على اليهود وفقًا للتوراة وشرح أحكامها بالهالاكاة_وهي فقه الأحكام_كل الشحوم بل شحوم الثيران والكباش والماعز والشحوم لجميع الحيوانات المحللة التي تكون على الكليتين والخاصرتين أي على الأجهزة الهضمية، وما سوى ذلك فمسموح عندهم بأكله بما فيها التي داخل الكلية نفسها والتي داخل اللحم. ويقول أن عقوبة المخالفة الشرعية في تشريع الأحبار هي الجلد والإعدام!

Jewish Law (Halakha) from the Code of Maimonides (Mishneh Torah)

It is permitted to eat the fat of a clean wild animal. The penalty for intentionally eating a quantity of fat equal to the size of an olive from the three species of clean domesticated animals, ox, sheep or goat (Leviticus 7:23, cited above), is extinction (karet), which includes a flogging.[13] The punishment of extinction only applies to fat on the digestive organs, on the kidneys and on the flanks.[14] Maimonides explains what parts of the animal are included in these designated areas from which fat is forbidden.[15] It is only fat that is on the flank or kidney that is forbidden, not the fat that is covered by meat or inside the kidney.[16] A butcher who leaves a quantity of forbidden fat the size of a barleycorn after cleaning meat is to lose his position as butcher; if it is the size of an olive, he is to be flogged for disobedience as well.[17]

[13] MT Book 5, The Book of Holiness, Sefer Kedushah; Treatise 2 on Forbidden Foods, Ma’achalot Assurot; Chapter 1, secs 8-9 (pages 284-286M 154-155Y); MT Book 5, The Book of Holiness, Sefer Kedushah; Treatise 2 on Forbidden Foods, Ma’achalot Assurot; Chapter 7, sec 1 (pages 350M 186Y)  [14] MT Book 5, The Book of Holiness, Sefer Kedushah; Treatise 2 on Forbidden Foods, Ma’achalot Assurot; Chapter 7, sec 5 (pages 352M 187Y) [15] MT Book 5, The Book of Holiness, Sefer Kedushah; Treatise 2 on Forbidden Foods, Ma’achalot Assurot; Chapter 7, secs 5-12 (pages 352-356M 187-189Y) [16] MT Book 5, The Book of Holiness, Sefer Kedushah; Treatise 2 on Forbidden Foods, Ma’achalot Assurot; Chapter 7, sec 7 (pages 352M 187-188Y) [17] MT Book 5, The Book of Holiness, Sefer Kedushah; Treatise 2 on Forbidden Foods, Ma’achalot Assurot; Chapter 7, sec 21 (pages 358M 190Y)

ومما يؤكد صحة هذا التفسير ما جاء في سفر اللاويين 3:

(1«وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ، فَإِنْ قَرَّبَ مِنَ الْبَقَرِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَصَحِيحًا يُقَرِّبُهُ أَمَامَ الرَّبِّ. 2يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ قُرْبَانِهِ وَيَذْبَحُهُ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَيَرُشُّ بَنُو هَارُونَ الْكَهَنَةُ الدَّمَ عَلَى الْمَذْبَحِ مُسْتَدِيرًا. 3وَيُقَرِّبُ مِنْ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ وَقُودًا لِلرَّبِّ: الشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الأَحْشَاءَ، وَسَائِرَ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الأَحْشَاءِ، 4وَالْكُلْيَتَيْنِ، وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا الَّذِي عَلَى الْخَاصِرَتَيْنِ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ يَنْزِعُهَا. 5وَيُوقِدُهَا بَنُو هَارُونَ عَلَى الْمَذْبَحِ عَلَى الْمُحْرَقَةِ الَّتِي فَوْقَ الْحَطَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ، وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.) اللاويين3: 1-5

 

هذا يدل على اطلاع محمد بصورة معقولة على تشريعات اليهود بحيث يناقشهم وينتقد دينهم أو يعيبهم كمجموعة بشرية بدعوى وجود غضب إلهيّ عليهم بزعمه من خلال ذلك. لكن يلوح لي أن تحديده لأنواع الشحوم المحرمة في اليهودية غير دقيق. لأن حصره في القرآن يجعل كم الشحم المحلل لهم أقل مما حددته التوراة، مثلًا لو أخذنا بكلامه سيكون شحم الفخذين والإليتين مثلًا محرمًا لأنه غير مختلط بعظم وليس على الظهور وليس من الحوايا، وليس الأمر كذلك بل هو حلال في الشريعة اليهودية، بل وجاء في التفاسير لنص القرآن ما يتناقض تمامًا مع تعاليم التوراة، فيقول الطبري في تفسير الأنعام: 146:

 

وأما قوله: (إلا ما حملت ظهورهما) ، فإنه يعني: إلا شحوم الجَنْب وما علق بالظهر، فإنها لم تحرَّم عليهم.

 

هذا الفهم مناقض تمامًا لكون شحم الجنبين أي الخاصرتين بالذات محرم عند اليهود.

 

أردت فهم معنى كلمة حوايا بدقة، فرجعت إلى معجم اللغة العربية المعاصرة، للدكتُر أحمد مختار عبد الحميد عمر، فوجدته يقول التالي:

 

حَوايا [جمع]: مف حاوياءُ وحَوِيَّة

• حَوايا البَطْن: أمعاؤُه " {إلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} ".

 

حَوِيّة [مفرد]: ج حَوايا

• حَوِيَّةُ البطن:

1 - حاوياؤُه؛ أمعاؤه، ما تجمَّع والتفَّ من الأمعاء " {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا} ".

 

ما قاله الأحبار الربيون كموسى بن ميمون وهو طبعًا ينقل عن التشريعات الأقدم التي في هالاكاة التلمود والمدراشيم (التفاسير) وكتب الدين أن الشحوم التي على الأجهزة الهضمية هي بالذات المحرَّمة في اليهودية، وهو فهم يؤكده ويدل عليه اللاويين3، وبهذا يكون محمد عكس وقلب نصوص التشريعات اليهودية الخاصة بالأطعمة، وارتكب خطأً في نقله ونقاشه افتراضًا على ذلك، وبرأيي لو كان هذا كلام الله المزعومِ لما ارتكب غلطة كبيرة كهذه.

 

{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)} آل عمران

 

قال ابن كثير:

 

...لمَّا تَقَدَّمَ السِّيَاقُ فِي الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى، وَاعْتِقَادِهِمُ الْبَاطِلِ فِي الْمَسِيحِ وَتَبَيَّنَ زَيْف مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَظُهُورُ الْحَقِّ وَالْيَقِينِ فِي أَمْرِ عِيسَى وَأُمِّهِ، وَكَيْفَ خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَبَعَثَهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ تَعَالَى -شَرَع فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ، قَبَّحهم اللَّهُ، وَبَيَانِ أَنَّ النَّسْخ الَّذِي أَنْكَرُوا وُقُوعَهُ وَجَوَازَهُ قَدْ وَقَعَ، فَإِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ نَصَّ فِي كِتَابِهِمُ التَّوْرَاةِ أَنَّ نُوحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ جَمِيعَ دَوَابِّ الْأَرْضِ يَأْكُلُ مِنْهَا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ لُحْمان الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا، فَاتَّبَعَهُ بَنُوهُ فِي ذَلِكَ، وَجَاءَتِ التَّوْرَاةُ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَأَشْيَاءَ أُخَرَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ. وَكَانَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ أَذِنَ لِآدَمَ فِي تَزْوِيجِ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ، وَقَدْ حرَّم ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ. .....وَكَذَلِكَ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ شَائِعًا وَقَدْ فَعَلَهُ يَعْقُوبُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، ثُمَّ حُرِّم ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ. وَهَذَا كُلُّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي التَّوْرَاةِ عِنْدَهُمْ، فَهَذَا هُوَ النَّسْخُ بِعَيْنِهِ....

 

..... أَيْ: فَمَنْ كَذَب عَلَى اللَّهِ وادَّعى أَنَّهُ شَرَع لَهُمُ السَّبْتَ وَالتَّمَسُّكَ بِالتَّوْرَاةِ دَائِمًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا آخَرَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ بِالْبَرَاهِينِ والحُجَج بَعْدَ هَذَا الَّذِي بَيَّنَّاه مِنْ وُقُوعِ النُّسَخِ وَظُهُورِ مَا ذَكَرْنَاهُ {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

 

ما أراد محمد هنا قوله أن كل أنواع الأطعمة كانت حلالًا على اليهود قبل زمن وضع التوراة وتشريعها للأطعمة المحرمة كتابوهات في سفر اللاويين11 والتثنية 14، ما عدا تحريم بني إسرائيل حسب تاريخهم الأسطوري (أو إسرائيل نفسه حسب زعم محمد) لعرق النسا من الذبائح، وهو مرتبط بقصة خرافية وتابو أسطوري رمزي غريب، أراد محمد أن يقول أن تحريمات الأطعمة التي حرمها اليهود وفق أساطيرهم وهي كثيرة جدًّا ومضيِّقة على الناس كتابوهات إنما حرمها الله عليهم بزعمه كعقاب لغضبه عليهم، وهو تفسير خرافي غير علمي للتابوهات في الأديان، وقد ناقشت هذا من قبل، فيمكننا الزعم أن تحريمات الإسلام للكثير من الأمور والأشياء في الأطعمة وغيرها مما سأنتقده في أبواب التشريعات الباطلة والشاذّة العديدة هي بسبب غضب إلهي مزعوم على المسلمين وأنهم أمة عليها غضب الله ولعنته مثلًا، بنفس طريقة زعم المسلمين في حق اليهود والمسيحيين، ولكن هذا بالتأكيد تعليل وتفسير غير عقلاني بلا دليل واقعي ولا يؤيده علما التاريخ والأديان. وغرض محمد من كل ذلك تأييد قوله أنه جاء ليحلل لهم ما حرمه أجدادهم عليهم (الله حسب زعم محمد واليهود) ويرد الأمور إلى طبيعتها.

 

لا حاجة للقول أن من الناحية العقلانية فإن كل الأطعمة كانت حلالًا على البشر قبل أن يخترعوا خرافات وتابوهات تحريمات الأطعمة في اليهودية والإسلام والهندوسية والبودية والجاينية وغيرها، اليهودية مثلًا في سفر اللاويين تحريماتها كثيرة جدًّا تضمن الأرنب والجمل والنعام والببغاء وكل أنواع المفصليات كالسرطان (الكابوريا) والروبيان (الإستاكوزا) والجمبري وثعبان البحر وهو نوع سمك عادي متحور الشكل فقط لكنهم حرموه وفق الخرافة وغيرها، حقيقة الحياة كيهودي متدين هو حرمان من كثير من متع الطعام، وفي الهندوسية يحرمون لحم الأبقار كتقديس لها، وفي الجاينية يحرم تمامًا أكل أي لحوم أو بيض باعتباره إيذاءً لكائن حي، ولا يأكلون سوى النباتات واللبن، ويحرمون الزراعة لأنها تسبب في مقتل الحشرات الصغيرة في الأرض! وفي البودية يوجد نظام خاص للكهنة في الطعام قد يختلف من مذهب إلى آخر، لكن العلمانيين من جمهور المؤمنين يكره أو يحرم عليهم الخمر فقط من المشروبات، كذلك الإسلام بتحريمه الخنزير والخمر، وفي مصر القديمة حرموا الخنزير وكرَّهوا أكل السمك ومنعوه عن من يزور معبدًا أو يؤدي صلاة للآلهة وفرضوا على النساء وضع شعر مستعار فوق الشعر الحقيقي، كذلك في أديان البدائيين توجد تابوهات أطعمة وغيرها لست مطلعًا عليها على نحوٍ كافٍ للأسف فنكتفي بمثال الويكيبديا السابق.

 

قال الطبري:

 

7400- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال، سمعت أبا معاذ، قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه" إسرائيل هو يعقوب، أخذه عرق النسا فكان لا يَبيتُ الليل من وجعه، وكان لا يؤذيه بالنهار. فحلف لئن شفاهُ الله لا يأكل عِرْقًا أبدًا، وذلك قبل نزول التوراة على موسى. فسأل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم اليهود: ما هذا الذي حرم إسرائيل على نفسه؟ فقالوا: نزلت التوراة بتحريم الذي حرَّم إسرائيل. فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم:"قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين" إلى قوله:"فأولئك هم الظالمون"، وكذبوا وافتروا، لم تنزل التوراة بذلك.

 

... 7401- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" فإنه حرّم على نفسه العروقَ، وذلك أنه كان يشتكي عرق النسا، فكان لا ينام الليل، فقال: والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد = وليس مكتوبًا في التوراة! وسأل محمد صلى الله عليه وسلم نفرًا من أهل الكتاب فقال: ما شأن هذا حرامًا؟ فقالوا: هو حرام علينا من قِبَل الكتاب. فقال الله عز وجل:"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل" إلى"إنْ كنتم صادقين".

7402- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس: أخذه -يعني إسرائيل- عرقُ النسا، فكان لا يبيتُ بالليل من شدّة الوجع، وكان لا يؤذيه بالنهار، فحلف لئن شفاه الله لا يأكل عِرقًا أبدًا، وذلك قبل أن تنزل التوراة. فقال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل على نفسه. قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم:"قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، وكذبوا، ليس في التوراة.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، قول من قال:"معنى ذلك: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من غير تحريم الله ذلك عليه، فإنه كان حرامًا عليهم بتحريم أبيهم إسرائيل ذلك عليهم، من غير أن يحرمه الله عليهم في تنزيل ولا وحي قبل التوراة، حتى نزلت التوراةُ، فحرّم الله عليهم فيها ما شاءَ، وأحلّ لهم فيها ما أحبّ".

 

وقال آخرون: تأويل ذلك: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، فإنّ ذلك حرامٌ على ولده بتحريم إسرائيل إياه على ولده، من غير أن يكون الله حرّمه على إسرائيل ولا على ولده.

 

ويحتمل_كما في هذا التفسير والفهم السابق_أن مقصود محمد أن عرق النسا ليس مما حرمه تشريع التوراة نفسه على اليهود، بل هو عادة تابوهية أقدم، وهذا لا يفيد كثيرًا، فكل التحريمات للأطعمة_عدا الحشرات والفئران تقريبًا_هي تابوهات خرافية لا ضرورة ولا سبب عقلاني علمي عملي لها، لا فرق من المنظور العقلاني اللاديني بين تحريم لأطعمة أو طعام من عادة قبل زمن التوراة، وآخر في التوراة، فكلاهما باطل وخرافة، ولا شرعية أو صحة أو إلزام لأيٍّ منهما. فمحمد هنا بهذا الفهم يكون قد أراد القول أن التحريم الوارد في تشريع ديني زعموه إلهيًّا يكون مشروعًا ذا قوة تشريعية، وما هو ليس منه فغير شرعيّ، وكل هذه مفاهيم زائفة لا قيمة ولا وزن لها في ميزان العقلانية.

 

عادة تحريم اليهود المتدينين لأكل عرق النسا من الذبائح تعود ليس إلى نذرٍ من إسرائيل يعقوب لأجل الشفاء من مرضٍ عنده، بل هو مرتبط بأسطورة خرافية عن جدهم الأسطوري يعقوب قالت أن الله ظهر له بصورة متجسدة فقبض هو على الله وصارعه ولم يتركه إلا بإجبار الله على مباركته! وهي قصة واضح أنها بدائية جدًّا تعود إلى أقدم أزمنة نشأة أساطير اليهود، ولاهوتها بدائيّ التصورات ومنتقَد، فهي تصوِّر يعقوب جدهم بمغالاة في تمجيده لدرجة أن صارع وغلب الإله نفسه وحصل منه على البركة بالقوّة، وهي من قصص قدمائهم العجيبة عن سبب تميز واصطفاء شعب إسرائيل القديم بزعمهم.

 

(22ثُمَّ قَامَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأَخَذَ امْرَأَتَيْهِ وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلاَدَهُ الأَحَدَ عَشَرَ وَعَبَرَ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ. 23أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ الْوَادِيَ، وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ. 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.) التكوين 32

 

جاء في  تفسير القس أنطونيوس فكري:

 

عرق النسا : هو ممتد من الورك إلي الكعب ويمر بجانب حق الفخذ وإجلالاً لهذه الواقعة فاليهود يستخرجونه من ذبائحهم ولا يأكلونه.

 

من هنا نفهم أصل التابو الخرافي، بناء على أسطورة عن جدهم الأسطوري.

 

وفي دائرة المعارف الكتابية:

 

أطلق الرب اسم "إسرائيل" على يعقوب بن إسحق بن إبراهيم بعد مصارعته طيلة الليل في فنئيل في طريق عودته من فدان أرام، حيث قال له الرب: "لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل. لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت" ( تك 32: 28 ) وكرر له الرب ذلك عندما باركه في بيت إيل (35: 10)، ومعنى الاسم "يجاهد مع الله" أو "يصارع الله".

 

وجاء في معجم المحيط الجامع في الكتاب المقدس وشعوب الشرق القديم:

 

... الاشتقاق الشعبي يفسّر هذا الاسم: قويَ ضدّ الله. "لا يدعى اسمك يعقوب بعد الآن بل إسرائيل، لأنك غالبت الله والناس وغلبت" ...

 

من الطبيعي إذن لكون الإسلام جاء في زمن تطور فيه الفكر والتصور البشري الديني أن يتهرب من هذه القصة البدائية، يزرائيل بالعبرية يعني يصارع أو يصرع الله!، لذلك جاء في مسند أحمد:

 

2483 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعِجْلِيُّ، وَكَانَتْ لَهُ هَيْئَةٌ رَأَيْنَاهُ عِنْدَ حَسَنٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْبَأْتَنَا بِهِنَّ، عَرَفْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَاتَّبَعْنَاكَ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ إِسْرَائِيلُ عَلَى بَنِيهِ، إِذْ قَالُوا: اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ، قَالَ: " هَاتُوا " قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ عَلامَةِ النَّبِيِّ، قَالَ: " تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ " قَالُوا: أَخْبِرْنَا كَيْفَ تُؤَنِّثُ الْمَرْأَةُ، وَكَيْفَ تُذْكِرُ ؟ قَالَ: " يَلْتَقِي الْمَاءَانِ، فَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَتْ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ آنَثَتْ " قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ؟ قَالَ: " كَانَ يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلائِمُهُ إِلا أَلْبَانَ كَذَا وَكَذَا - قَالَ أَبِي: " قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي الْإِبِلَ " - فَحَرَّمَ لُحُومَهَا "، قَالُوا: صَدَقْتَ....إلخ

 

حديث حسن، بُكيرُ بنُ شهاب لم يرو عنه سوى اثنينِ، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال الذهبي في "الميزان": عراقي صدوق، وقد تُوبع على حديثه هذا –انظر أحمد برقم (2514)، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غيرَ عبد الله بن الوليد العجلي، فقد روى له الترمذي والنسائي، وهو ثقة.

 

2514 - حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا شَهْرٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، حَدِّثْنَا عَنْ خِلالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ، قَالَ: " سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللهِ، وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ، عَلَى بَنِيهِ: لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا فَعَرَفْتُمُوهُ، لَتُتَابِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ " قَالُوا: فَذَلِكَ لَكَ، قَالَ: "فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ" قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ: أَخْبِرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ؟ وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ مَاءُ الْمَرْأَةِ، وَمَاءُ الرَّجُلِ ؟ كَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ ؟ وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ هَذَا النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ فِي النَّوْمِ ؟ وَمَنْ وَلِيُّهُ مِنَ المَلائِكَةِ ؟ قَالَ: " فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ أَنَا أَخْبَرْتُكُمْ لَتُتَابِعُنِّي ؟ " قَالَ: فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، قَالَ: " فَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ، مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، وَطَالَ سَقَمُهُ، فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ سَقَمِهِ، لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ، وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانُ الْإِبِلِ، وَأَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانُهَا ؟ " قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: " اللهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ...إلخ

 

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف عبد الحميد بن بهرام تكلم بعضهم في روايته عن شهر، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وشهر بن حوشب مختلف فيه، والأكثر على تضعيفه، وتكرر برقم (2471) بمسند أحمد، لكن له طريق آخر يتقوى به، بمسند أحمد برقم (2483) . وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 1/174-176 عن هاشم بن القاسم، بهذا الإسناد. وأخرجه الطيالسي (2731) ، وعبد بن حميد في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" 1/186، والطبري 1/431-432، وابن أبي حاتم في تفسير سورة آل عمران (951) ، والطبراني (13012) ، والبيهقي في "الدلائل" 6/266-267 من طرق عن عبد الحميد بن بهرام، به. وأخرجه ابنُ إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" 2/191-192، ومن طريقه الطبري 1/432-433 قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين، عن شهر بن حوشب: أن نفراً من أحبار يهود... الحديث، ولم يذكر فيه ابنَ عباس. وأخرجه ابن جرير الطبري 4/5 من طريق يونس بن بكير، عن عبد الحميد بن بهرام، بهذا الإسناد.

 

يوجد خطأ في علم الأديان وتاريخ الأديان ونصوصها في هذا الحديث، فراويه فبرك من عند نفسه قصة، لا علاقة لها بحقيقة جدال محمد مع اليهود على ملاحظته عدم أكلهم عرق النسا، ففيه أنهم جاؤوا ليختبروه بسؤاله عما حرم إسرائيل على نفسه، وأخطأ المفبرك خطأ بليغًا لأنه حدَّد ما حرمه إسرائيل على نفسه على نحوٍ خاطئ، فهو لم يحرم لحوم الجمال وألبانها على نفسه، بل حرم اليهود نسله عرق النسا كتابو رمزيّ خرافيّ بناءً على خرافة صراعه مع الله وضرب الله له على عرق نساه. ونسبة هذا إلى محمد بالتزييف تجعله بزعمهم هو المخطئ في هذا، لكن حقيقةً هذا كذب رواة أحاديث في كتب الأحاديث والسير والتفاسير. نلاحظ أن الطبري المتوفي بعد ستين سنة تقريبًا من وفاة أحمد بن حنبل كما نقلنا من بعض تفسيره كان له معرفة هو وجيله واطلاع أفضل ممن كانوا قبلهم، وتمكنوا من خلال النقل من أهل الكتاب ومسلمي أهل الكتاب من تحيَد تحريم عرق النسا على نحوٍ سليم.

خلط الأحاديث المنسوبة إلى محمد بين يوم الكفارة وعيد الفصح

 

سبب صيام محمد لعاشوراء هو تقليد مباشر لليهود

 

روى البخاري:

 

2004 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ

4737 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوهُ

2005 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصُومُوهُ أَنْتُمْ

3397 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ عَنْ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ

وروى مسلم من ضمن مروياته:

 [ 1127 ] وحدثني محمد بن حاتم حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال دخل الأشعث بن قيس على بن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء فقال يا أبا عبد الرحمن إن اليوم يوم عاشوراء فقال قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان ترك فإن كنت مفطرا فاطعم

 

 [ 1128 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا شيبان عن أشعث بن أبي الشعثاء عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة رضى الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده

 

[ 1130 ] حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيما له فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه

[ 1131 ] وحدثناه أحمد بن المنذر حدثنا حماد بن أسامة حدثنا أبو العميس أخبرني قيس فذكر بهذا الإسناد مثله وزاد قال أبو أسامة فحدثني صدقة بن أبي عمران عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى رضى الله تعالى عنه قال كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فصوموه أنتم

 

لاحقًا لتبني محمد منهج مخالفة اليهود قال حسب رواية مسلم:

 

[ 1134 ] وحدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا بن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب حدثني إسماعيل بن أمية أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري يقول سمعت عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما يقول حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

[ 1134 ] وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن بن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عبد الله بن عمير لعله قال عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيت الي قابل لأصومن التاسع وفي رواية أبي بكر قال يعني يوم عاشوراء

 

هناك خلط في الأحاديث الإسلامية بين يوم الكفارة وهو يوم صيام اليهود لتكفير الآثام السنوية فيما يعتقدون وهذا هو ما قلده محمد قبل تبنيه لصيام رمضان من تقليد العرب المتحنِّثين في التقليد الوثني قبل الإسلام، ويوم عيد الفصح وهو أشبه بعيد الأضحى الإسلامي وهو عيد العبور أي خروج موسى وبني إسرائيل من مصر في اعتقادهم وفيه يحرم الصيام على اليهود لأنه عيد ويحتفلون بعمل الفطائر والذبائح.

 

جاء في اللاويين 16 عن صيام يوم الكفارة أو الغفران (كيبور):

 

(29«وَيَكُونُ لَكُمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً، أَنَّكُمْ فِي الشَّهْرِ السَّابعِ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ تُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ، وَكُلَّ عَمَل لاَ تَعْمَلُونَ: الْوَطَنِيُّ وَالْغَرِيبُ النَّازِلُ فِي وَسَطِكُمْ. 30لأَنَّهُ فِي هذَا الْيَوْمِ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ لِتَطْهِيرِكُمْ. مِنْ جَمِيعِ خَطَايَاكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ تَطْهُرُونَ. 31سَبْتُ عُطْلَةٍ هُوَ لَكُمْ، وَتُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً. 32وَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ الَّذِي يَمْسَحُهُ، وَالَّذِي يَمْلأُ يَدَهُ لِلْكَهَانَةِ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ. يَلْبَسُ ثِيَابَ الْكَتَّانِ، الثِّيَابَ الْمُقَدَّسَةَ، 33وَيُكَفِّرُ عَنْ مَقْدِسِ الْقُدْسِ. وَعَنْ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَالْمَذْبَحِ يُكَفِّرُ. وَعَنِ الْكَهَنَةِ وَكُلِّ شَعْبِ الْجَمَاعَةِ يُكَفِّرُ. 34وَتَكُونُ هذِهِ لَكُمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً لِلتَّكْفِيرِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُمْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ». فَفَعَلَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.)

 

ولنلخص المعلومات، تقول دائرة المعارف الكتابية في مادة عيد- أعياد:

 

يوم الكفارة : وكان يعتبر أعظم الأعياد القومية في إسرائيل ، ففيه كانت تقدم الكفارة عن الخطية 0 وكان يقع في اليوم العاشر من الشهر السابع ( تشري ) ، وهو اليوم الوحيد الذي أمرت الشريعة أن يذلل كل الشعب فيه نفوسهم ( أي أن يصوموا ) من مساء اليوم التاسع إلى مساء اليوم العاشر، مما كان يضفي على هذا اليوم قداسة خاصة 0 كما أنه كان اليوم الوحيد في السنة ، الذي يدخل فيه رئيس الكهنة إلى قداس الأقداس ، وهو لابس قميص كتان وسراويل كتان ومنطقة من كتان وعمامة من كتان، بعد أن يرخص جسده بماء0 وكان هذا يتم على مرتين :

أ- فكان يدخل في المرة الأولى حاملاً دم ثور ذبيحة الخطية عن نفسه وعن بيته، كما كان " يأخذ ملء المجمرة جمر نار عن المذبح من أمام الرب ، وملء راحتىه بخوراً عطراً دقيقاً، ويدخل بهما إلى داخل الحجاب، ويجعل البخور على النار أمام الرب فتغشى سحابة البخور الغطاء الذي على الشهادة فلا يموت0 ثم يأخذ من دم الثور وينضح بإصبعه على وجه الغطاء إلى الشرق0 وقدام الغطاء ينضح سبع مرات من الدم بإصبعه " (اللاويين16 : 11-14 ) 0

ب -وفي المرة الثانية ، كان يأخذ هارون تيسين ويوقفهما أمام الرب لدى باب خيمة الاجتماع، ويلقى علىهما قرعتين ، قرعة للرب وقرعة لعزازيل، " ثم يذبح تيس الخطية الذي للشعب، ويدخل بدمه إلى داخل الحجاب ويفعل بدمه كما فعل بدم الثور ... فيكفر عن القدس من نجاسات بني إسرائيل  ومن سيآتهم مع كل خطاياهم0 وهكذا يفعل لخيمة الاجتماع القائمة بينهم في وسط نجاساتهم0 ولا يكن إنسان في خيمة الاجتماع من دخوله للتكفير في القدس إلى خروجه، فيكفر عن نفسه وعن بيته، وعن كل جماعة إسرائيل0 ثم يخرج إلى المذبح الذي أمام الرب ويكفر عنه0 يأخذ من دم الثور ومن دم التيس ويجعل على قرون المذبح مستديراً، وينضح علىه من الدم بإصبعه سبع مرات ويطهره ويقدسه من نجاسات بني إسرائيل " (اللاويين16 : 15-19 )0

ثم يقدم التيس الحي - الذي خرجت علىه القرعة لعزازيل - الذي كان واقفاً حيَّاً أمام المذبح، و " يضع هارون يديه على رأس التيس الحي ، ويقر علىه بكل ذنوب بني إسرائيل وكل سيئاتهم مع كل خطاياهم ويجعلها على رأس التيس ويرسله بيد من يلاقيه إلى البرية0 ليحمل التيس علىه كل ذنوبهم إلى أرض مقفرة فيُطلق التيس في البرية "
(اللاويين16 : 20-22 )0

وكان التيسان يعتبران ذبيحة واحدة، فيرمز موت الأول إلى التكفير عن الخطية، أما التيس الثاني فيرمز – بالاعتراف بخطايا الشعب على رأسه وإرساله إلى البرية – بالمحو الكامل للخطية، كما في حالة العصفورين عند تطهير الأبرص (اللاويين14 : 4-7 )0

وجاء في الموسوعة اليهودية بالإنجليزية/ مادة الصوم وأيام الصيام Fasting and Fast days:

 

العلاقة بالسبت

 

يوم الصوم المحدد الوحيد الذي يُحتفَل به في السبت لو توافق معه، هو يوم الكفّارة، أما كل أيام الصيام الأخرى فلو وقعت في السبت فتؤجَّل إلى اليوم التالي.

 

في الإسلام

 

في بداية الإسلام بمكة لم يكن من ضمن ممارساته الشعائرية الصيامُ، بدايةً من عصر الهجرة إلى المدينة يثرب يؤرَّخ بدء الصوم. لم تأتِ فكرة الصوم عفويًّا في الإسلام، بل متبناة من التقليد اليهودي. وطبقًا للأحاديث الصحيحة قدَّم محمدٌ في البدء يومًا واحدًا فقط للصيام، متماثلًا مع يوم الكفارة اليهوديّ، وسمّاه (عاشوراء)، وهي كلمة تتماثل مع الكلمة العبرو آرامية (عاسور) أي اليوم العاشر من شهر تشري، وبعد ذلك_رغم ذلك_ جعله غيرَ واجبٍ وهجره، مع هجره لكثير من التقليد المأخوذة من الشعائر اليهودية، وعين شهرًا معينًا في السنة للصيام (رمضان)، مقتبِسًا ذلك من تقليد تعبديّ قديم للدين العربي القبل إسلامي.

 

الصيام من الشروق إلى الغروب في الإسلام، وهذا وثيق الصلة بالقوانين الدينية اليهودية بمنع الطعام والشرب والجنس حتى الليل. فهذه الشعائر تمارَس طبقًا لشعائر يوم الكفارة في التقاليد والتعاليم الرابينية (الخاصة بالأحبار الربيين).

 

أما عن عيد الفصح فممارساته كالتالي:

 

عيد الفصح وعيد الفطير : كان عيد الفصح أول ثلاثة أعياد سنوية كبرى، كان يجب فيها أن يظهر جميع الذكور البالغين، أمام الرب (خروج 23: 14 و17، 34 : 23 و24، تثنية 16 : 16). وكان يحتفل بعيد الفصح في الرابع عشر من شهر أبيب (وهو شهر نيسان فيما بعد السبي)، وكان يعقبه مباشرة عيد الفطير من الخامس عشر من نفس الشهر إلى الحادي والعشرين منه. وكان شهر أبيب (نيسان) هو أول الشهور العبرية الدينية أو المقدسة (خروج 12 : 2). وسُمي هذا العيد " بالفصح" (أي "العبور") من قول الرب : " ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها.  فأرى الدم وأعبر عنكم " (خروج 12 : 13). وكان خروف الفصح يُذبح في عشية اليوم الرابع عشر، ثم يعقبه عيد الفطير، وكان يُحَّرم فيه وجود خمير أو شيء مختمر في كل بيوتهم لمدة سبعة أيام (خروج 12 : 15 – 20، 13 : 1 – 10، لاويين 23 : 5 – 8، عدد 28 : 16 – 25، تثنية 16 : 1 – 8) 0

(أ ) منشأه والاحتفال به :

كان الغرض منه هو إحياء ذكرى نجاة بني إسرائيل من بيت العبودية في مصر ، ونجاة أبكارهم عندما ضرب الرب كل أبكار مصر 0 وقد أمر الرب أن يأخذ كل بيت في العاشر من شهر أبيب ( نيسان ) شاة صحيحة ذكر ابن سنة بلا عيب ويذبحه في مساء اليوم الرابع عشر ، ويأخذ من دمه ويرش على القائمتين والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها ، وذلك لحمايتهم من ضربة هلاك الأبكار 0 ثم كان لحم الشاة يُشوى بالنار ، رأسه مع أكارعه وجوفه ، ويؤكل مع فطير على أعشاب مرة ، ويأكلونه  وأحقاؤهم مشدودة وأحذيتهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم 0 وإن كان البيت صغيراً عن أن يكون كفواً لشاة ، يأخذ هو وجاره القريب من بيته بحسب عدد النفوس والباقي منه إلى الصباح يحرق بالـنار (خــر12 : 1-14 )0

(ب) بعد إقامة الكهنوت وخيمة الشهادة ، اختلف الاحتفال بالفصح في بعض التفصيلات عن الفصح الأول وهي :

(1)   كان يجب ذبح خروف الفصح " في المكان الذي يختاره الرب ليحل اسمه فيه " وليس في البيت ( تث 16 : 2-6 ) 0

(2)   كان الدم يرش على المذبح بدلاً من القائمتىن والعتبة العلىا 0

(3)   بالإضافة إلى وليمة خروف الفصح ، كانت هناك ذبائح تقدم في كل يوم من أيام عيد الفطير الذي يعقب عيد الفصح ( عد 28 : 16-24 ) 0

(4)   كانوا يرددون على مسامع أولادهم معنى الفصح عند الاحتفال به في كل سنة ( خر 12 : 24-27 ) 0

(5)   تقرر بعد ذلك الترنم بالمزامير 113-118 في أثناء أكل خروف الفصح0

(6) كان على الذين لا يستطيعون عمل الفصح في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول ، بسبب نجاسة طقسية ، أو بسبب السفر في ذلك الموعد ، أن يصنعوا الفصح في اليوم الرابع عشر من الشهر التإلى ( عد 9 :9-12 ، انظر أيضاً 2أخ 30 : 2 و 3)0

 

ويقول يوسيفوس إن الخروف كان يكفي ما بين عشرة أشخاص إلى عشرين شخصاً0 وكان محرماً على أي شخص نجس ( رجلاً كان أو امرأة ) أن يأكل منه0 وبعد مباركة الوليمة ، كان يشرب أول كأس من الخمر ، ويعقب ذلك أكل شيء من الأعشاب المرة 0 وقبل أكل خروف الفصح والفطير ، كانوا يشربون كأساً ثانية، وهنا يسأل الأولاد السؤال التقليدي : " ما هذه الخدمة لكم؟ " (خر 12 : 26)، فيجيب الأب : " هي ذبيحة فصح للرب الذي عبر عن بيوت بني إسرائيل في مصر لما ضرب المصريين وخلص بيوتنا " (خر 12 : 27)0 ثم يرنمون الجزء الأول من ترانيم العيد (مز 113، 114)0 ثم يأكلون خروف الفصح ويتناولون الكأسين الثالثة والرابعة من الخمر ، ثم يرنمون الجزء الثاني من ترانيم العيد (مز 115 – 118)0

 

وأخطأت عائشة فنسبت تلك الشعيرة إلى الوثنيين العرب، روى البخاري:

 

1592 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ المُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الكَعْبَةُ، فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ»

 

1893 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،: أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ»

 

رواه مسلم:

 

 [ 1125 ] حدثنا حرملة بن يحيى أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيامه قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان كان من شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء أفطر

 

 [ 1125 ] حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعا عن الليث بن سعد قال بن رمح أخبرنا الليث عن يزيد أبي حبيب أن عراكا أخبره أن عروة أخبره أن عائشة أخبرته أن قريشا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فرض رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء فليصمه ومن شاء فليفطره

 

 [ 1126 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا بن نمير واللفظ له حدثنا أبي حدثنا عبيد الله عن نافع أخبرني عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان فلما افترض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه  

 

 [ 1126 ] وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا بن رمح أخبرنا الليث عن نافع عن بن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يصومه أهل الجاهلية فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه ومن كره فليدعه

 

 [ 1126 ] حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن الوليد يعني بن كثير حدثني نافع أن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في يوم عاشوراء إن هذا يوم كان يصومه أهل الجاهلية فمن أحب أن يصومه فليصمه ومن أحب أن يتركه فليتركه وكان عبد الله رضي الله عنه لا يصومه إلا أن يوافق صيامه

وهو عند أحمد وغيره.

 

موضوع سليمان بن داوود والعصر المفقود وتاريخية مملكة سبأ (من تأليف أ. وليد مقلد)

 

أقتبس هنا موضوعًا هامًّا كذلك للأستاذ المتبحر وليد مقلد:

سليمان بن داوود والعصر المفقود

 

تطور علم التنقيب عن الاثار في الفترة الاخيرة تطورا رهيبا
وحدثت طفرة كبيرة منذ الثمانينات
و تم رصد العديد من الادلة الاركيولوجية عل الممالك الموجودة في المنطقة الواقعة في العراق و الشام و مصر
والآن نملك تاريخا مفصلا مدعما بالوثائق على وجود الممالك الكبرى و تطورها و علاقاتها و مراسالاتها بين بعضها و الحروب ومعاهدات الصلح
في خضم هذه الاحداث تخبرنا التوراة و القرآن بوجود ملك عظيم، لم تشهد له الارض مثيلا اسمه سليمان بن داوود دانت له الممالك و بنت له الجن المنشآت الاعجازية التى لا يستطيع ان يبنيها بشر

وانا الان سوف اناقش مدى تاريخية وجود سليمان طبقا لهذه النقاط
1) الاثار العظيمة المتبقية
فجميع الحضارات الكبرى قد ابقت اثارا و معابد ومنشآت في جميع دول العالم بينما لا يوجد حتى قطعة فخار تشير الى عصر هذا الملك العظيم فهل تم تدمير كل الاثار التى تركها بعد موته
ساتعرض لهذه النقطة بالتفصيل

2)المراسلات بينه وبين الممالك المجاورة
بمعنى اننا نجد في اي عصر مثلا عصرنا الحالى مراسلات بين الدول موثقة و بالتأكيد كلما كانت الدولة كبرى و مؤثرة في المنطقة كان ذكرها اكثر مع الممالك فمقارنة بالولايات المتحدة الان هل يمكن ان تكون الولايات المتحدة دولة عظمى و لايوجد معها مراسلات او معاملات اقتصادية او معاهدات مع بقية الدول
ان عظمة الدولة بالتأكيد تنعكس على علاقتها بمن حولها ومدى تاثيرها في مجريات الامور في المنطقة فهل تأمرت كل دول العالم على محو مراسلاتها مع سليمان بالذات
وسنتعرض ايضا لهذه النقطة بالتفصيل

3)تاريخية مملكة سبأ و الملكة بلقيس
فهذه هي المملكة الوحيدة التى يذكر لنا القرآن تعامل سليمان معها، فهل فعلا كانت هناك اسمها سبأ كموجودة في هذا العصر، وما هو تاريخ مملكة سبأ وهل يتقاطع مع حكم الملك سليمان
وسنصل الى هذه النقطة في نهاية الموضوع

الآن سوف اعرض الايات و الاحاديث الصحيحة التى تتكلم عن عظمة ملك سليمان، لتكون حكما بيننا على مصداقية البحث

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ 35 فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ36 وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ37 وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ38 هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ39} ص

كما نرى ملك لا يتكرر لاحد بعده: ارض تسرح فيها الرياح، عمال من الجن للبناء و الغوص، ووصفه بالنهاية انه بغير حساب، يقول الحديث:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن سليمان عليه السلام سأل الله تعالى ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه فنحن نرجو أن يكون الله عز وجل قد أعطانا إياها " وقد روى هذا الفصل الأخير من هذا الحديث النسائي وابن ماجه من طرق عن عبد الله بن فيروز الديلمي

وهكذا يتضح لنا مدى اتساع ملك سليمان ومدى تفرد عماله باشياء لا يمكن تكرارها في زمانه وعلى هذا الاساس سنستعرض النقاط الثلاث بالتفصيل تباعا
1) الاثار العظيمة المتبقية

لكى نجاوب على هذا السؤال ينبغى ان نعلم متى عاش الملك سليمان. بدأت فكرة التنقيب اساسا من اجل هدف دينى بحت وهو اثبات ما جاء في الكتاب المقدس وذلك في عهد الملكة ﭬيكتوريا، وقد اصاب الحماس الجميع عندما وجدت بعثة ارسلت الى العراق في اثر للدولة الاشورية يدعى المسلة السوداء للملك شلمنصر الثالث 859-824 ق.م نصًّا يتكلم عن اخضاعه للملك ياهو بن عمري وعمري هذا هو احد ملوك اسرائيل وهو العاشر في سلسلة ملوك السامرة
والملك عمري هو اول ملوك السامرة الذى يوجد له تاريخ موثق وهو مؤسس مملكة اسرائيل وعاصمتها السامرة بنيت عام 880 ق.م وكان شعار هذه الدولة العجل الذهبى المقدس، وهذه الدولة موصوفة في التوراة و في النصوص الاشورية على حد سواء
من هذه النقطة ننطلق الى معرفة وجود مملكة سليمان، حيث قبل هذا التاريخ لا يوجد اى ذكر لتاريخ مملكة اسرائيل، ولذلك نعتمد فقط على التوراة التى تعطى النسب السابق للملك عمرى
وطبقا لهذه الحسابات فإن سليمان عاش في القرن العاشر قبل الميلاد و توفى في عام 931 ق.م وفقا للتوراة
تزعم التوراة ان المملكة كانت في عهد سليمان مملكة موحدة ثم انفصلت بعد وفاته الى مملكتين، هما مملكة اسرائيل وعاصمتها السامرة و مملكة يهوذا وعاصمتها اورشليم

تاريخيا ظهرت السامرة قبل يهوذا بعد السامرة بحوالى القرن، الآن يمكننا ان نتخيل الصورة للتاريخ المكتوب في التوراة والواقع

والآن يمكننا ان نسأل ما هى الاثار التى وجدت في القرن العاشر قبل الميلاد في اورشليم او القدس التى بنى بها سليمان هيكله المزعوم و الذى صلى اليه المسلمون كاولى القبلتين، وما هى الاثار التى وجدت في الحضارات المجاورة

 

بالنسبة لاورشليم في القرن العاشر قبل الميلاد


يفاجئنا علم الآثار بمفاجأة من العيار الثقيل فأورشليم في هذا العصر كانت مدينة صغيرة جدا و لا ذكر لها و مساحتها لا تتعدى 4-5 هكتارات وهي بذلك قرية مسورة لا عاصمة مملكة كبرى شيدتها الجن
وهذه المساحة لا تستوعب اكثر من الفى مواطن !!!
فكيف لعاصمة ليس بها الا ألفا مواطن ان تكون نواة للملكة كبرى وبها مساكن للجند و القادة و الامراء فضلا عن قصر الحكم

ويقول عالم الاثار الاسرائيلى ب.مازار "اننا لم نعثر الا على القليل جدا من اللقى الاثرية تعود الى الفرن العاشر قبل الميلاد في اورشليم و يصفها بالمتواضعة جدا اذا ما قورنت بالحضارات المحيطة مثل الحضارة الارامية و الفينيقية و المصرية و الحثية و البابلية"
هذا يعنى ان مساحة اورشليم العاصمة كانت اقل من المدن الفلسطنية الكبرى مثل حاصور في الجليل ومجدو في وادى يزرعيل بنسيبة واحد الى عشرة

بينما المقارنة مع مدن مثل بابل او نينوى العواصم الحقيقية لامبرطوريات اثرت و تاثرت في المنطقة يجعل الامر مضحكا، فمساحة القصر الملكى فقط فى هذه العواصم كان يفوق مساحة عاصمة المملكة الكبرى التى لم يشهد لها التاريخ سابقا او لاحقا

وأختم هذه النقطة بقول المؤرخ التوراتى تومبسون في كتابه "
the bible history": خلال القرن العاشر قبل الميلاد لم تكن مرتفعات يهوذا تحتوى الا على عدد ضئيل من السكان لا يتجاوز الالفى تسمة موزعة على بضع عشرات من التجمعات القروية الصغيرة التى تعيش على زراعات الكفاف اضافة الى فعالية ضعيفة في مجال الرعى و الاحتطاب"

هذا هو الوضع للعاصمة الكبرى في هذا الوقت فهل كانت احوال الدول المجاورة كذلك ؟

بالنسبة للدول المجاورة في القرن العاشر قبل الميلاد


في نفس الفترة ازدهرت حضارات على حوض الفرات الاوسط و الخابور الاسفل عدد من الممالك الارامية القوية وعثر في هذه المواقع على دلائل اركيولوجية واضحة، مثل مملكة بيت لاقى و بيت بحيانى بين عدينى
بالرغم من ان هذه الممالك لم تكن في عظمة الاشوريين الذين اسسوا فعلا مملكة او امبراطورية كبرى كانت موجودة خلال نفس الفترة الزمنية و استمرت الى بعد ذلك لكثير، وتحتوى وثائق موجودة الآن اسماء هذه الملوك
وظهرت ايضا الثقافة الفينيقية على شاطئ المتوسط، وكانت مملكة امورو [الأموريين] و عاصمتها سيميرا التى تم اكتشافها مؤخرا بجانب حمص
اما بمصر فكان الفرعون سيامون اخر فراعنة الاسرة 21 ، ثم الفرعون شيشنق اول الاسرة 22
كل هذه الحضارات يوجد اثار واضحة لها واحداث مسجلة و معابد و بيوت و ادوات تملأ متاحف العالم
و مساحات عواصمها كلها كانت كبيرة جدا
فلماذا فى وسط هذه الممالك كلها اختفت فقط اثار و عاصمة سليمان
لماذا فقط من ضمن حضارات القرن العاشر قبل الميلاد لم تختف الا الدلائل الاساسية على وجود هذا الملك
هل هناك مؤامرة تاريخية مدبرة ضده ؟
ولماذا ذكر التاريخ حفيده عمري ؟؟

التفسير هو ان ربما كان هناك سليمان لكنه كان كشيخ قبيلة صغيرة اضفى عليه احفاده قدسية، ربما هو كمشايخ القبائل التى تحكم الآن دول الخليج التى بالتأكيد ينتسب حكامها الحقيقين الى اباء حكمت هذه القبائل فبل الطفرة البترولية، لكن لا يذكر التاريخ هؤلاء الاباء لانهم لم يؤثروا في المنطقة سابقا
او ان سليمان موجود في عصر آخر لكن تبقى المشكلة قائمة في اى عصر لانه لا توجد الى اثار له في اى عصر
ويبقى السؤال متى كان عصر سليمان

2) المراسلات بينه وبين الممالك المجاورة

اذا سلمنا ان لظروف لا يعلمها أحد ان جميع الاثار التى وجدت في عصر مملكة سليمان الكبرى فد اختفت او أنها ما زالت موجودة في مكان لم يصل اليه علماء الاثار بعد
فنحن امام مشكلة أخرى وهي انه معنا وثائق و كتابات و فخاريات بل و مكتبة كاملة للحضارات المجاورة
مثل الحضارة الاشورية المجاورة و الحضارة المصرية و الارامية هذه الممالك الكبرى عاصرت سليمان
و بالتأكيد ان جيوش سليمان لكى تتوسع يجب ان تصطدم باحدى هذه الممالك التى تحيطها من جميع الاتجاهات الا اذا كان توسع مملكة سليمان راسيا !!
ويجب ان تكون هناك طرق تجارية مشتركة تمر عبر اراضى هذه الدول، ويجب ان تكون هناك مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة

و هنا لا يوجد اى فقد للمعلومة بدليل وجود كل هذه الاثار
فيما يتعلق بالنصوص المصرية من عصر الفرعون سيامون لا تذكر اى شئ عن سليمان او مملكته بالرغم من الاحتكاك المباشر المفترض بين المملكتين
و يستمر الامر حتى عصر الفرعون شيشق الذي يرد ذكره في التوراة لكن ببساطة لا نجد نصا واحدا في سجلات هذا الفرعون تتكلم عن سليمان او حتى شئ يدعى مملكة اسرائيل من الاساس، بالرغم من حملة هذا الفرعون كانت في نفس الاراضى التى يفترض قيام مملكة سليمان بها، لكننا نجد نصبا تذكاريا اقامه الفرعون شوشانق (شيشق التوراتى) في موفع مجدو بوادى يزرعيل شملا

وفي نفس الوقت نجد النصوص الاشورية قد اعطتنا معلومات تفصيلية عن كل الدول المهمة التى قامت في بلاد الشام خلال القرن العاشر ق م ولكنها ايضا لم تذكر قيام مملكة قوية في اورشليم، ولم نجد لو حتى اشارة لهذه المملكة او ملكها الذى اتاه الله ملكا لم يتكرر
بينما ظهرت مملكة اسرائيل في نفس السجلات الاشورية العسكرية للحملات الاشورية علي مملكة يهوذا و مملكة اسرائيل السامرة ابتداء من تاريخ تاسيس السامرة

هنا يجب ان نسأل: فاما ان التاريخ قد أحبك مؤامرة مقصودة او ان هذه المملكة لم يقم لها قائمة الا في خيال الفكر الدينى

اما الممالك الارامية فوجدت اثار كتابية في مملكة بيت بحيانى بها للملوك الذين حكموا المنطقة
كما وجد في مملكة بيت عدينى على الضفة الشرقية للفرات على كتابات تذكر ملكها آخونى وهو ايضا مذكور في السجلات الاشورية
وقد يقول قائل لماذا تقبل هذه الدلائل بينما نرفض التوراة مثلا كدليل فالدليلان عثر عليهما كتاريخ
و الرد ببساطة ان هذه الوثائق تعود الى نفس العصر التى كانت تتكلم عنه اما اقدم النسخ التى تتكلم عن سليمان تعود للقرن الاول للميلاد
وهذا يعنى ببساطة انها كتب تتكلم عن احداث حدثت قبلها بالف سنة فايهما اقرب للحقيقة الاثار التى وجدت مجتمعة في كل هذه البلاد المتباعدة لنفس الحقبة الزمنية ام كتاب كتب بعد وفاة سليمان بعدة قرون على افضل تقدير؟

وفي نهاية هذه النقطة اضع هذا التساؤل: بعد احتلال كامل للقدس منذ 1967 و اسرائيل جعلت كل همها الوصول الى الهيكل المزعوم، هل تساءل احدنا لماذا لمدة اربعين سنة لم تستطع اسرائيل الوصول الى مكان الهيكل اعادة بنائه كما تريد
×لماذا لم تنشر الجامعات العبرية التى تعمل بجد منذ الاحتلال 1948 على اعطاء دليل واحد قوى على وجود اسرائيل، كلنا يعلم مدى بجاحة هذه الدولة لكن عند هذه النقطة بالذات ومنذ ولادتى اسمع ان اسرائيل تنقب عن الهيكل، هل يعرف احد لماذا ما زالت تبحث، الاجابة ببساطة لانها تبحث عن سراب تاريخى اسمه سليمان و مملكة اسرائيل الموحدة، الحلم الذى اخترعه كتبة التوراة و صدقه القرآن×

[هنا أتحفظ على كلام وليد مقلد لأن إسرائيل القديمة ولا نتحدث عن يهود اليوم المحتلين لها فعلًا آثار جيدة محفوظة في متحف إسرائيل وغيره، من آثار الإسرائيليين القدماء أنفسهم أو ما كتبه الملوك للدول الأخرى عنهم كآشور وآرام ومصر في سجل منفتاح، وراجع كتاب (التوراة مكشوفة على حقيقتها) لإسرائيل فنكلستَيِن وسبيرمان للتعرف على بعض هذه الآثار، من أشهر الآثار قلعة الماسادا أو مسعدة ومخطوطات البحر الميت مثلًا، وسأضع صورًا من آثار يهودية بآخر مقاله كتعليق]

 

3) تاريخية مملكة سبأ

يخبرنا القرآن بوصول الاخبار عن مملكة سبأ و عن ملكتها التى تعبد الشمس، فهل كانت فعلا هناك مملكة تسمى سبأ وما هى عبادة السبأيون

اقتباسا من كتاب المفصل في تاريخ العرب (موجود في مكتبة الموقع لمن يريد التفصيل)

نجد ان هناك مملكتان لسبأ
الاولى و التى تكلم عنها القرآن وبها سد مأرب
الثانية تكونت من القبائل النازحة الى شمال جزيرة العرب
واشتهرت هذه المملكة الصغيرة بالملكات و ربما يفسر هذا مسافة السفر القصيرة للهدهد العائد بالخبر
من كتاب المفصل

"هذه المملكة لم تكن ملكة على ملكة سبأ الشهيرة التي هي في اليمن، وإنما كانت ملكة على مملكة عربية صغيرة في أعالي جزيرة العرب، كان سكانها من السبئيين القاطنين في الشمال. ويستدلون على ذلك بعثور المنقبين على أسماء ملكات عربيات، وعلى اسم ملك عربي، هو "يثع أمر" السبئي في النصوص الآشورية، في حين إن العلماء، لم يعثروا حتى الآن على اسم ملكة في الكتابات العربية الجنوبية، ثم صعوبة تصور زيارة ملكة عربية من الجنوب إلى سليمان و تعجبها من بلاطه وحاشيته وعظمة ملكه، مع إن بلاط "أورشليم" يكون إلا يكون شيئاً بالقياس إلى بلاط.، ملوك سبأ، ولهذا لا يمكن إن تكون هذه المملكة في نظر هذه الجماعة من علماء التوراة، إلا ملكة مملكة عربية صغيرة لم تكن بعيدة عن عاصمة ملك سليمان، قد تكون في جبل شمر أو في نجد، أو الحجاز."

لكن بما ان القرآن تكلم عن سبأ مأرب فدعونا نكتشف هذه المملكة بالتفصيل

ظهرت كلمة سبأ مبكرا في التاريخ في كتابات السومرية حوالى 2500 ق م، ولذلك يرجح الكثير من العلماء ان سبأ منشأها هو شمال الجزيرة ثم هاجرت هذه القبائل الى الجنوب في اليمن
من كتاب المفصل

"وقد ذهب "مونتكومري"
Montgomery إلى إن السبئيين المذكورين في النصوص السومرية كانوا من سكان "العربية الصحراوية"، أي البادية، وهذه البادية هي مواطنهم الأصلية الأولى، ومنها ارتحلوا إلى اليمن. أما متى ارتحلوا عنها، فليس لدى هذا المستشرق علم بذلك. و يرى بعض الباحثين إن مجيء السبئيين إلى ديارهم التي عرفت باسمهم، إنما كان في ابتداء العصر الحديدي، أي في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وذلك بعد مئات من السنين من هجرة المعينيين و القتبانيين إلى اليمن.
ورأى بعض آخر احتمال هجرة السبئيين إلى اليمن في حوالي السنة "1200" قبل الميلاد، أما هجرة المعنيين و القتبانيين وأمل حضرموت، فقد كانت في حوالي السنة "1500 ق. م.". وقد مارس السبئيون الزراعة والتجارة،
وذهب "هومل" إلى إن السبئيين هم من أهل العربية الشمالية في الأصل، غير إنهم تركوا موطنهم هذه، وارتحلوا في القرن الثامن قبل الميلاد إلى جنوب جزيرة العرب، حيث استقروا في منطقة "صرواح" و "مأرب" وفي الأماكن السبئية الأخرى. كانوا يقيمون على رأيه في المواضع التي عرفت ب "أريبي" "عريبي" "أريبو" في الكتابات الآشورية و ب "يارب"
Jareb=Jarb في التوراة. ومن "يرب" "يارب" على رأيه جاء اسم "مأرب" عاصمة "سبأ". ويؤيد رأيه بما جاء في النص: Glaser 1155 الذي سبق إن تحدثت عنه من تعرض السبئيين لقافلة معينية في موضع، يقع بين "معان" و "رجمت" الواقع على مقربة من "نجران". وعنده إن هذا النص يشير إلى إن السبئيين كانوا يقيمون في أيام ازدهار حكومة معين في أرضين شمالية بالنسبة إلى اليمن، ثم انتقلوا إلى اليمن. ويرى في اختلاف لهجتهم عن لهجة بقية شعوب العربية الجنوبية دليلاً آخر على إن السبئيين كانوا في الأصل سكان المواطن الشمالية من جزيرة العرب، ثم هاجروا إلى الجنوب."
اما مملكة سبأ فهى تختلف تماما عن سبأ القبيلة او الشعب، فقيام الدولة الاسلامية و حديثنا عن الخلافة الاسلامية و تاريخها لايعنى مثلا عدم وجود العرب قبل الاسلام، وايضا حديثنا عن الممالك في سبأ يختلف بنفس الطريقة عن الأصل الذى ينتمى اليه السبأيون

متى ظهرت اول مماكة لسبأ
اول مملكة كانت تسمى بالمكربيين
ثم مملكة سبأ
ثم مملكة سبأ وذو ريدان

من المفصل

"لقب أقدم حكام سبأ، بلقب "مكرب" في الكتابات السبئية، و في هذا اللقب معنى "مقرب" في لهجتنا، و تدل اللفظة على التقريب من الآلهة، فكان "المكرب" هو مقرب أو وسيط بين الآلهة و الناس، أو واسطة بينها و بين الخلق.
وقد كان هؤلاء "المقربون" "المكربون" في الواقع كهاناً، مقامهم مقام "المزاود" عند المعينين و "شوفيط"
Shopet، و جمعها "شوفيطيم" عند العبرانيين، أي "القضاة". و جاء في كتب اللغة: "كرب الامر يكرب كروباً: دنا، يقال كربت حياة النار، أي قرب انطفاؤها، و كل شيء دنا، فقد كرب.
قال أبو عبيد: كرب، أي دنا من ذلك وقرب، وكل دان قريب فهو كارب. وورد: الكروبيون سادة الملائكة، منهم جبريل وميكائيل، و اسرافيل هم المقربون، والملائكة الكروبيون أقرب الملائكة إلى العرش. فللفظة معنى التقريب حتى في عربيتنا هذه: عربية القرآن الكريم.
و قد قدّر "ملاكر"
Mlaker حكم المكربين بحوالي قرنين ونصف قرن، إذ افترض إن حكم المكرب الأول كان في حوالي السنة "800 ق. م،"، وجعل نهاية حكم المكربين في حوالي السنة "650 ق. م.". وفي حوالي هذا الزمن استبدل - على رأيه - بلقب مكرب لقب "ملك"، وانتهى بهذا التغيير في اللقب دور المكربين.
وقدّر غيره حكم المكربين بزهاء ثلاثة قرون، فجعل مبدأ حكمهم في حوالي السنة "750 ق. م."، ونهاية حكمهم في حوالي السنة "450 ق. م."، وجعل بعض آخر في مبدأ حكم المكربين في القرن العاشر أو القرن التاسع قبل الميلاد. وقد تمكن العلماء من جمع زهاء سبعة عشر مكرباً، وردت أسماؤهم في الكتابات العربية الجنوبية، وكانوا يقيمون في عاصمة سبأ القديمة الأولى مدينة "صرواح". وقد رتب أولئك العلماء أسماء المكربين في مجموعات، وضعوا لها تواريخ تقريبية، لعدم وجود تواريخ ثابتة تثبت حكم كل ملك بصورة قاطعة، ولذلك تباينت عندهم التواريخ وتضاربت، فقدم بعضهم تأريخ الآسرة الأولى، بأن وضع لحكمها تأريخا يبعد عن الميلاد أكثر من غيره، و قصر آخرون في التأريخ، و اخروا، و كل آرائهم في نظري فرضيات لا يمكن ترجيح بعضها على بعض في هذا اليوم. و قد يأتي يوم يكون في الامكان فيه تثبيت تواريخهم بصورة قريبة من الواقع، استنادا إلى الكتابات التي سيعثر عليها و علاى دراسة الخطوط و تقدير أعمار ما يعثر عليه و تحليل محتوياته بالأساليب الآثارية الحديثة التي تقدمت اليوم كثيراو ستتقدم أكثر من ذلك في المستقبل من غير شك.
ويعد المكرب "سمه على" أقدم مكرب وصل إلينا اسمه. ولا نعرف اللقب الذي كان بلقب به، ومن عادة حكام العربية الجنوبية من مكربين وملوك اتخاذ ألقاب يعرفون بها، ومن هذه الألقاب نستطع التفريق بينهم. ولا نعرف شيئاً كذلك من أمر والده. وقد جعل "فلبي" مبدأ حكمه بحدود عام "800" قبل الميلاد في كتابه "سناد الإسلام" وبحدود سنة "820" قبل الميلاد في المقال الذي نشره في مجلة
Le Museon.
وتعد الكتابة الموسومة ب
Glaser 1147، من كتابات أيام هذا المكرب. وهي كتابة قصيرة مكتوبة على الطريقة الحلزونية Boustrophedon كأكثر كتابات أيام المكربين، ولقصرها ونقصها لم نستفد منها فائدة تذكر في الوقوف على شيء من حياة هذا المكرب.
وقد عد "كلاسر" الكتابة الموسومة ب
Glaser 926 من كتابات أيام هذا المكرب، وتابعه على ذلك "فلبي". وهي من الكتابات المدونة على الطريقة الحلزونية Boustrophedon، وقد كتبت عند إنشاء بناء، وصاحبها "صبحم بن يثع كرب فقضن". وقد ورد فيها اسم "سبأ" و "مرب" أي مدينة "مأرب" و "فيش" "فيشان"، ووردت فيها لفظة "فراهو" أي "سيدة"، قبل اسم "سمه على" الذي كان يحكم شعب "سبأ" في ذلك العهد، ودونت في النص أسماء الآلهة: عثتر، و "المقه" و "ذت بعدن"، على العادة المألوفة في التيمن بذكر أسماء الآلهة في الكتابات، ثم التيمن بذكر اسم الحاكم من مكرب أو ملك يوم تدوين الكتابة."

كما نرى اول مملكة لسبأ لا حمل اسم ملك سبأ بل مكرب، و تبدأ في القرن التاسع فبل الميلاد على ابعد تقدير، وكل الملوك من الرجال، وان هناك الهة و تماثيل وهذه الالهة لها اسماء و لم تكن الشمس معبودا لاهل سبأ كما يخبرنا القرآن
اما مملكة سبأ نفسها

من المفصل

"ملوك سبأ
وبتلقب "كرب ايل وتر" بلقب ملك، وباستمرار ما جاء بعده من الحكام على التلقب به، ندخل في عهد جديد من الحكم في سباً، سماه علماء العربيات الجنوبية عهد "ملوك سبأ" تمييزاً له عن العقد السابق الذي هو في نظرهم العهد الأول من عهود الحكم في سبأ، وهو عهد المكربين، وتمييزاً له عن العهد التالي له الذي سمي عهد "ملوك سبأ وذي ريدان".
ويبدأ عهد "ملوك سباً" بسنة "650 ق. م." على تقدير "هومل" ومن شايعه عليه من الباحثين في العربيات الجنوبية. ويمتد إلى سنة "115 ق. م." على رأي غالبية علماء العربيات الجنوبية، أو سنة "109 ق. م." على رأي "ركمنس" الذي توصل إليه من عهد غير بعيد. وعندئذ يبدأ عهد جديد في تأريخ سبأ، هو عهد "ملوك سبا وذي ريدان".
أما "البرايت"، فيرى أن حكم هذا المكرب الملك في حوالي السنة "450 ق. م."، أي بعد قرنين من تقدير "هومل"3، وبناء على ذلك يكون عهد الملوك- على رأيه- قد بدأ منذ هذا العهد.
وقد قدّر بعض الباحثين زمان كحم المكرب والملك "كرب ايل وتر" في القرن الخامس قبل الميلاد. وقد كان يعاصره في رأي "البرايت" "وروايل" ملك أو مكرب قتبان، الذي حكم بحسب رأيه أيضاً في حوالي سنة "450 ق. م."، وكان خاضعاً ل "كرب ايل وتر"، و "يدع ايل" ملك حضرموت.
ويمتاز هذا العهد عن العهد السابق له، وأعني به عهد حكومة المكربين، بانتقال الحكومة فيه من "صرواح" العاصمة الأولى القديمة، إلى "مأرب" العاصمة الجديدة، حيث استقر الملوك فيها متخذين القصر الشهير الذي صار رمز "سبأ"، وهو قصر "سلحن" "سلحين"، مقاماً ومستقراً لهم، منه تصدر أوامرهم إلى أجزاء المملكة في إدارة الأمور.
و "كرب آل وتر" "كرب ايل وتر"، هو أول ملك من ملوك سبأ افتتح هذا العهد. لقد تحدثت عنه في الفصل السابق، حديثاً أعتقد انه واف، ولم يبق لدي شيء جديد أقول عنه. وليس لي هنا الا أن أنتقل إلى الحديث عن الملك الثاني الذي حكم بعده، ثم عن بقية من جاء بعده من ملوك.
أما الملك الثاني الذي وضعه علماء العربيات على رأس قائمة "ملوك سبأ" بعد "كرب ايل وتر"، فهو الملك "سمه على ذرح". وقد ذهب "فلبي" إلى احتمال أن يكون ابن الملك "كرب ايل وتر". وقد كان حكمه على حسب تقديره في حوالي السنة "600 ق. م."5.
وقد وقفنا من النص الموسوم ب
CIH 374 على اسمي ولدين من أولاد "سمه على ذرح"، ما "الشرح" "اليشرح"، و "كرب ايل". وقد ورد فيه: أن "الشرح" أقام جدار معبد "المقه" من موضع الكتابة إلى أعلاها، ورمم أبراج هذا المعبد، وحفر الخنادق، ووف بجميع نذره الذي نذره لإلهه" "المقه" على الوفاء به إن أجاب دعاءه، وقد استجاب إلهه لسؤاله، فيسر أمره واعطاه كل ما اراد، فشكراً له على آلائه ونعمائه، وشكراً لبقية آلهة سبأ، وهي: "عثتر" ، و "هبس" "هوبس"، و "ذات حمم" "ذات حميم"، و "ذت بعدن" "ذات بعدان"، وتمجيداً لاسم والده "سمه على ذرح" أن أمر بتدوين هذه الكتابة ليطلع عليها الناس. وقد سجل فيها مع اسم شقيقه "كرب آل" "كرب ايل".
أما "كرب ىل" "كرب ايل" أحد أولاد "سمه على ذرح" فلا نعرف شيئاً من أمره. وشد صيره "هومل" خليفة والده، وجاراه "فلبي" في ذلك، وقدر زمان حكمه بحوالي السنة "580ق. م."2.
ووضع "هومل" اسم "الشرح" "اليشرح"، وهو ولد من أولاد "سمه على ذرح" بعد اسم شقيقه "كرب ايل وتر"، وجاراه "فلبي" في هذا الترتيب، ولا نعلم شياً عنه يستحق الذكر.
وانتقل عرش سباً إلى ملك آخر، هو "يدع آل بين" "يدع ايل بين" وهو ابن "كرب آل وتر" "كرب ايل وتر". وقد ورد اسمه في النص الموسوم ب
Glaser 105، ودونه رجل اسمه "تيم". وقد حمد فيه الإلَه "المقه" بعل "أوم" "أوام"، لأنه ساعده وأجاب طلبه، وتيمن بهذه المناسبة بتدوين اسم الملك، كما ذكر فيه اسم "فيشن" أي "فيشان"، وهي الأسرة السبئية الحاكمة التي منها المكربون وهؤلاء الملوك، كما ذكر اسم "بكيل شبام".
وقد ورد في الكتابة المذكورة اسم حصن "الو". وهو حصن ذكر في كتابات أخرى. ويرى بعض الباحثين أن هذه الكتابات هي من ابتداء القرن الرابع قبل الميلاد، أي أن حكم "يدع آل بين"، كان في هذا العهد.
والنص
Glaser 529 من النصوص التي تعود إلى أيام "يدع آل بين" "يدع ايل بين" كذلك " وقد ورد فيه اسم عشيرته: "فيشن" "فيشان". وانتقل عرش سبأ إلى "يكرب ملك وتر" من بعد "يدع آل بين" على رأي "هومل"،وهو ابنه. وقد ذكر اسمه في الكتابة الموسومة ب Halevy 51، وهي عبارة عن تأييد هذا الملك لقانون كان قد صدر في أيام حكم أبية لشعب سبأ ولقبيلة "يهبلح" في كيفية استغلال الأرض واستثمارها في مقابل ضرائب معينة تدفع إلى الدولة، وفي الواجبات المترتبة على سبأ وعلى "يهبلح" في موضوع الخدمات العسكرية، وتقديم الجنود لخدمة الدولة في السلم وفي الحرب. وقد وردت في هذا انص أسماء قبائل أخرى لها علاقة بالقانون، منها قببلة "أربعن" "أربعان"، وكانت تتمنع باستقلالها، يحكمها رؤساء منها، يلقب الواحد منهم بلقب "ملك"."

مرة أخرى لا شمس لا ملكات، بالاضافة الى ان تاريخ المملكة لا يتقاطع ابدا عصر الملك سليمان

اذا اين هي بلقيس و من عبد الشمس واين كانت تلك المملكة في القرن العاشر قبل الميلاد في التاريخ

الاجابة كل هذا موجود فقط في التوراة ثم القرآن ضاربا بكل المعلومات الاخرى عرض الحائط
اما اذا اخذنا بالرأى الاول بان سبأ هي القبائل الشمالية، فعندها سنجد ان القرآن قد خلط بين المملكتين
فايهما نصدق؟!

الكاتب: وليد مقلد

المصدر: شبكة اللادينيين العرب

الآثار اليهودية وعن اليهود في المنطقة الشرقأوسطية على عكس إنكار متعصبي العرب والمسلمين اليوم

 

استدراك لؤي على أ. وليد مقلد

 

من عاداتي التي يعتبرها البعض سيئة أني لا أنحاز إلا للحقيقة ولا ولاء عندي إلا لها في الأبحاث، في عجالة لتركيزي الآن على بحث نقد الإسلام وصعوبة عودتي لكتب الأركيولوجي الكتابية واليهودية مثل (التوراة مكشوفة على حقيقتها) وبه لضرورة البحث ذكر كثير لآثار يهودية باعتبارها المعيار الموضوعي للبحث المذكور وللأسف لا أذكرها الآن، وعدة كتب أخرى بمكتبتي بالإنجليزية، سأكتفي بإيراد الصور فهي أصدق لسان، وجدير بالذكر أن من المكتشفات الحديثة مثلًا نفق الملك حزقيّا لنقل المياه تحت الأرض الذي أنشأه استعدادًا للحصار من الآشوريين، ولوحة هزيمة سنحاريب الآشوري لمدينة لخيش واجتياحها وسبي بعض أهلها عكس مزاعم الكتاب اليهودي المقدس أنه لم ينتصر، وهو ما أشار إليه مؤلفا (التوراة مكشوفة اللثام، أو على حقيقتها) The Bible unearthed. هناك مقال إنجليزي كذلك عن ملوك اليهود في الكتابات الآشورية ولم أترجمه لعدم التفرغ ولو أنه باختصار يشير إلى نقش Monolith Inscription  الذي عثر عليه في كرخ عند نهر تجريس في تركيا وبه يذكر شلمنصّر الثالث انتصاره على الآراميين وحلفائهم ومنهم آخاب أحد ملوك يهوذا المعروفين في الكتاب المكدس، ومسلة لشلمنصّر الثالث ذكر بها خضوع الملك ياهو له سنورد معلومات عنها أدناه، ولوحة حجرية منقوشة عثر عليها في تل الرمة في العراق عام1967 تقول أن الملك الآشوري أدد نيراري الثالث (8811- 782 ق م) قام بعدة حملات ضد الغرب، أحدها هزم فيها دمشق ثم فرض الجزية على إسرائيل وصور وصيدون. وفي عودته نصب نصبًا تذكاريًّا عند تل الرمة تخليدًا للحدث. ومما ورد فيه: تلقيت جزية يهوآش السامري، ومن الحاكم  الصوري والحاكم الصيدوني. ويوجد نقشان آخران عن ملك يهوذا منسّى، فأسرحدون ملك آشور أمر عدة أقاليم منها إقليمه بتقديم مواد بناء لتشييد القصر الملكي لخاص به، وآشوربانيبال لما خطط لغزو مصر أخذ قوات من أقاليم الامبراطورية الخاضعة لآشور ومنها إقليم يهودا ويقول أنه جعل الملوك يقودون قواتهم بعدما أتوه بهدايا وقبلا قدميه وجلبوا الجنود.

الملك ياهو يسجد بخضوع للملك الآشوري شلمنصَّر الثالث حاكم الامبراطورية من النقش على النصب التذكاري المسجل لانتصارت شلمنصَّر، ففي عام 1846 اكتشف الأثريون حجرًا بازلتيًّا عبارة عن مسلة سوداء رباعية الجوانب بطول ستة ونصف متر في كالحو أو كالح (مدينة نمرود حاليًّا) في العراق، والتي كانت موقع عاصمة آشور القديمة. كانت المسلة منصوبة كنصب تذكاري عامّ في 825 قبل الميلاد، معظّمة الانتصارات العسكرية لـ شلمنصَّر الثالث(858 -824) ق.م خلال 31 سنة من حكمه. إنها تحتوي على مزيج من الرسم النافر البارز والكتابات المنقوشة مسجلةً احتلالات (فتوحات) شلمنصر الثالث. هناك عشرون رسمًا، خمسة من كل جانب. صُوِّرَ خمسة ملوكٍ يقدمون الجزية له هم: (1) Sua of Gilzanu; (2) ruler of Musri; (3) Marduk-apil-usur of Suhi; (4) Qalparunda of Patin. والخامس ليس سوى ياهو ملك إسرائيل [الشمالية التي عاصمتها السامرة]، دافعًا الجزية لشلمنصر الثالث عام 841 ق م قبل 10 سنوات تقريبًا من انتهاء حكم ياهو. الكتابة المنقوشة المتعلقة برسم ياهو نقرأ فيها: "جزية ياهو بن عمري: لقد تلقيت منه فضة وذهبًا ووعاءً ذهبيًّا وزهرية ذهبية ذات قعر مدبب وقدحًا ذهبيًّا ودلاءً ذهبية وقصديرًا وصولجانًا ملكيًّا ورماحًا." لا يذكر كتاب اليهود هذا الحدث لكنه في الملوك الثاني10: 32-33 يذكر أن الملك الآشوري حزائيل استولى على المنطقة التي في الحدود الشرقية. ولياهو ذكر في الملوك الأول19 والملوك الثاني10.

   

 

 

  

 

مجموعة صورة من نقش لخيش من القصر الامبراطوري لسنحاريب المعثور عليه في العراق، وهو في المتحف البريطاني ويصوِّر حصار ثم سقوط مدينة لخيش على يد سنحاريب ونهب وسبي بعض المدينة يساقون كمستعبَدين، وأعمال تعذيب الجنود الأسرى، وهي تصويرات بشعة.

 

أختام عبرية أثرية

This clay seal impression from the 8th century BC contains the Hebrew text, "Belonging to Ahaz [son of] Jehotam, King of Judah." Ahaz was a Biblical king referred to in the books of 2 Kings and Isaiah. Fingerprints can be seen on the left side of the impression, possibly those of Ahaz himself.

ختم من الطين المشويّ من القرن الثامن ق م يحتوي على كتابة عبرية: (ينتمي إلى آحاز [بن] يوثام، ملك يهوذا). ومن المعروف أنه ملك أشير إليه في الملوك الثاني وإشعيا. توجد بصمات أصابع ضمن الختم يمكن رؤيتها على جانبه اليسار ويحتمل أن تكون تخص آحاز نفسه.

 

المعبد المكتشف في تل دان من آثار مملكة إسرائيل

biblical holy coins: widow's mite, herod the great, pontius pilate, caesar augustus, etc.

إحدى هذه العملات تخص هيرود (أو هيرودس) الكبير

 

 

نفق الملك حزقيا لتأمين وصول المياه لمدينة أورشليم أثناء الحصار الآشوري، وأشار إليه سفر أخبار الأيام الثاني32

 

لوح بلاط رخامي مكتوب عليه منقوشًا: (هنا جُلِبَتْ عظام عُزِّيا ملك يهوذا، لا تُنتهَك). ومن المعروف أن عزيا كان ملكًا على يهوذا أشير إليه في الملوك الثاني وأخبار الأيام الثاني. لقد عاش في القرن الثامن قبل الميلاد، ونُقِلَت رفاته في أورشلي في موقع هذا القبر حولي القرن الأول ميلاديًّا. طول القطعة 14 بوصة واللغة التي عليها آرامية. اكتُشِفت عام 1931 في القدس أورشليم وتوجد حاليًّا في متحف إسرائيل.

 

ولم أعرض هنا صور مخطوطات البحر الميت ومخطوطة وثيقة دمشق ومخطوطات وآثار قلعة ماسادا التي كانت آخر مقاومة يهودية ضد الروم وانتهى أمرها بقتل الرجال اليهود مضطرين لكل من فيها من نساء وأطفال لكي لا يتعرضوا للتعذيب والاستعباد، وقتل الروم لكل جنود القلعة اليهود، لذلك لأجل كل هذه الآثار وللإنصاف قلت أننا عربًا وإسرائيليين وكل يهود العالم، كبشر، يجب علينا وضع اتفاق معتدل يسمح بوجود هيكل بجوار المسجد الأقصى كفكرة مجمع أديان مكرَّس للتسامح الديني، ونظرًا لحدوث اتفاقيتي التقسيم للأسف بين العرب ويهود العالم فتكتفي إسرائيل بحدود 1984 وتعود لها ولا تتوسع، ويتوقف الطرفان الإسرائيلي وقواه الغربية الداعمة والفلسطيني والعربي وقواه الداعمة كإيران وغيرها عن العنف المتبادل. والأفضل نشر المذهب العقلاني وسيادته لدرجة انقراض الأديان بصراحة. الإنكار اليهودي لحق العرب في أرضهم لا يليق ولا يصح، حتى لو تم تبريره بمزاعم الأرض الموعودة من إله مزعوم خرافي، وكذلك الإنكار العربي لوجود اليهود وآثارهم في التاريخ، هذا أسلوب غير علمي لا يبحث عن الحقيقة العلمية والتاريخية ونكران للجميل، فديانتاهم الإسلامية والمسيحية ما هما إلا اقتباسان وابنان لليهودية وتراثها الكتابي والهاجادي. ولا علاقة بين اليهود القدماء لفلسطين الذين قد نعتبر عرب اليهود أو بعضهم من ذوي الأصول العربية والسامريين ممثلين لأحفادهم، وبين يهود العالم الذين احتلوا أرض فلسطين العربية وقاموا بالمذابح البشعة ضد فلاحيها وبدوها، مع ذلك في ظل الوضع القائم الواقعي ورضوخ العرب لاتفاقيتي التقسيم فمن الأفضل أن يتعايش الطرفن ويتعاونا، لأن محاولة إنهاء مشكلة كهذه بالقوة القصوى بين كل الأطراف الشرقية والغربية سيؤول إلى كارثة نووية لسببٍ تافه خرافيّ، ومع ذلك لا أحسب الروس والأمركيين بهذه البلاهة، ولا القادة الأذكياء في إيران وباكستان والهند، لكن بعض الجماعات الإسلامية لديها الغباء الكافي الوافر لو استولت على السلطة في دولة نووية أو بعض القنابل أن تسبب كارثة حقيقية. إسرائيل بنت مدنًا وجامعات متقدمة وأحيت لغة قديمة جدًّا وجعلتها قيد الاستعمال، ورغم تدين أورشليم القدس الشرقية وسكانها لدرجة التطرف أحيانًا، فتل أبيب وبعض المدن غيرها مليئة بالملحدين والعقلانيين والمتحررين، في حين العرب يظلون متأخرين علميًّا يهملون العلوم ويعرقلون من يحاول نشر العلم أو عمل اختراع أو أبحاث علمية ولديهم انهيار لغوي وتعليمي في لغتهم العربية وسائر العلوم العلمية البحتة والإنسانية والأدبية، لماذا لا يحاولون مد يد التعاون مع إسرائيل علميًّا وصناعيًّا ربما يتعلمون شيئًا؟! بالتأكيد كذلك بالحب والسلام قد يكون لدى عقلانيي العرب يومًا ما عباقرة يفيدون كل البشرية بما فيها العرب أنفسهم وإسرائيل والغرب، زويل والباز كانا عربًا وكثيرون من العباقرة هم مسلمون. الأجناس البشرية لافارق جيني مميز لديها في الذكاء. فقط توفير بيئة ملائمة صحية تعليمية ينشئ ويُظهر العباقرة والمخترعين والمبدعين.

 

مقال ثانٍ مقتبَس لعله للأستاذ سواح (المصري):

تاريخ أورشليم و البحث عن مملكة اليهود


تقع أورشليم في بؤرة الرواية التوراتية فمع استيلاء الملك داوود على أورشليم و اتخاذها عاصمة له ( حسب التوراة ) تحول النظام القبلي البدائي للجماعات العبرانية إلى دولة منظمة و مملكة مرهوبة الجانب .
و ينسحب مصطلح أورشليم اليبوسية على كل الفترة السابقة على احتلال المدينة من قبل الملك داوود , في مطلع القرن العاشر قبل الميلاد , و جعلها عاصمة للملكة الموحدة . تشغل المدينة اليبوسية ذروة هضبة أوفيل الضيقة (الباحثة كينيون ) , مع امتدادات باتجاه المنحدر الشرقي باتجاه وادي قدرون , حيث يقع نبع جيحون الذي كان مصدر حياة المدينة عبر عصورها و كان طول المدينة لا يتجاوز ال 350متر و عرضها لا يتجاوز 150 متر . و يبدو أن الحد الشرقي للسور الذي بني على منحدرات الهضبة كان محكوماً بموقع النبع فخط السور ينبغي أن يهبط المنحدر إلى الحد الذي يسمح بالدفاع عن النبع في أحوال الحصار , و أن لا يقترب من النبع كثيراً حتى لا يكشف المدافعين و يجعلهم عرضة لسهام المهاجمين المتمركزين على منحدرات جبل الزيتون المقابل . أما احتواء النبع داخل السور فمسألة غير واردة لأن خط السور في هذه الحالة سيكون في أسفل الوادي , و في وضع يصعب الدفاع عنه .
إن خلاصة ما أفادنا به علم الآثار هو أنها لم تكن إلا بلدة صغيرة مسوَّرة , و لم يكن لها من القدم و العراقة في التاريخ ما لمواقع فلسطينية أخرى مثل أريحا , و لا أهمية و ضخامة مواقع مثل مجدّو و حاصور , و قد بقيت أورشليم محصورة ضمن مساحتها الضيقة على ذروة أوفيل , منذ نشأتها كمدينة مسوّرة حوالي عام 1800 ق م و حتى نهاية القرن التاسع قبل الميلاد .
و نعثر على أول ذكر لمدينة أورشليم في نصوص اللعنات المصرية , و هي عبارة عن كتابات تنقش على جرار فخارية ثم تكسر في طقس سحري من شأنه جلب الأذى على الأعداء المذكورين في النقش . و يعود النص إلى حوالي 1750 ق م , أي إلى بداية تحول أورشليم إلى مدينة مسوّرة , و بما أن الفراعنة في مصر لم يكونوا في ذلك الوقت المبكر من عصر البرونز الوسيط قد مدّوا سلطانهم الفعلي نحو مناطق بلاد الشام الجنوبية و لم يكن لهم وجود عسكري فيها , فإن عداء مصر للمدن الواردة في نصوص اللعنات , لابد أنه ناجم عن قيام حكام هذه المدن باعتراض طرق القوافل التجارية المصرية , و فرضهم عليها الإتاوات الباهظة
و قد قاد هذا لوضع المنطقة تحت السيطرة المباشرة العسكرية حيث شن الفرعون تحوتمس الثالث حوالي 1468 ق م حملته الشهيرة على سورية الجنوبية , و استمرت السيطرة أربعة قرون بعد معركة مجدّو .
خلال حكم الفرعون أمنحوتب الرابع ( 1369-1353 ق م ) الذي تسمى بإخناتون , تراخت قبضة مصر على عن مناطق نفوذها في سورية الجنوبية و تركت الممالك الصغيرة لنزاعاتها الداخلية , و لهجمات جماعات العابيرو المرتزقة التي كانت تؤجر خدماتها لمن يدفع من الأمراء المتنافسين ( تل العمارنة موقع عاصمة إخناتون ) .
بعد رسائل تل العمارنة يختفي ذكر أورشليم من التاريخ حوالي ستة قرون , إلى أن تظهر كعاصمة لمملكة يهوذا في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد و نقرأ عنها في نصوص الملك الآشوري تغلات فلاصر الثالث (744-727 ق م ) و خلِفه سنحاريب (704-681 ) فمن نصوص تغلات فلاصر نعلم عن ملك ليهوذا اسمه آحاز ,ومن نصوص سنحاريب نعلم عن آخر اسمه حزقيا , فأين كانت أورشليم خلال هذه الفترة الطويلة من صمت الوثائق الآشورية التي لم تترك مدينة مهمة في مناطق عربي الفرات و لم تذكرها .

تقول الرواية التوراتية في خطوطها العامة بأن القبائل العبرانية المستعبدة في مصر قد خرجت منها بقيادة موسى حوالي عام 1250ق م ( وفق حسابات المؤرخين التقليدين ) , و بعد تجوال في صحراء سيناء و إقامة طويلة في مناطقها الشمالية . تحرك موسى نحو مناطق شرقي الأردن و استولى عليها . و بعد وفاته تابع خليفته يشوع بن نون المسيرة نحو الأرض الموعودة , فعبر بقواته نهر الأردن و استولى على الأراضي الفلسطينية ووزعها على القبائل الإثني عشر . مما يقصه علينا سفر يشوع الذي يفترض المؤرخون أن أحداثه قد جرت في الفترة ما بين أواخر القرن الثالث عشر و بداية القرن الثاني عشر , و لكن القبائل العبرية لم تستطع المحافظة على مناطقها التي بقي معظمها بيد الكنعانين من سكان فلسطين الأصليين و لم تشكل فيما بينها كياناً سياسياً موحداً بل عاشت كجماعات منعزلة عن بعضها تحت حكم قضاة يديرون شؤونها , و من المفترض أن عصر القضاة قد دام من 1200إلى حوالي 1000 ق م . حكم شاؤل قرابة العشرين سنة ( 1030- 1009 ق م ) حيث وحّد هذه القبائل قاد خلال هذه الفترة حروب تحرير طويلة ضد أعدائهم الفلستينين ( و هم من بقايا شعوب البحر التي غزت مناطق الغرب السوري في الفترة الانتقالية من القرن الثالث عشر إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد و استقرت في السهل الساحلي من فلسطين ) إلى أن قتل مع أولاده الثلاثة في معركة جلبوع فتم انتخاب داود ملكاً . كان أول عمل لداود هو استيلاءه على أورشليم و جعلها عاصمة للمملكة الموحّدة لجميع قبائل إسرائيل .بعد ذلك راح داود يوسع مناطق مملكته داخل فلسطين , دام حكم داود أربعون عاماً (1009 – 969 ق م ) ثم وليه ابنه سليمان الذي كان أعظم ملوك الشرق . حكم سليمان 38 سنة (969 – 931 ق م ) و بعد وفاته انقسمت المملكة إلى دولتين هما إسرائيل في الشمال و عاصمتها السامرة , و يهوذا في الجنوب و عاصمتها أورشليم . و قد حكمت سلالة داود في أورشليم حتى نهاية مملكة يهوذا و دمار أورشليم على يد نبوخذ نصر البابلي حوالي عام 587 ق . م , و رغم أن داود خطط لبناء هيكل للرب يؤوي فيه تابوت العهد , إلا أنه ترك مهمة التنفيذ لخلفه سليمان و ذلك بسبب انشغاله في حروبه التوسعية التي شنها في كل الاتجاهات , و جعل مملكته تمتد من دمشق شمالاً إلى خليج العقبة جنوباً .

 

البحث عن شبح داود أورشليم القرن العاشر


في سفر صمؤيل الثاني المخصص لأخبار الملك داود , نتتبع سلسلة من القصص التي تدور حول السلطة , و غراميات البلاط الملكي , و ما إلى ذلك من حكايات قصور الملوك و الأمراء , فإننا نجد داود يتمشى عل سطح بيته ليلاً عندما تقع عينيه على امرأة تستحم في بيتها القريب , دون أن تدري بوجود أحد على السطح يتلصص عليها ...... , أحد أولاده المدعو أمنون يغتصب أخته غير الشقيقة المدعوة تامار , يقتله أبشالوم الذي يطمع بالعرش و يهرب داود منه , إلخ و داود الذي حارب هدد عزر ملك صوبة المجهولة المكان و التاريخ و أن إحدى الممالك الآرامية هبت لنجدته . إلخ
في القرن العاشر كانت الممالك الآرامية في حوض الفرات وحوض الخابور قد ازدهرت و بلغت دور النضج السياسي و الإداري , فأي من هذه الممالك الآرامية القوية و الموثقة تاريخياً و أركيولوجياً قد هبت لنجدة هدد عزر ملك صوبة المجهول , و حارب إلى جانبه في موقع حيلام الذي لا نعرف عنه سوى الاسم ؟ و أي من ملوك هذه الدول الفراتية التي كانت تقارع القوى الآشورية العظمى قد صالح داود و استُعبِد له ُ , على حد تعبير النص التوراتي ؟ كيف تحط جيوش داود على شواطئ الفرات و لا تصطدم بآشور التي اعتبرت الفرات حداً شرقياً لنفوذها الفعلي في بلاد الشام آنذاك ؟ لماذا لم يرد ذكر لداود في السجلات الآشورية التي أعطتنا صورة شبه كاملة عن الخارطة السياسية لمناطق الفرات و شمال و وسط سورية ؟ و لماذا خلت أخبار سفر صموئيل الثاني من أية إشارة إلى آشور ؟ إن الجواب بسيط فمحرر هذا السفر لم يكن لديه معلومات عن تلك الفترة .

على أن الكلمة الأخيرة عن مملكة داود هي لعلم الآثار . لقد قالت لنا كاثلين كينيون بعد قيامها بتأريخ دقيق لسور أورشليم اليبوسية بأن داود قد اتخذ من مدينة اليبوسيين عاصمة له في مطلع القرن العاشر , فإذا علمنا أن مساحة أورشليم اليبوسية – الداودية هذه لا تزيد عن 4.5 هكتاراً لتأكد لنا أننا أمام قرية مسوّرة لا أمام عاصمة لإمبراطورية ضخمة .

ولكي نعطي فكرة عن ضآلة عاصمة داود هذه , نقول بأن مساحة أشباه المدن في حوض الفرات و الخابور , خلال النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد , قد تراوحت بين 18 هكتاراً في موقع حبوبة الصغرى , و 43 هكتاراً في موقع تل براك . و من المفارقات التي يمكن إيرادها هنا أن مساحة القصر الملكي في مدينة ماري و الذي يحتوي على ثلاثمائة غرفة , يبلغ 2.5 هكتاراً أي ما يعادل نصف مساحة عاصمة داود الإمبراطورية . إن محرر سفر صموئيل الثاني يخبرنا أن داود قد حصَّن المدينة , وبنى لنفسه فيها قصراً كبيراً أشاده له بناءون فينيقيون من صور
بغض النظر عن التاريخ و التنقيبات أعتقد أن موسى و الشخصيات التوراتية لم تكن كما روي عنها بل أمراء عشائر غيّر زمن وجودهم و عظّمت أفعالهم

 
ثقافة فلسطين في القرن العاشر 

إن تعبير " يهود " الذي تستخدمه كينيون في وصف شعب العهد القديم , في تلك المرحلة من مراحل الرواية التوراتية , هو تعبير خاطئ . فاليهود هم حصراً بقية سبي يهوذا الذين عادوا إلى أورشليم في أواخر القرن السادس قبل الميلاد , و شكلوا القاعدة السكانية للمقاطعة الصغيرة التي أنشأها الفرس على مساحة ضئيلة من أراضي مملكة يهوذا البائدة , و دعوها بمقاطعة "يهود ", اشتقاقاً من الاسم القديم للملكة . في هذه المقاطعة التي تضم أورشليم و مساحة صغيرة حولها , قام كهنوت أورشليم بتدوين أسفار التوراة خلال الفترة الواقعة ما بين القرن الخامس و القرن الثاني قبل الميلاد , و هنا نشأت و تطورت الديانة اليهودية . فتعبير "يهود" أو " يهودي " هو صفة إثنية مثلما هو صفة دينية أيضاً . و لقد كان محررو التوراة مدركين لهذه الحقيقة , و لم يستخدموا سوى صفة إسرائيلي أو عبراني في سردهم للأخبار قبل السبي الآشوري لأهل مملكة يهوذا- السامرة , و السبي البابلي لملكة يهوذا . و تدل اللقى الأثرية على استمرار عبادة آلهة الخصب التقليدية خلال القرن العاشر في المناطق التي يفترض انضواؤها تحت سلطة المملكة الموحدة المؤمنة بإله واحد " يهوه " , و كذلك لا توجد آثار في تلك الفترة تدل على قدوم أمة جديدة إلى فلسطين و توطنها فيها حاملة ثقافة مغايرة عن ثقافة المنطقة بل نجد استمراراً لشعب المنطقة بثقافته و دياناته .
أما بخصوص هيكل سليمان فكل التحليلات الأثرية تنفي قيامه في القرن العاشر , و يرجح أن هيكل أورشليم قد بُني في عصر مملكة يهوذا , و ربما في القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد , عندما تحولت أورشليم أول مرة إلى عاصمة إقليمية لأول مرة في تاريخها . و على كل حال فسواء بُني هيكل أورشليم في القرن العاشر أم في القرن الثامن , فإن إعادة تصوره على الورق اعتاداً على وصفه في سفر الملوك الأول و بعض المقاطع من سفر حزقيال , تضعنا أمام معبد سوري تقليدي , من المعابد المكرسة لألوهة الخصب , و التي شاع بناؤها فيما بين أواسط الألف الثاني و أواسط الألف الأول قبل الميلاد , و هو يتألف من :


1. باحة سماوية
2. مدخل مفتوح على الباحة , عن يمينه و يساره عمودان يحملان سقف المدخل .
3. القاعة الرئيسية . و قد تسبقها قاعة خارجية تلي المدخل المفتوح مباشرة .
4. المحراب أو قدس الأقداس وهو هو عبارة عن قاعة داخلية ترتفع قليلاً عن الأرضية , و يفصلها عن القاعة الرئيسية حجاب . في جدارها الجبهي ينتصب تمثال الإله .
و قد كشفت التنقيبات الأثرية في بلاد الشام حتى الآن عن أكثر من عشرين معبداً بني وفق هذا المخطط , في مواقع مثل : تل الطعينات و ألالاخ في حوض العاصي الشمالي , و عين دارا إلى الشمال الغربي من حلب , و كركميش على الفرات الأعلى و مجدو و حاصور و شكيم و بيت شان في فلسطين . و يقول الباحث
John Manson , بعد دراسته التفصيلية لمعبد عين دارا بأن 33 تفصيلاً من أصل 65 تفصيلاً مذكوراً في وصف هيكل سليمان تتطابق مع مخطط و ديكورات و منحوتات معبد عين دارا "يقع معبد عين دارا على مسافة 50 كم إلى الشمال الغربي من مدينة حلب , و يمكن للسائح الوصول إليه بسهولة بعد زيارته لقلعة سمعان المعروفة " . و بالتالي فإننا لا نستطيع إطلاق الاسم إسرائيل و لا صفة إسرائيلي , إلا على الدويلة الصغيرة التي قامت في منطقة الهضاب المركزية منذ مطلع القرن التاسع قبل الميلاد , عقب بناء مدينة السامرة على يد الملك عُمري , مؤسس مملكة السامرة أو إسرائيل

 

هامان لم يكن وزيرًا مصريًّا بل فارسيًّا في فارس (إيران، بارثيا)

 

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)} غافر

{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)} القصص

 

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)} القصص

 

تقول موسوعة الويكيبيديا في الإصدارة الإنجليزية/ مادة Haman (biblical figure)/ عنوان جانبيّ Etymology and meaning of the name، ما ترجمتي له:

 

أصل الكلمة ومعنى الاسم

 

اعتُبِر الاسم مساويًا للاسم الفارسي المُأغرق (Omanes) الذي سجله المؤرخون الجريكيون [اليونانيون]. اقتُرِحَت العديد من الأصول الأخرى للاسم، فالبعض ربطوه بالكلمة الفارسية Hamayun همايون والتي تعني  اللامع أو العظيم المهم، وآخرون ربطوها مع الشراب المقدس Haoma هوما أو مع الكلمة الفارسيةVohuman  ﭬاهومان أو ﭬوهومان والتي تعني الأفكار الصالحة.

وجاء في دائرة المعارف الكتابية لوليم وهبة/ مادة هامان:

 

اسم فارسى معناه " هام أو مشهور " . وهو هامان بن همداثا الأجاجى الذى رقاه أحشويروش ملك فارس ، " وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه . فكان عبيد الملك الذين بباب الملك يجثون لهامـــان لأن هكذا أوصى الملك " ( أس 3 : 1 و 2 ) .

وكان مردخاى - أحد رجال البلاط الفارسى - يهودياً ، فلم يجث ولم يسجد " ( أس 3 : 2 - 4 ) ، إذ إن السجود لا يجوز إلا لله وحده . " فامتلأ هامان ( الذى تجسدت فيه الكبرياء والغطرسة ) غضباً ، وازدرى فى عينيه أن يمد يده إلى مردخاى وحده لأنهم أخبروه عن شعب مردخاى ، فطلب هامان أن يُهلك جميع اليهود الذين فى كل مملكة أحشويرس ، شعب مردخاى " ( أس 3 : 4 - 6 ) . واستطاع أن يستصد أمراً بذلك من الملك أحشويرش ، وحدد يوماً للتنفيذ ، وأرسل الأوامر إلى كل مقاطعات الامبراطورية الفارسية .

وفى ثورة عضبه ، وبمشورة من زوجته " زرش " وكل أحبائه ، أمر بصنع خشبة ارتفاعها خمسون ذراعاً ليصلب عليها مردخاى .

ولما علم مردخاى بالزمر الملكى بابادة اليهود ، الذى أذيع فى كل المملكة ، شق ثيابه ولبس مسحاً برماد ، كما كانت مناحة عظيمة عند اليهود وصوم وبكاء ونحيب . وبلغ خبر ذلك الملكة أستير ، فأرسلت تستطلع الخبر من مردخاى ، فأرسل إليها صورة كتابة الزمر الملكى بإبادة اليهود ، وأوصاها أن تدخل إلى الملك وتتضرع إليه وتطلب منه لأجل شعبها. ولم يكن من المتاح لأحد الدخول إلى الملك إلا بدعوة منه ، إلا أن يمد له الملك قضيب الذهب . وطلبت قبل مجازفتها بالدخول إلى الملك ، أن يجمع مردخاى كل اليهود فى شوشن ، ويصوموا لأجلها ثلاثة أيام ليلا ونهاراً ، كما تصوم هى وجواريها . وفى اليوم الثالث ، لبست أستير ثيابها الملكية ووقفت فى دار بيت الملك . فلما رآها الملك مد لها قضيب الذهب . وهكذا دعته هو وهامان إلى وليمة تعدها لهما

وتجلت عناية الله العجيبة فى أن يتذكر الملك ما فعله مردخاى من كشف مؤامرة من بعض حرس الملك لاغتياله . فزمر هامان بأن يقوم بالباس مردخاى اللباس السلطانى ، ويركبه على الفرس السلطانى ، ويضع تاج الملك على رأسه وينادى قدامه : " هكذا يُصنع للرجل الذى يسر الملك بأن يكرمه " . وهكذا بدأت الأمور تنقلب على هامان .

وفى الوليمة التى أقامتها استير للملك وهامان ، كشفت زمر المؤامرة التى دبرها هامان لإبادتها وشعبها . وقال أحدهم للملك عن الخشبة التى أعدها هامان ليصلب مردخاى عليها . فأمر الملك أن يصلب عليها هامان . " فصلبوا هامان على الخشبة التى أعدها لمردخاى " ( أس 6 ، 7 ) . وهكذا تحقق القول : كراجيا ، حفره فسقط فى الهوة التى صنع . يرجع تعبه على رأسه ، وعلى هامته يهبط ظلمه " ( مز 7 : 15 و 16 ) .

كما قُتل أبناء هامان العشرة ( أس 9 : 7 - 10 ) . ويحتفل اليهود بعيد العوزيم تذكاراً لنجاتهم من هامان عدوهم اللدود .

ويلقب هامان " بالأجاجى " . وتنسبه بعض التقاليد اليهودية إلى " أجاج " ملك عماليق الذى قتله صموئيل النبى ( 1 صم 15 : 33 ) . ولكن ثبت أنه كانت فى ذلك العصر مقاطعه بهذا الاسم ملاصقة لميديا ، هى التى ينسب إليها هامان . ففى أحد النقوش التى وجدت فى خورزباد ، يقول سرجون ملك أشور ( مأبو سنحاريب) : " لقد غزوت 34 مقاطعة فى ميديا ، وأخضعتها لسيادة أشور ، وفرضت عليها جزية من الخيل . وقد نهبت إقليم " أجازى " ( أجاج ) ودمرته وأحرقته " . كما أن اسم " هامان " واسم أبيه " همواثا " اسمان مشتقان من لغة " مادى وفارس " .

 

أورد هنا كذلك مقالًا هامًّا لأستاذنا العقلاني (الغريب المنسيّ)، وما في المقال يريك شدة حرج المسلمين من خطإ القرآن لدرجة محاولة التلاعب:

 

خرافة ذكر هامان على الآثار المصرية

 

تمهيد
سبق لي أن طرحت هذه الإشكالية القديمة المتعلقة بما نقله القرآن من العهد القديم عما يسمى ب "هامان" والذي جعله محمد (جهلا بالسياق التوراتي والتاريخ معا!!!) معاصرا ومقربا لفرعون الخروج المزعوم توراتيا وقرآنيا , وكان هذا الطرح مني على نحو موجز ضمن ما كتبت سابقا بالمنتدى تحت عنوان : " فرعون الخروج وخروج القصص التوراتي /القرآني من التاريخ ".

إلا أن ما قرأته (منذ وقت بعيد نسبيا) بالموقع المسمى "بن مريم" على شبكة المعلومات تحت عنوان " الرد على الأخطاء التاريخية المزعومة حول القرآن الكريم" من دفاع عن سقطة هامان القرآني والتي أشار إليها قديما تفسير الرازي لسورة "غافر" ذلك الرد الذي بدا لي تلفيقا مبرقشا جذابا ,إرتدى صاحبه ثوب المطلع على التاريخ المصري القديم فصاغ للقاريء ردا لم يزد الطين إلا بلة بما يستوجب التفنيد على نحو موضوعي قدر الإمكان ,ثم ما كان بعد هذا بوقت طويل حدث أن نبهني مشكورا الزميل المحترم " حيران" إلى أن الزعم ب " إكتشاف إسم هامان مدونا على الآثار المصرية" قد أصبح مأخوذا به من قبل البعض من أعضاء المنتدى بحسبانه حقيقة تاريخية يرددونه في مداخلاتهم على أنه كذلك !!!

كان ذلك كله هو ما دفعني في الواقع إلى أن أفرد لتلك المسألة موضوعا مستقلا , أتناولها فيه بشيء من التفصيل مع الرد على كاتب موقع " بن مريم" على نحو أنشد فيه الموضوعية قدر طاقتي ...

ولقد أشار الرازي قديما في معرض تفسيره للآية 36 من سورة غافر( يا هامان ابن لي صرحا..) لهذه السقطة القرآنية , بالجمع بين فرعون وهامان رغم أنهما لم يكونا في زمن واحد بقوله :

" ...قالت اليهود أطبق الباحثون عن تواريخ بني إسرائيل وفرعون أن هامان ما كان موجودا البتة في زمان موسى وفرعون وإنما جاء بعدهما بزمان مديد ودهر داهر فالقول بأن هامان كان موجودا في زمان فرعون خطأ في التاريخ . وليس لقائل أن يقول إن وجود شخص يسمى بهامان بعد زمان فرعون لا يمنع من وجود شخص آخر يسمى بهذا الإسم في زمانه . قالوا لأن هذا الشخص المسمى بهامان الذي كان موجودا في زمان فرعون ما كان شخصا خسيسا في حضرة فرعون بل كان كالوزير له ومثل هذا الشخص لا يكون مجهول الوصف والحلية فلو كان موجودا لعرف حاله . وحيث أطبق الباحثون عن أحوال فرعون وموسى أن الشخص المسمى بهامان ما كان موجودا في زمان فرعون وإنما جاء بعده بأدوار علم أنه غلط وقع في التواريخ . قالوا ونظير هذا أنا نعرف في دين الإسلام أن أبا حنيفة إنما جاء بعد محمد ..فلو أن قائلا ادعى أن أبا حنيفة كان موجودا في زمان محمد..وزعم أن شخص آخر سوى الأول وهوأيضا يسمى بأبي حنيفة فإن أصحاب التواريخ يقطعون بخطئه ها هنا "( الرازي , ج7 ص277)

وها هو الرد الذي أورده الموقع المسمى " بن مريم" على شبكة المعلومات وتحت عنوان رئيس هو " الرد على الأخطاء التاريخية المزعومة حول القرآن الكريم" أقتبسه كما هو في معرض رده على هذا النقد القديم /الحديث للقرآن في مسألة فرعون وهامان( وإن كان قد خص الرازي بالذكر) ذلك الرد الذي أحسبه أصلا لما ردده الزملاء المحترمين في المنتدى بحسبانه حقيقة علمية راسخة ، يقول :
"- 3 - يقول إن هامان وزير فرعون (القصص 28: 6) و مع أنّ هامان كان في بابل، وجاء بعد فرعون بنحو ألف سنة (الرازي في تفسير غافر 40: 36 و37).
الجواب : هامان مذكور في القرآن في ستة أماكن مختلفة كأحد المقربين إلى فرعون بينما تذكر لنا التوراة أن هامان لم يُذكر في حياة موسى عليه السلام على الإطلاق وأن هامان كان وزيراً وخليلا لأحشوريش ملك الفرس الذي يدعوه اليونان زركيس , وكثيراً من الذين يريدون أن يطعنوا في القرآن و يدعون وجود أخطاء تاريخية فيه ومن بينها علاقة هامان بفرعون موسى , سخافة هذه الأدعاءات عرضت فقط بعد فك طلاسم الأبجدية الهيروغليفية المصرية قبل 200 سنة تقريباً وأسم هامان قد أكتشف في المخطوطات القديمة وقبل هذه الأكتشافات لم يكن شئ معروف عن التاريخ الفرعوني, ولغز الهيروغليفية تم حله سنة 1799 بأكتشاف حجر رشيد الذي يعود الى 196 قبل الميلاد وتعود أهمية هذا الحجر بأنه كتب بثلاث لغات : اللغة الهيروغليفية والديموقيطية واليونانية وبمساعدة اليونانية تم فك لغز الهيروغليفية من قبل شاملبيون وبعدها تم معرفة الكثير حول تاريخ الفراعنة وخلال ترجمة نقش من النقوش المصرية القديمة تم الكشف عن أسم ( هامان ) وهذا الأسم أشير إليه في لوح أثري في متحف هوف في فينا وفي مجموعة من النقوش كشفت لنا أن هامان كان في زمن تواجد موسى في مصر قد رُقي إلى أن أصبح مديراً لمشاريع الملك الأثرية وها هي النقوش تكشف لنا حقيقة هامان بعكس ماذكرته التوراة ورداً على الزعم الخاطئ لمعارضي القرآن هامان الذي تتحدث عنه الأثار المصرية التي أوردها كتاب :
Pharaoh Triumphant the life and times of Ramesses II K.A. Kitchen ونسخته العربية ( رمسيس الثاني ،فرعون المجد والانتصار، ترجمة د.أحمد زهير أمين ) ص 55:
كان الشاب آمن ( = هامن / هامان ) ام اينت
Amen em inet في مثل سن الأمير ( رمسيس 2 ) ورفيق صباه ،فلما أصبح رمسيس نائبا للملك ووريثا للعرش أصبح الفتى بالتبعية رفيقه وتابعه ففتح له الطريق لمستقبل زاهر وهي ما تحقق فعلا. وكان لآمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) أقارب ذوو نفوذ منهم عمه [ لعله مِنموسى، Minmose ] كبير كهنة الإله مين والإلهة ايزيس بقفط ( شمال طيبة ) وقائد Commandant فيالق النوبة -أي الساعد الأيمن لنائب الملك في النوبة. ومنهم الفتى باكن خنسو [ والده باسر وزير الجنوب وابن عم آمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) ص 242 ] مدرب الخيول الملكية الذي التحق بعد ذلك بالسلك الكهنوتي المستديم في خدمة آمون بطيبة [ أصبح كبير كهنة آمون، ص 242] . ص 73: رقّى الملك رفيق طفولته آمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) إلى وظيفة قائد المركبات الملكية Royal Charioteer وناظر للخيل Super Intendent of Horse . وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ {6} القصص ص 97: آمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) رفيق الفرعون القديم قد رقى إلى منصب رسول الملك لكل البلاد الأجنبية ويقول الرجل بهذه المناسبة موضحا طبيعة عمله الجديد : أرفع له ( الفرعون ) تقارير عن أحوال البلاد الأجنبية كلها. ص 199: وكانت أرقى وظائف الدولة هي وظيفة السفير ( رسول الملك إلى كل البلاد الأجنبية ) وكانت الترقية إليها قاصرة على كبار ضباط سلاح العربات الحربية . ص 179: واختار الملك للمنصب ( كبير كهنة آمون ) الشاغر ون نفر Wennofer ( مات سنة 27 ) وهو والد رفيق طفولة رمسيس الثاني آمن ام اينت ( هامان ). وكان هامان نفسه قد نقل من وظيفته العسكرية إلى الرمسيوم ليصبح مديراً لمشاريع الملك الأثرية هناك Chief of Works of All Royal Monument - ولا يزيد البعد بينه وبين أبيه كبير الكهنة بالكرنك عن عبور النهر إلى الضفة الأخرى من النيل . فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى {38} القصص ذكر كتاب An Introduction to Ancient Egypt ، أن أقدم استعمال للطين الموقود بمصر كان معروفاً منذ الدولة الوسطى . ص 192: ويرجع الفضل في صعود نجم باسر paser ، وزير للجنوب بطيبة viceroy ،عم باسر كان قائد الفرق بالنوبة وبعده ابنه نخت مين ( ابن عم باسر ) واختياره نائبا للملك ( في النوبة ) إلى عراقة أسرته، فابن عمه آمن ام اينت ( هامان ) هو رفيق طفولة رمسيس الثاني . ص 199: وكان من علية القوم من اتخذ من الخدمة العسكرية ذريعة للوثوب إلى الوظائف المدنية العليا ،وقد تعرفنا من هؤلاء على ..، وآمن ام اينت ( هامان ) القائد بسلاح المركبات ثم ميليشيات المدجاي Chief of Medjay-Militia ، بعدها عين مديرا للمصانع ( وزير صناعة ) . ص 240: امنحتب .. لكنه كان ينتمي لأسرة ذات نفوذ هي أسرة آمن ام اينت ( هامان ) قائد ميليشيات المدجاى الشهيرة. ص 242: حيث يحتل مين مس آخر منصب كبير كهنة مين وآيزيس والذي يمت هو الآخر بصلة قرابة إلى آمن ام اينت . " ( إنتهى الإقتباس)


والملاحظ هنا أن كاتب ( بن مريم) يهيئ قارئه نفسيا وذهنيا لإبتلاع ما أعده له من دفاع تلفيقي هزيل , وذلك بأن يوحي كاتبنا لقارئه بعلمه ( الكاتب) بالمصريات عن طريق مقدمة مبسطة عن المرحلة المتأخرة لفك رموز اللغة المصرية القديمة وهو العلم الذي قد يفتقر إليه القاريء والذي سيمنح بمقتضاه كاتبه العالم ثقته ليقول ما يشاء فيما يتصل بهذا العلم .. وهو ما حدث فعلا فنجد كاتبنا قد بدأ مبكرا في الكذب معلنا عن غفلة كل علماء المصريات قديمهم وحديثهم ( عداه طبعا) حين قال :

"... وأسم هامان قد أكتشف في المخطوطات القديمة وقبل هذه الأكتشافات لم يكن شئ معروف عن التاريخ الفرعوني.." فاكتشاف إسم هامان في ( المخطوطات " جمع مخطوطة" !!!) قد جاء إذا تلقائيا وطبيعيا بمجرد فك رموز اللغة المصرية فالمخطوطات التي تذكر إسم هامان كثيرة !! ...ولم يقل لنا سيادته ولو عن إسم مخطوطة واحدة !!!!!!!
يكفيه فخرا وعلما أن حدثنا بالتفصيل عن حجر رشيد وخطوطه الثلاثة !
ويواصل الكاتب البناء التلفيقي على ما أسس عليه من حقيقة ( فك رموز حجر رشيد) ليتحفنا قائلا :

" وفي مجموعة من النقوش كشفت لنا أن هامان كان في زمن تواجد موسى في مصر ..."

معلومة جديدة أخرى يتحفنا بها الكاتب العالم بالمصريات.. جديدة على كل من له صلة بهذا العلم من علماء موضوعيين ومحايدين ألا وهي وجود شيء إسمه " زمن تواجد موسى في مصر ", ولست أدري إن كان سيادته على دراية أم لا بأنه وفي عصرنا الحديث ( الحديث جدا.. بعد عام 1799 بكثير!!) لم يعرف علم المصريات للآن أي ذكر موثق من الآثار يشير إلى هذا الموسى التوراتي / القرآني( أرجو الرجوع في ذلك لمقالي المشار إليه أعلاه للمزيد من التفصيل) , وهو ما جعله في مهب الريح محصورا في وجوده بين دفتي المقدس وحده .. لكن كاتبنا العالم يقدم لنا مفهومه عما أسماه بزمن تواجد موسى في مصر ويحدده بدقة وبدون برهان وكأنه ( من المعلوم من المصريات بالضرورة !!) حين يقول :

".. هامان الذي تتحدث عنه الأثار المصرية التي أوردها كتاب :
Pharaoh Triumphant the life and times of Ramesses II K.A. Kitchen ونسخته العربية ( رمسيس الثاني ،فرعون المجد والانتصار، ترجمة د.أحمد زهير أمين ) .." فزمن رمسيس الثاني إذا هو "زمن تواجد موسى في مصر" ..

ولم يكلف كاتبنا نفسه أن يقول لنا لماذا إختار رمسيس الثاني بالذات , وترك المجال مفتوحا لأمثالي للتكهن والتنجيم وضرب الودع , فهو لم يقل لنا لماذا لا يكون زمن موسى هو زمن " أحمس الأول" أو " تحوتي مس الثالث" أو " إمن حتب الثاني" أو " إمن حتب الرابع" أو " حتشبسوت" أو " حر م حب" أو " مرن بتاح"( صاحب اللوحة المسماة بلوحة إسرائيل) ..الخ وكلهم من الفراعنة الذين زجت بأسمائهم بعض الآراء القديمة حول هذا الموضوع!! ..

يقول أ.د أحمد فخري ( عالم المصريات المصري الراحل ), وهو لم يزل بعد تحت جاذبية آراء قديمة تتعامل مع موسى التوراتي / القرآني كشخصية تاريخية :

"..يحسن بنا أن نشير إشارة عابرة إلى موضوع كثيرا ما نصادفه مقرونا بإسم هذا الفرعون ( يقصد مرن بتاح بن رمسيس الثاني ) وهو موضوع خروج بني إسرائيل من مصر . فمنذ العثور على إسم إسرائيل على لوحة انتصاراته اعتقد الكثيرون أن الخروج حدث في عهده . ولكن هذا الرأي لم يجد سندا من التاريخ وظلت الآثار المصرية على صمتها تجاه هذا الأمر .ولكن تحقيق هذا الموضوع من تاريخ العبرانيين واحتساب الزمن , ثم ما جاء من نتائج التنقيبات الأثرية في فلسطين جعل خروج بني إسرائيل في عهد مرنبتاح أمرا يكاد يكون مستحيلا , ويجب أن يكون في عهد الأسرة الثامنة عشرة .
ولهذا نجد كثيرا من أسماء الفراعنة تتردد في الأبحاث المختلفة فبعض الباحثين يرى أن فرعون الخروج كان تحوتمس الثالث وبعضهم يرى أنه كان إبنه أمنحوتب الثاني كما أن هناك من يقول إنه كان أمنحوتب الثالث ووصل الأمر ببعضهم إلى القول بأن خروجهم من مصر كان على أثر موت أخناتون , وأراد أن يربط بين خروجهم من مصر وثورة أخناتون الدينية . بل ظهر أخيرا رأي آخر وهو أن خروج بني إسرائيل من مصر لم يكن في عهد مرنبتاح وإنما كان قبله بنحو 400 سنة إذ كان في عهد الهكسوس . وكل ما نستطيع أن نؤكده أنه لم يظهر في الآثار المصرية أو الآثار الفلسطينية ما يحدد وقت الخروج تحديدا تاما وسيظل هذا الموضوع مفتوحا للمناقشة حتى ظهور أدلة جديدة .." ( أحمد فخري : مصر الفرعونية ص 359 –360 )

لدينا إذا عالم مصريات راحل جليل بثقل أحمد فخري كتب ما كتب في الفترة ما بين "1957-1960 " أي بعد عام 1799 بكثير يقر ب " صمت الآثار المصرية تجاه هذا الأمر"( وهو واقع ما زال حاضرا ,متحققا حتى الآن ) رغم تشعب الآراء حوله !! , وتراه لم يعلم بالكشوفات العرفانية التي أعلنها كاتبنا العالم بالمصريات والتي حددت ( مصريات كاتبنا) ما يسمى بزمن تواجد موسى في مصر في عصر رمسيس الثاني , وتحدثت عن مخطوطات ذكر عليها إسم " هامان" !!!
والظاهر لي من أمر كاتبنا العالم أن علمه ٌقد إقتصر( عمدا أو جهلا !!!) على أكثر هذه الآراء القديمة شيوعا وبريقا والتي جعلت من موسى المزعوم معاصرا لأحد أكثر فراعنة مصر شهرة وأبعدهم صيتا : " رمسيس الثاني" !! فأخذ به لخدمة غرضه دون تمحيص. فلقد نفت الأبحاث العلمية التي أجريت على مومياء" رمسيس الثاني" بالمتحف المصري في وقت سابق أن يكون قد مات غريقا بل مات تحت وطأة أمراض الشيخوخة بعد أن تخطى التسعين من عمره , ومن كان في مثل سنه لن تراه قادرا على المشي , وإن كان فبصعوبة وبطء شديدين.. فلقد : " ..أظهر فحص المومياء بالأشعة وجود إلتهاب المفاصل الفقارية القسطي
spondylarthrite ankylosante ومن المؤكد أن هذا المرض قد جعل ..شيخوخة الفرعون غير مريحة . كما أن آثار تصلب الشرايين واضحة للعيان .." (المومياوات المصرية من الأسطورة إلى الأشعة السينية – الجزء الثاني- روجيه ليشتنبرج & فرانسواز دونان ) , وهو ما أضطره في أواخر أيامه على الأرجح إلى أن يمشي محني الظهر مستندا على عصا , بحسب ماذهب إليه مرممو موميائه في باريس في سبعينيات القرن العشرين ! ,فما بالك بركوب عجلة حربية وقيادة جيش كحال فرعون الخروج التوراتي المزعوم !!
ولنتابع بعد ذلك أحد أهم أركان الكشف الأثري العظيم لكاتبنا الفذ عن إسم " هامان" في مخطوطات مصرية تعود لزمن رمسيس الثاني ذلك الكشف التالي في عظمته ل والمترتب على فك رموز اللغة المصرية بعد الكشف عن حجر رشيد عام 1799 م !! ..فبعد أن وجد كاتبنا ضالته في " رمسيس الثاني" ( أشهر المتهمين في قضية الخروج المزعومة) , هم سيادته بالبحث عن شخص من عهده تنطبق عليه الأوصاف الهامانية المأثورة , مستعينا( صدفة أو قصدا ؟؟) بكتاب :" كنت أ كتشن: رمسيس الثاني , فرعون المجد والإنتصار" .. ولنتابع مع كاتبنا الفذ إقتباسه الأمين والأهم في بناء فريته عن المرجع المذكور(!!) : " كان الشاب آمن ( = هامن / هامان ) ام اينت
Amen em inet في مثل سن الأمير ( رمسيس 2 ) ورفيق صباه .." وواقع الأمر أن كاتبنا المحترم قد دس إستنتاجه الشخصي فيما بين القوسين ( = هامن/هامان) في إقتباسه من مرجعه الرئيس الذي إعتمد عليه لكنت أ كتشن , ذلك المرجع الذي لم يتضمن هذين القوسين بما فيهما بعد إسم " إمن م إينت" !!!!
لكن كاتبنا المحترم أراد بدسه ذلك أن يوحي للقاريء بإستناد إدعائه على القرائن الأثرية ولو على حساب الدقة والأمانة العلمية !! حيث قطع فجأة إسم المدعو " إمن م إينت" بما دسه بين القوسين ليشطر الإسم إلى نصفين ! فالعلة الأساسية إذا بنظر كاتبنا في كون " إمن م إينت" هو هامان القرآني ( مع كونه من عصر رمسيس الثاني طبعا !!! ) أن اسمه يتضمن إسم الإله ( إمن / آمون ) ذلك الإسم المشابه لإسم هامان فقط في بعض الأحرف كالميم والنون والألف ( وياله من دليل تطابق !!!!) ثم تأتي بعد ذلك إضافة البهارات العلمية بالتركيز على بعض الألقاب التي حملها الرجل بحسبانها مطابقة لأوصاف هامان القرآني , مع الإيحاء للقاريء في كل مرة بكون الرجل وهامان شخصا واحدا بدس إسم هامان بين قوسين في كل مرة يذكر فيها إسم" إمن م إينت" مقتبسا عن كتاب " كنت أ كتشن" وكأن هذا الدس المتكرر جزءا لا يتجزأ من المرجع الأصلي !!!
والواقع أن هذا التلفيق المبني على البحث عن رجل من عصر فرعون شهير بين الفراعنة المشتبه فيهم كأبطال لقصة الخروج يدخل في إسمه إسم " إمن /آمون" ثم الزعم بأنه ( الرجل) وهامان المزعوم شخصا واحدا , قد أورد مثله وربما سبق كاتبنا إليه رجل آخر لا يقل عنه تقعرا وتبحرا وأمانة في العلم ألا وهو المدعو بال د. مصطفى محمود , في كتابه " الإسلام ما هو " حيث أورد سيادته رأيا يقول بأن أحد خلفاء الفرعون مرنبتاح حوالي ( 1224 – 1212 ق.م) ( والمتهم عند البعض بكونه فرعون الخروج المزعوم بوصفه صاحب ما يسمى بلوحة إسرائيل) على العرش ويدعى " إمن مس" , هو نفسه هامان القرآني وذلك رغم أنه لم يكن ذو شأن يعتد به في عصر مرنبتاح نفسه لا كوزير أو كقائد عسكري ورغم ذلك فلقد أصبح هامانا قرآنيا وثب للعرش بعد وفاة فرعونه الغريق !!

ولي أن أضرب أمثلة أخرى نسجا على المنوال نفسه , ربما فاقت مثلنا السابق تأثيرا !!! :
فلنا أن نعرف أن رجلا آخر ( أعتبره بمثابة توأما لهامان كاتبنا الألمعي) كان يعرف بالإسم نفسه ( إمن م إينت) عاش على الأرجح زمن الفرعون " حر م حب" حوالي ( 1334 – 1304 ق.م) ( أحد الفراعنة المشار إليهم في واقعة الخروج) , يقول عنه الأثري المصري الراحل سليم حسن في كتابه مصر القديمة , الجزء الرابع :

".. ومنذ عهد أخناتون كان معظم القواد , وكتاب المجندين , يحملون لقب " مدير كل الأعمال الملكية " , نذكر منهم ....... , وفي عهد " حورمحب" نذكر القائد " أمنمأنت.. " ( ص 502 )

وفي موضع آخر من نفس الكتاب يعدد لنا ألقابه المتنوعة قائلا :

" عثر لهذا القائد العظيم على عدة قطع من جدران قبره وتوجد الآن في عدة متاحف أوروربية كما توجد بعضها في المتحف المصري ..... ويظن أن قبره في منف في الجزء الشمالي ....وأنه كان يحمل لقب القائد الأعلى لرب الأرضين , وكذلك لقب المشرف على كل الموظفين في الوجه القبلي , والوجه البحري , واللقب الأخير كان يمتاز به " حور محب" قبل توليته الملك , وهاك ألقابه ومناقبه كما جاءت على القطع التي وصلتنا من قبره : الأمير الوراثي والرئيس الأول لمقاطعة منف / مدير عبيد الإلهة ماعت/ المشرف على الأعمال في معبد رع / المشرف على الوظائف كلها في الوجه القبلي والوجه البحري / مدير كل أعمال الفرعون / الممدوح كثيرا من الإله الطيب ( الملك) القائد الأعلى لجيوش رب الأرضين / صاحب الفرعون الأول / رئيس الرماة / مدير بيت الفرعون " تحوتي مس الثالث " ( أي معبده) ..."( ص 615)

ألا يصح لي إذا وبالمنطق العلمي الرصين نفسه لكاتبنا أن أقول أن قائدنا العظيم " أمن م أنت " صاحب الحظوة عند الفرعون " حر م حب" هو محض هامان القرآني مذكورا على الآثار المصرية , بعد أن انطبقت عليه الآية القائلة " وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ {6} القصص بحسبانه حاملا لبعض الألقاب الطنانة من نوعية " صاحب الفرعون الأول"و " القائد الأعلى لرب الأرضين " و " القائد الأعلى لجيوش رب الأرضين" و " رئيس الرماة " !!!! وبعد أن صدقت فيه كذلك آية " فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى {38} القصص , بعد أن حمل ألقابا من عينة : " مدير كل أعمال الفرعون" !!!!!!

وألا يحق لنا كذلك أن نعتبر الوزير " إمن م أبت" ( حيث إمن = هامان)و من حيث كونه كذلك وزيرا للفرعون المشتبه فيه أيضا " إمن حتب الثاني" حوالي ( 1436 – 1411 ق.م ) والذي حمل ألقابا من عينة : " ...القاضي لقلب سيده , والمقرب إلى ملك الوجه القبلي في القصر , الثابت الخطوة , والدائم الحب.." ( سليم حسن – مصر القديمة – ج4 – ص 703 ) نعتبره هامننا القرآني أيضا مذكورا على الآثار المصرية !!
ولست أدري على أي أساس يمكن أن نقبل أحد هذه الآراء ونرفض الآخر طالما أن لدينا الكثير من "الهامانات" ( حاملو إسم آمون) من معاصري فراعنة كثيرون متهمون في قصة الخروج التوراتي/ القرآني بأدلة واهية تفتقد لسند أثري حقيقي !!!!! ...
ونأتي لوقفة بسيطة مع هامان كاتبنا الأصلي تتعلق بسيرته , فكاتبنا يزعم أنه قد :
" .. تم الكشف عن أسم ( هامان ) وهذا الأسم أشير إليه في لوح أثري في متحف هوف في فينا " .
لكن عالم المصريات سليم حسن يحدثنا في الجزء السادس من موسوعته " مصر القديمة ص 514" أن " إمن م إينت" المقصود والذي شغل وظيفة رئيس الشرطة , المعاصر لرمسيس الثاني والمنحدر من أسرة كهنوتية قوية عملت بكهانة الإله" أوزير" قد دون سيرته وأسماء بعض من أفراد أسرته على لوح محفوظ بمتحف " نابولي" بإيطاليا !!!, فلا أدري من أين أتى كاتبنا العالم الأمين بمتحف هوف هذا ؟؟؟؟؟؟؟ والطريف أيضا في هذه السيرة المطولة أن هامان المزعوم عند كاتبنا قد ذكر فيها ضمن سلسلة طويلة من أسماء أقربائه ووظائفهم , على لوحة نابولي رجلا ن كان يدعى كلا منهما أيضا ب " إمن م أنت" ويبدو من ألقابهما أنهما كانا على صلة ما بالفرعون آنذاك فالأول حمل وظيفة ( رئيس شرطة الصحراء , ومدير الأعمال لآثار جلالته المسمى " أمن م أنت" ) , والثاني حمل لقب ( سائق عربة جلالته" أمنمأنت " ..." ..المرجع السابق ص 515 فما أكثر الهامانات على الآثار المصرية الذين عاصروا رمسيس الثاني ( ناهيك عن غيره) , أولئك الذين ضن علينا كاتبنا المحترم بذكرهم جهلا أوعمدا !!!!!!!!!!!!!!

وأخلص مما سبق أن الزعم بوجود أي ذكر لما يسمى بهامان المقترن ذكره بفرعون القرآني على الآثار المصرية هو زعم جاهل , كاذب لا سند له إلا إذا لجأنا لأساليب كأساليب الحواة تستعين بمنطق تلفيقي جاهل مفاده أنه :
بما أن رمسيس الثاني ( أحد أشهر فراعنة مصر القديمة) هو فرعون الخروج بحسب ما هو شائع , فيكفينا أن نجد من زمنه رجل من رجال دولته يتشابه إسمه مع إسم هامان وليكن ذلك استسهالا بأن يتضمن إسم هذا الرجل لفظة آمون !!!!!!!!!!!!!! ..

وأجدني في هذا المقام مضطرا لإعادة مضمون ما سبق أن أشرت إليه سابقا باختصار شديد لمشكلة هامان القرآني ( عديم الصلة بالآثار المصرية) فيما كتبته بالمنتدى تحت عنوان " فرعون الخروج وخروج القصص التوراتي / القرآني من التاريخ " , ولكن بشيء من التفصيل هذه المرة... فهامان القرآني بنظري لم تتجاوز جذوره القصص الديني التوراتي ( ذلك الجزء المهم من المناخ الثقافي في شبه جزيرة العرب زمن محمد ) , كما أنه لا وجود لإسم هامان أو أي إسم شبيه به أو بآمون في قصة فرعون الخروج التوراتية وبالتالي أستبعد سماع محمد أو غيره من العرب آنذاك بهذا الإسم من الأساس .. والربط القرآني الخاطيء بين هامان وفرعون التوراتيين إنما قام في ظني على سمة مشتركة عامة بين الشخصيتين لا صلة لها البتة ب ( آمون) ألا وهي إضطهادهما لليهود وفقا للتوراة وما آل إليه مصيرهما من هلاك تبعا لذلك .. فهامان ( مثله مثل فرعون) كان بحسب سفر إستير ( الذي تدور أحداثه التوراتية المتخيلة في فضاء القرن الرابع ق.م تقريبا بفاصل زمني يقترب من 800 سنة بعد قصة فرعون الخروج التوراتي ,بحسب ما قد يفهم من التوراة!!) رجلا متغطرسا أراد أن يسجد الناس جميعهم له وحقد على اليهود حقدا شديدا( كفرعون أيضا) في أعقاب ما نالته " إستير" اليهودية من حظوة عند الملك الفارسي " أحشوروش" ( أرتاكسيريكس) بزواجها منه فصمم هامان والذي أصبح كبيرا لوزراء الملك الفارسي المذكور( هذا المنصب لهامان الذي توهمه القرآن زمن فرعون فكان ذلك سببا من أسباب الإقتران القرآني بين فرعون وهامان كما أظن) على إستئصال شأفة اليهود جميعا بعد أن تجاهله كذلك مردخاي ( والد إستير) ورفض السجود له( لاحظ شبه ذلك بغطرسة فرعون ) فاستصدر أمرا بقتل اليهود ( قوم إستير ومردخاي ) عن بكرة أبيهم في الثالث عشر من آذار ( مارس)( ويلاحظ هنا التشابه مع أمر فرعون بقتل ذكور بني إسرائيل ) ..غير أن " إستير" نجحت في إحباط مؤامرة " هامان" ضد قومها عند الملك الفارسي الذي أمر بإعدام هامان فباء بخسران مبين لقاء إضطهاده لليهود ( كفرعون الخروج الغريق) .. وتخليدا لهذه المناسبة إحتفل اليهود بنجاتهم من القتل على يد هامان في 13 آذار(مارس) من كل عام وهو ما يسمى بعيد " البوريم" ( الفوريم) يصومون قبله 3 أيام شكرا لله ويفرحون بعده يومين يتبادلون خلالها الهدايا , ومن مظاهر هذا الإحتفال أنهم كانوا يصنعون تماثيل من ورق ترمز لهامان مضطهد اليهود تملأ بالملح يلعبون بها ثم تلقى في النار ... ولا يستبعد أبدا بل ومن المرجح جدا أن محمدا قد عرف عيد البوريم هذا عيد نجاة اليهود من بطش هامان أسوة بما عرفه و أخذه العرب فبل الإسلام ومحمد من بعدهم من اليهود احتفالهم و صيامهم لعاشوراء والمرتبط بقصة الخروج اليهودي من مصر هربا من إضطهاد فرعون .. ومن ذلك كله أستطيع أن أفهم لماذا إقترن فرعون بهامان في قرآن محمد , هذا الإقتران الخاطيء توراتيا الذي إستند إلى وجه عام للشبه بين الإثنين فرعون وهامان ألا وهو إضطهاد اليهود خلده اليهود في الحالتين دينيا بالصيام والإحتفال فكان ما كان عند محمد من خلط !!!!!!!

وإذا كان هامان التوراتي القرآني لا صلة له عندي إلا بأساطير التراث التوراتي التي إقتبس محمد منها الكثير لا بالتاريخ المصري الفرعوني كما بينت فإن محاولة كاتب موقع " بن مريم" الربط بين آية: " فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى {38} القصص " و بين معرفة المصريين زمن الفراعنة للبناء بالطين تبقى محاولة هزيلة بنظري , وكنت قد رددت عليها في مداخلة سابقة لي وجدت أن أقتبسها في هذا الموضع بشيء من التصرف , لصلتها الوثيقة بالرد على كاتبنا المتعالم , حيث : " أن طلب فرعون القرآني من وزيره هامان أن يوقد له على الطين صرحا يصعد به لإله موسى في السماء ليس إلا خرافة تاريخية عجيبة و إدعاءا غريبا على فرعون مصري!! فأمر صعود فرعون الحي إلى السماء بنظري لم يكن واردا أصلا عند المصري القديم ولم تعرف قصة تعود لزمن الفراعنة تتحدث بهذا الأمر الغريب ( وهنا موطن العجب في الزعم القرآني!!) وبالتالي فلن يكون واردا أن يصعد فرعون الحي أصلا إلى السماء على صرح من طين أو حتى سلم من خشب!! كما أن الأهرام(باعتبارها قبورا لبعض الفراعنة) لم تكن أبنية دنيوية يمكن إستخدامها لأي غرض دنيوي (صعود أوغيره) ناهيك طبعا عن غرابة السبب لهذه الرغبة في الصعود والمتمثل في رغبة فرعون القرآني من التأكد من وجود إله موسى وهو سبب ساذج بمقاييس تلك الأزمنة و زعم لاتاريخي فج عن تشكك فرعون في إله أجنبي مما يدفعه للصعود إليه؟!.
والأمثلة التاريخية المتعلقة بصراعات دينية للفراعنة( فرعون في مواجهة إله) محدودة للغاية كالفرعون الشهير "إخن إتن" الذي تعصب لإله الشمس "إتن" أو سلفه البعيد الملك "بري إب سن" من الأسرة الثانية الفرعونية الذي تعصب للإله"ست" تبدو بعيدة تماما عن تلك الأجواء العجيبة التي يرسمها القرآن لفرعونه المزعوم المتعصب لنفسه كإله.
وحين نتحدث عن فكرة صعود فرعون إلى السماء عند المصري القديم نجدها فقط تخص الفرعون الميت وترتبط بالمصير الأخروي الشمسي له حين يلتحق بالمركب السماوي للإله رع (إله الشمس) ليجوب معه السماء وهوما يرد في التعويذة رقم (606) من نصوص الأهرام " أنت تركب السفينة(سفينة الشمس) مثل رع , أنت تجلس على عرش رع لكي تستطيع أن تأمر الآلهة , لأنك أنت رع الذي ولدته نوت(إلهة السماء) والتي تلد رع كل يوم " ويرتبط بهذا المصير إيجاد طريقة يصعد بها الفرعون المتوفي إلى السماء وهو ما تتحدث عنه التعويذة 267 من متون الأهرام حين تقول"إن قلبك معك يا أوزير (والمقصود هنا بأوزير : المتوفى) ومعك قدماك يا أوزير ومعك ذراعاك يا أوزير وإن قلبه معه , ومعه قدماه , وذراعاه معه لقد أقيم له منحدر إلى السماء ليصعد إليه على السماء , إنه يصعد على دخان البخور العظيم ..إنه يطير كطائر , ويحط كجعل في مقعد خال في سفينة "رع" … "وهو ما جعل الباحث في الأهرام المصرية "أ.س.إدواردز" في كتابه "أهرام مصر" وفي سياق تفسيره للسبب الكامن وراء إختيار الشكل الهرمي كمقبرة ملكية لبعض الفراعنة جعله يذهب إلى الزعم بأن الهرم إنما كان وسيلة طمع الفراعنة من خلالها في الصعود إلى السماء بعد وفاتهم . ومن ناحية أخرى فإن المصري القديم قد إستخدم طرقا صاعدة من الطوب اللبن(الطين) لا ليصعد بها إلى السماء ولكن لرفع الأوزان والأحجار الثقيلة إلى الإرتفاعات الأعلى لبناء ما ولقد عثر على بقايا لأمثال هذه الطرق الصاعدة فيما يعرف بالهرم الناقص في سقارة (هرم الملك: سخم خت) وهرم الملك "إمن م حات الأول" وهرم "ميدوم"(ميدوم منطقة بمركز الواسطى التابع لمحافظة بني سويف المصرية) فضلا عن طريق آخر وجد ملاصقا للصرح الأول غير المكتمل بمعبد الكرنك. ومما تقدم فلا يعرف التاريخ المصري القديم فرعونا قد عادى إلها أجنبيا على النحو الخرافي الوارد بالقرآن و لا يعرف فرعونا قد حاول الصعود ليتأكد من وجود هذا الإله على صرح من طين !!.
وهنا يبقى السؤال الأهم حاضرا بغير جواب : " من أين أتى محمد بفكرة الصرح الطيني الذي يرتقيه البشر فيصلهم بإله السماء؟"..والجواب بنظري سيكون من خلال الأساطير التوراتية والتي كانت تمثل رافدا أساسيا من روافد الثقافة الدينية والتاريخية السائدة لمجتمع الجزيرة العربية أيام محمد (برجاء مراجعة مقالي الذي أوردت فيه أمثلة على ذلك و المنشور ببند الأديان في فهرس المنتدى تحت عنوان: " أساطير الأولين / المدخل الصحيح لفهم بعض القصص القرآني")

فلننصت إذا لذلك الجزء من الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين التوراتي حين يحدثنا عن أحوال نسل نوح بعيد الطوفان النوحي :

( وكانت الأرض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة . وحدث في إرتحالهم شرقا أنهم وجدوا بقعة في أرض شنعار وسكنوا هناك . وقال بعضهم لبعض "هلم نصنع لبنا ونشويه شيا . فكان لهم اللبن مكان الحجر وكان لهم الحمر مكان الطين . وقالوا هلم نبن لأنفسنا مدينة و برجا رأسه بالسماء !!!".ونصنع لأنفسنا اسما لئلا نتبدد على وجه كل الأرض .فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما . وقال الرب هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم وهذا ابتداؤهم بالعمل . والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه .هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض .فبددهم الرب من هناك على وجه الأرض . فكفوا عن بنيان المدينة .لذلك دعي اسمها بابل . لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض . ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الأرض……)

والنص التوراتي والذي يعود بزمن كتابته إلى فترة زمنية قريبة (معاصرة ل أو بعيد) السبي البابلي وفي سياق حديثه عن تلك المواجهات بين الرب ومخلوقاته المستلهمة لعناصرها الأسطورية من أساطير الرافدين القديمة (حيث كان الكاتب التوراتي كان قد إنتهى لتوه من سرد أحد فصول تلك المواجهة ألا وهو الطوفان النوحي المستمد من أسطورة الطوفان السومرية /البابلية ) نجد الرب التوراتي ما زال مستشعرا للقلق من مخلوقاته الذين تمكنوا من بناء برجهم الطيني الهائل البالغ عنان السماء فيتسبب ذلك في إقلاق راحته فقرر ذلك الرب القلق أن يفرق شملهم بتحويل لغتهم الواحدة إلى لغات متعددة(يبلبل ألسنتهم) كي لا يفهم بعضهم بعضا فلا يتحدون بعد ذلك ضده ويزعجوه..والكاتب التوراتي هنا يوظف المفردات المعرفية المحيطة به في بلاد الرافدين زمن السبي في نسج قصته فلقد رأى هذا الكاتب التوراتي ببلاد الرافدين القديمة تلك الأبراج اللولبية(حيث يطوق بدنها من الخارج سلما للصعود إلى أعلى كما جاء بوصف هيرودوت لما أسماه ب"زقورة بابل") المشيدة من الطوب والتي تقع داخل حرم معبد كل مدن بلاد الرافدين القديمة كبابل وآشور..الخ حيث يقع المعبد وملحقاته وقصر الملك ضمن منطقة مقدسة بوسط المدينة وقد عرف هذا المبنى بالزاقورة ( وهي على الأرجح الأصل المعماري للمئذنة الملوية لجامع سامراء في العراق ومن بعده مئذنة "جامع أحمد بن طولون" في مصر) وكانت لهذه الزاقورات أسماء كزقورة "سيبار" والتي كانت تسمى "بيت سلم السماء الساطعة" بما يبين القصد من وراء بناء هذه الأبراج كحلقة إتصال بين السماء والأرض..وهي في هذه الصلة المرجوة منها تشبه المسلة عند الفراعنة وتمثل إرهاصة لاحقة لأبراج الكنائس ومآذن المساجد..ومن ثم وظف الكاتب هذه المفردة المعمارية الدينية القريبة منه(زاقورة بابل) بحديثه عن برج من الطين المشوي يصل بين الأرض والسماء بما يخدم قصته التي جعل من بابل( ويعني إسمها الأصلي بوابة إيل/الله) مسرحا لها ليخدم قصته أيضا بوضع تفسير متعسف لإسمها يتماشى مع سياق المواجهة بين الرب ومخلوقاته . ولما كان محمد (إبن بيئته) المشبعة بالرافد الأسطوري التوراتي فلقد بدا له مناسبا حين يتحدث في قرآنه)عن مواجهة مزعومة بين فرعون وإله موسى أن يستحضر هذا البرج(الصرح كما أسماه) التوراتي/الرافدي باعتباره وسيلة إتصال معلومة ومقبولة لديه بين البشر في الأرض والرب في السماء بينما لم تكن للمسلة أو الهرم في مصر القديمة كوسائل لنفس الصلة ذكرا في التوراة يسمح بعلم محمد بهما حين يتحدث عن فرعون مصري (توراتي الأصل بالطبع) وحين يختلق محمد قصته تلك عن البرج الذي طلبه فرعون فإنه يستعين ببرج بابل التوراتي الأقرب لمخيلته فيصبح وفقا للقرآن المحمدي فرعون بانيا لزاقورة بابل على أرض مصر بمعرفة وزير من بلاد فارس !!

ختاما : أرى أنه من المخزي حقا أن يلجأ بعض من أتباع دين ما يحض على ترك الكذب أن يلجأ أولئك للكذب دفاعا عنه , وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تهافت مايدافعون عنه بما لا يؤهله للصمود في وجه معطيات العلم الحديث والمعاصر , بعد أن أصبحت أسس هذا الدين وأساطيره ضمن الحفريات التاريخية !!

الكاتب: الغريب المنسي

 

تشويه صورة حكام مصر القديمة

 

{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)} القصص

 

{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} غافر

 

قصة تسخير ملك مصري من مصر القديمة لشعوب أخرى ليس عليها دليل من الآثار المصرية القديمة وحولياتها، نعم كان الملوك يسخِّرون كثيرًا الرجال من المصريين أنفسهم لأعمال البناء مثل بناء الأهرامات كمقابر للملوك ومساكن لهم حتى البعث الخرافي، لكن كان هذا يمثل للشعب أهمية كبيرة باعتبار الملك رمزًا ورأسًا للدولة، وكان أغلبهم رغم ما فيه من مشقة يقومون به بحبٍّ، بحكم طبيعة العلاقة بين الملوك والشعب في الأزمنة القديمة، كان الملك يرسل لأسر المسخَّرين من شعبه كل ما يلزمهم من طعام ونفقات إذا كان ليس لهم معيل أو مورد. ملوك مصر بعضهم أبطال دافعوا عن مصر وقادوا الجيوش بأنفسهم بشجاعة وتلقوا الطعنات بصدورهم والسهام، كأحمس وكاموس ورعمسيس الثاني ومنفتاح وغيرهم، وكثير من ملوك مصر ووزرائها وكهنتها كانوا علماء وحكماء، الأدب اليوناني والتاريخ يعترف بفضل المصريين القدماء عليهم لإنشاء حضارتهم من خلال تعلمهم من علوم المصريين القدماء الهندسية والطبية والفلكية والمعمارية وغيرها، بعضهم كفيثاغورس قضى سنوات في معابد مصر لتعلم العلوم، شعلة الحضارة الولى انطلقت من مصر وسومر وبابل والهند والصين، إن التوراة بحقدها_وراجع ظروف كتابتها في عهد ملك اليهود يوشيًّا وخوفه من تهديد مصري خارجيّ_شوَّهت في قصصها هؤلاء الملوك العظام، المشكلة أن كل من خمن المسلمون والكتابيون أنه قد يكون فرعون الخروج الأسطوريّ التوراتيّ هم من أكرم وأنبل وأشجع من أنجبت مصر من ملوك حاربوا لنظل حتى اليوم كشعب مصريّ وليس غيرنا كالهكسوس والأتراك الحثييين على أرض مصر، ومنهم بنى الآثار الخادلة حتى اليوم كمعبد الكرنك، لم يعيشوا في قصور فاخرة جدًّا كملوك، عكس اهتمامهم بالمعابد والأهرام. اليوم علماء آثار غربيون وإسرائيليون ينفون قصة الخروج لعدم واقعيتها وانعدام مصداقيتها التاريخية ويقولون أنها مجرد أسطورة تأسيسية تجمع شعب إسرائيل ككيان واحد.

 

لا يوجد في اليهودية أي إشراك أو تعدد

 

{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)} البقرة

 

{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)} البَيِّنَة

 

وصف محمد لليهود بالمشركين غرضه محاولة الزعم بوجود أفضلية واختلاف لديانته عن اليهودية، وهذا غير صحيح، فقد درستُ كتاب اليهود وكثيرًا كذلك من نصوص أحبارهم كبعض التلمود وقصص الهاجاديات (الهاجادة، الهاجادوت) ولا يوجد في كتبهم أي تعدد أو إشراك مع الله الخرافيّ لآلهة أخرى، ومن يدرس كتاب اليهود يعلم أن عقيدة التوحيد عليها تشديد فيه تصل إلى درجة الإرهاب لمن يعبد غيره أو يتحول إلى دين آخر، حيث تكون العقوبة حسب التوراة اليهودية هي القتل. كباحث أديان مطّلِع اطلاعًا واسعًا جدًّا بوسعي تفنيد ذلك، لا توجد عقائد أو نصوص سرية للأديان الكبرى، من يزمّر لا يخبئ ذقنه، إذا كانت توراتهم تقول علنًا بقتل الأطفال الرضع الفلسطينيين، فلا أعتقد أن عندهم شيئًا يخبئونه، عقائد الأديان نعرفها بدراسة نصوصها. ادعاء محمد باطل وكاذب، والتوحيد أو التعدد ليس أي منهما فضيلة ولا رذيلة فكلها خرافات واعتقادات بأوهام، بالأحرى كلها رذائل فكرية ولجوء إلى الأوهام والخيالات.

 

وروى البخاري:

 

4581 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أُنَاسًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا قَالَ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ مَنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ فَقَالُوا عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا فَيُشَارُ أَلَا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ....إلخ

 

والبخاري 7439 ومسلم 183

 

وروى أحمد:

 

(20694) 20970- حَدَّثَنَا بَهْزٌ ، وَعَفَّانُ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ، عَنْ طُفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ ، أَخِي عَائِشَةَ لأُمِّهَا ، أَنَّهُ رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ ، كَأَنَّهُ مَرَّ بِرَهْطٍ مِنَ الْيَهُودِ ، فَقَالَ : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ الْيَهُودُ ، قَالَ : إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الْقَوْمُ ، لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللهِ ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ : وَأَنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَشَاءَ مُحَمَّدٌ ، ثُمَّ مَرَّ بِرَهْطٍ مِنَ النَّصَارَى ، فَقَالَ : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ النَّصَارَى ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الْقَوْمُ ، لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ، قَالُوا : وَأَنْتُمُ الْقَوْمُ ، لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَمَا شَاءَ مُحَمَّدٌ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : هَلْ أَخْبَرْتَ بِهَا أَحَدًا ؟ قَالَ عَفَّانُ : قَالَ : نَعَمْ ، فَلَمَّا صَلَّوْا ، خَطَبَهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ طُفَيْلاً رَأَى رُؤْيَا فَأَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ مِنْكُمْ ، وَإِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ كَلِمَةً كَانَ يَمْنُعُنِي الْحَيَاءُ مِنْكُمْ ، أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْهَا ، قَالَ : لاَ تَقُولُوا : مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَمَا شَاءَ مُحَمَّدٌ.

 

حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح غير صحابيه، فلم يرو له غير ابن ماجه. وأخرجه ابن الأثير في "أسد الغابة" 3/78 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (2743) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/50، والحاكم 3/463، والبيهقي في "دلائل النبوة" 7/22، والخطيب في "موضح الأوهام" 1/303، والحازمي في "الاعتبار" ص 242-243، والمزي في ترجمة طفيل بن سخبرة من "تهذيب الكمال" 13/391 من طرق عن حماد بن سلمة، به. ورواية الخطيب مختصرة بالمرفوع: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد". وأخرجه بنحوه مطولاً ومختصراً الدارمي (2699) ، والبخاري معلقاً في "التاريخ الكبير" 4/363-364، وابن قانع 2/50، والطبراني في "الكبير" (8214) ، والخطيب في "الموضح" 1/303، والمزي 13/391 من طريق شعبة بن الحجاج، وابن ماجه (2118) من طريق أبي عوانة، وابن قانع 2/50 من طريق زياد بن عبد الله، والطبراني (8215) من طريق زيد بن أبي أنيسة، والحاكم 3/462-463 من طريق عبيد الله بن عمرو، البخاري في "التاريخ الكبير" 4/364، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (984) ، وابن ماجه (2118) ، والحازمي في "الاعتبار" 243-244، وسيأتي 5/393 في مسند حذيفة. ورواه من طرق عن شعبة، عن منصور، عن عبد الله بن يسار، عن حذيفة أبو داود (4980) ، والنسائي في "اليوم والليلة" (985) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (236) ، والبيهقي 3/216 مختصراً بالمرفوع منه. ولفظه: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان" وإسناده صحيح وسيأتي 5/384. ورواه من طرق عن المسعودي، عن معبد الجهني، عن عبد الله بن يسار، عن قُتيلة بنت صيفي، ابنُ سعد 8/309، والطبراني 52/5 و6، والطحاوي (238) و (239) ، والحاكم 4/297، والبيهقي 3/216 بلفظ: أن حبراً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت. وسيأتي 6/371-372، وتابع المسعودي عليه مسعر عند النسائي في "لمجتبى" 3/6، وفي "عمل اليوم والليلة" (986) . وإسناده صحيح. ورواه النسائي في "اليوم والليلة" (987) من طريق إبراهيم بن طهمان، عن مغيرة، عن معبد بن خالد، عن قتيلة قالت: دخلت يهودية على عائشة فقالت: إنكم تشركون... ولم يسق لفظه. ورواه معمر عن عبد الملك عن جابر بن سمرة، كما عند الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (237) ، وابن حبان (5725) . ورواه هانئ بن يحيى، عن شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن عبد خير، عن عائشة أنها قالت: قالت اليهود: نعم القوم قوم محمد...إلخ. وهو عند الحازمي في "الاعتبار" ص 243.

 

الغنائم الحربية لم تكن محرَّمة على اليهود في تشريع التوراة

 

روى البخاري:

 

3124 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا وَلَا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا وَلَا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلَادَهَا فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا فَقَالَ إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا فَجَاءَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا

القصة ليست هكذا بالضبط في سفر يشوع 7، فالغنائم كانت حلالًا في تشريع اليهودية للنهب الإجرامي من الشعوب الأخرى، لكنه كان محرمًا عليهم الغنائم من الفلسطينيين فقط كتابو ومحظور، علامة على كرههم الشديد للفلسطينيين بوضوح، واعتبار ممتلكاتهم نجسة لا يجوز مسها ولا استعمالها، وتقول القصة أن يشوع أحرق الرجل المدعو عخان مع ما غله أو خبأه وممتلكاته وخيمته، وقد نفهم من القصة أنه أحرق أسرة عخان كذلك! لكن المهم في الموضوع هو ذكر الأحاديث والقرآن لجزء من النموذج الإرهابي اليهودي ليشوع كما ورد في كتاب اليهود.

 

ولنلخصَ التشريع اليهودي الإرهابي في هذا الصدد، نقتبس من دائرة المعارف الكتابية/ مادة غنم- غنيمة:

 

... وعندما هزم بنو إسرائيل المديانيين ، أخذوا " نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم ...وأخذوا الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم " وأتوا بالجميع إلى المحلة أمام موسى وألعازار الكاهن ( عد 31 :11و12 ) فأمر الرب أن تنصف الغنيمة " بين الذين باشروا القتال الخارجين إلى الحرب وبين كل الجماعة " وأن ترفع منها زكاة للرب وتُعطى " لألعازر الكاهن رفيعة للرب " ( عد 31 :25-30 – انظر أيضاً تث 2 :35، 1 صم 30 :21-25 ) .

وقد أمرت الشريعة أن المدينة التى لا تقبل الصلح والمسألمة من المدن البعيدة ، بالقول : " اضرب جميع ذكورها بحد السيف . وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما فى المدينة ، كل غنيمتها فتغنمها لنفسك ، وتأكل غنيمة أعدائك التى أعطاك الرب إلهك . هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التى ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا ( الكنعانيين ) . وأما مدن هؤلاء الشعوب ... فلا تستبق منها نسمة بل تحرمها تحريماً " ( تث 20 :10 –18) ، وهو ما حدث فى أريحا ( يش6 :17 ) ، وعندما عصاه عخان بن كرمي ، كان عقابه الموت رجماً ( يش7 :21-26 ) ، وعصاه أيضا شاول الملك فى حربه مع عماليق ، حتى قال له صموئيل النبى : " لماذا لم تسمع لصوت الرب ، بل ثرت على الغنيمة وعملت الشر فى عيني الرب " ( 1 صم 15:19 ) .

 

لقد عرضت في كتابي (نقد العهد القديم) منذ سنين طوال كل هذه القصص اليهودية المريعة البشعة، بالتفصيل الممل كما يُقال.

 

يحتمل أن إساءة فهم المفسرين المسلمين مرتبطة بحادثة بعد معركة بدر، فمحمد لكرهه الشديد لقومه قريش كان يريد قتل كل الأسر لقرشيين وعمل مذبحة، وكان قد قتل كبار قادتهم ممن أُسِروا، ثم أراد قتل الكل، فاعترض البعض من أهل التعقل باعتبار الأسرى من قومهم في النهاية، ووافق البعض، يتجلى هذا في موقف أبي بكر وعمر، وافق محمد على رأي أبي بكر على مضض غير مرتاح له نفسيًّا لكن عقله ألزمه أنه الصواب لكي لا تبدو صورته سيئة أمام الناس كسفاح يبيد الأسرى في أول دعوته لكي لا يخسر شعبية لا يزال يحتاجها ليزيد قواه، لكنه وضع رغم ذلك قاعدة تنص على قتل الأسرى دومًا حتى يتمكن من السيطرة على شبه جزيرة العرب ويكون له السلطان.

 

روى مسلم:

 

 [ 1763 ] حدثنا هناد بن السري حدثنا بن المبارك عن عكرمة بن عمار حدثني سماك الحنفي قال سمعت بن عباس يقول حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر ح وحدثنا زهير بن حرب واللفظ له حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل هو سماك الحنفي حدثني عبد الله بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر ...إلخ ....قال أبو زميل قال بن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا بن الخطاب قلت لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسيبا لعمر فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض }  إلى قوله { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا }  الأنفال فأحل الله الغنيمة لهم

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

208 - حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ قُرَادٌ ، أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، ...إلخ....فَلَمَّا كَانَ يَوْمُئِذٍ ، وَالْتَقَوْا ، فَهَزَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُشْرِكِينَ ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا ، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا وَعُمَرَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، هَؤُلاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالْإِخْوَانُ ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةَ ، فَيَكُونُ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ فَيَكُونُونَ لَنَا عَضُدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : وَاللهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنِي مِنْ فُلانٍ - قَرِيبًا لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ ، وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلانٍ ، أَخِيهِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ ، حَتَّى يَعْلَمَ اللهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ ، هَؤُلاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ ، فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ ، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ .

فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ ، قَالَ عُمَرُ : غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَإِذَا هُمَا يَبْكِيَانِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَخْبِرْنِي مَاذَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبَكَ ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنَ الْفِدَاءِ ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ " - لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ - وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال : 67 - 68] مِنَ الْفِدَاءِ ، ثُمَّ أُحِلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمُ .

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عُوقِبُوا بِمَا صَنَعُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ ، وَفَرَّ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 165] بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ.

 

إسناده حسن ، رجاله رجال الصحيح . أبو نوح : اسمه عبد الرحمن بن غزوان الضبي ، وقُراد لقب له . وأخرجه أبو داود (2690) عن أحمد بن حنبل ، بهذا الإسناد . مختصراً . وأخرجه ابن أبي شيبة 10 / 350 و14 / 365 - 366 ، ويعقوب بن شيبة في " مسند عمر " ص 63 - 64 ، وأبو عوانة 4 / 157 من طريق أبي نوح قُراد ، به ، وحسن يعقوب بن شيبة إسناده . وأخرجه عبد بن حميد (31) ، ومسلم (1763) ، ويعقوب بن شيبة ص 57 - 58 و58 - 60 و60 - 62 ، والترمذي (3081) ، والبزار (196) ، والبيهقي 9 / 189 و10 / 44 ، وأبو عوانة 4 / 152 و155 و156 ، وابن حبان (4793) ، والبيهقي في " السنن " 6 / 321 وفي " الدلائل " 3 / 51 - 52 ، وأبو نعيم في " الدلائل " (408) من طرق عن عكرمة بن عمّار ، به . وقد سقط من المطبوع من " دلائل أبي نعيم " : ابنُ عباس . ورواه أحمد كذلك برقم (221) .

والرباعية : هي السن التي بين الثنية والناب . والبيضة : هي خوذة الحديد توضع على الرأس ، من آلات الحرب .

 

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)} الأنفال

 

توجد هنا إساءة فهم للمفسرين، لم يقل محمد أنه كان يحرم الغنائم والأسلاب، بل كان يقصد بالغنائم هنا فدية الأسرى بمعنى محدد وخاص وفقًا للسياق هنا. ونتيجة هذه الإساءة للفهم حكوا الأحاديث المنسوبة إلى محمد بأن الغنائم كانت محرمة، اليهود حرموا الغنائم من قوم أغراب عنهم، أخوة لهم في الإنسانية، هم الفلسطينيون، كتَابُو وعنصرية متشددة، لكن محمدًا كان يقترح ذلك مع قومه أنفسهم.

 

تصوير القرآن لمكة على أنها مركز تجاري مهم وباريس الشرق أو شيء كدبي المعاصرة أو كأنها مثل روما في زمن محمد

 

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)} القصص

 

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} الشورى

 

{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)} الأنعام

 

كثير من الأبحاث ككتاب باتريشيا كورونا (تجارة مكة وظهور الإسلام) وتتوفر له ترجمة عربية محترمة، وغيرها أكدت من خلال الوثائق التاريخية والآثار أن مكة لم تكن على طريق تجاريّ مهم بين الشرق والغرب، ولم تكن ذات موقع مميز ليكون لها الدور الذي تزعمه نصوص القرآن وكتب التاريخ الإسلامي ولا حتى كمكان للتفريغ والشحن أو فرض ضريبة مرور، وأقصى شيء أن سكانها كانوا يقومون بتجارة داخلية يبيعون لقومهم المواد الغذائية والملابس والأقمشة المستوردة من الخارج بحكم فقر بيئة الصحراء العربية، وبعض التجارة لجنوبي سوريا. وربما أتى مكة في مواسم تجارتها بعض جيرانها القريبون جغرافيًّا فقط. ربما موسم الحج فقط منحها أهمية كبيرة دينيًّا في موسم الأربعة شهور للحج، لكن كانت هناك كعبات كثيرة منافسة لكعبة مكة كذلك. ويُعتقَد أن اسم مكة من الإله اليمني مقّة إله القمر، ثم اندثرت عبادته زمن محمد وبقي الاسم دليلًا على عبادة قديمة.

تقول باتريشيا كورونا في كتابها:

 

من المقبول عقلًا القول بأنها كانت مركزًا للحج، للوثنيين المحليين، ولكن القول بأنها كانت دبي زمانها مركزًا تجاريًا عالميًا مزدهرًا في قلب الصّحراء، هو حتمًا ليس كذلك.

أيّ حافزٍ قد يدفع باحثًا عن الأرباح كي يضع نفسه في قريةٍ قاحلةٍ على بعد مئات الأميال من أقرب بوتقةٍ استهلاكية؟ حتى قوافل الجمال القليلة التي استمرت آنذاك في التّنقل شمالًا منطلقة من حِمْيَر، متجهةً نحو سوقٍ رومانيٍّ كان قد فقد شهيته نحو البخور منذ زمنٍ طويلٍ، كانت تذهب في طريقٍ لا يمرّ بمكّة بحال.

وفي كتابات المدوّنين المعاصرين لمحمد، سواءً أكانوا سياسيين أو جغرافيين أو مؤرخين، يواجهنا ذِكر مكّة بالصّمت الصّادم.

 

....يبدو جليًا أنه لو كان المكيّون وسطاء في تجارةٍ طويلة المسافة، من النوع الذي الذي وصف في الأدب الإسلامي، لكان هناك ذِكرٌ لذلك في كتابات زبائنهم، الذين كتبوا باستفاضةٍ عن العرب الجنوبيين الذين كانوا يمدّونهم بالعطريات، بالرّغم من الاهتمام الكبير الذي أُولي إلى العرب، فإنه ليس هناك أيّ ذكرٍ على الإطلاق لقريشٍ (قبيلة محمد نبيّ الإسلام) ومركزهم التّجاري مكّة، سواءٌ في الكتابات اليونانية أو اللاتينية أو السّريانية أو الآرامية أو القبطية، أو أيّة لغاتٍ أخرى كانت تستخدم خارج شبه الجزيرة العربية

 

وكتب الأخ/ Moussa Eightyzz  في مقالٍ له لا أوافقه على كل ما فيه، بعنوان (هل نشأ الإسلام في مكة):

 

مع تفحّص المدوّنات القديمة غير الإسلامية، نفاجأ بأنّ مكّة ليس لها أيّ ذكرٍ واضحٍ أيضًا في التّاريخ، سواءٌ في الزّمن القديم المقارب لابراهيم والأنبياء، أو في الزّمن السّابق على الإسلام مباشرة.

في كتاب للباحث د. رأفت عماري بعنوان: الإسلام: في ضوء التّاريخ Islam: In Light of History، يرصد في بعض فصوله الحضارات المختلفة في المنطقة منذ القدم، ويتتبع التراث الأشوري، والبابلي، والفارسي، واليوناني، والعربي محاولًا البحث عن أي ّذكرٍ لمكّة في نصوص تلك الحضارات، دون أن يجد لها أثرًا بالمرة.

يلاحظ الكاتب مبدئيًا الغنى الكبير للآثار والموجودات المتبقية في الجزيرة العربية، منقوشاتٍ ومنازل ومعابد ونُصب وسجلات تجارية وألواح وأطلال مدن وأواني فخارية وخزفية، مما يعود الفضل فيه إلى المناخ الجاف والصّحراوي الذي يساهم في الحفاظ على الآثار ويمنعها من الانهيار والتّحلل، بحيث أن علماء الآثار اليوم نجحوا في رسم صورةٍ شبه كاملةٍ لتاريخ تلك المنطقة أحداثها وملوكها وحروبها وأنماط حياتها وأسماء آلهتها، وهذا يردّ على كل من يحاول تبرير غياب مدينةٍ بالحجم والثّقل المفترضين لمكّة بالقول أنّ غياب الدّليل لا يعني دليل الغياب، بل لو كانت مكّة موجودةً لتوقّعنا حتمًا أن يكون لها أيّ أثرٍ أو ذِكرٍ ما.

يبدأ الكاتب بسرد المدوّنات التّاريخية لمنطقة شمال غرب الجزيرة العربية منذ القرن التّاسع قبل الميلاد، منها مدنٌ كقيدار وديدان وتيماء، وقبائل وحضاراتٍ كثمود ولحيان والأنباط، والموثقة جيدًا، سواءٌ من خلال ما وُجد في تلك المناطق ذاتها من آثار، أو من خلال حديث الحضارات المجاورة (كالآشورية والبابلية) عنها، مع التّأكيد على الغياب الكامل لأيّ ذكرٍ لمكّة.

بعدها ينتقل إلى الحضارات الواقعة جنوب الجزيرة العربية، والتي تملك تراثًا آثاريًا أغنى حتى من سابقتها، يعود إلى القرن الرّابع عشر قبل الميلاد، ويتحدث عن مملكة هَرَم اليمنية، وعن ملوك مَعِن، ومملكة قَطبان، وحضارتَي سَبَأ وحِمْيَر، وكلها لديها سجلٌ مزدحمٌ بالآثار، ولكن أيضًا لا أثر لحديثٍ عن مدينةٍ تسمّى مكّة.

ثم يأتي دور شرق شبه الجزيرة، حيث نجد مملكة كِنْدَة، والتي لها مثل سابقاتها تاريخٌ معروف، كما يردّ الحديث عنها في السّجلات السّبأية، وفي أقصى شرق الجزيرة نجد تاريخًا معروفًا لحضاراتٍ عريقةٍ مثل دلمون التي تقع في دولة البحرين الحالية، والتي نعلم عنها الكثير وتذكرها المدوّنات السّومرية والأكادية منذ الألفية الرّابعة قبل الميلاد، ومَجَان وهي عُمان الحالية التي تملك تاريخًا موثقًا أيضًا، يمتدّ حتى الألفية الثّالثّة قبل الميلاد.

بعدها ينتقل إلى غياب ذكر مكّة من سجلات الحضارات العربية التي استعمرت المنطقة، فيبدأ من توسع حضارة المعنيين شمالًا واحتلال اللحيانيين للمنطقة، وعدم ذكرهم لمكّة، ثم يتحدث عن بسط الأنباط سيطرتهم على طريق التّجارة من شمال الجزيرة إلى جنوبها لقرونٍ قبل وبعد الميلاد، متضمنٌ صحراء غرب وسط الجزيرة العربية، والتي تحتوي مكّة، وعدم ذكرهم لها أيضًا رغم تسجيلهم لمدنٍ وقرًى صغيرةٍ لا أهمية لها.

كذلك أهل كِنْدَة سيطروا على غرب الجزيرة العربية، ودراسة منقوشاتهم لا تُرينا أيّ وجودٍ لمكّة في القرن الثّاني والثّالثّ بعد الميلاد.

ونرى ذات المسألة عند الحِمْيَريين الذين استعمروا المنطقة التي توجد بها مكّة اليوم ورغم كثرة منقوشاتهم فلا يوجد للمدينة ثمّة ذكر

ولا يختلف الأمر فيما يخصّ الحضارات الكبرى غير العربية التي قامت بغزو المنطقة، كالآشوريين والبابليين والفرس والرّومان، وهي كلها حضاراتٌ قامت باحتلال شمال وغرب وسط الجزيرة العربية، فيتناولها الكاتب ببعض التّفصيل ليخلُص إلى أنه لم تقم إحداها بالحديث عن أيّ وجودٍ لمكّة في جميع السّجلات والنّقوشات والمخطوطات التي تركتها.

وفي فصلٍ آخر من الكتاب يتناول المؤلف بالتّفصيل الكتابات القديمة للمؤرخين والجفرافيين الكلاسيكيين، وعلى الأخصّ اليونانيين والرّومان، منذ القرن الخامس قبل الميلاد وصولًا إلى الثّالثّ بعد الميلاد، حيث جمعوا معلوماتٍ مُكثّفةً ومُوثّقةً عن شبه الجزيرة العربية، ومنهم من زارها بل ورسم لها الخرائط، ذاكرًا مدنها وقراها ومعابدها وجبالها بكل اهتمامٍ ودقة، ومع ذلك فتلك الكتابات –مرةً أخرى– تخلو من أيّ ذكرٍ لمكّة.

يبدأ من هيرودوت، الذي تجوّل في كثيرٍ من أنحاء العالم القديم، وزار الجزيرة العربية في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، وكتب عن جغرافيتها ومدنها، لكنه لم يذكر مكّة، ثم ينتقل إلى القرن الرّابع قبل الميلاد، حيث أرسل الاسكندر الكبير جغرافييّن إلى الجزيرة العربية، ليجمعوا له معلوماتٍ عنها تمهيدًا لغزوها، ومع ذكر هؤلاء لتفاصيل مهمةٍ بشأن ساحل البحر الأحمر والمناطق المحيطة به، إلا أنهم أيضًا لم يذكروا شيئًا عن مكّة.

بعدها يسير المؤلف مع كُتّاب آخرين، جغرافييّن ومؤرخين، يونانيين ورومان، كثيوفراستوس الذي كتب في القرن الرّابع ق.م عن تجارة السّبأيين البرية والبحرية وإراتوسثينيس، الذي قاس طول ساحل البحر الأحمر، وأجرى مسحًا شاملا ًعن الطّرق البحرية والبرية التي تربط جنوب الجزيرة بخليج العقبة شمالًا، ووصف كل الشّعوب والمراكز في المنطقة في أواخر القرن الثّالثّ ق.م، وأغاثاركايدس السّكندري، أهمّ مؤرخٍ وجغرافيٍّ في زمانه، والذي كان قريبًا من القصر البطلمي الحاكم، مما مكّنه من وضع يديه على أرشيفٍ كاملٍ من البعثات الاستكشافية في القرن الثّالثّ والثّاني ق.م، بالإضافة إلى التّعامل شخصيًا مع «شهود عيان»، من سفراء وتجار ومكتشفين زاروا بأنفسهم المنطقة المحيطة بالبحر الأحمر، وقام بوصف تفصيلي ودقيق للقبائل والمعابد وطرق التّجارة والظّواهر الطّبيعية في تلك المنطقة، وأرتيميدوروس، المؤرخ والجغرافي اليوناني، الذي كتب أحد عشر مجلدًا في الجغرافيا في القرن الثّاني ق.م، جامعًا معلومات سابقيه ومضيفًا عليها، وواصفًا أيضًا ساحل البحر الأحمر وما حوله ثم هناك المؤرخ والجغرافي الرّوماني سترابو، والذي رافق الحملة العسكرية الرّومانية على جزيرة العرب، بالتّعاون مع الأنباط، في القرن الأول قبل الميلاد وقام كشاهد عيانٍ بتسجيل كلِّ قريةٍ ومدينةٍ في المنطقة التي تحركت فيها الحملة على ساحل البحر الأحمر من شماله حتى جنوبه، بعدها يأتي مسح بليني، الفيلسوف والعسكري والمؤرخ الرّوماني، والذي كتب موسوعته الضّخمة: «التّاريخ الطّبيعي» في القرن الأول بعد الميلاد، متحدثًا في بعض أجزائها عن جزيرة العرب، من شمالها إلى شرقها إلى جنوبها إلى غربها، ذاكرًا أكثر من تسعين إسمًا لشعبٍ وقبيلةٍ عربية، وفي جميع تلك الكتابات لا ذكر لمكّة ولا جرهم ولا قريش.

وتستمر الظّاهرة في المصادر القديمة الأثيوبية، والسّريانية، والآرامية، والقبطية: لا حرف عن مكّة.

وحين نقارن هذا الحال بأيّ مدينةٍ أخرى مثل القدس، والمذكورة بوفرةٍ في المصادر التّاريخية القديمة كرسائل تلّ العمارنة المصرية وغيرها، أو حتى كمدينة يثرب التي نجد اسمها عدة مراتٍ في المدوّنات الرّافدية واليونانية واليمنية منذ القرن السّادس قبل الميلاد، هنا يتضح لنا حجم المعضلة، بل اللغز.

أخيرًا نشير إلى ما قد يُرى كذكرٍ استثنائيٍّ لمكّة في كتاباتٍ كلاسيكية، وهو حديث الجغرافي بطليموس السّكندري في كتاباته في القرن الثّاني بعد الميلاد، عن مدينةٍ تسمى موكا وأخرى تسمّى ماكورابا، حيث يرى البعض أنّ هذه أو ربما تلك قد تكون هي مكّة التي نعرفها، غير أنّ تتبّع إحداثيات المكانين من كتابات بطليموس، يُرينا أنّ موكا تقع شمال الجزيرة العربية قرب البتراء في الأردن، بينما ماكورابا تقع في شرق جنوب الجزيرة العربية ناحية عُمان، ويحتمل أن نقرنها بميناء موكوربا الذي ذكره بليني أيضًا.

النّتيجة إذًا أنه ليس هناك ما يثبت وجود مكّة قديمًا، فضلًا عمّا يُثبت أهميتها التّجارية أو الدّينية أو السّياسية، ونفس الشّيء ينطبق على ما قبل الإسلام مباشرةً، حيث يستبعد الكثيرون وجود ذلك النّشاط التّجاري البري بين الشّمال والجنوب العربي، في ذلك الوقت كما رأينا في إشارات باتريشيا كرون وتوم هولاند وغيرهما.

ختامًا، لو ألقينا نظرةً على صفحة ويكيبيديا على الإنترنت تحت عنوان: المدن الأثرية في السّعودية Ancient Towns in Saudi Arabia، فسنجد الحدث عن المناطق ذات السّجل الأثري المعتبر: قرية الفاو، وادي الأخدود، مدائن صالح، دومة الجندل، وغيرها، بينما لا نجد إسم مكّة، ذلك لأنها لا تملك سجلًا أثريًا يُذكر.

هذا عن المدينة، فماذا عن كعبتها المقدسة؟

كعبة أم كعبات؟

«كان للعرب كعباتٍ عديدةًّ أخرى تحج إليها في مواسم معينة وغير معينة، تعتر (تذبح) عندها، وتقدّم لها النّذور والهدايا، وتطوف بها، ثم ترحل عنها بعد أن تكون قد قامت بجميع المناسك الدّينية المطلوبة، وقد اُشتهر من بيوت الآلهة أو الكعبات ما وجدنا ذكره عند الهمداني: بيت اللات، وكعبة نجران، وكعبة شداد الأيادي، وكعبة غطفان، وما ذكره الزّبيدي: بيت ذي الخلصة المعروف بالكعبة اليمانية، وما جاء عند ابن الكلبي: بيت ثقيف، إضافةً إلى ما أحصاه جواد علي: كعبة ذي الشّري وكعبة ذي غابة الملقب بالقدس، ومحجّاتٍ أخرى لآلهة مثل: اللات، وديان، وصالح، ورضا، ورحيم، وكعبة مكّة، وبيت العزي قرب عرفات، وبيت مناة، هذا مع ما جاء في قول الأستاذ العقاد عن البيوت التي تُعرف ببيوت الله أو البيوت الحرام، ويقصدها الحجيج في مواسمٍ معلومةٍ تشترك فيها القبائل، وكان منها في الجزيرة العربية عدة بيوتٍ مشهورة، وهي: بيت الأقيصر، وبيت ذي الخلصة، وبيت رضاء، وبيت نجران، وبيت مكّة، وكان بيت الأقيصر في مشارف مقصد القبائل؛ من قضاعة ولخم وجذام وعاملة، يحجّون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده.» – من كتاب: في طريق الميثولوجيا عند العرب، للباحث محمود سليم حوت.

بشأن تاريخ الجاهلية فلدينا مصادرٌ قديمةٌ عديدةٌ غير عربية، تتحدّث عن وجود بيوتٍ مقدَّسةٍ دينيًا لدى عرب شبه الجزيرة قبل الإسلام، وأحيانًا يكون الحديث عن بيتٍ واحدٍ مميز، لكنّ مكانه لا يُذكر بدقة، على الجانب الآخر تذكر لنا مصادر التراث الإسلامي أسماء بضعٍ وعشرين كعبةً على الأقل، منتشرةً بين الأردن واليمن، تحجّ إليها مجموعاتٌ من العرب وهو ما تؤكّده لنا الآثار، حيث أنّ بعضًا من تلك الأبنية المقدسة مازال قائمًا بالفعل إلى يومنا هذا.

لكن الملاحظ أيضًا أنّ معظم تلك المصادر الإسلامية المكتوبة في العصر العباسي، تُلحّ على أنّ بيت مكّة كان يحظى بأهميةٍ وقداسةٍ مميزةٍ عن سائر البيوت العربية، وهو ما لا أثر له في التّاريخ كما قلنا.

حملة أبرهة التي لم تحدث

«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ۞ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ۞ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ۞ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ۞ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ۞» (الفيل).

أبابيل: جماعات متتابعة، سِجِّيل: الطّين المتحجر، عَصفٍ: ورق الزّرع.

«32– لذلك هكذا قال الرّب عن ملك آشور: لا يدخل هذه المدينة ولا يرمي هناك سهمًا ولا يتقدّم عليها بترسٍ ولا يقيم عليها مترسة.

33– في الطّريق الذي جاء فيه يرجع، وإلى هذه المدينة لا يدخل، يقول الرّب.

34– وأحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي ومن أجل داود عبدي.

35– وكان في تلك الليلة أنَّ ملاك الرّب خرج وضرب من جيش آشور مئة ألف وخمسة وثمانين ألفًا، ولما بكّروا صباحًا إذا هم جميعًا جثثٌ ميتة.» (سفر الملوك الثّاني 19: 32–35)، متحدثًا عن حصار الآشوريين للقدس وكيف أنقذ الرّب المدينة المقدسة.

يُنقل عن ابن إسحاق أن أبرهة الأشرم حاكم اليمن التّابع للنجاشي ملك الحبشة (أثيوبيا) بنى كنيسةً في صنعاء وسمّاها القُلَّيس، وأراد أن يجتذب الحجيج العرب إليها منافسًا بذلك كعبة مكّة، فجاء رجلٌ من العرب فقعد فيها (أي قضى حاجته)، مما أثار غضب أبرهة وقرّر أن يهدم الكعبة فخرج بجيشه مُحضرًا الأفيال مع كبيرهم الذي اسمه محمود، فأرسل الله على أبرهة طيرًا ترميه بحجارةٍ من مناقيرها، حتى هلك هو وجيشه وأفياله، ويُفترض أنّ الواقعة حدثت في عام ميلاد محمد على أشهر الأقوال وهو ما سُمّي بعام الفيل.

بغضِّ النَّظر عن الملامح الأسطورية الواضحة للقصة، وبغضّ النّظر عن أنّ السّورة القرآنية تخلو من أيّ تفاصيل تربط هؤلاء القوم الغامضين المسمّون «أصحاب الفيل» بالكعبة أو بمكّة أو بالحبشة بأيّ شكل، مما يفتح المجال واسعًا لتخمين ما المقصود منها بالتّحديد إلّا أننا نسجّل عدة نقاطٍ عامة:

1– الحادثة –كما يُتوقع– غير مذكورةٍ بالمرة في أيّ مرجعٍ معاصرٍ أو لاحق يدعم ما ادّعاه ابن إسحاق، والذي ظلّ الجميع ينقلون عنه حتى صارت القصة من المسلّمات، مع ملاحظة أنّ غياب مصادر أخرى يعني أننا نتحدث عن حملةٍ عسكريةٍ كاملةٍ تمّ إهلاكها في الصّحراء، دون أن نجد أيّ مصدرٍ تاريخيٍّ يتحدث عن الأمر!

2– قلنا أنّ مكّة ذاتها غير مذكورةٍ في أيّ تاريخٍ غير عربي، وتاريخ الحبشة ليس استثناءً: الملك المسيحي أبرهة الذي حكم بالفعل أجزاءً من اليمن والحجاز منتصف القرن السّادس، لم يُذكر عنه أنه ذهب إلى موضع مكّة، ولا يوجد حتى ما يثبت أنه كان على علمٍ بمدينةٍ بذلك الإسم.

ونشير هنا إلى أحد الكتابات المنسوبة لأبرهة، اكتشفها آثاريون فرنسيون عام 1951، وتتحدث عن الحملات العسكرية التي قام بها الرّجل في جنوب الحجاز.

النّقش معروفٌ باسم «نقش بئر المريغان» تحت الرّمز RY 506 وهو آخر نصٍّ معروفٍ لأبرهة، حيث يعود إلى العام 552 للميلاد، ونصه مُترجمًا هو كالتّالي:

«بقوّة الرّحمن ومسيحه الملك أبرهة زيبمان ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وقبائلهم (في) الجبال والسّواحل، سطر هذا النّقش عندما غزا [قبيلة] معد [في[ غزوة الرّبيع في شهر ذو الثّابة (أبريل) عندما ثاروا كل [قبائل] بنى عامر، وعيّن الملك [القائد] أبا جبر مع [قبيلة] علي [علا؟ علي؟] [والقائد] بشر بن حصن مع [قبيلة] سعد [وقبيلة] مراد، وحضروا أمام الجيش ـ ضد بنى عامر ]وقد وجّهت] كندة وعلي في وادي ذو مرخ، ومراد وسعد في واد على طريق تربن وذبحوا وأسروا وغنموا بوفرة وحارب الملك في حلبن واقترب كظل معد (وأخذ) أسرى وبعد ذلك فوّضوا [قبيلة معد] عمرو بن المنذر [في الصّلح] فضمنهم ابنه (عروة) (عن أبرهة) [فعيّنه حاكمًا على] معد ورجع (أبرهة) من حلبن بقوة الرّحمن في شهر ذو علان في السّنة الثّانية والسّتين وستمائة [552 ميلادي]».

ومن النّقوش يتبيّن لنا أولًا أنّ أبرهة لم يذهب إلى آخر الطّريق وإنما توقّف في مرحلةٍ ما، وقام بتوجيه الحملات، وثانيًا أنه لم يصل إلى موضع مكّة بل قد يكون أقرب مكانٍ وصلوا إليه هو وادي تربن الذي يقع بعيدًا عن مكّة نحو 190 كيلومتر، مع ملاحظة أنه لم يصل حتى إلى تربن وإنما إلى مكان على طريق تربن، وثالثّا يتبيّن لنا أنّ أبرهة قد عاد منتصرًا من حملاته، ولم يهلك، وبالطّبع لا يوجد أيّ ذكرٍ لأفيال أو طيور تلقي بحجارةٍ من مناقيرها.

3– أبرهة (على الأرجح في رأي كثيرٍ من المؤرخين) مات عام 553 أو نحو ذلك، أي قبل عام الفيل المزعوم بكثير.

4– القصة مليئةٌ بالصّعوبات المنطقية التي تجعلها مستحيلة الحدوث: فالأفيال أولًا تحتاج إلى كمياتٍ هائلةٍ من الماء والطّعام، كما أنها بطيئة الحركة ولا تتحمّل السّير في الصّحراء لمسافاتٍ كبيرة، مما يجعلها اختيارًا غير عمليٍّ بالمرة في تلك البيئة وتلك الظّروف، ولا يُتوقع أن قائدًا عسكريًا سيكلّف نفسه باستيراد تلك الكائنات الثّقيلة والمرهقة من أفريقيا، كي يغزو بها وسط الجزيرة العربية وفوق هذا فالفيل الأفريقي يختلف عن الآسيوي في أنّ حجمه أضخم وطبيعته أشرس وأعصى على التّرويض، ولذلك لا يُستخدم في الحروب أصلًا، علمًا بأنّ الشّعب الوحيد الذي كان يستخدم الفيل في الحروب في ذلك الزّمن هم الفرس.

5– يلاحظ محمد النّجار في مقالتّه: قراءة في بعض السّيرة النّبويّة، وجود رواياتٍ أخرى مختلفةٍ للواقعة، غير رواية ابن إسحاق، فيذكر مثلًا رواية مقاتل بن سليمان صاحب أقدم تفسيرٍ للقرآن، الذي يذكر أن بطلَّ القصة ليس أبرهة وإنما ابنه! كما يحكي أنّ الجيش انسحب في هذا العام؛ وعاد في حملةٍ أخرى بعد سنتين، ويشير النّجار أيضًا إلى أقدم كتابٍ في الحديث، وهو: مصنّف بن عبد الرّزاق، الذي ينقل عن الزّهري أنّ القصة لم تحدث عام ولادة محمد؛ وإنما قبل ذلك بعقود وهو ما تدعمه رواياتٌ أخرى في المصادر الإسلامية. ويرى الكاتب أن هذا الخلط يدلُّ على أنّ القصّة لم تأخذ صورتها النّهائيّة التي نعرفها اليوم.

إذّا، فالخلاصة كما يبدو لنا أنّ القصة مختلقة، حيث تحوي جميع ملامح الأساطير القديمة التي صِيغت بشكلٍ هوليوودي مشوقٍ تم بلورتها في العصر العباسي أو قبل ذلك بقليل، والهدف الأساسي الواضح منها هو إعلاء شأن مكّة على سائر المدن العربية ورفع مكانة كعبتها على سائر الكعبات العربية، والتّأكيد على كونها علامةً مقدسة، يتدخل الله شخصيًا للدفاع عنها حتى وهي مليئةٌ بالأصنام!

الهدف من اختراع تاريخٍ عريقٍ لمكّة

لو تذكرنا مثال أساطير تأسيس روما التي سادت في زمانها، مع محاولات خلق أمجادٍ ماضيةٍ لها عن طريق القصص الرّوايات في زمنٍ كانت العظمة فيه تقاس بالعراقة والقدم؛ وهو ما حدث أيضًا مع القسطنطينية والقدس وغيرهم من المدن، فسيمكننا الاستنتاج إذًا من خلال ما استعرضناه أنه في مرحلةٍ ما؛ تمّ اختلاق تاريخٍ قديمٍ مجيدٍ لمكّة من قِبَل الرّواة ومدوّني السّيرة والتّاريخ الإسلامي، مع إحاطتها بالقصص والرّوايات ذات الطّابع الأسطوري بهدف منحها المزيد من القداسة والهيبة الشّعبية؛ على غرار ما تمّ سابقًا مع مدنٍ أخرى.

هكذا علينا ألّا نكتفي بملاحظة أنّ تاريخ مكّة في الحقيقة هو أكثر حداثةً وأكثر تواضعًا مما يُراد لنا تصديقه، لكن الأهم أيضًا هو ملاحظة أنّ وجود تلك الأساطير نفسها وكثرتها يعتبر دليلًا على أنّ الحاجة إلى تعظيم مكّة وكعبتها ظلّت موجودةً في العصر العباسي، أي في عزّ قوة الإسلام واستقراره! مما يثير التّساؤلات حتمًا.

 

 

 

حقيقة مقام إبراهيم المزعوم

 

{ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} البقرة

 

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} آل عمران

 

كتب أخي التنويريّ الحبيب والرائع (ابن المقفع) العراقيّ، المترجم المتميز والمفكر العقلاني، ومؤسس وصاحب بداية فكرة بحث (أصول أساطير الإسلام من الهاجادة وأبوكريفا العهد القديم)، تحت عنوان (بحثُا عن حقيقة مقام إبراهيم) في منتدى الملحدين العرب المغلق، وقد كتبه بقلمه معتمدًا على مصادر أجنبية:

 

مقام ابراهيم هو لوح حجري سميك يحتوي على شبه أثرَيْ قدمين غائرين. يعتقد المسلمون أنه الحجر الذي الذي وقف عليه ابراهيم اثناء بناءه للكعبة, وان الاثرين فيه هما بصمات قدمي ابراهيم نفسه.  عن بصمة الجسد الحجرية, تقول الويكيبيديا انها "صورة لاجزاء من جسد انسان او حيوان منقورة في الصخر. وتوضح ان هذه البصمات قد وجدت منذ العصور الحجرية." وتردف :"كانت –البصمات- صيغا مهمة من الاشكال الرمزية المستخدمة للمراسيم الدينية وغير الدينية كتتويج الملوك. والبعض يعتبر ذخائر دينية مهمة مرتبطة بالقديسين والابطال القوميين. كالملك آرثر (ملك بريطاني)". ومع ان الويكيبيديا تقول ان البصمات التي عادة ما تكون مصممة بشريا بشكل واضح كثيرا ما تكون محل شك, الا ان المسلمين لا يشكون بتاتا في تاريخ مقام ابراهيم هذا وهم يعتمدون على بعض النصوص التي يعتبرونها صحيحة.





مقام إبراهيم



ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "فعند ذلك رفعا -إبراهيم وإسماعيل- القواعد من البيت؛ فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجر وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت، وهما يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العلي. وهم ينسبون الآيات القرانية: "فيه ءايت بينات مقام إبراهيم" إلى هذا الحجر ويشيرون إلى الاثرين الغائرين فيه زاعمين انه اثر قدمي ابراهيم. وهنالك روايات ضعيفة تذكر ان ابراهيم كان يدعو الناس الى الحج متخذا من الحجر منبرا, او ان ابراهيم قد وضع راسه على الحجر فجاءت زوج اسماعيل فغسلت راسه.

ينسب المسلمون إلى هذا الحجر الكرامات والفضائل فهو كما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص من أحجار الجنة اخمد الله ضياءه لئلا يعم الدنيا, وقد كان يرتفع بابراهيم اثناء بناء الكعبة لكي يتمكن من بناء المواضع المرتفع من الكعبة. والحجر من مشاعر الحج, وقد صلى محمد في موضع بين المقام والكعبة كما أخرج مسلم من رواية جابر "ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فجعل المقام بينه و بين البيت."

تاريخه

للحجر تاريخ يفترض انه يمتد الى عصر ما قبل الاسلام. فيذكر الازرقي (ت 250 للهجرة)  ان موضعه كان اصلا ملاصقا للكعبة في المعجن بين الباب والركن العراقي. يقول السيوطي في الدر المنثور : "وأخرج الأزرقي عن كثير بن أبى كثير بن المطلب بن أبى وداعة السهمي عن أبيه عن جده قال كانت السيول تدخل المسجد الحرام من باب بنى شيبة الكبير قبل ان يردم عمر الردم الأعلى فكانت السيول ربما رفعت المقام عن موضعه وربما نحته إلى وجه الكعبة حتى جاء سيل أم نهشل في خلافه عمر بن الخطاب فاحتمل المقام من موضعه هذا فذهب به حتى وجد بأسفل مكة فأتى به فربط إلى أستار الكعبة وكتب في ذلك إلى عمر فاقبل فزعا في شهر رمضان وقد عفى موضعه وعفاه السيل فدعا عمر بالناس فقال أنشد الله عبدا علم في هذا المقام فقال المطلب بن أبى وداعة أنا يا أمير المؤمنين عندي ذلك قد كنت أخشى عليه هذا فأخذت قدره من موضعه إلى الركن ومن موضعه إلى باب الحجر ومن موضعه إلى زمزم بمقاط وهو عندي في البيت فقال له عمر فاجلس عندي وأرسل إليه فجلس عنده وأرسل فأتى بها فمدها فوجدها مستوية إلى موضعه هذا فسال الناس وشاورهم فقالوا نعم هذا موضعه فلما استثبت ذلك عمر وحق عنده أمر به فاعلم ببناء ربضة تحت المقام ثم حوله فهو في مكانه هذا إلى اليوم." وقد ذكر مالك ابن انس الشيء نفسه في المدونة الكبرى. من جهة اخرى تذكر كثير من المصادر ان عمر اخر موضع المقام لئلا يعيق طواف الحجيج.


الموضع الحالي لمقام إبراهيم

كان المهدي اول من غلفه بالفضة خشية عليه من التفتت, واعيد تغليفه بعد ذلك عدة مرات. بعد فتنة القرامطة تقرر حفظ الحجر في مقصورة. والى فترة قريبة كان الحجر محفوظا في تابوت حديدي وكان التابوت يكسى بكسوة تاتي من مصر مع كسوة الكعبة وكان الكل محفوظا في مقصورة.  في العصر الحديث ازيل التابوت وابقى على مقصورة اصغر حجما تضم المقام.


المقصورة حاليا

صفته

المقام شبه مكعب. طول كل ضلع من اضلاعه 56سم, ارتفاعه 50 سم  وعمق "أثر القدمين" فيه حوالي 14سم. ومن وصف الحجر ذكر انه لا يشبه الرخام ولا الحجارة العادية وان لونه يشبه لون السكر البني.


أثران عميقان في المقام ينسبان إلى إبراهيم

روي عن انس بن مالك انه رأى أثر اصابع ابراهيم وكعب قدمه, الا ان الروايات تتحدث عن ان اثر القدمين انمحى من الحجر لكثرة تقبيله واستلامه حتى غلف بالذهب.

بصمات الجسد الحجرية Petrosomatoglyphs
 
باعتبارها رموزا ذات طابع ديني او قومي, وجدت بصمات لمختلف اعضاء الجسد اهمها القدمين, ولكن ايضا  الركبتين واليدين والوجه والاصابع. بل أن هذا التقليد يشمل الحيوانات والمخلوقات الخرافية كذلك.


بصمة قدم حجرية في إسكتلاند

عرفت بصمات الأقدام كتذكارات دينية في اوربا وآسيا, ومن بين من وجدت لهم بصمات أقدام, يسوع, مريم أم يسوع, محمد (أشهر بصماته هي تلك التي على صخرة القدس), آدم (البصمة في جبل آدم المقدس في سريلانكا والتي يعزوها البوذيون إلى بوذا والهندوس إلى شيفا), وبالطبع بصمة إبراهيم على حجر المقام والتي هي موضوعنا.


بصمة قدم يسوع في كنيسة الصعود في القدس

يعتبر بوذا أكثر شخصية وجدت له بصمات اقدام حجرية  (تسمى بوداپادا بالسنسكريتية). وتقسم هذه البصمات إلى حقيقية ومقلدة, ومن بين تلك الحقيقية, يعترف البوذيون أن الكثير منها مصطنع. وقد أحصى أحد الكتاب 3000 من هذه البصمات موزعة في أرجاء آسيا ومن فترات زمنية مختلفة. كما أن الهندوس يحتفضون بتذكارات دينية مشابهة يعزونها لآلهتهم المختلفة.


بصمة مقلدة  لقدمي بوذا

(ملاحظة رابط الصورة تلف) _لؤي



بصمة اخرى لبوذا


بصمة لقدمي بوذا تذكر بالماء الذي كان يسكب على حجر ابراهيم من قبل الحجيج ليصبح ماءا مباركا
 
حقيقة مقام ابراهيم

إن اعتبرنا مقام إبراهيم بصمة جسد حجرية (بيتروسوماتوغراف), فإنه يكون الوحيد في الجزيرة العربية حسب علمي, أما في الشرق الأوسط قبل الإسلام عموما فقد عرفت هذه البصمات بين مسيحي فلسطين فقط. وكشخص لا يؤمن بوجود شخص اسمه ابراهيم ولا يقبل تصديق قدومه من فلسطين إلى الحجاز للمساهمة في بناء الكعبة, فإنه من الواجب علي أن أعتقد أنه يعود إلى عصر ما قبل الإسلام وأن له علاقة بالطقوس الوثنية لعرب تلك الفترة. والحقيقة أنني لم أعرف عن مقام إبراهيم الكثير, إذ أنني كنت أشاهد المقصورة في الحرم المكي ولا أعرف ماهيتها, إلى أن شاهدت صورا للحجر يبدو أنها قد التقطت  أثناء تبديل المقصورة. حينها بدا لي موضع القدمين عميقا للغاية وأعمق من البصمات الحجرية الأخرى المعروفة في آسيا, بل تلك المعروفة في العالم الإسلامي بأسره. وبالرغم من أن هنالك من روى عن أنس بن مالك أنه كان قد رأى تفاصيل بصمة القدم, إلا أن من المستغرب بالفعل أن يكون سوفان الحجر في موضع القدمين حصرا, وأن تؤدي ملامسة الحجيج للمقام وتبركم به خلال 250 عاما إلى حدوث أثر عمقه خمسة عشر سنتيمترا.

أثناء تصفحي احد المواقع-لا اذكر اسمه- وجدت صورة ذكرتني بمقام ابراهيم, الصورة كانت لقاعدة تمثال يوناني.  الصورة كانت تبين بوضوع اثرين غائرين من الواضح انهما كانا موضع التحام قدمي التمثال بالقاعدة. إذ يبدو أنه, في بعض الاحيان, كان المثال ينحت التمثال اولا ثم يصنع له قاعدة ملائمة بعد ذلك, فتسائلت إن كان مقام ابراهيم قاعدة تمثال عربي قديم.


قاعدة تمثال للإله اليوناني زيوس نرى فيها موضع تثبيت القدمين

مع شيء من التأمل والبحث, يبدو لي أن مقام إبراهيم هو أقرب الى كونه قاعدة تمثال منه الى بصمة حجرية مقدسة لم يعرف اتخاذها من قبل العرب أو غيرهم من شعوب الشرق الأوسط. الشكلان البيضويان الغائران يصلحا تماما لتبيت تمثال من نوع ما, حجري وبالاخص برونزي, ولقد رأيت بالفعل صورة لتمثال برونزي في المتحف اليمني كان يحتاج الى قاعدة لتبقيه منتصبا. وضعية الاثرين من بعضهما توجب ان يكون التمثال متخذا وضعية الاستعداد او التعبد وقوفا. وهذه هي الوضعية الشائعة في تماثيل الجزيرة العربية في عصر ما قبل الاسلام سواء كان ذلك في اليمن ام في الحجاز.


تمثال الملك هوثر عثت البرونزي في المتحف الوطني اليمني بصنعاء

(صورة تالفة الرابط أخرى_لؤي)


تماثيل لملوك مملكة لحيان (ددان) الحجازية في المتحف الوطني السعودي. لاحظ وظعية القدمية.

تاريخ المقام نفسه يطرج تساؤلات عديدة. فالاخبار الالتي وردتنا تقول أنه كان ملاصقا للكعبة,بالرغم من أن حديثا صحيحيا رواه مسلم يقول بأن محمدا صلى بين المقام والبيت. ثم تستمر القصة فتخبرنا أن سيل "أم نهشل" أزاله من موضعه فجاء عمر وامر بالبحث عنه حتى وجد باسفل مكة. ثم انه أمر بوضعه في موضعه الحالي. ما يخال لي هو أن مقام ابراهيم كان قاعدة تحمل تمثالا ما, وربما كانت تحمل وثنا,  وربما كان شكله المكعب مقدسا كعادة العرب في تمثيلهم آلهتهم بأشكال مكعبة. أزعم وان محمدا لم يعرفه وان تحدثت روايات عديدة عن انه صلى خلفه. وان ان الشعر الجاهلي قد اشار اليه كبيت ابي طالب

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة  على قدميه حافيا غير ناعل



بالرغم من ان احتمال كون المقام بصمة مقدسة لدى عرب ما قبل الاسلام يبقى قائما, ما اظنه هو ان المقام هو من بقايا الاوثان والانصاب التي حطمها محمد عند دخوله مكة, وان عمر بن الخطاب هو من  اختار الحجر مصداقا للآية "فيه آيات بينات مقام ابراهيم" ونسب الاثرين الذين فيه الى ابراهيم,  إذ ربما كان محمدٌ يعني بمقام ابراهيم الحرم المكي باسره كما روي عن ابن عباس, فعلينا ان لا ننسى ان عمر بن الخطاب, بمساعدة من كعب الاحبار, هو الذي اخذ على عاتقه تحديد موضع "المسجد الاقصى" وتحديد "صخرة التاسيس" كموضع اسلامي مقدس عرج منه محمد الى السماء. ومن الطريف ان صخرة بيت المقدس نفسها تحتوي على اثار اقدام يعزوها المسلمون لجبرائيل.

ومن غير المستبعد عندي ان يكون عمر بن الخطاب هو من حشر اية "واتخذو من مقام ابراهيم مصلى" في سورة البقرة:125 فهذه العبارة تبدوا امرا الهيا مباغتا من غير تقديم. او انه, اي عمر, على الاقل من ابتدع الصلاة عند المقام. ولهذا استشهد بما رواه الطبري من حديث عمر انه قال: وافقني ربي في ثلاث او وافقت ربي قلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ فنزلت: "واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى."  

ابن المقفّع...

 

 

ملاحظة: بعض حروف ابن لمقفع كقوله (وظعية) بدل (وضعية) وأحيانًا يعكس فيستبدل الظاء بضاد في كلمات أخرى، وهذا نادر منه لأنه يجيد العربية جيدًا، لكنه تأثر متعمد أو غير متعمد بلهجته العراقية، وقد تركت كتابته كما هي بلا تغيير لحروفه_لؤي.

 

لا يجوز في اليهودية إقامة النساء في الهيكل ولا كهنوت للنذيرين فيها

 

{إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)} آل عمران

 

قال الطبري في التفسير:

 

فتأويل الكلام إذًا: والله أعلم من كل خلقه بما وضعت = ثم رجع جل ذكره إلى الخبر عن قولها، وأنها قالت - اعتذارًا إلى ربها مما كانت نذرتْ في حملها فحررته لخدمة ربها -:"وليس الذكر كالأنثى"، لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدْس والقيام بخدمة الكنيسة، لما يعتريها من الحيض والنفاس ="وإني سميتها مريم"، كما:-

6877 - حدثني ابن حميد قال، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:"فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى"، أي: لما جعلتها محرّرًا له نذيرة.

 

....6879- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وليس الذكر كالأنثى"، كانت المرأة لا يستطاع أن يصنع بها ذلك = يعني أن تحرر للكنيسة، فتجعل فيها، تقوم عليها وتكنسها فلا تبرحها = مما يصيبها من الحيض والأذى، فعند ذلك قالت: "ليس الذكر كالأنثى".

6880 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة:"قالت رب إني وضعتها أنثى"، وإنما كانوا يحرّرون الغلمان - قال:"وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم".

6881 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: كانت امرأة عمران حرّرت لله ما في بطنها، وكانت على رَجاء أن يهبَ لها غلامًا، لأن المرأة لا تستطيع ذلك = يعني القيامَ على الكنيسة لا تَبرحها، وتكنُسها = لما يصيبها من الأذى.

6882 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أن امرأة عمران ظنتّ أن ما في بطنها غلامٌ، فوهبته لله. فلما وضعت إذا هي جارية، فقالت تعتذر إلى الله:"رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى"، تقول: إنما يحرّر الغلمان. يقول الله:"والله أعلم بما وضعت"، فقالت:"إني سَمّيتها مريم".

 

وقال ابن كثير في تفسيره:

 

....فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهَا، فَوَاقَعَهَا زَوْجُهَا، فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَلِمَا تَحَقَّقَتِ الْحَمْلَ نَذَرَتْهُ أَنْ يَكُونَ {مُحَرَّرًا} أَيْ: خَالِصًا مُفَرَّغًا لِلْعِبَادَةِ، وَلِخِدْمَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَتْ: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أَيْ: السَّمِيعُ لِدُعَائِي، الْعَلِيمُ بِنيتي، وَلَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ مَا فِي بَطْنِهَا أَذَكَرًا أَمْ أُنْثَى؟ {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} قُرِئَ بِرَفْعِ التَّاءِ عَلَى أَنَّهَا تَاءُ الْمُتَكَلِّمِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ قَوْلِهَا، وقُرئ بِتَسْكِينِ التَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى} أَيْ: فِي الْقُوَّةِ والجَلَد فِي الْعِبَادَةِ وَخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.....

 

هذه القصة نقلها محمد من كتب الأبوكريفا وهي مترجمة ومتاحة إلى العربية، وسبق ودرستها، ومن الدراسات اللطيفة القوية عنها (مصادر الإسلام) لكلير تسدل، وترجم إبراهيم سالم الطرزي في ثلاثة أجزاء أهم كتب (أبوكريفا العهد الجديد)، راجع الجزء الأول منها وهو الأهم بالنسبة لاقتباسات الإسلام، وقد عرضت بعض النصوص منها في باب المصادر. الملاحظ في هذه الخرافة وجود خطأ في علم الأديان بها ومناقضتها للتاريخ، حيث لا يوجد في اليهودية نذر نساء لدخول الهيكل ولا علاقة للنذر بدخول المعبد ولا يسمح للنساء بالإقامة فيه من الأساس في شرع اليهود، ورد في سفر العدد 6:

 

(1وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 2«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا انْفَرَزَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ لِيَنْذُرَ نَذْرَ النَّذِيرِ، لِيَنْتَذِرَ لِلرَّبِّ، 3فَعَنِ الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ يَفْتَرِزُ، وَلاَ يَشْرَبْ خَلَّ الْخَمْرِ وَلاَ خَلَّ الْمُسْكِرِ، وَلاَ يَشْرَبْ مِنْ نَقِيعِ الْعِنَبِ، وَلاَ يَأْكُلْ عِنَبًا رَطْبًا وَلاَ يَابِسًا. 4كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِهِ لاَ يَأْكُلْ مِنْ كُلِّ مَا يُعْمَلُ مِنْ جَفْنَةِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَجَمِ حَتَّى الْقِشْرِ. 5كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِ افْتِرَازِهِ لاَ يَمُرُّ مُوسَى عَلَى رَأْسِهِ. إِلَى كَمَالِ الأَيَّامِ الَّتِي انْتَذَرَ فِيهَا لِلرَّبِّ يَكُونُ مُقَدَّسًا، وَيُرَبِّي خُصَلَ شَعْرِ رَأْسِهِ. 6كُلَّ أَيَّامِ انْتِذَارِهِ لِلرَّبِّ لاَ يَأْتِي إِلَى جَسَدِ مَيْتٍ. 7أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَخُوهُ وَأُخْتُهُ لاَ يَتَنَجَّسْ مِنْ أَجْلِهِمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، لأَنَّ انْتِذَارَ إِلهِهِ عَلَى رَأْسِهِ. 8إِنَّهُ كُلَّ أَيَّامِ انْتِذَارِهِ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ. 9وَإِذَا مَاتَ مَيْتٌ عِنْدَهُ بَغْتَةً عَلَى فَجْأَةٍ فَنَجَّسَ رَأْسَ انْتِذَارِهِ، يَحْلِقُ رَأْسَهُ يَوْمَ طُهْرِهِ. فِي الْيَوْمِ السَّابعِ يَحْلِقُهُ. 10وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يَأْتِي بِيَمَامَتَيْنِ أَوْ بِفَرْخَيْ حَمَامٍ إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، 11فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ وَاحِدًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً وَيُكَفِّرُ عَنْهُ مَا أَخْطَأَ بِسَبَبِ الْميْتِ، وَيُقَدِّسُ رَأْسَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. 12فَمَتَى نَذَرَ لِلرَّبِّ أَيَّامَ انْتِذَارِهِ يَأْتِي بِخَرُوفٍ حَوْلِيٍّ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ، وَأَمَّا الأَيَّامُ الأُولَى فَتَسْقُطُ لأَنَّهُ نَجَّسَ انْتِذَارَهُ.

13«وَهذِهِ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ: يَوْمَ تَكْمُلُ أَيَّامُ انْتِذَارِهِ يُؤْتَى بِهِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، 14فَيُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ لِلرَّبِّ خَرُوفًا وَاحِدًا حَوْلِيًّا صَحِيحًا مُحْرَقَةً، وَنَعْجَةً وَاحِدَةً حَوْلِيَّةً صَحِيحَةً ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا صَحِيحًا ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ، 15وَسَلَّ فَطِيرٍ مِنْ دَقِيق أَقْرَاصًا مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، وَرِقَاقَ فَطِيرٍ مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ مَعَ تَقْدِمَتِهَا وَسَكَائِبِهَا. 16فَيُقَدِّمُهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ وَيَعْمَلُ ذَبِيحَةَ خَطِيَّتِهِ وَمُحْرَقَتَهُ. 17وَالْكَبْشُ يَعْمَلُهُ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ مَعَ سَلِّ الْفَطِيرِ، وَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ تَقْدِمَتَهُ وَسَكِيبَهُ. 18وَيَحْلِقُ النَّذِيرُ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ رَأْسَ انْتِذَارِهِ، وَيَأْخُذُ شَعْرَ رَأْسِ انْتِذَارِهِ وَيَجْعَلُهُ عَلَى النَّارِ الَّتِي تَحْتَ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ. 19وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ السَّاعِدَ مَسْلُوقًا مِنَ الْكَبْشِ، وَقُرْصَ فَطِيرٍ وَاحِدًا مِنَ السَّلِّ، وَرُقَاقَةَ فَطِيرٍ وَاحِدَةً، وَيَجْعَلُهَا فِي يَدَيِ النَّذِيرِ بَعْدَ حَلْقِهِ شَعْرَ انْتِذَارِهِ، 20وَيُرَدِّدُهَا الْكَاهِنُ تَرْدِيدًا أَمَامَ الرَّبِّ. إِنَّهُ قُدْسٌ لِلْكَاهِنِ مَعَ صَدْرِ التَّرْدِيدِ وَسَاقِ الرَّفِيعَةِ. وَبَعْدَ ذلِكَ يَشْرَبُ النَّذِيرُ خَمْرًا. 21هذِهِ شَرِيعَةُ النَّذِيرِ الَّذِي يَنْذُرُ، قُرْبَانُهُ لِلرَّبِّ عَنِ انْتِذَارِهِ فَضْلاً عَمَّا تَنَالُ يَدُهُ. حَسَبَ نَذْرِهِ الَّذِي نَذَرَ كَذلِكَ يَعْمَلُ حَسَبَ شَرِيعَةِ انْتِذَارِهِ».)

 

 ولم يكن يجوز للنساء في شريعتهم الإقامة في المعبد أي الهيكل. وحتى اليوم لا يجوز للنساء الإقامة في معبد أو التكرس للدين وخدمته أعني أن يصبحن في وظيفة فيه. سمعنا عن قسيسات في مذهب المسيحية البروتستنية، وحتى مؤخرًا وصلت امرأة لأول مرة لمنصب أسقف، لكن لا شيء كهذا حدث في اليهودية، ولا حتى في التيار الإصلاحي الذي ليس من القرائين ولا الربانيين التلموديين. بل إن شريعة النذير نفسها لم تسمح للنذير الذكر كذلك بممارسة وظيفة رجل الدين (الكهانة)، لأن كونه قام بنذرٍ لا يجعله مؤهلًا لدخول سلك الكهنوت، ففي العصور القديمة كانت الكهانة وهي خدمة الهيكل ووظائف المراسيم والشعائر الدينية محصورة في بني سبط لاوي من اليهود حسب النسب الأسطوري، بل على وجه التحديد كانت الكهانة محصورة في نسل هارون فقط وبنو لاوي كانوا مساعدين للكهنة فقط، راجع ماد كهن في دائرة المعارف الكتابية لمراجعة نصوص كتاب اليهود، ومع تفكك الأنساب اليوم وذهاب تلك التقاليد فإن دخول سلك الكهنوت مثلما هو الحال في أي ديانة يتطلب دراسات دينية ودرجة "علمية" دينية في نصوص الدين وفقهه وأحكامه ولاهوته وغيرها. وجاء في دائرة المعارف الكتابية/ مادة نذير:

 

... ويقول فيلو وميمونيدس [موسى بن ميمون] وغيرهما إن النذير كان مكرساً للرب، فكان وضعه أشبه بوضع الكاهن من جهة التزام القداسة واجتناب كل دنس ونجاسة ، ولا يختلف عن الكاهن إلا في عدم قيامه بخدمة كهنوتية في المقدس، كما أنه لم يكن مدعواً من الرب لمثل هذه الخدمة. (ا.ه)

 

اطلاعي على سفر نزير Nazir في ترجمة التلمود البابلي إلى الإنجليزية أفاد_كما تقول التوراة بالضبط_ بأن شريعة النذير والنذيرة تعني الامتناع عن أشياء تصبح تابوهات عليه مثل حضور الجنازات وحمل جثمان أو تابوت ميت وشرب الخمر وحلق شعر رأسه وغيرها، كل هذا كنوع من التعبدات خلال فترة تكرسه التي قد تكون مدى الحياة أو لجزءٍ منها، لكن هذا لا يجعله رجل دين في المعبد، أما النساء فلا يُسمح لهن في اليهودية بتقاليدها التقليدية بأن يقمن في المعابد. الرهبنة للنساء هو تقليد مسيحي لم يكن في اليهودية.

 

ملاحظة: قام محمد هنا بتعديل أدبيّ، فليس في القصة الأصلية الأبوكريفية أن زكريا خالها هو من كفلها، بل هو خطيبها يوسف، ومحمد لم يشأ ذكر يوسف النجار في أي نص، لأن كل قصة مريم من وجهة نظرهم الدينية غير مشيرة لجودة سمعة مريم من وجهة نظر الرجعيين أصحاب القيم الدينية الجنسية التابوهية، راجع كتابي (نقد العهد الجديد)، فالأناجيل تقول أن مريم حملت قبل دخول يوسف عليها وزواجه منها، ويزعم التلمود أن يسوع ابن جندي روماني يدعى بانديرا، ورغم عدم التأكد من زعم أحبار التلمود، فالمؤكد تقريبًا أن يسوع ليس ابن يوسف، وأنه ابن شخص آخر ما كان على علاقة مع مريم، وذكرت في الكتاب المذكور نصوص الأناجيل المسيحية الصريحة في تعيير يسوع بذلك نقلًا عن كتاب لحسني يوسف الأطير اسمه (سر مريم) أم لعله (عقائد النصارى الموحِّدين)، مع كوني لا أراه عيبًا ولا مصدرًا لتعيير مريم ولا ابنها من وجهة نظر قيمنا اللادينية الحرة الشريفة. لا يوجد في العهد الجديد أي الأناجيل نفسها قصة دخول مريم منذ سن ثلاث سنوات الهيكل، بل هو من التخاريف الإضافية لكتب الأبوكريفا، راجع (أبوكريفا العهد الجديد) الجزء الأول، لإبراهيم سالم الطرزي، وحاولت كتب الأبوكريفا حل مشكلة عدم وجود دخول للإناث في الهيكل من الأساس حتى الأطفال منهن بقولها أن مريم لما بلغت سن 12 عامًا وفي بعض الأسفار 14، اقترعوا قرعة لمن يتسلمها بتشريع اليهود كوصي عليها وخطيب لها، فنزلت حمامة على عصا يوسف النجار حسب الأسطورة، فخرجت من الهيكل إلى بيته، وفي قصة الإنجيل عن مسألة يوسف خطيبها معضلة إقامة امرأة مع خطيبها دون زواج، بخلاف التقاليد الدينية المحافظة التي لا تجيز الحرية الجنسية المشروعة في الإلحاد.

 

من قال أن الكعبة أقدم معبد أو حتى معبد توحيدي في التاريخ؟!

 

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} آل عمران

 

النصوص التي ذكرت الكعبة سواء في كتابات العرب أو اليونان والرومان كلها بعد الميلاد، وقد عثر علماء الآثار في تركيا وشبه جزيرة العرب فيما نقرأ على أقدم أشكال معابد الإنسان البدائي في العالم، ولا أعتقد أن زعم محمد سيصمد أمام فحص بالتأريخ الإشعاعي لحجارة الكعبة وبعض ما فيها من أقدم محتوياتها بزعمهم. صحيح أن الروايات التاريخية تقول أنها تهدمت وأعيد بناؤها عدة مرات، لكن الروايات تقول أن البناة كانوا يضعون نفس الحجارة مع الجديدة ضمن البناء لأنهم اعتبروها مقدسة، إلا ما تفتت وتكسر تمامًا في السيول وخلافه.

 

قال الطبري في تفسيره لسورة آل عمران: 96-97:

 

فقال بعضهم: تأويله: إنّ أول بيت وضع للناس، يُعبَد الله فيه مباركًا وهُدًى للعالمين، الذي ببكة. قالوا: وليس هو أوّل بيت وضع في الأرض، لأنه قد كانت قبله بيوت كثيرة.

*ذكر من قال ذلك:

7422- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة قال: قام رجل إلى عليّ فقال: ألا تخبرني عن البيت؟ أهو أوّل بيت وُضع في الأرض؟ فقال: لا ولكنه أول بيت وضع في البرَكة مقامِ إبراهيم، ومن دَخَله كان آمنًا.

7423- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك قال: سمعت خالدَ بن عرعرة قال: سمعت عليًّا، وقيل له:"إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة"، هو أوّل بيت كان في الأرض؟ قال: لا! قال: فأين كان قَوْم نُوح؟ وأين كان قوم هود؟ قال: ولكنه أوّل بيت وُضع للناس مبارَكًا وهدًى.

7424- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء قال، سأل حفْصٌ الحسنَ وأنا أسمع عن قوله:"إنّ أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا" قال، هو أول مسجد عُبد الله فيه في الأرض.

7425- حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال، حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر في قوله:"إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة" قال: قد كانت قبله بيوتٌ، ولكنه أول بيت وُضع للعبادة.

 

.... وقال آخرون: بل هو أوّل بيت وضع للناس.

ثم اختلف قائلو ذلك في صفة وضعه أوّل.

فقال بعضهم: خُلق قبل جميع الأرَضين، ثم دُحِيت الأرَضون من تحته. ...إلخ

 

وقال آخرون: موضع الكعبة، موضع أوّل بيت وضعه الله في الأرض.

*ذكر من قال ذلك:

7433- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ذُكر لنا أن البيتَ هبط مع آدم حين هبط، قال: أهبِط معك بيتي يُطاف حوله كما يطاف حول عرشي. فطاف حوله آدم ومن كان بَعده من المؤمنين، حتى إذا كان زمنُ الطوفان، زَمنَ أغرقَ الله قوم نوح، رَفعه الله وطهَّره من أن يصيبهُ عقوبة أهل الأرض، فصار معمورًا في السماء. ثم إنّ إبراهيم تتبع منه أثرًا بعد ذلك، فبناه على أساسٍ قديم كانَ قبله.

 

مع ذلك فلا شك أن بعض المعابد اليهودية أقدم بكثير من تاريخ مكة والكعبة الأحدث بكثير، بحيث أنها لا سجل أثري يُذكَر لها، ولم أذكر كنائس المسيحية، وتعمدت ذكر اليهودية لأنها لا ثالوث فيها ولا تعدد، بل عبادة توحيدية لا شك فيها. أما عن أقدم معبد بناه البشر معروف تاريخيًّا، فقد ترجم الأستاذ/ طريف سردت الموضوع التالي:

 

 

 

أقدم معبد على الارض

 

 

Gobekli Tepe

أقدم معبد في العالم

 

على بعد ستة اميال عن اورفه، وهي مدينة تاريخية في جنوب شرق تركيا، تمكن العالم الالماني Klaus Schmidt من أكتشاف موقع الاكثر اثارة للدهشة: مجموعة من الاحجار الكلسية المنحوتة، تعود الى ماقبل 11 الف سنة، انتجها بشر ماقبل التاريخ، قبل ان يكون لديهم وسائل وادوات معدنية او حتى عرفوا صناعة الآجر. المكان يسمى Gobekli Tepe, (يعني: معدة الهضبة) والعالم الالماني واثق ان هذا هو مكان أقدم معبد في العالم.

في الوسط، الاحجار والعواميد منظمة على شكل حلقات. في الاطراف توجد اربعة حلقات اخرى ، جزئيا، بما فيه من عواميد كانت مدفونة تحت الارض. كل حلقة من الحلقات تتشابه مع بقية الحلقات: في المركز يقف حجرين كبيرين على شكل حرف
T ويحوط بهما احجار اصغر. اعلى العواميد طولها 16 متر ويصل وزنها الى حوالي 6-10 طن. عندالاقتراب منهم نجد ان بعض العواميد فارغة في حين ان الاخرى ممتلئة جدرانها بمنحوتات الثعالب والاسود والعقارب والنسور.

يشير شميدت الى حلقة الحجر الاكبر ، وهو واحد من احجار قطرها 65 متر، ويقول:" هذا اول معبد مقدس بناه الانسان".

من على ارتفاع 1000 متر فوق السهل يمكن رؤية الافق من جميع الزوايا، ولنا ان نتصور كيف سيكون عليه السهل الذي يطل عليه المعبد قبل اكتشاف الزراعة وقبل انتشار السكن الحضري.

Gobekli Tepe

موقع الهضبة قرب مدينة اورفه

 

هذه المنطقة كانت مثل الجنة، إذ تقع على الطرف الشمالي للهلال الخصيب، حيث الطقس معتدل. ومن اعلى الهضبة كان بالامكان رؤية الانهار الجارية وقطعان الحيوانات البرية والطيور المهاجرة والمستوطنة واشجار الفواكه والجوز وانواع الحبوب البرية. الهلال الخصيب كان يمتد من فارس الى لبنان الحالية واسرائيل والاردن ومصر، وكان يجذب اليه الصيادين وجامعي الثمار من افريقيا.
ولكون شميدت لم يعثر على ادلة تسمح بالقول ان الانسان عاش بشكل ثابت على قمة غوبيكليك طوبه، يعتقد شميدت ان هذا المكان كان مكان للعبادة، بمقاييس لم يعهد الانسان لها نظيرا، في ذلك العصر. لقد كانت الكعبة الاولى للانسان البدوي المبكر.

يذكر شميدت انه قام بأجراء مسح راداري للمنطقة الى جانب مسح مغناجيولوجي، وبفضل ذلك ظهر لنا ان هناك 16 حلقة اخرى ، على الاقل، مدفونة تحت مساحة 22 هكتار. ذلك يعني ان هناك عمل للاركيولوجيين على مدى 50 عاما للكشف عن وجه الاثار فقط.

Gobekli Tepe

أقدم معبد في العالم

 

في ستينات القرن الماضي جرت زيارة ابتدائية للمكان، وبعد رؤية الهضبة وبعض الاحجار اعتقد الخبراء ان المكان يعود لمقبرة كنيسة مهجورة من القرون الوسطى. عام 1994 كان شميتدت يضع خارطته الخاصة للمناطق التاريخية في المنطقة. بعد تفحصه لاحجار من المنطقة، مخزونة لدى جامعة تشيكاغو، قرر زيارة المكان بنفسه. منذ اللحظة الاولى عرف ان المكان يضم في جوانبه العجب.

على العكس من بقية الهضبات المجاورة كانت قمة "كوبيكلي طوبة" مدورة بنعومة وترتفع 50 متر عن محيطها. كان من الواضح، له، ان الهضبة تعود الى العصر الحجري.

بعد عام، عاد شميدت الى المكان مصطحبا معه اربعة من زملائه، ليتم الكشف عن اول الاحجار. قسم منها كانت متضررة من الحرث، لانها كانت على مقربة من سطح الارض. عندما حفروا أعمق اكتشفوا الاعمدة الموضوعة على شكل حلقات. غير انهم لم يعثروا على بقايا طعام او منازل او حتى منحوتات طينية على شكل آلهة الخصب المعهودة، والتي جرى العثور على مثيلتها في مكان قريب ويعود الى العصر نفسه. لقد عثروا على دلائل على استخدام ادوات من نمط مطارق حجرية وسكاكين حجرية. وبفضل التحقق من الاشعة الكربونية أمكن تقدير عمر المكان الى ماقبل 9000 سنة.

احجار المعبد تشير الى ان انسان العصر الحجري كان بناء ماهرا. بدون ادوات حديدية تمكن من نحت عواميد من حجر الكلس ونقلهم، بضعة مئات الامتار، الى المكان المطلوب في أعلى الهضبة، ثم نصبهم عاموديا. بعد الانتهاء من بناء حلقة يجري تغطيتها بالركام ثم الانتقال الى بناء حلقة جديدة قربها او فوقها. في النتيجة، وعلى مدى بضعة مئات من السنوات، صارت لدينا هضبة من عدة طبقات من الحلقات الحجرية.

Gobekli Tepe

أقدم معبد في العالم

 

اليوم يقود شميدت فريق مؤلف من أكثر من ألف اركيلوجي الماني وخمسين عامل محلي وسيل لاينقطع من الطلاب المتحمسين. تجري الحفريات شهرين في الربيع وشهرين في الخريف، لان حرارة الصيف مرتفعة وفي الشتاء يغرق المكان بالامطار.

منذ عام 1998 قام الاركيوذولوجي الهولندي
Joris Peters, من جامعة لودفيع ماكسيميلان في ميونيخ بفحص أكثر من 100 الف قطعة عظام ،بقايا، جرى العثور عليها في الهضبة. على العظام جرى العثور على خدوش وكسور من آثار الذبح والتقطيع والطبخ.
60 بالمئة من هذه العظام للغزلان ولكن توجد ايضا عظام حيوانات برية اخرى مثل الخنزير البري والخروف والوعل. كما جرى العثور على عظام تعود للطيور مثل الاوز والبط والنسور. كل الادلة تشير الى ان الناس الذين تواردو الى هذا المكان كانوا من الصيادين وجامعي الثمار وليسوا مربي حيوانات داجنة او مزارعين مثلا.

غير ان هذا الواقع بالذات كشف لنا الامكانيات التي سمحت بحدوث التغييرات اللاحقة، وجعلت المنطقة رحم الحضارة. لقد كانوا في منطقة تعيش فيها الخرفان وبها انواع الحبوب البرية ، وكلها كانت مناسبة للتدجين، والناس انفسهم وصلوا الى مرحلة الابداع. في مناطق اخرى من المنطقة نفسها اكتشف الاركيلوجيون مستعمرات تدل على ان الناس امتلكوا خرفان مدجنة وبقر وخنازير اهلية، بعد الف سنة فقط من بناء معبد كوبيكلي طوبة. وفي قرى تعود الى ماقبل التاريخ، وتقع فقط على بعد 20 ميل عن الهضبة، عثر الخبراء على اثار جينية لاقدم أنواع الحنطة المدجنة، والقياسات الكربونية تعيد عمرها الى ماقبل 10,5 الف سنة.

هذه الاضاءات جعلت بالامكان اقتراح نظرية جديدة لنشوء الحضارة والاديان. لمدة طويلة كان الاعتقاد السائد بين الخبراء ان الانسان، بعد ان تعلم الزراعة وتدجين الحيوان والعيش في اماكن ثابتة، امتلك الوقت الكافي والموارد الاضافية لبناء المعابد التي وضعت الاسس لبناء مجتمع اكثر تعقيدا.

Gobekli Tepe

أقدم معبد في العالم

 

ضخامة مشروع كوبيكلي يعزز هذا الرأي. هذا الهيكل الضخم لم يكن بالامكان بناءه من صيادين وجامعي ثمار لم تكن تربطهم روابط قوية. ان يجري نحت ونقل ودفن حلقات من سبعة اطنان تحتاج الى بضعة مئات العمال، وجميعهم يحتاجون الى طعام وسكن. لهذا السبب من الطبيعي ان هذا ادى الى نشوء السكن الثابت قبل عشرة الاف سنة. ذلك يدلل على أن التغييرات الثقافية والاجتماعية جاءت اولا، وبعد ذلك جاء تغيير اساليب الانتاج، حسب تحليل الاركيلوجي Ian Hodder, من جامعة ستانفورد، وهو الذي قام بحفر مستعمرة من ماقبل التاريخ تبعد 300 ميل عن هضبة كوبيكلي. مجمل الادلة تؤكد ان هذه المنطقة هي رحم المدن والمجتمع المعقد.

مالذي دفع هؤلاء الناس الى نحت الحجر ونقله ودفنه، على شكل حلقات؟

 
في الواقع الخلفية الثقافية التي تفصلنا عن هؤلاء الناس لا قرار لها. على الرغم من وجودنا بين مخلفات هؤلاء الناس الا ان هذه المخلفات لاتنطق بهذه التفاصيل لنا. لقد جرى وضعهم من قبل اناس كانوا يرون العالم من زاوية مختلفة تماما، يستحيل علينا فهمها. لاتوجد مصادر يمكنها تفسير اسباب وجود هذه الاحجار على هذا الشكل. كان ذلك العصر 6000 سنة قبل اكتشاف الكتابة.


الفترة الزمنية التي تفصل بين كوبيكلي والالواح الطينية السومرية هي أكبر من الفترة الزمنية التي تفصل بيننا وبين السومريين. ومحاولة استخلاص معاني من رموز انتجتها رؤية العصر الحجري هو امر لامعنى له.

فقدان البرهان، الغير متوقع، على سكن الانسان قرب المعبد، هو حجة ضد المعتقدين بنشوء المدن اولا. من المدهش ان نقوشات اعمدة المعبد لاتعكس كائنات ممكن اكلها مثل الوعل والغزال والخنزير وانما كائنات مخيفة مثل الاسد والعناكب والعقارب والثعابين. الحضارات اللاحقة أهتمت بتصوير ماله علاقة بالزراعة والخصب. لذلك من المحتمل ان الصيادين وجامعي الثمار كانوا يطمحون الى التخلص من خوفهم وقلقهم، من خلال بناء معبد لمن يخافون منه. لذلك بنوا المعبد في مكان رزقهم، وهذا المعبد بدوره جعلهم مرتبطين بالارض ومنعهم من الانتقال والتنقل.


وتوجد في السعودية آثار معابد للإنسان البدائي مشابهة جدا من ناحية نمط الأعمدة الحجرية ربما رمز للذكورة والخصوبة، انظر (آثار ما قبل التاريخ وفجره في المملكة العربية السعودية)، تأليف د. محمد عبد النعيم، ترجمة عبد الرحيم محمد خبير، ولها صور في الكتاب المذكور، وهي تعود إلى ما قبل التاريخ والعصور الحجرية وليس فيها رسومات فنية كالتي في المعبد التركي الأكثر تمدنًا وتحضرًا. ويقول مقال آخر:

 

 

 

 

 

معبد غوبكلي تيبي_ ماذا يخبرنا المعبد الأوّل عن تاريخ الإنسان

أحد أعمدة معابد غوبكلي تيبي

* * *

بقلم طوني صغبيني

*

الاسم هو “غوبكلي تيبي”: أوّل مكان مقدّس في التاريخ، والمعبد-اللغز الذي يحوي بين حجارته أسرار نشوء الحضارة.

 *

أقدم مكان مقدّس في التاريخ

يُعتبر معبد غوبكلي تيبي في تركيا أهم اكتشاف أثري في عصرنا، حيث أنه يغيّر فهمنا للتاريخ البشري بشكل جذري. اكتُشف الموقع للمرة الأولى في العام 1994، لكنه أقدم من موقع ستونهنج البريطاني بستة آلاف عام، وهو يبقى اليوم لغزاً لا نمتلك تجاهه أجوبة كافية: لماذا، كيف ومن الذي بنى أضخم معبد ديني في فترة ما قبل التاريخ؟ السؤال لا يزال مفتوحاً بعد 15 عام من التنقيبات.

ما يزيد الأمر تعقيداً هو أن سكّان الموقع تركوه فجأة في الألف الثامن قبل الميلاد، ودفنوه تحت التراب في ما يبدو أنه عمل مقصود لحفظ المعابد للأجيال المستقبليّة.

يتألف موقع غوبكلي تيبي من 20 معبد دائري موجودين على قمّة جبل في الأناضول؛ تم التنقيب حالياً عن أربعة فقط من هذه المعابد فيما يبقى 16 تحت التراب. الموقع هو المعبد الأوّل الذي بناه الإنسان؛ حجارته جيريّة مزيّنة بمنقوشات تصوّر بالإضافة إلى الأشكال البشرية، رسوم تجريديّة لا نزال نجهل معناها، وحيوانات أسطورية وبرّية مثل الأسود، الثيران، الخنازير البرّية، الثعالب، الغزلان، الحمير، الأفاعي، العقارب، أنواع عدّة من الحشرات، وطيور متنوّعة يشكّل النسر أبرزها.

 

 

تصوّر لكيفية بناء المعابد

 

تقول الصورة أنهم كانوا عندما يقدم معبد يبنون آخر جديد، ويدفنون القديم تحت الرمل.

كل عمود من الحجارة يزن ما بين 20 و50 طن، ما يضع ستار آخر من اللغز حول عمليّة بناء أكبر مشروع إنساني خلال زمن ما قبل التاريخ. وفرة بقايا عظام الحيوانات البرية في الموقع تشير إلى أن الناس اللذين عاشوا فيه كانوا مجتمعات صيد وقطاف، أي لم يكونوا مجتمعاً زراعياً مستقراً ولم يكونوا قد دجّنوا بعد أي حيوان أو زرع. وبالنظر إلى غياب المجتمعات المستقرّة، الحيوانات المدجّنة، الأدوات المعدنيّة والدواليب (التي كلها لم يكن قد تمّ اختراعها بعد خلال فترة بناء غوبكلي تيبي)، إن المعابد الضخمة لغوبكلي تيبي هي إنجاز هائل لا يزال العلماء عاجزون عن فهمه بشكل كامل.

نحن لا نعرف اليوم من كانت العقول المخطّطة لغوبكلي تيبي، هويتهم مجهولة تماماً بالنسبة لعلم الأركيولوجيا. أما لماذا هويتهم مهمة، فهي لأننا لم نكن نعرف أن هكذا إنجاز ممكن في فترة ما قبل التاريخ في ظلّ غياب كل مقوّمات المجتمعات المستقرّة. في عالم مجتمعات القطاف-والصيد التي لا يتخطى أفرادها العشرات، كيف ولماذا اجتمع آلاف الأشخاص في مكان واحد، وامتلكوا ما يكفي من المعرفة والتصميم والموارد، لتحقيق مشروع بهذا الحجم؟ هذا السؤال هو أحد أكبر الحلقات المفقودة في تاريخنا البشري. من تأمّلوا الإجابات المحتملة، وصلوا إلى مكان لم يصل إليه العلم من قبل: الغريزة الروحية.

 *

الحضارة ولدت من غريزتنا الروحيّة

الأركيولوجي الألماني كلاوس شميدت الذي أشرف على التنقيبات في الموقع منذ عام 1995، اقترح نظرية راديكالية تقول أن الموقع كان أكبر مركز عبادة في العالم القديم ومكان حجّ ديني أتت إليه القبائل البدائية من كل مكان في الشرق، من المشرق جنوباً، إلى روسيا شرقاً، وشرق أوروبا شمالاً وغرباً.

يقول شميدت أن الموقع كان مركز الممارسات الشامانية في المنطقة حيث أن الحجارة تمثّل القوى الأسطورية للحيوانات والمخلوقات المصوّرة عليها والأسلاف. هنالك نظريات أخرى تقول أن الموقع كان مركز دفن. لكن النقوشات التي تمثّل أيادي في وضعيّة عبادة والنحوت التي تمثّل نساء عارية في وضعية صلاة، بشكل يحاكي منقوشات الإلهة الأم في وقت لاحق، تؤكّد بأن الموقع كان للعبادة ومرتبط على الأرجح بمعتقدات التجدّد الطبيعي والخصب الموجودة في ذلك الوقت.

لكن هنالك اكتشافات أخرى في الموقع قلبت فهمنا التقليدي لتاريخ الإنسان رأساً على عقب. يبدو أن الموقع أيضاً شهد ولادة الزراعة وتدجين الحيوان (حيث أن أقدم سلالة قمح مدجّن وجدت في مكان قريب بالإضافة إلى عظام حيوانات مدجّنة). يعتقد شميدت في هذه المسألة أن التنظيم الاجتماعي المطلوب لبناء هذه المعابد مشى جنباً إلى جنب مع تدجين القمح وبدء المحاولات الزراعية الأولى للجنس البشري. هذا الاكتشاف الذي يبدو بسيطاً للوهلة الأولى له في الواقع نتائج فكرية وتاريخية هائلة: هذا يعني أن الرغبة الروحية بالتواصل مع المقدّس كانت الشعلة التي أدّت إلى نشوء الحضارة (الحضارة بدأت مع نشوء الزراعة وتأسيس المدن)، وليس العكس كما كنّا نعتقد.

[يزعم البعض أنه:] قبل هذا الاكتشاف، كان العلماء يعتبرون بأن الدين نشأ بعد نشوء الحضارة؛ كانوا يعتقدون أن الناس تعلّموا الزراعة أولاً والعيش في مجتمعات مستقرّة، ثم بعد ذلك بفترة أصبح لديهم الوقت والامكانيات والموارد الكافية لإنشاء المعابد والتفكير بالأمور الروحية والماورائية. لكن اكتشاف غوبكلي تيبي يغيّر كل ذلك. الرغبة الروحية لدى شعوب ما قبل التاريخ كانت قوية لدرجة أنها جمعتهم سوية في أكبر مشروع للإنسان، ما أدى فيما بعد إلى نشوء الزراعة، الاستقرار، والحضارة. يعبّر شميدت عن ذلك بالقول: “المعبد أتى أولاً، ثم أتت المدينة”.

لكن الأمر لا ينتهي هنا. يقول إيان هودر، العالم الأركيولوجي الذي نقّب موقع كاتال هويوك (أحد أقدم المجتمعات البشرية المستقرّة ما قبل التاريخ)، حول غوبكلي تيبي أن هذا الاكتشاف “يعني أن التغيّرات الثقافية والاجتماعية تأتي أولاً، الزراعة تأتي لاحقاً”.

 

 

المنحوتات الصخرية على أعمدة غوبكلي تيبي

غوبكلي تيبي تخبرنا أمور كثيرة بالفعل، منها أن البعد الروحي للبشر موجود فيهم منذ الفجر الأوّل على هذه الأرض، وأنه أقوى بكثير مما كنا نعتقد سابقاً. هي تعلّمنا أيضاً بأن التغيّرات التي تحصل في وعينا البشري لها القدرة على إحداث تغيير هائل ودراماتيكي في الظروف المادّية لحياتنا، وهي أدّت في الماضي إلى تغيير وجه الكوكب بكل ما للكلمة من معنى.

من الأمور الأخرى التي يحكيها هذا المعبد هي وجود دين عالمي واحد في فترة ما قبل التاريخ، حيث أن الرموز الموجودة في غوبكلي تيبي موجودة أيضاً في كافة المواقع الأركيولوجية الأخرى الممتدة من فرنسا حتى أريحا. حول هذا الأمر تقول العالمة الأركيولوجية الفرنسية دانيا ستوردور، التي نقبّت المواقع الأثرية في تل أسود في سوريا: “تستطيع أن ترى أنها فعلاً الثقافة نفسها في هذه الأماكن”.

 

الدراسات المناخية تظهر بأن الأرض شهدت تغيّرات مناخية كبيرة منذ 12 ألف عام، مع نهاية العصر الجليدي الأخير. هذه التغيّرات أدّت إلى انحسار الكثير من الغابات والأنهار وتراجع أعداد الحيوانات البرّية، ما وضع معظم مجتمعات الصيد والقطاف حول العالم أمام خطر الاندثار والموت. حجم المعابد والرموز الموجودة في غوبكلي تيبي توحي إلى حدّ كبير بأن القبائل التي أتت إلى هذا المكان أنشأت المعابد في محاولة للتواصل مع العالم المقدّس لإيقاف التحوّل الدراماتيكي الذي يشهده عالمهم. الحيوانات المحفورة على الحجارة والطقوس التي مورست هناك قد يكون الهدف منها هو إعادة الأمور إلى سابق عهدها: عودة الحيوانات البرّية إلى الغابات والجبال، وعودة الثمار لتزيين الأشجار، لكي يتسنّى لشعوب ما قبل التاريخ أن تستأنف حياتها السابقة. اجتمعت القبائل على قمّة الجبل لتحول دون نهاية العالم القديم. لكن يبدو أن الظروف كانت أقوى من صلواتها.

مع الوقت، تحوّل المشروع المؤقت إلى مكان مستقرّ، وبدأت المحاولات الزراعية، رغم العمل الشاق التي تتطلّبها مقارنة مع الصيد والقطاف، تظهر على أنها بديل معقول عن تراجع المصادر الأخرى للغذاء. فقدان الأمل باستعادة العالم القديم ربّما كان هو السبب الذي دفع كهنة وسكّان غوبكلي تيبي لدفن المعابد تحت التراب لكي يكون ذلك درساً وعبرة للأجيال التي تجدها من بعدهم.

 

 

 

 

 

بعض الأشكال الوثنية الغريبة الرمزية التي لم يتوصل أحد لمغزاها عند البشر البدائيين عثر عليها في أقدم معبد معروف في التاريخ

 

 

 

من الأشكال الغريبة صخر قاموا بعمل ثقوب فيه لسبب غير معروف

 

تمثال لما يعرف بالإلهة الأم إلهة الخصوبة عند البدائيين مما قبل التاريخ

 

تمثال آخر للأم العظمى جالسة وعن يمينها وشمالها ثعلبين أو حيوانين ما

 

 

 

 

 

من تماثيل الحيوانات، ويقال أنها نوع من السحر بالرمز أن تجعل لهم الآلهة حيوانات كثيرة في الأرض كهذه

 

كتابة قديمة بالرموز وليس الحروف

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اهتمام حكومي تركي بتشجير المكان للسياحة كما يبدو

 

 

 

 

تماثيل برونزية على الأغلب لكائنات إلهية حسب تصورهم، فأحدهما له وجهان.

 

 

 

 

من أعجب الرسوم، امرأة تتبرز، ربما سحر مشاكلة بمعنى أن يكون للإنسان للطعام حتى يحتاج لهضمه وإخراجه

 

 

 

 

تمثال لرجل يصلي واضعًا يده اليمنى على اليسرى، من بقايا أقدم معبد مكتشف في العالم في تركيا، معبد غوبكلي تيبي Gobekli Tepe، نفس الوضعية نراها في التماثيل السومرية والبابلية والسبئية اليمنية الأثرية اللاحقة زمنيًّا، في المتاحف، وجاء الإسلام متبنيًّا ووراثًا للميراث الديني للشرق وتبنى هذه الوضعية.

 

لا يوجد إسلام قبل محمد، ولم يوجد في النصرانيين مسلمون

 

{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} آل عمران

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)} الصفّ

 

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} الحجّ

 

{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)} البقرة

 

لا يوجد أدنى دليل تاريخي ملموس على وجود مصطلح الإسلام وتقديس الكعبة كمزار لديانة توحيدية قبل دعوة محمد الدينية، تصور لنا نصوص القرآن والأحاديث دعاة (أنبياء) اليهود ورسل المسيحية الحواريين كمسلمين، لكن لا يوجد دليل على ذلك، وبطرس نفسه كبير الحواريين وسائرهم عمومًا منذ نشأة المسيحية اخترعوا ديانة تأليه يسوع، ثم انضم لهم بولس- شاول تاركًا اليهودية وكانت له ميول أممية ضد يهودية في فكره فابتدأ حسبما تنص الرسائل في الإنجيل بممارسة المسيحية اليهودية أو المتهودية التي كانوا يمارسون وفقًا لها التقاليد المعتادة كختنه لأحد الأتباع له تجنبًا لشر اليهود وكلامهم (أعمال الرسل 16) أو انضمامه لنذر النذراء اليهود للتعبد (أعمال الرسل 18: 18 وأعمال 21: 23- 24)، ثم عارض بطرس ومن معه ورأى تحرير المسيحية من الطقوس والقرابين والمحرمات اليهودية في العموم، ويبدو أن بطرس فيما يزعم سفر أعمال الرسل طاوعه في كثيرٍ من ذلك (أعمال الرسل 10 و11 و15)، وإن كانت توحي نصوص أخرى أنه تعارض معه (انظر مثلًا غلاطية2). يعتقد أن أفكار الخلاص عن طريق كفارة يقدمها شخص مقدس في الهيكل مستمدة من تقاليد يهودية أقدم حيث اعتقد اليهود في كتبهم التفسيرية والترجوميم أن المسيح المنتظر سيقدم كفارات في الهيكل للتكفير عن ذنوبهم، تطورت الفكرة أكثر عند مذهب اليهود الأسينيين أو أتباع ديانة مخطوطات قمران فنجد فيها أن شخصية قائدهم غير المعروف الذي قتله اليهود العاديون اعتُبِرَت مبرئة ومكفرة لهم بتقدمات القرابين من آثامهم، لكنهم لم يؤلهوا زعيمهم، الناظر إلى نصوص مخطوطات البحر الميت أي قمران سيجد فيها كثير من نفس الأفكار المسيحية حتى نفس تشبيه بولس للمسيح بكهنوت ملكي صادق ولعله اقتبسه منهم، وحتى أسلوب موعظة يسوع (التطويبات) لها نظائر كثيرة في تلك المخطوطات، فلعل أسلوب الإنجيل اقتُبِس منه، صُدِم أتباع يسوع لمقتله مثلما حدث مع الأسينيين القمرانيين قبلهم، لكنهم ادعوا أنه إله قُتِل للتكفير بموته عن خطايا البشرية، ككل ديانة وُجِدَتْ ديانات ومذاهب منشقة عن المسيحية لها تصورات متعددة متنوعة، لكن لا واحدة منها توافقت مع الإسلام، بعضها قال أن الابن أقل من الآب يعني يسوع أقل من الله الرب، لكنه ليس إنسانًا عاديًّا متساويًا مع البشر، بعضها اعترف أنه إنسان لكنه قال بخلاف الإسلام أنه ابن مريم ويوسف من حمل عاديّ، وبعضها رفض فكرة وعقيدة الصلب والفداء وقال أن المسيح ابن الله وتجلٍّ إلهيّ ولم يكن له جسد بل طيف خياليّ وهميّ وهم بعض مذاهب الغنوسيين. بعض مذاهب أخرى أقل تطرفًا للغنوسيين وأكثر توافقًا مع المسيحية العادية اعترفوا بكل عقائد المسيحية بما فيها الصلب والفداء لكنهم اعتبروا فيه رمزًا للتخلص من شرور الجسد وتخليص الروحاني من الجسدي على الصليب بمعنى عدم الاهتمام بحاجات ورغبات الجسد، ولعل من ضمن هؤلاء من سموا أنفسهم بالتوماويين المدعين أنهم أتباع توما وهؤلاء كانوا يحرمون الزواج والعلاقات الجنسية ويبشرون بعدم الزواج! كل هذه النصوص متاحة اليوم بالعربية والإنجليزية في ترجمات النصوص الأبوكريفية الغنوسية وفي الكتب التي تحدثت عن مذاهب الهرطقة ككتابات إرنايوس خاصة كتابه (ضد الهرطقات) Ante Nicene FathersWritings, part 1  وإبيفانوس the panarion of epiphanius of salamis وغيرهما وهي متاحة بالإنجليزية، وفي كتاب مجموعة الشرع الكنسي أو قوانين الكنيسة المسيحية الجامعة، جمع الأرشمنديت حنانيا إلياس كسّاب وهو بالعربية وفيه فهارس مفيدة للباحثين مع ضخامته وموسوعيته، وسائر الكتابات التاريخية، ولا يوجد شيء من هذه المذاهب متطابق بنسبة كبيرة مع الإسلام. كمثال:

 

...وادعى بولس الساموساطي بأن العذراء ولدت يسوع الإنسان ثم حلَّ عليه كلمة الله عند ولادته فصار إلهًا أي انه كان يؤمن بإنسان تأله وليس إلهًا تأنس. وعند آلامه فارقه كلمة الله، ونادى بأن للمسيح أقنومان، وهو يمثل ابنان لله أحدهما بالطبيعة (كلمة الله) والآخر بالتبني (يسوع) وأنكر بولس الساموساطي أقنومية شخص اللوغوس وشخص الروح القدس في الثالوث القدوس إنما هما مجرد قوى من قوى الله مثل قوى العقل والفكر بالنسبة للإنسان، وأدعى أن المسيح أخذ ينمو أدبيًا حتى تحرَّر من الخطية وهزم خطية أبائنا وصار مخلصًا لجنسنا، وقال أن اللوغوس سكن في المسيح بصورة أكبر من سكناه في أي نبي أو رسول آخر (تاريخ الكنيسة القبطية - القس منسى يوحنا ص 95) [عن موقع الأنبا تكلا من كتاب المجامع المسكونية والهرطقات - الأنبا بيشوي]

 

محتوى بدعة بولس السيموساطي

 

كان بولس السيموساطي يعلم بأن الله واحد ، أي أقنوم واحد ، وفي هذا الأقنوم يمكننا أن نميز بين اللوجوس والحكمة ، وهما عبارة عن صفتين وليسا أقنومين. خرج اللوجوس من الله أو انبثق منه منذ الأزل، وهو الذي كان يعمل في الأنبياء، وأيضاً في يسوع الذي وُلد من العذراء، أي أن يسوع إنسان مثلنا تماماً، مع أنه أعظم من موسى والأنبياء، ولكنه إنسان كامل، وقد حلّ اللوجوس في هذا الإنسان يسوع لذا لابد من التمييز بينه وبين يسوع. فاللوجوس أعظم من يسوع لأن يسوع بشري مثلنا، ويقول أن كلمة الإله حل فيه بعد ولدته من العذراء ونشط بعد حلول اللوجوس على يسوع وقت عماده وارتبط به برباط المحبة القوية. وبفضل رباط المحبة هذه استطاع يسوع أن ينتصر ليس فقط على الخطيئة بل أيضاً على خطيئة أجداده ، لذا أصبح فادياً ومخلصاً لأنه تمّم مشيئة الله بطريقة كاملة , وبسبب أتحاد الكلمة الإلهية بهذا النسان يمكن القول أن المسيح هو الإله وليس بمعناها الحقيقى , ونشأ عن هذه البدعة والهرطقة فكر آخر وهو أنه كان فى  المسيح  أقنومان وأبنان للأله أحدهما بالطبيعة والآخر بالتبنى , وبذلك أنضم غلى سابيليوس فى انكار الثالوث الأقدس بقوله يوجد إله واحد تحسبه الكتب المقدسة بالآب وأن حكمته زكلمته ليست اقنوماً بل أنها فى العقل الإلهى بمقام الفهم فى العقل الإنسانى .

 

تعاليم أريوس

لم تقتصر تعاليمه هذه على مدرسة واحدة، كما قال كثيرون – أى أنها لم تنطلق لا عن وحدانية الله الكتابية التي أعتنقها الأنطاكيون المتطرفون الذين أعتقدوا بأن الابن تهذب وتشكل بهبوط قوة إلهية مجردة على يسوع..، كما أنها لم تنطلق عن فكرة الوحدانية التي أعتنقها السكندريون المتطرفون الذين أعتقدوا بأن هذه الوحدانية الإلهية اتسعت لتحوى كل الموجودات الإلهية، بل هي نشأت عن فلسفة الوحدانية. وحيث أن أريوس كان موحداً متطرفاً فإنه أراد أن يؤكد أن الله كان واحداً وأنه في نفس الوقت متحول. أن حل وحدانية الله إنما سيعنى تمييز الله إلى أب وابن. أما حل التحول إنما سيكون بواسطة خليقة هذا العالم..

وبحسب اعتقاده، فإن الله واحد، غير مولود وحده، سرمدى وحده، ليس له بداية وحده. الحقيقى وحده، الذي له الخلود وحده. وبجانب الله، لا يوجد كائن آخر.. ولكن عن طريقه توجد قوة عامة (لا شخصية) هي "الحكمة والكلمة".. وهذه التعاليم مأخوذة عن "الوحدانية المقتدرة" التي لبولس الساموساطى. ولكن فكره اللاهوتى يوضح اعتماداً أكثر على "المدافعين". وتأثيرات "الغنوسيين". فيما أن الله كان واحداً فهو لم يكن أباً "الله لم يكن دائماً أباً. أما فيما بعد فقد صار أباً".

ولقد صار الله أباً عندما أراد أن يخلق العالم. عندئذ خلق كائناً واحداً. هذا الكائن أسماه الابن، ويسمى استعاريا الكلمة أو الحكمة.

إذن فحسب تعاليم أريوس توجد حكمتان:

1 قوة الله الواحدة العامة.

2 وكائن إلهى ذاتى واحد. وهذا الكائن هو الحكمة الثانية الذي جاء إلى الوجود من العدم. ومن ثم فهو مخلوق. إذ يقول "كلمة الله ذاته خلق من العدم.. وكان هناك وقت ما حينما لم يكن موجوداً. وقبل أن يصير لم يكن موجوداً.. بل أنه هو نفسه أول الخليقة لأنه صار" ويقول أيضاً "الله وحده كان وحده دون أن يكون هناك الكلمة والحكمة.. ومن بعد ذلك عندما أراد أن يخلقنا عندئذ بالضبط خلق شخصاً وهو الذي دعاه الكلمة والابن، وذلك كى يخلقنا بواسطته". ولكى يؤيد تعاليمه استخدم نصاً خاصاً اقتبسه من سفر الأمثال: "الرب أقامنى أول طرقه.." (أم22:8)، وكان أوريجانوس من قبل قد تحدث عن "خضوع الابن"، كما تحدث عن "ميلاد الكلمة الأزلى" وهنا أخذ أريوس الجزء الأول فقط من تعايم أوريجانوس، وذلك عندما أضطر فيما بعد أن يقر "بالميلاد قبل الدهور" مفسراً ذلك بأنه يعنى فقط الزمن الذي سبق خلقه العالم.

فعند أريوس. يبدأ هذا العالم بخلق الابن، عندما بدأ الزمن أيضاً أن يوجد.. والابن هو المولود الأول ومهندس الخليقة.. ومن المستحيل عنده أن يعتبر الابن إله كامل. ويعتبر أن معرفته محدودة لأ، ه لا يرى الآب ولا يعرفه.. والأمر الأكثر أهمية أنه يمكن أن يتحول ويتغير كما يتحول ويتغير البشر.. "وبحسب الطبيعة فإنه مثل جميع الكائنات، هكذا أيضاً الكلمة ذاته قابل للتغيير والتحويل ولكن بنفس أرادته المطلقة، طالما أنه يرغب في أن يبقى صالحاً.. حينئذ عندما يريد فإنه في استطاعته هو أيضاً أن يتحول مثلنا، حيث أن طبيعته قابلة للتغير".

أن بولس الساموساطى استعمل اصطلاح "القدرة على الاكتمال الذي أتخذ منه أريوس كل تعبيراته.. وفقاً لتعليمه وهو أن المسيح هو ظهور بسيط للكلمة في إنسان. ومن ناحية أخرى فهو يعتبر إنسان كامل فقط وليس إله كامل.. وبالتالى فإن الأبن يمكن أن يدعى الله استعارياً فقط. وهو نفس الاسم الذي يمكن أن يدعى به البسطاء من الناس أيضاً حينما يصلون إلى درجة كاملة من الروحانية والأخلاق.. وهنا يتضح كل تعليم هرطقة "التبنى Adoptionism" عن المسيح.

النتيجة الأولى لهذا التعليم:

هو أن الإيمان بالثالوث يتلاشى ويذوب.. بالطبع تحدث أريوس أيضاً عن الثالوث إلا أنه اعتبره أنه قد صدر متأخراً ولم يكن أصلياً وأزلياً. لأنه وفقاص لتعليمه فإن الآب وحده كان إلهاً أزلياً.

أما النتيجة الثانية:

فهى أن الحياة الجديدة للإنسان التي صيغت كنتيجة لتأنس الكلمة، لا تتكون نتيجة تأليه بل بواسطة سمو روحى وأخلاقى.. وبهذا يتمكن أى شخص أن يقول أن هذا الموقف قد اقتبسه أريوس من المدافعين الذين وفقاً للتقاليد نشؤوا من مدارس فلسفية. وكانوا قد أتخذوا موقفاً مماثلاً عن الحياة الجديدة.... [ عن مقال الآريوسية للبروفسور ب. ك خريستو أستاذ الآباء بجامعة تسالونيكى باليونان، مترجم]

 

بدعة سبليوس :

أعتقد أن الإله هو أقنوم واحدً ظهر فى ثلاثة أشكال للأب والأبن والروح القدس وليس ثلاثة أقانيم أو أحوال : حال الآب، وحال الابن، وحال الروح القدس , وكان يبحث عن وحدانية الإله ورأى أن هذه الوحدانية لا تتفق مع وجود ثلاث أقانيم. فالتمييز في الإله ليس بين أقانيم بل بين أحوال وأشكال ثلاثة اتخذها الإله الواحد في الزمن. لذلك نستطيع أن نخلع عليه ثلاثة أسماء، فندعوه تارة الآب لأنه مبدأ الكون وخالقه، وتارة الابن لأنه تجسّد وصار إنساناً، وتارة الروح القدس لأنه يملأنا بحضوره

 

عقيدة الأبيونيين

 

الأبيونيون  Ebionites  أعتقدوا أن المسيح ليس إلا ابنًا ليوسف من مريم , إلا أن هذا التصور قد وجد معارضة شديدة من خارج هذه الجماعة وفى داخلها أيضاً حيث انقسمت هذه الطائفة  إلى عدة طوائف كل منها له معتقده ولكن يطلق عليها اسما واحدا وهو الأبيونيين الذى يعنى (الفقراء(

 

[أضيف على ذلك_لؤي]ووجدت من قراءة مادة Ebionites  في كتاب Dictionary of , heresies, ecclesiastical parties, by John Henry Blunt, page 139, 1874   أنهم كانوا طائفتين؛ إحداهما أنكرت ألوهية يسوع وقالت أنه وُلِد ميلادًا عاديًّا من يوسف ومريم، وقالوا أنه أعظم من سائر الأنبياء بفضائله وسموه، وكان لهم إنجيل العبرانيين.

 

أما الطائفة الأخرى فاعتقدوا بالميلاد العذري له، ولم يعتقدوا بوجوده المسبق (يعتقدون بتأله ناسوته بحلول روح القدس عليه إذن كما قد أستنتج أو أنه منبثق لاحقًا من الله الأب)، وكانوا يمارسون الأعراف والشرائع اليهودية كالختان والسبت وقرابين الهيكل والأعياد ليهودية مثلهم مثل الطائفة الأخرى، لكنهم علاوة على ذلك كانوا يحتفلون كالمسيحيين بذكرى القيامة (المزعومة)، بالتالي اعتقدوا بعقيدة الصلب والفداء المسيحية، وكان لهم إنجيل متى العبراني.

 

كما نرى لا تطابق تام مع أفكار وعقائد الإسلام، هذه بعض النماذج. هل يُعقَل أنه لا توجد وثيقة واحدة أو أثر تاريخي للمسلمين الموحدين المزعمين قبل محمد؟!

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} البقرة

 

لا توجد ولو حتى قصاصة ورقية أو قطعة بردي أو نقش على حجر يذكر أي مسلمين أو إسلام قبل محمد، فكرة الإسلام اخترعها محمد من الاقتبس مما سبقه من أديان خرافية أخرى كاليهودية والمسيحية وتقاليد العرب الوثنيين والزردشتية وووضوء الصابئة. الشخصيات الإسرائيلية الأسطورية المذكورة كانوا_إن وُجدوا_ إما وثنيين تفريديين قالوا بأن الإله يهوه أعلى وأعظم من غيره مع الاعتراف بوجود آلهة خرافية غيره، انظر مثلًا:

 

(11مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي الْقَدَاسَةِ، مَخُوفًا بِالتَّسَابِيحِ، صَانِعًا عَجَائِبَ؟) الخروج15: 11

 

(10هذَا لَهُمْ عِوَضُ تَكَبُّرِهِمْ، لأَنَّهُمْ عَيَّرُوا وَتَعَظَّمُوا عَلَى شَعْبِ رَبِّ الْجُنُودِ. 11الرَّبُّ مُخِيفٌ إِلَيْهِمْ، لأَنَّهُ يُهْزِلُ جَمِيعَ آلِهَةِ الأَرْضِ، فَسَيَسْجُدُ لَهُ النَّاسُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ، كُلُّ جَزَائِرِ الأُمَمِ.) صفنيا2: 10-11

 

أو أنهم أو بعضهم اعتقدوا به كإله واحد لا أحد معه كنظير له، موحدين فقط دون اسم لديانتهم، (هذا ليس وضعًا غريبًا، لم يكن لديانات مصر والعراق والشام القديمة اسم، الهندوس لم يكن لدينهم اسم، كانوا أحيانًا يسمونه قبل مولد بودا جوتاما باسم ذارما أي القانون أو الشرع، بعد ظهور البودية والجاينية أسموه بالهندوسية)، ومن جاؤوا بعد وضع الملك يوشيًّا وكهنته للتوراة (وليس موسى الخرافي الذي لا دليل عليه من التاريخ) فإن من بعدهم هم اليهود أتباع الديانة اليهودية كما نعرفها، تشريع اليهودية وتصوراتها اللاهوتية تختلف جذريًّا مع الإسلام في كثير من الأمور، وإن اتفقت مع الإسلام في التوحيد وكثير من الأفكار والتصورات كذلك، لكن حتمًا من يطالع نصوصهم القديمة حتى من مخطوطات قمران التي تعود إلى ما بين القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الأول بعده، يجد أنها ديانة مختلفة تمامًا في أساسها وليست إسلامًا محرّفًا معدّلًا كما ادّعى محمد. في الحقيقة الإسلام هو الذي يكون يهودية محرّفة، لو أنصفنا واتبعنا حقائق الأمور، من واقع دراسة كتاب اليهود وقرآن المسلمين وأحاديثهم المحمدية. أما لو تكلمنا عن أصل اليهودية نفسها فمن خلال الأدلة من دراسة نصوصها ونصوص ما قبلها من أديان فقد أخذت من المصرية القديمة تحريم الخنزير وربما توحيد إخناتون وبعض حكمة المصريين، ومن العراق القديم خرافة الطوفان وخلق الإنسان من طين وخلق الكون وأساطير أخرى مع تعديلها طبعًا، ومن الزردشتية عقيدة وجود الجنة والجحيم والشيطان، ومن كنعان فلسطين بعض الأساليب الشعرية الدينية وتصورهم للإله اليهودي كإله أمطار وسحاب كالإله بعل الفلسطيني الشامي، ووُجدَ أثر ليهوه إله اليهود على شكل ثور ونقش كتابة ذُكِر فيه الإله يهوه وعشيرته (زوجته الإلهة عشيرة وهي إلهة كنعانية) مما يؤكد أن أصل اليهودية كان وثنية ثم تحولت إلى التفريد ثم التوحيد، ليصير يهوه كرمز قومي وطوطم على شكل إله وتشريعات وتقاليد وتابوهات.

 

خرافة تحريف كتاب اليهود والعهد الجديد المسيحي (الإنجيل)

 

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)} البقرة

 

{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)} المائدة

 

{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنْجِيلِ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} المائدة

 

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)} المائدة

 

لا يوجد تحريف بالمعنى الذي يقوله ويقصده القرآن، يعني تغيير ملة وعقيدة إلى أخرى تمامًا، أو تخبئة نبوات مزعومة عن محمد، نعم هناك تعدد واختلاف بين مخطوطات كتاب اليهود لوجود عدة تنقيحات له ولأنه_ كقرآن عثمان_كان بدون تشكيل ولا نقط، لذلك توجد قراآت عديدة لكلمات كتاب اليهود. يمكن باطمئنان أن نقول أن ادعاآت محمد كاذبة، لا تختلف أقدم مخطوطات كمخطوطات قمران الأردنية كثيرًا عما هي عليه نسخ ترجمات وأصول كتاب اليهود اليوم وفي العصور التي قبل الآن، الاختلاف في التنقيحات والترجمات والقراآت. لكن الدين والطقوس والمعتقدات واحدة. وبالنسبة لنص القرآن في نصوص أخرى على تحريف الأناجيل فلا يوجد بمعنى تحويلها من إسلام توحيدي إلى مسيحية تثليثية، نعم توجد نسخ وتنوعات مختلفة للقراءة variants ونصوص لا توجد في نسخ أخرى نُقِّحت أو أضيفت كتعديلات، لبناء خرافة المسيحية، لكن هذا هو حال كل دين في تطوره واختلاف نسخة ونصوصه، لكن ليس إلى درجة المعنى الذي زعمه محمد. لم يكن يهود قمران (الأسينيون) يعرفون أي شيء عن المستقبل ومولد محمد لاحقًا ليدعي نبوة خرافية مقلدًا خرافات اليهود والمسيحيين، وأنه سيبرر بها قتل ونهب الكتابيين أنفسهم، لا يوجد لهم مبرر أو دافع ليزيلوا نصوصًا مما يزعم محمد وجودها عنه في كتبهم، وكل مخطوطات قمران ليس بها كلمة واحدة عن محمد. لم نجد نصًّا لتوارة تنفي شرائع السبت أو تقول بتقديس مكة والكعبة مثلًا كما زعم محمد.

 

{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)} النساء

 

ذات التعليق، وأساليب اللعن والشتيمة كان أسلوب محمد غير المهذّب المعتاد ضد معارضيه وناقديه.

 

تشبيه جذع يسّى ليس في الإنجيل، بل في كتاب اليهود، وهو ليس عن محمد

 

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} الفتح

 

تعاليم عنف إرهابية عداونية واضحة لا شك فيها، تقسم البشر إلى مؤمنين وغير مؤمنين، ومهمة أصحاب الإيمان الأعمى المتعصب (الإسلام) هي قتل كل من هو مختلف عنهم من وثنيين، وممارسة القهر والعنصرية والعنف وفرض الجزية والإتاوة على أهل الكتاب وأشباه أهل الكتاب من مجوس وصابئة. وقتلهم لو لم يستسلموا وسبي نسائهم وهدم معابدهم والاستيلاء على بيوتهم وأراضيهم وأملاكهم.

 

وبالنسبة للنص الأول الذي زعم محمد وجوده بشكل ما في التوراة فكلام عامّ جدًّا، لا يمكن الاستلال على أي نص قصده لننتقد استشهاده بأنه منطبق عليه وإشارة له كمباركة لإرهابه وإجرامه من الله بزعمه، أم النص الذي زعم أنه من الإنجيل، فيلوح لي أن أخطأ، لأن هذا النص ليس في الإنجيل، بل هو في كتاب اليهود في سِفْر إشعيا، ولعل سبب الخلط أن المسيحيين كانوا ولا يزالون يسمون أحيانًا كل الكتاب المقدس بقسميه العهد القديم أو كتاب اليهود والقسم المسيحي العهد الجديد باسم (الإنجيل).

 

(1وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، 2وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. 3وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، 4بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. 5وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ.

6فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. 7وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا. 8وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ. 9لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. 10وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا.

11وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ السَّيِّدَ يُعِيدُ يَدَهُ ثَانِيَةً لِيَقْتَنِيَ بَقِيَّةَ شَعْبِهِ، الَّتِي بَقِيَتْ، مِنْ أَشُّورَ، وَمِنْ مِصْرَ، وَمِنْ فَتْرُوسَ، وَمِنْ كُوشَ، وَمِنْ عِيلاَمَ، وَمِنْ شِنْعَارَ، وَمِنْ حَمَاةَ، وَمِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ. 12وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ، وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ، وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ الأَرْضِ. 13فَيَزُولُ حَسَدُ أَفْرَايِمَ، وَيَنْقَرِضُ الْمُضَايِقُونَ مِنْ يَهُوذَا. أَفْرَايِمُ لاَ يَحْسِدُ يَهُوذَا، وَيَهُوذَا لاَ يُضَايِقُ أَفْرَايِمَ. 14وَيَنْقَضَّانِ عَلَى أَكْتَافِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ غَرْبًا، وَيَنْهَبُونَ بَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا. يَكُونُ عَلَى أَدُومَ وَمُوآبَ امْتِدَادُ يَدِهِمَا، وَبَنُو عَمُّونَ فِي طَاعَتِهِمَا.) من إشعيا 11

 

هذه نبوءة خرافية عن أحلام اليهود القدماء برد سبيهم من بابل فيما قبل الميلاد، وأن تعود دولتهم من جديد في فلسطين، وأن يقوم شخص من نسل داوود الذي كان من نسل يسّى كداوود جديد يقودهم عسكريًّا، وأن ينهبوا بطريقة البدو الهمج الشعوب الأخرى، كمحمد وأسلوبه بالضبط، اختلف المؤرخون هل العابيرو أو الخابيرو البدو النهابين القدماء المذكورين في برديات قدماء المصريين هم أنفسهم اليهود العبرانيون أم لا، وربما كان اليهود جزءً منهم أو من أقاربهم أو هم أنفسهم، يقول معجم المحيط الجامع في الكتاب المقدس وشعوب الشرق القديم:

 

دلّت هذه الكلمة حتى القرن الثاني عشر [قبل الميلاد] على هامشيّي المجتمعات القبلية والمدنيّة وبقايا المجتمعات البدوية المفككة. اجتمعوا في [جماعات] فقاموا باعمال السلب والنهب في أوقات السلم وجعلوا نفوسهم مرتزقة في أيام الحرب. نجدهم في كل الشرق الأوسط القديم : في بلاد الرافدين، في الاناضول، في مصر، ولكن بالاخص في سورية وفلسطين. هناك من ربط بين عابيرو وعابير ابو (في النصوص البابلية) وعبري (في النصوص التوراتية).

 

ويقول وليم وهبة في دائرة المعارف الكتابية:

 

ولكن إلى جانب أن إبراهيم كان من نسل " عابر "  لعله لُقِّب " بالعبراني " لسبب آخر ، إذ أن السجلات المسمارية من الألف الثانية قبل الميلاد تشير إلى فئة من الشعوب المهاجرة باسم " هابيرو أو حابيرى ، أو عابيرو " . وترجع هذه الإشارة إلى زمن " وارد  - سن " " وريم سن " من الأسرة العيلامية ( حوالي 1800 ق.م.) كما أن مراسلات مملكة " مارى " ( على نهر الفرات ) تتكلم عن وجود عدو من 2.000 جندي من " الهابيرو " بقيادة شخص اسمه " بابا هدد " . كما أن الوثائق الحثية والبابلية تذكرهم بأنهم كانوا يحصلون على جرايات منتظمة من الدولة . كما اكتشف لوح في " نوزي " ( إلى الشرق من أشور ) يرجع إلى نحو 1500 ق . م. يذكر شخصاً من  " الهابيرو " من أشور ، اسمه " ماراديجلات " ( أى ابن الدجلة ) ، كان عبداً متطوعاً لأحد أرباب البيوتات . كما يذكر لوح آخر امرأة من " الهابيرو " اسمها " سن بالطي " ( أي " الإلاهة الأم هي حياتي" ) كانت جارية لامرأة اسمها " تهب تِلاَّ "

وهذه الأسماء هي أسماء وثنية تماماً ، وليس فيها بكل تأكيد من كان له علاقة بعائلة إبراهيم . ومن ثم لا يمكن القول بأنهم كانوا من " العبرانيين "  بالمعنى الكتابى . وينطبق نفس الشيء على " الحابيرى " في شمالي سورية ، الذين شغلوا مراكز ذات شأن في الحكومة .

وهناك مشكلة أخرى تثيرها رسائل تل العمارنة ، حيث توجد بها مجموعة من الرسائل موجهة إلى أمنحتب الثالث وإلى أمنحتب الرابع ( أخناتون ) في أيام الأسرة الثامنة عشرة ( حوالي 1400 1300 ق . م. ) ، إذ يشكو " عبدو حيبا " ملك أورشليم من أن الغزاة من " الهابيرى " يغزون " بلاد الملك " ( أي الأراضي التي يتولى إدارتها من قِبَل مصر ) . وهناك العديد من الإشارات إلى أولئك الغزاة من حكام كنعانيين آخرين من شمالي سورية وفينيقية ( وبخاصة بيبلوس ) . وبينما لا يذكر سفر يشوع قيامة بأي عمليات حربية في تلك الأصقاع الشمالية ، إلا أنه ليس فيه أيضاً ما يمنع افتراض أن الأسباط الشمالية ( مثل أشير ونفتالي ) بعد أن استولوا على أنصبتهم ( يش 19 ) أرسلوا قواتهم إلى الأراضي الفنيقية المجاورة لهم .

ومما يستلفت النظر أنه لا يوجد في رسائل تل العمارنة ، أي رسائل من المدن التي وقعت في يد بني إسرائيل في بداية دخولهم الأرض مثل : أريحا وعاي وبيت إيل وجبعون ، بل جاءت معظم الرسائل من المدن التي لم يستولى عليها بنو إسرائيل إلا مؤخراً ، مثل مجدو وأشقلون وعكا وجازر وأورشليم أما شكيم التي وقف بالقرب منها بنو إسرائيل- بين جبلي عيبال وجرزيم ليؤكدوا عهدهم أمام الرب فإن " عبدو حيبا " يشكو من أن " لا بايو " ملك شكيم قد انحاز إلى جانب " العابيرو " .

وفي ضوء كل ذلك ، يبدو أن كلمة "  حابيرو " أو " عابيرو " مشتقة من كلمة " عبر " فكانت تُطلق على الشعوب التي " عبرت " الحدود ، مثل البدو الرحل ، أو عمال التراحيل ، بغض النظر عن الأصل أو الجنس الذي ينتمون إليه . فباعتبار  إبراهيم مهاجرا من أور وحاران ، كان الكنعانيون يرون أنه ينطبق عليه وصف " العابيرو " أي " العابر " أو المهاجر . ومن المفروض أن نسله ورث هذا اللقب جيلا بعد جيل ، حتى في أثناء إقامتهم في أرض مصر   ( انظر خر 1 : 15 و 16 ،2 : 6 و7و12و13 ، 3 : 18 ، 5: 3 ، 7 : 16 ، 9 : 1 و13 ، 10 : 3 0000إلخ ) وبعد دخولهم ‘إلى أرض كنعان ( 1صم 4 : 6 و9 0إلخ ) .

وتبدأ الإشارة في النقوش المصرية إلى " العابيرو " في حكم تحتمس الثالث ( 1504 1450 .ق.م. ) ، كما يشهد بذلك قبرا بيومر وأنتيف ( اللذين كانا من كبار الموظفين في عهده ) ، ثم عمود منف من عهد ابنه أمنحتب الثاني ، الذي يقول إنه أسر من " العابيرو " 3.600 في الحرب . كما تقابل سيتي الأول مع " العابيرو "  في يرموت ( حوالي 1310 ق.م. ) . وكرس رمسيس الثالث أسرى من " العابيرو " لخدمة معبد آمون في عين شمس . بينما يذكر رمسيس الرابع أنه كان في جيشه 800 من رماة السهام بالقسي من " العابيرو " مما يعني أنهم من الجيوش المرتزقة . ولا يمكن فهم هذه الإشارات الواردة في النقوش المصرية إلا على أساس أنها تشير إلى أقوام مهاجرين في كنعان ، أكثر مما تشير إلى العبرانيين ( بني إسرائيل ) بصورة خاصة .

وكما سبق القول ، كان يطلق لقب " العبرانيين " على بني إسرائيل طوال زمن إقامتهم في مصر ، فيقول موسى عن الله ، " إله العبرانيين " ( خر 5 : 3 ، 7 : 16 ، 9 : 1 و 13 ، 10 : 3 ) . كما نصت الشريعة على أن " العبد العبراني " يجب أن يعامل معاملة طيبة ، ويطلق حُراً في السنة السابعة ( تث 15 : 12 ، انظر إرميا 34 : 9 ) . كما أن الفلسطينيين في أواخر أيام القضاة أطلقوا على بني إسرائيل " العبرانيين " ، ربما كنوع من التحفيز ( 1 صم 4 : 6و9، 14 : 11  ، 29 : 3 ) . وبعد انقسام مملكة سليمان إلى : مملكة إسرائيل ( في الشمال ) ، ومملكة يهوذا ( في الجنوب ) ، في نحو 930 ق.م. ، كان بنو إسرائيل يطلقون هذا اللقب على أنفسهم ، عند اتصالهم بالأمم الأخرى ، فيقول يونان النبي مثلاً للنوتية : أنا عبراني ، " وأنا خائف من الرب ، إله السماء الذي صنع البحر والبر " ( يونان 1 : 9).

 

وهو نفس أسلوب الآرييين البدو الذين أسسوا الهندوسية بعد اجتياح الهند وتحطيم وتدمير حيوات السكان الأصليين الدراﭬيديين السود البشر، انظر Aum Beep Beep, Lifting the Lid on Hinduism, by BY Vipul Trivedi ، ويبدو أنها كانت سنة التاريخ القديم أن يهزم بدو همج المزارعين المتحضرين المسالمين أغلب الأحيان، لكن مع تقدم العلم وكونه أصبح جزءً من معادلة القوة العسكرية أعتقد أنه لم يعد ممكنًا للهمجية البدوية الوحشية أن تهزم الحضارة مرة أخرى، لكن ليحذر أصحاب الحضارت، لأن الهمج سيحاولون الحصول على قوة الأسلحة الحديثة التي أنتجتها الحضارة والعلوم كغش في اللعبة والتفاف.

 

 

 

مزامير داوود لم تكن مقدسة كوحي في الأصل

 

{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)} النساء

 

لم يدعِّ داوود وسائر كتبة سفر المزامير أنه وحي، اليهود حافظوا على سفر المزامير كتسابيح وذكر ومديح واستغفار لله الخرافي، لم يُذكَر داوود في كتاب اليهود كرسول ونبيّ، بل فقط كوليّ من الأولياء (وانظر حديث موسى بن ميمون في دلالة الحائرين عن مراتب النبوة الخرافية ص433 من الترجمة العربية، مراتب النبوة، المرتبة الأولى: أول مراتب النبوة أن تصحب الشخص معونة إلهية تحركه وتنشطه لعمل صالح عظيم ذي قدر، مثل تخليص جماعة فضلاء من جماعة أشرار، أو تخليص فاضل كبير، أو إفاضة خير على قوم كثيرين. ويجد من نفسه لذلك محركا وداعيا للعمل. وهذه تتسمى روح الله. ولشخص الذي تصحبه هذه الحلة يقال عنه أنه: حلت عليه روح الرب أو لبسه روح الرب...إلخ وهكذا صحبت داوود مثل هذه القوة منذ مسح بمسح الزيت، كما جاء النص: فحل روح الرب على داوود من ذلك اليوم فصاعدًا..... ومثل هذه الروح الإلهية لم تُنطِق أحدًا من هؤلاء بشيء بل غاية هذه القوة أن تحرك ذلك المؤيَّد لفعل ما، وليس لأي فعل اتفق، إلا لنصرة  مظلوم..إلخ)، وهؤلاء كان يأتيهم حسب خرافات الكتاب اليهودي وحي بأمور دنيوية أحيانًا، وذُكِر عن داوود مرات قليلة في الأسفار التاريخية من كتاب اليهود أن جاءه وحي لدعمه في معارك مع الفلسطينيين حسب الخرافات، لم يعتقد قدماء اليهود بسفر المزامير والأسفار التاريخية وسفر الجامعة والأمثال ونشيد الأنشاد المنسوبين لسليمان كوحي إلهي، بل كتراث ديني وأدبي يهودي فقط، اللاحقون فقط في عصور متأخرة من القرن الثالث الميلادي اعتبروها نصوصًا مقدّسة وأدخلوها في قصص الهاجادة بتفسيرات أسطورية (انظر بحثي أصول أساطير الإسلام من الهاجادة وأبوكريفا العهد القديم)، وموسى بن ميمون وضع داوود في المرتبة الثانية من النبوة والوحي، واتخذها المسيحيون كصلوات (الأجبية) وكوحي ونبوات مزعومة عن مسيحهم بزعمهم (راجع بحثي في كتاب تفنيد البشارات المزعومة بمحمد ويسوع). ، وبالنسبة لداوود فبمراجعة مادة الأنبياء والنبوة Prophets and Prophecy في الموسوعة اليهودية The Jewish encyclopedia لا نجد حرفًا عن نبوة أو رسالة لداوود، بل تذكر أنه كان يراقبه عن كثب النبيان ناثان و جاد، وفي قصة خطيئة داوود مع زوجة أوريّا الحثّيّ كما في كتاب اليهود كما نعلم كان من وبّخه هو النبي ناثان وحسب الخرافة نقل له كلام الله التوبيخيّ، لهذا في القرآن حذف محمد قصة قدوم ناثان وجعلهم {الذين تسوروا المحراب} لأن نبيًّا من الله لن يحتاج نبيًّا آخر لنقل كلام الله له حسب منطق الأساطير (قارن تبليغ ناثان وجاد للوحي الخرافي إلى داوود في كتاب اليهود: ، صموئيل الأول 2: 5، صموئيل الثاني12، 7: 1-17، 24: 11- 13، أخبار الأيام الأول17، و29: 29)، نفس الأمر تقوله عن سليمان فكان يراقبه ويرشده أخيا النبيّ من شيلوه كما في كتاب اليهود (الملوك الأول11: 29-30، 12: 15، وأخبار الأيام الأول10: 15). وفي مادة داوود David / موضوع داوود يُمسَح [بالزيت] كملك David anoited as a king، من نفس الموسوعة ورد فقط من كتابات الهاجاديات والمؤرخ يوسيفوس فكرة أن داوود بمسحه بالزيت لمقدس كملك اكتسب النبوة كذلك فحسده حاسدون عليها. وبمراجعة المحيط الجامع في الكتاب المقدس وشعوب الشرق القديم، مادة داود لا يرد فيها حرف واحد عن نبوة لدواود. وبعض المزامير كتبها مرنمون ومغنون موسيقيون غير داوود، ما يؤكد طبيعتها كتراث ديني وليست وحيًا مزعومًا، وتقول دائرة المعارف الكتابية لوليم وهبة/ مادة مزمور- مزامير:

 

ومن المزامير الباقية التي تذكر عناوينها اسم كاتبها، فإن الثلاثة والعشرين مزموراً المنسوبة للمغنين في إسرائيل (بني قورح وبني آساف) تبدي خلفيات مختلفة، حيث استمرت عشائر المغنين من اللاويين في عملهم حتي إلي ما بعد السبي: "المغنون بنو آساف مائة وثمانية وعشرةن" (عز 2: 14). وينتمي معظم هذه المزامير إلي فترة حكم داود وسليمان. والمزمور الثالث والثمانون يتلاءم مع خدمة يحزئيل بن زكريا من بني آساف في 852 ق.م. (قارن مز 83: 5- 8 مع 2 أخ 20: 1, 2, 14). بينما ينسب مزمور 74، ومزمور 79، والفقرات الختامية للمزمورين 88, 89 إلي بني آساف وبني قورح الذي يبدو أنهم عاشوا إلي ما بعد خراب أورشليم في 586 ق.م.: "اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك. نجسوا هيكل قدسك. جعلوا اورشليم أكواماً" (مز 79: 1، انظر 74: 3, 8, 9، 89: 44).

ب- تاريخ كتابة المزامير: ترجع بعض المزامير الخالية من العناوين والتي لا يُعرف كاتبوها إلي فترة السبي: "علي أنهار بابل هناك جلسنا…." (مز 137: 1) أو إلي وقت الرجوع إلي أرض يهوذا في 537 ق.م. مثل: "ليقل مفديو الرب الذين فداهم من يد العدو، ومن البلدان جمعهم من المشرق ومن المغرب، من الشمال ومن البحر" "مز 107: 2, 3)، و "عندما رد الرب سبي صهيون" (مز 126: 1)،أو في فترة إعادة بناء أسوار أورشليم علي يد نحميا في 444 ق.م.: "لأنه قد شدد عوارض أبوابك. بارك أبناءك داخلك" ( مز 147: 13).

أما المزامير الأخري التي تصور وقوع مأساة، فيمكن أن ترتبط بفترات الاضطرابات مثل ثورة أبشالوم أو ما شابة ذلك من المصائب التي واجهت داود: "أنت تقوم وترحم صهيون، لأنه وقت الرأفة، لأنه جاء الميعاد… عند اجتماع الشعوب معاً والممالك لعبادة الرب" (مز 102: 13, 22)، "فنظر إلي ضيقهم إذ سمع صراخهم…. خلصنا أيها الرب واجمعنا من بين الأمم لنحمد اسم قدسك ونتفاخر بتسبيحك" (مز 106: 44, 47).

ويقول "ر. ليرد هاريس" (R. Laird Harris) إن "مما له أهمية أن الإشارات التاريخية في المزامير لا تتجاوز عصر داود إلا فيما يختص بمزمور السبي لأحد، وهو مز 137. ويشير عدد من المزامير- بصورة عامة- إلي عصور السبي والشدة، وإلي فترات خراب الهيكل (انظر مثلاً: مز 80، 85، 129). وهي أوصاف شعرية عامة، ولابد أن نذكر أن أورشليم قد حوصرت ونهبت أكثر من مرة، بل ‘ن داود نفسه قد عاني مرتين من العصيان من داخل بيته. ولم ينسب أي من المزامير المذكورة إلي داود رغم أن بعضها يمكن ان يكون قد كتب في أيامه أو بعد ذلك بقليل".

 

... المزامير المنسوبة لفترة السبي: يشتمل الكتاب الثالث علي المزامير الرابع والسبعين والتاسع والسبعين والتاسع والثمانين (89: 38- 52) وفيها إشارات إلي خراب أورشليم في عام 586 ق.م. (انظر ثالثاً: أ). ويحتوي المزمور التاسع والثمانون علي تسبيحة ختامية تحدد زمن جمع الكتاب الثالث. ويبدو أن المزمور التاسع والثمانين (عد 38- 52) يرتبط بالجزء الأول من عنوان 88. ومع أن المزمورين 88, 89 يحملان العنوان "مشليم" أي "مزمور تعليمي" (تنظر سادساً: أ) وقد كتبهما اثنان من حكماء عهد سليمان، هما هيمان الأزراحي وأيثان الأزراحي، إلا أن عنوان المزمور 88 يبدأ بالعبارة: تسبيحه مزمور لبني قورح، لإمام المغنيين علي العود للغناء" وكلمة تسبيحه هنا (مز 88) تعني- عادة- تسبيحه فرح (انظر المزمورين 30، 45)، أو علي الأقل تسبيحه ثقة (انظر المزمورين 83، 120)، إلا ان المفسرين يجمعون علي أمر واحد فيما يتعلق بالمزمور 88، وهو أن هذا المزمور هو أكثر المزامير كآبة.

ولعل العنوان الموضوع للمزمور الثامن والثمانين، من أنه "تسبيحه" (أي أغنية فرح) لا يتناسب مع مضمون المزمور نفسه، ولكنه يتناسب مع الجزء الأول من المزمور التاسع الثمانين (وبخاصة العدديين 1, 2) مما يرجح أن المزمور الثامن والثمانين ليس سوي الجزء الأول من مزمور يضم المزمورين الثامن والثمانين والتاسع والثمانين معاً، ومن ثم فإن الجزء الأول من العنوان ينطبق علي المزمورين معاً.

وبالإضافة إلي ذلك فإن الجزء المفرح الذي كتبه أيثان الأزراحي في المزمور التاسع والثمانين (من 1- 37)، قد أضيفت إليه جزء كتب في زمن السبي (89: 38-52)، وعليه يكون بنو قورح هم الذين كتبوا هذا الجزء الخير من المزمور التاسع والثمانين، علي نفس نغمة المزمور الثامن والثمانين، ومن ثم فلابد أن بني قورح قد أكملوا وجمعوا كل الكتاب الثالث بعد 586 ق.م. بقليل.

ويضم الكتاب الثالث أيضاً مزامير كتبها أشخاص مختلفون، فقد كتب داود المزمور السادس والثمانين. وكتب آساف المزامير من الثالث والسبعين إلي الثالث والثمانين. وكتب بنو قورح المزامير الرابع والثمانين والخامس والسابع والثمانين. وبوضع الكتاب الثالث بين الكتابين الأول والثاني والكتاب الرابع، فإنه يكمل مزامير إسرائيل حتي زمن السبي. فكان العمل الإلهي في جمع المزامير قد وصل في هذه المرحلة إلي ضم كل المزامير- ماعدا الأربعة والأربعين مزموراً الخيرة- مما يدل علي عدم دقة الوصف الذي يطلقونه علي سفر المزامير بأنه: "كتاب ترانيم الهيكل الثاني"، فإن مثل هذا الوصف يتجاهل الغرض من كتابه سفر المزامير وتاريخ كتابته. فمن جهة فإن العديد من المزامير لم يقصد بها مطلقاً- عند كتابتها- أن تكون تسابيح عامة (انظر سابعاً)، ومن جهة أخرى فإنه بينما كانت كل المزامير موجودة في أيام الهيكل الثاني بعد السبي، فإن معظمها كان له وجود في أيام الهيكل الأول أيضاً.

(د) مزامير بعد السبي: أخيراً فإن الكتاب الخامس يماثل الكتاب الرابع لداود في أهميته الليتورجية، لكنه يضم العديد من المزامير التي كتبت بعد السبي (كالمزمور المائة والسابع- 107: 3,2)، بالإضافة إلي خمسة عشر مزموراً لداود، وواحد لسليمان (مز 127)، فلابد أن الكتاب الخامس قد جمع بعد العودة من السبي في 537 ق.م. واستمر فترة قائماً ككتاب مستقل عن الكتب الأربعة السابقة، وهو ما يفسر وجود المزمور المائة والثامن- كما أشرنا سابقاً- الذي هو مزيج من مز 57: 6- 11، مز 60: 6-12، وهي جميعاً لداود كما هو واضح من عناوينها.

ثم قام بعد ذلك كاتب- مسوقاً بالروح القدس- بضم الكتاب الخامس إلي الكتب الأربعة الأولي، مضيفاً إليها المزامير الخمسة الخيرة التي كتبها هو (من المزمور المائة والسادس والأربعين إلي المزمور المائة والخمسين) كمزامير تهليل ختامية للسفر كله. ولما كانت المزامير الخمسة الأخيرة قد كتبت حوالي 444 ق.م. (انظر مز 147: 13) في وقت مناداة عزرا بالشريعة المكتوبة وبإعادة الكتابة في الهيكل (نح 8 إلي 10)، فالأرجح أن عزرا نفسه هو الذي قام بعملية الجمع النهائي للسفر (انظر عز 3: 10, 11، 7: 10).

كل هذه المزامير الأخرى ألفها ناس كبني قورح، لا أعتقد أن اليهود أو المسيحيين أو المسلمين سيعتبرون بني قورح أنبياء كلهم! انظر لقوله "كاتب مسوق بالروح القدس"، عندهم كل من هب ودب وكتب هذا التراث يعطونه نبوة لإضفاء وتبرير القداسة التي أعطوها في عصور متأخرة زمنيًّا لأدب المزامير والحكم.

 

كلمة مزامير سهلة لا أظنها صعبة، أصر محمد على أن داوود أعطاه الله زبورًا يعني كتابًا، ولم يستعمل في القرآن كلمة مزامير، ولو أنها وردت في أحاديث صحيحة، في البخاري: 5048 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ.

 

كذلك لا يرد في  خرافات كتاب اليهود أن الآباء الاثني عشر الخرافيين آباء الأسباط أو عشائر اليهود كانوا أنبياء، عدا يوسف فقط منهم. لكن في كتاب (وصايا الآباء الاثني عشر) من الكتب الأبوكريفية يُصوَّرون كمتنبئين بأحداث المستقبل، فيمكن أن نستنتج من هذا أن القرآن نشأ في بيئة متأثرة بخرافات الأبوكريفا بصورة شديدة، لم توجد في أي مكان آخر سوى في شبه جزيرة العرب المغرم أهلها بالخرفات والأساطير، بحيث لم تكفهم خرافات الكتاب المقدس، فاهتموا بما في الأبوكريفا أكثر مما حدث في أي مكان آخر من العالم كما يبدو من اقتباسات محمد كبنت لبيئتها.

 

ربما لا نعتبر هذا تخطئة للقرآن بوضوح، لأنها كلها خرافات بلا دليل، لا يوجد هنا ما يجعل اليهودية هي الصواب، بل لنعتبرها مقارنة فقط.

 

لا توجد إمكانية ولا قابلية للعودة إلى الوثنية

 

روى البخاري:

 

7116 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ

 

روى مسلم:

 

[ 2907 ] حدثنا أبو كامل الجحدري وأبو معن زيد بن يزيد الرقاشي واللفظ لأبي معن قالا حدثنا خالد بن الحارث حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن الأسود بن العلاء عن أبي سلمة عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى فقلت يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون }  أن ذلك تاما قال انه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحا طيبة فتوفي كل من في قلبه مثقال حبه خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم

 

ومما روى أحمد:

 

22394 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين "

22395 - وبه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله زوى لي الأرض أو قال: إن ربي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وإني أعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكوا بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: " يا محمد، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وقال يونس لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك، أن لا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال: من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين، حتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه مطولا ومختصرا أبو داود (4252) ، وأبو عوانة في "الجهاد" (7509) ، وفي الفتن كما في "إتحاف المهرة" 3/48، وأبو عمرو الداني في "الفتن" (4) و (55) و (361) ، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (464) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1113) من طريق سليمان بن حرب، بهذا الإسناد . وأخرجه مطولا ومختصرا أيضا الطيالسي (991) ، وابن أبي شيبة 11/458، ومسلم (1920) و (2889) ، وأبو داود (4252) ، والترمذي (2176) و (2202) و (2219) و (2229) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (287) ، وفي "الآحاد والمثاني" (456) و (457) ، وأبو عوانة في الجهاد (7509) ، وفي الفتن، وابن حبان (7238) ، وأبو نعيم في "الدلائل" (464) ، وأبو عمرو الداني (360) ، والقضاعي (914) و (1166) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" 6/526-527، والبغوي (4015) من طرق عن حماد بن زيد، به . وأخرجه الحاكم 4/448 من طريق عباد بن منصور، عن أيوب، به. مختصرا بقوله: "لن تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد الأوثان". وأخرجه مطولا ومختصرا مسلم (2889) ، وابن ماجه (10) و (3952) ، وبحشل في "تاريخ واسط" ص164، وأبو عوانة، وابن حبان (6714) ، والطبراني في "الأوسط" (8392) ، وفي "الشاميين" (2690) ، والبيهقي 9/181 من طريق قتادة، والحاكم 4/449-450 من طريق يحيى بن أبي كثير، كلاهما عن أبي قلابة، به. وسيأتي الحديث عن عفان عن حماد بن زيد برقم (22452).  وسيأتي قوله: "لا تزال طائفة من أمتي ..." مختصرا برقم (22403). وانظر شواهده هناك. وقوله: "إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين" سلف برقم (22393) و (22394). وقد سلف هذا الحديث بتمامه في مسند شداد بن أوس برقم (17115) من طريق معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي أسماء، عن شداد، فجعله من حديث شداد، وهو خطأ من معمر، وقد سلف الكلام على هذا الإسناد وشرحه هناك. وفي باب قوله: "لا يهلكوا بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدوا" عن أنس، سلف برقم (12486) ، وذكرت شواهده هناك. وقوله: "سيكون كذابون ثلاثون" عن ابن عمر، سلف برقم (5694) ، وعن أبي هريرة، سلف برقم (7228) ، وذكرت شواهده عندهما .

كلام غير معقول وغير ممكن، لأن المسلمين هدموا ومحوا كل التقاليد الوثنية والخرافات القديمة الوثنية تقريبًا، وقتلوا أو أجبروا على الإسلام كل كهنة وثنية العرب في عصر نشأة وانطلاقة الإسلام، بالتالي لا يمكن عودة ديانة الوثنية أبدًا، كذلك فالناس تتقدم نحو العلمانية والعلموية والعلوم الحديثة، وليس تنتقل من خرافات التوحيد إلى خرافات شامانية أكثر بدائية، العلوم الحديثة تنير العقول ضد الإسلام وكل الخرافات، والناس في الغرب صار فيهم نسب جيدة من العقلانيين والملحدين والربوبيين، وأكثرهم غير متدينين ولا أصوليين ممن هم مؤمنون. عندهم أن الإيمان معنى اخلاقي علماني ودافع نفسي، وليس قهرًا وكبتًا، بل يعيشون بحرية بعيدًا عن القيم الأصولية المتشددة للنصوص الدينية القديمة.

 

وعلى النقيض روى البخاري:

 

6426 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي فَرَطُكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا

 

وروى مسلم:

 

[ 2296 ] وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا وهب يعني بن جرير حدثنا أبي قال سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد عن عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فقال إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين آيلة إلى الجحفة إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم قال عقبة فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر

 

[ 2812 ] حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال عثمان حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم

وروى أحمد بن حنبل:

8810 - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِمَا تَحْقِرُونَ

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البزار (2850- كشف الأستار) من طريق معاوية بن عمرو، بهذا الإسناد.// وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 7/86 من طريق أبي حذيفة ومصعب بن ماهان عن سفيان الثوري، والبيهقي في "الشعب" (7264) من طريق أبي حمزة السكري، كلاهما (الثوري وأبو حمزة) عن الأعمش، به - قرن أبو حمزة بأبي هريرة أبا سعيد، وفي رواية أبي حذيفة: عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد، على الشك. وفي الباب عن جابر عند مسلم (2812) ، وأحمد 3/313. وعن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت، في أحمد 4/125- 126(17140 و17120). وعن علي عند البزار (1181) . وعن معاذ بن جبل عند البيهقي في "الشعب" (6852) .

قوله: "بما تحقرون"، أي: بما تستصغرون من الذنوب.

 

ملوك إسرائيليون في زمن ما قبل موسى حسب القرآن

 

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)} المائدة

 

من ناحية النقد الأعلى وعلم الآثار (الأركيولوجي) فلا وجود أو دليل تاريخي على شخصية موسى الخرافية، وتعتبَر قصة الخروج من مصر خرافة وأسطورة، كما حكم بذلك علماء الآثار ومنهم إسرائيليون كإسرائيل فنلكشتين، ومن ناحية النقد الأدنى كمقارنة أديان فتقول خرافات كتاب اليهود أن ملوكهم والنظام الملكي عندهم بدأ بعد زمن طويل من موسى بمئات السنين، وأولهم شاول، وقصة توليته كأول ملك على اليهود حسب الأسطورة مذكورة كذلك في القرآن في سورة البقرة ويسميه القرآن طالوت.

 

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)} البقرة

 

 

المسيحيون هم الأكثر مودة للمسلمين؟!

 

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)} المائدة

 

ربما يكون ذلك صحيحًا ومنطبقًا فعلًا على هؤلاء البؤساء المسالمين من مسيحيي مصر والشام وسائر المشرق، فهم مسالمون جدًّا واستسلاميون يرتضون الأذى والإذلال برضوخ اعتادوا عليه وتسامح فائق، لكن بالنسبة إلى مسيحيي أورُبا وأمِرِكا ففي كثير من الأحيان الوضع مختلف، سواء تحدثنا عن الصليبيين في القرون الوسطى الذين احتلوا فلسطين، أو المسيحيين الأكثر تحضرًا وعلمانيةً وتنوُّرًا كالإنجليز والفرنسيين والإيطاليين والبرتغاليين ممن احتلوا بلدان العالم الإسلامي لعشرات السنين في مطلع العصر الحديث، ما سبّبوه من فقر وسقوط قتلى ومصابين وخراب لا يجعلهم بالتأكيد الأقرب والأكثر مودةً للمسلمين، وحاليًّا الأمرِكيون، بالتأكيد كان كثير من يهود مصر ويهود فلسطين ويهود اليمن مثلًا أو معظم الهندوس الهنود الطيبين المؤمنين بتعدد الآلهة الوثنيين أكثر مسالمة وتعاونًا وتحالفًا من مسيحيي الغرب في فترة الاحتلال الغربي للعالم الشرقي واستغلاله، ولا تزال أمِرِكا كما انتقد ملحدونا الأمِرِكيون في مقالات منذ صعود المد الديني المسيحي فيها تقوم بحملات ضد الدول الأخرى ومنها في العالم العربي والشرقي كالعراق وأفغانستان، ومع ذلك فلعل أمِرِكا محقّة في عدم ترك فرصة للعرب بذهنيتهم هذه لاكتساب قوة يمارسون بها إرهابهم وإسلامهم المتطرف الذين يؤمن بحرفيته وبه بشكل أصوليّ الكثير منهم، من المستعدين لإيذاء البشر في كل العالم. ولو لم يكن الاحتلال الغربي للعالم الإسلامي حدث لظل العالم الإسلامي على حاله كما كان في القرون الوسطى ببدائيته وخرافاته في ظلامٍ تام، لا يزال العالم الإسلامي في جهل وخرافات، لكن في وضعٍ أرحم مما لو كنا ظللنا كما نحن في ظروف القرون الوسطى وثقافتها بصورة تامة. يهود زمن محمد والوثنيون كانوا الأكثرَ عداوةً لمحمد ودعوته وأتباعه لأنهم هم من بادؤوهم العداوة والأذى والعنصرية والاعتداء والتحرش بهم.

 

فشل محمد خلال نقاشه ونقده للمسيحية في معرفة الأقانيم المسيحية الخرافية الثلاثة

 

{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)} المائدة

{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)} المائدة

 

الأقانيم الثلاثة في المسيحية حسب معتقدها وأسطورتها هم الله الآب والابن المسيح وروح القدس المعرفة والوحي والإلهام، وهي تجليات أو صفات لله لها كيانات ثلاثة تقريبًا حسب تصورهم، إذا كان الله الخرافي سينتقد هذه المفاهيم المسيحية، فلا شك أنه كان سينتقدها على نحوٍ سليم، وبمعرفة سليمة بالمصطلحات والعقائد المسيحية، فباعتبار الله عالمًا بكل شيء وبكل فروع العلوم البحتة والإنسانية، لكان يجب أن يكون على مستوى خريج علوم أديان ودراسات لاهوتية من جامعة غربية كأوكسفورد أو هارفارد، لكن هذا غير حادث، فمحمد ظن أن أحد الأقانيم الثلاثة هو مريم الأم، وهذه ليست عقيدة لدى أي مسيحي، ربما نجدها فقط لدى الغنوسيين في كتبهم الهرطقية، حيث الحكمة أو صوفيا هي الأم واعتبرها بعضهم روح القدس في بعض نسخ المذاهب الغنوسية. هذا يدفعنا للتساؤل عن قلة معرفة واطلاع ودراسة محمد للفكر والعقيدة المسيحية بشكل فادح، وما نوع النصارى وما مذهبهم هؤلاء الذين تحدثت معظم آيات قرآنه عنهم؟!

 

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)} المائدة

 

ما نوع المسيحيين الذين كانوا يتأثرون كثيرًا بدعوة وأفكار محمد بهذه الطريقة والتأييد، بالتأكيد ليسوا المسيحيين التقليديين الثالوثيين، فهؤلاء احتاج الأمر قرونًا من المسح الثقافي لثقافتهم وهويتهم والممارسات العنصرية الباطشة وهدم الكنائس والبطش بالبطاركة والقسس وفرض الجزية والخراج والتعنت والمضايقات حتى تحول معظم السكان إلى الإسلام، كما في مصر والشام وبيزنطة (تركيا). كما نقرأ في كتب مثل (تاريخ البطاركة) لساويرس بن المقفع، والقصارى في نكبات النصارى، والمقفى الكبير للمقريزي والخطط المقريزية، وغيرها، واضح أن من رحبوا بمحمد واتبعوه أو على الأقل تأثروا بكلامه ودعوته إلى هذه الدرجة _إن صحت القصة_كانوا من طائفة ممن اعتقدوا أن الابن أقل من الأب، أو من طائفة مثل الأبيونيين (الناصريين) الذين اعتقدوا أن المسيح ابن مريم ويوسف وليس إلهًا ولم يعتقدوا بألوهيته ولا بالميلاد العذري (الذي يعتقد به الإسلام والمسيحية)، واعتبروا يسوع إنسانًا رسولًا صالحًا سامي الأخلاق فقط. واعتقد كثير من الباحثين المسيحيين والملحدين ممن كتبوا عن الموضوع أن ورقة بن نوفل والكثير من مصادر محمد المسيحية كانت أبيونية، إنه حتى لا يستعمل كلمة مسيحيين ولا أعتقد أنها تبدو بهذه الصعوبة، بل يستعمل اللقب الذي استعمله المسيحيون لأنفسهم في أول سنواتهم فقط عند ظهور دينهم، ولاحقًا استبدلوه بكلمة مسيحيين، لأن مسمّى الناصريين صار يُستعمَل للدلالة على طائفة غير ثالوثية تنكر لاهوت يسوع الخرافي وعذرية مريم وحملها العذري، سمت نفسها بالناصريين أو النازريين Nazoraioi، ولنبيل فياض بحث قيم خطير عن طائفة الإبيونيين بعنوان طائفة الناصريين أو النصارى، تاريخهم وعقائدهم، وذكر بنحو ما قلته هنا:

 

"إنّ أقدم إشارة وثائقية إلى شخص يدعى «نصراني» إنما نجدها في العهد الجديد، وهي تدلّ على يسوع. لكننا لا نجد ذلك في كتابات بولس، التي يُقَرّ عموماً بأنها أقدم ما في أسفار العهد الجديد، تماماً مثلما أننا لا نجد التسمية «مسيحي» (التي لا نجدها إلا في سفر أعمال الرسل 26:11؛ 28:26؛ وفي رسالة بطرس الأولى 16:4). كذلك فإن أقدم إشارة إلى طائفة النصارى إنما ترد أيضاً في سفر أعمال الرسل 5:24. وفي حين يمكن المجادلة بأن التسمية هناك اخترعها المحامي ترتوليانوس لأجل المناسبة، يجب النظر إلى هذا كاحتمالية ضعيفة ليس إلا. هنالك حديث قديم قدم ترتوليانوس يقول إن نصارى كان اسماً قديماً للمسيحيين، ويُدْعم زعمه عن طريق أقدم التسميات في اللغات السامية المختلفة. لكن ما من حاجة إلى تفكير عميق كي نعرف أن اسم الطائفة جاء من اللقب Nazwriox / Nazarnox نَزُرَيوس / نزَرينوس الذي يبدو واضحاً أنّه أطلق على يسوع منذ بداية رسالته العلنية.  متى 23:2"

 

1 Nazwriox: متى 23:2؛ 71:26؛ لوقا 37:18؛ يوحنا 5:18؛ 19:19؛ أعمال الرسل 22:2؛ 6:3؛ 10:4؛ 8:22؛ 9:26.

Weiss,TU 9 (1893), ad loc2.

3 adv. Marc 8:11؛ قارن: أوسابيوس، Onomas، الفقرة. نصارى؛ ابيفانيوس، الفناريون 29، 1-3، 6، 2 وما بعد (حيث يستشهد بسفر أعمال الرسل 5:24 على نحو محدد)؛ ايرنيموس de situ 143. وفي حين أن الاسم يطلق على نحو شبه مستمر على المسيحيين من الخارج، يمكن لنا أن نلاحظ استخدام الاسم في ما يدعى «شرائع هيبوليتس» ، المسمى أيضاً «شرائع كنيسة الاسكندرية»، حيث تستخدم التسمية نصراني في شرائع القرنين العاشر والرابع عشر(962 -959:10 PG ؛ R-G Coquin, PO xxxi 2(1966) ; H. Achelis, TU 6(1961); Transel in ANCL 9,137,141; Heft4). لقد أُلِّفت الشرائع باللغة اليونانية في أواخر القرن الثالث على الأرجح. مع ذلك، فهي لم تستمر إلا عبر نسخة عربية لترجمة قبطية، والأكثر ترجيحاً أن الصيغة الحالية للكلمة محط اهتمامنا وردت في الترجمة، والكلمة اليونانية الأصلية هي ξοιστιανοξ­οι.

 

وجاء في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق:

 

......فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن اللّه من شىء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم ؛ فقال له النجاشي: فاقرأه على؛ قالت: فقرأ عليه صدراً من: "كهيعص" قالت: فبكى واللّه النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفَهم، حين سمعوا ما تلا عليهم. ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مِشكاةٍ واحدة، انطلِقَا، فلا واللّه لا أسلمهم إليكما، ولا يُكَادون.

 

سلوكيات غير مألوفة لمسيحيين ثالوثيين، والأرجح عندي أن القصة مكذوبة، فأين كان المترجم الذي يترجم الكلام من العربية للأمهرية ليفهمه كل مجلس النجاشي، والاحتمال الآخر أن يكون الأريوسيون المنكرون للثالوث وصلوا للحكم سرًّا وللمناصب العليا في كنيسة الحبشة، لكن هذا مستبعَد ولا يذكره التاريخ، ولم تكن لتمرره بسهولة قيادات المسيحية التثليثية، لكنْ يظل المؤكد تبني محمد لفكر توحيدي بحت كما كان عليه اليهود والحنفاء، ورفضه الثالوث المسيحي الغريب العجيب، واحتمال تبنيه وتأثره بأفكار أبيونيين أو ناصريين من بقاياهم في بلاد العرب. ومع ذلك يظل الاحتمال الأكبر للقصص عن اتباع المسيحيين وبكائهم لدى سماع القرآن كاذبة من الأساس، مما يؤكد ذلك تضارب الروايات في تفسير الطبري وأسباب النزول لابن أبي حاتم فبعضها قال أن ذلك حدث في مجلس النجاشي في الحبشة وقراءة جعفر للقرآن عليه، وكذلك في المعجم الكبير للطبراني ج14/ 14841، وقصص أخرى قالت أنه أرسل وفدًا لمعرفة دين محمد ففعلوا ذلك، وكذلك في معجم الطبراني الكبير ج12/ حديث 12455 أنهم وفد حبشي، وفي ابن إسحاق قصتان واحدة أنهم نصارى نجران وهذا مستحيل لأن هؤلاء معروف لمن درس السيرة وراجع ج1 لي أنهم تقليديون ثالوثيون لم يتبعوا محمدًا قط، وقصة أخرى أن هذا كان في مجلس النجاشي وحديثه مع جعفر بن أبي  طالب. وعلى النقيض تمامًا ذكر ابن إسحاق في القصة أن الأساقفة لما وجدوا النجاشيّ حسب القصة يقارب أو يؤمن بالتوحيد المطلق شخروا له:

 

قالت: فلما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص: واللّه لآتينه غدا عنهم بما استأصل به خَضرَاءَهم. قالت: فقال له عبد اللّه بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل فإن لهم أرحاماً، وإن كانوا قد خالفونا؛ قال: واللّه لأخبرنَّه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عَبْدٌ. قالت: ثم غدا عليه من الغد فقال: أيها الملك ، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً، فأرسِلْ إليهم فسلْهم عما يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم ليسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثلها قطُّ. فاجتمع القوم، ثم قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول واللّه ما قال اللّه، وما جاءنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن.

قالت: فلما دخلوا عليه، قال لهم: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟ قالت: فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاءنا به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم: هو عبد اللّه ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول قالت: فضرب النجاشى بيده إلى الأرض فأخذ منها عُوداً، ثم قال: واللّه ما عدا عيسى ابن مريم ما قلتَ هذا العودَ. قالت: فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال؛ فقال: وإن نخرتم واللّه، اذهبوا فأنتم شيوم  بأرضى والشيوم : الآمنون من سبَّكم غَرِم، ثم قال: من سبكم غَرِم، ثم قال: من سبكم غَرِم . ما أحبُّ أن لي دَبراً من ذهب ، وأنى آذيت رجلاً منكم.

 

وأخرجه أحمد بن حنبل (22498) 22865 عن ابن إسحاق، واللفظ هناك: سيوم، والنص أطول من ذلك ولم أورد كل القصة. إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن إسحاق، فقد روى له مسلم متابعة، وهو صدوق حسن الحديث. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/115-116 مختصرا من طريق إبراهيم بن سعد، به. وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" 2/301- 304 من طريق يونس بن بكير، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (194) من طريق جرير بن حازم كلاهما عن محمد بن إسحاق، به. وأخرج قسما منه الطبراني في المعجم الكبير ج2/ (1479) من طريقين عن ابن إسحاق، به.

 

أما بحث (قس ونبي) للحريري فكله تلاعبات واستدلالات لا تتماسك لتأكيد زعمه بوجود أدلة قاطعة على المذهب الناصري في مكة وبلاد العرب، وأدلته كلها غير أمينة ومتلاعَب بها، فمعلوم مثلًا أن آل محمد قبله كانوا وثنيين وأن عبد المطلب لما احتضر رفض إلحاح محمد وقال: على ملة الأشياخ وهو في صحيح مسلم 24، لكنه يستعمل كتبًا متأخرة زينت صورة أجداد محمد وادعت أنهم حنفاء كالسيرة الحلبية ليؤكد أنهم نصارى! وهي استدلالات عبثية بلا قيمة تاريخية. والحقيقة لا توجد أدلة قاطعة على وجود أبيونيين أو ناصريين في زمن محمد في بلاد العرب، لكن ذكر البخاري ومسند أحمد في مسند عائشة أن ورقة بن نوفل كان يكتب الإنجيل بالعبرانية يثير الشك إلى حدٍّ ما، لأن الأناجيل يونانية، ولها ترجمات سريانية وآرامية ولاتينية، فذكر العبرية الخاصة بنسخة الناصريين هو ما يثير تشككنا واحتمال ذلك، وفي رواية أخرى للحديث يكتب الإنجيل بالعربية.

 

اللغة العربية ليست قديمة جدًّا، بل هي أحدث اللغات السامية ظهورًا

 

روى البخاري:

 

3371 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

2434 - حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعوذ الحسن والحسين فيقول: أعيذكما بكلمة الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة "، ثم يقول: " هكذا كان أبي إبراهيم عليه السلام يعوذ إسماعيل وإسحاق عليهما السلام "

 

إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله ثقات رجال الشيخين غير المنهال بن عمرو، فمن رجال البخاري، سفيان: هو الثوري، ومنصور: هو ابن المعتمر. وهو في "مصنف عبد الرزاق" (7988) ، ومن طريقه أخرجه الترمذي (2060) ، وقال: حسن صحيح. وانظر (2112) . وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (1006) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (634) ، وأبو نعيم في "الحلية" 4/299 و5/45 من طريق يزيد بن هارون، بهذا الإسناد.وأخرجه ابن أبي شيبة 8/48-49 و10/315، والترمذي (2060) ، والبغوي (1417) من طريق يعلى بن عبيد، به. وأخرجه ابن ماجه (3525) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (1006) ، والبخاري في "خلق أفعال العباد" (455) ، والطحاوي 4/72، والحاكم 3/167 من طرق عن سفيان الثوري، به.وأخرجه ابن أبي شيبة 8/49 و10/315، والبخاري في "صحيحه" (3371) ، وفي "خلق أفعال العباد" (454) و (456) ، وأبو داود (4737) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (1007) ، وابن حبان (1013) من طرق عن منصور، به. وأخرجه ابن حبان (1012) ، والطبراني (12271) من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال، به.

 

علم اللغات وتاريخها وعلم الآثار أثبت أن العربية من آخر اللغات المصنفة تحت التسمية (سامية) ظهورًا وأنها أخذت مما سبقها من لغات سامية. وتنسب كتب التفسير والتراث شعرًا عربيًّا إلى آدم الخرافي.

 

خرافة أن المسيح الكذاب أعور قيلت في الأساطير المسيحية قبل زمن محمد

 

3057 - وَقَالَ سَالِمٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ

 

والبخاري3337 و6175 و7127 ومسلم 2931 وأحمد 6365 و1526

 

هذا الادعاء باطل، أثبتُ في بحث (أصول أساطير الإسلام من الأبوكريفا المسيحية) أن أصل هذه الأسطورة هو الكتب الأبوكريفية المسيحية، وأنها تعود إلى تفسير أسطوري للنص: (17وَيْلٌ لِلرَّاعِي الْبَاطِلِ التَّارِكِ الْغَنَمِ! اَلسَّيْفُ عَلَى ذِرَاعِهِ وَعَلَى عَيْنِهِ الْيُمْنَى. ذِرَاعُهُ تَيْبَسُ يَبْسًا، وَعَيْنُهُ الْيُمْنَى تَكِلُّ كُلُولاً!) زكريا11: 17

 

اليهودية لا علاقة لها بكعبة مكة

 

روى مسلم:

[ 166 ] حدثنا أحمد بن حنبل وسريج بن يونس قالا حدثنا هشيم أخبرنا داود بن أبي هند عن أبي العالية عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي الأزرق فقال أي واد هذا فقالوا هذا وادي الأزرق قال كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطا من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية ثم أتى على ثنية هرشي فقال أي ثنية هذه قالوا ثنية هرشي قال كأني أنظر إلى يونس بن متى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف خطام ناقته خلبة وهو يلبي قال بن حنبل في حديثه قال هشيم يعني ليفا

 

 [ 166 ] وحدثني محمد بن المثنى حدثنا بن أبي عدي عن داود عن أبي العالية عن بن عباس قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال أي واد هذا فقالوا وادي الأزرق فقال كأني أنظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم فذكر من لونه وشعره شيئا لم يحفظه داود واضعا إصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله بالتلبية مارا بهذا الوادي قال ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال أي ثنية هذه قالوا هرشي أو لفت فقال كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف خطام ناقته ليف خلبة مارا بهذا الوادي ملبيا

 

ورواه البخاري:

3355 - حَدَّثَنِي بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَذَكَرُوا لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ أَوْ ك ف ر قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ وَأَمَّا مُوسَى فَجَعْدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي

وانظر أحمد 1854 و2501 و2697 وأبو يعلى (2542) ، وابن خزيمة (2632) و (2633) ، وابن حبان (3801) و (6219) ، والطبراني (12756) ، وأبو نعيم في "الحلية" 2/223 و3/96 والبخاري (1555) و (5913) و(3355)، ومسلم (166) (270) ، والبيهقي 5/176 وأخرجه البخاري (3355) من طريق النضر بن شميل، وأبو عوانة في الحج كما في "إتحاف المهرة" 3/ورقة 110

 

كعبة مكة كما أثبت في أبحاث عدة كانت معبدًا وثنيًّا لا أكثر ولا أقل، وفي بحث (أصول أساطير الإسلام من الهاجادة) عقدتُ مقارنة أثبتت أن خرافة بناء إبراهيم وإسماعيل للكعبة استوحاها محمد من قصة بناء إبراهيم وإسحاق على حسب هاجادة اليهود لمذبح في موضع حدوث القصة الأسطورية لأمر الله لإبراهيم بتقديم ابنه كقربان، كشكر لله بعد نجاة ابنه حسب الأسطورة، وللقصة أصل من التوراة بنت عليه باقي الأسطورة. لا توجد أي علاقة تاريخية تربط اليهود واليهودية بكعبة مكة. أما شخصيات إبراهيم وموسى ويونان (يونس) فهي من الأساس شخصيات أسطورية خرافية.

 

 

 

استحالة سؤال اليهود عن خرافة الفتية السبعة النائمين الأفسسيين (أهل الكهف)

 

متى صيغت أو نزلت آية {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} الإسراء، ومن الذين سألوا محمدًا: قريش أم اليهود؟

 

روى أحمد أنها نزلت في مكة:

 

2309- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا ، عَنْ دَاوُدَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَتْ قُرَيْشٌ لِليَهُودِ : أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ عَنْهُ هَذَا الرَّجُلَ ، فَقَالُوا : سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ ، فَسَأَلُوهُ ، فَنَزَلَتْ : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} ، قَالُوا : أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا ، أُوتِينَا التَّوْرَاةَ ، وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ ، فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ، قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ}.

إسناده صحيح، داود: هو ابن أبي هند البصري ثقة من رجال مسلم، وعكرمة من رجال البخاري، وباقي السند على شرطهما. وأخرجه الترمذي (3140) ، والنسائي في "الكبرى" (11314) من طريق قتيبة، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه أبو يعلى (2501) ، وابن حبان (99) ، والحاكم 2/531، والبيهقي في "الدلائل" 2/269 من طريقين عن يحيى بن أبي زائدة، به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وأخرجه الطبري 15/155 من طريق داود، عن عكرمة، مرسلا.

 

وقال ابن إسحاق في السيرة برواية ابن هشام عنه:

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ، فِيمَا بلغني: نزل فيه ثماني آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [القلم: 15] . وَكُلُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْأَسَاطِيرِ مِنْ القرآن.

فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النضرُ بْنُ الْحَارِثِ بَعَثُوهُ، وَبَعَثُوا مَعَهُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْط إلَى أَحْبَارِ يَهُودَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالُوا لَهُمَا: سَلاهم عَنْ مُحَمَّدٍ، وصِفا لَهُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبِرَاهُمْ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أهلُ الْكِتَابِ الْأُوَلِ، وَعِنْدَهُمْ علمٌ لَيْسَ عندَنا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِما الْمَدِينَةَ، فَسَأَلَا أَحْبَارَ يَهُودَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَصَفَا لَهُمْ أمرَه، وَأَخْبَرَاهُمْ بِبَعْضِ قَوْلِهِ، وَقَالَا لَهُمْ: إنَّكُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبِنَا هَذَا. فَقَالَتْ لَهُمَا أَحْبَارُ يَهُودَ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بهنَّ: فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ، فرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ. سَلوه عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ أمرُهم؟ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجَبٌ، وسَلوه عَنْ رَجُلٍ طوَّاف قَدْ بَلَغَ مشارقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا مَا كَانَ نبؤُه، وَسَلُوهُ عَنْ الرّوحِ مَا هِيَ؟ فَإِذَا أَخْبَرَكُمْ بِذَلِكَ فَاتَّبِعُوهُ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَهُوَ رَجُلٌ مُتَقَوَّلٌ، فَاصْنَعُوا فِي أَمْرِهِ مَا بَدَا لَكُمْ. فَأَقْبَلَ النضرُ بنُ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْط بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصي حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، قَدْ أَخْبَرَنَا أحبارُ يَهُودَ أَنْ نسألَه عَنْ أَشْيَاءَ أَمَرُونَا بِهَا، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ عَنْهَا فَهُوَ نَبِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يفعلْ فالرجلُ متقوِّلٌ، فَرَوْا فِيهِ رأيكم.

قريش تسأل والرسول يجيب: فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنَا عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ قِصَّةٌ عَجَبٌ، وَعَنْ رَجُلٍ كَانَ طوَّافًا قَدْ بَلَغَ مشارقَ الْأَرْضِ ومغاربَها، وأخبرْنا عَنْ الرُّوحِ مَا هِيَ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِيمَا يَذْكُرُونَ- خمسَ عشَرةَ لَيْلَةً لَا يُحْدث اللَّهُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا، وَلَا يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ، حَتَّى أوجف أهلُ مَكَّةَ، وَقَالُوا: وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ خمسَ عشَرةَ لَيْلَةً، قَدْ أَصْبَحْنَا مِنْهَا لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءِ مِمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ، وَحَتَّى أَحْزَنَ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكثُ الْوَحْيِ عَنْهُ، وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ. ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فِيهَا مُعَاتَبَتُهُ إيَّاهُ عَلَى حُزْنِهِ عَلَيْهِمْ، وخبرُ مَا سَأَلُوهُ عنه من أمر الفتية، والرجلُ الطواف، والروح.

 

الروايتان لا تذكران سوى يهود هم من أرسلوا الأسئلة إلى محمد، لكن المشكلة أن السؤال عن خرافة الفتية السبع النائمين (أهل الكهف) هي قصة من التراث المسيحي، وليست يهودية، فلا يخلو الأمر من احتمالين: إما أن قريش استعانت بخليط من اليهود والمسيحيين وليس يهودًا فقط، وإما أن السائلين كانوا مسيحيين وليسوا يهودًا، وفي الحالتين فالراوي أخطأ في روايته.

 

وتوجد قصة أخرى تقول أن هذا السؤال طرحه اليهود في المدينة، روى البخاري:

4721 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَقَالَ مَا رَأْيُكُمْ إِلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا سَلُوهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقُمْتُ مَقَامِي فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }

125 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَرِبِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْأَلُوهُ لَا يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنَسْأَلَنَّهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ فَسَكَتَ فَقُلْتُ إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقُمْتُ فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ قَالَ{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}وَمَا أُوتُوا مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قَالَ الْأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا

 

ورواه مسلم 2794 وأحمد 3688 و3898 وغيرها.

 

هنا أن السائلين كانوا اليهود مباشرة دون وسيط، ويحتمل أن رواية البخاري ومسلم مداراة لفضيحة عجزه 15 يومًا عن الرد على الأسئلة حتى وجد خبيرًا كفئًا بدرجة كافية أجابه عن سؤالين فقط ولم يتمكن من الرد على سؤال الروح أو أنه كان مسيحيًّا فأجابه إجابة تثليثية لم تعجب محمدًا.

 

ويقول ابن كثير في التفسير:

 

وَهَذَا السِّيَاقُ يَقْتَضِي فِيمَا يَظْهَرُ بَادِيَ الرَّأْيِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ، وَأَنَّهَا إِنَّمَا نَزَلَتْ حِينَ سَأَلَهُ الْيَهُودُ، عَنْ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ، مَعَ أَنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا مَكِّيَّةٌ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا: بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَزَلَتْ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً كَمَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بِأَنَّهُ يُجِيبُهُمْ عَمَّا سَأَلُوا بِالْآيَةِ الْمُتَقَدَّمِ إِنْزَالُهَا عَلَيْهِ، وَهِيَ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}

 

كلام مضحك جدًّا وتبريرات واهية عاجزة يائسة لا جدوى منها، هل يحتاج محمد لإنزال نفس السورة مرتين هي هي نفسها، هل أرسل الله رسولًا مصابًا بالزهايمر أو بطء الاستيعاب مثلًا؟! تبريرات كهذه قدموها وأطعموها لجمهور السذَّج من المؤمنين الذين يستنفع منهم الشيوخ، لكن أي شخص غير محدود الذكاء لن يقبل بهراء واهٍ كهذا.

 

التوراة لم تكن في زمن داوود

 

روى البخاري:

 

3417 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام الْقُرْآنُ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

والبخاري 2072 و(3417) و (4713) والبيهقي 6/127، والبغوي (2027) من طريق عبد الرزاق، وفي "خلق أفعال العباد" (597) و (598) ، ومحمد بن نصر المروزي في "قيام الليل" ص 67 وابن حبان (6225) . وعلقه بشطريه البخاري بإثر الحديث (3417) من طريق موسى بن عقبة، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أَبي هريرة. ووصله هو في "خلق أفعال العباد" (599) ، وأحمد (8160) 8145 والإسماعيلي في مستخرجه كما في تعليق التغليق 4/29-30، وأبو الشيخ في "طبقات أصبهان" (811) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص 272.

 

قرآن يقرؤه داوود؟ طبعًا مقصوده المقرا وهو اسم يطلقه اليهود على التوراة، وقريانا بالسريانية تعني كتاب الصلاة أو النص، التاريخ وعلم الآثار أثبتا أن ترتيب اليهودية والمسيحية والإسلام مزيَّف، رغم ورود اسم داوود في بعض الآثار اليهودية في فلسطين مما قد يؤكد وجود شخصية بهذا الاسم بغض النظر عن كل الأساطير المحاكة حوله، لكن الآثار أثبتت أن زمن تأسيس الدين اليهودي وكتابة سفر التثنية (من خلال حدث هدم كل المعابد الأخرى عدا الهيكل في القرن السابع قبل الميلاد، وورود ذكر ركوب الجمال ولم يدجِّنها ويركبها البشر سوى بدءً من ذلك الزمن، كما في كتاب التوراة مكشوفة على حقيقتها) في عصر الملك يوشيَّا في القرن السابع قبل الميلاد، بعد العصر المفترض لداوود بقرون طوال. كان من المستحيل على داوود أن يقرأ نصًّا لم يكن له وجود في عهده.

 

 

 

حكم العلاقات الجنسية خارج الزواج حسب اليهودية

 

روى أحمد:

 

8994 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ، كَانَ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَةٍ، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَادَتْهُ، فَقَالَتْ: أَيْ جُرَيْجُ، أَيْ بُنَيَّ، أَشْرِفْ عَلَيَّ أُكَلِّمْكَ، أَنَا أُمُّكَ، أَشْرِفْ عَلَيَّ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، صَلَاتِي وَأُمِّي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، ثُمَّ عَادَتْ فَنَادَتْهُ مِرَارًا، فَقَالَتْ: أَيْ جُرَيْجُ، أَيْ بُنَيَّ، أَشْرِفْ عَلَيَّ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، صَلَاتِي وَأُمِّي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَتْ: اللهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَةَ ، وَكَانَتْ رَاعِيَةً تَرْعَى غَنَمًا لِأَهْلِهَا، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى ظِلِّ صَوْمَعَتِهِ فَأَصَابَتْ فَاحِشَةً، فَحَمَلَتْ فَأُخِذَتْ وَكَانَ مَنْ زَنَى مِنْهُمْ قُتِلَ، قَالُوا: مِمَّنْ ؟ قَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ صَاحِبِ الصَّوْمَعَةِ، فَجَاءُوا بِالْفُؤُوسِ وَالْمُرُورِ ، فَقَالُوا: أَيْ جُرَيْجُ، أَيْ مُرَاءٍ ،: انْزِلْ، فَأَبَى وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ يُصَلِّي، فَأَخَذُوا فِي هَدْمِ صَوْمَعَتِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ، فَجَعَلُوا فِي عُنُقِهِ وَعُنُقِهَا حَبْلًا، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِمَا فِي النَّاسِ، فَوَضَعَ أُصْبُعَهُ عَلَى بَطْنِهَا، فَقَالَ: أَيْ غُلَامُ، مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ: أَبِي فُلَانٌ رَاعِي الضَّأْنِ، فَقَبَّلُوهُ، وَقَالُوا: إِنْ شِئْتَ بَنَيْنَا لَكَ صَّوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، قَالَ: أَعِيدُوهَا كَمَا كَانَتْ "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير حماد -وهو ابن سلمة- فمن رجال مسلم. ثابت: هو ابن أسلم البناني، وأبو رافع: هو نفيع الصائغ. وأخرجه أبو عوانة في البر والصلة كما في "إتحاف المهرة" 5/ورقة 261 من طريق عفان بن مسلم، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو عوانة أيضاً من طريق أبي سلمة موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، به. وانظر أحمد (9602) و (8071) . والبخاري 3436 ومسلم2550

 

هذا باطل، وخطأ من جهة علم الأديان، فحكم اليهودية على الشخص الذي يقوم بعلاقة مع امرأة غير متزوجة كان إلزامه بالزواج منها فقط، أما من يقوم بعلاقة مع امرأة متزوجة أو مخطوبة، فسواء أكان متزوجًا هو نفسه أم لا، كان حكمه يكون الرجم حسب الشريعة اليهودية الهمجية القديمة، بخلاف الإسلام حيث كان يحكم بالرجم عليه إن كان متزوجًا فقط.

 

(22«إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعًا مَعَ امْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْل، يُقْتَلُ الاثْنَانِ: الرَّجُلُ الْمُضْطَجِعُ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ.

23«إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُل، فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي الْمَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا، 24فَأَخْرِجُوهُمَا كِلَيْهِمَا إِلَى بَابِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا. الْفَتَاةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تَصْرُخْ فِي الْمَدِينَةِ، وَالرَّجُلُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَذَلَّ امْرَأَةَ صَاحِبِهِ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ. 25وَلكِنْ إِنْ وَجَدَ الرَّجُلُ الْفَتَاةَ الْمَخْطُوبَةَ فِي الْحَقْلِ وَأَمْسَكَهَا الرَّجُلُ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا، يَمُوتُ الرَّجُلُ الَّذِي اضْطَجَعَ مَعَهَا وَحْدَهُ. 26وَأَمَّا الْفَتَاةُ فَلاَ تَفْعَلْ بِهَا شَيْئًا. لَيْسَ عَلَى الْفَتَاةِ خَطِيَّةٌ لِلْمَوْتِ، بَلْ كَمَا يَقُومُ رَجُلٌ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَقْتُلُهُ قَتْلاً. هكَذَا هذَا الأَمْرُ. 27إِنَّهُ فِي الْحَقْلِ وَجَدَهَا، فَصَرَخَتِ الْفَتَاةُ الْمَخْطُوبَةُ فَلَمْ يَكُنْ مَنْ يُخَلِّصُهَا.

28«إِذَا وَجَدَ رَجُلٌ فَتَاةً عَذْرَاءَ غَيْرَ مَخْطُوبَةٍ، فَأَمْسَكَهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا، فَوُجِدَا. 29يُعْطِي الرَّجُلُ الَّذِي اضْطَجَعَ مَعَهَا لأَبِي الْفَتَاةِ خَمْسِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَتَكُونُ هِيَ لَهُ زَوْجَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ أَذَلَّهَا. لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كُلَّ أَيَّامِهِ.) من التثنية 22

 

القصة لم أعثر لها على أصل في الكتابات الأبوكريفية لا المسيحية ولا اليهودية، ولا حتى لما حاولت البحث في أساطير سير قديسي المسيحية، وهي قصة شاذة عجيبة، على الأغلب من تأليفات العرب المسلمين الأوائل فعليها بصماتهم وطريقتهم، وهناك خطأ آخر فيها، فاليهود على حد علمي لم يكن عندهم رهبنة ولا رهبان، ولا صوامع ولا أديرة (بعض ألفاظ رويات الحديث ذكرت ديرًا بدل صومعة)، كذلك فإن اسم جريج وهو تعريب لاسم جرجوريوس أو جرجس لأن العرب كانوا لا ينطقون بالأسماء الأجنبية ويحبون دومًا تعريبها إلى ما يقارب لغتهم ضمن سمتهم الانغلاقية القديمة غير المنفتحة، فهو اسم مسيحي وليس إسرائيلي يهودي.

 

زعم محمد أو رواة الأحاديث أنه لا صلاة ليلية في الأديان الأخرى

 

روى البخاري:

 

567 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولًا فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ عَلَى رِسْلِكُمْ أَبْشِرُوا إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ أَوْ قَالَ مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ لَا يَدْرِي أَيَّ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَى فَرَجَعْنَا فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

ورواه مسلم 641

 

وروى أحمد:

 

22066 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أخبرَنَا حَرِيزٌ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ السَّكُونِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: رَقَبْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَاحْتَبَسَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لَنْ يَخْرُجَ، وَالْقَائِلُ مِنَّا يَقُولُ: قَدْ صَلَّى وَلَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، ظَنَنَّا أَنَّكَ لَنْ تَخْرُجَ وَالْقَائِلُ مِنَّا يَقُولُ: قَدْ صَلَّى وَلَنْ يَخْرُجَ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ ؛ فَقَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ " .

 

إسناده صحيح . وأخرجه ابن أبي شيبة 1/331 و2/439-440 من طريق يزيد بن هارون، بهذا الإسناد . وأخرجه أبو داود (421) ، والشاشي (1369) و (1370) ، والطبراني 20/ (239) ، وأبو نعيم في "الحلية" 9/238، والبيهقي 1/451 من طرق عن حريز بن عثمان، به

 

22067 - حَدَّثَنَا هَاشِمٌ يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا حَرِيزٌ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ السَّكُونِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ، سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: إِنَّا رَقَبْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي: انْتَظَرْنَاهُ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ

 

إسناد صحيح.

 

بالنسبة لزعمه أنه لا صلاة ليلية لدى باقي الأديان، فلا شك أنه باطل، من قاله سواء هو أو من مسلمين قاله عن جهل وانغلاق وعدم معرفة، فهناك صلوات ليلية لدى اليهود والزردشتيين والصابئة المندائيين والمسيحيين والهندوس وغيرهم، مما ذُكِر في المزامير من كتاب اليهود عن الصلوات الليلية:

 

(1صَوْتِي إِلَى اللهِ فَأَصْرُخُ. صَوْتِي إِلَى اللهِ فَأَصْغَى إِلَيَّ. 2فِي يَوْمِ ضِيقْيِ الْتَمَسْتُ الرَّبَّ. يَدِي فِي اللَّيْلِ انْبَسَطَتْ وَلَمْ تَخْدَرْ. أَبَتْ نَفْسِي التَّعْزِيَةَ. 3أَذْكُرُ اللهَ فَأَئِنُّ. أُنَاجِي نَفْسِي فَيُغْشَى عَلَى رُوحِي. سِلاَهْ.

4أَمْسَكْتَ أَجْفَانَ عَيْنَيَّ. انْزَعَجْتُ فَلَمْ أَتَكَلَّمْ. 5تَفَكَّرْتُ فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ، السِّنِينَ الدَّهْرِيَّةِ. 6أَذْكُرُ تَرَنُّمِي فِي اللَّيْلِ. مَعَ قَلْبِي أُنَاجِي، وَرُوحِي تَبْحَثُ) مزمور 77 وهو لآساف

 

(1يَا رَبُّ إِلهَ خَلاَصِي، بِالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ صَرَخْتُ أَمَامَكَ، 2فَلْتَأْتِ قُدَّامَكَ صَلاَتِي. أَمِلْ أُذُنَكَ إِلَى صُرَاخِي) من مزمور 88 وهو لهيمان الأزراحيّ

 

(55ذَكَرْتُ فِي اللَّيْلِ اسْمَكَ يَا رَبُّ، وَحَفِظْتُ شَرِيعَتَكَ.) من مزمور 119

 

وذكر جون سي بلر في (مصادر الإسلام) في موضوع الصلوات، أن عند اليهود ثلاث صلوات حسب كتاب اليهود والكتابات التلمودية، منها صلاة مسائية، ففي دانيال 6: 10 (10فَلَمَّا عَلِمَ دَانِيآلُ بِإِمْضَاءِ الْكِتَابَةِ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ، وَكُواهُ مَفْتُوحَةٌ فِي عُلِّيَّتِهِ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَصَلَّى وَحَمَدَ قُدَّامَ إِلهِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ ذلِكَ.)، واستشهد جون بمزمور مما ذكرناه أعلاه، وجاء في التلمود الأمر بالصلاة ثلاث مرات منها صلاة مسائية في براخوت 7ب Berakoth 7B: من أين جاء القدماء بالصلوات الثلاث؟ لقد أقاموها على أوقات اليوم الثلاثة: الصباح والعصر والمساء.

 

وجاء في المحيط الجامع في الكتاب المقدس وشعوب الشرق القديم/ مادة صلاة:

 

حين نقرأ مز 55 :18 نستنتج أن المؤمن يصلّي ثلاث مرات في اليوم. لا تُذكر هذه العادة في العهد القديم، ولكن مز 4 هو مزمور المساء، مز 5 هو مزمور الصباح. ..... إن يسوع يصلّي مرارًا، يُتمّ الصلوات العادية كالمباركة قبل الطعام. يصلّي قبل الأعمال والقرارات الهامّة (معجزات، اختيار التلاميذ). يصلّي في صمت الليل وبحضور تلاميذه، في فرح الروح (لوقا 10 :21)

 

يمكن للقارئ العودة إلى النصوص المذكورة وهي معروفة.

 

أما الصلاة الخامسة الزردشتية اليومية فاسمها أيويسروثريما وموعدها الذي يمكن فيه القيام بها من ظهور النجوم إلى منتصف الليل (من 6 م إلى 12ل) كما ذكر جون سي بلر.

لا علم لي بصلوات المسيحيين بدقة لكن أحدهم كنت أريد تنظيم عمل معه في يوم جمعة فاعتذر مني لأن لديه صلاة ليلية في الكنيسة. ولما رجعت إلى مكتبتي الإلكترونية الآن إلى كتاب الخولاجي الخاص بصلواتهم وهو بالعربية (منذ عصر عبد الناصر وهذه الكتب مترجمة بالعربية وصارت لغة طقوسهم منذ حينها بالعربية عدا كلمات محدودة لانقراض القبطية استعمالًا) فوجدت أن لديهم صلوات يومية كالتالي:

 

صلاة باكر، صلاة الساعة الثالثة، صلاة الساعة السادسة، صلاة الساعة التاسعة، صلاة المغرب، صلاة قبل النوم.

 

أرى بوضوح أن صلاة قبل النوم في الليل وتتوازى مع العشاء عند المسلمين وغيرهم.

 

وحتى البوديون من مذهب ثيراﭬادا كنت أسمع لهم في قناة مهمة تقدم ترجمات إنجليزية بصورة تبشيرية صلاة لهم في العصر تقريبًا وأخرى ليلًا (نامو تَسَا أرهاتو) ...إلخ وهي صلاة تقديس للبودوات أوالأرهاتيين arhats والأضرحة المقدسة لهم والآثار المقدسة...إلخ.

 

أما ما ذكره جون سي بلر عن الصابئة المندائيين من أن لهم خمس صلوات، فغلط أو أنه عن طائفة ما منقرضة مما كان يسمى بالصابئة، لكن الصابئة المندائيين المعروفين لنا عندهم ثلاث صلوات كما تقول الكتب المكتوبة عن دينهم هي صبح وظهر وعصر، وعندي كتاب الأنياني الخاص بصلواتهم وفيه براخات أو صلوات على أيام الأسبوع ثلاثة كل يوم في هذه الأوقات.

 

 

بداية نص توراتي بآية قرآنية

 

روى البخاري:

 

2125 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلَالٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ قَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا * تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ هِلَالٍ وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ هِلَالٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ سَلَامٍ {غُلْفٌ} كُلُّ شَيْءٍ فِي غِلَافٍ سَيْفٌ أَغْلَفُ وَقَوْسٌ غَلْفَاءُ وَرَجُلٌ أَغْلَفُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا


4838 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } قَالَ فِي التَّوْرَاةِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا

 

وروى أحمد:

 

6622 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، وَيُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي (1) عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ (2) : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، وَأَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ ، لَسْتَ (3) بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ - قَالَ يُونُسُ: وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ - وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ ، بِأَنْ يَقُولُوا: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا " قَالَ عَطَاءٌ: لَقِيتُ كَعْبًا فَسَأَلْتُهُ، فَمَا اخْتَلَفَا فِي حَرْفٍ، إِلَّا أَنَّ كَعْبًا يَقُولُ بِلُغَتِهِ: أَعْيُنًا عُمُومَى، وَآذَانًا صُمُومَى، وَقُلُوبًا غُلُوفَى - قَالَ يُونُسُ: غُلْفَى (4)

 

(1) في هامش (س) و (ص) : أتخبرني (خ) .

(2) في (ظ) : الفرقان.

(3) في (ص) و (س) : ليس. وهو لفظ البخاري.

(4) حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير موسى بن داود، فمن رجال مسلم، إلا أن فليح بن سليمان -وإن كان ينحط عن رتبة الصحيح- متابع.

وأخرجه بطوله ابنُ سعد في "الطبقات" 1/362، والطبري في "تفسيره" 9/83 [الأعراف: 157] عن موسى بن داود، بهذا الإسناد.

وأخرجه الطبري أيضا من طريق عثمان بن عمر، وابن سعد، والبيهقي في "الدلائل" 1/373-374 من طريق سريج بن النعمان، كلاهما عن فليح، به.

وأخرجه البخاري في "صحيحه" (2125) ، وفي "الأدب المفرد" (246) عن محمد بن سنان، عن فليح، به، وليس في آخره كلام كعب الأحبار.

وأخرجه دون كلام كعب أيضا البخاري في "صحيحه" (4838) عن عبد الله بن مسلمة، وفي "الأدب المفرد" (247) عن عبد الله بن صالح، والطبري 9/83 من طريق موسى بن داود شيخ أحمد في هذا الحديث، وابن سعد 1/361-362 عن يزيد بن هارون، وهاشم بن القاسم، والبيهقي في "الدلائل" 1/375 من طريق عبد الله بن رجاء، ستتهم عن عبد العزيز، عن هلال بن علي، بهذا الإسناد.

قال البخاري عقب الحديث (2125) : وقال سعيد: عن هلال، عن عطاء، عن ابن سلام. وهذه الطريق وصلها الدارمي 1/5، والفسوي في "تاريخه" فيما أخرجه البيهقي من طريقه في "الدلائل" 1/376 عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد (وهو ابن أبي هلال) ، عن هلال بن علي بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن ابن سلام.

قال الحافظ في "الفتح" -بعد أن زاد نسبته من هذه الطريق إلى الطبراني-: ولا مانع أن يكون عطاء بن يسار حمله عن كل منهما، فقد أخرجه ابن سعد [1/360] من طريق زيد بن أسلم، قال: بلغنا أن عبد الله بن سلام كان يقول... فذكره، وأظن المُبلغ لزيد هو عطاء بن يسار، فإنه معروف بالرواية عنه، فيكون هذا شاهداً لرواية سعيد بن أبي هلال، والله أعلم.

وقد ذكر الدارمي والفسوي عقب روايتهما قولهما: قال عطاء بن يسار: وأخبرني أبو واقد الليثي أنه سمع كعباً يقول مثل ما قال ابن سلام.

قلنا: وعن كعب الأحبار أخرجه ابنُ سعد 1/360، والدارمي 1/5 من طريق ذكوان أبي صالح، عن كعب الأحبار. وهو عندهما أيضاً من طريق أبي فروة، عن ابن عباس، أنه سأل كعب الأحبار.

وأخرجه البيهقي في "الدلائل" 1/376-377 من طريق أم الدرداء، قالت: قلت لكعب الأحبار...

وأخرجه البيهقي أيضاً 1/377 من طريق المسيب بن رافع، عن كعب الأحبار.

وأخرجه ابن سعد 1/360 من طريق أبي عبد الله الجدلي، عن كعب.

وفي الباب أيضا عن جبير بن نُفير أخرجه الدارمي 1/6 عن حيوة بن شريح، حدثنا بقيةُ بنُ الوليد، حدثنا بحير بنُ سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نُفير، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "لقد جاءكم رسول إليكم، ليس بوهن ولا كسل، ليختن قلوبا غلفاً، ويفتح أعينا عمياً، ويسمع آذاناً صماً، ويقيم ألسنة عوجاء، حتى يقال: لا إله إلا الله وحده"، وإسناده صحيح إلا أنه مرسل، وصحح إسناده ابن حجر في "الفتح" 8/586.

 

كيف تكون بداية نص من التوراة بنص من القرآن وبأسلوبه مما لا وجود له في التوراة اليهودية المسيحية؟! هؤلاء القدماء كانوا يتكلمون لدهماء ورعاع يصدقون أي شيء وكانوا يثقون أنهم لن يفكروا أو يقدروا أبدًا على الاطلاع على التوراة بأنفسهم، فيالها من سخافة يراها كل ذي عقل وكل مثقف وباحث وعالم أديان مطلع على النصوص.

 

أما عن تفنيد هذه المزاعم فراجع كتابي (تفنيد البشارات المزعومة بمحمد ويسوع)

 

ومن السخافات كذلك زعمهم وجود الأفكار الإسلامية العربية والمحمدية البحتة_ غير المقتبسة من كتاب اليهود المقدس ولا من الهاجاديّات_ في توراة وكتاب اليهود، كتقديس يوم الجمعة الأسبوعي في الإسلام، كما روى أحمد:

 

10303 - قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ، فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ، فَجَلَسْتُ مَعَهُ، فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ، وَحَدَّثْتُهُ عَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ، إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ "، قَالَ كَعْبٌ: " ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً "، فَقُلْتُ: بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ: " صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ، فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبٍ، وَمَا حَدَّثْتُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ كَعْبٌ: " ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ "، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبَ كَعْبٌ، ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ: " بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ "، فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ صَدَقَ كَعْبٌ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه الحاكم 1/278-279 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد. وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

وهو في "الموطأ" 1/108، ومن طريقه أخرجه الشافعي 1/128، وأبو داود (1046) ، والترمذي (491) ، وابن حبان (2772) ، والحاكم 1/278-279 ، والبيهقي 3/250-251، والبغوي (1050) . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وأخرجه النسائي 3/113-115 من طريق بكر بن مضر، عن يزيد بن الهاد، به.

وأخرجه البيهقي 3/251 من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، به، موقوفاً ومختصراً.

وسيتكرر الحديث في مسند عبد الله بن سلام 5/451.

وسيأتي من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة برقم (10545) .

وسيأتي من طريق سعيد بن الحارث، عن أبي سلمة في مسند أبي سعيد الخدري 3/65، وفي مسند عبد الله بن سلام 5/450.

وسيأتي من طريق قيس بن سعد عن أبي سلمة في مسند عبد الله بن سلام  5/453. والروايات مطولة ومختصرة.

ولقوله: "فيه خلق آدم ، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه" ، انظر ما سلف برقم (9207) .

ولقوله: "وما من دابة إلا وهي مُسيخة..."، انظر ما سلف برقم (7687) .

ولقوله: "وفيها ساعة لا يصادفها..."، انظر ما سلف برقم (7151) .

وقول أبي هريرة: خرجت إلى الطور، أي: بلاد الشام، كما قال في مسند عبد الله بن سلام 5/453: قدمت بلاد الشام فلقيت كعباً. قال ياقوت في "معجم البلدان" 4/47: ويقال لجميع بلاد الشام: الطور.

قوله: "مُسيخة" قال ابن الأثير في "النهاية" 2/433، أي: مُصغية مستمعة: وُيروى بالصاد، وهو الأصل.

 

(23781) 24189- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ ، قَالَ : قُلْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ : إِنَّا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ ، فَيَسْأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا ، إِلاَّ أَعْطَاهُ مَا سَأَلَهُ ، فَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : بَعْضُ سَاعَةٍ قَالَ : فَقُلْتُ : صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ أَبُو النَّضْرِ : قَالَ أَبُو سَلَمَةَ : سَأَلْتُهُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ ؟ قَالَ : آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ ، فَقُلْتُ : إِنَّهَا لَيْسَتْ بِسَاعَةِ صَلاَةٍ ، فَقَالَ : بَلَى إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فِي صَلاَةٍ إِذَا صَلَّى ، ثُمَّ قَعَدَ فِي مُصَلاَّهُ لاَ يَحْبِسُهُ إِلاَّ انْتِظَارُ الصَّلاَةِ.

 

إسناده قوي، الضحاك -وهو ابن عثمان بن عبد الله الحِزامي- صدوق لا بأس به من رجال مسلم، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح. عبد الله بن الحارث: هو ابن عبد الملك المخزومي، وأبو النضر: هو سالم بن أبي أُميَّة.

وأخرجه ابن ماجه (1139) من طريق ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان، بهذا الإسناد.

وقد روى أبو سلمة نحو هذا الحديث مرة أخرى عن أبي هريرة في قصة له مع عبد الله بن سلام، كما سيأتي برقم (23785) .

 

ينبغي أن نفهم أن ما كان يقوم به كعب الأحبار قريب أحد أحبار اليهود الذين أسلموا وكذلك صاحب وتابع محمد عبد الله بن سلام كان مجرد "أكل عيش" واحتيال على الرزق لا أكثر من ذلك، فلا أمانة فيه، فالمعروض هنا لا علاقة له بمحتويات التوراة وتوجد مخطوطات للتوراة وكتاب اليهود معثور عليها في خربة قمران (مخطوطات البحر الميت) من الأردن وهي أقدم بقرون طوال من عصر عبد الله بن سلام و كعب الأحبار، تعود إلى القرن الأول الميلادي، وليس فيها هراء كهذا الذي يحكيه. إن مشكلة العرب أنهم احتفظوا لفترة طويلة جدًّا ببدواة وعدم اطلاع على علوم ونصوص الأديان واكتفوا بثقافة سماع واقتباس بدون مراجعة من مقولات من نقلوا لهم خرافات اليهودية والمسيحية ممن أسلموا منهم أو من اليهود والمسيحيين، لحاجة المسلمين لهذه المواد لتكملة الغامض والناقض من نص القرآن بالتفاسير، وبالتالي امتلأت تفاسيرهم بكل غث وتافه وما لا وجود له في خرافات الكتاب المقدس من الأصل! لأن النقلة تلاعبوا وسخروا في كثير من الحالات من المسلمين لأنهم قبلوا مبدأ الاقتباس ولم يعملوا بمبدإ دراسة النصوص الكتابية بأنفسهم مع أنه بديهي في تلك الحالة، وقد قال الخليفة معاوية بن أبي سفيان كما ورد في صحيح البخاري:

 

بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ وَذَكَرَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَقَالَ إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ

 

ولن يأتي ناس درسوا دراسات معقولة لكتاب اليهود بترجماته العربية القديمة التي تعود إلى عصور الخلافات الإسلامية الحاكمة، سوى مع قدوم عصر أشخاص كابن الجوزي كما نرى في كتابه هداية الحيارى والمقريزي وأشخاص درسوا الملل والذاهب كالشهرستاني بكتابه الملل والنحل وغيرهم. لكن حتى هؤلاء تلاعبوا بالنصوص والسياقات كيفما شاؤوا ليقولوا أن لمزاعمهم الإسلامية تأكيدات، وليزعموا تأكيدد خرافاتهم بخرافات اليهود، وهو على كونه أمر غير صحيح فهو كذلك استدلال باطل لأنه استدلال بخرافة على خرافة.

 

 

صيام المسيحيين

 

روى أحمد:

17170 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ مُوسَى بْنُ خَلَفٍ، كَانَ يُعَدُّ فِي الْبُدَلَاءِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ جَدِّهِ مَمْطُورٍ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ، وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ، وَكَادَ أَنْ يُبْطِئَ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: إِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ تَعْمَلَ بِهِنَّ، وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ، فَإِمَّا أَنْ تُبَلِّغَهُنَّ، وَإِمَّا أَنْ أُبَلِّغَهُنَّ . فَقَالَ: يَا أَخِي، إِنِّي أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي أَنْ أُعَذَّبَ أَوْ يُخْسَفَ بِي " . قَالَ: " فَجَمَعَ يَحْيَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، فَقُعِدَ عَلَى الشُّرَفِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ، وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ . أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِوَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَعْمَلُ، وَيُؤَدِّي غَلَّتَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، فَاعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا . وَآمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا . وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ مَعَهُ صُرَّةٌ مِنْ مِسْكٍ فِي عِصَابَةٍ كُلُّهُمْ يَجِدُ رِيحَ الْمِسْكِ، وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.  ...إلخ

 

حديث صحيح، أبو خَلَف موسى بن خَلَف- وإن اختلف فيه- متابع، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح. عفان: هو ابن مسلم الصفار. ممطور: هو الأسود الحبشي أبو سَلام.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (3427) ، وابن الأثير في "أسد الغابة" 1/383 من طريقين عن موسى بن خلف، بهذا الإسناد.

وأخرجه مطولاً ومختصراً الطيالسي (1161) و (1162) ، وابن سعد 4/359، والترمذي (2863) و (2864) ، وأبو يعلى (1571) ، وابن خزيمة في "صحيحه" (1895) ، وفي "التوحيد" ص 15، وابن حبان (6233) ، والآجري في "الشريعة" ص8، والطبراني في "الكبير" (3428) ، وابن منده في "الإيمان"  (212) ، والحاكم 1/421 من طريق أبانَ بن يزيد، وأخرجه الطبراني في "الكبير" (3431) ، والحاكم 11/17 من طريق علي بن المبارك، وأخرجه الحاكم 1/118 من طريق معاوية بن سلاّم، ثلاثتهم عن يحيى بن أبي كثير، به. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي ! قلنا: زيد بن سلام وجدُّه ممطور إنما أخرج لهما البخاري في "الأدب المفرد".

وأخرجه مطولاً ومختصراً ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2510) ، وفي "السنة" (1036) ، والنسائي في "الكبرى" (11349) - وهو في "التفسير" (369) -، وابن خزيمة في "صحيحه" (483) و (930) ، والطبراني في "الكبير" (3430) ، وفي "مسند الشاميين" (2870) ، والحاكم 1/118 و236، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص304 من طريق معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، به.

وسيكرر برقم (17800) سنداً ومتناً، وسيأتي بنحوه مختصراً 5/344 حديث رقم 22910.

قال السندي: أن يعمل بهن: بدل من خمس كلمات.   أن يبطىء: من أبطأه إذا أخّره.  على الشُّرَف: ضبط بضم ففتح، أي: الأمكنة العالية، والمراد: على بعضها.  يَنْصِبُ، أي: يتوجه إلى عبده.  في عصابة: في جماعة، أي: فكما أن ذاك ذو جاه وقدر عندهم، كذلك الصائم عند الله.

خُلُوف: بضم الخاء وجوَّز بعضٌ فتحها، وخطَّأه بعض- تغيُّر ريح الفم، وكونه أطيب: معناه أن صاحبه عند الله تعالى ذو قدر فوق قدر صاحب المسك عندكم.

 

طالما الحديث هنا عن صيام المسيحيين فهو صيام قيل أنه مستوحى من تعاليم البودية والهندوسية بشكل تأثر ما من تلاقح الثقافات، فهو امتناع عن الأشياء التي يعرفونها بأن فيها الروح كاللحوم بكل مصادرها والبيض، بالتالي فهم لا يمتنعون امتناعًا كاملًا لعدد من الساعات في صيامهم عن الطعام والشراب، بل هو امتناع عن نوع من الطعام لفترات زمنية معينة، والمسيحيون كمواطنين مصريين عملت معهم لي علم بعاداتهم في الصيام لو التزموا بها كعدم تناول الألبان وطلب طعام صيامي نعتبره بلهجتنا المصرية الدراجة طعامًا "عدمان" قليل الدسم، ومع عصر العلمنة كنت أجدهم يكبرون أدمغتهم عن صيامات مزعجة كهذه ويأكلون اللحوم في سندوتشات شارومة أو حواوشي مصرية مع الأغلبية المسلمة من الزملاء وهذا أمر حكيم. إن الرائحة الكريهة لفم الصائم المسلم تنتج عن الامتناع التام عن الطعام مع تحلل بقايا الطعام في الفم والأسنان أو جوف المعدة نفسه، وهذا غير حادث لدى المسيحيين وصيامهم على حد علمي. بالتالي فالحديث عن زكريا وعيسى في هذه الأسطورة الإسلامية باطل ملفق وغير منطقي، لكن لا داعي لأن يبتئس المسلمون لذلك فمجمل ما قيل عن ابن مريم في الأناجيل والقرآن وغيرها كله ملفق وأساطير.

 

أما صيام اليهود فهو أشبه أو مماثل لصيام المسلمين لكن الحديث هنا عن صيام المسيحيين فيوحنا ويسوع ليسا من أنبياء ومقدسي اليهود رغم ما قاله الإنجيل عن وجود قدسية وشعبية كبيرة في عصرهما ليوحنا المعمد، وجاء في دائرة المعارف الكتابية لوليم وهبة عن صوم اليهود في مادة صوم:

 

مناسبات الصوم

 

يوم الكفارة حيث كان على بنى إسرائيل أن يذللوا نفوسهم ( لا 16 : 29 34 ، 23 : 27 32 ، عد 29 : 7 ) و لاشك في أن " تذليل النفس " يتضمن " الصوم " إذ أن كلمة " الصوم ومشتقاتها " لا تذكر مطلقاً في أسفار موسى الخمسة . وقد جاء في مخطوطات قمران أن الكاهن الشرير يجعلهم يعثرون في " يوم الصيام " ( في إشارة إلى يوم الكفارة ) فقد كان هو اليوم الوحيد الذي أمرت الشريعة بالصوم فيه .

وقد جاء في " المشنا " اليهودية ، انه ممنوع في يوم الكفارة الأكل أو الشرب أو الاستحمام أو الادهان أو لبس النعال أو المعاشرة الزوجية ، وإذا حل يوم الكفارة في يوم سبت ، يكون للصوم الأولوية ( مشنا " مناهوت " 11 : 9 ) .

 

( ب ) وقت الشدة :

بالاضافة إلى الصوم في يوم الكفارة الذي أمرت الشريعة كان اليهود يصومون في أوقات أخرى لم تأمر بها الشريعة وبخاصة في أوقات الشدة والضيق ، وكان البعض منها عاماً والبعض الآخر فردياً :

( 1 ) في زمن الحرب أو التهديد بالحرب : فقد صام بنو إسرائيل في بيت إيل عند حروبهم ضد بني بنيامين ( قض 20 : 26 ) ، وفي المصفاة عند حربهم مع الفلسطينيين ( 1 صم 7 : 6 ) ، ولم يأكل شاول الملك " طعاماً النهار كله والليل " قبل زيارته لعرافة عيد دور ( 1 صم 28 : 7 20 ) .

وكان يمكن فرض الصيام على المحاربين في وقت القتال ( قض 20 : 26 ، 1 صم 7 : 6 ) ، ولو أنه لا دليل على أنه كان أمراً مطلوباً دائماً ، وقد لعن شاول كل رجل يأكل خبزاً الى أن ينتقم من أعدائه ، وقد تعرض يوناثان ابنه للقتل لأنه خالف أمر أبيه ، لولا أن تدخل الشعب لانقاذه ( 1 صم 14 : 24 45 ) .

 

( 2 ) وقت المرض : فقد صام داود وبكى عندما مرض ابنه ، ولكن لما مات الولد اغتسل وادهن وبدل ثيابه وسجد في بيت الرب ، ثم طلب طعاما وأكل ( 2 صم 12 : 16 23 ) ويقول المرنم عن اعدائه إنه : " في مرضهم كان لباسي مسحا أذللت بالصوم نفسي " ( مز 35 : 13 ) .

( 3 ) وقت النوح : فقد صام رجال يابيش جلعاد سبعة أيام من أجل مقتل شاول ( 1 صم 31 : 13 ، 1 أخ 10 : 12 ) كما صام داود والشعب الى المساء أيضا لأجل شاول ويوناثان ( 2 صم 1 : 12 ) .

.....إلخ

 

( جـ ) مدة الصوم :

كان الصوم عادة لمدة يوم واحد من شروق الشمس إلى مغربها ( قض 20 : 26 ، 1 صم 14 : 24 ، 2 صم 1 : 12 ، 3 : 35 ) وربما كان لليلة واحدة ( دانيال 6 : 18 ) واستمر صوم استير ثلاثة أيام ليلاً ونهاراً ويبدو أن هذه كانت حالة خاصة ( اس 4 : 16 ) ، وصام أهل يابيش جلعاد سبعة أيام لموت شاول ( 1 صم 31 : 13 ، 1 أخ 10 : 12 ) وصام داود سبعة أيام عند مرض إبنه ( 2 صم 12 : 16 18)

وقد صام موسى أربعين يوما ( خر 34 : 28 ، تث 9 : 9 ) ، وكذلك صام إيليا ( 1 مل 19 : 8 ) .

ويقول دانيال : " كنت نائحا ثلاثة اسابيع أيام ولم آكل طعاما شهيا ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر ، ولم أدهن حتى تمت ثلاثة اسابيع ايام " ( دا 10 : 2 و 3 ) ، ولكنه لا يسمى ذلك صوما .

 

لكن كما أشرت فالحديث هنا هو عن صيام المسيحيين لا صيام اليهود.

 

اليهود يحسدون المسلمين على كلمة آمين بزعم الأحاديث

 

روى البخاري في (الأدب المفرد):

 

988 - حدثنا إسحاق قال أخبرنا عبد الصمد قال حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين

 

قال الألباني: صحيح. اهـ. ورواه ابن ماجه 856

 

وروى ابن خزيمة في صحيحه:

 

574 - أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا أبو بشر الواسطي نا خالد - يعني ابن عبد الله - عن سهيل - وهو ابن أبي صالح - عن أبيه عن عائشة قالت: دخل اليهود على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : السأم عليك يا محمد فقال النبي صلى الله عليه و سلم : وعليك فقالت عائشة : فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه و سلم لذلك فسكت ثم دخل آخر فقال : السأم عليك فقال : عليك فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه و سلم لذلك ثم دخل الثالث فقال : السأم عليك فلم أصبر حتى قلت : وعليك السام وغضب الله ولعنته إخوان القردة والخنازير أتحيون رسول الله صلى الله عليه و سلم بما لم يحيه الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش قالوا قولا فرددنا عليهم إن اليهود قوم حسد وهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى آمين

 قال أبو بكر خبر ابن أبي مليكة عن عائشة في هذه القصة قد خرجته في كتاب الكبير

 

قال الأعظمي : إسناده صحيح

 

1585 - أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا أبو بشر الواسطي نا خالد ـ يعني ابن عبد الله ـ عن سهيل عن أبيه عن عائشة قالت: دخل يهودي على النبي صلى الله عليه و سلم فقال : السام عليك فقال النبي صلى الله عليه و سلم : و عليك قالت عائشة : فهممت أن أتكلم فعرفت كراهية رسول الله صلى الله عليه و سلم لذلك فسكت ثم دخل آخر فقال : السام عليك فقال : و عليك فهممت أن أتكلم فعرفت كراهية النبي صلى الله عليه و سلم لذلك ثم دخل الثالث فقال : السام عليك فلم أصبر حتى قلت : و عليك السام و غضب الله و لعنته إخوان القردة و الخنازير أتحيون رسول الله بما لم يحيه الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله لا يحب الفحش و التفحش قالوا قولا فرددنا عليهم إن اليهود قوم حسد و إنهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام و على آمين

 

قال الأعظمي : إسناده صحيح

 

وروى أحمد:

 

25029 - حدثنا علي بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمر بن قيس، عن محمد بن الأشعث، عن عائشة، قالت: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ استأذن رجل من اليهود، فأذن له، فقال: السام عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وعليك " قالت: فهممت أن أتكلم، قالت: ثم دخل الثانية، فقال مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وعليك " قالت: ثم دخل الثالثة، فقال: السام عليك، قالت: فقلت: بل السام عليكم وغضب الله إخوان القردة والخنازير، أتحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يحيه به الله ؟ قالت: فنظر إلي، فقال: " مه، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولا، فرددناه عليهم، فلم يضرنا شيء، ولزمهم إلى يوم القيامة، إنهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين "

 

حديث صحيح ، علي بن عاصم : وهو الواسطي ، وإن كان ضعيفاً ، قد توبع ، ومحمد بن الأشعث بن قيس : روى عنه جمع ، وذكره ابن حبان في "الثقات" وبقية رجاله ثقات ، وحصين بن عبد الرحمن : هو السلمي ، وعمر بن قيس : هو الماصر .

وأخرجه مطولاً دون قصة الجمعة والقبلة ابن خزيمة (574) و (1585) عن أبي بشر الواسطي إسحاق بن شاهين ، عن خالد بن عبد الله الواسطي ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن عائشة ، وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه البيهقي 2 / 56 من طريق سليمان ، عن حصين ، به "أنهم حسدونا على القبلة التي هُدينا لها وضلوا عنها ، وعلى الجمعة التي هُدينا لها وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإمام آمين".

وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (988) ، وابن ماجه (856) من طريق حماد بن سلمة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن عائشة ، مختصراً بلفظ : "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين" . وإسناده صحيح .

قلنا : وقد سلف في الرواية (24090) ، وسيأتي بالرواية رقم (25924) وإسناداهما صحيحان .

ويشهد للجمعة حديث أبي هريرة عند البخاري (876) ، ومسلم (855) .

 

كلام عجيب جدًّا، اليهود خاصة المعاصرين درس علماؤهم العلمانيون والمتدينون العلمانيون الإسلام دراسات وافية وهم لا يحسدون المسلمين، بل ربما كناس تخلصوا من خرافات التوراة إلى حد كبير وتشريعاتها الدموية وتعلمنوا يشفقون على المسلمين أحيانًا لما هم فيهم من تأخر، ولا يوجد لدى يهودي متدين تقليدي سبب ليحسد المسلم على كلمة آمين، لأن الكلمة توجد كذلك لدى اليهود والمسيحيين ويستعلمونها في صلواتهم، ووردت في الإنجيل ويستعملها المسيحيون عمومًا بمعنيين: استجب، أو كقول المسلمين: حقًّا!، أو هكذا فليكن. وهي أقدم من الإسلام بكثير، وكمثال:

 

(4 وأرد إلى هذا الموضع يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا وكل سبي يهوذا الذين ذهبوا إلى بابل يقول الرب لأني أكسر نير ملك بابل 5 فكلم إرميا النبي حننيا النبي أمام الكهنة وأمام كل الشعب الواقفين في بيت الرب 6  وقال إرميا النبي آمين هكذا ليصنع الرب ليقم الرب كلامك الذي تنبأتَ به فيردَّ آنية بيت الرب وكل السبي من بابل إلى هذا الموضع) إرميا 28

 

(48 مبارك الرب إله إسرائيل من الأزل وإلى الأبد و يقول كل الشعب آمين هللويا) المزمور 106

 

( 13 مبارك الرب إله اسرائيل من الأزل وإلى الأبد آمين فآمين) المزمور 41

 

(19 ومبارك اسم مجده إلى الدهر و لتمتلئ الأرض كلها من مجده آمين ثم آمين تمت صلوات داود بن يسى) المزمور 72

 

(21 يستحلف الكاهن المرأة بحلف اللعنة ويقول الكاهن للمرأة يجعلك الرب لعنة وحلفا بين شعبك بأن يجعل الرب فخذك ساقطة وبطنك وارمًا22  ويدخل ماء اللعنة هذا في أحشائك لورم البطن ولإسقاط الفخذ فتقول المراة آمين آمين) العدد 5

 

اسم جبريل عبد الله!

 

روى أحمد:

 

20176 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: " اسْمُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَبْدُ اللهِ، وَاسْمُ مِيكَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عُبَيْدُ اللهِ".

 

أثر حسن، محمد بن إسحاق- وهو ابن يسار المطلِبي مولاهم-  صدوق حسن الحديث وهو مدلس وقد عنعن، وباقي رجال الإسناد ثقات.

محمد بن سلمة: هو الحَرَاني، وعلي بن الحسين: هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي.

وأخرجه الطبري في "تفسيره" 1/437 من طريق سلمة بن الفضل، وأبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (382) من طريق إسماعيل بن عياش، كلاهما عن محمد بن إسحاق بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسير سورة البقرة (971) من طريق عبد الله بن الأجلح، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن علي بن الحسين. وابن الأجلح صدوق.

وأخرجه الطبري 1/437 من طريق أبي أحمد الزبيري، عن سفيان الثوري، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن علي بن الحسين.

وأخرجه أيضاً 1/437 من طريق قبيصة بن عقبة، عن سفيان الثوري، عن محمد المدني- قال قبيصة: أُراه محمد بن إسحاق- عن محمد بن عمرو بن عطاء، به.

وروي نحوه عن ابن عباس وعكرمة عند الطبري 1/437.

 

سخافة مغالى فيها، وكما ذكرت بمواضع أخرى معظم أسماء أنبياء وملائكة القرآن عبرية لأنها مأخوذة من خرافات قصص كتاب اليهود، ويتعجب المرء من إله مزعوم يرسل عشرات الرسل الخرافين لأمة واحدة بدوية قليلة العدد ويترك الأمم الضخمة كمصر وبابل والهند والصين واليابان بدون رسول واحد بالتوحيد يكون معروفًا في تواريخهم أو حتى يزعم القرآن والتوراة أنه كان له وجود تاريخي. ولاحقًا صار هناك ملائكة بأسماء عربية مما اخترعه محمد كمالك خازن جهنم المذكور في القرآن.

 

أسماءُ وَلَدِ هارون

 

769- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَرُونِي ابْنِي ، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : حَرْبًا . قَالَ : بَلْ هُوَ حَسَنٌ فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَرُونِي ابْنِي ، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ قَالَ : قُلْتُ حَرْبًا . قَالَ : بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَرُونِي ابْنِي ، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ قُلْتُ : حَرْبًا . قَالَ : بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ ثُمَّ قَالَ : سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ شَبَّرُ ، وَشَبِيرُ ، وَمُشَبِّرٌ. (1/98)

 

إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هانئ بن هانئ، فقد روى له أصحاب السنن، ولم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي، قال النسائي: ليس به باس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة، قال: وكان يتشيع، وقال ابن المديني: مجهول، وقال حرملة عن الشافعي: هانئ بن هانئ لا يعرف، وأهلُ العلم بالحديث لا ينسبون حديثه؟ لجهالةِ حاله، وقال الحافظ في "التقريب": مستور.

وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (823) ، والبزار (742) ، وابن حبان (6958) ، والطبراني في "الكبير" (2773) ، والحاكم 3/165 و180، والبيهقي  6/166 من طرق عن إسرائيل، بهذا الإسناد. وصحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي!

وفي رواية البزار "جبر وجبير ومجبر".

وأخرجه الطبراني (2774) من طريق زكريا بن أبي زائدة، و (2776) من طريق يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، والحاكم 3/168 من طريق يونس بن أبي إسحاق، ثلاثتهم عن أبي إسحاق، به. ولم يذكر يوسف بن إسحاق في حديثه أولاد هارون.

وأخرجه الطيالسي (129) ، ومن طريقه البزار (743) عن قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، به. إلا أنه لم يذكر في حديثه الولد الثالث ولا أولاد هارون، وزاد فيه أن علياً قال: كنت أحب أن أكتني بأبي حرب.

وأخرجه الطبراني (2775) من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي، عن قيس بن الربيع، به. مختصراً، بقصة الحسن وحده.

وأخرجه الطبراني (2777) من طريق يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي... فذكره بطوله، إلا أنه لم يذكر فيه محسناً ومشبراً.

وسالم يدلس ويرسل، ولم يصرح هنا بالسماع. وسيأتي الحديث برقم (953) .

وأخرج المرفوع منه، وهو قوله: "إني سميت ابنيّ هذين حسناً وحسيناً، بأسماء ابنَي هارون شبر وشبير" أحمد في "فضائل الصحابة" (1367) عن وكيع، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره.

قلنا: وقد جاء في التسمية سبب آخر، وهو من حديث علي أيضاً، وسيأتي في "المسند" برقم (1370) ، وسنده حسن.

 

الحديث متشيع على الأغلب والأصح:

 

الكافي للكليني: 6779 - 9 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم ابن أبي البلاد، عن أبي المكي، قال: رأيت أباعبدالله (ع) دخل الحجر من ناحية الباب فقام يصلي على قدر ذراعين من البيت فقلت له: ما رأيت أحدا من أهل بيتك يصلي بحيال الميزاب؟ فقال: هذا مصلى شبر وشبير ابني هارون.

 

الكافي، كتاب العقيقة،باب فضل الولد: (10432) 1 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الولد الصالح ريحانة من الله قسمها بين عباده وإن ريحانتي من الدنيا الحسن والحسين، سميتهما باسم سبطين من بني إسرائيل شبرا وشبيرا.

 

الروضة، الفضائل: ....وأخوه ووصيه وخليفته في امته وأحب خلق الله إليه بعده علي بن أبي طالب ابن عمه لابيه وامه وولي كل مؤمن ومؤمنة بعده ، ثم أحد عشر رجلا من بعده من ولدمحمد من ابنته فاطمة عليها السلام أول ولدهم مثل ابني موسى وهارون ( 2 ) شبر وشبير ، وتسعة من ولدهم أصفهم واحدا بعد واحد ، آخرهم الذي يؤم بعيسى بن مريم وفيه تسمية انصارهم ومن يظهرمنهم ، ثم يملاالارض قسطاوعدلا ويملكون مابين المشرق إلى المغرب حتي يظهر هم الله على الاديان كلها ،....

 

كتاب الخصال: ... فقال لهم علي عليه السلام : يا معشر اليهود أعرضوا علي مسائلكم .
فقالوا له متل ما قالوا لعمر .
فقال لهم علي عليه السلام : أتريدون أن تسألوا عن شئ سوى هذا ؟ قالوا : لا يا أبا شبر وشبير ....

 

 

قصص الأنبياء للرواندي: سئل الصادق عليه السلام : أيهما مات هارون مات قبل أم موسى صلوات الله عليهما ؟
قال : هارون مات قبل موسى . وسئل : أيهما كان أكبر هارون أم موسى ؟
قال : هارون ، قال : وكان اسم ابني هارون شبرا وشبيرا ، وتفسيرهما بالعربية الحسن والحسين .

 

أمالي الصدوق: .... قال اليهودي فأخبرني عن خمسة أشياء مكتوبات في التوراة - وساقه إلى أن قال - : فقال النبي صلى الله عليه وآله : أول ما في التوراة مكتوب : محمد رسول الله ، وهي بالعبرانية طاب ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية : " يجدونه مكتوبا عندهم في التورية والانجيل ، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " وفي السطر الثاني اسم وصيي علي بن أبي طالب ، وفي الثالث والرابع سبطي الحسن و الحسين ، وفي السطر الخامس امهما فاطمة سيدة نساء العالمين ، وفي التوراة اسم وصيي إلياء ، واسم السبطين شبر وشبير وهما نورا فاطمة . قال اليهودي : صدقت يا محمد . ...

 

في كتاب سليم بن قيس عن أبان بن أبي عياش عنه قال : أقبلنا من صفين مع أميرالمؤمنين عليه السلام فنزل العسكر قريبا من دير نصراني ، إذ خرج علينا من الدير شيخ جميل حسن الوجه ، حسن الهيئة والسمت ، معه كتاب في يده ، حتى أتى أميرالمؤمنين عليه السلام فسلم عليه بالخلافة ، فقال علي عليه السلام : مرحبا يا أخي شمعون بن حمون ، كيف حالك رحمك الله ؟ فقال : بخير يا أميرالمؤمنين ، وسيد المسلمين ، ووصي رسول رب العالمين ، إني من نسل رجل من حواري عيسى بن مريم عليه السلام .
وفي رواية اخرى : أنا من نسل حواري أخيك عيسى بن مريم عليه السلام .
من نسل شمعون بن يوحنا ، وكان أفضل حواري عيسى بن مريم عليه السلام الاثنى عشر ، وأحبهم إليه ، وآثرهم عنده ، وإليه أوصى عيسى عليه السلام ، وإليه دفع كتبه علمه وحمته ، فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين عليه لم يكفروا ولم يبدلوا ولم يغيروا ، و تلك الكتب عندى إملاء عيسى بن مريم عليه السلام ، وخط أبينا بيده ، وفيه كل شئ يفعل الناس من بعده ملك ملك وما يملك ، وما يكون في زمان كل ملك منهم حتى يبعت الله رجلا من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ، من أرض تدعى تهامة ، من قرية يقال لها : مكة ، يقال له : أحمد ، الانجل لعينين ، المقرون الحاجبين ، صاحب الناقة والحمار ، والقضيب ولاتاج ، يعني العمامة ، له اثنا عشر اسما ، ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ، ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه ، وكم يعيش ، وما تلقى امته بعده إلى أن ينزل الله عيسى بن مريم عليه السلام من السمآء ، فذكر في ذلك الكتاب ثلاثة عشر رجلا من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهم هم خير من خلق الله ، وأحب من خلق الله إلى الله ، وإن الله ولي من والاهم ، وعدو من عاداهم ، من أطاعهم اهتدى ، ومن عصاهم ضل ، طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية ، مكتوبة فيه أسماؤهم وأنسابهم ونعتهم ، وكم يعيش كل رجل منهم واحد بعد واحد، وكم رجل منهم يستر أدلة للناس حتى ينزل الله عيسى عليه السلام على آخرهم ، فيصلي عيسى عليه السلام خلفه ، ويقول : إتكم أئممة لا ينبغي لاحد أن يتقدمكم ، فيتقدم فيصلي بالناس ، وعيسى عليه السلام خلفه في الصف، أولهم وأفضلهم وخيرهم ، له مثل اجورهم ، واجور من أطاعهم ، واهتدى بهداهم ، أحمد رسول الله صلى الله عليه واله ، واسمه محمد ، وياسين ، والفتاح ، والختام، والحاشر ، و العاقب ، والماحي .
وفي نسخة اخرى : مكان الماحي الفتاح والقائد ، وهو نبى الله ، وخليل الله ، و حبيب الله ، وصفية وأمينه وخيرته ، ير تقلبه في الساجدين .
وفي نسخة اخرى : يراه تقلبه في الساجدين ، يعني في أصلاب النبيين .
ويكلمه برحمته ، فيذكر إذا ذكرو هم اكرم خلق الله على الله ، وأحبهم إلى الله ، لم يخلق الله خلقا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا آدم فمن سواه خيرا عند الله ولا أحب لالى الله منه ، يقعده يوم القيامة على عرشه ، ويشفعه في كل  من يشفع فيه ، باسمه جرى القلم في في اللوح المحفوظ ، في ام الكتاب ، ثم أخوه احب اللوآء إلى يوم المحشر الاكبر ، ووصيه ووزيره وخليفته في امته ، وأحب خلق الله إلى الله بعده على بن أبي طالب عليه السلام .
ولي كل مؤمن بعده ، ثم أحد عشر إماما من ولد محمد وولد الاول : اثنان منهم سميا ابني هارون : شبر وشبير .

 

نص الكفاية : أبوالمفضل الشيباني ، عن موسى بن عبيدالله بن يحيى بن خاقان ، عن محمد بن عبدالله بن إبراهيم الشافعي ، عن محمد بن حماد بن ماهان الدباغ ، عن عيسى بن إبراهيم ، عن الحارث بن نبهان ، عن عيسى بن يقظان، عن أبي سعيد ، عن مكحول عن واثلة بن الاسقع ، عن جابر بن عبدالله الانصاري قال دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد أخبرني عما ليس لله ، وعما ليس عندالله ، وعما لايعلمه الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أما ماليس لله فليس لله شريك ، وأما ما ليس عندالله فليس عند الله ظلم للعباد ، وأما مالا يعلمه الله فذلك قولكم يامعشر اليهود : عزير بن الله والله لايعلم أن له ولدا ، فقال جندل : أشهد أن لاإله إلا الله وأنك رسول الله حقا . ثم قال : يارسول الله إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران عليه السلام فقال لي : يا جندل أسلم على يد محمد واستمسك بالاوصياء من بعده : فقد أسلمت ورزقني الله ذلك ، فأخبرني ما الاوصياء  بعدك لاتمسك بهم ؟ فقال : ياجندل أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل ، فقال : يارسول الله إنهم كانوا اثني عشر ، هكذا وجدنا في التوراة قال : نعم الائمة بعدي اثنا عشر ، فقال : يارسول الله كلهم في زمن واحد ؟ قال : لا ولكن خلف بعد خلف ، فإنك لن تدرك منهم إلا تدرك منهم إلا ثلاثه ، قال : فسمهم لي يارسول الله : قال : نعم إنك تدرك سيد الاوصياء ووارث الانبياء وأبا الائمة علي بن أبي طالب بعدي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحسين ، فاستمسك بهم من بعدي ولايغرنك جهل الجاهلين ، فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سيد العابدين يقضي الله عليك ، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن .
فقال : يارسول الله هكذا وجدت في التوراة " إليا يقطوا شبرا وشبيرا " فلم أعرف أساميهم ، فكم بعد الحسين من الاوصياء وما أساميهم ؟ فقال : تسعة من طلب الحسين والمهدي منهم ، فإذا انقضت مدة الحسين قام بالامر بعده علي ابنه ويلقب بزين العابدين فإذا انقضت مدة علي قام بالامر بعده ابنه يدعى بالباقر ، فإذا انقضت مدة محمد قام بالامر بعده جعفر ويدعى بالصادق ، فإذا انقضت مدة جعفر قام بالامر بعده موسى ويدعى بالكاظم ، ثم إذا انتهت مدة موسى قام بالامر بعده ابنه علي ويدعى بالرضا ، فإذا انقضت مدة علي قام بالامر بعده ابنه محمد يدعى بالزكي ، فإذا انقضت مدة محمد قام بالامر بعده علي ابنه ويدعى بالنقي ، فإذا انقضت مدة علي قام بالامر بعده الحسن ابنه يدعى بالامين ثم يغيب عنهم إمامهم ، قال يارسول الله هوالحسن يغيب عنهم ؟ قال : لاولكن ابنه الحجة ، قال : يا رسول الله فما ؟ قال : لايسمى حتى يظهره الله . ......إلخ

 

 

أمالي الصدوق: ... فاذا أنا برجل قد خرج إلي فقال : أما البغلة والكسوة فأعرفهما ، والله ما كان فلا يحملك ويكسوك إلا أنك تحب الله عزوجل ورسوله ، فحدثني بحديث في فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : فقلت : أخبرني أبي عن أبيه جده ، قال : كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه وآله إذ جاءت فاطمة عليها السلام تبكي بكاء شديدا ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت : يا أبت عيرتني نساء قريش وقلن : إن أباك وزوجك من معدم لا مال له ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : لا تبكين فوالله ما زوجتك حتى زوجل الله من فوق عرشه ، وأشهد بذلك جبرئيل وميكائيل ، وإن الله عزوجل اطلع على أهل الدنيا فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيا ، ثم اطلع الثانية فاختار من الخلائق عليا فزوجك إياه واتخذه وصيا ، فعلي أشجع الناس قلبا ، وأحلم الناس حلما ، وأسمح الناس كفا ، وأقدم الناس سلما ، وأعلم الناس علما ، والحسن والحسين ابناه وهما سيدا شباب أهل الجنة ، واسمهما في التوراة شبر وشبير ، لكرامتهما على الله عزوجل ، يا فاطمة لا تبكين فوالله إنه إذا كان يوم القيامة يكسى أبوك حلتين وعلي حلتين ولواء الحمد بيدى ، فاناوله عليا لكرامته على الله عزوجل ، يا فاطمة لا تبكيَّنِ فإني إذا دعيت إلى رب العالمين يجئ علي معي ، وإذا شفعني الله عزوجل شفع عليا معي ، يا فاطمة لا تبكين إذا كان يوم القيامة ينادي مناد في أهوال ذلك اليوم : يا محمد نعم الجد جدك إبراهيم خليل الرحمان ، ....إلخ

 

ولا يوجد في توراة اليهود أن أسماء أولاد هارون هكذا، بل هم:

 

(23وَأَخَذَ هَارُونُ أَلِيشَابَعَ بِنْتَ عَمِّينَادَابَ أُخْتَ نَحْشُونَ زَوْجَةً لَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ نَادَابَ وَأَبِيهُوَ وَأَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ.) الخروج6: 23    0.000000 0.000000

 

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.