1 حروب محمد الإجرامية - غزوات محمد الإرهابية الدموية - الإرهاب المحمدي الإسلامي

النقد الشامل لنصوص الإسلام:

 كتب سيرة محمد والقرآن والأحاديث

 

الجزء الأول: مغازي محمد وأصحابه الإجرامية

 

 

 

 

 

 

 

لؤي عشريّ

 

Criminal Wars of  Mohammed and His followers,

 by Loay Ashry

الإصدار الثالث مزيَّدًا بأحداث وشواهد إضافية وبعض التصحيحات

 

 

 

 

 

 

 

 

          تمهيد من أقوال مفكرين وشعراء

 

"....لكنني استنتجت في كل مكان كم ينسج الناس من روايات الخيال لكي يتجنبوا رؤية العالم وجهاً لوجه. إن خلق العوالم الخلقية لم يكن ليكون فظيعًا لولا أن ثمنه عظيم: نسيان الواقع، وبالتالي إهمال مذنِب للعالَم الوحيد الموجود. عندما يتخاصم الإيمان مع قانون الأسباب الملازمة، أي مع الذات، تتصالح الفكرة الإلحادية مع الأرض، ذلك الاسم الآخر للحياة."

 

ميشيل أونفراي، نفي اللاهوت ص 13 من الترجمة العربية

 

إنني لا أحمل أي احتقار للمؤمنين ولا أجدهم مثار سخرية أو مبعث شفقة، ولكن يصيبني اليأس أن أراهم يفضلون تخييلات الأطفال المهدئة على يقينيات الراشدين القاسية: إنهم يفضلون الإيمان المسكّن على العقل الذي يشغل البال، حتى لو كان ثمن ذلك طفولية ذهنية. تلك إذن عملية مراوغة ميتافيزيقية ثمنها ضخم وهائل.

 

وبذلك فأنا أشعر بما يصعد دائماً من أعماق أعماقي كلما شهدتُ عملية استلاب فكريّ بيّن: أحس بتعاطف تجاه الشخص المخدوع يصاحبه غضب ضد أولئك الذين يخدعون الناس باستمرار. فلا أحمل ضغينة تجاه الإنسان الساجد هناك، ولكني أحمل بالمقابل إيماناً راسخاً بأن لا أسالم أبداً من يدعونهم إلى هذه الوضعية المهينة ومن يجعلونهم يستمرون فيها. فمن يستطيع احتقار الضحايا؟ وكيف العدول عن محاربة جلاديهم.

 

إن البؤس الروحيّ يولِّد التخلي عن الذات والتضحية بالنفس، إنه يساوي البؤس الجنسي والعقلي والسياسي والفكري وغيره من بؤس آخر، غريب كيف أن مشهد حمق واستلاب الجار يستثير ابتسام سخرية من يغفل عن رؤية حمقه واستلابه هو. إن المسيحي الذي يأكل السمك يوم الجمعة يبتسم من رؤية المسلم يرفض أكل لحم الخنزير، ويستهزئ من اليهودي وهو يرد القشريات...وينظر المتعبد اليهودي الذي يتهزهز أمام حائط المبكى باندهاش للمسيحي الجاثي قبالة مركع صلاته، في الوقت الذي يطرح المسلم سجادته صوب مكة. ومع ذلك فلا أحد بينهم يستنتج أن القشة في نظر الجار تساوي العارضة في نظره هو، وأن الروح النقدية الدقيقة المرحَّب بها دائماً كلما تعلق الأمر بالغير ستنتصر كثيراً لو امتدت لتُطبَّق على السنن الذاتية.

 

إن ميل الناس إلى السذاجة والتصديق يفوق كل تصور، وإن رغبتهم بعدم النظر لما هو بديهي وتطلعهم لرؤية عالم أكثر بهجة، حتى لو كان هذا العالم من جنس الخيال المطلق، وكذا استعدادهم لعدم التبصر، لا تعرف حدوداً. إنهم يفضلون الخرافات والخيالات والأساطير والحكايات الجديرة بالأطفال بدل رفع اللثام عن حقيقة العالم القاسية التي تجبر المرء على تحمل بديهية مأساوية العالم.

 

ميشيل أونفراي، نفي اللاهوت ص 15-16 من الترجمة العربية

يتلون أسفارَهم والحق يخبرني            بأن آخرَها مَيْنٌ وأولها

صدقتَ يا عقلُ فليبعُد أخو سفهٍ      صاغ الأحاديث إفكاً أو تأوَّلها

وليس حَبرٌ ببِدعٍ في صحابته            إن سامَ نفعاً بأخبارٍ تقوَّلَها

وإنما رامَ نسواناً تزوَّجها                 بما افتراه وأموالاً تموّلها

طال العناءُ بكون الشخصِ في أممٍ     تُعدُّ فِرية غاويها معوِّلَها

وصاحب الشرع كان القدس قبلته      صلّى إليها زماناً ثم حوّلها

لا يخدعنَّك داعٍ قام في ملإٍ            بخُطبةٍ زانَ معناها وطوَّلَها

فما العظات وإن راعَت سوى حِيَلٍ   من ذي مقالٍ على ناس تحوِّلها

 

هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت     ويهودُ حارت والمجوس مضلَّلة

اثنان أهل الأرض: ذو عقلٍ بلا        دينٍ وآخرُ دَيِّن لا عقلَ له

 

حديثٌ جاء عن هابيل     في الدهر وقابيلا

وطيرٌ عكفت يوماً          على الجيش أبابيلا

لبسنا من مدى             الأيام للغي سرابيلا

 

تلوا باطلاً وجلَوْا صارماً     وقالوا حق فقلنا نعم!

 

كل الذي تحكون عن مولاكم   كذبٌ أتاكم عن يهود يُحبَّر

رامتْ به الأحبارُ نيلَ معيشةٍ    في الدهر والعمل القبيح يُتبَّر

 

هل صح قولٌ من الحاكي فنقبله   أم كل ذلك أباطيل وأسمار؟

أما العقول فآلت أنه كذبٌ       والعقل غرس له بالصدق إثمار

 

من شعر أبي العلاء المعري

 

في القرآن نصان

واحد للذئاب

وواحد للخرفان

فالاعتدال في الإسلام كذبة كاذب كذّاب

فنص الذئاب

أكثر من ثلاثة أرباع الكتاب

آيات تدعو المسلمين والأعراب

إلى القتل والنسف والإلغاء والإرهاب

 

من قصيدة قصيرة للشاعر السوري غيورغي فاسيلييف بعنوان (القرآن المقروء)

 

عليكِ ما تنوين لا تُخدعي    عن طيب عيشٍ بالأباطيل

فتاركُ اليومِ لما في غدِ        أحق معقولٍ بتجهيل

ما أحمق من                يسأل تعجيلاً بتأجيل

 

عمرو الأعور الخاركي

غصب المسكين زوجته ... فجرت عيناه من درره

ما قضى المسكين من وطرٍ ... لا ولا المعشار من وطره

عذت بالله اللطيف بنا ... أن يكون الجور من قدره

 

صالح بن عبد القدوس، متحدثاً عن إجبار محمد لزيد وزينب على الفرقة وزواجه بالإكراه من زينب بنت جحش، وقد استشهد شهيداً لكلمته على يد جلاد الخليفة الرشيد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة الكتاب

أكتب كتابي هذا في نقد الإسلام من خلال نصوصه عن سيرة محمد وأصحابه ونص القرآن والأحاديث، شارعًا في صياغة وتأليف هذا الجزء الأول المخصَّص لسرد ونقد وكشف جرائم محمد وصحبه الحربية ضد الإنسانية وحقوق البشر، وما ارتكبوه من بشاعات، على أن يتلوه جزء آخر يتناول نقدًا لنصوص القرآن والأحاديث من الجوانب الأخرى.

 

 حقيقةً كان تركي القاطع للإسلام بعد دراستي وكشفي له، واتباعي ومناصرتي المخلصة للفكر الحر والعقلانية أو اللادينية الإلحاد منذ العام 2006م، ومنذ ذلك الوقت_رغم مروري بظروف سيئة ببلد تحوط مواطنيه العامة تلك الظروف، ناهيك عن شخص مضطهد ملفوظ من أسرته ومجتمعه الديني لمواجهته للخرافات والتعصب ونشره الفكر النقدي والكتب العلمية_ألفت الكثير من الكتب في نقد الأديان، ولعلي ضيعت وقتًا لا بأس به في نقد ودراسة الكتابين اليهودي والمسيحي في بحثين ضخمين باسمي المستعار القديم (راهب العلم) الذي نشرته في منتدى الملحدين وقتئذٍ، ونشره لي موقع الحوار المتمدن بل ومواقع لا تنتمي إلى تياري الفكري بالضبط كموقع العدميين العرب، بل وموقع غير إلحادي مثل موقع النورانيين! على أي حال منذ ذلك الوقت وكتابتي لكتاب شامل في نقد الإسلام من خلال نقد لكل نصوصه الأساسية بشكل مدمج مضفِّر لكل تلك النصوص معًا وفق المواضيع كان حلمًا كبيرًا لي وربما لكثيرين غيري لا سيما من موقع الملحدين العرب (طيب الذكر المغلق كما يبدو بلا عودة)، إلا أن الإسلام تميز بكثرة وتوزع نصوصه وضخامتها أكثر بكثير حتى من حجم التاناخ أو الكتاب العبراني المقدس، ووجدت أنك لا يسعك نقد القرآن دون ربطه بمعانيه ومقاصده وأسباب نزوله وخلفياته من أحداث سيرة محمد وأفعاله وأفعال أصحابه، بالتالي لتأليف كتاب قوي متين الحجج والأدلة والمعلومات يحتاج من ينتقد الإسلام برأيي لدراسة كتب السيرة ومنها بالأخص السيرة النبوية لابن هشام عن ابن إسحاق وكتاب المغازي للواقدي والطبقات الكبير لابن سعد، مع تدعيمهم بالشواهد والأحاديث من كتب الحديث فهناك شواهد للواقدي مثلًا من مسند أحمد ولابن إسحاق من البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم، مع دراسة نقدية في الجزء الثاني التالي للقرآن مع التفسير وأسباب النزول والأحاديث من جهة تعاليم العنف فيه وربطها بأحداث الإجرام المحمدي في السيرة وما في القرآن من أخطاء علمية وتأريخية وخرافات وخزعبلات وكيف أن محمدًا هو أول من خالف الشريعة التي وضعها وغيرها من أمور نذكرها في الجزء الثاني.

لضخامة المواضيع وتشعبها في دراستي عن الإسلام، ومحاولتي (مع زملاء آخرين كابن المقفّع العراقي أحيانًا) تغطية جوانب لم يقم بها المسيحيون العرب والأوربيون المستشرقون في دراساتهم، رأينا أن ليس غيرنا كعرب متعمقين في علم الأديان مع إجادة اللغة العربية واطلاعنا الجيد على نصوص الإسلام والكتاب المقدس والأبوكريفا والهاجادة الربينية يمكنه القيام بها، إن دراستي مع ابن المقفع العزيز المحترم بعنوان (أصول أساطير الإسلام من الهاجادة وأبوكريفا العهد القديم) ودراستي (أصول أساطير الإسلام من الأبوكريفا المسيحية والهرطقات) والتي ضمنتها بدورها مواضيع غير مواضيعي من ابن المقفع وابن الوراق وابن الراوندي والغريب المنسي وغيرهما من زملاء وأساتذة أفاضل، هما بمثابة فصل من كتاب (نقد الإسلام الشامل)، لكن نظرًا لكبر موضوعهما احتاجا لإفراد كتابين مستقلين لهما، ربما تكشف هذه العوامل للقارئ سبب تأخري في تأليف وصياغة هذا الكتاب على أهميته والحاجة الملحة له.

 

نفس الحالة مع كتاب (تفنيد البشارات المزعومة بمحمد ويسوع في كتاب اليهود) فقد كان في خطتي الأولى أن لا يكون سوى فصل من الكتاب، ولكبره جعلته كتابًا ومبحثًا مستقلًا في حد ذاته.

 

في بداية تشككي في الإسلام ودراستي له بعمق، صُدِمت بما كنت عاميًا عنه فيه من تاريخ حروب ومغازي محمد، فشخصيته المليئة بأمور كثيرة يمكن التعليق عليها ونقدها وثلبها، فالتعاليم العنصرية ضد النساء، وضد غير المسلمين، وكيف أن القرآن كان يتم صياغته وتعديله وفقًا لمقترحات وطلبات أصحاب محمد في زمنه، وكبر اختلافات قراآت القرآن عن بعضها المعروفة بالسبع والثلاثة الشواذ أو العشرة، ناهيك عن مصاحف الصحابة التي أحرقها عثمان لكن الكتب الإسلامية احتفظت لنا بروايات من بعض اختلافاتها بما فيه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم وليس فقط كتاب المصاحف للسجستاني وكتب التفسير، وأمور كثيرة تحتاج مني لمباحث مطولة في كتابي المزمع هذا. عندما أوشكت على ترك الإسلام مذهولًا مما اكتشفت طرحت أسئلتي على علمائهم وكل ما فعلوه هو تأكيد كل طعوني ضد دينهم وعدم إنكارها وأذكر منها طعني في سماح الإسلام بزواج الرجل من طفلة بنص القرآن، أو في إحدى الحالات أنكروا وتهربوا ثم اعترفوا بلامبالاة ووقاحة يحسدون عليها حينما سردت عليهم الإكراه الديني للوثنيين على الإسلام وفق سورة التوبة وأحداث السيرة المحمدية، فبعدما تملصوا وأنكروا فواجهتهم بالنصوص الخاصة بدين الإسلام قالوا لي هذا هو ديننا ولا حرية للوثنيين بل السيف أو يسلموا، والجزية لأهل الكتاب فقط، ولضيق أفقهم لم يتمكنوا قط من إدراك أن شخصًا قد يختار بنزاهة فكرية وشجاعة ترك الخرافة (في حالتي دين الإسلام) واتباع العقل والعلم والقيم الليبرالية واللادينية، واعتقدوا فحسب من خلال اتصالاتي وسؤالاتي لهم وإيرادي للنصوص أني مسيحي دراس للدين أتلاعب بهم وأني يمكنني أن أدرس الدين إن شئت بتعمق وحياد، ولهؤلاء المجهَّلين المجهِّلين ولا أسميهم بغير ذلك: ناشري الجهل والخرافة الإسلامية، أقول لهم أن كتابي هو تجسيد مقترحهم!

 

إنني أكتب هذا الكتاب كواجبي الشخصي ورسالتي الشريفة الغير ربحية الغير مدعومة، في مواجهة قوى الجهل والفقر والظلام والتعصب والخرافة المستشرية المتغولة في الوطن العربي والشرق الإسلامي عامة لا سيما أقطار الشام ومصر والمغرب العربي إن خصصنا الفقر والطقوسية واعتماد الأخلاق الدينية الرجعية والشمولية الفكرية والاستسلام للأوهام والعزاآت الوهمية بالذكر.

 

يعتقد المسلمون أن الأخلاق منبعها ومقياسها دينهم بتعاليمه، وأن عليهم اعتماده كمرجع لأخلاق الإنسان، أود إثبات عدم صلاحية القرآن وسيرة محمد وسننه كمرجع أخلاقي سليم على مقياس الإنسانية والأخلاق الرفيعة على أية حال.

 

إن الأحوال التعليمية والثقافية والاقتصادية للشعب بدولتي مصر كمثال صارت في هذا العصر بغاية السوء، المثقفون الحقيقيون قليلون جدًّا، ناهيك عن قلة من يقرأ وأن من يقرؤون فإنهم لايتثقفون بل يتجهَّلون بقراءة خرافات وخزعبلات وأضاليل، الناس والعامة تريد سماع ما تحبه فقط وتعودت عليه، فهم بتعبير الروائي أمين  معلوف يسمعون صدى أنفسهم فقط، يريدون فحسب الاقتناع بفقرهم وبؤسهم وواقعهم والعزاء الوهمي الديني ويقينه وتعزيزه، أما أن يأتي في عصر كهذا من يترجم لهم كتبًا علمية عن أصل الكون أو التطور البيولوجي ونشأة الإنسان أو كتبًا لنشر الفكر الحر والتمدن العقلاني، مثل هؤلاء لن يسمعهم إلا المتعلمون جيدًا من أهل الثقافة والعلم والناس الأرفع ذكاءً ووعيًا، أما غالبية الدهماء الأصوليون الدينيون الطقوسيون فلن يسمعوا ولن يفهموا لأن الخرافة والجهل وتربية غسيل المخ قد شلت استيعابهم ومسخت استقلالهم الشخصي وأجدبت قدرتهم على التساؤل والتفكير والنقد والمراجعة للتحرر من قيود واستعباد الخرافات والهراء، ولا أقول أن أنصار التنوير بالضرورة أن يكونوا ملحدين، فبعض التنويريين المسلمين كذلك وإن اختلفنا معهم هم جنود شرفاء في ذات الخندق التنويري كمن كتبوا محاولين التوفيق بين الدين ونظرية (حقيقة) التطور البيولوجي والسيد عدنان إبراهيم وأحمد صبحي منصور وغيرهم، لكن برأيي هؤلاء تنويرهم ناقص وحلولهم حلول مؤقتة مسكنة تحاول معالجة وتخفيف أضرار الدين وخرافاته وتحريضاته ضد إخوانهم في الإنسانية وضد العلم والحداثة، وإن الأكثر تجردًا للحق ورغبة في معرفة الحق والحقيقة واتباعها والاسترشاد بها نبراسًا ونورًا للذات في حياة المرء_سواء من الجمهور المثقف أو المفكرين الكتبة_ هم من يطلعون على كل من خرافات الدين وجرائمه مقارنة بحقائق العلم ونوره وخيره هو وقيم العلمانية الإنسانية فيتركون تلك الخزعبلات الدينية بلا رجعة ويختارون الواقعية (اللادينية) بعقلانيتها وقيمها الأسمى.

 

إن عنواناً كان يخطر على بالي لهذا الكتاب هو (الوجه الآخر للإسلام) أو (لهذا تركت الإسلام بلا رجعة)، فقد درجت عادة المسلمين اليوم على إظهار ما يبدو لهم من محاسن دينهم، وأود كمسلم سابق أن أعرض الوجه أو الجوانب السيئة من الإسلام التي تؤكد أنه صناعة بشرية مليئة بالعيوب والتي جعلتني أقرر تركه بلا رجعة أبداً وأختار المذهب العقلاني المعروف باللادينية أو الإلحاد، فتارة ما يتحفوننا أن الإسلام دين سلام ويغضون الطرف عن كل أوامر القرآن بالعدوان على أهل الأديان الأخرى والشعوب الأخرى، وتارة أنه الدين الوحيد الذي أنصف المرأة غاضين الطرف عن أن دينهم أكثر دين اضطهد النساء في نصوصه ومارس التمييز ضدها من سماح للرجل بممارسة الهمجية وضرب زوجته والتشكيك في مصداقية وعقل المرأة بجعل شهادتها أقل من شهادة الرجل وتقليل ميراثها، وغيرها. وتارة بأنه دين حرية العقيدة وحرية التعبير عن الرأي وتاريخ نبيهم وتاريخهم منذ القدم إلى اليوم هو تاريخ قمع الكلمة والنقد وحرية التعبير.

 

إن كل دين من الأديان كخرافة كان ولا زال له آثاره السلبية الرجعية على نشر الخرافات والعادات المؤذية الضارة، لكن لعل الإسلام أحد أكثر الأديان إضراراً بالبشرية منذ نشأ وحتى اليوم، حتى الهندوسية لا تضاهيه في ذلك لأن أغلب أضرارها على مجتمعها الهندي فقط، على عكس الإسلام الذي يأمر أتباعه بأنهم يجب عليهم احتلال الدول الأخرى ونهبها وفرض الجزية عليها فإن لم تستسلم فقتل الآلاف من رجالها ومواطنيها وسبي واستعباد الأطفال والنساء، إن كل عملية إرهابية في العالم يقوم بها مسلمون متبعون لأصول هذه التعاليم رغم متغيرات العصر الحديث يكون الإسلام بنصوصه مسؤولاً أولًا عنها، وكل زيجة لطفلة بما يشكل انتهاكاً لبراءتها سببه نصوص الإسلام من قرآن وحديث، وكل امرأة تتعرض لضرب وعنف وقمع في مجتمع ذكوري بطريركي (أبويّ) من أب أو أخ أو زوج فسببه تعاليم الإسلام التي تسمح وتشرعن لذلك، تأخر التعليم ومنع نشر وتدريس النظريات العلمية والعقلانية كنظرية التطور وغيرها سببه الإسلام، استسلام الشعوب لقادتها الظالمين وأصحاب العمل والمال الناهبين البخلاء مصدره تعاليم الإسلام الذي يأمر بالاستسلام للقهر والفقر والظلم، العنف الأسري والمدرسي وعنف رجال الشرطة سببه الإسلام لأنه ينص على الحدود الإسلامية وكلها عنف وأذى جسدي وليس سجناً بما يتنافى مع روح القانون المدني، وهي تنص على التدخل في حريات الأشخاص الإنسانية بما يتنافى مع أي معنى جوهري للتشريع القانوني الحديث من أن الجريمة هي ما ضر الآخرين ضررًا فعليًّا ذاتيًّا، واعتقادهم أن الله الخرافي المزعوم نفسه يمارس التعذيب في القبر وجهنم الخرافية ويأمر به الحكام والقضاة وأولي الأمر، قديماً قال بعض الغربيين (فتِّش عن المرأة)، أما أنا فأقول بلا مبالغة أنه في نصف مصائب هذا العالم علينا أن نقول بلا شك: (فتِّش عن الإسلام)، أما النصف الآخر فنابع من جشع البشر من أصحاب رؤوس الأموال والسلطات، والحماقة البشري اللامتناهية كما وصفها أينستانين العبقري. لن أقول مقوله ميسليه العنيفة عن شنق آخر إقطاعي بأحشاء آخر رجل دين لأني لست بمثل هذه الراديكالية والتحريض، وأؤمن أن التنوير والإصلاح له سبيل تنموي تعليمي اقتصادي تكنولوجي سياسي طويل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تمهيد

 

يحكي المسلمون المعاصرون دوماً الجزء الأول من السيرة المحمدية، عن صاحب ديانة الإسلام المؤسس وأتباعه، وفقاً لمزاعمهم التي لا يمكن التيقن مما إذا كانت دقيقة أم مبالغاً فيها عن اضطهاد أهل مكة من قريش وكنانة لهم، لكنهم لا يحكون عما فعله المسلمون في الجزء الثاني من قصة الإسلام ونشأته لما صارت كفة القوة إلى صالحهم، وهاهنا نذكر مغازيهم واعتداآتهم العدوانية من كتب السيرة على قبائل وجماعات مسالمة لم تبادئهم العدوان، وهو ما يرتبط بتحليلنا لاحقاً لتحول آيات القرآن من نصوص التسامح المكي إلى الأمر بالدفاع ودفع الظلم والانتقام من قريش بقطع طريق تجارتها والسطو على قوافلها فقط، ثم النقلة الكبيرة إلى الأمر بالعدوان على المسالمين المختلفين في العقيدة والانتماء والمجموعة!

 

 

 

 

 

 

 

 

بوادر العنف ظهرت منذ الفترة المكية

 

ورد في مسند أحمد بن حنبل:

 

644 - حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَكِيمٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَةَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجْلِسْ " وَصَعِدَ عَلَى مَنْكِبَيَّ، فَذَهَبْتُ لِأَنْهَضَ بِهِ، فَرَأَى مِنِّي ضَعْفًا، فَنَزَلَ، وَجَلَسَ لِي نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " اصْعَدْ عَلَى مَنْكِبَيَّ " قَالَ: فَصَعِدْتُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَالَ: فَنَهَضَ بِي، قَالَ: فَإِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنِّي لَوْ شِئْتُ لَنِلْتُ أُفُقَ السَّمَاءِ، حَتَّى صَعِدْتُ عَلَى الْبَيْتِ، وَعَلَيْهِ تِمْثَالُ صُفْرٍ أَوْ نُحَاسٍ، فَجَعَلْتُ أُزَاوِلُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، حَتَّى إِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ، قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْذِفْ بِهِ " فَقَذَفْتُ بِهِ، فَتَكَسَّرَ كَمَا تَتَكَسَّرُ الْقَوَارِيرُ، ثُمَّ نَزَلْتُ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَبِقُ حَتَّى تَوَارَيْنَا بِالْبُيُوتِ، خَشْيَةَ أَنْ يَلْقَانَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ.

 

أخرجه أحمد (1/84) وابنه عبد الله في زوائده (المسند 1/151) والحاكم (2/366، 3/5) وأبو يعلى (292) والبزار (769) والنسائي في خصائص علي ص: 74، والخطيب في تاريخ بغداد (13/203) وفي موضح أوهام الجمع والتفريق (2/432) وابن حرير في تهذيب الآثار: مسند علي (4/236، 237) والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/23) وقال: ((رواه أحمد وابنه وأبو يعلى والبزار. ورجال الجميع ثقات)) أ.هـ وصححه الشيخ أحمد شاكر في شرحه على المسند (2/57) وقال ((ومن الواضح أن هذه القصة كانت قبل الهجرة)) وصححه الحاكم (2/366) وقال الذهبي في التلخيص: ((إسناده نظيف والمتن منكر)) وصححه الطبري في تهذيب الآثار (4/238(
والحديث مدار طرقه على أبي مريم الثقفي المدائني الراوي عن علي واسمه قيس وقد ذكره ابن حبان في الثقات (5/314)، وقال ابن حجر في التقريب (2/471): مجهول  قلت: قول الحافظ - رحمه الله - لا يخلو من نظر؛فإن أبا مريم الثقفي قد وثقه النسائي كما في خلاصة تذهيب التهذيب (3/244) وميزان الاعتدال (4/573) ولسان الميزان (7/482) والكاشف (3/376)، كما أنه لا ينطبق عليه ما ذكره الحافظ من تعريف المجهول في مقدمة التقريب (1/5) فقد ذكر أن المجهول هو ((من لم يرو عنه غير واحد ولم يوثق)) وأبو مريم الثقفي قد روى عنه اثنان، فقد قال البخاري في التاريخ الكبير (4/1/151): ((روى عنه نعيم وعبد الملك ابنا حكيم))، وقد وثقه النسائي كما أسلفنا. أما قول الذهبي: (والمتن منكر) فإنه لم يبين وجه نكارته ولا نرى في المتن ما يخالف شيئاً من القرآن والسنة، وعليه فدعوى النكارة دعوى عارية عن الدليل فيما نعلم وعلى من يدعي ذلك أن يأتي بالدليل وإلى أن يأتي الدليل فإننا نقول بصحة الحديث سنداً ومتناً، والله أعلم.

 

رأي عالم آخر في الإسناد (ط الرسالة للمسند): إسناده ضعيف، نعيم بن حكيم وثقه العجلي وابن حبان، واختلف قول معين فيه فوئقه في رواية عبد الخالق بن منصور، ونقل الساجي عنه تضعيفه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن سعد: لم يكن بذاك. وأبو مريم- وهو الثقفي- مجهول.

 

وروى البزار:

 

769- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْلاً حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَةَ فَقَالَ لِي: اجْلِسْ ثُمَّ نَهَضْتُ بِهِ فَلَمَّا رَأَى ضَعْفِي تَحْتَهُ قَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسْتُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِّي وَجَلَسَ لِي وَقَالَ: اصْعَدْ عَلَى مَنْكِبَيَّ فَصَعِدْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَهَضَ بِي حَتَّى أَنَّهُ لَيُخَيَّلُ  إِلَيَّ أَنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ أَنَالَ أُفُقَ السَّمَاءِ فَصَعِدْتُ الْبَيْتَ فَأَتَيْتُ صَنَمَ قُرَيْشٍ وَهُوَ تِمْثَالُ رَجُلٍ مِنْ صَفْرٍ أَوْ نُحَاسٍ فَلَمْ أَزَلْ أُعَالِجُهُ يَمِينًا وَشِمَالاً مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَنْ خَلْفِهِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هِيهَ وَأَنَا أُعَالِجُهُ فَقَالَ: اقْذِفْهُ فَقَذَفْتُهُ فَانْكَسَرَ كَمَا تَنْكَسِرُ الْقَوَارِيرُ ثُمَّ انْطَلَقْنَا نَسْعَى حَتَّى اسْتَتَرْنَا بِالْبُيُوتِ , فَلَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا بَعْدُ يَعْنِي شَيْئًا مِنْ تِلْكِ الأَصْنَامِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلاَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الإِسْنَادِ.

 ورواه الحاكم في المستدرك 3387، وأبو يعلى (292)، لكن ابن أبي شيبة 38062 (37923) يجعل الحدث بتفاصيل مختلفة وبعد فتح مكة.

 

كان مثال المسلمين ونموذجهم في أفعالهم التعصبية هو قصة إبراهيم الهاجادية الربينية التي أوردها القرآن عن تحطيمه لأصنام قومه، وهي قصة همجية غير متحضرة لا تفهم معنى التمدن واحترام عقائد الآخرين وحرياتهم وحقوقهم الاعتقادية.

 

أيضًا مع تعرض محمد وأتباعه القلائل آنذاك في مكة للاضطهاد، حسب الروايات الإسلامية، قال محمد لنادي قريش في إحدى المرات: إني جئتكم بالذِبح، وفي الجملة تلاعب لفظي وتلميح فالذِبح هو الذبيحة لكن مقصوده الذَبح والذِبحة.

 

قال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه عروة بن الزبير، عن عبداللّه بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابوا من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يُظهرون من عداوته؟ قال: حضرتُهم وقد اجتمع أشرافُهم يوماً فى الحِجْر، فذكروا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثلَ ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط، سفَّه أحلامَنا، وشتم آباءَنا، وعاب دينَنا، وفرَّق جماعَتنا، وسبَّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا. فبينَا هُم فى ذلك إذْ طلعٍ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الركنَ، ثم مَرَّ بهم طائفا بالبيت، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول. قال: فعرفت ذلك في وجه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. قال: ثم مضى، فلما مرَّ بهم الثانية غمزوه بمثلِها، فعرفتُ ذلك في وجه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ثم مرَّ الثالثة فغمزوه بمثلها، فوقف ثم قال: أتسمعون يا معشرَ قُريش، أما والذي نفسى بيده، لقد جئتكم بالذَّبْح. قال: فأخذت القومَ كلمتُه حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائرٌ واقع، حتى إن أشدَّهم فيه وصاة قبل ذلك لَيرْفَؤُه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرفْ يا أبا القاسم، فواللّه ما كنتَ جهولاً.

 

وأخرجه أحمد بن حنبل بإسناده عن ابن إسحاق برقم 7036 وأورد البخاري شاهدًا له في صحيحه معلَّقًا بعد حديث رقم 3856

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سرية حمزة بن عبد المطلب

 

جاء في المغازي للواقدي:

 

وَكَانَتْ سَرِيّةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِى رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرَةِ النّبِىّ ص.

قَالُوا: أَوّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ ص بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، بَعَثَهُ فِى ثَلاثِينَ رَاكِبًا شَطْرَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الأَنْصَارِ، فَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَكَنّازُ بْنُ الْحُصَيْنِ وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ كَنّازٍ وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ ص فِى رِجَالٍ.

وَمِنْ الأَنْصَارِ: أُبَىّ بْنُ كَعْبٍ، وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ، وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِىّ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ فِى رِجَالٍ لَمْ يُسَمّوْا لَنَا.

 

فَبَلَغُوا سَيْفَ الْبَحْرِ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ قَدْ جَاءَتْ مِنْ الشّامِ تُرِيدُ مَكّةَ، فِيهَا أَبُو جَهْلٍ فِى ثَلاثِمِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَالْتَقَوْا حَتّى اصْطَفّوا لِلْقِتَالِ فَمَشَى بَيْنَهُمْ مَجْدِى بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ حَلِيفًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِى إلَى هَؤُلاءِ وَإِلَى هَؤُلاءِ حَتّى انْصَرَفَ الْقَوْمُ، وَانْصَرَفَ حَمْزَةُ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ فِى أَصْحَابِهِ وَتَوَجّهَ أَبُو جَهْلٍ فِى عِيرِهِ وَأَصْحَابِهِ إلَى مَكّةَ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ.

 

فَلَمّا رَجَعَ حَمْزَةُ إلَى النّبِىّ ص خَبَرَهُ بِمَا حَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِى، وَأَنّهُمْ رَأَوْا مِنْهُ نَصَفَةً لَهُمْ فَقَدِمَ رَهْطُ مَجْدِى عَلَى النّبِىّ ص فَكَسَاهُمْ وَصَنَعَ إلَيْهِمْ خَيْرًا، وَذَكَرَ مَجْدِى بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: إنّهُ مَا عَلِمْت مَيْمُونُ النّقِيبَةِ مُبَارَكُ، الأَمْرِ. أَوْ قَالَ: رَشِيدُ الأَمْرِ.

حَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَيّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ، وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، قَالا: لَمْ يَبْعَثْ رَسُولُ اللّهِ ص أَحَدًا مِنْ الأَنْصَارِ مَبْعَثًا حَتّى غَزَا بِنَفْسِهِ إلَى بَدْرٍ، وَذَلِك أَنّهُ ظَنّ أَنّهُمْ لا يَنْصُرُونَهُ إلاّ فِى الدّارِ وَهُوَ الْمُثْبَتُ.

 

نكتشف من قراءتنا لقصة هذه السرية سواء عند ابن هشام أو الواقدي أو غيرهما أن قريشاً كانت متسامحة مقارنة بأفعال المسلمين، وأن المسلمين بدؤوا قطع طريق التجارة وكانوا متهورين وطائشين، كان عدد القرشيين حوالي 300، وعدد المسلمين حوالي 30 (ابن هشام يذكر نفس الرقمين كالواقدي)، ولولا تدخل رجل حليف للطرفين للفصل بينهما بالكلمة الطيبة لكانت مجزرة للطرف المسلم! وهو ما يدل على سماحة نفس القرشيين على قوتهم العددية، ربما يجب أن نعيد النظر لذا في مدى مصداقية وعدم مبالغة قصص اضطهاد المكيين للمسلمين! أو نعيد التأمل على الأقل فنرى أن المسلمين كانوا على ذات التعصب والانغلاق والعنف.

 

إن تكرر أحداث قطع محمد وأتباعه لطريق تجارة قريش وغيرها، دفع قريشاً لأن تسميه (القاطع) كما ورد بالسيرة لابن هشام عن ابن إسحاق، قاطع للطريق وقاطع للرحم وصلات القربى.

 

ونلاحظ بعد ذلك استمرار لقطع المسلمين لطريق التجارة مرات متكررة، وتكرر استفزازهم للوثنيين القرشيين، وتذكر الكتب أن سرية عبيدة بن الحارث إلى رابغ للتحرش بقافلة أميرها أبو سفيان كان قوامها ستين فارساً قرشياً مسلماً، في حين كان عدد القرشيين الوثنيين مئتين، مع ذلك تجنب القرشيون للمرة الثانية استغلال قوتهم العددية، رغم تحرش سعد بن أبي وقاص بهم وتصويبه سهاماً عليهم، وهو ما يفسره المسلمون على أنه هروب وفرار من جانب القرشيين، ولا يستوعبونه كتسامح وطيبة منهم!، وواضح أن محمداً كان ما زال يستعين بالمهاجرين أكثر، ولم يزدد اعتماده على أهل يثرب المدينة فلم يكن في سرية رابغ إلا المهاجرون.

 

ثم تتكرر في السيرة محاولات محمد وأصحابه الفاشلة للحاق ببعض قوافل أو عير قريش كغزوات الخرار والأبواء وبواط وذي العشيرة، ونتساءل هل نفسية مشبعة بالحقد والشر والرغبة في الانتقام كتلك النفسيات أيمكننا اعتبارها لنبي ورجال مقدسين حتى لو قلنا بأنهم تعرضوا لاضطهادات؟!

 

 

 

في ذكر سرية حاولت الاعتداء على بني كنانة

 

يذكر لنا أحمد بن حنبل في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في دلائل النبوة أن محمدًا أرسل سرية للعدوان على بني كنانة ممن جاوروه قرب منطقة قبيلة جهينة، ربما باعتبارهم أقارب لبني كنانة ممن سكن مكة، يقول أحمد بن حنبل:

 

1539 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَاءَتْهُ جُهَيْنَةُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ قَدْ نَزَلْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَأَوْثِقْ لَنَا حَتَّى نَأْتِيَكَ وَتُؤْمِنَّا، فَأَوْثَقَ لَهُمْ فَأَسْلَمُوا، قَالَ: فَبَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجَبٍ، وَلا نَكُونُ مِائَةً، وَأَمَرَنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ إِلَى جَنْبِ جُهَيْنَةَ، فَأَغَرْنَا عَلَيْهِمْ وَكَانُوا كَثِيرًا، فَلَجَأْنَا إِلَى جُهَيْنَةَ فَمَنَعُونَا، وَقَالُوا: لِمَ تُقَاتِلُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقُلْنَا: إِنَّمَا نُقَاتِلُ مَنِ أخْرَجَنَا مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: مَا تَرَوْنَ ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا: نَأْتِي نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرُهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا بَلْ نُقِيمُ هَاهُنَا، وَقُلْتُ أَنَا فِي أُنَاسٍ مَعِي: لَا بَلْ نَأْتِي عِيرَ قُرَيْشٍ فَنَقْتَطِعُهَا، فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ وَكَانَ الْفَيْءُ إِذْ ذَاكَ: مَنِ أخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ وَانْطَلَقَ أَصْحَابُنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَامَ غَضْبَانَ مُحْمَرَّ الْوَجْهِ فَقَالَ: " أَذَهَبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعًا وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمِ الْفُرْقَةُ، لأبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ، أَصْبَرُكُمْ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ " فَبَعَثَ عَلَيْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ فَكَانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ أُمِّرَ فِي الْإِسْلامِ.

 

إسناده ضعيف، المجالد- وهو ابن سعيد- ضعيف، وزياد بن عِلاقة ثم يسمع من سعد. وأخرجه ابن أبي شيبة 14/123 و351-352، والبيهقي في "دلائل النبوة" 3/15 من طريق حماد بن أسامة، والدورقي (131)، والبيهقي 3/14 من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والبزار (1757- كشف الأستار) من طريق أحمد بن بشير، ثلاثتهم عن مجالد بن سعيد، بهذا الإسناد والحديث عند ابن أبي شيبة في الموضع الأول والبزار مختصر بقصة: أن أول أمير عُقِد له في الإسلام عبد الله بن جحش.

 

فهذه من أوائل تحركاته العدوانية والانتقامية التي لا تصلح في ضوء مبادئ الجيرة الدولية، التي لم تكن شيئًا مراعى عند عرب شبه الجزيرة القدماء لكنه تمادى أكثر مما يتصور كما سنرى.

 

 

 

 

سرية نخلة

 

يقول الواقدي، والقصة في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق، والطبقات الكبير لابن سعد:

 

سَرِيّةُ نَخْلَةَ

 

ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ إلَى نَخْلَةَ، وَنَخْلَةُ وَادِي بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا.

 

قَالُوا: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ صَلّى الْعِشَاءَ، فَقَالَ وَافِ مَعَ الصّبْحِ مَعَك سِلاحُك; أَبْعَثُك وَجْهًا، قَالَ: فَوَافَيْت الصّبْحَ وَعَلَىّ سَيْفِى وَقَوْسِى وَجَعْبَتِى وَمَعِى دَرَقَتِى، فَصَلّى النّبِىّ ص بِالنّاسِ الصّبْحَ ثُمّ انْصَرَفَ فَيَجِدُنِى قَدْ سَبَقْته وَاقِفًا عِنْدَ بَابِهِ وَأَجِدُ نَفَرًا مَعِى مِنْ قُرَيْشٍ. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص أُبَىّ بْنَ كَعْبٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَأَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ ص وَكَتَبَ كِتَابًا. ثُمّ دَعَانِى فَأَعْطَانِى صَحِيفَةً مِنْ أَدِيمٍ خَوْلانِىّ، فَقَالَ: قَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَى هَؤُلاءِ النّفَرِ.

فَامْضِ حَتّى إذَا سِرْت لَيْلَتَيْنِ فَانْشُرْ كِتَابِى، ثُمّ امْضِ لِمَا فِيهِ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَىّ نَاحِيَةٍ؟ فَقَالَ: اُسْلُكْ النّجْدِيّةَ، تَؤُمّ رَكِيّةَ. قَالَ: “فَانْطَلَقَ حَتّى إذَا كَانَ بِبِئْرِ ابْن ضُمَيْرَةَ نَشَرَ الْكِتَابَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: سِرْ حَتّى تَأْتِىَ بَطْنَ نَخْلَةَ عَلَى اسْمِ اللّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَلا تُكْرِهَن أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِك عَلَى الْمَسِيرِ مَعَك، وَامْضِ لأَمْرِى فِيمَنْ تَبِعَك حَتّى تَأْتِىَ بَطْنَ نَخْلَةَ فَتَرَصّدْ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ”. فَلَمّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ الْكِتَابَ قَالَ لَسْت مُسْتَكْرِهًا مِنْكُمْ أَحَدًا، فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الشّهَادَةَ فَلْيَمْضِ لأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ص وَمَنْ أَرَادَ الرّجْعَةَ فَمِنْ الآنِ فَقَالُوا أَجْمَعُونَ: نَحْنُ سَامِعُونَ وَمُطِيعُونَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَك، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ حَيْثُ شِئْت. فَسَارَ حَتّى جَاءَ نَخْلَةَ فَوَجَدَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِىّ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ الْمَخْزُومِىّ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِىّ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِىّ. فَلَمّا رَأَوْهُمْ أَصْحَابُ الْعِيرِ هَابُوهُمْ وَأَنْكَرُوا أَمْرَهُمْ فَحَلَقَ عُكّاشَةُ رَأْسَهُ مِنْ سَاعَتِهِ ثُمّ أَوْفَى لِيُطَمْئِنَ الْقَوْمَ.

قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: فَحَلَقْت رَأْسَ عُكّاشَةَ بِيَدِي - وَكَانَ رَأْيُ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَعُكّاشَةَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ - فَيَقُولُ لَهُمْ عُمّارٌ: نَحْنُ فِى شَهْرٍ حَرَامٍ فَأَشْرَفَ عُكّاشَةُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لا بَأْسَ قَوْمٌ عُمّارٌ فَأَمِنُوا فِى أَنْفُسِهِمْ وَقَيّدُوا رِكَابَهُمْ وَسَرّحُوهَا، وَاصْطَنَعُوا طَعَامًا. تَشَاوَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ص فِي أَمْرِهِمْ - وَكَانَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ وَيُقَالُ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ - فَقَالُوا: إنْ أَخّرْتُمْ عَنْهُمْ هَذَا الْيَوْمَ دَخَلُوا الْحَرَمَ فَامْتَنَعُوا، وَإِنْ أَصَبْتُمُوهُمْ فَفِى الشّهْرِ الْحَرَامِ. وَقَالَ قَائِلٌ: لا نَدْرِى أَمِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ هَذَا الْيَوْمُ أَمْ لا. وَقَالَ قَائِلٌ: لا نَعْلَمُ هَذَا الْيَوْمَ إلاَّ مِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ وَلا نَرَى أَنْ تَسْتَحِلّوهُ لِطَمَعٍ أَشْفَيْتُمْ عَلَيْهِ. فَغَلَبَ عَلَى الأَمْرِ الّذِينَ يُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا، فَشَجّعَ الْقَوْمَ فَقَاتَلُوهُمْ. فَخَرَجَ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقْدُمُ الْقَوْمَ قَدْ أَنْبَضَ قَوْسَهُ وَفَوّقَ بِسَهْمِهِ فَرَمَى عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِىّ - وَكَانَ لا يُخْطِئُ رَمْيَتَهُ - بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ. وَشَدّ الْقَوْمُ عَلَيْهِمْ فَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ وَأَعْجَزَهُمْ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ.

حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنِى عَلِىّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمَعَةَ الأَسَدِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أُمّهَا كَرِيمَةَ ابْنَةِ الْمِقْدَادِ، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: “أَنَا أَسَرْت الْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ، فَأَرَادَ أَمِيرُنَا ضَرْبَ عُنُقِهِ فَقُلْت: دَعْهُ نَقْدُمُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَدْعُوهُ إلَى الإِسْلامِ فَأَطَالَ رَسُولُ اللّهِ ص كَلامَهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: تُكَلّمُ هَذَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ وَاَللّهِ لا يُسْلِمُ هَذَا آخِرَ الأَبَدِ دَعْنِى أَضْرِبُ عُنُقَهُ وَيَقْدَمُ إلَى أُمّهِ الْهَاوِيَةِ فَجَعَلَ النّبِىّ ص لا يُقْبِلُ عَلَى عُمَرَ حَتّى أَسْلَمَ الْحَكَمُ فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا هُوَ إلاّ أَنْ رَأَيْته قَدْ أَسْلَمَ، وَأَخَذَنِى مَا تَقَدّمَ وَتَأَخّرَ وَقُلْت: كَيْفَ أَرُدّ عَلَى النّبِىّ ص أَمْرًا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّى، ثُمّ أَقُولُ: إنّمَا أَرَدْت بِذَلِكَ النّصِيحَةَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَ عُمَرُ: فَأَسْلَمَ وَاَللّهِ فَحَسُنَ إسْلامُهُ وَجَاهَدَ فِى اللّهِ حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ ص رَاضٍ عَنْهُ وَدَخَلَ الْجِنَانَ”.

حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: قَالَ الْحَكَمُ: وَمَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: تَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَتَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: قَدْ أَسْلَمْت. فَالْتَفَتَ النّبِىّ ص إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: “لَوْ أَطَعْتُكُمْ فِيهِ آنِفًا فَقَتَلْته، دَخَلَ النّار” قَالُوا: وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ وَكَانَتْ الْعِيرُ فِيهَا خَمْرٌ وَأَدَمٌ وَزَبِيبٌ جَاءُوا بِهِ مِنْ الطّائِفِ، فَقَدِمُوا بِهِ عَلَى النّبِىّ ص.

 

فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ الشّهْرَ الْحَرَامَ، فَقَدْ أَصَابَ الدّمَ وَالْمَالَ وَقَدْ كَانَ يُحَرّمُ ذَلِكَ وَيُعَظّمُهُ. فَقَالَ: “مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ إنّمَا أَصَبْتُمْ فِى لَيْلَةٍ مِنْ شَعْبَانَ”، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ بِالْعِيرِ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَقّفَ الْعِيرَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَحَبَسَ الأَسِيرَيْنِ وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: “مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ”.

 

فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ: مَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص بِالْقِتَالِ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ، وَلا غَيْرِ الشّهْرِ الْحَرَامِ، إنّمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَسّسُوا أَخْبَارَ قُرَيْشٍ.

قَالُوا: وَسُقِطَ فِى أَيْدِى الْقَوْمِ وَظَنّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا، وَأَعْظَمَ ذَلِكَ مَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَعَنّفُوهُمْ وَلامُوهُمْ وَالْمَدِينَةُ تَفُورُ فَوْرَ الْمِرْجَلِ. وَقَالَتْ الْيَهُودُ: عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِىّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِىّ، عَمْرٌو عَمُرَتْ الْحَرْبُ، وَالْحَضْرَمِىّ حَضَرَتْ الْحَرْبُ، وَوَاقِدٌ وَقَدَتْ الْحَرْبُ، قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: قَدْ تَفَاءَلُوا بِذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ اللّهِ عَلَى يَهُودَ. قَالُوا: وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى النّبِىّ ص فِى فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ النّبِىّ ص: “لَنْ نَفْدِيَهُمَا حَتّى يَقْدُمَ صَاحِبَانَا”، يَعْنِى سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ.

 

فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ حَتّى نَنْزِلَ بِبُحْرَانَ - وَبُحْرَانُ نَاحِيَةُ مَعْدِنِ بَنِى سُلَيْمٍ - فَأَرْسَلْنَا أَبَاعِرَنَا، وَكُنّا اثْنَىْ عَشَرَ رَجُلاً، كُلّ اثْنَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ بَعِيرًا. فَكُنْت زَمِيلَ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ وَكَانَ الْبَعِيرُ لَهُ فَضَلّ بَعِيرُنَا، وَأَقَمْنَا عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ نَبْغِيهِ. وَمَضَى أَصْحَابُنَا وَخَرَجْنَا فِى آثَارِهِمْ فَأَخْطَأْنَاهُمْ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَنَا بِأَيّامٍ وَلَمْ نَشْهَدْ نَخْلَةَ، فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّا قَدْ أَصَبْنَا، وَلَقَدْ أَصَابَنَا فِى سَفَرِنَا مَجَاعَةٌ لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ، وَبَيْنَ الْمَلِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتّةُ بُرُدٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْدِنِ لَيْلَةٌ - بَيْنَ مَعْدِنِ بَنِى سُلَيْمٍ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ.

 

قَالَ: لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ نَوْبَةً، وَمَا مَعَنَا ذَوّاقٌ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. قَالَ قَائِلٌ: أَبَا إسْحَاقَ كَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: ثَلاثٌ كُنّا إذَا بَلَغَ مِنّا أَكَلْنَا الْعِضَاهَ وَشَرِبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَجِدُ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ قَدِمُوا فِى فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ يُفَادِيَهُمْ، وَقَالَ: “إنّى أَخَافُ عَلَى صَاحِبَىّ”، فَلَمّا قَدِمْنَا فَادَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص، قَالُوا: وَكَانَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ ص لَهُمْ: “إنْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَىّ قَتَلْت صَاحِبَيْكُمْ”، وَكَانَ فِدَاؤُهُمَا أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً فِضّةً لِكُلّ وَاحِدٍ وَالأُوقِيّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.

 

فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ: كَانَ فِى الْجَاهِلِيّةِ الْمِرْبَاعُ، فَلَمّا رَجَعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ مِنْ نَخْلَةَ خَمّسَ مَا غَنِمَ، وَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ سَائِرَ الْغَنَائِمِ، فَكَانَ أَوّلَ خُمُسٍ خُمِسَ فِى الإِسْلامِ حَتّى نَزَلَ بَعْدُ{وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ}

 

فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، أَنّ النّبِىّ ص وَقَفَ غَنَائِمَ أَهْلِ نَخْلَةَ، وَمَضَى إلَى بَدْرٍ حَتّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَعْطَى كُلّ قَوْمٍ حَقّهُمْ.

 

قَالُوا: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ} فَحَدّثَهُمْ اللّهُ فِى كِتَابِهِ أَنّ الْقِتَالَ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَ، وَأَنّ الّذِى يَسْتَحِلّونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ صَدّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ حَتّى يُعَذّبُوهُمْ وَيَحْبِسُوهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَكُفْرِهِمْ بِاَللّهِ وَصَدّهِمْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِى الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَفِتْنَتِهِمْ إيّاهُمْ عَنْ الدّينِ وَيَقُولُ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ} قَالَ: عَنَى بِهِ إِسَافَ وَنَائِلَةَ.

فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَوَدَى رَسُولُ اللّهِ ص عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِىّ، وَحَرّمَ الشّهْرَ الْحَرَامَ كَمَا كَانَ يُحَرّمُهُ حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: “بَرَاءَةٌ”.

 

فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبّاسٍ هَلْ وَدَى رَسُولُ اللّهِ ص ابْنَ الْحَضْرَمِىّ؟ قَالَ: لا. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنّهُ لَمْ يُودَ. وَفِى تِلْكَ السّرِيّةِ سُمّىَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدّثَنِى بِذَلِكَ أَبُو مَعْشَرٍ.

 

ملاحظة: القصة في ابن هشام لا تختلف كثيراً، وتدعي وتشدِّد على أن محمداً أمر فقط برصد القافلة وليس مهاجمتها، وهذا زعم ساذج مضحك، فما ضرورة ذلك بمراقبة قافلة تجارية إن لم يكن لنهبها في الشهر المحظور فيه عندهم ذلك؟!

 

في هذه السرية خالف محمد القاعدة والعرف الدولي والديني المتعارف عليه وقتئذٍ عند سكان شبه الجزيرة العربية، فرغم كثرة السلب والنهب والاستعباد بين بدو العرب، لكنهم كانوا قد تعارفوا تأسيساً على خرافة وثنية_أخذ بها الإسلام_على اعتبار أربعة أشهر قمرية عربية محرمة لا يجوز القتال والإغارة والسلب فيها، لاسيما وهي شهور للحج والعمرة، وإذا بأحد المسلمين عُكَّاشة بْنُ مِحْصن بْنِ حُرْثان يدعي كذلك غدراً بخدعة منه أنهم ذاهبون لعمرة بأن حلق شعر رأسه على عادة تلك الشعائر المعروفة، ثم غدروا بالوثنيين المسالمين مرة أخرى، ونهبوا ما معهم من تجارة، وقتلوا من قتلوا، أما محمد فقد وجه إليه كثير من أهل يثرب وغيرهم نقداً عنيفاً لأنه بذلك ينطبق عليه وصف الفجور و(الفِجار) الذي وصفوا به أربعة حروب كبيرة قديمة قبل الإسلام، فارتج الأمر عليه وتخبط وتظاهر بالبراءة ورفض في البدء أخذ الغنيمة، ثم لاحقاً سيؤلف آية تبريرية بأن المسلمين تعرضوا أولاً للاضطهاد والظلم والإخراج من مكة وإن كان فيها اعتراف بالخطأ الذي ارتكبوه ضمنياً: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} البقرة: 217

 

ونجد أن محمداً يجبر أحد الأسرى هو الحكم بن كيسان على الإسلام تحت تهديد القتل، وهي عملية إكراه ديني لا لبس فيها، وواضح أن الحكم هذا تعرض لغسيل مخ محكم بعد ذلك حتى انخرط في أعمال النهب والإرهاب وهلك خلال ذلك! وتزعم بعض الأخبار أن محمداً اضطر تحرجاً لدفع دية الوثني المقتول عمرو بن الحضرمي إن صح الخبر! ونلاحظ أن اثنين من أصحاب محمد هما سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان يضلان الطريق ولا يشاركان في تلك السرية بالصدفة، فلعلهما ارتأيا ألا يشاركا فيما يضعهما في الإحراج والمحظور اجتماعياً بسبب أمر محمد فادعيا ذلك!

 

إن نزول أو بالأحرى تأليف الآيات لحل المشاكل وإزالة الإحراج حيلة محمدية، كان محمد يفكر أي قول هو الأنسب والأسلم ثم يضع الآيات كرد، كما في قصة الإفك ضد عائشة، فقد ظل فترة يفكر أهي بريئة أم لا، حتى تيقن من براءتها، وهنا كذلك يقول ابن هشام:

 

فَلَمَّا أَكْثَرَ الناسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 217]، أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتلتم فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدُّوكم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ، وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أهلُهُ، أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ، حَتَّى يَرُدُّوهُ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَذَلِكَ أكبرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْقَتْلِ {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]: أَيْ ثُمَّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ، غَيْرَ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ. فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ، وَفَرَّجَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشَّفَقِ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فداءِ عُثمان بن عبد الله والحكم بن كَيْسان....إلخ

 

وجاء في السنن الكبرى للبيهقي:

 

17523 - أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن محمد العطار ببغداد ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد الدقاق ثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي ثنا أبي ثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن الحضرمي عن أبي السوار عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا واستعمل عليهم عبيدة بن الحارث قال فلما انطلق ليتوجه بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مكانه رجلا يقال له عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأه إلا لمكان كذا وكذا لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك فلما صار إلى ذلك الموضع قرأ الكتاب واسترجع قال سمعا وطاعة لله ورسوله قال فرجع رجلا من أصحابه ومضى بقيتهم معه فلقوا بن الحضرمي فقتلوه فلم يدر ذلك من رجب أو من جمادى الآخرة فقال المشركون قتلهم في الشهر الحرام فنزلت {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} إلى قوله {والفتنة أكبر من القتل} قال فقال بعض المسلمين لئن كانوا أصابوا خيرا ما لهم أجر فنزلت {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}.

 

إسناده صحيح

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير:

 

1670 - حدثنا إبراهيم بن نائلة ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحضرمي عن أبي السوار عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح أو عبيدة فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فبعث عليهم عبد الله بن جحش مكانه وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال: (لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك) فلما قرأ الكتاب استرجع ثم قال سمع وطاعة لله ورسوله فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى فقال المشركون للمسلمين قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله عز و جل {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} الآية فقال بعضهم: إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله عز و جل {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}

 

قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 198 رواه الطبراني ورجاله ثقات.

 

 

موقعة بدر القِتَال

 

ونقرأ في مغازي الواقدي فنعلم استمرار إصرار محمد على العدوان على قومه القرشيين وقطع طريق تجارتهم، واستعانته بوثني خائن يدعى كشد الجهني من قبيلة جهينة، ثم مكافأة محمد له على إيوائه جواسيسه بأن يعده بإقطاعه ابن أخيه ينبع، وهكذا كان محمد كما سنقرأ لاحقاً من أخبار عام الوفود في الطبقات لابن سعد ج1 يشتري ولاء الزعماء بتلك الطريقة، مؤيداً النظام الإقطاعي القديم، ونقرأ أن كثيراً من أصحاب محمد لم يشاركوه تلك المعركة، ولعل ذلك بسبب الحس الإنساني السليم بكره العدوان والأذى والحرب، فهم ألزموا أنفسهم بالدفاع عن حدود بلدهم فقط وليس الاعتداء على الناس، وجعله محمد صراعاً دينياً ومعركة بين طرفين متبعين لخرافات وخزعبلات كلاهما يزعم أنه الحق، وفي سورة الأنفال من القرآن: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}، ويقول الواقدي: كره خروج رسول الله ص أقوامٌ من أصحابه إلى بدر، قالوا: نحن قليل وما الخروج برأي! حتى كان في ذلك اختلاف كبير. ومن جرائم محمد وهفواته في تلك الغزوة قبوله طفلاً مراهقاً مغسول الدماغ متحمساً متعجلاً لتقليد عالم رجال العرب الوحشي هو عمير بن أبي وقاص، أخو سعد بن أبي وقاص، فقُتِل ابن 16 سنة، ويقول أخوه أنه كان صغيراً لدرجة أنه كان يعقد له حمائل سيفه!

 

يقول الواقدي:

بَدْرُ الْقِتَالِ

 

قَالَ: وَلَمّا تَحَيّنَ رَسُولُ اللّهِ ص انْصِرَافَ الْعِيرِ مِنْ الشّامِ، نَدَبَ أَصْحَابَهُ لِلْعِيرِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ بِعَشْرِ لَيَالٍ يَتَحَسّسَانِ خَبَرَ الْعِيرِ، حَتّى نَزَلا عَلَى كَشَدٍ الْجُهَنِىّ بِالنّخْبَارِ مِنْ الْحَوْرَاءِ - وَالنّخْبَارُ مِنْ وَرَاءِ ذِى الْمَرْوَةِ عَلَى السّاحِلِ - فَأَجَارَهُمَا، وَأَنْزَلَهُمَا، وَلَمْ يَزَالا مُقِيمَيْنِ عِنْدَهُ فِى خِبَاءٍ، حَتّى مَرّتْ الْعِيرُ فَرَفَعَ طَلْحَةُ وَسَعِيدٌ عَلَى نَشَزٍ مِنْ الأَرْضِ فَنَظَرَا إلَى الْقَوْمِ وَإِلَى مَا تَحْمِلُ الْعِيرُ وَجَعَلَ أَهْلُ الْعِيرِ يَقُولُونَ: يَا كَشَدُ هَلْ رَأَيْت أَحَدًا مِنْ عُيُونِ مُحَمّدٍ؟ فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللّهِ، وَأَنّى عُيُونُ مُحَمّدٍ بِالنّخْبَارِ؟ فَلَمّا رَاحَتْ الْعِيرُ بَاتَا حَتّى أَصْبَحَا ثُمّ خَرَجَا.

 

وَخَرَجَ مَعَهُمَا كَشَدٌ خَفِيرًا، حَتّى أَوْرَدَهُمَا ذَا الْمَرْوَةِ، وَسَاحَلَتْ الْعِيرُ فَأَسْرَعَتْ وَسَارُوا اللّيْلَ وَالنّهَارَ فَرَقًا مِنْ الطّلَبِ. فَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ وَسَعِيدٌ الْمَدِينَةَ الْيَوْمَ الّذِى لاقَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص بِبَدْرٍ، فَخَرَجَا يَعْتَرِضَانِ النّبِىّ ص فَلَقِيَاهُ بِتُرْبَانَ - وَتُرْبَانُ بَيْنَ مَلَلٍ وَالسّيَالَةِ عَلَى الْمَحَجّةِ، وَكَانَتْ مَنْزِلَ ابْنِ أُذَيْنَةَ الشّاعِرِ. وَقَدِمَ كَشَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ. فَأَخْبَرَ النّبِىّ ص سَعِيدٌ وَطَلْحَةُ إجَارَتَهُ إيّاهُمَا، فَحَيّاهُ رَسُولُ اللّهِ ص وَأَكْرَمَهُ وَقَالَ: “أَلا أَقْطَعُ لَك يَنْبُعَ”؟ فَقَالَ: إنّى كَبِيرٌ وَقَدْ نَفِدَ عُمْرِى، وَلَكِنْ أَقْطِعْهَا لابْنِ أَخِى، فَقَطَعَهَا لَهُ.

 

قَالُوا: وَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: “وَهَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، لَعَلّ اللّهَ يُغْنِمكُمُوهَا”، فَأَسْرَعَ مَنْ أَسْرَعَ حَتّى إنْ كَانَ الرّجُلُ لَيُسَاهِمُ أَبَاهُ فِى الْخُرُوجِ فَكَانَ مِمّنْ سَاهَمَ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَأَبُوهُ فِى الْخُرُوجِ إلَى بَدْرٍ، فَقَالَ سَعْدٌ لأَبِيهِ: إنّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْجَنّةِ آثَرْتُك بِهِ إنّى لأَرْجُو الشّهَادَةَ فِى وَجْهِى هَذَا فَقَالَ: خَيْثَمَةُ آثِرْنِى، وَقِرْ مَعَ نِسَائِك فَأَبَى سَعْدٌ، فَقَالَ خَيْثَمَةُ: إنّهُ لا بُدّ لأَحَدِنَا مِنْ أَنْ يُقِيمَ، فَاسْتَهَمَا، فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ.

 

وَأَبْطَأَ عَنْ النّبِىّ ص بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَرِهُوا خُرُوجَهُ، وَكَانَ فِيهِ كَلامٌ كَثِيرٌ وَاخْتِلافٌ، وَكَانَ مَنْ تَخَلّفَ لَمْ يُلَمْ لأَنّهُمْ مَا خَرَجُوا عَلَى قِتَالٍ، وَإِنّمَا خَرَجُوا لِلْعِيرِ، وَتَخَلّفَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ نِيّاتِ وَبَصَائِرَ لَوْ ظَنّوا أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ مَا تَخَلّفُوا، وَكَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص قَالَ لَهُ أُسَيْدُ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى سَرّك وَأَظْهَرَك عَلَى عَدُوّك وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ مَا تَخَلّفْت عَنْك رَغْبَةً بِنَفْسِى عَنْ نَفْسِك، وَلا ظَنَنْت أَنّك تُلاقِى عَدُوّا، وَلا ظَنَنْت إلاّ أَنّهَا الْعِيرُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: “صَدَقْت”، وَكَانَتْ أَوّلَ غَزْوَةٍ أَعَزّ اللّهُ فِيهَا الإِسْلامَ وَأَذَلّ فِيهَا أَهْلَ الشّرْكِ.

 

وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص بِمَنْ مَعَهُ، حَتّى انْتَهَى إلَى نَقْبِ بَنِى دِينَارٍ، ثُمّ نَزَلَ بِالْبُقْعِ وَهِىَ بُيُوتُ السّقْيَا - الْبُقْعُ نَقْبُ بَنِى دِينَارٍ بِالْمَدِينَةِ، وَالسّقْيَا مُتّصِلٌ بِبُيُوتِ الْمَدِينَةِ - يَوْمَ الأَحَدِ لاثْنَتَىْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ. فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ وَعَرَضَ الْمُقَاتِلَةَ فَعَرَضَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظَهِيرٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَرَدّهُمْ وَلَمْ يُجِزْهُمْ.

 

فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت أَخِى عُمَيْرَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ، قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَنَا رَسُولُ اللّهِ ص يَتَوَارَى، فَقُلْت: مَا لَك يَا أَخِي؟ قَالَ: إنّى أَخَافُ أَنْ يَرَانِى رَسُولُ اللّهِ ص وَيَسْتَصْغِرَنِى فَيَرُدّنِى، وَأَنَا أُحِبّ الْخُرُوجَ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقُنِى الشّهَادَةَ، قَالَ: فَعُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَاسْتَصْغَرَهُ، فَقَالَ: “ارْجِعْ”، فَبَكَى عُمَيْرٌ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللّهِ ص. قَالَ: فَكَانَ سَعْدٌ يَقُولُ: كُنْت أَعْقِدُ لَهُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ مِنْ صِغَرِهِ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتّ عَشْرَةَ سَنَةً.

 

وفي موضع آخر:

 

قَالُوا: وَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى مَصْرَعِ ابْنَىْ عَفْرَاءَ، فَقَالَ: “يَرْحَمُ اللّهُ ابْنَىْ عَفْرَاءَ، فَإِنّهُمَا قَدْ شَرِكَا فِى قَتْلِ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الأُمّةِ، وَرَأْسِ أَئِمّةِ الْكُفْرِ”، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَنْ قَتَلَهُ مَعَهُمَا؟ قَالَ: “الْمَلائِكَةَ وَذَافّهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَكُلّ قَدْ شَرِكَ فِى قَتْلِهِ”.

 

ويقول ابن هشام في السيرة:

 

وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبيدة بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، قَتَلَهُ عُتبة بْنُ رَبِيعَةَ، قَطَعَ رِجْلَهُ، فَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ. رَجُلٌ.

وَمِنْ بَنِي زُهرة بْنِ كِلَابٍ: عُمير بْنُ أَبِي وَقَّاصِ بْنِ أهَيْب بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهرة، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَذُو الشِّمالين بن عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلة، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خزاعة ثم من بني غُبْشان. رجلان.

 

وجاء في كتاب (أسد الغابة) لابن الأثير:

 

عمير بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن أهيب أخو سعد بن أبي وقاص الزهري وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس قديم الإسلام مهاجري شهد بدرا مع النبي وقتل بها شهيدا واستصغره النبي لما أراد المسير إلى بدر فبكى فأجازه وكان سيفه طويلا فعقد عليه حمائل سيفه وكان عمره حين قتل ست عشرة سنة قتله عمرو بن عبد ود أنبأنا عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس ابن بكير عن ابن إسحاق فيمن استشهد من المسلمين ببدر وعمير بن أبي وقاص ووافقه الزهري وموسى وعروة

 

إن المشكلة الأخلاقية الكبرى لأولئك المسلمين في تلك الأزمنة القديمة أنهم اعتبروا السرقة والنهب فضيلة ومنة من السماء، لا شك كان مثلهم في ذلك المسيحيون الغربيون والفرس الزردشتيون وقبلهم البابليون والآشوريون والرومان الوثنيون، ويقول الواقدي في سياق غزوة بدر:

فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ، قَالَ: خَرَجْنَا إلَى بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ص وَمَعَنَا سَبْعُونَ بَعِيرًا، فَكَانُوا يَتَعَاقَبُونَ الثّلاثَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَكُنْت أَنَا مِنْ أَعْظَمِ أَصْحَابِ النّبِىّ عَلَيْهِ الصّلاةُ وَالسّلامُ عَنْهُ غِنَاءً أَرْجَلَهُمْ رُجْلَةً وَأَرْمَاهُمْ بِسَهْمٍ لَمْ أَرْكَبْ خُطْوَةً ذَاهِبًا وَلا رَاجِعًا.

وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ فَصَلَ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا: “اللّهُمّ إنّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ وَعُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ وَجِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ وَعَالَةٌ فَأَغْنِهِمْ مِنْ فَضْلِك” قَالَ: فَمَا رَجَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ إلاّ وَجَدَ ظَهْرًا، لِلرّجُلِ الْبَعِيرُ وَالْبَعِيرَانِ وَاكْتَسَى مَنْ كَانَ عَارِيًا، وَأَصَابُوا طَعَامًا مِنْ أَزْوَادِهِمْ وَأَصَابُوا فِدَاءَ الأَسْرَى فَأَغْنَى بِهِ كُلّ عَائِلٍ.

 

إن هذا يذكرنا بقول سنقتبسه لاحقاً عن عائشة زوجة محمد: لم نشبع من التمر إلا بعد فتح خيبر (أرض سكنها اليهود).

 

ونلاحظ في هذه الغزوة أو المعركة تكرر خطيئة محمد بقبول مشاركة الأطفال المراهقين في الحرب، وهو ما يدل على نقص عدد الأتباع والمستعدين للمشاركة في حروبه، هذا يذكرنا بالإرهابيين الذين يجنّدون الأطفال ووصل الأمر لدرجة تفخيفهم بالقنابل!، وأتصور أنه لم يزدد عدد المشاركين سوى بعدما حقق محمد من انتصارات مما طمّع الكثيرين في الغنائم والسبايا والعبيد، لاحقاً سيتجنب محمد هذه الخطيئة والجريمة الكبرى، ويقول الواقدي:

 

حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: عَبّأَنَا رَسُولُ اللّهِ ص بِلَيْلٍ فَصَفّنَا، فَأَصْبَحْنَا وَنَحْنُ عَلَى صُفُوفِنَا، فَإِذَا بِغُلامَيْنِ لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إلاّ وَقَدْ رُبِطَتْ حَمَائِلُ سَيْفِهِ فِى عُنُقِهِ فَالْتَفَتَ إلَىّ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمّ أَيّهُمْ أَبُو جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْت: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ يَا ابْنَ أَخِى؟ قَالَ: بَلَغَنِى أَنّهُ يَسُبّ رَسُولَ اللّهِ فَحَلَفْت لَئِنْ رَأَيْته لأَقْتُلَنهُ، أَوْ لأَمُوتَن دُونَهُ، فَأَشَرْت لَهُ إلَيْهِ، وَالْتَفَتَ إلَىّ الآخَرُ، فَقَالَ لِى مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَشَرْت لَهُ إلَيْهِ، فَقُلْت: مَنْ أَنْتُمَا؟ قَالا: ابْنَا الْحَارِثِ، قَالَ: فَجَعَلا لا يَطْرِفَانِ عَنْ أَبِى جَهْلٍ حَتّى إذَا كَانَ الْقِتَالُ خَلَصَا إلَيْهِ فَقَتَلاهُ وَقَتَلَهُمَا.

 

حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ وَلَدِ مُعَوّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ، وَنَظَرَ إلَيْهِمَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ: لَيْتَهُ كَانَ إلَى جَنْبِى مَنْ هُوَ آيَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْفَتَيَيْنِ. فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ الْتَفَتَ إلَىّ عَوْفٌ، فَقَالَ: أَيّهُمْ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقُلْت: ذَاكَ حَيْثُ تَرَى، فَخَرَجَ يَعْدُو إلَيْهِ كَأَنّهُ سَبُعٌ وَلَحِقَهُ أَخُوهُ فَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِمَا يَضْطَرِبَانِ بِالسّيُوفِ ثُمّ نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ص مَرّ بِهِمَا فِى الْقَتْلَى وَهُمَا إلَى جَنْبِهِ.

 

ويقول ابن هشام:

 

ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقير: مُعَوّذ بْنُ عَفْرَاءَ، فَضَرَبه حَتَّى أَثْبَتَهُ، فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ. وَقَاتَلَ مُعَوذ حَتَّى قُتل

 

وفي سرده لقتلى (أو شهداء بحسب تعبيره) بدر:

 

ومن بني غَنْم بن مالك بن النجار: عَوْف ومُعَوذ، ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. رَجُلَانِ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ.

 

وفي البخاري:

 

3988 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ يَا عَمِّ أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ فَقُلْتُ يَا ابْنَ أَخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ فَقَالَ لِي الْآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ قَالَ فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ

 

3141 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعَ يُوسُفُ صَالِحًا وَإِبْرَاهِيمَ أَبَاهُ

 

وانظر صحيح مسلم 1752

 

وقد كان محمد تحالف مع جيرانه من الأعراب واسترضاهم، فتخلوا عن الأخلاق الإنسانية الحميدة بنجدة الغريب عن وطنه المتعرض للعدوان:

 

فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِى عَوْنٍ مَوْلَى الْمِسْوَرِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: لَمّا لَحِقْنَا بِالشّامِ أَدْرَكَنَا رَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ، فَأَخْبَرَنَا أَنّ مُحَمّدًا كَانَ عَرَضَ لِعِيرِنَا فِى بَدْأَتِنَا، وَأَنّهُ تَرَكَهُ مُقِيمًا يَنْتَظِرُ رَجْعَتَنَا. قَدْ حَالَفَ عَلَيْنَا أَهْلَ الطّرِيقِ وَوَادَعَهُمْ. قَالَ مَخْرَمَةُ: فَخَرَجْنَا خَائِفِينَ نَخَافُ الرّصَدَ، فَبَعَثْنَا ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو حِينَ فَصَلْنَا مِنْ الشّامِ.

 

ولدينا خبر عن أن بعض أفراد المسلمين كان يمكنهم رغم كل تلك العداوة الإسلامية أن يزور الكعبة في مكة لأداء العمرة، رغم أن ذلك يعني تنازعاً على مكان مقدس وثنيّ بالأساس، يقول الواقدي:

 

قَالُوا: وَخَرَجَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا قَبْلَ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: أَتَنْزِلُ هَذَا، وَقَدْ آوَى مُحَمّدًا وَآذَنّا بِالْحَرْبِ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: قُلْ مَا شِئْت، أَمَا إنّ طَرِيقَ عِيرِكُمْ عَلَيْنَا.

قَالَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ: مَهْ، لا تَقُلْ هَذَا لأَبِى الْحَكَمِ فَإِنّهُ سَيّدُ أَهْلِ الْوَادِى قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَأَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أُمَيّةُ أَمَا وَاَللّهِ لَسَمِعْت مُحَمّدًا يَقُولُ: “لأَقْتُلَن أُمَيّةَ بْنَ خَلَف”، قَالَ أُمَيّةُ: أَنْتَ سَمِعْته؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَوَقَعَ فِى نَفْسِهِ،

بل ويقول الواقدي، في باب (ذكر من أُسِر من المشركين) في بدر، ما يدل على استمرار هذا التسامح، واتساع الأفق، بأن كان يترك الوثنيون أتباع الدين الجديد يتمسحون بمعبدهم وثني الجذور والطبيعة الكعبة، ولم يوقف هذا التسامح سوى إصرار المسلمين على العنف وقطع الطريق، ووقوع معركة بدر:

 

وَعَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ صَارَ فِى سَهْمِ النّبِىّ ص بِالْقُرْعَةِ كَانَ أَسَرَهُ عَلِىّ، وَأَرْسَلَهُ النّبِىّ ص بِغَيْرِ فِدْيَةٍ لِسَعْدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أَكّالٍ مِنْ بَنِى مُعَاوِيَةَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَحُبِسَ بِمَكّةَ.

 

وقبل بدر، عن أمية بن خلف الذي يعتبرونه طاغية ورأسًا للـ"كفر" ومعذّبًا لبعضهم بل هجرتهم، روى البخاري:

 

3950 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ فَقَالَ لِأُمَيَّةَ انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ مَنْ هَذَا مَعَكَ فَقَالَ هَذَا سَعْدٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمْ الصُّبَاةَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي فَقَالَ سَعْدٌ دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ قَالَ بِمَكَّةَ قَالَ لَا أَدْرِي فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ قَالَتْ وَمَا قَالَ لَكَ قَالَ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ فَقُلْتُ لَهُ بِمَكَّةَ قَالَ لَا أَدْرِي فَقَالَ أُمَيَّةُ وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ قَالَ أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فَوَاللَّهِ لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي فَقَالَتْ لَهُ يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ قَالَ لَا مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبَدْرٍ

 

ورواه أحمد 3794 والبخاري 3632 والطبراني في المعجم الكبير 5350

 

وهو ما يؤكد نظريتنا عن طيبة وتسامح أهل مكة الوثنيين نسبياً مقابل شر وعدوان المسلمين! ألم تكن الصورة التي تنقلها لنا كتب السيرة معكوسة تقريباً إذن؟! إنه كما قد قيل المنتصرون يكتبون التاريخ كيفما يشاؤون.

 

كان الوثنيون في ثقافتهم يستعملون المغنيات من الإماء المستعبدات ليغنين بالشعر في الفخر بقريش أو شتيمة وهجاء محمد والمسلمين أو التشجيع على الدفاع عن المال والأنفس:

وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ سِرَاعًا، وَخَرَجُوا بِالْقِيَانِ وَالدّفَافِ سَارّةِ مَوْلاةِ عَمْرِو بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَعَزّةَ مَوْلاةِ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَمَوْلاةِ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، يُغَنّينَ فِى كُلّ مَنْهَلٍ وَيَنْحَرُونَ الْجُزُرَ، وَخَرَجُوا بِالْجَيْشِ يَتَقَاذَفُونَ بِالْحِرَابِ وَخَرَجُوا بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مُقَاتِلاً، وَقَادُوا مِائَةَ فَرَسٍ

 

وقد وصى أبو سفيان برد القيان قبل نشوب معركة بدر:

 

فَلَمّا أَفْلَتَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ وَرَأَى أَنْ قَدْ أَجْزَرَهَا، أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ - وَكَانَ مَعَ أَصْحَابِ الْعِيرِ خَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ مَكَّة - فَأَرْسَلَهُ أَبُو سُفْيَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالرّجُوعِ وَيَقُولُ: قَدْ نَجَتْ عِيرُكُمْ فَلا تُجْزِرُوا أَنْفُسَكُمْ أَهْلَ يَثْرِبَ، فَلا حَاجَةَ لَكُمْ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَقَدْ نَجّاهَا اللّهُ، فَإِنْ أَبَوْا عَلَيْك، فَلا يَأْبَوْنَ خَصْلَةً وَاحِدَةً يَرُدّونَ الْقِيَانَ فَإِنّ الْحَرْبَ إذَا أَكَلَتْ نَكَلَتْ، فَعَالَجَ قُرَيْشًا وَأَبَتْ الرّجُوعَ، وَقَالُوا: أَمّا الْقِيَانُ فَسَنَرُدّهُنّ فَرَدّوهُنّ مِنْ الجحفة.

 

لاحقاً، سنقرأ في فتح محمد لمكة واجتياحها أنه أمر بقتل هذه النساء الإماء الثلاثة، لمجرد أنهن كن يقلن الشعر ويغنين، فهذه هي حدود تسامح محمد والإسلام، وحدود النخوة والمروءة عندهم بقتل النساء الضعيفات!

ويحدثنا الواقدي، وهو أفضل مرجع وأدقه وأغزره لأحداث حروب محمد، فنعلم كذلك أنه كعادته أرسل الجواسيس لتتبع أخبار العير (القافلة) وموعد وصولها:

 

وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِىّ بْنُ أَبِى الزّغْبَاءِ، وَرَدَا عَلَى مَجْدِى بَدْرًا يَتَحَسّسَانِ الْخَبَرَ، فَلَمّا نَزَلا مَاءَ بَدْرٍ أَنَاخَا رَاحِلَتَيْهِمَا إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ، ثُمّ أَخَذَا أَسْقِيَتَهُمَا يَسْتَقِيَانِ مِنْ الْمَاءِ فَسَمِعَا جَارِيَتَيْنِ مِنْ جَوَارِى جُهَيْنَةَ يُقَالُ: لإِحْدَاهُمَا بَرْزَةُ، وَهِىَ تَلْزَمُ صَاحِبَتَهَا فِى دِرْهَمٍ كَانَ لَهَا عَلَيْهَا، وَصَاحِبَتُهَا تَقُولُ: إنّمَا الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ قَدْ نَزَلَتْ الروحاء، وَمَجْدِى بْنُ عَمْرٍو يَسْمَعُهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ بَسْبَسُ وَعَدِىّ انْطَلَقَا رَاجِعِينَ إلَى النّبِىّ ص حَتّى لَقِيَاهُ بعرق الظّبْيَةِ فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ.

 

وهو نفس الأمر الذي يؤكده ابن هشام بروايته لابن إسحاق:

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ بَسْبَس بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْباء قَدْ مَضَيَا حَتَّى نَزَلَا بَدْرًا، فَأَنَاخَا إلَى تَلٍّ قَرِيبٍ مِنْ الماء، ثم أخذا شَنًّا لهما يسقيان فِيهِ، ومَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ عَلَى الْمَاءِ فَسَمِعَ عَدِيٌّ وَبَسْبَسُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ، وَهُمَا يَتلازمان عَلَى الْمَاءِ، وَالْمَلْزُومَةُ4 تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا: إنَّمَا تَأْتِي العيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غدٍ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ، ثُمَّ أَقْضِيكَ الَّذِي لَكَ، قَالَ مَجْدِي: صدقتِ، ثُمَّ خلَّص بَيْنَهُمَا. وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدي وبَسْبس، فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا، ثُمَّ انْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فأخبراه بما سمعا.

 

نَزَلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْسج وَهِيَ بِئْرُ الرَّوْحاء ثُمَّ ارْتَحَلَ مِنْهَا، حَتَّى إذَا كَانَ بالمنْصَرَف، تَرَكَ طَرِيقَ مَكَّةَ بِيَسَارٍ، وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النَّازِيَةِ، يُرِيدُ بَدْرًا، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا، حَتَّى جَزَع وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ رُحْقان، بَيْنَ النَّازِيَةِ وَبَيْنَ مَضِيق الصَّفْراء، ثُمَّ عَلَى الْمَضِيقِ، ثُمَّ انْصَبَّ مِنْهُ، حَتَّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصَّفْرَاءِ، بعثَ بَسْبَس بْنَ الجُهَني حليفَ بَنِي سَاعِدَةَ، وعَدِي بْنَ أَبِي الزّغْباء الْجُهَنِيَّ، حَلِيفَ بَنِي النَّجَّارِ، إلَى بَدْرٍ يَتَحَسَّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ

 

ويقول الواقدي:

 

وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّة يَنْزِلُونَ كُلّ مَنْهَلٍ يُطْعِمُونَ الطّعَامَ مَنْ أَتَاهُمْ وَيَنْحَرُونَ الْجُزُرَ

 

فكم كانت أخلاقهم خيراً من أخلاق جفاة المسلمين، فالوثنيون يكرمون الناس ممن لا يعرفونهم ويطعمون المحتاج على أساس أخلاق قدامى العرب، حتى لو قيل أنه من باب التفاخر والتكبر والمن، أما المسلمون في ذلك الوقت فهم محض مجموعة تخرج للنهب والأذى.

 

ومن قراءة الواقدي نعلم أن تخاذل الوثنيين كان سبباً في هزيمتهم، فقد انسحب كل من بني زهرة وبني عدي، حتى أنه يذكر تحايل بني زهرة ليرجعوا بأن ادعوا أن سيدهم قد لُدِغ وأنهم لن يبرحوا مكانهم مع باقي المكيين حتى يعلموا أحي هو أم ميت ليدفنوه مكانه، وكانت حيلة لينسلوا من بينهم لا أكثر! أما بنو عدي فالتقوا بأبي سفيان بالطريق فلامهم كيف رجعتم لا في العير ولا في النفير، فاحتجوا بأنه من أوصى قريشاً بالرجوع!

 

إن من نقاط ضعف قريش كما نعلم من الواقدي أن نبيه بن حجاج الوثني أوصى بألا يقتلوا شبابهم المسلمين القرشيين اللاجئين ليثرب مسببي المشكلة وقاطعي الطريق بل يحاولون أسرهم فقط، وهو ما يؤكد مرة أخرى مدى طيبة هؤلاء الوثنيين، مقابل إخلاص رغبة المسلمين في قتل أقاربهم بلا قليل باعتبارهم (الكفار) وفق منهج التكفير الإسلامي المستمد من اليهودية والمسيحية:

 

يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اُنْظُرُوا غَدًا إنْ لَقِينَا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَابْقَوْا فِى أَنْسَابِكُمْ هَؤُلاءِ وَعَلَيْكُمْ بِأَهْلِ يَثْرِبَ، فَإِنّا إنْ نَرْجِعُ بِهِمْ إلَى مَكَّة يُبْصِرُوا ضَلالَتَهُمْ وَمَا فَارَقُوا مِنْ دِينِ آبَائِهِمْ 

 

حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا قَالَ لَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَرْسَلُوا أَبَا أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ - وَكَانَ فَارِسًا - فَأَطَافَ بِالنّبِىّ ص وَأَصْحَابِهِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: مَا رَأَيْت؟ قَالَ: وَاَللّهِ مَا رَأَيْت جَلَدًا، وَلا عَدَدًا، وَلا حَلْقَةً وَلا كُرَاعًا، وَلَكِنّى وَاَللّهِ رَأَيْت قَوْمًا لا يُرِيدُونَ أَنْ يَئُوبُوا إلَى أَهْلِيهِمْ قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلا مَلْجَأٌ إلاّ سُيُوفُهُمْ زُرْقُ الْعُيُونِ كَأَنّهُمْ الْحَصَى تَحْتَ الْحَجَفِ.

 

لقد كان السبب الرئيسي لهجوم وثنيي قريش على يثرب هو تكرر قطع طريق القوافل، وجاء في الواقدي:

 

حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمّا نَزَلَ الْقَوْمُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: ارْجِعُوا، فَإِنّهُ يَلِى هَذَا الأَمْرَ مِنّى غَيْرُكُمْ أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ تَلُوهُ مِنّى، وَأَلِيَهُ مِنْ غَيْرِكُمْ أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ أَلِيَهُ مِنْكُمْ.

 

فَقَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: قَدْ عَرَضَ نِصْفًا، فَاقْبَلُوهُ، وَاَللّهِ لا تُنْصَرُونَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا عَرَضَ مِنْ النّصْفِ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاَللّهِ لا نَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ أَمْكَنَنَا اللّهُ مِنْهُمْ وَلا نَطْلُبُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ وَلا يَعْتَرِضُ لِعِيرِنَا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا.

 

لقد كان هناك خلاف على الزعامة وعلى الانسحاب من عدمه بين عتبة رئيس قريش وأبي الحكم (يسميه المسلمون أبا جهل)، وهذا شق صف قريش وقوتها، ونقرأ من الواقدي:

 

قَالَ حَكِيمٌ: فَجِئْت إلَى مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، فَقُلْت لَهُ مِثْلَ مَا قُلْت لأَبِى جَهْلٍ، فَوَجَدْته خَيْرًا مِنْ أَبِى جَهْلٍ، قَالَ: نِعْمَ مَا مَشَيْت فِيهِ وَمَا دَعَا إلَيْهِ عُتْبَةُ فَرَجَعْت إلَى عُتْبَةَ فَوَجَدْته قَدْ غَضِبَ مِنْ كَلامِ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ جَمَلِهِ وَقَدْ طَافَ عَلَيْهِمْ فِى عَسْكَرِهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِالْكَفّ عَنْ الْقِتَالِ فَيَأْبَوْنَ، فَحَمِىَ فَنَزَلَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَطَلَبُوا لَهُ بَيْضَةً تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدْ فِى الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُ رَأْسَهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ، ثُمّ بَرَزَ بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ وَبَيْنَ ابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، فَبَيْنَا أَبُو جَهْلٍ فِى الصّفّ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى، حَاذَاهُ عُتْبَةُ وَسَلّ عُتْبَةُ سَيْفَهُ فَقِيلَ: هُوَ وَاَللّهِ يَقْتُلُهُ فَضَرَبَ بِالسّيْفِ عُرْقُوبَىْ فَرَسِ أَبِى جَهْلٍ فَاكْتَسَعَتْ الْفَرَسُ، فَقُلْت: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ، قَالُوا: قَالَ عُتْبَةُ: انْزِلْ فَإِنّ هَذَا الْيَوْمَ لَيْسَ بِيَوْمِ رُكُوبٍ لَيْسَ كُلّ قَوْمِك رَاكِبًا.

 

خاتمة القول إن قراءتنا للواقدي وابن هشام تدلنا على حسن تخطيط محمد وصحبه وقوة مرتكزهم، فقد أمنوا مياهاً للشرب وهم على أرضهم تقريباً، وقابلوا الوثنيين بالسهام ولم يلتحموا بهم وفق أمر محمد حتى اقترب الوثنيون منهم تماماً، فلا علاقة للأمر بملائكة كما يزعم قرآن محمد.

 

وكمثال على مخالفة هؤلاء المسلمين الأوائل لكل أخلاق الفروسية، أنه كان ثلاثة قد تحدوا ثلاثة للمبارزة قبل بدء الحرب، إلا أنه حدث التالي:

 

قَالُوا: وَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ حِينَ دَعَا إلَى الْبِرَازِ قَامَ إلَيْهِ ابْنُهُ أَبُو حُذَيْفَةَ يُبَارِزُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: “اجْلِسْ”، فَلَمّا قَامَ إلَيْهِ النّفَرُ أَعَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ عَلَى أَبِيهِ بِضَرْبَةٍ.

 

وأبو حذيفة تدخل ولم يكن من الثلاثة، فهذه فكرة المسلمين الأصوليين عن الأخلاق والفروسية، غدر وخيانة. مثال بسيط وغيض من فيض.

وفي النهاية لا يملك محمد إزاء القتلى والضحايا سوى مواساة أهليهم بالأوهام:

 

يقول الواقدي:

 

وَقَالَ: بَيْنَا حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كَارِعٌ فِى الْحَوْضِ إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَوَقَعَ فِى نَحْرِهِ فَلَقَدْ شَرِبَ الْقَوْمُ آخِرَ النّهَارِ مِنْ دَمِهِ، فَبَلَغَ أُمّهُ وَأُخْتَه وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ مَقْتَلَهُ فَقَالَتْ أُمّهُ: وَاَللّهِ لا أَبْكِى عَلَيْهِ حَتّى يَقْدَمَ رَسُولُ اللّهِ ص فَأَسْأَلُهُ فَإِنْ كَانَ ابْنِى فِى الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنِى فِى النّارِ بَكَيْته لَعَمْرِ اللّهِ فَأَعْوَلْتُهُ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ بَدْرٍ جَاءَتْ أُمّهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ عَرَفْت مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِى، فَأَرَدْت أَنْ أَبْكِىَ عَلَيْهِ، فَقُلْت: لا أَفْعَلُ حَتّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللّهِ؟ فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِى النّارِ بَكَيْته فَأَعْوَلْتُهُ، فَقَالَ النّبِىّ ص: “هَبِلْت، أَجَنّةٌ وَاحِدَةٌ؟ إنّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إنّهُ لَفِى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى”. قَالَتْ: فَلا أَبْكِى عَلَيْهِ أَبَدًا وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهِ وَمَضْمَضَ فَاهُ، ثُمّ نَاوَلَ أُمّ حَارِثَةَ فَشَرِبَتْ، ثُمّ نَاوَلَتْ ابْنَتَهَا فَشَرِبَتْ، ثُمّ أَمَرَهُمَا فَنَضَحَتَا فِى جُيُوبِهِمَا، فَفَعَلَتَا فَرَجَعَتَا مِنْ عِنْدِ النّبِىّ ص وَمَا بِالْمَدِينَةِ امْرَأَتَانِ أَقَرّ أَعْيُنًا مِنْهُمَا وَلا أَسَرّ.

 

وأخرجه البخاري (6567) عن قتيبة بن سعيد، والنسائي في "الكبرى" (2831)، وابن حبان (7391) من طريق علي بن حُجْر، كلاهما عن إسماعيل ابن جعفر، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة 5/289، والبخاري (3982) و (6550)، وأحمد بن حنبل برقمي 13787 و12252، وأبو يعلى (3730)، والطبراني في "الكبير" (3236)، والحاكم 3/208

 

ولم تكن لمحمد الكثير من الشجاعة رغم ما تزعمه الأحاديث عن شجاعته، بل لم يحارب وكان في المؤخرة تحت حماية جند كثيف:

 

يقول الواقدي:

 

قَالُوا: فَلَمّا تَصَافّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا”. فَلَمّا انْهَزَمُوا كَانَ النّاسُ ثَلاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ قَامَتْ عِنْدَ خَيْمَةِ النّبِىّ ص - وَأَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ مَعَهُ فِى الْخَيْمَةِ - وَفِرْقَةٌ أَغَارَتْ عَلَى النّهْبِ وَفِرْقَةٌ طَلَبَتْ الْعَدُوّ فَأَسَرُوا وَغَنِمُوا.

 

فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَكَانَ مِمّنْ أَقَامَ عَلَى خَيْمَةِ النّبِىّ ص، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا مَنَعَنَا أَنْ نَطْلُبَ الْعَدُوّ زَهَادَةٌ فِى الأَجْرِ وَلا جُبْنٌ عَنْ الْعَدُوّ. وَلَكِنّا خِفْنَا أَنْ يُعْرَى مَوْضِعُك فَتَمِيلُ عَلَيْك خَيْلٌ مِنْ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَرِجَالٌ مِنْ رِجَالِهِمْ وَقَدْ أَقَامَ عِنْدَ خَيْمَتِك وُجُوهُ النّاسِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَلَمْ يَشِذّ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالنّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ كَثِيرٌ، وَمَتَى تُعْطِ هَؤُلاءِ لا يَبْقَ لأَصْحَابِك شَيْءٌ وَالأَسْرَى وَالْقَتْلَى كَثِيرٌ وَالْغَنِيمَةُ قَلِيلَةٌ. فَاخْتَلَفُوا، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ} فَرَجَعَ النّاسُ وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ. ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ} فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ ص بَيْنَهُمْ.

 

ويقول ابن هشام:

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدث: أَنَّ سَعْدَ بْنَ معاذ قال: يا نبي الله، ألا نبتني لَكَ عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ، ونُعد عِنْدَكَ رَكَائِبَكَ، ثُمَّ نَلْقَى عَدُوَّنَا فَإِنْ أَعَزَّنَا اللَّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى، جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ، فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا، فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا نَحْنُ بِأَشَدَّ لَكَ حُبًّا مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنُّوا أَنَّكَ تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَمْنَعُكَ اللَّهُ بِهِمْ، يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَكَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ، ثُمَّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريشٌ، فكان فيه ارتحال قريش ودعاء الرسول عليهم

 

.... قالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ عدَّل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى الْعَرِيشِ فَدَخَلَهُ، وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ ربَّه مَا وَعَدَهُ مِنْ النَّصْرِ، وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إنْ تَهْلك هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبد"، وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بعضَ مُناشدتك رَبَّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِز لَكَ مَا وَعَدَكَ......

 

بل ويقول الواقدي بعد ذكره زعماً مروياً أن سعد بن عبادة وهب سيفاً يوم بدر لمحمد، خبراً معاكساً يشير لتجنب محمد المشاركة في الحرب التي تسبب فيها:

 

فَسَمِعْت ابْنَ أَبِى سَبْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْت صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا مَعَهُ سَيْفٌ، وَكَانَ أَوّلُ سَيْفٍ تَقَلّدَهُ سَيْفَ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، غَنِمَهُ يَوْمَ بَدْرٍ.

 

ونرى في بدر تأسيس وتكريس لأخلاق النهب والسلب، وكان لمحمد على عادة أمراء أهل ذلك الزمن من همج شبه جزيرة العرب جزء من الغنيمة غير نصيبه يصطفيه مما يشاء، ويسمونه الصفيّ، يقول الواقدي:

 

وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ خُيُولِهِمْ عَشَرَةَ أَفْرَاسٍ وَأَصَابُوا لَهُمْ سِلاحًا وَظَهْرًا. وَكَانَ جَمَلُ أَبِى جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ فِيهَا، فَغَنِمَهُ النّبِىّ ص فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَضْرِبُ عَلَيْهِ فِى إبِلِهِ وَيَغْزُو عَلَيْهِ حَتّى سَاقَهُ فِى هَدْىِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَسَأَلَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ الْجَمَلَ بِمِائَةِ بَعِيرٍ، فَقَالَ: “لَوْلا أَنَا سَمّيْنَاهُ فِى الْهَدْىِ لَفَعَلْنَا”. وَكَانَ لِرَسُولِ اللّهِ ص صَفِىّ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ مِنْهَا شَيْءٌ.

 

ويقول ابن هشام في سياق صلح الحديبية وأداء محمد للعمرة الإسلامية بناء على الصلح في معبد الوثنيين الكعبة:

 

وقال عبد الله بن أبي نجيح: حدثني مجاهد، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي عام الحديبية في هداياه جَملاً لأبى جهل، في رأسه بُرَةٌ من فضة، يَغِيظُ بذلك المشركين.

ومن يقرأ مغازي الواقدي يجد الاختلاف الكثير بين أفراد المسلمين وتنازعهم على الغنائم والأسرى، فمن ذلك مثلاً:

 

فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَمَيْت يَوْمَ بَدْرٍ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَطَعْت نَسَاهُ فَأَتْبَعْت أَثَرَ الدّمِ حَتّى وَجَدْته قَدْ أَخَذَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ، وَهُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. فَقُلْت: أَسِيرِى، رَمَيْته فَقَالَ مَالِكٌ: أَسِيرِى، أَخَذْته فَأَتَيَا رَسُولَ اللّهِ ص فَأَخَذَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا. فَأَفْلَتْ سُهَيْلٌ بِالرّوْحَاءِ مِنْ مَالِكِ بْن الدّخْشُمِ. فَصَاحَ فِى النّاسِ فَخَرَجَ فِى طَلَبِهِ فَقَالَ النّبِىّ ص: “مَنْ وَجَدَهُ فَلْيَقْتُلْهُ فَوَجَدَهُ النّبِىّ ص فَلَمْ يَقْتُلْهُ”.

 

أما تعامل المسلمين مع الأسرى، فلا داعي لمزاعمهم المضحكة أنهم التزموا بمواثيق حقوق الإنسان قبل وضعها، وكانوا يحرمون قتل الأسرى، فإن ابن هشام نفسه ذكر كثيرين ممن قتل محمد والمسلمون في غزوة بدر، انتقاماً من اضطهادهم للمسلمين بمكة قبل الهجرة:

 

....وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيط بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأقْلح، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، صَبْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

 

......ومن بني عبد الدار بن قُصَي: النضرُ بن الحارث بن كَلَدة بن عَلْقمة بن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ، فِيمَا يَذْكُرُونَ.

 

ويقول الواقدي:

 

وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ص بِالأَسْرَى، حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ أَمَرَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ ابْنِ أَبِى الأَقْلَحِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ، وَكَانَ أَسَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلانِىّ، فَجَعَلَ عُقْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلِى، عَلامَ أُقْتَلُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مِنْ بَيْنِ مَنْ هَاهُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لِعَدَاوَتِك لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ”، قَالَ: يَا مُحَمّدُ، مَنّك أَفْضَلُ فَاجْعَلْنِى كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِى، إنْ قَتَلْتهمْ قَتَلْتنِى، وَإِنْ مَنَنْت عَلَيْهِمْ مَنَنْت عَلَىّ، وَإِنْ أَخَذْت مِنْهُمْ الْفِدَاءَ كُنْت كَأَحَدِهِمْ يَا مُحَمّدُ، مَنْ لِلصّبْيَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “النّارُ”، قَدّمْهُ يَا عَاصِمُ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَدّمَهُ عَاصِمٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “بِئْسَ الرّجُلُ كُنْت وَاَللّهِ مَا عَلِمْت، كَافِرًا بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِكِتَابِهِ مُؤْذِيًا لِنَبِيّهِ فَأَحْمَدُ اللّهَ الّذِى هُوَ قَتَلَك وَأَقَرّ عَيْنِى مِنْك”.

 

وإن قائمة القتلى عند ابن هشام لا تفرق بين من قُتل في المعركة من الوثنيين ومن قتل بعدما استسلم واستأسَر.

 

ويقول الواقدي:

فَحَدّثَنِى عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَصَابَ أَبُو بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَسِيرًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُ: مَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، مِنْ بَنِى سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ ابْنُ الْخَطّابِ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَحُضّ عَلَى قَتْلِ الأَسْرَى، لا يَرَى أَحَدًا فِى يَدَيْهِ أَسِيرًا إلاّ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرّقَ النّاسُ. فَلَقِيَهُ مَعْبَدٌ وَهُوَ أَسِيرٌ مَعَ أَبِى بُرْدَةَ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ يَا عُمَرُ أَنّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمْ؟ كَلاّ وَاللاّتِ وَالْعُزّى فَقَالَ عُمَرُ: عِبَادَ اللّهِ الْمُسْلِمِينَ أَتَكَلّمُ وَأَنْتَ أَسِيرٌ فِى أَيْدِينَا؟ ثُمّ أَخَذَهُ مِنْ أَبِى بُرْدَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَيُقَالُ: إنّ أَبَا بُرْدَةَ قَتَلَهُ.

 

ويقول ابن هشام في قائمة الأسرى:

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ومَعْبد بْنُ وَهْبٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي كَلْب بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْث، قَتَلَ مَعْبَدًا خَالِدٌ وَإِيَاسُ ابْنَا البُكَير، وَيُقَالُ: أَبُو دُجانة، فيما قال ابن هشام.

 

لقد كان محمد ينتوي قتل الأسرى كلهم بعد بدر وعمل مذبحة كبيرة، حتى أن القرآن لا تزال به تلك الآية القائلة: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)} من سورة الأنفال

 

ويقول الواقدي:

فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا تُخْبِرُوا سَعْدًا بِقَتْلِ أَخِيهِ فَيَقْتُلَ كُلّ أَسِيرٍ فِى أَيْدِيكُمْ”.

 

فَحَدّثَنِى خَالِدُ بْنُ الْهَيْثَمِ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا يَتَعَاطَى أَحَدُكُمْ أَسِيرَ أَخِيهِ فَيَقْتُلَهُ”. وَلَمّا أُتِىَ بِالأَسْرَى كَرِهَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “يَا أَبَا عَمْرٍو، كَأَنّهُ شَقّ عَلَيْك الأَسْرَى أَنْ يُؤْسَرُوا”. قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ الْتَقَيْنَا فِيهَا وَالْمُشْرِكُونَ فَأَحْبَبْت أَنْ يُذِلّهُمْ اللّهُ وَأَنْ يُثْخَنَ فِيهِمْ الْقَتْلُ.

 

وَكَانَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يُحَدّثُ يَقُولُ: أَتَى جِبْرِيلُ إلَى النّبِىّ ص يَوْمَ بَدْرٍ فَخَيّرَهُ فِى الأَسْرَى أَنْ يَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَيُسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: “هَذَا جِبْرِيلُ يُخَيّرُكُمْ فِى الأَسْرَى بَيْنَ أَنْ نَضْرِبَ رِقَابَهُمْ أَوْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدْيَةَ وَيُسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ”. قَالُوا: بَلْ نَأْخُذُ الْفِدْيَةَ وَنَسْتَعِينُ بِهَا، وَيُسْتَشْهَدُ مِنّا فَنَدْخُلُ الْجَنّةَ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ بِأُحُدٍ.

 

قَالُوا: وَلَمّا حُبِسَ الأَسْرَى بِبَدْرٍ - اُسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانُ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ اقْتَرَعُوا عَلَيْهِمْ - طَمِعُوا فِى الْحَيَا فَقَالُوا: لَوْ بَعَثْنَا إلَى أَبِى بَكْرٍ فَإِنّهُ أَوْصَلُ قُرَيْشٍ لأَرْحَامِنَا، وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا آثَرُ عِنْدَ مُحَمّدٍ مِنْهُ فَبَعَثُوا إلَى أَبِى بَكْرٍ فَأَتَاهُمْ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، إنّ فِينَا الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ وَالإِخْوَانَ وَالْعُمُومَةَ وَبَنِى الْعَمّ وَأَبْعَدُنَا قَرِيبٌ. كَلّمْ صَاحِبَك فَلْيَمُنّ عَلَيْنَا أَنْ يُفَادِنَا. فَقَالَ: نَعَمْ إنْ شَاءَ اللّهُ لا آلُوكُمْ خَيْرًا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص.

 

قَالُوا: وَابْعَثُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، فَإِنّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ فَلا نَأْمَنُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكُمْ لَعَلّهُ يَكُفّ عَنْكُمْ، فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ فَجَاءَهُمْ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا لأَبِى بَكْرٍ، فَقَالَ: لَنْ آلُوكُمْ شَرّا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى النّبِىّ ص فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَالنّاسَ حَوْلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ يُلَيّنُهُ وَيَفْثَؤُهُ وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى قَوْمُك فِيهِمْ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ وَالْعُمُومَةُ وَالإِخْوَانُ وَبَنُو الْعَمّ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْك قَرِيبٌ فَامْنُنْ عَلَيْهِمْ مَنّ اللّهُ عَلَيْك، أَوْ فَادِهِمْ يَسْتَنْقِذْهُمْ اللّهُ بِك مِنْ النّارِ فَتَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا أَخَذْت قُوّةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَعَلّ اللّهَ يُقْبِلُ بِقُلُوبِهِمْ إلَيْك، ثُمّ قَامَ فَتَنَحّى نَاحِيَةً وَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يُجِبْهُ.

ثُمّ جَاءَ عُمَرُ فَجَلَسَ مَجْلِسَ أَبِى بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هُمْ أَعْدَاءُ اللّهِ كَذّبُوك وَقَاتَلُوك وَأَخْرَجُوك اضْرِبْ رِقَابَهُمْ هُمْ رُءُوسُ الْكُفْرِ وَأَئِمّةُ الضّلالَةِ يُوَطّئُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِهِمْ الإِسْلامَ، وَيُذِلّ بِهِمْ أَهْلَ الشّرْكِ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يُجِبْهُ، وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ إلَى مَقْعَدِهِ الأَوّلِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى قَوْمُك فِيهِمْ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ وَالْعُمُومَةُ وَالإِخْوَانُ وَبَنُو الْعَمّ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْك قَرِيبٌ فَامْنُنْ عَلَيْهِمْ أَوْ فَادِهِمْ هُمْ عِتْرَتُك وَقَوْمُك، لا تَكُنْ أَوّلَ مَنْ يَسْتَأْصِلُهُمْ يَهْدِيهِمْ اللّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُهْلِكَهُمْ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا.

 

وَتَنَحّى نَاحِيَةً فَقَامَ عُمَرُ فَجَلَسَ مَجْلِسَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تَنْتَظِرُ بِهِمْ؟ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ يُوَطّئُ اللّهُ بِهِمْ الإِسْلامَ وَيُذِلّ أَهْلَ الشّرْكِ هُمْ أَعْدَاءُ اللّهِ كَذّبُوك وَقَاتَلُوك وَأَخْرَجُوك يَا رَسُولَ اللّهِ اشْفِ صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ قَدَرُوا عَلَى مِثْلِ هَذَا مِنّا مَا أَقَالُونَاهَا أَبَدًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَامَ نَاحِيَةً فَجَلَسَ وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ فَكَلّمَهُ مِثْلَ كَلامِهِ الّذِى كَلّمَهُ بِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ فَتَنَحّى نَاحِيَةً، ثُمّ قَامَ عُمَرُ فَكَلّمَهُ كَلامَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ.

ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ص فَدَخَلَ قُبّتَهُ فَمَكَثَ فِيهَا سَاعَةً، ثُمّ خَرَجَ وَالنّاسُ يَخُوضُونَ فِى شَأْنِهِمْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص قَالَ: “مَا تَقُولُونَ فِى صَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنِ؟ دَعُوهُمَا فَإِنّ لَهُمَا مَثَلاً؛ مَثَلُ أَبِى بَكْرٍ كَمَثَلِ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بِرِضَاءِ اللّهِ وَعَفْوِهِ، عَنْ عِبَادِهِ، وَمَثَلُهُ فِى الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ إبْرَاهِيمَ كَانَ أَلْيَنَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْعَسَلِ أَوْقَدَ لَهُ قَوْمُهُ النّارَ وَطَرَحُوهُ فِيهَا، فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ: {أُفّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}، وَقَالَ: فَمَنْ تَبِعَنِى فَإِنّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنّك غَفُورٌ رَحِيمٌ وَمَثَلُهُ مَثَلُ عِيسَى، إذْ يَقُولُ: {إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، وَمَثَلُ عُمَرَ فِى الْمَلائِكَةِ كَمَثَلِ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالسّخْطَةِ مِنْ اللّهِ وَالنّقْمَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللّهِ، وَمَثَلُهُ فِى الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ نُوحٍ كَانَ أَشَدّ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ إذْ يَقُولُ: رَبّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيّارًا فَدَعَا عَلَيْهِمْ دَعْوَةً أَغْرَقَ اللّهُ الأَرْضَ جَمِيعَهَا، وَمَثَلِ مُوسَى إذْ يَقُولُ: رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ وَإِنّ بِكُمْ عَيْلَةً فَلا يَفُوتَنّكُمْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلاءِ إلاّ بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ”.

 

فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إلاّ سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ - قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: هَذَا وَهْمٌ سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ، مَا شَهِدَ بَدْرًا، إنّمَا هُوَ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: سَهْلٌ - فَإِنّى رَأَيْته يُظْهِرُ الإِسْلامَ بِمَكّةَ، فَسَكَتَ النّبِىّ ص فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَمَا مَرّتْ عَلَىّ سَاعَةٌ قَطّ كَانَتْ أَشَدّ عَلَىّ مِنْ تِلْكَ السّاعَةِ فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَى السّمَاءِ أَتَخَوّفُ أَنْ تَسْقُطَ عَلَىّ الْحِجَارَةُ لِتَقَدّمِى بَيْنَ يَدَىْ اللّهِ وَرَسُولِهِ بِالْكَلامِ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ ص رَأْسَهُ، فَقَالَ: “إلاّ سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ”، قَالَ: فَمَا مَرّتْ عَلَىّ سَاعَةٌ أَقَرّ لَعَيْنَىّ مِنْهَا، إذْ قَالَهَا رَسُولُ اللّهِ ص. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيُشَدّدُ الْقَلْبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَةِ، وَإِنّهُ لَيُلَيّنُ الْقَلْبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ الزّبْدِ”.

 

وَقَبِلَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ يَوْمَ بَدْرٍ مَا نَجَا مِنْهُ إلاّ عُمَرُ”، كَانَ يَقُولُ: “اُقْتُلْ وَلا تَأْخُذْ الْفِدَاءَ”. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَقُولُ: اُقْتُلْ وَلا تَأْخُذْ الْفِدَاءَ.

 

ويقول ابن هشام عن ابن إسحاق في السيرة:

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى، وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا مِنْ عَدُوٍّ لَهُ.

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت بِالرُّعْبِ، وجُعلت لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ جوامعَ الكلم، وأحلت لي الغنائمُ وَلَمْ تُحْلَل لِنَبِيٍّ كَانَ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي".

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ}: أَيْ قَبْلَكَ {أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} مِنْ عَدُوِّهِ {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}، أَيْ يُثْخِنَ عَدُوَّهُ، حَتَّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا}: أَيْ الْمَتَاعَ، الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرِّجَالِ {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}: أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي يُرِيدُ إظْهَارَهُ، وَاَلَّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ}: أي من الأسارَى والمغانم، {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67، 68]: أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنِّي لَا أعذِّب إلَّا بَعْدَ النَّهْيِ، وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ، لَعَذَّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ، ثُمَّ أحلَّها لَهُ وَلَهُمْ رحمة منه، وعائدة من الرحمن الرحيم، {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 69] ثُمَّ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 70]

 

ويورد الواقدي من تفسير الآيات في كتابه:

 

{مَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ} يَعْنِى أَخْذَ الْمُسْلِمِينَ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا} يَقُولُ: الْفِدَاءَ {وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} يُرِيدُ أَنْ يُقْتَلُوا.

{لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قَالَ: سَبَقَ إحْلالُ الْغَنِيمَةِ {فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيّبًا} قَالَ: إحْلالُ الْغَنَائِمِ

 

 ومن نماذج تعامل محمد وصحبه مع الأسرى، نقرأ في الواقدي:

 

وَكَانَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو لَمّا كَانَ بِشَنُوكَةَ - شَنُوكَةُ فِيمَا بَيْنَ السّقْيَا وَمَلَل - كَانَ مَعَ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ الّذِى أَسَرَهُ، فَقَالَ: خَلّ سَبِيلِى لِلْغَائِطِ. فَقَامَ بِهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: إنّى أَحْتَشِمُ فَاسْتَأْخِرْ عَنّى فَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ، وَمَضَى سُهَيْلٌ عَلَى وَجْهِهِ انْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ الْقِرَانِ وَمَضَى، فَلَمّا أَبْطَأَ سُهَيْلٌ عَلَى مَالِكٍ أَقْبَلَ فَصَاحَ فِى النّاسِ فَخَرَجُوا فِى طَلَبِهِ، وَخَرَجَ النّبِىّ ص فِى طَلَبِهِ، فَقَالَ: “مَنْ وَجَدَهُ فَلْيَقْتُلْهُ”، فَوَجَدَهُ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ دَفَنَ نَفْسَهُ بَيْن سَمُرَاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرُبِطَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، ثُمّ قَرَنَهُ إلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَرْكَبْ خُطْوَةً حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَلَقِىَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ.

 

فَحَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَقِىَ رَسُولُ اللّهِ ص أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَسُولُ اللّهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللّهِ ص بَيْنَ يَدَيْهِ وَسُهَيْلٌ مَجْنُوبٌ، وَيَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ فَلَمّا نَظَرَ أُسَامَةُ إلَى سُهَيْلٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَبُو يَزِيدَ، قَالَ: “نَعَمْ هَذَا الّذِى كَانَ يُطْعِمُ بِمَكّةَ الْخُبْزَ”.

وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمَدِينَةَ، وَقَدِمَ بِالأَسْرَى حِينَ قَدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ فِى مَنَاحِتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوّذٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ، قَالَتْ سَوْدَةُ: فَأَتَيْنَا، فَقِيلَ لَنَا: هَؤُلاءِ الأَسْرَى قَدْ أُتِىَ بِهِمْ.

 

فَخَرَجْت إلَى بَيْتِى وَرَسُولُ اللّهِ ص فِيهِ وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَوَاَللّهِ إنْ مَلَكْت حِينَ رَأَيْته مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت: أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ أَلا مُتّمْ كِرَامًا؟ فَوَاَللّهِ مَا رَاغَنِى إلاّ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ الْبَيْتِ: “يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ”؟ فَقُلْت: يَا نَبِىّ اللّهِ وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ نَبِيّا مَا مَلَكْت نَفْسِى حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، أَنْ قُلْت مَا قُلْت.

 

وبعض القصة عند ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني عبدُ الله بن أبي بكر أن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، قال: قدم بالأسارى حين قُدم بهم، وسَوْدة بنت زَمْعة زوج النبى صلى الله عليه وسلم  عند آل عفراء، فى مناحتهم على عَوْف ومعوذ ابنى عفراء، وذلك قبل أن يُضرب عليهن الحجاب .

 

قَالَ: تَقُولُ سَوْدة: وَاَللَّهِ إنِّي لَعِنْدَهُمْ إذْ أُتِينَا، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى، قَدْ أُتِيَ بِهِمْ. قَالَتْ: فرجعتُ إلَى بَيْتِي، ورسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهيل بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ، مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنقه بِحَبْلٍ قَالَتْ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْتُ: أَيْ أَبَا يَزِيدَ: أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، أَلَا مُتم كِرَامًا، فَوَاَللَّهِ مَا أَنْبَهَنِي إلَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَيْتِ: "يَا سَوْدة، أَعَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ تُحرّضين؟! " قَالَتْ: قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أن قلتُ ما قلتُ.

 

وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 22 والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 89

 

ونعلم أنه بعد بدر أسلم واحد من الوثنيين بعد زيارته لمحمد، يقول عنه ابن هشام:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ عُمير مَكَّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ، ويؤذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كثير.

 

إذا كانوا أقلية في مكة ويفعل أحدهم ذلك من مضايقة الأغلبية، فلماذا نستعجب أن الوثنيين قبل هجرتهم حاربوهم واضطهدوهم، أما إنه لا دخان بلا نار ولا ظل بلا جسم، لا شك أنهم ضايقوا الوثنيين وأذوهم فعلياً كثيراً حتى كانت لهم تلك الردة من الفعل.

 

وإذا تلبس الأمر هنا بتبرير المسلمين لقطع الطريق والسرقة والنهب والقتل والقتال أنه انتقام لما تعرضوا له من اضطهاد في مكة قبل الهجرة إلى يثرب، فإننا سنسرد بعد بدر سياق حروب وغارات على أقوام وقبائل ودول مسالمة تماماً كذلك لم تبادئ المسلمين بأي عدوان، والمسلمون هم المعتدون عليهم باسم الدين ولأجل النهب والاستعباد والشهوات وسفك الدم.

 

ومن الهام هنا أن نفهم طريقة تعامل المسلمين مع وثنيي مدينة يثرب، وتهديدهم واضطهادهم، حتى اضطروهم للتظاهر بالإسلام، فنشأت ظاهرة النفاق والمنافقين، وهم أشرف الخلق بنظري، كقوم سعوا للحفاظ على عقائدهم وحيواتهم:

 

يقول الواقدي:

 

وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةِ النّبِىّ ص الْقَصْوَاءِ يُبَشّرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمّا جَاءَ الْمُصَلّى صَاحَ عَلَى رَاحِلَتِهِ قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجّاجِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِىّ، وَزَمْعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ذُو الأَنْيَابِ فِى أَسْرَى كَثِيرَةٍ، فَجَعَلَ النّاسُ لا يُصَدّقُونَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إلاّ فَلاّ حَتّى غَاظَ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ وَخَافُوا، وَقَدِمَ زَيْدٌ حِينَ سَوّوْا عَلَى رُقَيّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ ص التّرَابَ بِالْبَقِيعِ.

 

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لأَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ: قَدْ تَفَرّقَ أَصْحَابُكُمْ تَفَرّقًا لا يَجْتَمِعُونَ مِنْهُ أَبَدًا، وَقَدْ قُتِلَ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ، وَقُتِلَ مُحَمّدٌ؛ هَذِهِ نَاقَتُهُ نَعْرِفُهَا، وَهَذَا زَيْدٌ لا يَدْرِى، مَا يَقُولُ مِنْ الرّعْبِ وَجَاءَ فَلاّ، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يُكَذّبُ اللّهُ قَوْلَك، وَقَالَتْ يَهُودُ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إلاّ فَلاّ.

 

قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَجِئْت حَتّى خَلَوْت بِأَبِى، فَقُلْت: يَا أَبَهْ، أَحَقّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إى وَاَللّهِ حَقّا يَا بُنَىّ فَقَوِيَتْ فِى نَفْسِى، فَرَجَعْت إلَى ذَلِكَ الْمُنَافِقِ، فَقُلْت: أَنْتَ الْمُرْجِفُ بِرَسُولِ اللّهِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لَيُقَدّمَنّكَ رَسُولُ اللّهِ إذَا قَدِمَ فَلَيَضْرِبَنّ عُنُقَك، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ إنّمَا هُوَ شَيْءٌ سَمِعْت النّاسَ يَقُولُونَهُ

 

ونقرأ من الواقدي ما يفعله غسيل الدماغ والوهم المقدس بإنسانية الإنسان وسموه:

 

وَمِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَىّ: أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ أَسَرَهُ أَبُو الْيَسَرِ ثُمّ اُقْتُرِعَ عَلَيْهِ فَصَارَ لِمُحْرِزِ بْنِ نَضْلَةَ وَأَبُو عَزِيزٍ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لأُمّهِ وَأَبِيهِ. فَقَالَ مُصْعَبٌ لِمُحْرِزٍ: اُشْدُدْ يَدَيْك بِهِ فَإِنّ لَهُ أُمّا بِمَكّةَ كَثِيرَةَ الْمَالِ. فَقَالَ لَهُ: أَبُو عَزِيزٍ هَذِهِ وَصَاتُك بِى يَا أَخِى؟ فَقَالَ مُصْعَبٌ: إنّهُ أَخِى دُونَك فَبَعَثَتْ أُمّهُ فِيهِ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ. وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَأَلَتْ أَغْلَى مَا تُفَادِى بِهِ قُرَيْشٌ، فَقِيلَ لَهَا أَرْبَعَةُ آلافٍ.

 

إنهم يعتبرون التفرقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الأخ وأخيه من أمه وأبيه، بمثابة بطولة لصالح الخرافات والسراب المقدس.

 

أما إن أردنا معرفة مدى عدم احترام المسلمين مقدسات الوثنيين، كأهل دين آخر، فنقرأ من كتاب (أسد الغابة) في ترجمة عبد الله بن أنيس، ونجد مثله في ترجمة أخيه ثعلبة بن أنيس:

 

وهو أحد الذين كانوا يكسرون أصنام بني سلمة

 

وفي ترجمة معاذ بن جبل:

 

قيل كان معاذ ممن يكسر أصنام بني سلمة

 

وجاء في ترجمة لال بن أمية بن عامر ابن قيس بن عبد الأعلم بن عامر بن كعب بن واقف واسمه مالك بن امرىء القيس بن مالك ابن الأوس الأنصاري الواقفي: شهد بدرا وأحدا وكان قديم الإسلام كان يكسر أصنام بني واقف وكانت معه رايتهم يوم الفتح وأمه أنيسة بنت هدم أخت كلثوم بن الهدم الذي نزل عليه النبي لما قدم المدينة مهاجرا وهو الذي لاعن امرأته ورماها بشريك بن سحماء

 

وفي مغازي الواقدي، نقرأ:

 

وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ نَابِى بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ: عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِىّ بْنِ ثَعْلَبَة ابْنِ غَنَمَةَ بْنِ عَدِىّ؛ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ وَأَبُو الْيَسَرِ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ؛ وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِى كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ قُتِلَ بِأُحُدٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِىّ بْنِ كَعْبٍ؛ وَثَعْلَبَةُ وَعَبْدُ  اللّهِ ابْنَا أُنَيْسٍ اللّذَانِ كَسّرَا أَصْنَامَ بَنِى سَلِمَةَ.

 

شواهد على موقعة بدر:

 

روى مسلم:

 

[ 1901 ] حدثنا أبو بكر بن النضر بن أبي النضر وهارون بن عبد الله ومحمد بن رافع وعبد بن حميد وألفاظهم متقاربة قالوا حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان وهو بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا أدري ما استثنى بعض نسائه قال فحدثه الحديث قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فقال إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة فقال لا إلا من كان ظهره حاضرا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال نعم قال بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل

 

كان إصرار محمد على الاستمرار في تهديد قوافل قريش التجارية هو سبب المعركة.

 

[ 1763 ] حدثنا هناد بن السري حدثنا بن المبارك عن عكرمة بن عمار حدثني سماك الحنفي قال سمعت بن عباس يقول حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر ح وحدثنا زهير بن حرب واللفظ له حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل هو سماك الحنفي حدثني عبد الله بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر ...إلخ ....قال أبو زميل قال بن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا بن الخطاب قلت لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسيبا لعمر فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض }  إلى قوله { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا }  الأنفال فأحل الله الغنيمة لهم

[ 2399 ] حدثنا عقبة بن مكرم العمي حدثنا سعيد بن عامر قال جويرية بن أسماء أخبرنا عن نافع عن بن عمر قال قال عمر وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

208 - حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ قُرَادٌ ، أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، ...إلخ....فَلَمَّا كَانَ يَوْمُئِذٍ ، وَالْتَقَوْا ، فَهَزَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُشْرِكِينَ ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا ، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا وَعُمَرَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، هَؤُلاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ وَالْإِخْوَانُ ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةَ ، فَيَكُونُ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ فَيَكُونُونَ لَنَا عَضُدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : وَاللهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنِي مِنْ فُلانٍ - قَرِيبًا لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ ، وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلانٍ ، أَخِيهِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ ، حَتَّى يَعْلَمَ اللهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ ، هَؤُلاءِ صَنَادِيدُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ ، فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ ، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ .

فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ ، قَالَ عُمَرُ : غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَإِذَا هُمَا يَبْكِيَانِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَخْبِرْنِي مَاذَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبَكَ ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنَ الْفِدَاءِ ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ " - لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ - وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال : 67 - 68] مِنَ الْفِدَاءِ ، ثُمَّ أُحِلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمُ .

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عُوقِبُوا بِمَا صَنَعُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ ، وَفَرَّ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 165] بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ.

 

إسناده حسن ، رجاله رجال الصحيح . أبو نوح : اسمه عبد الرحمن بن غزوان الضبي ، وقُراد لقب له . وأخرجه أبو داود (2690) عن أحمد بن حنبل ، بهذا الإسناد . مختصراً . وأخرجه ابن أبي شيبة 10 / 350 و14 / 365 - 366 ، ويعقوب بن شيبة في " مسند عمر " ص 63 - 64 ، وأبو عوانة 4 / 157 من طريق أبي نوح قُراد ، به ، وحسن يعقوب بن شيبة إسناده . وأخرجه عبد بن حميد (31) ، ومسلم (1763) ، ويعقوب بن شيبة ص 57 - 58 و58 - 60 و60 - 62 ، والترمذي (3081) ، والبزار (196) ، والبيهقي 9 / 189 و10 / 44 ، وأبو عوانة 4 / 152 و155 و156 ، وابن حبان (4793) ، والبيهقي في " السنن " 6 / 321 وفي " الدلائل " 3 / 51 - 52 ، وأبو نعيم في " الدلائل " (408) من طرق عن عكرمة بن عمّار ، به . وقد سقط من المطبوع من " دلائل أبي نعيم " : ابنُ عباس . ورواه أحمد كذلك برقم (221) .

والرباعية : هي السن التي بين الثنية والناب . والبيضة : هي خوذة الحديد توضع على الرأس ، من آلات الحرب .

 

وروى أحمد:

 

3632 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى ؟ " قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ، اسْتَبْقِهِمْ، وَاسْتَأْنِ بِهِمْ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْرَجُوكَ وَكَذَّبُوكَ، قَرِّبْهُمْ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، انْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ، فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ، ثُمَّ أَضْرِمْ عَلَيْهِمْ نَارًا. قَالَ: فَقَالَ الْعَبَّاسُ: قَطَعْتَ رَحِمَكَ، قَالَ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، قَالَ: فَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ، وَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ، حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللَّبَنِ، وَإِنَّ اللهَ لَيَشُدُّ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ، حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: {مَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، وَمَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ عِيسَى قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] ، وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] ، وَإِنَّ مِثْلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ مُوسَى، قَالَ: رَبِّ {اشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88] ، أَنْتُمْ عَالَةٌ، فَلَا يَنْفَلِتَنَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِفِدَاءٍ، أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ " قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ، فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ، قَالَ: فَسَكَتَ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُنِي فِي يَوْمٍ، أَخْوَفَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى قَالَ: " إِلَّا سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ " قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا، وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67] ، إِلَى قَوْلِهِ {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]

 

إسناده ضعيف لانقطاعه، أبو عبيدة -وهو ابن عبد الله بن مسعود-، لم يسمع من أبيه، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. أبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وعمرو بن مرة: هو المرادي الكوفي. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 4/207-208 من طريق الإمام أحمد، عن أبي معاوية، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة 12/417 و14/370-372، والترمذي (1714) و (3084) ، والطبري في "التفسير" [الأنفال: 67] ، و"التاريخ" 2/476، والبيهقي في "السنن" 6/321، والواحدي في "أسباب النزول" ص 236-237، من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد. قال الترمذي: هذا حديث حسن! وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وقال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث أبي عبيدة لم يروه عنه إلا عمرو بن مرة. وأخرجه مختصراً الطبراني في "الكبير" (10260) من طريق حفص بن أبي داود الأسدي، عن عمرو بن مرة، به. وفيه بدل عبد الله بن رواحة عبد الله بن جحش، وهو الصواب، كما ذكر الطبراني برقم (10259) ، وسيرد كذلك برقم (3634) . وأخرجه الطبراني أيضا في "الكبير" (10257) من طريق موسى بن مطير، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود. وذكره الهيثمي في "المجمع" 6/87، وقال: وفيه موسى بن مطير، وهو ضعيف. قلنا: موسى بن مطير كذبه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم والساجي وجماعة: متروك، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: صاحب عجائب ومناكير لا يشك سامعها أنها موضوعة، فلا يفرح بهذه الطريق. والحديث بطوله ذكره الهيثمي في "المجمع" 6/86-87، وقال: روى الترمذي منه طرفا، رواه أحمد.... ورواه أبو يعلى بنحوه، ورواه الطبراني أيضاً، وفيه أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، ولكن رجاله ثقات. ورواه أحمد في الرواية رقم (3634) .  وأخرجه مطولاً ومختصرا أبو يعلى (5187) عن أبي خيثمة، والطبراني في "الكبير" (10259) ، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" 4/208، من طريق أبي الوليد الطيالسي، والحاكم 3/21-22، ومن طريقه البيهقي في "الدلائل" 3/138 من طريق إسحاق بن إبراهيم، ثلاثتهم عن جرير بن حازم. قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه! ووافقه الذهبي، وقال: صحيح! سمعه جرير بن عبد الحميد. قلنا: هو منقطع كما ذكرنا آنفاً، وجرير هذا هو ابن حازم. وقال الطبراني: جعل موضع عبد الله بن رواحة عبد الله بن جحش، والصواب عبد الله بن جحش. قلنا: لم يرد على الصواب عند الحاكم وأبي نعيم والبيهقي.

وقوله: "إلا سهيل بن بيضاء"، قال ابن سعد في "الطبقات" 4/213: والذي روى هذه القصة في سهيل بن بيضاء قد أخطأ، سهيل بن بيضاء أسلم قبل عبد الله بن مسعود ولم يستخف بإسلامه، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلماً لا شك فيه، فغلط من روى ذلك الحديث ما بينه وبين أخيه، لأن سهيلاً أشهر من أخيه سهل، والقصة في سهل، وأقام سهل بالمدينة بعد ذلك، وشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض المشاهد، وبقي بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلنا: سيرد الاسم على الصحيح في الرواية الآتية برقم (3634) . ولبعضه شاهد من حديث عمر عند مسلم (1763) (58) ، تقدم برقم (208) و(221) . وآخر من حديث أنس، سيرد 3/243. وثالث من حديث ابن عمر عند الحاكم 2/329، وصححه ووافقه الذهبي، وقال: على شرط مسلم، ونسبه ابن كثير في "التفسير" إلى ابن مردويه.

فال السندي: قوله: "استأن": بهمزة بعد التاء، أي: انتظر لهم . قوله: "إن الله ليلين قلوب رجال فيه": أي: في شأنه والتقرب إليه، يريد أن مقصود الكل هو الله تعالى، إلا أن منهم من يتقرب إليه باللطف واللين، ومنهم من يتقرب إليه بالشدة. قوله: "وإن مَثَلَكَ"، بفتحتين: أي: حالك وصفتك في لين قلبك في الله. قوله: "أنتم عالة"، أي: محتاجون ليس لكم مال.

 

قتل الأسرى بما يخالف كل المبادئ والقيم الإنسانية

 

روى الطبراني في المعجم الكبير ج11:

 

12154 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : وأخبرنيه عثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس قال: فادى النبي صلى الله عليه و سلم أسارى بدر وكان فداء كل واحد منهم أربعة ألاف وقتل عقبة بن أبي معيط قبل الفداء قام إليه علي بن أبي طالب فقتله صبرا فقال : من للصبية يا محمد ؟ قال : النار

 

إسناده صحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد، وذكره ابن جرير الطبري في التاريخ له. ورواه عبد الرزاق في مصنفه برقم 9394

 

وروى أبو داوود في سننه/كتاب الجهاد/باب في قتل الأسير صبرًا (يعني بضرب عنقه):

 

2686 - حدثنا علي بن الحسين الرقي قال ثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال أخبرني عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقا فقال له عمارة بن عقبة أخو الوليد بن عقبة - أتستعمل رجلا من بقايا قتلة عثمان ؟ فقال له مسروق حدثنا عبد الله بن مسعود وكان في أنفسنا موثوق الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أراد قتل أبيك قال من للصبية ؟ قال " النار " فقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله صلى الله عليه و سلم .

 

قال الألباني: حسن صحيح

 

هذا الرجل عقبة بن أبي معيط مع أنه لم يصدر عنه فيما وصلنا شيء سيء جدًّا ضد الإسلام ولعله كان رجلًا جيدًا ناله هجوم من المسلمين بدون ذنب لمجرد كرههم وكره محمد الشديد لأبيه، بما فيه قصة ذهابه لجمع زكاة بني المصطلق {إن جاءكم فاسقٌ بنبإٍ...} إلخ

 

وروى نحوه الطبراني في المعجم الأوسط ج3 حديثي 2949 و 3003 وروى كذلك:

 

3801 - حدثنا علي بن سعيد الرازي قال نا عبد الله بن حماد بن نمير قال نا عمي حصين بن نمير عن سفيان بن حسين عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر ثلاثة صبرا قتل النضر بن الحارث من بني عبد الدار وقتل طعيمة بن عدي من بني نوفل وقتل عقبة بن أبي معيط لم يرو هذا الحديث عن أبي بشر إلا سفيان بن حسين تفرد به حصين بن نمير

ندم محمد على جريمته

 

جاء في السيرة لابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: وقالت قُتَيلة بن الحارث، أخت النضر بن الحارث، تبكيه:

 

يا راكباً إن الأثيْل مظنة من صُبحِ خامسةٍ وأنت مُوَفَّقُ

أبلغْ بها مَيْتاً بأن تحيةً ما إن تزالُ بها النجائبُ تَخْفقُ

 مني إليك وعَبرةً مسفوحةً جادت بواكفِها وأخرى تخنُقُ

 هل يسمعنِّي النضرُ إن ناديتُهُ أم كيف يسمع مَيِّتٌ لا ينطقُ

 أمحمد يا خيرَ ضنْءِ كريمةٍ فى قومِها والفحلُ فحلٌ مُعْرِقُ

 ما كان ضَرَّك لو مَنَنْت وربما مَنَّ الفتى وهو المَغيظُ المحْنَقُ

 أو كنت قابلَ فديةٍ فليُنفقنَّ بأعز ما يغلو به ما يُنفَقُ فالنضرُ أقربُ

 من أسَرْتَ قرابةً وأحقُّهم إن كان عِتْقٌ يُعتَقُ

 ظلتْ سيوفُ بنى أبيه تَنُوشُهُ للّه أرحامٌ هناك تُشققُ

 صَبراً يُقاد إلى المنية مُتْعَباً رَسْف المقيَّد وهُو عانٍ مُوثَقُ

 

قال ابن هشام: فيقال، والله أعلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر، قال: لو بلغنى هذا قبل قتله لمننت عليه.

 

الواكف: السائل. أمحمد: أرادت يا محمداه على الندبة. والضنء: الولد. كريمة: تقصد أمه، والفحل: أي الأبّ، والمعرق: الكريم.

 

اغتيال كعب بن الأشرف

والقتل العنصري ضد اليهود

 

كان العداء بين محمد وأتباعه وبين اليهود العرب والمستعربين في ازدياد، ولما انهزمت قريش ببدر، رحل كعب بن الأشرف اليثربي اليهودي العربي، ليحرض في مكة ضد محمد، وقام محمد بإرسال من اغتاله، ولا مشكلة عندنا في ذلك، لكن محمد اشتط وغالى فأمر أتباعه بقتل أي يهودي يقابلهم! وهكذا أصبحت كل جريمة وتهمة المقتول أنه يهودي يتبع ديانة اليهودية، وليس لأنه فعل شيئاً ما! هل يختلف هذا عن نازية هتلر أو أفعال شارون وباراك؟! وهكذا نرى أن كل حروب وعداوة اليهود مفهومة السبب بعد ذلك بما فيها تحريكهم لموقعة الأحزاب. فلنقرأ قصة قتل محيصة ليهودي يدعى ابن سُنينة  (أو ابن شنينة في إحدى روايتي ابن هشام لاسمه) كان غنياً يحسن إليه، ولنا أن نستنج أنه لئيم قتله حقداً عليه وسرقة لمالِه.

 

يقول الواقدي:

 

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ: بَطْنُ الأَرْضِ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا، هَؤُلاءِ أَشْرَافُ النّاسِ وَسَادَاتُهُمْ وَمُلُوكُ الْعَرَبِ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ وَالأَمْنِ قَدْ أُصِيبُوا، فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِى وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ فَجَعَلَ يُرْسِلُ هِجَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَرِثَاءَ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَرْسَلَ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ يَقُولُ:

وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ
لا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ
إنّ ابْنَ أَشْرَفَ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ
ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ
فِى النّاسِ يَبْنِى الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ
يَسْعَى عَلَى الْحَسَبِ الْقَدِيـمُ الأَرْوَعُ

 

طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ
 قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أَذَلّ بِسُخْطِهِمْ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا
نُبّئْت أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ
لِيَزُورَ يَثْــرِبَ بِالْجُمُـــوعِ وَإِنّمَــــا

قَالَ الْوَاقِدِىّ: أَمْلاهَا عَلَىّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ أَبِى الزّنَادِ، قَالُوا: فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىّ فَأَخْبَرَهُ بِمَنْزِلِهِ عِنْدَ أَبِى وَدَاعَةَ فَجَعَلَ يَهْجُو مَنْ نَزَلَ عِنْدَهُ حَتّى رَجَعَ كَعْبٌ إلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمّا أَرْسَلَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ أَخَذَهَا النّاسُ مِنْهُ وَأَظْهَرُوا الْمَرَاثِىَ وَجَعَلَ مَنْ لَقِىَ مِنْ الصّبْيَانِ وَالْجَوَارِى يُنْشِدُونَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ بِمَكّةَ، ثُمّ إنّهُمْ رَثَوْا بِهَا، فَنَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلاهَا شَهْرًا، وَلَمْ تَبْقَ دَارٌ بِمَكّةَ إلاّ فِيهَا نَوْحٌ، وَجَزّ النّسَاءُ شَعْرَ الرّءُوسِ وَكَانَ يُؤْتَى بِرَاحِلَةِ الرّجُلِ مِنْهُمْ أَوْ بِفَرَسِهِ فَتُوقَفُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَنُوحُونَ حَوْلَهَا، وَخَرَجْنَ إلَى السّكَكِ فَسَتَرْنَ السّتُورَ فِى الأَزِقّةِ وَقَطَعْنَ الطّرُقَ فَخَرَجْنَ يَنُحْنَ....إلخ.

 

قَتْلُ ابْنِ الأَشْرَفِ

 

وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ.

حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، وَمَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ فَكَانَ الّذِى اجْتَمَعُوا لَنَا عَلَيْهِ قَالُوا: إنّ ابْنَ الأَشْرَفِ كَانَ شَاعِرًا وَكَانَ يَهْجُو النّبِىّ ص وَأَصْحَابَهُ وَيُحَرّضُ عَلَيْهِمْ كُفّارَ قُرَيْشٍ فِى شِعْرِهِ.

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا أَخْلاطٌ - مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ الّذِينَ تَجْمَعُهُمْ دَعْوَةُ الإِسْلامِ فِيهِمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ وَمِنْهُمْ حُلَفَاءُ لِلْحَيّيْنِ جَمِيعًا الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتِصْلاحَهُمْ كُلّهُمْ وَمُوَادَعَتَهُمْ وَكَانَ الرّجُلُ يَكُونُ مُسْلِمًا وَأَبُوهُ مُشْرِكًا.

فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ ص وَأَصْحَابَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَمَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ نَبِيّهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِالصّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَفِيهِمْ أُنْزِلَ: {وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وَفِيهِمْ أَنَزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {وَدّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآيَةَ.

فَلَمّا أَبَى ابْنُ الأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى النّبِىّ ص، وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ بَلَغَ مِنْهُمْ فَلَمّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِالْبِشَارَةِ مِنْ بَدْرٍ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَسْرِ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ فَرَأَى الأَسْرَى مُقَرّنِينَ كُبّتْ وَذَلّ ثُمّ قَالَ لِقَوْمِهِ: وَيْلَكُمْ وَاَللّهِ لَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا الْيَوْمَ هَؤُلاءِ سَرَاةُ النّاسِ قَدْ قُتِلُوا وَأُسِرُوا، فَمَا عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: عَدَاوَتُهُ مَا حَيِينَا.

قَالَ: وَمَا أَنْتُمْ وَقَدْ وَطِئَ قَوْمَهُ وَأَصَابَهُمْ؟ وَلَكِنّى أَخْرُجُ إلَى قُرَيْشٍ فَأَحُضّهُمْ وَأَبْكِى قَتْلاهُمْ فَلَعَلّهُمْ يَنْتَدِبُونَ فَأَخْرُجَ مَعَهُمْ. فَخَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ وَوَضَعَ رَحْلَهُ عِنْدَ أَبِى وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ السّهْمِىّ وَتَحْتَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَسِيدِ بْنِ أَبِى الْعِيصِ، فَجَعَلَ يَرْثِى قُرَيْشًا وَيَقُولُ:

وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ
لا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ
إنّ ابْنَ أَشْرَفَ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ
ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ
ذِى بَهْجَةٍ يَأْوِى إلَيْهِ الضّيّعُ
حَمّالِ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيَرْبَعُ
خَشَعُوا لِقَتْلِ أَبِى الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا
هَلْ نَـــــالَ مِثـْلَ الْمُهْلَكِينَ التّبّـعُ

 

طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ
قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُذَلّ بِسُخْطِهِمْ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا
كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهَا مِنَ ابْيَضَ مَاجِدٍ
طَلْقِ الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ
نُبّئْت أَنّ بَنِى الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ
وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْـــــــدَهُ وَمُنَبّــــــهٌ

فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، يَقُولُ:

مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدّعًا لا يَسْمَعُ
قَتْلَى تَسُحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ
شِبْهَ الْكُلَيْبِ لِلْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ
وَأَحَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا
شَغَفٌ يَظَلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ
فَـــلّ فَلِيـــلٌ هَــارِبٌ يَتَهَــزّعُ

 

أَبَكَى لِكَعْبٍ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةٍ
وَلَقَدْ رَأَيْت بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمُ
فَابْكِى فَقَدْ أَبْكَيْتِ عَبْدًا رَاضِعًا
وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنْهُمْ سَيّدًا
وَنَجَا وَأَفْلَتْ مِنْهُمْ مَنْ قَلْبُهُ
وَنَجَا وَأَفْلَتْ مِنْهُـــمْ مُــتَسَرّعًـــا

وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص حَسّانَ فَأَخْبَرَهُ بِنُزُولِ كَعْبٍ عَلَى مَنْ نَزَلَ فَقَالَ حَسّانُ:

فَخَالُك عَبْدٌ بِالسّرَابِ مُجَرّبُ
وَلا خَالِدٌ وَلا الْمُفَاضَةُ زَيْنَبُ
كَذُوبٌ شَئُونُ الرّأْسِ قِرْدٌ مُــدَرّبُ

 

أَلا أَبْلِغُوا عَنّى أَسِيدًا رِسَالَةً
لَعَمْرُك مَا أَوْفَى أَسِيدٌ بِجَارِهِ
وَعَتّــابُ عَبْدٌ غَيْرُ مُوفٍ بِذِمّـــــةٍ

فَلَمّا بَلَغَهَا هِجَاؤُهُ نَبَذَتْ رَحْلَهُ وَقَالَتْ: مَا لَنَا وَلِهَذَا الْيَهُودِىّ؟ أَلا تَرَى مَا يَصْنَعُ بِنَا حَسّانُ؟ فَتَحَوّلَ فَكُلّمَا تَحَوّلَ عِنْدَ قَوْمٍ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ص حَسّانَ، فَقَالَ ابْنُ الأَشْرَفِ: نَزَلَ عَلَى فُلانٍ. فَلا يَزَالُ يَهْجُوهُمْ حَتّى نُبِذَ رَحْلُهُ فَلَمّا لَمْ يَجِدْ مَأْوًى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَلَمّا بَلَغَ النّبِىّ ص قُدُومُ ابْنِ الأَشْرَفِ، قَالَ: اللّهُمّ اكْفِنِى ابْنَ الأَشْرَفِ بِمَا شِئْت فِى إعْلانِهِ الشّرّ وَقَوْلِهِ الأَشْعَارَ.

وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَنْ لِى بِابْنِ الأَشْرَفِ فَقَدْ آذَانِى”؟ فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ وَأَنَا أَقْتُلُهُ. قَالَ: “فَافْعَلْ”، فَمَكَثَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَيّامًا لا يَأْكُلُ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ ص، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، تَرَكْت الطّعَامَ وَالشّرَابَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، قُلْت لَك قَوْلاً فَلا أَدْرِى أَفِى لَك بِهِ أَمْ لا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “عَلَيْك الْجَهْدُ”. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “شَاوِرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِى أَمْرِهِ”.

فَاجْتَمَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَنَفَرٌ مِنْ الأَوْسِ مِنْهُمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ بْنُ سَلامَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ نَقْتُلُهُ فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَقُلْ فَإِنّهُ لا بُدّ لَنَا مِنْهُ، قَالَ: قُولُوا فَخَرَجَ أَبُو نَائِلَةَ إلَيْهِ فَلَمّا رَآهُ كَعْبٌ أَنْكَرَ شَأْنَهُ وَكَادَ يُذْعَرُ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ كَمِينٌ فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: حَدَثَتْ لَنَا حَاجَةٌ إلَيْك. قَالَ: وَهُوَ فِى نَادِى قَوْمِهِ وَجَمَاعَتِهِمْ اُدْنُ إلَىّ فَخَبّرْنِى بِحَاجَتِك. وَهُوَ مُتَغَيّرُ اللّوْنِ مَرْعُوبٌ - فَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخَوَيْهِ مِنْ الرّضَاعَةِ - فَتَحَدّثَا سَاعَةً وَتَنَاشَدَا الأَشْعَارَ.

وَانْبَسَطَ كَعْبٌ وَهُوَ يَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: حَاجَتُك، وَأَبُو نَائِلَةَ يُنَاشِدُهُ الشّعْرَ - وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ - فَقَالَ كَعْبٌ: حَاجَتُك، لَعَلّك أَنْ تُحِبّ أَنْ يَقُومَ مَنْ عِنْدَنَا؟ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ قَامُوا. قَالَ أَبُو نَائِلَةَ: إنّى كَرِهْت أَنْ يَسْمَعَ الْقَوْمُ ذَرْوَ كَلامِنَا، فَيَظُنّونَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا مِنْ الْبَلاءِ وَحَارَبَتْنَا الْعَرَبُ وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَتَقَطّعَتْ السّبُلُ عَنّا حَتّى جَهِدَتْ الأَنْفُسُ وَضَاعَ الْعِيَالُ أَخَذَنَا بِالصّدَقَةِ وَلا نَجِدُ مَا نَأْكُلُ. فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ وَاَللّهِ كُنْت أُحَدّثُك بِهَذَا يَا ابْنَ سَلامَةَ أَنّ الأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَيْهِ.

فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: وَمَعِى رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِى عَلَى مِثْلِ رَأْيِى، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَنَبْتَاعَ مِنْك طَعَامًا أَوْ تَمْرًا وَتُحْسِنُ فِى ذَلِكَ إلَيْنَا، وَنَرْهَنُك مَا يَكُونُ لَك فِيهِ ثِقَةٌ. قَالَ كَعْبٌ: أَمَا إنّ رِفَافِى تَقْصِفُ تَمْرًا، مِنْ عَجْوَةٍ تَغِيبُ فِيهَا الضّرْسُ أَمَا وَاَللّهِ مَا كُنْت أُحِبّ يَا أَبَا نَائِلَةَ أَنْ أَرَى هَذِهِ الْخَصَاصَةَ مِنْك، وَإِنْ كُنْت مِنْ أَكْرَمِ النّاسِ عَلَىّ أَنْتَ أَخِى، نَازَعْتُك الثّدْىَ قَالَ سِلْكَانُ: اُكْتُمْ عَنّا مَا حَدّثْتُك مِنْ ذِكْرِ مُحَمّدٍ.

قَالَ كَعْبٌ: لا أَذْكُرُ مِنْهُ حَرْفًا. ثُمّ قَالَ كَعْبٌ: يَا أَبَا نَائِلَةَ اُصْدُقْنِى ذَاتَ نَفْسِك؛ مَا الّذِى تُرِيدُونَ فِى أَمْرِهِ؟ قَالَ: خِذْلانَهُ وَالتّنَحّىَ عَنْهُ. قَالَ: سَرَرْتنِى يَا أَبَا نَائِلَةَ فَمَاذَا تَرْهَنُونَنِى، أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تَفْضَحَنَا وَتُظْهِرَ أَمْرَنَا وَلَكِنّا نَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ مَا تَرْضَى بِهِ. قَالَ كَعْبٌ: إنّ فِى الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً.

وَإِنّمَا يَقُولُ ذَلِكَ سِلْكَانُ لِئَلاّ يُنْكِرَهُمْ إذَا جَاءُوا بِالسّلاحِ، فَخَرَجَ أَبُو نَائِلَةَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مِيعَادٍ فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوهُ إذَا أَمْسَى لِمِيعَادِهِ. ثُمّ أَتَوْا النّبِىّ ص عِشَاءً فَأَخْبَرُوهُ فَمَشَى مَعَهُمْ حَتّى أَتَى الْبَقِيعَ ثُمّ وَجّهَهُمْ ثُمّ قَالَ: “امْضُوا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ وَعَوْنِهِ” وَيُقَال: وَجّهَهُمْ بَعْدَ أَنْ صَلّوْا الْعِشَاءَ وَفِى لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ مِثْلِ النّهَارِ فِى لَيْلَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا.

قَالَ: فَمَضَوْا حَتّى أَتَوْا ابْنَ الأَشْرَفِ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ هَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ ابْنُ الأَشْرَفِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَةِ مِلْحَفَتِهِ وَقَالَتْ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ إنّك رَجُلٌ مُحَارَبٌ وَلا يَنْزِلُ مِثْلُك فِى هَذِهِ السّاعَةِ. فَقَالَ: مِيعَادٌ إنّمَا هُوَ أَخِى أَبُو نَائِلَةَ وَاَللّهِ لَوْ وَجَدَنِى نَائِمًا مَا أَيْقَظَنِى، ثُمّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْمِلْحَفَةَ وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ دُعِىَ الْفَتَى لِطَعْنَةٍ أَجَابَ.

ثُمّ نَزَلَ إلَيْهِمْ فَحَيّاهُمْ ثُمّ جَلَسُوا فَتَحَدّثُوا سَاعَةً حَتّى انْبَسَطَ إلَيْهِمْ ثُمّ قَالُوا لَهُ: يَا ابْنَ الأَشْرَفِ هَلْ لَك أَنْ تَتَمَشّى إلَى شَرْجِ الْعَجُوزِ فَنَتَحَدّثَ فِيهِ بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا؟ قَالَ: فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ حَتّى وَجّهُوا قِبَلَ الشّرْجِ فَأَدْخَلَ أَبُو نَائِلَةَ يَدَهُ فِى رَأْسِ كَعْبٍ، ثُمّ قَالَ: وَيْحَك، مَا أَطْيَبَ عِطْرِك هَذَا يَا ابْنَ الأَشْرَفِ وَإِنّمَا كَانَ كَعْبٌ يَدّهِنُ بِالْمِسْكِ الْفَتِيتِ بِالْمَاءِ وَالْعَنْبَرِ حَتّى يَتَلَبّدَ فِى صُدْغَيْهِ وَكَانَ جَعْدًا جَمِيلاً.

ثُمّ مَشَى سَاعَةً فَعَادَ بِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ إلَيْهِ وَسُلْسِلَتْ يَدَاهُ فِى شَعْرِهِ وَأَخَذَ بِقُرُونِ رَأْسِهِ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: اُقْتُلُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ فَالْتَفّتْ عَلَيْهِ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، وَرَدّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَصِقَ بِأَبِى نَائِلَةَ. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْت مِغْوَلاً مَعِى كَانَ فِى سَيْفِى فَانْتَزَعْته فَوَضَعْته فِى سُرّتِهِ، ثُمّ تَحَامَلْت عَلَيْهِ فَقَطَطْته حَتّى انْتَهَى إلَى عَانَتِهِ فَصَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً مَا بَقِىَ أُطْمٌ مِنْ آطَامِ يَهُودَ إلاّ قَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ. فَقَالَ ابْنُ سُنَيْنَةَ يَهُودِىّ مِنْ يَهُودِ بَنِى حَارِثَةَ وَبَيْنَهُمَا ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ: إنّى لأَجِدُ رِيحَ دَمٍ بِيَثْرِبَ مَسْفُوحٍ. وَقَدْ كَانَ أَصَابَ بَعْضُ الْقَوْمِ الْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ بِسَيْفِهِ وَهُمْ يَضْرِبُونَ كَعْبًا، فَكَلَمَهُ فِى رِجْلِهِ.

فَلَمّا فَرَغُوا احْتَزّوا رَأْسَهُ ثُمّ حَمَلُوهُ مَعَهُمْ ثُمّ خَرَجُوا يَشْتَدّونَ وَهُمْ يَخَافُونَ مِنْ يَهُودَ الأَرْصَادَ حَتّى أَخَذُوا عَلَى بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ ثُمّ عَلَى قُرَيْظَةَ وَإِنّ نِيرَانَهُمْ فِى الآطَامِ لَعَالِيَةٌ ثُمّ عَلَى بُعَاثٍ حَتّى إذَا كَانَ بِحَرّةِ الْعُرَيْضِ نَزَفَ الْحَارِثُ الدّمَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ أَقْرِئُوا رَسُولَ اللّهِ مِنّى السّلامَ فَعَطَفُوا عَلَيْهِ فَاحْتَمَلُوهُ حَتّى أَتَوْا النّبِىّ ص. فَلَمّا بَلَغُوا بَقِيعَ الْغَرْقَدِ كَبّرُوا.

وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ص تِلْكَ اللّيْلَةَ يُصَلّى، فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ ص تَكْبِيرَهُمْ بِالْبَقِيعِ كَبّرَ وَعَرَفَ أَنْ قَدْ قَتَلُوهُ. ثُمّ انْتَهَوْا يَعْدُونَ حَتّى وَجَدُوا رَسُولَ اللّهِ ص وَاقِفًا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: “أَفْلَحَتْ الْوُجُوهُ”، فَقَالُوا: وَوَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَمَوْا بِرَأْسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللّهَ عَلَى قَتْلِهِ.

ثُمّ أَتَوْا بِصَاحِبِهِمْ الْحَارِثِ فَتَفَلَ فِى جُرْحِهِ، فَلَمْ يُؤْذِهِ، فَقَالَ فِى ذَلِك عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ:

وَأَوْفَى طَالِعًا مِنْ فَوْقِ قَصْرِ
فَقُلْت أَخُوك عَبّادُ بْنُ بِشْرِ
فَقَدْ جِئْنَا لِتَشْكُرَنَا وَتَقْرِى
بِنِصْفِ الْوَسْقِ مِنْ حَبّ وَتَمْرٍ
لِشَهْرٍ إنْ وَفّى أَوْ نِصْفِ شَهْرِ
لَقَدْ عَدِمُوا الْغِنَى مِنْ غَيْرِ فَقْرِ
وَقَالَ لَنَا لَقَدْ جِئْتُمْ لأَمْرِ
مُجَرّبَةٌ بِهَا الْكُفّارُ نَفْرِى
بِهِ الْكَفّانِ كَاللّيْثِ الْهِزَبْرِ
فَقَطّرَهُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرِ
قَتَلْنَاهُ الْخَبِيثَ كَذِبْحِ عِتْرِ
هُمُ نَاهُوك مِنْ صِدْقٍ وَبِرّ
بِأَفْضَـــــلِ نِعْمَــــةٍ وَأَعَزّ نَصْـرِ

 

صَرَخْت بِهِ فَلَمْ يَجْفِلْ لِصَوْتِى
فَعُدْت فَقَالَ مَنْ هَذَا الْمُنَادِى
فَقَالَ مُحَمّدٌ أَسْرِعْ إلَيْنَا
وَتَرْفِدَنَا فَقَدْ جِئْنَا سِغَابًا
وَهَذِى دِرْعُنَا رَهْنًا فَخُذْهَا
فَقَالَ مَعَاشِرٌ سَغِبُوا وَجَاعُوا
وَأَقْبَلَ نَحْوَنَا يَهْوِى سَرِيعًا
وَفِى أَيْمَانِنَا بِيضٌ حِدَادٌ
فَعَانَقَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ الْمُرَادِى
وَشَدّ بِسَيْفِهِ صَلْتًا عَلَيْهِ
وَصَلْت وَصَاحِبَاىَ فَكَانَ لَمّا
وَمَرّ بِرَأْسِهِ نَفَرٌ كِرَامٌ
وَكَـانَ اللّهُ سَادِسَنَــا فَأُبْنَــــــــا

قَالَ ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ: أَنَا رَأَيْت قَائِلَ هَذَا الشّعْرِ.

قَالَ ابْنُ أَبِى الزّنَادِ: لَوْلا قَوْلُ ابْنِ أَبِى حَبِيبَةَ لَظَنَنْت أَنّهَا ثَبْتٌ. قَالُوا: فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ اللّيْلَةِ الّتِى قُتِلَ فِيهَا ابْنُ الأَشْرَفِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ الْيَهُودِ فَاقْتُلُوهُ”. فَخَافَتْ الْيَهُودُ فَلَمْ يَطْلُعْ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَائِهِمْ وَلَمْ يَنْطِقُوا، وَخَافُوا أَنْ يُبَيّتُوا كَمَا بُيّتَ ابْنُ الأَشْرَفِ. وَكَانَ ابْنُ سُنَيْنَةَ مِنْ يَهُودِ بَنِى حَارِثَةَ، وَكَانَ حَلِيفًا لِحُوَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَدْ أَسْلَمَ؛ فَعَدَا مُحَيّصَةُ عَلَى ابْنِ سُنَيْنَةَ فَقَتَلَهُ فَجَعَلَ حُوَيّصَةُ يَضْرِبُ مُحَيّصَةَ وَكَانَ أَسَنّ مِنْهُ يَقُولُ: أَىْ عَدُوّ اللّهِ أَقَتَلْته؟ أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِى بَطْنِك مِنْ مَالِهِ فَقَالَ مُحَيّصَةُ: وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَنِى بِقَتْلِك الّذِى أَمَرَنِى بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتُك. قَالَ: وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ أَنْ تَقْتُلَنِى لَقَتَلْتنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ حُوَيّصَةُ: وَاَللّهِ إنّ دِينًا يَبْلُغُ هَذَا لَدِينٌ مُعْجِبٌ. فَأَسْلَمَ حُوَيّصَةُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ مُحَيّصَةُ - وَهِىَ ثَبْتٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَدْفَعُهَا - يَقُولُ:

يَلُومُ ابْنُ أُمّى لَوْ أُمِرْت بِقَتْلِهِ
حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصَ صَقْلُهُ
 وَمَا سَرّنِى أَنّى قَتَلْتُـــك طَائِعًـــا

 

لَطَبّقْت ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ
مَتَى مَا تُصَوّبُهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ
وَلَوْ أَنّ لِى مَـا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ

فَفَزِعَتْ الْيَهُودُ وَمَنْ مَعَهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءُوا إلَى النّبِىّ ص حِينَ أَصْبَحُوا فَقَالُوا: قَدْ طُرِقَ صَاحِبُنَا اللّيْلَةَ وَهُوَ سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا قُتِلَ غِيلَةً بِلا جُرْمٍ وَلا حَدَثٍ عَلِمْنَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّهُ لَوْ قَرّ كَمَا قَرّ غَيْرُهُ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ مَا اُغْتِيلَ، وَلَكِنّهُ نَالَ مِنّا الأَذَى وَهَجَانَا بِالشّعْرِ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْكُمْ إلاّ كَانَ لَهُ السّيْفُ”، وَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا يَنْتَهُونَ إلَى مَا فِيهِ فَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابًا تَحْتَ الْعِذْقِ فِى دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. فَحَذِرَتْ الْيَهُودُ وَخَافَتْ وَذَلّتْ مِنْ يَوْمِ قَتْلِ ابْنِ الأَشْرَفِ.

فَحَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَعِنْدَهُ ابْنُ يَامِينَ النّضْرِىّ: كَيْفَ كَانَ قَتْلُ ابْنِ الأَشْرَفِ؟ قَالَ ابْنُ يَامِينَ: كَانَ غَدْرًا، وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ جَالِسٌ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللّهِ عِنْدَك؟ وَاَللّهِ مَا قَتَلْنَاهُ إلاّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ص، وَاَللّهِ لا يُؤْوِينِى وَإِيّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ إلاّ الْمَسْجِدَ، وَأَمّا أَنْتَ يَا ابْنَ يَامِينَ - فَلِلّهِ عَلَىّ إنْ أَفْلَتّ وَقَدَرْت عَلَيْك وَفِى يَدِى سَيْفٌ إلاّ ضَرَبْت بِهِ رَأْسَك.

فَكَانَ ابْنُ يَامِينَ لا يَنْزِلُ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ حَتّى يَبْعَثَ لَهُ رَسُولاً يَنْظُرُ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَإِنْ كَانَ فِى بَعْضِ ضِيَاعِهِ نَزَلَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمّ صَدَرَ وَإِلاّ لَمْ يَنْزِلْ، فَبَيْنَا مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِى جِنَازَةٍ وَابْنُ يَامِينَ بِالْبَقِيعِ، فَرَأَى نَعْشًا عَلَيْهِ جَرَائِدُ رَطْبَةٌ لامْرَأَةٍ جَاءَ فَحَلّهُ، فَقَامَ النّاسُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ مَا تَصْنَعُ؟ نَحْنُ نَكْفِيك فَقَامَ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ بِهَا جَرِيدَةً جَرِيدَةً، حَتّى كَسَرَ تِلْكَ الْجَرَائِدَ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، حَتّى لَمْ يَتْرُكْ فِيهِ مَصَحّا، ثُمّ أَرْسَلَهُ وَلا طَبَاخَ بِهِ، ثُمّ قَالَ: وَاَللّهِ لَوْ قَدَرْت عَلَى السّيْفِ لَضَرَبْتُك بِهِ.

 

أيضاً ما ذكره الواقدي عن كتابة كتاب مؤقت بين محمد واليهود يؤكد أطروحة القمني في أن معاهدة المدينة كُتبت بعد أحد. ولها شاهد في حديث أحمد24009/ 65 ضعيف.

 

وذكر ابن إسحاق مباركة محمد لمسيرهم الإجرامي:

 

قال ابن إسحاق: فحدثني ثَوْر بن يزيد، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس. قال: مشى معهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغَرقَد، ثم وجَّههم، فقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وهو في ليلة مقمرة..إلخ

 

ورواه عنه أحمد بن حنبل 2391 والطبراني (11554) من طريق أحمد بن محمد بن أيوب صاحب "المغازي"، عن إبراهيم بن سعد والد يعقوب، بهذا الإسناد.وأخرجه البزار (1801) و (1802) "كشف الأستار"، والطبراني (11555) ، والحاكم 2/98، والبيهقي في "الدلائل" 3/199-200 من طرق عن ابن إسحاق، به.

 

ويقول ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ظفرتم به من رجالِ يهودٍ فاقتلوه، فوثب مُحَيِّصة ابن مسعود.

قال ابن هشام: مُحَيِّصة ويقال: محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عَدي بن مَجْدَعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عَمرو بن مالك بن الأوْس - على ابن سُنَيْنة؟ قال ابن هشام: ويقالُ شُنَينة - رجل من تُجَّار يهود، كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حُوَيصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم، و كان أسَنَّ من مُحَيِّصة، فلما قتله جعل حُوَيِّصة يضربه، ويقول: أي عدوَّ الله، أقتلتَه، أما والله لرُبَّ شحمٍ في بطنك من ماله .

قال مُحَيصة: فقلت: والله لقد أمرنى بقتله. من لو أمرنى بقتلك لضربتُ عنقَك قال فوالله إن كان لأول إسلام حُويِّصة قال: آوللّه، لو أمرك محمد بقتلى لقتلتنى؟ قال: نعم والله لو أمرنى بضرب عنقك . لضربتُها! قال: والله إن دِيناً بلغ بك هذا لعجب، فأسلم حُوَيِّصة

 

ما قاله محيصة في ذلك شعراً: قال ابن إسحاق: حدثنى هذا الحديث مولى لبنى حارثة، عن ابنة مُحَيصة، عن أبيها مُحَيِّصة . قال محيصة فى ذلك:

 

يلوم ابنُ أمِّى لو أبرْت بقتله لطبَّقت ذِفراه بأبيضِ قاضبِ[1]

حُسامٍ كلوْنِ الملحِ أخْلِصَ صَقْلهُ متي ما أصوِّبْه فليس بكاذبِ

وما سرني أنى قتلتُك طائعاً وأن لنا ما بين بُصْرى ومأرِبِ[2]

 

بالتالي نقول أن بادئ العداوة وصانعها مع اليهود هو محمد والمسلمون!

 

وإن عدنا إلى الخلف قبل مقتل كعب بن الأشرف، نجد وجود صراع على التجارة والتنافس فيها، ووضع اليد على أفضل مواضع إقامة الأسواق، وهذا طبيعي للقوة الإسلامية العربية الناهضة الناشئة في منافستها مع اليهود الذين كانوا الأنجح في التجارة بيثرب، يقول السمهودي في وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى:

وروى ابن شبة أيضا عن صالح بن كيسان قال: ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قبة في موضع بقيع الزبير فقال: هذا سوقكم. فأقبل كعب بن الأشرف فدخلها وقطع أطنابها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: لا جرم لأنقلنّها إلى موضع هو أغيظ له من هذا، فنقلها إلى موضع سوق المدينة، ثم قال: هذا سوقكم، لا تتحجروا، ولا يضرب عليه الخراج.

 

و عن أبي أسيد أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إني قد رأيت موضعا للسوق، أفلا تنظر إليه؟ قال: فجاء به إلى موضع سوق المدينة اليوم- أي في زمنهم- قال: فضرب النبي صلّى اللّه عليه وسلم برجله و قال: هذا سوقكم؛ فلا ينقص منه، ولا يضربن عليه خراج.

وروى ابن زبالة عن عباس بن سهل عن أبيه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أتى بني ساعدة فقال: إني قد جئتكم في حاجة تعطوني مكان مقابركم فأجعلها سوقا، و كانت مقابرهم ما حازت دار ابن أبي ذئب إلى دار زيد بن ثابت، فأعطاه بعض القوم، ومنعه بعضهم، و قالوا: مقابرنا و مخرج نسائنا، ثم تلاوموا فلحقوه و أعطوه إياه، فجعله سوقا.

 

نلاحظ أن الخبر الأول عن كعب بن الأشرف تم حذفه من كتاب تاريخ المدينة لابن شبة حسب النسخة التي تحت أيدينا اليوم، بينما نقله السمهودي عنه فحفظه للتاريخ! ويمكننا القول أن الصراع لم يكن تنافسًا دينيًا فحسب، بل واقتصاديًّا وعِرقيًّا تعصبيًّا كذلك. وإن محمدًا جعل تدشين السوق في المرة الأولى في موضع داخل أرضٍ مملوكة لكعب بن الأشرف، وإلا لما تجرأ ابن الأشرف على قطع الأطناب، لا سيما وأن التنافس على التجارة كما جرى العرف لم ولا يكون بالسلاح. ويؤكد ذلك ما يذكره وفاء الوفا أن بعد مقتل ابن الأشرف استولى عليها المسلمون ووهبها محمد للزبير_بأسلوب النظام الإقطاعيّ القديم الطبقيّ_:

 

بقيع الزبير:

يجاور منازل بني غنم، و شرقي منازل بني زريق، و إلى جانبه في المشرق البقال، و لعل الرحبة التي بحارة الخدم بطريق بقيع الغرقد منه. روى ابن شبة عقب قصة كعب بن الأشرف المتقدمة في سوق المدينة لما أراد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يتخذ موضع بقيع الزبير سوقا أنه لما قتل كعب استقطع الزبير النبي صلى اللّه عليه وسلم البقيع فقطعه، فهو بقيع الزبير، ففيه من الدور للزبير دار عروة، ثم في شرقيها دار للمنذر بن الزبير إلى زقاق عروة، و فيه دار مصعب بن الزبير التي على يسارك إذا أردت بني مازن

 

وقصة اغتيال كعب بن الأشرف في البخاري برقم 4037 واللفظ له أدناه، ومسلم 1801 وأحمد 65، واللفظ للبخاري:

 

بَاب قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ

4037 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا قَالَ قُلْ فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ قَالَ وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ قَالَ إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ و حَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ نَعَمِ ارْهَنُونِي قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ قَالَ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلَاحَ فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَتْ أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ قَالَ وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ قِيلَ لِسُفْيَانَ سَمَّاهُمْ عَمْرٌو قَالَ سَمَّى بَعْضَهُمْ قَالَ عَمْرٌو جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ عَمْرٌو جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ فَقَالَ إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ وَقَالَ مَرَّةً ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ عَمْرٌو فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ قَالَ نَعَمْ فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ أَتَأْذَنُ لِي قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ دُونَكُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ

وروى أحمد بن حنبل:

2391 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، ثُمَّ وَجَّهَهُمْ وَقَالَ: " انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللهِ "، وَقَالَ: " اللهُمَّ أَعِنْهُمْ - يَعْنِي النَّفَرَ الَّذِينَ وَجَّهَهُمْ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ - "

ولدينا رواية في مسند أحمد بن حنبل تصلح_رغم تجهيلهم لمدى موثوقية أحد رواتها في الإسناد_كشاهد لقصة الواقدي عن كتابة المعاهدة بين فريقي المسلمين مهاجرين وأنصارًا وبينهم وبين بين اليهود بعد اغتيال كعب بن الأشرف:

 

24009 / 65 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدْ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ كَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ خَمْسَةَ نَفَرٍ، فَأَتَوْهُ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ قَوْمِهِ فِي الْعَوَالِي، فَلَمَّا رَآهُمْ ذُعِرَ مِنْهُمْ وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ ؟ قَالُوا: جِئْنَا إِلَيْكَ لِحَاجَةٍ . قَالَ: فَلْيَدْنُ إِلَيًّ بَعْضُكُمْ فَلْيُحَدِّثْنِي بِحَاجَتِهِ . فَدَنَا مِنْهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالُوا: جِئْنَاكَ لِنَبِيعَكَ أَدْرُعًا لَنَا . قَالَ: وَاللهِ إِنْ فَعَلْتُمْ، لَقَدْ جُهِدْتُمْ مُنْذُ نَزَلَ هَذَا الرَّجُلُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ - أَوْ قَالَ: بِكُمْ - فَوَاعَدُوهُ أَنْ يَأْتُوهُ بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ فَجَاءُوهُ، فَقَامَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا جَاءَكَ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ لِشَيْءٍ مِمَّا تُحِبُّ . قَالَ: إِنَّهُمْ قَدْ حَدَّثُونِي بِحَاجَتِهِمْ . فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ، اعْتَنَقَهُ أَبُو عَبْسٍ، وَعَلَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِالسَّيْفِ، وَطَعَنَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، فَقَتَلُوهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتِ الْيَهُودُ، غَدَوْا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَوا: قُتِلَ سَيِّدُنَا غِيلَةً . فَذَكَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَهْجُوهُ فِي أَشْعَارِهِ، وَمَا كَانَ يُؤْذِيهِ، ثُمَّ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا . قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ مَعَ عَلِيٍّ.

 

قال محققو طبعة الرسالة للمسند: صحيح لغيره، وهذا الإسناد رجاله ثقات غير عمّ عبد الله بن كعب فلم نتبيَّنه، ونقل الحافظ ابن حجر في "الإصابة" 5/611 في ترجمة كعب سنداً من طريق يزيد بن هارون، عن إسماعيل من ولد كعب بن مالك، قال: لم يكن لمالك ولدٌ غير الشاعر المشهور. وهذا الإسناد قد اختلف فيه على معمر ثم على الزهري كما يأتي.

وأخرجه عبد الرزاق (9388) عن معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، فذكره ليس فيه عن عمه، ولم يسمِّ ابن كعب. وأخرجه الطبري في "تفسيره" (8317) عن الحسن بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، فذكره مرفوعاً دون ذكر واسطة. وأخرجه كرواية الطبري ابنُ سعد في "الطبقات" 2/33 عن محمد بن حميد العبدي، عن معمر، به. وأخرجه أبو داود (3000) ، ومن طريقه البيهقي في "الدلائل" 3/198 عن محمد بن يحيى بن فارس، عن الحكم بن نافع، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن أبيه. وأخرجه البيهقي 3/196-198 من طريق عبد الكريم بن الهيثم، عن الحكم، عن شعيب، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، فذكره مطولاً. وأخرجه الطبراني 19/ (154) من طريق حيوة بن شريح، عن عقيل بن خالد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، فذكره.

 

 

 

 

 

 

غزوة بني قينقاع

 

لما انتشى محمد بنصره في بدر، شرع يهدد اليهود ليتبعوا دينه الجديد، وأول من قام بنفيهم هم قوم بني قينقاع، وللمسلمين هنا مزاعم سنناقشها بعد استعراضنا لكلامهم، فيقول ابن هشام:

 

أمر بني قَينُقاع

 

قال: وقد كان فيما بين ذلك، من غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرُ بنى قَيْنُقاع. كان من حديث بني قَيْنُقَاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بنى قَيْنُقَاع، ثم قال: يا معشر يهود، احذَرُوا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسْلموا فإنكم قد عَرَفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابِكم وعهدِ الله إليكم؛ قالوا: يا محمد، إنك ترى أنا قومُك؟! لا يَغُرَّنك أنك لقيتَ قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصةً، إنا والله لئن حاربناك لتعلَمنَّ أنا نحنُ الناسُ.

 

قال ابن إسحاق: فحدثني مولى قال زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير، أو عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} [آل عمران:11،12]: أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقريش{فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَالله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 12،13]. [أخرجه أبو داوود 3001 عن ابن إسحاق]

 

 

 

قال ابن إسحاق: وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة: أن بنى قينقاع كانوا أولَ يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بينَ بدر وأحد.

 

قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المِسْوَر بن مَخْرَمة، عن أبى عون، قال: كان من أمر بني قَيْنقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلبٍ لها، فباعته بسوق بني قَيْنُقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشفِ وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرِها، فلما قامت انكشفت سوءتُها، فضحكوا بها، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهودياً، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشرُّ بينهم وبين بنى قَيْنُقاع.

 

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبدُ الله بنُ أبى ابنُ سلول، حين أمكنه منهم، فقال: يا محمد، أحسن في مواليَّ، وكانوا حلفاء الخزرج. قال: فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا محمدُ أحسنْ فى مَوَاليَّ، قال: فأعرض عنه. فأدخل يَده في جَيْبِ دِرْعِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن هشام: وكان يقال لها: ذات الفُضول.

قال ابن إسحاق: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلْني، وغضب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظُلَلاً  ثم قال: ويْحك! أرسلْني؛ قال: لا والله لا أرسلك حتى تُحسنَ في موالىَّ، أربعمائةِ حاسر وثلاثمائةِ دارعٍ قد منعوني من الأحمر والأسود، تَحْصُدهم في غَداةٍ واحدة، إنى والله امرؤ أخشى الدوائرَ؛ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك.

 

قال ابن هشام: واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة فى محاصرته إياهم بشير بن عبد المنذر، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة.

 

قال ابن إسحاق: وحدثني أبى: إسحاقُ بن يسار، عن عُبادة بن الوَليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رِسولَ الله صلى الله عليه وسلم، تشبث بأمرهم عبدُ الله بنُ أبي ابنُ سلول وقام دونهم . ومشى عبادةُ بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد بني عَوْف، لهم من حِلفه مثلُ الذى لهم من عبد الله بن أبي، فخلعهم إلى رسول صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله عز وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفِهم، وقال: يا رسول الله، أتولى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأبرأ من حِلف هؤلاء الكفار وولايتهم . قال: ففيه وفى عبد الله بن أبى نزلت هذه القصة من المائدة) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ( أي لعبد الله بن أبى وقوله: إنى أخشى الدوائر )يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ* وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ( [المائدة: 51ـ53] ثم القصة إلى قوله تعالى:) إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(.[المائدة: 55] وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا، وتبرئه من بنى قينقاع وحلفهم وولايتهم:) وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمْ الْغَالِبُونَ(.[المائدة: 56]

 

إن مما يجعلنا نشك في تلك القصة الإسلامية، متبعين رأي الدكتور القمني أمور منها تجهيل الخبر، فأين اسم الرجل المسلم أو العربي القتيل المزعوم، ما اسم المرأة؟ ثم يشير القمني أن بكتب التاريخ قصة قديمة تاريخية هي حرب (فِجار المرأة) من حروب الفجار الأربعة قبل الإسلام، التي حدثت بسبب فعل مشابه مع امرأة، فأدت إلى حرب كبيرة وقعت فيما يدعى بالأشهر الحُرُم المحرَّم فيها القتال لأنها موسم الحج، هذا كله يجعلنا نطعن في القصة الإسلامية، ورغم ما يقال عن عدم إجبار الإسلام لأهل الكتاب على اتباعه، فإن الإكراه الديني في كلام محمد واضح كالشمس! وللقمني وجهة نظر أراها صحيحة لأدلتها الكثيرة في كتابه (حروب دولة الرسول) على أن المعاهدة بين محمد واليهود لم تتم إلا بعد أحد، إذ احتاج هو لها، وليس في أول مقدمه حيث كان الأتباع قليلين والإسلام ضعيفاً، ولأنه لا ذكر لها في سياق غزو بني قينقاع! وقد استطاع القمني أن يجد خبراً عند ابن جرير الطبري وعنه ابن كثير في البداية والنهاية يؤخر تاريخ صحيفة المعاقل إلى السنة الثانية هجرية، أما القمني فيرى أنها بعد أحد، انظر كتابه ص 210، وله نفس آرائي في سعي محمد لإكراه اليهود على دينه، لأنهم خطر على دولته ودينه ومزاعمه كمنافسين له عالمين بأصل قصصه القرآنية من كتبهم وسقطاته وأخطائه وغيرها.

 

جاء في (الكامل في التاريخ) لابن الأثير، عن الفجار الأول:

 

وقيل كان سببه أن فتية من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر وهي وضيئة عليها برقع فقالوا لها اسفري لننظر وجهك فلم تفعل فقام غلام منهم فشق ذيل ثوبها إلى ظهرها ولم تشعر فلما قامت انكشفت دبرها فضحكوا وقالوا منعتِنا النظر إلى وجهك فقد نظرنا إلى دبرك فصاحت المرأة يا بني عامر فضحت، فأتاها الناس واشتجروا حتى كاد يكون قتال ثم رأوا أن الأمر يسير فاصطلحوا.

 

ويقول الواقدي:

 

غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ

 

غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا، حَاصَرَهُمْ النّبِىّ ص إلَى هِلالِ ذِى الْقَعْدَةِ.

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ الْحَارِتِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ ابْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىّ قَالَ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمَدِينَةَ، وَادَعَتْهُ يَهُودُ كُلّهَا، وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كِتَابًا. وَأَلْحَقَ رَسُولُ اللّهِ ص كُلّ قَوْمٍ بِحُلَفَائِهِمْ وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَانًا، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا، فَكَانَ فِيمَا شَرَطَ أَلاّ يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ عَدُوّا.

فَلَمّا أَصَابَ رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَ بَدْرٍ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، بَغَتْ يَهُودُ وَقَطَعَتْ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ الْعَهْدِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَيْهِمْ فَجَمَعَهُمْ ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ اللّهِ قَبْلَ أَنْ يُوقِعَ اللّهُ بِكُمْ مِثْلَ وَقْعَةِ قُرَيْشٍ. فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ لا يَغُرّنّكَ مَنْ لَقِيت، إنّك قَهَرْت قَوْمًا أَغْمَارًا. وَإِنّا وَاَللّهِ أَصْحَابُ الْحَرْبِ وَلَئِنْ قَاتَلْتنَا لَتَعْلَمَنّ أَنّك لَمْ تُقَاتِلْ مِثْلَنَا.

فَبَيْنَا هُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إظْهَارِ الْعَدَاوَةِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ جَاءَتْ امْرَأَةٌ نَزِيعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ إلَى سُوقِ بَنِى قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَتْ عِنْدَ صَائِغٍ فِى حُلِىّ لَهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ قَيْنُقَاعَ فَجَلَسَ مِنْ وَرَائِهَا وَلا تَشْعُرُ فَخَلّ دِرْعَهَا إلَى ظَهْرِهَا بِشَوْكَةٍ فَلَمّا قَامَتْ الْمَرْأَةُ بَدَتْ عَوْرَتُهَا فَضَحِكُوا مِنْهَا. فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاتّبَعَهُ فَقَتَلَهُ فَاجْتَمَعَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ، وَتَحَايَشُوا فَقَتَلُوا الرّجُلَ وَنَبَذُوا الْعَهْدَ إلَى النّبِىّ ص وَحَارَبُوا، وَتَحَصّنُوا فِى حِصْنِهِمْ. فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ص فَحَاصَرَهُمْ فَكَانُوا أَوّلَ مَنْ سَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ص وَأَجْلَى يَهُودَ قَيْنُقَاعَ وَكَانُوا أَوّلَ يَهُودَ حَارَبَتْ.

فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنّ اللّهَ لا يُحِبّ الْخَائِنِينَ} فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ص بِهَذِهِ الآيَةِ. قَالُوا: فَحَصَرَهُمْ فِى حِصْنِهِمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً أَشَدّ الْحِصَارِ حَتّى قَذَفَ اللّهُ فِى قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ. قَالُوا: أَفَنَنْزِلُ وَنَنْطَلِقُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا، إلاّ عَلَى حُكْمِى”، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ ص فَأَمَرَ بِهِمْ فَرُبِطُوا، قَالَ: فَكَانُوا يُكَتّفُونَ كِتَافًا. قَالُوا: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى كِتَافِهِمْ الْمُنْذِرَ بْنَ قُدَامَةَ السّالِمِىّ. قَالَ: فَمَرّ بِهِمْ ابْنُ أُبَىّ، وَقَالَ: حُلّوهُمْ، فَقَالَ الْمُنْذِرُ: أَتَحُلّونَ قَوْمًا رَبَطَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص؟ وَاَللّهِ لا يَحُلّهُمْ رَجُلٌ إلاّ ضَرَبْت عُنُقَهُ.

فَوَثَبَ ابْنُ أُبَىّ إلَى النّبِىّ ص، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِى جَنْبِ دِرْعِ النّبِىّ ص مِنْ خَلْفِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِى مَوَالِىّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ النّبِىّ ص غَضْبَانَ مُتَغَيّرَ الْوَجْهِ، فَقَالَ: “وَيْلَك، أَرْسِلْنِى”، فَقَالَ: لا أُرْسِلُك حَتّى تُحْسِنَ فِى مَوَالِىّ أَرْبَعُ مِائَةِ دَارِعٍ وَثَلَثُمِائَةِ حَاسِرٍ مَنَعُونِى يَوْمَ الْحَدَائِقِ، وَيَوْمَ بُعَاثٍ مِنْ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ تُرِيدُ أَنْ تَحْصِدَهُمْ فِى غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ يَا مُحَمّدُ إنّى امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “خَلّوهُمْ لَعَنَهُمْ اللّهُ، وَلَعَنَهُ مَعَهُمْ”.

فَلَمّا تَكَلّمَ ابْنُ أُبَىّ فِيهِمْ تَرَكَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ الْقَتْلِ، وَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُجْلَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ؛ فَجَاءَ ابْنُ أُبَىّ بِحُلَفَائِهِ مَعَهُ وَقَدْ أَخَذُوا بِالْخُرُوجِ يُرِيدُ أَنْ يُكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ ص أَنْ يُقِرّهُمْ فِى دِيَارِهِمْ، فَيَجِدُ عَلَى بَابِ النّبِىّ ص عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ فَذَهَبَ لِيَدْخُلَ فَرَدّهُ عُوَيْمٌ، وَقَالَ: لا تَدْخُلْ حَتّى يُؤْذِنَ رَسُولُ اللّهِ ص لَك. فَدَفَعَهُ ابْنُ أُبَىّ، فَغَلُظَ عَلَيْهِ عُوَيْمٌ حَتّى جَحَشَ وَجْهَ ابْنِ أُبَىّ الْجِدَارُ، فَسَالَ الدّمُ فَتَصَايَحَ حَلْفَاؤُهُ مِنْ يَهُودَ فَقَالُوا: أَبَا الْحُبَابِ لا نُقِيمُ أَبَدًا بِدَارٍ أَصَابَ وَجْهَك فِيهَا هَذَا، لا نَقْدِرُ أَنْ نُغَيّرَهُ.

فَجَعَلَ ابْنُ أُبَىّ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَمْسَحُ الدّمَ عَنْ وَجْهِهِ يَقُولُ: وَيْحَكُمْ قِرّوا فَجَعَلُوا يَتَصَايَحُونَ لا نُقِيمُ أَبَدًا بِدَارٍ أَصَابَ وَجْهَك فِيهَا هَذَا، لا نَسْتَطِيعُ لَهُ غَيْرًا وَلَقَدْ كَانُوا أَشْجَعَ يَهُودَ وَقَدْ كَانَ ابْنُ أُبَىّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَصّنُوا، وَزَعَمَ أَنّهُ سَيَدْخُلُ مَعَهُمْ فَخَذَلَهُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ وَلَزِمُوا حِصْنَهُمْ فَمَا رَمَوْا بِسَهْمٍ وَلا قَاتَلُوا حَتّى نَزَلُوا عَلَى صُلْحِ رَسُولِ اللّهِ ص وَحُكْمِهِ وَأَمْوَالُهُمْ لِرَسُولِ اللّهِ ص. فَلَمّا نَزَلُوا وَفَتَحُوا حِصْنَهُمْ كَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الّذِى أَجْلاهُمْ وَقَبَضَ أَمْوَالَهُمْ.

وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ سِلاحِهِمْ ثَلاثَ قِسِىّ قَوْسٌ تُدْعَى الْكَتُومَ كُسِرَتْ بِأُحُدٍ، وَقَوْسٌ تُدْعَى الرّوْحَاءَ، وَقَوْسٌ تُدْعَى الْبَيْضَاءَ؛ وَأَخَذَ دِرْعَيْنِ مِنْ سِلاحِهِمْ دِرْعًا يُقَالُ لَهَا الصّغْدِيّةُ وَأُخْرَى فِضّةُ وَثَلاثَةَ أَسْيَافٍ سَيْفٌ قَلَعِىّ، وَسَيْفٌ يُقَالُ لَهُ: بَتّارٌ وَسَيْفٌ آخَرُ وَثَلاثَةَ أَرْمَاحٍ. قَالَ: وَوَجَدُوا فِى حُصُونِهِمْ سِلاحًا كَثِيرًا وَآلَةً لِلصّيَاغَةِ وَكَانُوا صَاغَةً.

قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَوَهَبَ لِى رَسُولُ اللّهِ ص دِرْعًا مِنْ دُرُوعِهِمْ وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ دِرْعًا لَهُ مَذْكُورَةً يُقَالُ لَهَا: السّحْلُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَرَضُونَ وَلا قِرَابٌ - يَعْنِى مَزَارِعَ - وَخَمّسَ رَسُولُ اللّهِ ص مَا أَصَابَ مِنْهُمْ وَقَسّمَ مَا بَقِىَ عَلَى أَصْحَابِهِ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ أَنْ يُجْلِيَهُمْ فَجَعَلَتْ قَيْنُقَاعُ تَقُولُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ مِنْ بَيْنِ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - وَنَحْنُ مَوَالِيك - فَعَلْت هَذَا بِنَا؟ قَالَ لَهُمْ: عُبَادَةُ لَمّا حَارَبْتُمْ جِئْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى أَبْرَأُ إلَيْك مِنْهُمْ وَمِنْ حِلْفِهِمْ.

وَكَانَ ابْنُ أُبَىّ وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِى الْحِلْفِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ: تَبَرّأْت مِنْ حِلْفِ مَوَالِيك؟ مَا هَذِهِ بِيَدِهِمْ عِنْدَك فَذَكّرَهُ مَوَاطِنَ قَدْ أَبْلَوْا فِيهَا، فَقَالَ عُبَادَةُ: أَبَا الْحُبَابِ تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ وَمَحَا الإِسْلامُ الْعُهُودَ أَمَا وَاَللّهِ إنّك لَمُعْصِمٌ بِأَمْرٍ سَتَرَى غِبّهُ غَدًا فَقَالَتْ قَيْنُقَاعُ: يَا مُحَمّدُ إنّ لَنَا دَيْنًا فِى النّاسِ. قَالَ النّبِىّ ص: “تَعَجّلُوا وَضَعُوا”، وَأَخَذَهُمْ عُبَادَةُ بِالرّحِيلِ وَالإِجْلاءِ وَطَلَبُوا التّنَفّسَ، فَقَالَ لَهُمْ: وَلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَكُمْ ثَلاثٌ لا أَزِيدُكُمْ عَلَيْهَا هَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ ص وَلَوْ كُنْت أَنَا مَا نَفّسْتُكُمْ.

فَلَمّا مَضَتْ ثَلاثٌ خَرَجَ فِى آثَارِهِمْ حَتّى سَلَكُوا إلَى الشّامِ، وَهُوَ يَقُولُ: الشّرَفَ الأَبْعَدَ الأَقْصَى، فَأَقْصَى وَبَلَغَ خَلْفَ ذُبَابٍ، ثُمّ رَجَعَ وَلَحِقُوا بِأَذْرِعَاتٍ. وَقَدْ سَمِعْنَا فِى إجْلائِهِمْ حَيْثُ نَقَضُوا الْعَهْدَ غَيْرَ حَدِيثِ ابْنِ كَعْبٍ.

فَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ص لَمّا رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ حَسَدُوا فَأَظْهَرُوا الْغِشّ فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ بِهَذِهِ الآيَةِ {وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنّ اللّهَ لا يُحِبّ الْخَائِنِينَ} قَالَ: فَلَمّا فَرَغَ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: “فَأَنَا أَخَافُهُمْ”، فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ص بِهَذِهِ الآيَةِ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَلِرَسُولِ اللّهِ أَمْوَالُهُمْ وَلَهُمْ الذّرّيّةُ وَالنّسَاءُ.

فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إنّى لَبِال فَلْجَتَيْنِ مُقْبِلٌ مِنْ الشّامِ، إذْ لَقِيت بَنِى قَيْنُقَاعَ يَحْمِلُونَ الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ قَدْ حَمَلُوهُمْ عَلَى الإِبِلِ وَهُمْ يَمْشُونَ فَسَأَلْتهمْ فَقَالُوا: أَجْلانَا مُحَمّدٌ وَأَخَذَ أَمْوَالَنَا. قُلْت: فَأَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: الشّامَ. قَالَ سَبْرَةُ: فَلَمّا نَزَلُوا بِوَادِى الْقُرَى أَقَامُوا شَهْرًا، وَحَمَلْت يَهُودُ وَادِى الْقُرَى مَنْ كَانَ رَاجِلاً مِنْهُمْ وَقَوّوْهُمْ وَسَارُوا إلَى أَذْرِعَاتٍ فَكَانُوا بِهَا، فَمَا كَانَ أَقَلّ بَقَاءَهُمْ.

حَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ ص أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ عَلَى الْمَدِينَةِ ثَلاثَ مَرّاتٍ بَدْرَ الْقِتَالِ وَبَنِى قَيْنُقَاعَ، وَغَزْوَةَ السّوِيقِ.

 

بوسعنا هنا رؤية أخلاق النبوة والإسلام اللئيمة، فقد نهب أموال اليهود على أساس حجج وكلام مطاطي لا معنى له من نوع (غشوا المسلمين وحسدوهم) وقد خفت منم فاعتديت عليهم، وأكلوا عليهم الديون التي تداينوها من بعضهم أو لم يردوا لبعضهم سوى جزءٍ منها بعد إلحاح طبعاً!

 

أحاديث مرتبطة غالبّا بغزوة قينقاع وتهديد محمد لهم ليُسلموا بالإكراه، أو بمرات أخرى لذهابه إلى بعض اليهود لتهديدهم، ربما قبل هذه الهجمة، روى أحمد بن حنبل:

 

27235 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ يَوْمًا: " إِنِّي رَاكِبٌ إِلَى يَهُودَ، فَمَنْ انْطَلَقَ مَعِي، فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ "، فَانْطَلَقْنَا، فَلَمَّا جِئْنَاهُمْ وَسَلَّمُوا عَلَيْنَا فَقُلْنَا: وَعَلَيْكُمْ.

 

حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح، وأخرجه بأسانيدهم كل من: يعقوب سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/491، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/341-342، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/149، والطبراني في "الكبير"2/ (2162) و(2163) و(2614) و22/ (743) و(744)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (8904) - والنسائي في "الكبرى" (10220) - وهو في "عمل اليوم والليلة" (388) والمزي في ترجمة أبي عبد الرحمن الجهني من "التهذيب" 34/40-41 وابن سعد في الطبقات 4/351، وابن أبي شيبة 26275، وابن ماجه (3699) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2577) ، وأبو يعلى (936)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 6/197، والمزي 34/40- 41 والبخاري في "الأدب المفرد" (1102) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1005) وأحمد بن حنبل في المسند27236و27237و17295و18045.

 

23984 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا كَنِيسَةَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ، يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ، فَكَرِهُوا دُخُولَنَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَرُونِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يُحْبِطِ اللهُ عَنْ كُلِّ يَهُودِيٍّ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الْغَضَبَ، الَّذِي غَضِبَ عَلَيْهِ" قَالَ: فَأَسْكَتُوا مَا أَجَابَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ ثَلَّثَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: "أَبَيْتُمْ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَنَا الْحَاشِرُ، وَأَنَا الْعَاقِبُ، وَأَنَا النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى، آمَنْتُمْ أَوْ كَذَّبْتُمْ" . ثُمَّ انْصَرَفَ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا كِدْنَا أَنْ نَخْرُجَ نَادَى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِنَا: كَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ . قَالَ: فَأَقْبَلَ . فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ: أَيَّ رَجُلٍ تَعْلَمُونَي فِيكُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ مِنْكَ، وَلَا أَفْقَهُ مِنْكَ، وَلَا مِنْ أَبِيكَ قَبْلَكَ، وَلَا مِنْ جَدِّكَ قَبْلَ أَبِيكَ . قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ لَهُ بِاللهِ أَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ، الَّذِي تَجِدُونَهُ فِي التَّوْرَاةِ، قَالُوا: كَذَبْتَ، ثُمَّ رَدُّوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ، وَقَالُوا فِيهِ شَرًّا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبْتُمْ لَنْ يُقْبَلَ قَوْلُكُمْ، أَمَّا آنِفًا فَتُثْنُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَثْنَيْتُمْ، وَلَمَّا آمَنَ أَكْذَبْتُمُوهُ، وَقُلْتُمْ فِيهِ مَا قُلْتُمْ، فَلَنْ يُقْبَلَ قَوْلُكُمْ" . قَالَ: فَخَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف: 10]

 

إسناده صحيح على شرط مسلم وأخرجه الطبري في "التفسير" 26/11-12، وابن حبان (7162)، والطبراني في "الكبير" 18/ (83)، و"الشاميين" (948)، والحاكم في المستدرك 3/415-416

 

وجدت كذلك خبرًا عن التهديدات الإرهابية التي وجّهَها المسلمون أتباع محمد آنذاك ليهود بني قينقاع، بما يكشف نياتهم السيئة المسبَقة، وجدت في تفسير مقاتل بن سليمان هكذا:

 

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56)} الأنفال

 

(إن شر الدواب عند الله الذين كفروا)، يعنى بتوحيد الله ، (فهم)، يعنى بأنهم (لا يؤمنون) [ آية : 55 ] ، وهم يهود قريظة ، فمنهم حيى بن أخطب اليهودي وإخوته ، ومالك بن الضيف .

 

أردت تتبع الخبر عن مالك بن الصيف أو الضيف، وهو من يهود خيبر  وليس من بني قينقاع كما علمت من قراآت أخرى، فوجدت أن ابن إسحاق في السيرة لم يزد على قوله:

 

وقال ابن إسحاق: وقال مالك بن الصَّيْف، حين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، - وذَكر لهم ما أخذ عليهم له من الميثاق، وما عَهِد الله إليهم فيه: والله ما عُهِد إلينا في محمد عهدٌ وما أخذ له علينا من ميثاق، فأنزل الله فيه: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. [البقرة: 100]

 

هذا يؤكد أن محمدًا ومن بعده من فقهاء ومفسري الإسلام يتلاعبون بالكلمات ويلفقون القصص، فمحمد يتهمهم بنقد العهد، لكن ليس عهدًا حقيقيًّا مع محمد، بل عهد خرافي مع الله، وزعم محمد هنا وفي آيات أخرى أن الله أخذ على اليهود عهدًا باتباع محمد، وهو زعم خرافي لا دليل عليه من نص كتاب اليهود، رغم أن كتاب اليهود ككتاب خرافات لا يصلح كدليل عمومًا. لاحقًا يظل ينعق شيوخهم بأن اليهود سمتهم نقض العهد.

 

حاولت تتبع المسألة أكثر، فوجدت خبرًا مهمًّا عن تهديد المسلمين لليهود بطريقة تكشف النوايا المتعصبة الشريرة، وذلك قبل جمع محمد لليهود من بني قينقاع وتهديده لهم الذي ذكره كتبة سيرة محمد، الخبر المهم الذي وجدته خبر عليه سيماء وعلامة الصحة التاريخية حفظه تفسير الطبري لنا، وليس في كتب السيرة كالسيرة برواية ابن هشام وبرواية يونس بن بكير والمغازي للواقدي والطبقات لابن سعد:

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)} المائدة

 

... 12157 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري قال: لما انهزم أهلُ بدر، قال المسلمون لأوليائهم من يهود: آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوٍم مثل يوم بدر! فقال مالك بن صيف: غرَّكم أن أصبتم رهطًا من قريش لا علم لهم بالقتال!! أما لو أمْرَرْنَا العزيمة أن نستجمع عليكم، لم يكن لكم يدٌ أن تقاتلونا! فقال عبادة: يا رسول الله، إن أوليائي من اليهود كانت شديدةً أنفسهم، كثيًرا سلاحهم، شديدةً شَوْكتُهم، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من وَلايتهم، ولا مولى لي إلا الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبيّ: لكني لا أبرأ من ولاء يهود، إنّي رجل لا بدَّ لي منهم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا حُباب، أرأيت الذي نَفِست به من ولاء يهود على عبادة، فهو لك دونه؟ قال: إذًا أقبلُ! فأنزل الله تعالى ذكره: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعض أولياء بعض} إلى أن بلغ إلى قوله:{والله يعصمك من الناس}.

 

وورد في مجمع البيان للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي، ، من تفاسير الشيعة المهمة:

 

 

اختلف في سبب نزوله وإن كان حكمه عامًّا لجميع المؤمنين، فقال عطية بن سعد العوفي والزهري: لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من اليهود: "آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر"، فقال مالك بن ضيف: "أغركم أن أصبتم رهطًا من قريش لا علم لهم بالقتال، أما لو أمرونا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يدان بقتالنا". فجاء عبادة بن الصامت الخزرجي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: "يا رسول الله إن لي أولياء من اليهود كثيرا عددهم قوية أنفسهم شديدة شوكتهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولايتهم ولا مولى لي إلا الله ورسوله." فقال عبد الله بن أبي: "لكني لا أبرأ من ولاية اليهود لأني أخاف الدوائر، ولا بد لي منهم." فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): "يا أبا الحباب ما نفست به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه". قال: إذًا أقبَل". وأنزل الله الآية.... (وعنه نقله المجلسي في بحار الأنوار ج19 ص151.)

 

توجد عدة أخبار في تفسير مقاتل بن سليمان والطبري وفخر الدين الرازي والسيرة لابن إسحاق عن ارتباط أسباب صياغة محمد لبعض نصوصه "أسباب النزول" بحوارات وجدالات كانت لمالك بن الصيف (أو الضيف) أو له مشاركة فيها. مثل البقرة 104 و135 و174، وآل عمران 72 و183، والنساء: 47، والمائدة 68، والأنعام 91. 

 

 

 

 

 

غزوة زيد بن حارثة إلى القردة

 

لم يتوقف محمد عن تحرشه بقوافل قريش ونهبها، وهو ما تسبب في جمعهم له وحربه في أحد حيث هزموا المسلمين:

 

يقول الواقدي: سَرِيّةُ الْقَرَدَةِ، أَمِيرُهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فِى جُمَادَى الآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ.

 

وجاء في المغازي للواقدي:

 

شَأْنُ سَرِيّةِ الْقَرَدَةِ

فِيهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَهِىَ أَوّلُ سَرِيّةٍ خَرَجَ فِيهَا زَيْدٌ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ أَمِيرًا، وَخَرَجَ لِهِلالِ جُمَادَى الآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا.

حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَهْلِهِ، قَالُوا: كَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ حَذِرَتْ طَرِيقَ الشّامِ أَنْ يَسْلُكُوهَا، وَخَافُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ص وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا قَوْمًا تُجّارًا، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: إنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ قَدْ عَوّرُوا عَلَيْنَا مَتْجَرَنَا، فَمَا نَدْرِى كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَصْحَابِهِ لا يَبْرَحُونَ السّاحِلَ وَأَهْلُ السّاحِلِ قَدْ وَادَعَهُمْ وَدَخَلَ عَامّتُهُمْ مَعَهُ فَمَا نَدْرِى أَيْنَ نَسْلُك، وَإِنْ أَقَمْنَا نَأْكُلُ رُءُوسَ أَمْوَالِنَا وَنَحْنُ فِى دَارِنَا هَذِهِ مَا لَنَا بِهَا نِفَاقٌ إنّمَا نَزَلْنَاهَا عَلَى التّجَارَةِ إلَى الشّامِ فِى الصّيْفِ وَفِى الشّتَاءِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. قَالَ لَهُ الأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ: فَنَكّبْ عَنْ السّاحِلِ وَخُذْ طَرِيقَ الْعِرَاقِ. قَالَ صَفْوَانُ: لَسْت بِهَا عَارِفًا. قَالَ أَبُو زَمْعَةَ: فَأَنَا أَدُلّك عَلَى أَخْبَرِ دَلِيلٍ بِهَا يَسْلُكُهَا وَهُوَ مُغْمَضُ الْعَيْنِ، إنْ شَاءَ اللّهُ.

قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ الْعِجْلِىّ، قَدْ دَوّخَهَا وَسَلَكَهَا، قَالَ صَفْوَانُ: فَذَلِكَ وَاَللّهِ فَأَرْسَلَ إلَى فُرَاتٍ فَجَاءَهُ، فَقَالَ: إنّى أُرِيدُ الشّامَ وَقَدْ عَوّرَ عَلَيْنَا مُحَمّدٌ مَتْجَرَنَا لأَنّ طَرِيقَ عِيرَاتِنَا عَلَيْهِ فَأَرَدْت طَرِيقَ الْعِرَاقِ. قَالَ فُرَاتٌ: فَأَنَا أَسْلُكُ بِك فِى طَرِيقِ الْعِرَاقِ، لَيْسَ يَطَؤُهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ - إنّمَا هِىَ أَرْضُ نَجْدٍ وَفَيَافٍ. قَالَ صَفْوَانُ: فَهَذِهِ حَاجَتِى، أَمّا الْفَيَافِى فَنَحْنُ شَاتُونَ وَحَاجَتُنَا إلَى الْمَاءِ الْيَوْمَ قَلِيلٌ. فَتَجَهّزَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، وَأَرْسَلَ مَعَهُ أَبُو زَمْعَةَ بِثَلاثِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَنُقَرِ فِضّةٍ وَبَعَثَ مَعَهُ رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ بِبَضَائِعَ وَخَرَجَ مَعَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى فِى رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بِمَالٍ كَثِيرٍ - نُقَرِ فِضّةٍ وَآنِيَةِ فِضّةٍ وَزْنِ ثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَرَجُوا عَلَى ذَاتِ عِرْقٍ.

وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِىّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ فَنَزَلَ عَلَى كِنَانَةَ ابْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ فِى بَنِى النّضِيرِ فَشَرِبَ مَعَهُ وَشَرِبَ مَعَهُ سَلِيطُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَسْلَمَ - وَلَمْ تُحَرّمْ الْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ - وَهُوَ يَأْتِى بَنِى النّضِيرِ وَيُصِيبُ مِنْ شَرَابِهِمْ. فَذَكَرَ نُعَيْمٌ خُرُوجَ صَفْوَانَ فِى عِيرِهِ وَمَا مَعَهُمْ مِنْ الأَمْوَالِ فَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ إلَى النّبِىّ ص فَأَخْبَرَهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِى مِائَةِ رَاكِبٍ فَاعْتَرَضُوا لَهَا فَأَصَابُوا الْعِيرَ. وَأَفْلَتْ أَعْيَانُ الْقَوْمِ وَأَسَرُوا رَجُلاً أَوْ رَجُلَيْنِ وَقَدِمُوا بِالْعِيرِ عَلَى النّبِىّ ص فَخَمّسَهَا، فَكَانَ الْخُمُسُ يَوْمَئِذٍ قِيمَةَ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَسَمَ مَا بَقِىَ عَلَى أَهْلِ السّرِيّةِ. وَكَانَ فِى الأَسْرَى فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ، فَأُتِىَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ: أَسْلِمْ، إنْ تُسْلِمْ نَتْرُكْكَ مِنْ الْقَتْلِ فَأَسْلَمَ فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْلِ.

 

ويقول ابن هشام:

 

سرية زيد بن حارثة إلى القَردة

 

زيد بن حارثة يصيب العير: قال ابن اسحاق: وسرية زيد بن حارثة التى بعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيها، حين أصاب عيرَ قريش، وفيها أبو سفيان بن حرب، على القَردة، ماء من مياه نجد. وكان من حديثها: أن قريشاً خافوا طريقهم الذي كانوا يسلكون إلى الشام، حين كان من وقْعة بدر ما كان، فسلكوا طريقَ العراق، فخرج منهم تجار، فيهم: أبو سفيان بن حرب، ومعه فضة كثيرة، وهم عُظْمُ تجارتهم، واستأجروا رجلاً من بنى بكر بن وائل، يقال له فُرات بن حَيَّان يدلهم في ذلك على الطريق .

قال ابن هشام: فُرات بن حيان، من بنى عِجْل، حليف لبني سَهْم .

قال ابن إسحاق: وبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زَيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك العير وما فيها، وأعجزه الرجالُ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

ما قاله حسان في هذه الغزوة: فقال حسان بن ثابت بعد أحد فى غزوة بدْر الآخرة يؤنِّب قريشاً لأخذهم تلكَ الطريق:

 

دعوا فَلَجاتِ الشامِ قد حال دونَها جلاد كأفواهِ المَخاضِ الأواركَ[3]

بأيدي رجالٍ هاجروا نحوَ ربهم وأنصارهِ حقا وأيدي الملائك[4]

إذا سلكتْ للغَوْرِ من فيِ عالجٍ فقولا لها ليس الطريقُ هنالك[5]

 

قال ابن هشام: وهذه الأبيات في أبيات لحسان بن ثابت، نقضها عليه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب

 

وروى البخاري:

 

4250 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ

 

 

 

 

موقعة أحد

 

بعد هزيمة الوثنيين القرشيين في موقعة بدر، وإصرار محمد وأتباعه على قطع طريق قوافل قريش التجارية ومقاطعتها، كرست قريش معظم مكسبها من العير التي نجت من محاولة المسلمين نهبها، لتمويل الهجوم على مدينة يثرب لأفعالها وهو ما يسمّى بغزوة أحد، التي انتهت بانتصار الوثنيين لكونهم اهتموا جداً بها وظلوا عاماً كاملاً يجهزون لها وجلبوا معهم حلفاء من الأحابيش وثقيف، لايسعني هنا عرض كامل النصوص عن هذه الموقعة، فلمن شاء أن يراجعها في كتب السيرة والحديث، وبدراسة الواقدي باعتباره أكمل وأفضل سياق ورواية كالعادة لتلك المعارك، نلاحظ عدة ملاحظات:

 

1- رفض محمد دمج اليهود حلفاء أبي بن سلول في جيشه الإسلامي الدينيّ، وهو ما يعكس عدم الرغبة في تكوين دولة قومية يكون فيها كل البشر متساوون، وهو ما يدل كذلك على صحة نظرية القمي من أن وثيقة معاهدة المدينة لم تُكتَب إلا بعد أحد، لأنها تنص_بخلاف ذلك_ على أن المسلمين واليهود في يثرب أمة واحدة يتشاركون في الدفاع عنها ودفع الديات[6].

جاء في الواقدي:

 

حَتّى انْتَهَى إلَى رَأْسِ الثّنِيّةِ، الْتَفَتَ فَنَظَرَ إلَى كَتِيبَةٍ خَشْنَاءَ لَهَا زَجَلٌ خَلْفَهُ فَقَالَ: “مَا هَذِهِ”؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَؤُلاءِ حُلَفَاءُ ابْنِ أُبَىّ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا يُسْتَنْصَرُ بِأَهْلِ الشّرْكِ عَلَى أَهْلِ الشّرْكِ”

 

ورواه الحاكم في مستدركه 2/ 122 وابن سعد في الطبقات الكبير ج2

 

ويقول ابن هشام: قال ابن هشام: وذكر غير زياد، عن محمد بن إسحاق عن الزهري: أن الأنصار يوم أحد، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال: لاحاجة لنا فيهم

 

2_أخيرأ ازداد عدد أتباع محمد، فلم يعد يكرر سقطته الأخلاقية الكبرى، وبدأ يرفض مشاركة الأطفال والمراهقين المندفعين في الجيش:

 

وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ص حَتّى أَتَى الشّيْخَيْنِ فَعَسْكَرَ بِهِ، وَعُرِضَ عَلَيْهِ غِلْمَانٌ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، وَزَيْدُ ابْنُ ثَابِتٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَالنّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ، وَعَرَابَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، فَرَدّهُمْ. قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: فَقَالَ ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ رَامٍ وَجَعَلْت أَتَطَاوَلُ وَعَلَىّ خُفّانِ لِى، فَأَجَازَنِى رَسُولُ اللّهِ ص، فَلَمّا أَجَازَنِى، قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ لِرَبِيبِهِ مُرَىّ بْنِ سِنَانٍ الْحَارِثِىّ، وَهُوَ زَوْجُ أُمّهِ: يَا أَبَتِ أَجَازَ رَسُولُ اللّهِ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَرَدّنِى، وَأَنَا أَصْرَعُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، فَقَالَ مُرَىّ بْنُ سِنَانٍ الْحَارِثِىّ: يَا رَسُولَ اللّهِ رَدَدْت ابْنِى وَأَجَزْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَابْنِى يَصْرَعُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “تَصَارَعَا”، فَصَرَعَ سَمُرَةُ رَافِعًا فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللّهِ ص - وَكَانَتْ أُمّهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِى أَسَدٍ.

 

وعند ابن هشام:

 

قال ابن هشام: وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ! سَمُرة بن جُنْدب الفَزاري، ورافع بن خَدِيج، أخا بنى حارثة، وهما ابنا خمس عشرة سنة، وكان قد ردهما، فقيل له: يا رسول الله إن رافعا رامٍ، فأجازه؛ فلما أجاز رافعا قيل له: يا رسول الله، فإن سَمُرة يصرع رافعاً، فأجازه. ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وعبد الله ابن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، أحد بنى مالك بن النجار، والبَراء بن عازب، أحد بنى حارثة، وعمرو بن حَزْم، أحد بني مالك ابن النجار، وأسَيْد بن ظُهَيْر، أحد بني حارثة، ثم أجازهم يوم الخندق، وهم أبناء خمس عشرة سنة

 

والخبر رواه مؤلف زاد المعاد في ذكره لهذه الغزوة، وأخرجه البخاري 4097 ومسلم 1868

 

3-نتيجة الإكراه الديني كان ظهور المنافقين المضطرين لحماية حياتهم ومصالحهم للتظاهر باتباع ديانة محمد، منهم رجل عجوز أعمى له بستان، دخله محمد مع بساتين أخرى أثناء موقعة أحد، ليمر من خلالها بطريق متخفٍ، ورفض الرجل دخول محمد في بستانه، فقام رجال محمد بضرب الرجل الأعمى وشج رأسه، ونعم الإنسانية!

 

روى الواقدي:

 

وَنَامَ رَسُولُ اللّهِ ص حَتّى أَدْلَجَ فَلَمّا كَانَ فِى السّحَرِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَيْنَ الأَدِلاّءُ؟ مَنْ رَجُلٌ يَدُلّنَا عَلَى الطّرِيقِ وَيُخْرِجُنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ”؟ فَقَامَ أَبُو حَثْمَةَ الْحَارِثِىّ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، وَيُقَالُ: أَوْسُ بْنُ قَيْظِىّ، وَيُقَالُ: مُحَيّصَةُ - وَأَثْبَتُ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَبُو حَثْمَةَ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص فَرَكِبَ فَرَسَهُ فَسَلَكَ بِهِ فِى بَنِى حَارِثَةَ ثُمّ أَخَذَ فِى الأَمْوَالِ حَتّى يَمُرّ بِحَائِطِ مِرْبَعِ بْنِ قَيْظِىّ. وَكَانَ أَعْمَى الْبَصَرِ مُنَافِقًا، فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ص وَأَصْحَابُهُ حَائِطَهُ قَامَ يَحْثِى التّرَابَ فِى وُجُوهِهِمْ وَجَعَلَ يَقُولُ: إنْ كُنْت رَسُولَ اللّهِ فَلا تَدْخُلْ حَائِطِى، فَيَضْرِبُهُ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِىّ بِقَوْسٍ فِى يَدِهِ فَشَجّهُ فِى رَأْسِهِ فَنَزَلَ الدّمُ فَغَضِبَ لَهُ بَعْضُ بَنِى حَارِثَةَ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ فَقَالَ: هِىَ عَدَاوَتُكُمْ يَا بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ لا تَدْعُونَهَا أَبَدًا لَنَا. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: لا وَاَللّهِ وَلَكِنّهُ نِفَاقُكُمْ، وَاَللّهِ لَوْلا أَنّى لا أَدْرِى مَا يُوَافِقُ النّبِىّ ص مِنْ ذَلِكَ لَضَرَبْت عُنُقَهُ وَعُنُقَ مَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ فَأُسْكِتُوا.

 

يلاحظ القمني في كل كتبه ومنها حروب دولة الرسول أنه لما كان قد حدث قبل الإسلام أن قريشاً ساعدوا الأوس ضد الخزرج، كان معظم من حضروا بيعتي العقبة الأولى والثانية، ومعظم أوائل معتنقي الإسلام من الخزرج، في حين كان معظم مناوئي محمد والإسلام من الأوس، والسياق السابق قصة من قصص كثيرة تؤكد ذلك.

 

وعند ابن هشام:

 

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: مَنْ رجل يخرج بنا على القوم من كَثَب: أي من قرب، من طريق لا يمر بنا عليهم؟ فقال أبو خَيْثمة أخو بنى حارثة بن الحارث: أنا يا رسول الله، فنفذ به في حَرَّة بنى حارثة، وبين أموالهم، حتى سلك في مال لمِرْبَع بن قَيْظِي، وكان رجلا منافقاً ضرير البصر، فلما سمع حسَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين، قام يَحْثِي في وجوههم التراب، ويقول: إن كنتَ رسولَ الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي. وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرَك يا محمد لضربت بها وجهك. فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر. وقد بدر إليه سعد بن زيد، أخو بنى عبد الأشهل، قبل نَهْى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فضربه بالقوس في رأسه، فشجَّه.

 

4-محمد_رغم أنه ينطلق من يثرب_ يولي رجلاً من بني عبد الدار الراية كما هي العادة عند الوثنيين المكيين، لما وجد أن قريشاً ولت رايتها لرجل من ذات البطن، وهي رسالة تؤكد كل نظريات سيد القمني من أن محمداً كان يخطط لدين ودولة أو مملكة يحكم فيها العرب ما يسيطرون عليه من العالم، وتحكم قريش العرب وما ملكوه من بلدان.

 

يقول الواقدي:

 

وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ صَفّوا صُفُوفَهُمْ وَاسْتَعْمَلُوا عَلَى الْمَيْمَنَةِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِى جَهْلٍ، وَلَهُمْ مُجَنّبَتَانِ مِائَتَا فَرَسٍ وَجَعَلُوا عَلَى الْخَيْلِ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ - وَيُقَالُ: عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - وَعَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَكَانُوا مِائَةَ رَامٍ، وَدَفَعُوا اللّوَاءَ إلَى طَلْحَةَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ - وَاسْمُ أَبِى طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَىّ. وَصَاحَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ: يَا بَنِى عَبْدِ الدّارِ نَحْنُ نَعْرِفُ أَنّكُمْ أَحَقّ بِاللّوَاءِ مِنّا إنّا إنّمَا أَتَيْنَا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ اللّوَاءِ، وَإِنّمَا يُؤْتَى الْقَوْمُ مِنْ قِبَلِ لِوَائِهِمْ فَالْزَمُوا لِوَاءَكُمْ وَحَافِظُوا عَلَيْهِ وَخَلّوْا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَإِنّا قَوْمٌ مُسْتَمِيتُونَ مَوْتُورُونَ نَطْلُبُ ثَأْرًا حَدِيثَ الْعَهْدِ، وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: إذَا زَالَتْ الأَلْوِيَةُ فَمَا قِوَامُ النّاسِ وَبَقَاؤُهُمْ بَعْدَهَا فَغَضِبَ بَنُو عَبْدِ الدّارِ، وَقَالُوا: نَحْنُ نُسَلّمُ لِوَاءَنَا؟ لا كَانَ هَذَا أَبَدًا، فَأَمّا الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ فَسَتَرَى ثُمّ أَسْنَدُوا الرّمَاحَ إلَيْهِ وَأَحْدَقَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ بِاللّوَاءِ وَأَغْلَظُوا لأَبِى سُفْيَانَ بَعْضَ الإِغْلاظِ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَنَجْعَلُ لِوَاءً آخَرَ؟ قَالُوا: نَعَمْ وَلا يَحْمِلُهُ إلاّ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ لا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ أَبَدًا.

وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْهِ يُسَوّى تِلْكَ الصّفُوفَ وَيُبَوّئُ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ، يَقُولُ: “تَقَدّمْ يَا فُلانٌ، وَتَأَخّرْ يَا فُلانٌ”، حَتّى إنّهُ لَيَرَى مَنْكِبَ الرّجُلِ خَارِجًا فَيُؤَخّرُهُ، فَهُوَ يُقَوّمُهُمْ كَأَنّمَا يُقَوّمُ بِهِمْ الْقِدَاحَ حَتّى إذَا اسْتَوَتْ الصّفُوفُ سَأَلَ مَنْ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ؟ قِيلَ: بَنُو عَبْدِ الدّارِ. قَالَ: نَحْنُ أَحَقّ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ، أَيْنَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: خُذْ اللّوَاءَ، فَأَخَذَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَتَقَدّمَ بِهِ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ص.

 

وقال ابن هشام:

وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ودفع اللواءَ إلى مِصْعَب بن عُمَير، أخي بني عبد الدار.

 

ويمكننا أن نكتشف مدى الدناوة والشهوانية الهمجية وانعدام السمو والمثاليات عند المسلمين، من طعمهم في استعباد وسبي نساء الوثنيين لما تراجعوا وانكشفوا، يقول الواقدي:

 

وَقَالُوا: مَا ظَفّرَ اللّهُ نَبِيّهُ فِى مَوْطِنٍ قَطّ مَا ظَفّرَهُ وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، حَتّى عَصَوْا الرّسُولَ وَتَنَازَعُوا فِى الأَمْرِ، لَقَدْ قُتِلَ أَصْحَابُ اللّوَاءِ، وَانْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ مُنْهَزِمِينَ لا يَلْوُونَ وَنِسَاؤُهُمْ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ بَعْدَ ضَرْبِ الدّفَافِ وَالْفَرَحِ حَيْثُ الْتَقَيْنَا. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَقَدْ رَوَى كَثِيرٌ مِنْ الصّحَابَةِ مِمّنْ شَهِدَ أُحُدًا، قَالَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: وَاَللّهِ إنّى لأَنْظُرُ إلَى هِنْدٍ وَصَوَاحِبِهَا مُنْهَزِمَاتٍ مَا دُونَ أَخْذِهِنّ شَيْءٌ لِمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ

 

وعند ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير، أنه قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خَدَم هند بنت عُتبة وصواحبها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير إذ مالت الرُّماة إلى العسكر، حين كشفنا القومَ عنه وخلَّوْا ظهورَنا للخيل، فأُتينا من خَلفنا

 

وفي البخاري:

 

3039 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ فَهَزَمُوهُمْ قَالَ فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا .....إلخ

 

وانظر البخاري 4043

 

مرة أخرى نكتشف دناءة نفوس الكثير من البشر وسبب اتباعهم الحقيقي للإسلام! إشباع الغريزة الوحشية في الصراع والقتال وسفك الدماء، والسبايا والأموال، فبسبب طمع الرماة ونزولهم عن جبل أحد مما كشف ظهر المسلمين، أفسدوا إستيراتيجية محمد في تلك الموقعة، وهي القصة المعروفة من القرآن والبخاري ومسلم وأحمد وابن هشام والواقدي، وفي هذا الأخير ورد:

 

وَكُلّمَا أَتَى خَالِدٌ مِنْ قِبَلِ مَيْسَرَةِ النّبِىّ ص لَيَجُوزُ حَتّى يَأْتِىَ مِنْ قِبَلِ السّفْحِ فَيَرُدّهُ الرّمَاةُ حَتّى فَعَلُوا ذَلِكَ مِرَارًا، وَلَكِنّ الْمُسْلِمِينَ أُتُوا مِنْ قِبَلِ الرّمَاةِ، إنّ رَسُولَ اللّهِ ص أَوْعَزَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: “قُومُوا عَلَى مَصَافّكُمْ هَذَا، فَاحْمُوا ظُهُورَنَا، فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا لا تَشْرَكُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا”، فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ يَضَعُونَ السّلاحَ فِيهِمْ حَيْثُ شَاءُوا حَتّى أَجْهَضُوهُمْ عَنْ الْعَسْكَرِ وَوَقَعُوا يَنْتَهِبُونَ الْعَسْكَرَ، قَالَ بَعْضُ الرّمَاةِ لِبَعْضٍ: لِمَ تُقِيمُونَ هَاهُنَا فِى غَيْرِ شَيْءٍ؟ قَدْ هَزَمَ اللّهُ الْعَدُوّ وَهَؤُلاءِ إخْوَانُكُمْ يَنْتَهِبُونَ عَسْكَرَهُمْ فَادْخُلُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ فَاغْنَمُوا مَعَ إخْوَانِكُمْ.

فَقَالَ بَعْضُ الرّمَاةِ لِبَعْضٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص قَالَ لَكُمْ: “احْمُوا ظُهُورَنَا، فَلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا غَنِمْنَا فَلا تَشْرَكُونَا، احْمُوا ظُهُورَنَا”؟ فَقَالَ الآخَرُونَ: لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللّهِ هَذَا، وَقَدْ أَذَلّ اللّهُ الْمُشْرِكِينَ، وَهَزَمَهُمْ، فَادْخُلُوا الْعَسْكَرَ، فَانْتَهِبُوا مَعَ إخْوَانِكُمْ، فَلَمّا اخْتَلَفُوا خَطَبَهُمْ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مُعْلِمًا بِثِيَابٍ بِيضٍ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمّ أَمَرَ بِطَاعَةِ اللّهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ص، وَأَلاّ يُخَالَفَ لِرَسُولِ اللّهِ أَمْرٌ فَعَصَوْا وَانْطَلَقُوا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الرّمَاةِ مَعَ أَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُبَيْرٍ إلاّ نُفَيْرٌ مَا يَبْلُغُونَ الْعَشَرَةَ فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ، يَقُولُ: يَا قَوْمِ اُذْكُرُوا عَهْدَ نَبِيّكُمْ إلَيْكُمْ، وَأَطِيعُوا أَمِيرَكُمْ، قَالَ: فَأَبَوْا وَذَهَبُوا إلَى عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ يَنْتَهِبُونَ، وَخَلّوْا الْجَبَلَ وَجَعَلُوا يَنْتَهِبُونَ وَانْتَقَضَتْ صُفُوفُ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَدَارَتْ رِجَالُهُمْ وَحَالَتْ الرّيحُ وَكَانَتْ أَوّلَ النّهَارِ إلَى أَنْ رَجَعُوا صَبّا، فَصَارَتْ دَبُورًا حَيْثُ كَرّ الْمُشْرِكُونَ بَيْنَا الْمُسْلِمُونَ قَدْ شُغِلُوا بِالنّهْبِ وَالْغَنَائِمِ.

 

وفي القرآن: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)} آل عمران: 152-153

 

لقد أصيب محمد في تلك المعركة وتكسرت بعض أسنانه فصار أهتم، ولعله كان هنا أشجع بقليل مما كان عليه في موقعة بدر، لكنه سرعان ما استنجد بأعوانه لينقذوه ويموتوا دفاعاً عنه.

 

في البخاري:

 

4075 - بَاب حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ وَبِمَا دُووِيَ قَالَ كَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُهُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ وَجُرِحَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ

 

وروى معلقاً قبل رقم 4069:

بَاب {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} قَالَ حُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ شُجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ}

 

ويقول ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين غَشِيه القومُ: مَنْ رجل يشري لنا نفسَه؟ كما حدثني الحُصَيْن بن عبد الرحمن بن عَمرو بن سعد بن معاذ، عن محمود بن عمرو، قال: فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار - وبعض الناس يقول: إنما هو عُمارة بن يزيد بن السَّكَن فقاتلوا دونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلا ثم رجلا، يُقْتَلون دونه، حتى كان آخرهم زياد أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة، ثم فاءت فئة من المسلمين، فأجهضوهم عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادْنُوه مني، فأدنوه منه فوسَّدَه قدمَه، فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

ما فعلته نسيبة بنت كعب: قال ابن هشام: وقاتلت أم عمارة، نُسَيْبة بنت كعب المازنية يوم أحد.

فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري: أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول: دخلت على أم عمارة، فقلت لها: يا خالة، أخبريني خبرك، فقالت: خرجت أول النهار، وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سِقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون، انحزتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال، وأَذُبُّ عنه بالسيف، وأرمى عن القَوْس، حتىِ خَلَصَت الجراحُ إليَّ قالت: فرأيت على عاتقها جُرحاً أجوفَ له غوْر، فقلت: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قَمِئة أقمأه الله، لما ولى الناسُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول: دلونى على محمد، فلا نجوت إن نجا، فاعترضتُ له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربنى هذه الضربة ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه دِرْعان.

 

نعم الشجاعة من رجل تدافع عنه امرأة!

 

وفي صحيح مسلم:

 

[ 1789 ] وحدثنا هداب بن خالد الأزدي حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد وثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فلما رهقوه قال من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ثم رهقوه أيضا فقال من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه ما أنصفنا أصحابنا

 [ 1790 ] حدثنا يحيى بن يحيى التميمي حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أنه سمع سهل بن سعد يسأل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم وكان علي بن أبي طالب يسكب عليها بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم

 

وفي ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: وترَّس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دُجَّانة بنفسه، يقع النَبلُ في ظهره، وهو منحنٍ عليه، حتى كثر فيه النَّبل، ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سعد: فلقد رأيته يناولنى النَّبلَ وهو يقول: ارمِ، فداك أبي وأمى، حتى إنه ليناولنى السهم ما له نصل، فيقول: ارم به.

 

وانظر البخاري 2905 ومسلم 1876

 

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم ابن عمر بن قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقتْ سِيَتُها، فأخذها قَتادة بن النعمان، فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عينُ قتادة بن النعمان، حتى وقعت على وَجْنَتِه.

 

وفي البخاري:

 

بَاب مَنَاقِبُ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ


3811 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ الْقِدِّ يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنْ النَّبْلِ فَيَقُولُ انْشُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تُنْقِزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلَاثًا

 

وفي مسند أحمد:

 

14058 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَرْمِي بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ يَتَتَرَّسُ بِهِ، وَكَانَ رَامِيًا، وَكَانَ إِذَا رَمَى رَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَخْصَهُ يَنْظُرُ أَيْنَ يَقَعُ سَهْمُهُ، وَيَرْفَعُ أَبُو طَلْحَةَ صَدْرَهُ، وَيَقُولُ: هَكَذَا بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، لَا يُصِيبُكَ سَهْمٌ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَشُورُ نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: إِنِّي جَلْدٌ يَا رَسُولَ اللهِ، فَوَجِّهْنِي فِي حَوَائِجِكَ، وَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ "

 

وفي المستدرك للحاكم:

 

2547 - أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق الفقيه وعلي بن حمشاد العدل قالا: أنبأ علي بن عبد العزيز البغوي ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه أن  أبا طلحة رضي الله عنه كان يرمي يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه وكان أبو طلحة راميا وكان إذا رمى يرفع النبي صلى الله عليه وسلم شخصه لينظر أين يقع سهمه وكان أبو طلحة يرفع صدره ويقول: هكذا بأبي أنت يا رسول الله لا يصيبك سهم نحري دون نحرك وكان أبو طلحة يود نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله أنا أجلد قومي فمرني بما شئت

 هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه

 

5586-......... شهد أحدا وغير ذلك من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين ولى الناس وبايعه على الموت ورمى مالك بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فاتقى طلحة بيده وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب خنصره فشلت فقال: حس حس حين أصابته الرمية فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو قال: بسم الله لدخل الجنة والناس ينظرون إليه وضرب طلحة يومئذ في رأسه الصلبة ضربه رجل من المشركين ضربتين ضربة وهو مقبل وضربة وهو معرض عنه وكان ضرار بن الخطاب الفهري يقول: أنا والله ضربته يومئذ

 

وفي سنن النسائي الكبرى:

 

4357 - أنبأ عمرو بن سواد قال أنبأ بن وهب قال أخبرني يحيى بن أيوب وذكر آخر قبله عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: لما كان يوم أحد وولى الناس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية في اثني عشر رجلا من الأنصار وفيهم طلحة بن عبيد الله فأدركه المشركون فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من للقوم فقال طلحة أنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنت فقال رجل من الأنصار أنا يا رسول الله فقال أنت فقاتل حتى قتل ثم التفت فإذا بالمشركين قال من للقوم قال طلحة أنا قال كما أنت فقال رجل من الأنصار أنا فقال أنت فقاتل حتى قتل ثم لم يزل يقول ذلك ويخرج إليهم رجل من الأنصار فيقاتل قتال من قبله حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة بن عبيد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من للقوم فقال طلحة أنا فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه فقال طلحة حس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت باسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون ثم رد المشركين

 

وهو في سننه الصغرى برقم 3149 كذلك. وانظر الطيالسي رقم 6.

 

وعند ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليَعْلُوَها، وقد كان بَدَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر بين درعين، فلما ذهب لينهض صلى الله عليه وسلم لم يستطعْ، فجلس تحتَه طلحةُ بن عبيد الله، فنهض به، حتى استوى عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يقول: " أوجَبَ طلحةُ " حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما. صنع. قال ابن هشام: وبلغني عن عِكْرِمة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الدَّرجة المبنية في الشِّعْب.

 

أما أكبر دليل ضد من يقولون بشجاعة محمد المزعومة، فهو هذا الحديث من المعجم الكبير للطبراني:

 

200 - حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أحمد بن سنان ثنا يعقوب بن محمد الزهري ثنا موسى بن شيبة عن عمرو بن عبد الله بن كعب بن مالك قال حدثتني عميرة بنت عبيد الله بن كعب عن أبيها عن كعب قال: لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشعب كنت أول من عرفه فقلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلي بيده أن أسكت ثم ألبسني لأمته ولبس لأمتي فلقد ضربت حتى جرحت عشرين أو قال بضعة عشر جرحا كل من يضربني يحسبني رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

وهو عند الطبراني في المعجم الأوسط كذلك، وأبي نعيم في دلائل النبوة 2/ 482

 

وهذه الحادثة ذكرها الواقدي في كتاب المغازي كذلك:

حَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى بَشِيرٍ الْمَازِنِىّ، قَالَ: لَمّا صَاحَ الشّيْطَانُ أَزَبّ الْعَقَبَةَ: إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ، لِمَا أَرَادَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ سَقَطَ فِى أَيْدِى الْمُسْلِمِينَ، وَتَفَرّقُوا فِى كُلّ وَجْهٍ وَأَصْعَدُوا فِى الْجَبَلِ، فَكَانَ أَوّلُ مَنْ بَشّرَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص سَالِمٌ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ كَعْبٌ: فَجَعَلْت أَصِيحُ وَيُشِيرُ إلَىّ رَسُولُ اللّهِ ص بِإِصْبَعِهِ عَلَى فِيهِ أَنْ اُسْكُتْ.

 

حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُمَيْرَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: لَمّا انْكَشَفَ النّاسُ كُنْت أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ ص وَبَشّرْت بِهِ الْمُؤْمِنِينَ حَيّا سَوِيّا. قَالَ كَعْبٌ: وَأَنَا فِى الشّعْبِ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص كَعْبًا بِلأْمَتِهِ - وَكَانَتْ صَفْرَاءَ أَوْ بَعْضَهَا - فَلَبِسَهَا رَسُولُ اللّهِ ص وَنَزَعَ رَسُولُ اللّهِ ص لأْمَتَهُ فَلَبِسَهَا كَعْبٌ، وَقَاتَلَ كَعْبٌ يَوْمَئِذٍ قِتَالاً شَدِيدًا حَتّى جُرِحَ سَبْعَةَ عَشَرَ جُرْحًا.

 

ويبدو أن ابن هشام تعمد حذف جزء من القصة، فاكتفى بسرد تعرف كعب على محمد!

 

قال ابن إسحاق: وكان أولَ من عَرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَ الهزيمة، وقول الناس: قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما ذكر لي ابن شهاب الزهري كعبُ بنُ مالك قال: عرفت عينيه تزهران من تحت المِغْفَر، فناديت بأعلى صوتى: يا معشرَ المسلمين، أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنْصِتْ.

 

هذا رجل حريص على حياته الشخصية، مستغل لسذاجة أتباعه، غير مبالٍ كثيراً بحيواتهم وآلامهم، فهو أدرى بأن دعوته ومزاعمه مجرد أكاذيب لأغراض قومية وإصلاحية دينية. وهذه الحادثة شبيهة بقصة هجرته لما ترك علي بن أبي طالب لينام مكانه ويتعرض لخطر القتل بسيوف عدة فتيان من كل بطون قريش بدلاً عنه!

 

ونلاحظ من الواقدي وابن هشام والبخاري تخبط المسلمين وارتباكهم حين تراجعوا لدرجة ضربهم وجرحهم لبعضهم البعض، ولم يتوقف هذا إلا عندما صنعوا شعاراً عبارة عن كلمة (أمِتْ أمت)، وقد قتل المسلمون دون قصد رجلاً عجوزاً شيخاً هو أبو حذيفة اليمان. انظر الواقدي وابن هشام والبخاري 4065 و3290  والمستدرك3/ 379 و3/ 202

 

ويقول الواقدي:

 

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِى أَحْمَدَ قَالَ: سَمِعْت مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَقُولُ: سَمِعَتْ أُذُنَاىَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَاىَ رَسُولَ اللّهِ ص يَقُولُ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ انْكَشَفَ النّاسُ إلَى الْجَبَلِ وَهُمْ لا يَلْوُونَ عَلَيْهِ، وَإِنّهُ لَيَقُولُ: “إلَىّ يَا فُلانُ إلَىّ يَا فُلانُ، أَنَا رَسُولُ اللّهِ”، فَمَا عَرّجَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ عَلَيْهِ وَمَضَيَا.

وهو نص يؤيده نص قرآن محمد نفسه!

 

ويقول ابن هشام

 

مقتل اليمان وابن وقش وابن حاطب: قال ابن إسحاق: وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضُهم المنقَّى، دون الأعْوَص.

 

ويقول مفسراً الآيات:

 

ثم أنبهم بالفرار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهم يُدْعَون لا يعطفون عليه لدعائه إياهم، فقال:{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ}: أي كربا بعد كرب، بقتل من قتل إخوانكم، وعلو عدوكم عليكم، وبما وقع في أنفسكم من قول من: قال: قُتل نبيكم، فكان ذلك مما تتابع عليكم غما بغم: لكيلا تحزنوا، على ما فاتكم من ظهوركم على عدوكم، بعد أن رأيتموه بأعينكم ولا ما أصابكم من قتل إخوانكم، حتى فرجت ذلك الكرب عنكم – {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

 

ولنسرد بعض السياقات التي أوردناها من كتب حديث مختلفة متفرقة، من مغازي الواقدي، لأن سياقه الأكثر اتصالاً وكمالاً:

 

وَنَادَى الْمُشْرِكُونَ بِشِعَارِهِمْ: يَا لَلْعُزّى، يَا آلَ هُبَلَ، فَأَوْجَعُوا وَاَللّهِ فِينَا قَتْلاً ذَرِيعًا، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ص مَا نَالُوا، لا وَاَلّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقّ إنْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ص زَالَ شِبْرًا وَاحِدًا، إنّهُ لَفِى وَجْهِ الْعَدُوّ وَتُثَوّبُ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَرّةً وَتَتَفَرّقُ عَنْهُ مَرّةً فَرُبّمَا رَأَيْته قَائِمًا يَرْمِى عَنْ قَوْسِهِ أَوْ يَرْمِى بِالْحَجَرِ حَتّى تَحَاجَزُوا.

وَثَبَتَ رَسُولُ اللّهِ ص كَمَا هُوَ فِى عِصَابَةٍ صَبَرُوا مَعَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، سَبْعَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَسَبْعَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ: أَبُو بَكْر ٍ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَمِنْ الأَنْصَارِ: الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِت ٍ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ. وَيُقَالُ: ثَبَتَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَيَجْعَلُونَهُمَا مَكَانَ أُسَيْدِ ابْنِ حُضَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.

وَبَايَعَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْمَوْتِ - ثَلاثَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَخَمْسَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ: عَلِىّ، وَالزّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ عَلَيْهِمْ السّلامُ وَأَبُو دُجَانَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَحُبَابُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِت ٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَرَسُولُ اللّهِ ص يَدْعُوهُمْ فِى أُخْرَاهُمْ حَتّى انْتَهَى مَنْ انْتَهَى مِنْهُمْ إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْمِهْرَاسِ.

وَحَدّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: ثَبَتَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَئِذٍ ثَلاثُونَ رَجُلاً كُلّهُمْ يَقُولُ: وَجْهِى دُونَ وَجْهِك، وَنَفْسِى دُونَ نَفْسِك، وَعَلَيْك السّلامُ غَيْرَ مُوَدّعٍ.

وَقَالُوا: إنّ رَسُولَ اللّهِ ص لَمّا لَحَمَهُ الْقِتَالُ وَخَلَصَ إلَيْهِ وَذَبّ عَنْهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو دُجَانَةَ حَتّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَقُولُ: “مَنْ رَجُلٌ يَشْرِى نَفْسَهُ”؟ فَوَثَبَ فِئَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ خَمْسَةٌ مِنْهُمْ عُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السّكَنِ، فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَ وَفَاءَتْ فِئَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَاتَلُوا حَتّى أَجْهَضُوا أَعْدَاءَ اللّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لِعُمَارَةَ بْنِ زِيَادٍ: “اُدْنُ مِنّى إلَىّ إلَىّ” حَتّى وَسّدَهُ رَسُولُ اللّهِ ص قَدَمَهُ وَبِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُرْحًا حَتّى مَاتَ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَئِذٍ يَذْمُرُ النّاسَ وَيَحُضّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَذْلَقُوا الْمُسْلِمِينَ بِالرّمْىِ مِنْهُمْ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ وَأَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ، فَجَعَلَ النّبِىّ ص يَقُولُ لِسَعْدِ ابْنِ أَبِى وَقّاصٍ: ارْمِ فِدَاك أَبِى وَأُمّى

 

....... وَبَاشَرَ رَسُولُ اللّهِ ص الْقِتَالَ، فَرَمَى بِالنّبْلِ حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ، وَتَكَسّرَتْ سِيَةُ قَوْسِهِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ انْقَطَعَ وَتَرُهُ، وَبَقِيَتْ فِى يَدِهِ قِطْعَةٌ تَكُونُ شِبْرًا فِى سِيَةِ الْقَوْسِ، وَأَخَذَ الْقَوْسَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَن يُوتِرُهُ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لا يَبْلُغُ الْوَتَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مُدّهُ يَبْلُغُ”، قَالَ عُكّاشَةُ: فَوَاَلّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقّ لَمَدَدْته حَتّى بَلَغَ وَطَوَيْت مِنْهُ لَيّتَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً عَلَى سِيَةِ الْقَوْسِ، ثُمّ أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ص قَوْسَهُ فَمَا زَالَ يَرْمِى الْقَوْمَ وَأَبُو طَلْحَة َ أَمَامَهُمْ يَسْتُرُهُ مُتَرّسًا عَنْهُ حَتّى نَظَرْت إلَى قَوْسِهِ قَدْ تَحَطّمَتْ فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ.

وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ نَثَرَ كِنَانَتَهُ بَيْنَ يَدَىْ النّبِىّ ص، وَكَانَ رَامِيًا وَكَانَ صَيّتًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “صَوْتُ أَبِى طَلْحَةَ فِى الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلاً”، وَكَانَ فِى كِنَانَتِهِ خَمْسُونَ سَهْمًا، فَنَثَرَهَا بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ص، ثُمّ جَعَلَ يَصِيحُ يَا رَسُولَ اللّهِ نَفْسِى دُونَ نَفْسِك، فَلَمْ يَزَلْ يَرْمِى بِهَا سَهْمًا سَهْمًا، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص يُطْلِعُ رَأْسَهُ خَلْفَ أَبِى طَلْحَة َ بَيْنَ رَأْسِهِ وَمَنْكِبِهِ يَنْظُرُ إلَى مَوَاقِعِ النّبْلِ، حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: نَحْرِى دُونَ نَحْرِك، جَعَلَنِى اللّهُ فِدَاك، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ص لَيَأْخُذُ الْعُودَ مِنْ الأَرْضِ، فَيَقُولُ: “ارْمِ يَا أَبَا طَلْحَةَ”، فَيَرْمِى بِهَا سَهْمًا جَيّدًا.

..... قَالُوا: وَقَاتَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ يَوْمَئِذٍ عَنْ النّبِىّ ص قِتَالاً شَدِيدًا، فَكَانَ طَلْحَةُ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ص حِينَ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَكَرّ الْمُشْرِكُونَ وَأَحْدَقُوا بِالنّبِىّ ص مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ فَمَا أَدْرِى أَقُومُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، أَوْ مِنْ وَرَائِهِ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، فَأَذُبّ بِالسّيْفِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مَرّةً، وَأُخْرَى مِنْ وَرَائِهِ، حَتّى انْكَشَفُوا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَئِذٍ يَقُولُ لِطَلْحَةَ: “قَدْ أَنْحَبَ”.

وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ وَذَكَرَ طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللّهُ إنّهُ كَانَ أَعْظَمَنَا غِنَاءً عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص يَوْمَ أُحُدٍ قِيلَ: كَيْفَ يَا أَبَا إسْحَاقَ؟ قَالَ: لَزِمَ النّبِىّ ص وَكُنّا نَتَفَرّقُ عَنْهُ، ثُمّ نَثُوبُ إلَيْهِ لَقَدْ رَأَيْته يَدُورُ حَوْلَ النّبِىّ ص يُتَرّسُ بِنَفْسِهِ.

وَسُئِلَ طَلْحَةُ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ مَا أَصَابَ إصْبَعَك؟ قَالَ: رَمَى مَالِكُ بْنُ زُهَيْرٍ الْجُشَمِىّ بِسَهْمٍ يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ ص وَكَانَ لا تُخْطِئُ رَمْيَتُهُ فَاتّقَيْت بِيَدِى عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ ص فَأَصَابَ خِنْصَرِى، فَشُكّ فَشُلّ إصْبَعُهُ، وَقَالَ حِينَ رَمَاهُ: حَسّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لَوْ قَالَ: بِسْمِ اللّهِ لَدَخَلَ الْجَنّةَ، وَالنّاسُ يَنْظُرُونَ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ يَمْشِى فِى الدّنْيَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، طَلْحَةُ مِمّنْ قَضَى نَحْبَه”.

وَقَالَ طَلْحَةُ: لَمّا جَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ ثُمّ تَرَاجَعُوا، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّب ِ يَجُرّ رُمْحًا لَهُ عَلَى فَرَسٍ كُمَيْتٍ أَغَرّ مُدَجّجًا فِى الْحَدِيدِ يَصِيحُ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْوَدَعِ، دُلّونِى عَلَى مُحَمّدٍ، فَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَانْكَسَعَتْ، ثُمّ أَتَنَاوَلُ رُمْحَهُ فَوَاَللّهِ مَا أَخْطَأْت بِهِ عَنْ حَدَقَتِهِ فَخَارَ كَمَا يَخُورُ الثّوْرُ فَمَا بَرِحْت بِهِ وَاضِعًا رِجْلِى عَلَى خَدّهِ حَتّى أَزَرْته شَعُوبَ.

وَكَانَ طَلْحَةُ قَدْ أَصَابَتْهُ فِى رَأْسِهِ الْمُصَلّبَةِ ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةً، وَهُوَ مُقْبِلٌ، وَالأُخْرَى وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ، وَكَانَ قَدْ نَزَفَ مِنْهَا الدّمُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: جِئْت إلَى النّبِىّ ص يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: “عَلَيْك بِابْنِ عَمّك”، فَأَتَى طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ، وَقَدْ نَزَفَ الدّمُ، فَجَعَلْت أَنْضَحُ فِى وَجْهِهِ الْمَاءَ وَهُوَ مَغْشِىّ عَلَيْهِ ثُمّ أَفَاقَ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ؟ فَقُلْت: خَيْرًا، هُوَ أَرْسَلَنِى إلَيْك، قَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَهُ جَلَلٌ.

 

..... قَالُوا: وَكَانَتْ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمّ عُمَارَةَ، وَهِىَ امْرَأَةُ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو، وَشَهِدَتْ أُحُدًاهِىَ وَزَوْجُهَا وَابْنَاهَا؛ وَخَرَجَتْ مَعَهَا شَنّ لَهَا فِى أَوّلِ النّهَارِ تُرِيدُ أَنْ تَسْقِىَ الْجَرْحَى، فَقَاتَلَتْ يَوْمَئِذٍ وَأَبْلَتْ بَلاءً حَسَنًا، فَجُرِحَتْ اثْنَىْ عَشَرَ جُرْحًا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ.

فَكَانَتْ أُمّ سَعْدٍ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ رَبِيع ٍ تَقُولُ: دَخَلْت عَلَيْهَا، فَقُلْت لَهَا: يَا خَالَةِ حَدّثِينِى خَبَرَك، فَقَالَتْ: خَرَجْت أَوّلَ النّهَارِ إلَى أُحُدٍ، وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ وَمَعِى سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فَانْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَهُوَ فِى أَصْحَابِهِ وَالدّولَةُ وَالرّبْحُ لِلْمُسْلِمِينَ.

فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَجَعَلْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص بِالسّيْفِ وَأَرْمِى بِالْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ إلَىّ الْجِرَاحُ، فَرَأَيْت عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا لَهُ غَوْرٌ أَجْوَفُ فَقُلْت: يَا أُمّ عُمَارَةَ مَنْ أَصَابَك بِهَذَا؟ قَالَتْ: أَقْبَلَ ابْنُ قَمِيئَةَ وَقَدْ وَلّى النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص يَصِيحُ دُلّونِى عَلَى مُحَمّدٍ، فَلا نَجَوْت إنْ نَجَا فَاعْتَرَضَ لَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُنَاسٌ مَعَهُ، فَكُنْت فِيهِمْ فَضَرَبَنِى هَذِهِ الضّرْبَةَ، وَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَاتٍ، وَلَكِنّ عَدُوّ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ.

..... وَكَانَ ضَمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ يُحَدّثُ، عَنْ جَدّتِهِ، وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ أُحُدًا تَسْقِى الْمَاءَ، قَالَتْ: سَمِعْت النّبِىّ ص يَقُولُ: “لَمُقَامُ نُسَيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ” وَكَانَ يَرَاهَا تُقَاتِلُ يَوْمَئِذٍ أَشَدّ الْقِتَالِ، وَإِنّهَا لَحَاجِزَةٌ ثَوْبَهَا عَلَى وَسَطِهَا، حَتّى جُرِحَتْ ثَلاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا.

 

...... حَدّثَنَا عَبْدُ الْجَبّارِ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، قَالَ: قَالَتْ أُمّ عُمَارَةَ: قَدْ رَأَيْتنِى وَانْكَشَفَ النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص فَمَا بَقِىَ إلاّ نُفَيْرٌ مَا يُتِمّونَ عَشْرَةً وَأَنَا وَابْنَاىَ وَزَوْجِى بَيْنَ يَدَيْهِ نَذُبّ عَنْهُ وَالنّاسُ يَمُرّونَ بِهِ مُنْهَزِمِينَ، وَرَآنِى لا تُرْسَ مَعِى، فَرَأَى رَجُلاً مُوَلّيًا مَعَهُ تُرْسٌ، فَقَالَ: “يَا صَاحِبَ التّرْسِ أَلْقِ تُرْسَك إلَى مَنْ يُقَاتِلُ”، فَأَلْقَى تُرْسَهُ فَأَخَذْته، فَجَعَلْت أُتَرّسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص، وَإِنّمَا فَعَلَ بِنَا الأَفَاعِيلَ أَصْحَابُ الْخَيْلِ لَوْ كَانَ رَجّالَةً مِثْلَنَا أَصَبْنَاهُمْ إنْ شَاءَ اللّهُ فَيُقْبِلُ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَضَرَبَنِى، وَتَرّسْت لَهُ فَلَمْ يَصْنَعْ سَيْفُهُ شَيْئًا وَوَلّى، وَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَجَعَلَ النّبِىّ ص يَصِيحُ: “يَا ابْنَ أُمّ عُمَارَةَ أُمّك، أُمّك” قَالَتْ: فَعَاوَنَنِى عَلَيْهِ حَتّى أَوْرَدْته شَعُوب.

 

وكالعادة استمر محمد في توزيع الأوهام والآمال غير الواقعية، كتعويض وهمي لا مادي لأهالي المقتولين بسبب سوء تخطيطه لمعركة أحد وتسرعه وبسبب ديانته الوهمية التي أراد لها أن تتسيد عل باقي الديانات الوهمية الأخرى، يقول الواقدي:

 

فَخَرَجَ النّسَاءُ يَنْظُرْنَ إلَى سِلامَةِ رَسُولِ اللّهِ ص فَكَانَتْ أُمّ عَامِرٍ الأَشْهَلِيّةُ تَقُولُ: قِيلَ لَنَا: قَدْ أَقْبَلَ النّبِىّ ص وَنَحْنُ فِى النّوْحِ عَلَى قَتَلانَا، فَخَرَجْنَا فَنَظَرْت إلَيْهِ فَإِذَا عَلَيْهِ الدّرْعُ كَمَا هِىَ فَنَظَرْت إلَيْهِ، فَقُلْت: كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ، وَخَرَجَتْ أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - وَهِىَ كَبْشَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ - تَعْدُو نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ ص وَرَسُولُ اللّهِ ص وَاقِفٌ عَلَى فَرَسِهِ وَسَعْدُ ابْنُ مُعَاذٍ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُمّى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَرْحَبًا بِهَا”، فَدَنَتْ حَتّى تَأَمّلَتْ رَسُولَ اللّهِ ص، فَقَالَتْ: أَمّا إذْ رَأَيْتُك سَالِمًا، فَقَدْ أَشْوَتْ الْمُصِيبَةُ، فَعَزّاهَا رَسُولُ اللّهِ ص بِعَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ ابْنِهَا، ثُمّ قَالَ: “يَا أُمّ سَعْدٍ أَبْشِرِى، وَبَشّرِى أَهْلِيهِمْ أَنّ قَتَلاهُمْ قَدْ تَرَافَقُوا فِى الْجَنّةِ جَمِيعًا - وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً - وَقَدْ شَفَعُوا فِى أَهْلِيهِمْ”. قَالَتْ: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللّهِ، وَمَنْ يَبْكِى عَلَيْهِمْ بَعْدَ هَذَا؟ ثُمّ قَالَتْ: اُدْعُ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَنْ خُلّفُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “اللّهُمّ أَذْهِبْ حُزْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتَهُمْ، وَأَحْسِنْ الْخَلَفَ عَلَى مَنْ خُلّفُوا”. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “خَلّ أَبَا عَمْرٍو الدّابّةَ. فَخَلّى الْفَرَسَ وَتَبِعَهُ النّاسُ”، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “با أَبَا عَمْرٍو، إنّ الْجِرَاحَ فِى أَهْلِ دَارِك فَاشِيَةٌ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَجْرُوحٌ إلاّ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُرْحُهُ كَأَغْزَرِ مَا كَانَ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ فَمَنْ كَانَ مَجْرُوحًا فَلْيَقِرّ فِى دَارِهِ وَلْيُدَاوِ جُرْحَهُ وَلا يَبْلُغُ مَعِى بَيْتِى عَزْمَةً مِنّى”.

 

وفي السيرة لابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الواحد بن أبي عَوْن، عن إسماعيل بن محمد، عن سعد بن أبي وقاص، قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجُها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نُعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيراً يا أمَّ فلان، هو بحمد الله كما تُحبين، قالت: كل مصيبة بعدَك جَلَلٌ. تريد صغيرة.

 

ورغم كل الأوهام التي كان محمد يوزعها على ناس أرادوا شراء الأوهام هرباً من واقع مرهق قاسٍ، ظل هناك أناس من الوثنيين والدهريين_على جهلهم وخرافاتهم_لا ينخدعون بمثل تلك الخرافات والترهات والخدع، والخبر نذكره من الواقدي وهو عند ابن هشام أيضاً:

 

وَكَانَ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ مُنَافِقًا، وَكَانَ ابْنُهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ رَجُلَ صِدْقٍ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ النّبِىّ ص فَارْتُثّ جَرِيحًا، فَرَجَعَ بِهِ قَوْمُهُ إلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ أَبُوهُ، وَهُوَ يَرَى أَهْلَ الدّارِ يَبْكُونَ عِنْدَهُ: أَنْتُمْ وَاَللّهِ صَنَعْتُمْ هَذَا بِهِ، قَالُوا: كَيْفَ؟ قَالَ: غَرَرْتُمُوهُ مِنْ نَفْسِهِ حَتّى خَرَجَ فَقُتِلَ، ثُمّ صَارَ مِنْكُمْ فِى شَىْءٍ آخَرَ تَعِدُونَهُ جَنّةً يَدْخُلُ فِيهَا، جَنّةً مِنْ حَرْمَلٍ، قَالُوا: قَاتَلَك اللّهُ، قَالَ: هُوَ ذَاكَ وَلَمْ يُقِرّ بِالإِسْلامِ.

 

قَالُوا: وَكَانَ قُزْمَانُ عَدِيدًا فِى بَنِى ظَفَرٍ لا يُدْرَى مِمّنْ هُوَ، وَكَانَ لَهُمْ حَائِطًا مُحِبّا، وَكَانَ مُقِلاّ لا وَلَدَ لَهُ وَلا زَوْجَةَ، وَكَانَ شُجَاعًا يُعْرَفُ بِذَلِكَ فِى حُرُوبِهِمْ تِلْكَ الّتِى كَانَتْ تَكُونُ بَيْنَهُمْ، فَشَهِدَ أُحُدًا فَقَاتَلَ قِتَالاً شَدِيدًا فَقَتَلَ سِتّةً أَوْ سَبْعَةً وَأَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ، فَقِيلَ لِلنّبِىّ ص: قُزْمَانُ قَدْ أَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ فَهُوَ شَهِيدٌ، قَالَ: “مِنْ أَهْلِ النّارِ”.

فَأُتِىَ إلَى قُزْمَانُ فَقِيلَ لَهُ: هَنِيئًا لَك يَا أَبَا الْغَيْدَاقِ الشّهَادَةَ، قَالَ: بِمَ تُبَشّرُونِ؟ وَاَللّهِ مَا قَاتَلْنَا إلاّ عَلَى الأَحْسَابِ، قَالُوا: بَشّرْنَاك بِالْجَنّةِ، قَالَ: جَنّةٌ مِنْ حَرْمَلٍ، وَاَللّهِ مَا قَاتَلْنَا عَلَى جَنّةٍ وَلا عَلَى نَارٍ، إنّمَا قَاتَلْنَا عَلَى أَحْسَابِنَا،.....إلخ

 

ويقول الواقدي كذلك:

 

..... قَالُوا: وَمَرّ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ، وَهُوَ قَاعِدٌ فِى حَشْوَتِهِ بِهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا، كُلّهَا قَدْ خَلَصَتْ إلَى مَقْتَلٍ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؟ قَالَ خَارِجَةُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ فَإِنّ اللّهَ حَىّ لا يَمُوتُ فَقَدْ بَلّغَ مُحَمّدٌ، فَقَاتِلْ عَنْ دِينِك.

وَمَرّ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ وَبِهِ اثْنَا عَشَرَ جُرْحًا، كُلّهَا قَدْ خَلَصَ إلَى مَقْتَلٍ فَقَالَ: عَلِمْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ: أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ بَلّغَ رِسَالَةَ رَبّهِ فَقَاتِلْ عَنْ دِينِك، فَإِنّ اللّهَ حَىّ لا يَمُوتُ، وَقَالَ: مُنَافِقٌ إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إلَى قَوْمِكُمْ فَإِنّهُمْ دَاخِلُو الْبُيُوتِ.

 

وفي أسد الغابة:

 

مالك بن الدخشم بن مالك بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف وقيل مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن مرضخة بن غنم شهد العقبة في قول ابن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي وقال أبو معشر لم يشهد مالك العقبة وقد روي عن الواقدي أيضا أنه لم يشهدها وشهد بدرا في قول الجميع وهو الذي أسر يوم بدر سهيل بن عمرو وكان يتهم بالنفاق وهو الذي قال فيه عتبان بن مالك لرسول الله إنه منافق فقال رسول الله أليس يشهد أن لا إله إلا الله فقال بلى ولا شهادة له فقال رسول الله أليس يصلي قال بلى ولا صلاة له فقال رسول الله أولئك الذين نهاني الله عنهم ولا يصح عنه النفاق وقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه وهو الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرق مسجد الضرار هو ومعن بن عدي أخرجه الثلاثة

 

وفي صحيح مسلم:

 

[ 33 ] حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان يعني بن المغيرة قال حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت حديث بلغني عنك قال أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأتخذه مصلى قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه فدخل وهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم قالوا ودوا أنه دعا عليه فهلك وودوا أنه أصابه شر فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة وقال أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قالوا إنه يقول ذلك وما هو في قلبه قال لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه قال أنس فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني اكتبه فكتبه

 

وعند أحمد بن حنبل:

 

16482 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَأُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَكَانٍ فِي بَيْتِي أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَنَفْعَلُ "، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَتْبَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيْنَ تُرِيدُ ؟ "، فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصُفِفْنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ، فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ ـ يَعْنِي أَهْلَ الْقَرْيَةِ ـ فَجَعَلُوا يَثُوبُونَ، فَامْتَلَأَ الْبَيْتُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: ذَاكَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُولُهُ، يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ "، قَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَنَرَى وَجْهَهُ وَحَدِيثَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُولُهُ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَئِنْ وَافَى عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ، إِلَّا حُرِّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ "....إلخ

 

16481 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، أَوِ الرَّبِيعِ بْنِ مَحْمُودٍ ـ شَكَّ يَزِيدُ ـ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ هَذَا الْوَادِي وَالظُّلْمَةُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَأْتِيَ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَ مُصَلَّاهُ مُصَلًّى، فَوَعَدَنِي أَنْ يَفْعَلَ، فَجَاءَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَتَسَامَعَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ فَأَتَوْهُ، وَتَخَلَّفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ، وَكَانَ يُزَنُّ بِالنِّفَاقِ، فَاحْتَبَسُوا عَلَى طَعَامٍ، فَتَذَاكَرُوه بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: مَا تَخَلَّفَ عَنَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَنَا إِلَّا لِنِفَاقِهِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " وَيْحَهُ، أَمَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ بِهَا مُخْلِصًا، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ النَّارَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بِهَا "

 

أما أحوال مسلمي يثرب قبل قيامهم بالنهب والسلب واحتلال البلدان، فكان كالتالي حسب الواقدي:

 

وَكَانَ مِمّنْ يُعْرَفُ أَنّهُ دُفِنَ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرُو ابْنُ الْجَمُوحِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ، وَالنّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ. فَلَمّا وَارَوْا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِبُرْدَةٍ تُمَدّ عَلَيْهِ وَهُوَ فِى الْقَبْرِ فَجَعَلَتْ الْبُرْدَةُ إذَا خَمّرُوا رَأْسَهُ بَدَتْ قَدَمَاهُ وَإِذَا خَمّرُوا رِجْلَيْهِ تَنْكَشِفُ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “غَطّوا وَجْهَهُ”، وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْحَرْمَلَ، فَبَكَى الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ عَمّ رَسُولِ اللّهِ لا نَجِدُ لَهُ ثَوْبًا، فَقَالَ النّبِىّ ص: “تَفْتَتِحُ - يَعْنِى الأَرْيَافَ وَالأَمْصَارَ. فَيَخْرُجُ إلَيْهَا النّاسُ، ثُمّ يُبْعَثُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ إنّكُمْ بِأَرْضِ حِجَازٍ جَرْدِيّةٍ - الْجَرْدِيّةُ الّتِى لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الأَشْجَارِ - وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لا يَصْبِرُ وَاحِدٌ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدّتِهَا، إلاّ كُنْت لَهُ شَفِيعًا - أَوْ شَهِيدًا - يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.

قَالُوا: وَأَتَى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ، فَقَالَ: حَمْزَةُ - أَوْ رَجُلٌ آخَرُ - لَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ إلاّ بُرْدَةٌ، وَكَانَا خَيْرًا مِنّى.

 

لا نطمئن كثيرًا بالطبع إلى النبوءة المزعومة لمحمد في النص.

 

وبوسعنا التأكد من دخول الكثير من سكان يثرب في الإسلام نفاقاً وظاهرياً حماية لحيواتهم مما يقوله الواقدي هنا:

وَأَظْهَرَتْ الْيَهُودُ الْقَوْلَ السّيّئَ، فَقَالُوا: مَا مُحَمّدٌ إلاّ طَالِبُ مُلْكٍ مَا أُصِيبَ هَكَذَا نَبِىّ قَطّ؛ أُصِيبَ فِى بَدَنِهِ، وَأُصِيبَ فِى أَصْحَابِهِ، وَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يُخَذّلُونَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ، وَيَأْمُرُونَهُمْ بِالتّفَرّقِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص، وَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ص: لَوْ كَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ عِنْدَنَا مَا قُتِلَ، حَتّى سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فِى أَمَاكِنَ، فَمَشَى إلَى رَسُولِ اللّهِ ص لِيَسْتَأْذِنَهُ فِى قَتْلِ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “يَا عُمَرُ، إنّ اللّهَ مُظْهِرٌ دِينَهُ وَمُعِزّ نَبِيّهُ، وَلِلْيَهُودِ ذِمّةٌ فَلا أَقْتُلُهُمْ”. قَالَ: فَهَؤُلاءِ الْمُنَافِقُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ شَهَادَةَ أَنّ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّى رَسُولُ اللّهِ”؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ، وَإِنّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ تَعَوّذًا مِنْ السّيْفِ، فَقَدْ بَانَ لَهُمْ أَمْرُهُمْ، وَأَبْدَى اللّهُ أَضْغَانَهُمْ عِنْدَ هَذِهِ النّكْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “نُهِيت عَنْ قَتْلِ مَنْ قَالَ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ، يَا ابْنَ الْخَطّابِ، إنّ قُرَيْشًا لَنْ يَنَالُوا مِنّا مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ حَتّى نَسْتَلِمَ الرّكْنَ”.

 

وفي الختام نقرأ نموذجاً من رسائل محمد المطمئنة بصدد خطته لقومه قبيلة قريش، رغم محاربته معها، فهدفه النهائي توحيد العرب تحت قيادتها:

 

يقول الواقدي:

 

وَجَعَلَ أَبُو قَتَادَةَ يُرِيدُ أَنْ يَنَالَ مِنْ قُرَيْشٍ، لِمَا رَأَى مِنْ غَمّ رَسُولِ اللّهِ ص فِى قَتْلِ حَمْزَةَ وَمَا مُثّلَ بِهِ كُلّ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَيْهِ النّبِىّ ص أَنْ اجْلِسْ ثَلاثًا - وَكَانَ قَائِمًا - فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَحْتَسِبُك عِنْدَ اللّهِ”، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “يَا أَبَا قَتَادَةَ، إنّ قُرَيْشًا أَهْلُ أَمَانَةٍ مَنْ بَغَاهُمْ الْعَوَاثِرَ كَبّهُ اللّهُ لِفِيهِ وَعَسَى إنْ طَالَتْ بِك مُدّةٌ أَنْ تَحْقِرَ عَمَلَك مَعَ أَعْمَالِهِمْ، وَفَعَالَك مَعَ فَعَالِهِمْ، لَوْلا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لأَخْبَرْتهَا بِمَا لَهَا عِنْدَ اللّهِ”. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا غَضِبْت إلاّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ حِينَ نَالُوا مِنْهُ مَا نَالُوا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “صَدَقْت، بِئْسَ الْقَوْمُ كَانُوا لِنَبِيّهِمْ”.

 

وفي مسند أحمد:

 

16928 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، وَاللهِ لَوْلَا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لَأَخْبَرْتُهَا مَا لِخِيَارِهَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "

 

إسناده صحيح، وأخرجه الحافظ في "تغليق التعليق" 4/481 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. وأخرجه ابنُ أبي شيبة 12/169، ومن طريقه ابن أبي عاصم في "السنة" (1129) و (1527) عن أبي نعيم، بهذا الإسناد. ولفظ ابن أبي عاصم: "الناس تبع لقريش في هذا الأمر لخيارهم، وشرارهم تبع لشرارهم".

وفي باب قوله: "الناس تبع لقريش...": عن أبي هريرة، برقم (7306) من مسند أحمد، وذكرنا هناك بقية أحاديث الباب. ونزيد عليها: عن أبي بريدة عند ابن أبي عاصم في "السنة" (1511) . وعن سهل بن سعد عند الطبراني في "الكبير" (5841)، وفي "الأوسط" (5592) . وفي باب قوله: "لولا أن تبطر قريش": عن جبير بن مطعم وابن عباس وقتادة عند ابن أبي عاصم بالأرقام (1528) و (1529) و (1530)

 

وروى البخاري:

 

3495 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ

 

وروى مسلم:

 

باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش

 

 [ 1818 ] حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب وقتيبة بن سعيد قالا حدثنا المغيرة يعنيان الحزامي ح وحدثنا زهير بن حرب وعمرو الناقد قالا حدثنا سفيان بن عيينة كلاهما عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث زهير يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم وقال عمرو رواية الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم

 

 [ 1818 ] وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم

 

 [ 1819 ] وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا روح حدثنا بن جريج حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش في الخير والشر

 

 [ 1820 ] وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه قال قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان

 

ورواه أحمد بن حنبل 7306 و أخرجه الحميدي (1044)، وأبو يعلى (6264)، وأبو عوانة 4/392 من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد. وأخرجه الطيالسي (2380) عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، والبخاري (3495) و (3496)، وأبو عوانة 4/392، والبيهقي 8/141، والبغوي (3384)

حركة الاغتيالات للشعراء والمعارضين والمحرِّضين

 

بوادر العنف الإسلامي بعد هزيمة أحد:

 

اقتحام أبي بكر بيت المدراش (بيت ها مدراش) اليهودي الخاص بدراسة التوراة وتفاسيرها (المدراشيم) وتهجمه على عالم داخله

 

يقول الواقدي مفسراً لآيات نزلت بعد معركة أحد:

 

{لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. {مَنْ ذَا الّذِى يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا} قَالَ فِنْحَاصُ الْيَهُودِىّ: اللّهُ فَقِيرٌ، وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ لِيَسْتَقْرِضَ مِنّا؟ {وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ مِنْ كُفْرِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الأَنْبِيَاءَ}

 

........وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} يَعْنِى الْيَهُودَ؛ {وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا} يَعْنِى مِنْ الْعَرَبِ، {أَذًى كَثِيرًا} إلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى النّبِىّ ص قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ.

 

واضح أن اليهودي لم يعجبه التعبير القرآني واستنكره، على سبيل التمحك، والمجادلة مع المنطق والأسلوب القرآني المحمدي، ولكن هذا ليس مبرراً لتقويل الرجل ما لم يقله، فهو يستنكر الأسلوب المحمدي وليس أنه يصف الله بالفقر! فهذا غير منطقي وفقاً للمعتقدات الخرافية لكلا الفريقين، ولقد ورد نفس التعبير المحمديّ بالكتاب اليهودي المقدس في سفر الأمثال 19: 17 (17 من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه) مع أنها كلها خرافات لامنطقية في آخر المطاف! وإلا فالله ليس بغني ولا فقير، لأنه ليس له وجود من الأساس.

 

أما ابن هشام فيروي قصة مزعومة لا يمكننا كعلماء أديان أن نصدقها بتمامها، بل نتشكك في معظم ما نسبته على لسان الرجل اليهودي:

 

ودخل أبو بكر الصديق بيت المدراس على يهود، فوجد منهم ناساً كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم، يقال له فِنْحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه في حَبْر من أحبارهم، يقال له: أشْيع، فقال أبو بكر لفنحاص: ويحك! يا فنحاص! اتق الله وأسْلمْ؟ فوالله إنك لتعلم أن محمداً لرسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص لأبى بكر: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، وما هو عنا بغني، ولو كان عنا غنياً ما استقرضنا أموالَنا، كما يزعم صاحبُكم، ينهاكم عن الربا ويُعْطيناه ولو كان عنا غنياً ما أعطانا الربا قال: فغضِب أبو بكر، فضرب وجْهَ فنحاص ضرباً شديداً، وقال: والذي نفسي بيده، لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت رأسك، أيْ عدوَّ الله. قال: فذهب فِنْحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، انظر ما صنع بى صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما حملك على ما صنعتَ؟ فقال أبو بكر يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيماً: إنه زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلك غضبتُ للّه مما قال، وضربت وجهه. فجحد ذلك فِنحاص، وقال: ما قلت ذلك.

فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص رداً عليه وتصديقاً لأبى بكر:

{لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}. [آل عمران: 181] ونزل في أبي بكر الصديق رضى الله عنه، وما بلغه في ذلك من الغضب {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. [آل عمران: 186].

 

حقيقةً، فهذه مشكلة المسلمين العرب، وهي بعدهم عن أدب النقاش والحوار والمناظرة وتبادل الأفكار، تمتد أيديهم بالبطش أو السيف دوماً، والمفترض أنه مهما استفزك الطرف الآخر بمشاعرك الدينية الهمجية المتعصبة أن ترد عليه بقوة المنطق والحجة، وليس أن تمد يدك فتضربه تتهجم عليه، كأسلوب هؤلاء البدو، ثم نرى من القصة همجية وفوضى المسلمين المألوفة منذ نشأتهم والتي جعلت يهود يثرب العرب يتحالفون مع وثنيي العرب ضدهم، فهنا مثلاً أبو بكر يقتحم معبداً ويثير إزعاج المتعبدين بدينهم فيه ثم يضرب واحداً من أحباره داخله. في أي دولة متقدمة تكون عقوبة همجي كهذا شديدة بالسجن لفترة لا بأس بها حتى يرتد له عقله ومدنيته، وتسمى جريمة من جرائم العنصرية والكراهية والتهجم!

 

أما الكلام المنسوب لليهودي، فإن الناس في المقام الأول أحرار فيما يعتقدون كيفما يشاؤون، وليس لأحد أن يتحكم في معتقداتهم أو يحاسبهم عليها، وإن قراءتنا ودراستنا للعهد القديم والتلمود تدفعنا لرفض هذه الأقوال المعزوَّة لليهود.

 

أما عن آية التسامح فلكي لا تذهب بنا الظنون ونحسن الظن بقرآن محمد والإسلام، فالمفسرون يؤكدون أنها منسوخة وملغية بحكم آيات العنف كسورة التوبة.

 

أما الكارثة الكبيرة فهي ما يكشفه تفسير السدي، ومنه ينقل تفسير الطبري، حيث نرى رواية تثبت أن أبا بكر حاول أخذ أموال من يهود بني مرثد لتمويل محمد وحروبه!

 

8302 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " لقد سمع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء "، قالها فنحاص اليهوديّ من بني مَرثد، لقيه أبو بكر فكلمه فقال له: يا فنحاص، اتق الله وآمن وصدِّق، وأقرض الله قرضًا حسنًا! فقال فنحاص: يا أبا بكر، تزعم أن ربنا فقير يستقرِضنا أموالنا! وما يستقرض إلا الفقير من الغني! إن كان ما تقول حقًّا، فإن الله إذًا لفقير! فأنزل الله عز وجل هذا، فقال أبو بكر: فلولا هُدنة كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني مَرثد لقتلته.

 

ويقول الطبري:

 

وقيل: إن ذلك كله نزل في فنخاص اليهودي، سيد بني قَيْنُقَاع، كالذي: - حدثنا به القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: قال عكرمة في قوله: " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا "، قال: نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أبي بكر رضوان الله عليه، وفي فنحاص اليهودي سيد بني قينُقاع قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رحمه الله إلى فنحاص يستمدُّه، وكتب إليه بكتاب، وقال لأبي بكر: "لا تَفتاتنَّ عليّ بشيء حتى ترجع ". فجاء أبو بكر وهو متوشِّح بالسيف، فأعطاه الكتاب، فلما قرأه قال: " قد احتاج ربكم أن نمده " ! فهمّ أبو بكر أن يضربه بالسيف، ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تفئتنّ علي بشيء حتى ترجع "، فكف، ونزلت: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ }. وما بين الآيتين إلى قوله: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم}، نزلت هذه الآيات في بني قينقاع إلى قوله: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك} قال ابن جريج: يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم

المفتئت: كل من أحدث دونك شيئا، ومضى عليه ولم يستشرك، واستبد به دونك، فقد فاتك بالشيء وافتات عليك به أو فيه. هو " افتعال " من " الفوت "، وهو السبق إلى الشيء دون ائتمار أو مشورة.

 

أما بنو مرثد المذكورون فهم حسب معجم قبائل العرب لعمر رضا كحالة: بطن من بني الحارث بن كعب، من القحطانية، وهم: بنو مرثد، ومريثد ابني سلمة بن المعقل بن كعب بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب.

(نهاية الأرب للقلقشندي)

 

وبنو الحارث هؤلاء هم بطن من قبيلة مذحج التي كان محمد قد سالمها وعاهدها: بنو الحارث - بطن من مذحج من القحطانية، وهم بنو الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد، ومالك هو مذحج

 

وروى مسلم في صحيحه:

 

[ 315 ] حدثني الحسن بن علي الحلواني حدثنا أبو توبة وهو الربيع بن نافع حدثنا معاوية يعني بن سلام عن زيد يعني أخاه أنه سمع أبا سلام قال حدثني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه قال كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال لم تدفعني فقلت ألا تقول يا رسول الله فقال اليهودي إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اسمى محمد الذي سماني به أهلي فقال اليهودي جئت أسألك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أينفعك شيء إن حدثتك قال أسمع بأذني فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه فقال سل فقال اليهودي أين يكون الناس {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات}...إلخ

 

 

وبعد هزيمة أحد، وقول بعض الوثنيين واليهود شعراً ناقداً لمحمد وحركته الدينية، شرع يأمر أتباعه بقتل أناس أبرياء لمجرد قولهم الشعر وتعبيرهم عن رأيهم بالكلام، ففي أي شريعة غير الإسلام واليهودية يكون جزاء الكلام والتعبير عن الاعتقاد والفكر والقتل، وقد أمر محمد بقتل امرأة عزلاء غير مسلحة أرملة لا رجل لها ولها أولاد صغار لمجرد قولها الشعر، فيا له من تجرد من أخلاق النبل والمروءة والإنسانية، وكذلك قتلوا رجلاً عجوزاً لمجرد قوله الشعر.

 

يقول ابن هشام:

 

سرية سالم بن عمير لقتل أبي عَفَك

 

 قال ابن إسحاق: وغزوة سالم بن عُمير لقتل أبي عَفَك، أحد بني عمرو بن عوف ثم من بني عُبيدة، وكان قد نجم (1) نِفاقُه، حين قَتل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: الحارث ابن سُوَيْد بن صامت فقال:

 

لقد عشتُ دهراً وما إِنْ أرى ... من الناسِ داراً ولا مجمعَا

أبرَّ عهوداً وأوْفَى لمن ... يُعاقد فيهمْ إذا ما دَعَا

من اولادِ قَيْلَة في جمعِهم ... يَهُدُّ الجبالَ ولم يَخْضَعا (2)

فصدَّعهم راكبٌ جاءهم ... حَلالٌ حَرامٌ لشَتَّى مَعَا (3)

فلو أن بالعزِّ صدَّقتمُ ... أوِ الملكِ تابعتم تُبَّعَا

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لي بهذا الخبيث، فخرج سالم بن عُمير، أخو بني عَمرو بن عوف، وهو أحد البكائين فقتله؟ فقالت أمامة المُزَيْرية في ذلك:

 

تُكذِّبُ دينَ الله والمرءَ أحمدَا لعَمرُو ... الذي أمْناك أن بئسْ ما يُمْنِى (4)

حباكَ حنيف اخِرَ الليلِ طعنةً ... أبا عَفَكٍ خُذْها على كِبرِ السنِّ

 

 

 

 

 

 

 

__________

(1) نجم: وضح.

(2) قيلة: أم الأوس والخزرج.

(3) صدعهم: فرقهم.

(4) أمناك: أنساك.

 

غزوة عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان

 

 

وغزوة عُمير بن عدي الخَطْمي عصماء بنت مروان، وهى من بني أمية بن زيد، فلما قُتل أبو عَفك نافقت، فذكر عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه، قال: وكانت تحت رجل من بني خَطْمة، يقال له يزيد بن زيد، فقالت تعيب الإسلام وأهله:

 

باست بني مالك والنبيت ... وعوف وباسْتِ بني الخزرجِ

أ طعتم أتاويَّ من غيرِكم ... فلا من مراد ولا مَذْحِجِ (1)

ترجُّونه بعدَ قتلِ الرءوسِ ... كما يُرتَجَى مرق المُنْضَج (2)

ألا أنِفٌ يبتغي غِرَّةً ... فيقطع من أملِ المرتجِي (3)

 

قال: فأجابها حسان بن ثابت، فقال:

__________

(1) الأتاوي: الغريب. مذحج: اسم أكمة باليمن ولدت غدها امرأة من حمير واسمها مُدِلَة ثم كانت زوجة أدَد فسميت المرأة باسمها ثم صار اسما للقبيلة، ومنهم قبيلة الأنصار، وعلى هذا فلا ينصرف للتأنيث والعلمية

(2) المنضج: الذي طاب اكله والاسم النُّضج بضم النون وفتحها لغة والفاعل ناضج ونضيج وأنضجته بالطبخ فهو منضج ونضيج أيضا.

(3) الأنف: المترفع. الغرة: الغفلة.

بنو وائلٍ وبنو واقفٍ ... وخَطْمَةُ دونَ بني الخزرَجِ

متى ما دَعتْ سَفَهاً ويحَها ... بعوْلَتِها والمنايا تَجِى

فهَزَّتْ فتى ماجداً عِرْقُه ... كريمُ المداخلِ والمخْرجِ

فضرَّجها من نجيعِ الدماءِ ... بعدَ الهُدُوِّ فلم يَحْرَجِ (1)

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك: ألا آخذ لى من ابنة مروان؟ فسمع ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمَير بن عدي الخطْمى، وهو عنده؟ فلما أمسى من تلك الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها، ثم أصبح معِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني قد قتلتها. فقال: نَصرت الله ورسولَه يا عُمير، فقال: هل عليَّ شىء من شأنها يا رسول الله؟ فقال: لا يَنْتطح فيها عنزان.

 

فرجع عُمير إلى قومه، وبنو خَطْمة يومئذ كثير مَوْجهم(2) في شأن بنت مروان، ولها يومئذ بنون خمسة رجال، فلما جاءهم عُمير بن عدي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا بني خَطْمة، أنا قتلت ابنة مروان، فكيدونى جميعا ثم لا تُنْظِرونِ. فذلك اليوم أول ما عز الإسلامُ في دار بني خَطْمة، وكان يستخفى بإسلامهم فيهم من أسلم، وكان أول من أسلم من بني خَطْمة عُمَير بن عدي، وهو الذي يُدْعَى القارئ، وعبداللّه بن أوْس، وخُزيمة بن ثابت، وأسلم يوم قُتلت ابنة مروان، رجال من بني خطمة، لما رأوا من عز الإسلام.

__________

 

(1) ضرّجها: لطّخها، النجيع من الدم: ما كان إلى سواد وهو دم الجوف، الهدو: منتصف الليل، أو بعد ساعة منه. يحرج: يأثم.

(2) موجهم: اختلاطهم واختلافهم.

رجل يدخل بيت امرأة وحيدة ليقتلها، فيسميها المسلمون الأوائل "غزوة"، نفس الأخلاق الخسيسة التي تجعل إرهابياً خسيساً قاتلاً للأبرياء المدنيين بدلاً من العسكر المسلحين كـ بن لادن يسمي كل حقارة من أتباعه غزوة، كالحادي عشر من سبتمبر أو أي عملية يقتلون فيها أطفالاً أو نساءً. وكما يقول القمني في نقده بحروب دولة الرسول كانت النتيجة أن هرع الكثيرون ومنهم بنو خطمة لاتباع الإسلام.

 

إلا أن الواقدي في روايته يعكس ترتيب عمليتي الاغتيال، ويجعلهما بعد بدر، وعندي أن ابن إسحاق هو الصحيح، لأنه يربط شعر أبي عفك بما فعله الحارث بن سويد في غزوة أحد من غدره لينال ثأراً كان قبل قدوم محمد والإسلام، وفي حين أن محمداً هو من حرّض وأمر بقتل عصماء عند ابن هشام، فعند الواقدي أن القاتل فعلها من تصرفه الشخصي وبارك محمد فعله الإجراميّ.

 

يقول الواقدي:

 

ذكر سَرِيّةِ قَتْلِ عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ

 

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ مِنْ بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ كَانَتْ تَحْتَ يَزِيدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حِصْنٍ الْخَطْمِىّ وَكَانَتْ تُؤْذِى النّبِىّ ص وَتَعِيبُ الإِسْلامَ وَتُحَرّضُ عَلَى النّبِىّ ص وَقَالَتْ شِعْرًا:

 

فباسْتِ بني مالكٍ والنَّبيت     وعوفٍ وباستِ بني الخزرَج

أطعتُم أتاوِيَّ مِن غيرِكم       فلا من مُرادٍ ولا مَذْحِج

تُرَجّونَه بعدَ قتل الرُءوسِ      كما يُرتَجَى مَرَقُ المُنضَج

 

قَالَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِىّ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ أُمَيّةَ الْخَطْمِىّ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُهَا وَتَحْرِيضُهَا: اللّهُمّ إنّ لَك عَلَىّ نَذْرًا لَئِنْ رَدَدْت رَسُولَ اللّهِ ص إلَى الْمَدِينَةِ لأَقْتُلَنّهَا - وَرَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَئِذٍ بِبَدْرٍ - فَلَمّا رَجَعَ

رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ بَدْرٍ جَاءَهَا عُمَيْرُ بْنُ عَدِىّ فِى جَوْفِ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَيْهَا فِى بَيْتِهَا، وَحَوْلَهَا نَفَرٌ مِنْ وَلَدِهَا نِيَامٌ مِنْهُمْ مَنْ تُرْضِعُهُ فِى صَدْرِهَا؛ فَجَسّهَا بِيَدِهِ فَوَجَدَ الصّبِىّ تُرْضِعُهُ فَنَحّاهُ عَنْهَا، ثُمّ وَضَعَ سَيْفَهُ عَلَى صَدْرِهَا حَتّى أَنْفَذَهُ مِنْ ظَهْرِهَا، ثُمّ خَرَجَ حَتّى صَلّى الصّبْحَ مَعَ النّبِىّ ص بِالْمَدِينَةِ. فَلَمّا انْصَرَفَ النّبِىّ ص نَظَرَ إلَى عُمَيْرٍ، فَقَالَ: “أَقَتَلْت بِنْتَ مَرْوَانَ”؟ قَالَ: نَعَمْ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ.

 

وَخَشِىَ عُمَيْرٌ أَنْ يَكُونَ افْتَاتَ عَلَى النّبِىّ ص بِقَتْلِهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلَىّ فِى ذَلِكَ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “لا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ”، فَإِنّ أَوّلَ مَا سَمِعْت هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنْ النّبِىّ ص. قَالَ عُمَيْرٌ: فَالْتَفَتَ النّبِىّ ص إلَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: “إذَا أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إلَى رَجُلٍ نَصَرَ اللّهَ وَرَسُولَهُ بِالْغَيْبِ، فَانْظُرُوا إلَى عُمَيْرِ بْنِ عَدِىّ”. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الأَعْمَى الّذِى تَشَدّدَ فِى طَاعَةِ اللّهِ، فَقَالَ: “لا تَقُلْ الأَعْمَى، وَلَكِنّهُ الْبَصِيرُ”، فَلَمّا رَجَعَ عُمَيْرٌ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ ص وَجَدَ بَنِيهَا فِى جَمَاعَةٍ يَدْفِنُونَهَا، فَأَقْبَلُوا إلَيْهِ حِينَ رَأَوْهُ مُقْبِلاً مِنْ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: يَا عُمَيْرُ أَنْتَ قَتَلْتهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَكِيدُونِى جَمِيعًا، ثُمّ لا تُنْظِرُونِ فَوَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ قُلْتُمْ بِأَجْمَعِكُمْ مَا قَالَتْ لَضَرَبْتُكُمْ بِسَيْفِى هَذَا حَتّى أَمُوتَ أَوْ أَقْتُلَكُمْ. فَيَوْمَئِذٍ ظَهَرَ الإِسْلامُ فِى بَنِى خَطْمَةَ، وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَالٌ يَسْتَخْفُونَ بِالإِسْلامِ خَوْفًا مِنْ قَوْمِهِمْ. فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَمْدَحُ عُمَيْرَ بْنَ عَدِىّ أَنْشَدَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ:

بني وائلٍ وبني واقف    وخَطْمَةَ دون بني الخزرَج

متى ما دَعَتْ أختُكم ويحَها   بِعَوْلَتِها والمنايا تَجي

فهزَّتْ فتىً ماجداً عرْقُهُ       كريمَ المداخِل والمَخرَج

فضرَّجها من نجيعِ الدماءِ  قُبَيْل الصباحِ ولم يَحْرَجِ

فأوردَكَ اللهُ بَرْدَ الجنا      نِ جذلانَ في نِعمةِ المَوْلِج

 

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ قَتْلُ عَصْمَاءَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ مَرْجِعَ النّبِىّ ص مِنْ بَدْرٍ، عَلَى رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا.  

 

 

سَرِيّةُ قَتْلِ أَبِى عَفَكٍ

 

حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، وَحَدّثَنَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالا: إنّ شَيْخًا مِنْ بَنِى عَمْرِو ابْنِ عَوْفٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَفَكٍ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَدْ بَلَغَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ حِينَ قَدِمَ النّبِىّ ص الْمَدِينَةَ، كَانَ يُحَرّضُ عَلَى عَدَاوَةِ النّبِىّ ص وَلَمْ يَدْخُلْ فِى الإِسْلامِ. فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى بَدْرٍ رَجَعَ وَقَدْ ظَفّرَهُ اللّهُ بِمَا ظَفّرَهُ فَحَسَدَهُ وَبَغَى فَقَالَ

قد عشتُ حيناً وما إِنْ أرى ... من الناسِ داراً ولا مَجْمَعَا

أجَّمَ عُقولاً وآتى إلى ... مُنيبٍ سراعاً إذا ما دَعا

فسلبَهم أمرَهم راكبٌ ... حَراماً حلالاً لشَتَّى مَعَا

فلو كان بالمُلْكِ صدَّقتمُ ... وبالنَصْرِ تابعتم تُبَّعَا

 

فَقَالَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْبَكّائِينَ مِنْ بَنِى النّجّارِ: عَلَىّ نَذْرٌ أَنْ أَقْتُلَ أَبَا عَفَكٍ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ، فَأَمْهَلَ فَطَلَبَ لَهُ غِرّةً، حَتّى كَانَتْ لَيْلَةٌ صَائِفَةٌ فَنَامَ أَبُو عَفَكٍ بِالْفِنَاءِ فِى الصّيْفِ فِى بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَقْبَلَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَوَضَعَ السّيْفَ عَلَى كَبِدِهِ حَتّى خَشّ فِى الْفِرَاشِ وَصَاحَ عَدُوّ اللّهِ فَثَابَ إلَيْهِ أُنَاسٌ مِمّنْ هُمْ عَلَى قَوْلِهِ فَأَدْخَلُوهُ مَنْزِلَهُ وَقَبَرُوهُ.

وَقَالُوا: مَنْ قَتَلَهُ؟ وَاَللّهِ لَوْ نَعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ لَقَتَلْنَاهُ بِهِ، فَقَالَتْ النّهْدِيّةُ فِى ذَلِكَ وَكَانَتْ مُسْلِمَةً هَذِهِ الأَبْيَاتَ:

 

تُكَذّبُ دِينَ اللّهِ وَالْمَرْءَ أَحمَدَا   لَعمرُ الذي أَمْناك إذ بئس ما يُمنى

حباكَ حنيفٌ آخرَ الليلِ طعنةً   أبا عفكٍ خُذْها على كِبَر السِّنِّ

فإني وإنْ أعلم بقاتلك الذي   أباتك حلْسَ الليل من إنسٍ أو جنّي

 

فَحَدّثَنِى مَعْنُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ رُقَيْشٍ، قَالَ: قُتِلَ أَبُو عَفَكٍ فِى شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا.

 

لو أخذنا بقول ابن إسحاق فعلينا أن نأخذ بقول المفكر العلماني سيد القمني أن هذا كان من محمد للحفاظ على هيبة دولته الوليدة بعد هزيمتها بأحد، ولو اتبعنا قول الواقدي وتلميذه ابن سعد أن هذا بعد بدر فيكون محمد فعله منتشياً بنصره متقوياً بازدياد الأتباع والمغانم وفداء الأسرى، وسمة الشعب الجاهل حب القويّ المنتصر، لا قيمه الأخلاقية الرفيعة والإنسانية! لكني أرجح قول القمني واتباعه لابن هشام.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اغتيال أبي رافع سلام بن أبي الحقيق

 زعيم خيبر

 

استطاع القمني كذلك بأدلة كثيرة إثبات أن قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق، أيضاً كان بعد أحد غالباً لقوله شعراً ضد الإسلام، وهو نفس ما يسجله الواقدي وتؤكده رواية للبخاري سنوردها، لا كما تزعم أغلب كتب المسلمين أنه بعد الخندق لأنه شارك في جمع غطفان وقريش واليهود، انظر حروب دولة الرسول ص175، أما أدلته فمنها عثوره على نص مهم في المحبَّر لمحمد بن حبيب يرد هذا الاغتيال إلى السنة الثالثة بعد معركة أحد:

 

وفي سنة ثلاث بعث محمد بن مَسلمة وسلكان بن سلامة إلى كعب بن الأشرف اليهودي فقتلاه.

وفيها بعث صلى الله عليه أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي إلى قطن فاستشهد فيها عروة بن مسعود الفزاري.

وبعث فى النصف من رجب عبد الله بن انيس إلى سلام بن أبي الحُقيق اليهودي فقتله.

 

وقد لاحظت أن الواقدي كذلك يضع ذلك الاغتيال ليس بعد معركتي الخندق وقريظة، بل بعد غزوة بدر الموعد (وهي غير بدر)، وهذا مطابق لتقدير القمني وتأريخ ابن حبيب وهو بعد أحد، فيقول:

 

ثُمّ سَرِيّةُ ابْنِ عَتِيكٍ إلَى ابْنِ أَبِى الْحَقِيقِ فِى ذِى الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا.

 

أيضاً من أدلته جمع حسان بن ثابت لعمليتي اغتيال كعب بن الأشرف وأبي رافع في شعره:

 

قال ابن إسحاق: وقال حسانُ بنَ ثابت يذكر قَتْل كعبِ بنِ الأشرف وقَتْل سلام بن أبي الحُقَيْق:

للّهِ دَرُّ عِصابةً لاقيتَهم يابنَ الحقيق وأنت يابنَ الأشرفِ

يَسْرُون بالبيضِ الخِفافِ إليكمُ مرحاً كأسْدٍ في عرين مُغْرِفِ (1)

حتى أتوكم فى محلِّ بلادِكم فسقَوْكم حتفاً ببيضٍ ذُففِ (2)

 

 

 

 

 

 

 

 

__________

(1) العرين: أجمة الأسد وهو الغريف أيضاً، والغريف أيضاً الكثير، فيحتمل إنه أراد بمغرف مكراً من الأسد، ويحتمل أنه أراد توكيد معنى الغريف، كما يقال: خبيث مخبث

(2) بيض ذفف: الذف: جمع ذفيف وهو السريع، وهو جمع على غير قياس، وإنما فعل جمع فاعل ولكن الذفيف من السيوف في معنى القاطع والصارم.

 

 

ومن أدلته أن الذي حزَّب الأحزاب لحرب المسلمين هو أسير بن زارم، الذي تولى قومه بعد مقتل أبي رافع، يقول الواقدي:

 

فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: كَانَ أُسَيْرٌ رَجُلاً شُجَاعًا، فَلَمّا قُتِلَ أَبُو رَافِعٍ أَمّرَتْ الْيَهُودُ أُسَيْرَ بْنَ زَارِمَ فَقَامَ فِى الْيَهُودِ، فَقَالَ: إنّهُ وَاَللّهِ مَا سَارَ مُحَمّدٌ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْيَهُودِ إلاّ بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَصَابَ مِنْهُمْ مَا أَرَادَ وَلَكِنّى أَصْنَعُ مَا لا يَصْنَعُ أَصْحَابِى. فَقَالُوا: وَمَا عَسَيْت أَنْ تَصْنَعَ مَا لَمْ يَصْنَعْ أَصْحَابُك؟ قَالَ: أَسِيرُ فِى غَطَفَانَ فَأَجْمَعُهُمْ، فَسَارَ فِى غَطَفَانَ فَجَمَعَهَا، ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، نَسِيرُ إلَى مُحَمّدٍ فِى عُقْرِ دَارِهِ فَإِنّهُ لَمْ يُغْزَ أَحَدٌ فِى دَارِهِ إلاّ أَدْرَكَ مِنْهُ عَدُوّهُ بَعْضَ مَا يُرِيدُ. قَالُوا: نِعْمَ مَا رَأَيْت.

فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِىّ ص، قَالَ: وَقَدِمَ عَلَيْهِ خَارِجَةُ بْنُ حُسَيْلٍ الأَشْجَعِىّ، فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ص مَا وَرَاءَهُ، فَقَالَ: تَرَكْت أُسَيْرَ بْنَ زَارِمَ يَسِيرُ إلَيْك فِى كَتَائِبِ الْيَهُودِ.

 

إن من يقرأ الواقدي وغيره قد يفهم من السياق أنه تحزيب آخر، لكني أرى أن ندرس نظرية القمنيّ، فهي وجيهة وصحيحة.

 

وجاء في السيرة لابن هشام:

 

قال ابن اسحاق: وحدثني محمد بن مُسلم بن شهاب الزُّهري، عن عبدالله بن كعب بن مالك، قال: وكان مما صنع الله به لرسول الله صلى الله عليه وسلم  أن هذين الحيين من الأنصار: الأوْس والخزرج، كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  تصاول الفحْلَين، لا تصنع الأوس شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  غَناء إلا قالت الخزرج: والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  وفى الإسلام . قال: فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلَها، . وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوْس مثلَ ذلك . ولما أصاب الأوْسُ كعبَ بنَ الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم  قالت الخزرج: والله لا تذهبون بها فضلا علينا أبدا، قال: فتذاكروا: مَنْ رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم  في العداوة كابن الأشرف ؟ فذكروا ابن أبي الحقَيق، وهو بخيبر، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  في قتله، فأذن لهم .

 

فخرج اليه من الخزرج من  بني سَلَمة خمسهُ نفر: عبدالله بن عَتيك، ومسعود بن سِنان، وعبدالله ابن أنيس، وأبو قَتادة، الحارث بن رِبْعي، وخُزاعي بن أسود، حليف لهم من أسلم . فخرجوا وأمَّر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  عبدَالله بن عَتيك، ونهاهم عن أن يقتلوا وليدا أو امرأة، فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر، أتوا دار ابن أبي الحُقَيق ليلا، فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله . قال: وكان في عِلِّية له إليها عجلة قال: فأسندوا فيها، حتى قاموا على بابه، فاستأذنوا عليه، فخرجت إليهم امرأته، فقالت: من أنتم ؟ قالوا: ناس من العرب نلتمس المِيرَة قالت: ذاكم صاحبكم، فادخلوا عليه، قال: فلما دخلنا عليه، أغلقنا علينا وعليها الحجرة، تخوُّفا أن تكون دونَه مجاولةٌ تحول بيننا وبينه، قالت: فصاحت امرأتُه، فنوَّهَتْ[7]  بنا، وابتدرناه، وهو على فراشه  بأسيافنا، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قُبطية[8] مُلقاة . قال: وِلما صاحت بنا امرأته، جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه، ثم يذكر نهْيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيكف يده، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل . قال: فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبدُالله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه، وهو يقول: قَطْنِي قَطني . أي حسبى حسبى . قال: وخرجنا، وكان عبدالله بن عَتيك رجلا سيىء البصر، قال: فوقع من الدرجة فوثِئت[9]  يدُه وثئا شديدا - ويقال: رجلُه، فيما قال ابن هشام - وحملناه حتى نأتيَ به مَنْهرا من عيونهم، فندخل فيه. قال: فأوقدوا النيران، واشتدوا في كل وجه يطلبوننا قال: حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم، فاكتنفوه وهو يقضى بينهم . قال: فقلنا: كيف لنا بأن نَعلمَ بأن عدوَّ الله قد مات ؟ قال: فقال رجل منا: أنا اذهب فانظر لكم فانطلق حتى دخل في الناس . قال: فوجدت امرأته ورجالَ يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه، وتحدثهم وتقول: أما والله لقد سمعت صوت ابن عَتيك، ثم أكذبتُ نفسي وقلت: أنَّى ابن عَتيك بهذه البلاد؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه ثم قالت . فاظ[10]  وإلهِ يهود، فما سمعتُ من كلمةٍ كانت ألذَّ إلى نفسى منها. قال: ثم جاءنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدِمنا على رسول الله  صلى الله عليه وسلم   فاخبرناه بقتل عدو الله، واختلفنا عنده في قتله له، كلنا يدعيه . قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاتوا أسيافَكم، قال: فجئناه بها. فنظر إليها فقال لسيف عبد الله بن انيس: هذا قَتله، أرى فيه أثرَ الطعام .

قال ابن اسحاق: فقال حسان بن ثابت وهو يذكر قتل كعب بن الأشرف وقتل سلام بن أبي الحقيق:

لله دَرّ عصابة لاقيتهــــم                    يابنَ الحقيقِ وأنتَ ياابنَ الأشرفِ
يسرون بالبيضِ الخِفافِ إليكمُ            مَرَحا كَأسدٍ في عَرينِ مغرَفِ[11]
حتى أتوكم في محلِّ بلادِكـم                فسَقُوكُمً حَتْفا ببيضٍ ذففِ[12]
مستَبصرين لنصرِ دينِ نبيهمْ              مستصغِرين لكل أمر مُجْحِفِ[13]
قال ابن هشام: قوله: " ذُفَّف " عن غير ابن اسحاق.

 

ويقول الواقدي، الذي يجعلها كذلك في سنة 4 هـ قبل معركة الخندق (الأحزاب):

 

سَرِيّةُ ابْنِ عَتِيكٍ إلَى أَبِى رَافِعٍ

 

خَرَجُوا لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ فِى السّحَرِ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِى الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا، وَغَابُوا عَشْرَةَ أَيّامٍ.

حَدّثَنِى أَبُو أَيّوبَ بْنُ النّعْمَانِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ حَتّى أَتَيْنَا خَيْبَرَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَتْ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ بِخَيْبَرَ يَهُودِيّةً أَرْضَعَتْهُ وَقَدْ بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ ص خَمْسَةَ نَفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَالأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِىّ وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ. قَالَ: فَانْتَهَيْنَا إلَى خَيْبَرَ، وَبَعَثَ عَبْدُ اللّهِ إلَى أُمّهِ فَأَعْلَمَهَا بِمَكَانِهِ فَخَرَجَتْ إلَيْنَا بِجِرَابٍ مَمْلُوءٍ تَمْرًا كَبِيسًا وَخُبْزًا، فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمّ قَالَ لَهَا: يَا أُمّاهُ إنّا قَدْ أَمْسَيْنَا، بَيّتِينَا عِنْدَك فَأَدْخِلِينَا خَيْبَرَ.

فَقَالَتْ أُمّهُ: كَيْفَ تُطِيقُ خَيْبَرَ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ؟ وَمَنْ تُرِيدُ فِيهَا؟ قَالَ: أَبَا رَافِعٍ، فَقَالَتْ: لا تَقْدِرْ عَلَيْهِ، قَالَ: وَاَللّهِ لأَقْتُلَنهُ أَوْ لأُقْتَلَن دُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَادْخُلُوا عَلَىّ لَيْلاً، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَلَمّا نَامَ أَهْلُ خَيْبَرَ، وَقَدْ قَالَتْ لَهُمْ: اُدْخُلُوا فِى خَمَرِ النّاسِ، فَإِذَا هَدَأَتْ الرّجْلُ فَاكْمُنُوا فَفَعَلُوا وَدَخَلُوا عَلَيْهَا، ثُمّ قَالَتْ: إنّ الْيَهُودَ لا تُغْلِقُ عَلَيْهَا أَبْوَابَهَا فَرَقًا أَنْ يَطْرُقَهَا ضَيْفٌ فَيُصْبِحُ أَحَدُهُمْ بِالْفِنَاءِ، وَلَمْ يُضَفْ فَيَجِدُ الْبَابَ مَفْتُوحًا فَيَدْخُلُ فَيَتَعَشّى.

فَلَمّا هَدَأَتْ الرّجْلُ، قَالَتْ: انْطَلِقُوا حَتّى تَسْتَفْتِحُوا عَلَى أَبِى رَافِعٍ فَقُولُوا: إنّا جِئْنَا لأَبِى رَافِعٍ بِهَدِيّةٍ، فَإِنّهُمْ سَيَفْتَحُونَ لَكُمْ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثُمّ خَرَجُوا لا يَمُرّونَ بِبَابٍ مِنْ بُيُوتِ خَيْبَرَ إلاّ أَغْلَقُوهُ حَتّى أَغْلَقُوا بُيُوتَ الْقَرْيَةِ كُلّهَا، حَتّى انْتَهَوْا إلَى عَجَلَةٍ عِنْدَ قَصْرِ سَلاّمٍ، قَالَ: فَصَعِدْنَا وَقَدِمْنَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَتِيكٍ، لأَنّهُ كَانَ يَرْطُنُ بِالْيَهُودِيّةِ، ثُمّ اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَبِى رَافِعٍ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: مَا شَأْنُك؟ فَقَالَ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ وَرَطَنَ بِالْيَهُودِيّةِ: جِئْت أَبَا رَافِعٍ بِهَدِيّةٍ، فَفَتَحَتْ لَهُ، فَلَمّا رَأَتْ السّلاحَ أَرَادَتْ تَصِيحُ.

قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: وَازْدَحَمْنَا عَلَى الْبَابِ أَيّنَا يَبْدُرُ إلَيْهِ فَأَرَادَتْ أَنْ تَصِيحَ، قَالَ: فَأَشَرْت إلَيْهَا السّيْفَ، قَالَ: وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَسْبِقَنِى أَصْحَابِى إلَيْهِ، قَالَ: فَسَكَنَتْ سَاعَةً، قَالَ: ثُمّ قُلْت لَهَا: أَيْنَ أَبُو رَافِعٍ؟ وَإِلاّ ضَرَبْتُك بِالسّيْفِ، فَقَالَتْ: هُوَ ذَاكَ فِى الْبَيْتِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَمَا عَرَفْنَاهُ إلاّ بِبَيَاضِهِ كَأَنّهُ قُطْنَةٌ مُلْقَاةٌ، فَعَلَوْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَهَمّ بَعْضُنَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا، ثُمّ ذَكَرْنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص نَهَانَا عَنْ قَتْلِ النّسَاءِ.

قَالَ: فَلَمّا انْتَهَيْنَا جَعَلَ سَمْكُ الْبَيْتِ يَقْصُرُ عَلَيْنَا، وَجَعَلَتْ سُيُوفُنَا تَرْجِعُ، قَالَ ابْنُ أُنَيْسٍ: وَكُنْت رَجُلاً أَعْشَى لا أُبْصِرُ بِاللّيْلِ إلاّ بَصَرًا ضَعِيفًا. قَالَ: فَتَأَمّلْته كَأَنّهُ قَمَرٌ. قَالَ: فَأَتّكِئُ بِسَيْفِى عَلَى بَطْنِهِ حَتّى سَمِعْت خَشّهُ فِى الْفِرَاشِ وَعَرَفْت أَنّهُ قَدْ قَضَى.

قَالَ: وَجَعَلَ الْقَوْمُ يَضْرِبُونَهُ جَمِيعًا، ثُمّ نَزَلْنَا وَنَسِىَ أَبُو قَتَادَةَ قَوْسَهُ فَذَكَرَهَا بَعْدَ مَا نَزَلَ، فَقَالَ: أَصْحَابُهُ دَعْ الْقَوْسَ، فَأَبَى فَرَجَعَ فَأَخَذَ قَوْسَهُ وَانْفَكّتْ رِجْلُهُ فَاحْتَمَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَتَصَايَحَ أَهْلُ الدّارِ بَعْدَ مَا قُتِلَ. فَلَمْ يَفْتَحْ أَهْلُ الْبُيُوتِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَيْلاً طَوِيلاً، وَاخْتَبَأَ الْقَوْمُ فِى بَعْضِ مَنَاهِرِ خَيْبَرَ. وَأَقْبَلَتْ الْيَهُودُ وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ الْقَوْمُ الآنَ. فَخَرَجَ الْحَارِثُ فِى ثَلاثَةِ آلافٍ فِى آثَارِنَا، يَطْلُبُونَنَا بِالنّيرَانِ فِى شُعَلِ السّعَفِ وَلَرُبّمَا وَطِئُوا فِى النّهْرِ فَنَحْنُ فِى بَطْنِهِ، وَهُمْ عَلَى ظَهْرِهِ فَلا يَرَوْنَا، فَلَمّا أَوْعَبُوا فِى الطّلَبِ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا رَجَعَ إلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لَهَا: هَلْ تَعْرِفِينَ مِنْهُمْ أَحَدًا؟ قَالَتْ: سَمِعْت مِنْهُمْ كَلامَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ، فَإِنْ كَانَ فِى بِلادِنَا هَذِهِ فَهُوَ مَعَهُمْ، فَكُرّوا الطّلَبَ الثّانِيَةَ، وَقَالَ الْقَوْمُ: فِيمَا بَيْنَهُمْ لَوْ أَنّ بَعْضَنَا أَتَاهُمْ فَنَظَرَ هَلْ مَاتَ الرّجُلُ أَمْ لا.

فَخَرَجَ الأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِىّ حَتّى دَخَلَ مَعَ الْقَوْمِ وَتَشَبّهَ بِهِمْ فَجَعَلَ فِى يَدِهِ شُعْلَةً كَشُعَلِهِمْ حَتّى كَرّ الْقَوْمُ الثّانِيَةَ إلَى الْقَصْرِ، وَكَرّ مَعَهُمْ وَيَجِدُ الدّارَ قَدْ شُحِنَتْ، قَالَ: فَأَقْبَلُوا جَمِيعًا يَنْظُرُونَ إلَى أَبِى رَافِعٍ مَا فَعَلَ، قَالَ: فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ مَعَهَا شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ، ثُمّ أَحْنَتْ عَلَيْهِ، تَنْظُرُ أَحَىّ أَمْ مَيّتٌ هُوَ، فَقَالَتْ: فَاظَ وَإِلَهِ مُوسَى، قَالَ: ثُمّ كَرِهْت أَنْ أَرْجِعَ إلاّ بِأَمْرٍ بَيّنٍ، قَالَ: فَدَخَلْت الثّانِيَةَ مَعَهُمْ فَإِذَا الرّجُلُ لا يَتَحَرّكُ مِنْهُ عِرْقٌ.

قَالَ: فَخَرَجَتْ الْيَهُودُ فِى صَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ: وَأَخَذُوا فِى جَهَازِهِ يَدْفِنُونَهُ، قَالَ: وَخَرَجْت مَعَهُمْ وَقَدْ أَبْطَأْت عَلَى أَصْحَابِى بَعْضَ الإِبْطَاءِ، قَالَ: فَانْحَدَرْت عَلَيْهِمْ فِى النّهْرِ فَخَبّرْتهمْ فَمَكَثْنَا فِى مَكَانِنَا يَوْمَيْنِ حَتّى سَكَنَ عَنّا الطّلَبُ، ثُمّ خَرَجْنَا مُقْبِلِينَ إلَى الْمَدِينَةِ، كُلّنَا يَدّعِى قَتْلَهُ فَقَدِمْنَا عَلَى النّبِىّ ص، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمّا رَآنَا، قَالَ: “أَفْلَحَتْ الْوُجُوهُ”، فَقُلْنَا: أَفْلَحَ وَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: “أَقَتَلْتُمُوهُ”؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلّنَا يَدّعِى قَتْلَهُ، قَالَ: “عَجّلُوا عَلَىّ بِأَسْيَافِكُمْ”، فَأَتَيْنَا بِأَسْيَافِنَا، ثُمّ قَالَ: “هَذَا قَتَلَهُ، هَذَا أَثَرُ الطّعَامِ فِى سَيْفِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ”.

قَالَ: وَكَانَ ابْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ قَدْ أَجْلَبَ فِى غَطَفَانَ، وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ مُشْرِكِى الْعَرَبِ، وَجَعَلَ لَهُمْ الْجُعْلَ الْعَظِيمَ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ ص فَبَعَثَ النّبِىّ ص إلَيْهِ هَؤُلاءِ النّفَرَ.

فَحَدّثَنِى أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ، قَالَ: حَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَمّا انْتَهَوْا إلَى أَبِى رَافِعٍ تَشَاجَرُوا فِى قَتْلِهِ. قَالَ: فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ فَخَرَجَ سَهْمُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، وَكَانَ رَجُلاً أَعْشَى، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ قَالُوا: تَرَى بَيَاضَهُ كَأَنّهُ قَمَرٌ، قَالَ: قَدْ رَأَيْت، قَالَ: وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَقَامَ النّفَرُ مَعَ الْمَرْأَةِ يَفْرُقُونَ أَنْ تَصِيحَ قَدْ شَهَرُوا سُيُوفَهُمْ عَلَيْهَا؛ وَدَخَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَضَرَبَ بِالسّيْفِ فَرَجَعَ السّيْفُ عَلَيْهِ لِقِصَرِ السّمْكِ فَاتّكَأَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُمْتَلِئٌ خَمْرًا حَتّى سَمِعَ خَشّ السّيْفِ، وَهُوَ فِى الْفِرَاشِ، وَيُقَالُ: كَانَتْ السّرِيّةُ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتّ.

 

والقصة رواها البخاري، ولفظه كان يؤذي رسول الله ويعين عليه، فالمعنى الواضح هو أنه تم قتله لمجرد قوله الشعر والتحريض، ولم يذكر أي شيء مزعوم عن جمعه لجموع غطفان وقريش فهذه رواية أكثر أمانة مما في كتب السير:

 

4038 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا وَهُوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ

 

4039 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَلَمَّا دَنَوْاا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ ثُمَّ عَلَّقَ الْأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ قَالَ فَقُمْتُ إِلَى الْأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ وَكَانَ فِي عَلَالِيَّ لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ قُلْتُ إِنْ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنْ الْبَيْتِ فَقُلْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ مَنْ هَذَا فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنْ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ فَقَالَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ قَالَ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ ثُمَّ وَضَعْتُ ظِبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الْأَبْوَابَ بَابًا بَابًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدْ انْتَهَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ فَقُلْتُ لَا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ ابْسُطْ رِجْلَكَ فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ

 

4040 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ هُوَ ابْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنْ الْحِصْنِ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ قَالَ فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ قَالَ فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونَهُ قَالَ فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ قَالَ فَغَطَّيْتُ رَأْسِي وَجَلَسْتُ كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ الْبَابِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ فَلَمَّا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ قَالَ وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ قَالَ قُلْتُ إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ فَقُلْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ فَقُلْتُ مَا لَكَ يَا أَبَا رَافِعٍ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي فَقَالَ أَلَا أُعْجِبُكَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ قَالَ فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ فَقُلْتُ انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ قَالَ فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرْتُهُ

 

يوجد اختلافات بسيطة في الروايات فالبخاري يذكر أن الصحابي اختبأ في مربط فلعله كره أن يذكر أن مرضعته كانت يهودية وأنها كذلك هي التي خانت قومها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يوم الرجيع

 

جاء في البخاري:

 

3045 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ وَأَحَاطَ بِهِمْ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمْ انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَلَا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللَّهِ لَا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي فِي هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً يُرِيدُ الْقَتْلَى فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ قَالَتْ فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي فَقَالَ تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنْ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا

 

ورواه أحمد 8097 وعبد الرزاق في مصنفه (9730) .ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن حبان (7039)، والطبراني في "المعجم الكبير" (4191) و17/ (463)، والمزي في ترجمة عمرو بن أَبي سفيان من "تهذيب الكمال" 22/45-46. وأخرجه البخاري (4086) من طريق هشام بن يوسف، عن معمر، به.

 

ولنتأمل في هذا، أرسل محمد سرية للتجسس على قوافل قريش، أو غالباً للتجسس على هذيل بالذات وليس قريش،، فتنبه هؤلاء للمسلمين، وقد كان لأتباع محمد سمعة سيئة كقاطعي طريق وناهبين لا تختلف عن سمعة بني طيء في اليمن وقتئذٍ، فقاموا بقتل الجواسيس، كما نرى لا يمكننا لوم قوم يحمون أنفسهم من أمة معتدية من شأنها أن تنهبهم وتسفك دماء رجالهم  وفتيانهم الصغار، وتستعبد أطفالهم ونساءهم.

 

لكن كتاب السيرة النبوية يروون قصة أخرى محاولة منهم لتجميل صورة الإسلام، وإذا اختلفت الروايات فأحدها كاذب لغرض ما، لا محالة، فيقول الواقدي:

 

يقول الواقدي:

 

لَمّا قُتِلَ سُفْيَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِىّ مَشَتْ بَنُو لِحْيَانَ إلَى عَضَلٍ وَالْقَارّةِ، فَجَعَلُوا لَهُمْ فَرَائِضَ عَلَى أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَيُكَلّمُوهُ فَيُخْرِجَ إلَيْهِمْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَدْعُونَهُمْ إلَى الإِسْلامِ، فَنَقْتُلَ مَنْ قَتَلَ صَاحِبَنَا وَنَخْرُجَ بِسَائِرِهِمْ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ فَنُصِيبَ بِهِمْ ثَمَنًا؛ فَإِنّهُمْ لَيْسُوا لِشَىْءٍ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُؤْتَوْا بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ يُمَثّلُونَ بِهِ، وَيَقْتُلُونَهُ بِمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ، فَقَدِمَ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ وَهُمَا حَيّانِ إلَى خُزَيْمَةَ مُقِرّيْنِ بِالإِسْلامِ فَقَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ ص: إنّ فِينَا إسْلامًا فَاشِيًا، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ وَيُفَقّهُونَنَا فِى الإِسْلامِ. فَبَعَثَ مَعَهُمْ سَبْعَةَ نَفَرٍ مَرْثَدُ بْنُ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىّ، وَخَالِدُ بْنُ أَبِى الْبُكَيْرِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ البَلَوِىّ حَلِيفٌ فِى بَنِى ظَفَرٍ، وَأَخَاهُ لأُمّهِ مُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَلِيفٌ فِى بَنِى ظَفَرٍ وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِىّ بْنِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّة مِنْ بَنِى بَيَاضَةَ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ. وَيُقَالُ: كَانُوا عَشْرَةً وَأَمِيرُهُمْ مَرْثَدُ بْنُ أَبِى مَرْثَدٍ؛ وَيُقَالُ: أَمِيرُهُمْ عَاصِمُ ابْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِى الأَقْلَحِ. فَخَرَجُوا حَتّى إذَا كَانُوا بِمَاءٍ لهُذَيْل - يُقَالُ لَهُ: الرّجِيعُ قَرِيبٌ مِنْ الْهَدّةِ - خَرَجَ النّفَرُ فَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ أَصْحَابَهُمْ الّذِينَ بَعَثَهُمْ اللّحْيَانِيّونَ فَلَمْ يُرَعْ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ ص إلاّ بِالْقَوْمِ مِائَةُ رَامٍ وَفِى أَيْدِيهمْ السّيُوفُ. فَاخْتَرَطَ أَصْحَابُ النّبِىّ ص أَسْيَافَهُمْ ثُمّ قَامُوا، فَقَالَ الْعَدُوّ: مَا نُرِيدُ قِتَالَكُمْ وَمَا نُرِيدُ إلاّ أَنْ نُصِيبَ مِنْكُمْ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ ثَمَنًا، وَلَكُمْ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ لا نَقْتُلُكُمْ. ....إلخ القصة.

 

ويقول ابن هشام:

 

قال ابن اسحاق: فقالوا: يا رسول الله، إن فينا اسلاما، فابعث معنا نفرا من اصحابك يفقهوننا في الدين، ويُقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام. فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستةً من اصحابه....إلخ

 

ويذكر شعرًا لحسان بن ثابت قد نتأكد منه من صحة شيء مما جاء في كتب السيرة، منه:

 

حسان يهجو هذيل لقتلهم خبيبا: وقال حسان أيضا يهجو هذيلا فيما صنعوا بخبيب بن عدى:

أبلغ بني عمرو بأن أخاهُم ... شَراهُ امرؤ قد كان للغدرِ لازمَا (2)

شراه زُهير بنُ لأغَرِّ وجامعٌ ... وكانا جميعا يركبان المَحارمَا

أجرتُم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكتافِ الرجيعِ لَهَاذِمَا (3)

فليت خُبَيْبا لم تخنْه أمانة ... وليت خُبيبا كان بالقومِ عالمَا

قال ابن هشام: زهير بن الأغر وجامع الهذليان اللذان باعا خُبيبا.

 

قال ابن اسحاق: وقال حسان بن ثابت أيضًا:

 

إنْ سرَّك الغدرُ صِرفا لا مِزاجَ له ... فاتِ الرجيعَ فسَلْ عن دارِ لِحْيانِ

قوم تواصَوْا بأكلِ الجارِ بينَهم ... فالكلبُ والقردُ والإنسانُ مِثلانِ

لو ينطق التيْسُ يوما قام يخطبُهم ... وكان ذا شرفٍ فيهم وذا شانِ

 

قال ابن هشام: وأنشدني أبو زيد الأنصارى قوله:

 

لو ينطق التيسُ يوما قال يخطبُهم ... وكان ذا شرفٍ فيهم وذا شأن

 

قال ابن اسحاق: وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هُذَيلا:

 

سألت هُذَيل رسولَ الله فاحشةً ضلتْ هُذيلٌ بماسالتْ ولم تُصِبِ

سألوا رسولَهمُ ما ليس معطِيَهُم حتى الممات وكانوا سُبةَ العربِ

 ولن ترى لهذيْل داعيا أبدا يدعو لمَكرَمةٍ عن منزِلِ الحربِ

 لقد أرادوا خلالَ الفُحْشِ وَيْحَهُمُ وأن يُحلوا حراما كان في الكتبِ

 

وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هُذَيلا:

 

 لعَمْرِى لقد شانتْ هُذَيلَ بنَ مُدْرِكِ أحاديثُ كانت في خُبيبٍ وعاصمِ

 

________________

(1) دلوك: غروك.

(2) شراه: باعه.

(3) اللهاذم. السيوف القاطعة.

 أحاديثُ لحْيان صَلَوْا بقبيحِها ولحيان جَرَّامون شر الجرائمِ (1)

 أناس هم من قومِهم في صميمِهم بمنزلةِ الزِّمْعانِ دُبْرُ القوادم (2)

 همُ غدروا يومَ الرجيعِ وأسلمتْ أمانتُهم ذا عفةٍ ومكارَمِ

 رسولَ رسولِ الله غدرا ولم تكن هُذيل تَوَقَّى مُنكراتِ المحارمِ

 فسوف يَرَوْن النصرَ يوما عليهمُ بقتلِ الذي تَحميه دونَ الحرائمِ (3)

 أبابيلُ دَبْر شُمُّسٍ دونَ لحمِه حمتْ لحمَ شَهَّادٍ عِظامَ الملاحمِ

 لعل هذيلا إن يَرَوْا بمصَابِه مصارعَ قتلَى أو مَقاما لمأتم

 ونوقع فيهم وقعةً ذاتَ صَوْلةٍ يُوافِى بها الركبانُ أهلَ المواسمِ

 بأمرِ رسولِ الله أن رسولَه رأى رأيَ ذي حَزْمٍ بلحْيانَ عالمِ

 قُبَيِّلَة ليس الوفاءُ يهمهم ... وان ظُلموا لم يدفعوا كف ظالمِ

 إذا الناسُ حَلُّوا بالقضاءِ رأيتَهم ... بمجرى مَسيلِ الماءِ بينَ المخارِمِ (4)

 مَحَلُّهمُ دارُ البوارِ ورأيهم ... إذا نابهم أمرٌ كرأيِ البهائم

 

وقال حسان بن ثابت يهجو هُذيلا:

 

 لحَى الله لِحْيانا فليست دماؤهم لنا من قَتيلَيْ غُدْرةٍ بوفاءِ

 هُموُ قتلوا يومَ الرجيع ابنَ حُرةٍ أخا ثِقةٍ في وُدِّه وَصَفاء

 فلو قُتلوا يومَ الرجيع باسرِهم بذي الدَّبْرِ ما كانوا له بكِفاءِ (5)

 

__________

(1) صلوا بقبيحها: أصابهم شرها. جرامون: كسابون.

(2) الزمعان: جمع زمعة، شعرة مدلاة في مؤخر رجل الشاة أو غيرها. والدبر: الخلف.

(3) يريد عاصم بن الأقلح فقد حمته الزنابير.

(4) المخارم: مسايل الماء.

(5) ذو الدبر: هو عاصم بن الأقلح. والدبر: النحل، وهي  القصة المشهورة عنه

من الصعب تبين أي القصتين أصح، وشخصياً فإني أميل إلى الأولى، ولعلها أكثر مصداقية، لكن القمني يميل إلى الثانية قليلاً، والسبعة المذكورون مشهورون كمقاتلين في بعض السرايا وبدر وأحد. والخلاصة أن الجو الذي ترعرع به الإسلام كان جوًّا مسموماً مليئًا بالتعصب القبليّ والدينيّ، فحارب كلا الفريقين بعضهما، دون أي تبصر، ونشأ الإسلام كأحد أكثر الأديان عنفًا

 

 

نتيجةً لذلك. يقول القمني أن _حسب الواقدي ومحمد بن سعد_كان قبل تلك الأحداث في السنة الثالثة هجرية جمعت هذيل جموعاً لمحمد فأرسل محمد من اغتال قائدهم خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي على يد من أرسله محمد وأنهم لذلك انتقموا في يوم الرجيع، لكن لنلاحظ أن المحبر لابن حبيب يجعل سرية عبد الله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان بن نبيح سنة 5ه بعد حادثتي الرجيع في آخر 3ه وبئر معونة سنة4ه! وكما نرى لقد عبث كتبة المسلمين كثيرًا فتلاعبوا بتلك التواريخ وترتيبها ناهيك عن تفاصيل الأحداث نفسها، فالمنتصر يكتب التاريخ كما يُقال، وأفراد الرواة لم يتحلوا بأمانة كاملة حتمًا وحاولوا بناء قصصهم على تبرير هجمات المسلمين بأنهم وجدوا قوم فلان أو علان (كبني سليم أو هذيل أو غطفان أو أسد بقطن) يجمعون جموعاً ضدهم فبادروهم بالهجوم وكالعادة في كل مرة كانوا ينهبون الأنعام والأغنام من تلك القبائل!

 

 

 

 

قصة بئر معونة

 

هذه القصة كما لاحظ القمني وغيره لها عدة روايات متناقضة عن سبب إرسال محمد لسبعين أو أربعين رجلاً _على اختلاف الروايات_من شباب أتباعه إلى نجد، ولعل أصحها التالي:

 

روى الطبراني في المعجم الكبير:

 

5724 - حدثنا عبدان ثنا أبو مصعب ثنا عبد المهيمن عن أبيه عن جده أن عامر بن الطفيل قدم على النبي صلى الله عليه وسلم [ المدينة ] فراجع النبي صلى الله عليه وسلم وارتفع صوته وثابت بن قيس قائم بسيفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عامر غض من صوتك عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وما أنت وذاك ؟ فقال ثابت: أما والذي أكرمه لولا أن يكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لضربت بهذا السيف رأسك فنظر إليه عامر وهو جالس وثابت قائم فقال له: أما والله يا ثابت لئن عرضت نفسك لي لتولين عني فقال ثابت: أما والله يا عامر لئن عرضت نفسك للساني لتكرهن حياتي فعطس ابن أخ لعامر فحمد الله فشمته النبي صلى الله عليه وسلم ثم عطس عامر فلم يحمد الله فلم يشمته النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: شمت هذا الصبي وتركتني ؟ قال: ( إن هذا حمد الله ) فقال: فمحلوفه لأملأنها عليك خيلا ورجالا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يكفينيك الله وابنا قيلة ) ثم خرج عامر فجمع للنبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع إليه من بني سليم أبطن ثلاثة هم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم عصية وذكوان ورعلا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم في صلاة الصبح: ( اللهم العن لحيانا ورعلا وذكوانا وعصية عصت الله ورسوله الله أكبر ) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة ليلة فلما سمع أن عامر قد جمع له بعث النبي صلى الله عليه وسلم عشرة فيهم عمرو بن أمية الضمري وسائرهم من الأنصار وأميرهم المنذر بن عمرو فمضوا حتى نزلوا بئر معونة فأقبل حتى هجم عليهم فقتلهم كلهم فلم يفلت منهم إلا عمر و بن أمية كان في الركاب فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم يوم قتلوا خبر أصحابه فقال: ( قد قتل أصحابكم فرؤوا رأيكم ) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على عامر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اكفني عامر ) فكفاه الله إياه فأقبل حتى نزل بفنائه فرماه الله بالذبحة في حلقة في بيت امرأة من سلول وأقبل ينزو وهو يقول: يا لعامر من غدة كغدة الجمل في بيت سلولية يرغب أن يموت في بيتها فلم يزل كذلك حتى مات في بيتها وكان زيد بن قيس أصابته صاعقة فاحترق فمات ورجع من كان معهم

 

إسناده ضعيف حسب طريقة علمائهم، لكن ذكرناه أول شيء لأن نصه يوضح القصة بالتفصيل،  وقوله ابنا قيلة يعني الأوس والخزرج، والقصة وجدت في صحيح البخاري كذلك.

 

وروى البخاري:

4091 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالَهُ أَخٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ فَقَالَ يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلَانٍ فَقَالَ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلَانٍ ائْتُونِي بِفَرَسِي فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ قَالَ كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ فَقَالَ أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وَأَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ قَالَ هَمَّامٌ أَحْسِبُهُ حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَلُحِقَ الرَّجُلُ فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الْأَعْرَجِ كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا ثُمَّ كَانَ مِنْ الْمَنْسُوخِ إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

ورواه البيهقي في دلائل النبوة:

 

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن رحا، أَنْبَأَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ حزام بْنِ مِلْحَانَ قَالَ، وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَكَانَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُخَيِّرْكَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ، وَيَكُونُ لِي أَهْلُ الْمَدَرِ، وأَكُونَ خَلِيفَتَكَ مِنْ بَعْدِكَ، أَوْ أَغْزُوَكَ بِغَطَفَانَ بِأَلْفِ أَشْقَرَ وَأَلْفِ شَقْرَاءَ، قَالَ: فَطُعِنَ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: أَغُدَّةٌ كفرة الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي فَرَكِبَ فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ.

 

وذكر محمد بن سعد في الطبقات الكبير ج1/ وفادات العرب على رسول الله:

 

وفد عامر بن صعصعة

 

قَالَ: ثُمَّ رجع الحديث إلى مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ. قَالُوا: وقدم عامر بْن الطفيل بْن مالك بْن جَعْفَر بْن كلاب وأربد بْن ربيعة بْن مالك بْن جَعْفَر عَلَى رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عامر: يا مُحَمَّد ما لي إن أسلمت؟ [فَقَالَ: لك ما للمسلمين وعليك ما عَلَى المسلمين. قَالَ: أتجعل لي الأمر مِن بعدك؟ قَالَ: لَيْسَ ذاك لك ولا لقومك. قَالَ: أفتجعل لي الوبر ولك المدر؟ قَالَ: لا ولكني أجعل لك أعنة الخيل فإنك امرؤ فارس. قَالَ: أوليست لي؟ لأملأنها عليك خيلًا ورجالًا! ثُمَّ وليا. فَقَالَ رَسُول الله. ص: اللهم اكفنيهما. اللهم واهد بني عامر وأغن الْإِسْلَام عَن عامر. يعني ابن الطفيل....إلخ

 

وعند ابن هشام ج4/ موضوع وفد بني عامر خلط لأنه يجعلها في عام الوفود ولم يكن حينها ليجرؤ عامر على مفاوضات كهذه مع تنامي قوة محمد وأن يأتي بتهديد كهذا في قلب يثرب، ناهيك عن تناقضه مع ما في صحيح البخاري عن تزامنه قبيل حادث بئر معونة.

 

من شرح من  فتح الباري لابن حجر العسقلاني:

 

قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ ذِكْرُ بَنِي لِحْيَانَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَهَمٌ وَإِنَّمَا كَانَ بَنُو لِحْيَانَ فِي قِصَّةِ خُبَيْبٍ فِي غَزْوَةِ الرَّجِيعِ الَّتِي قبل هَذِه قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالَهُ أَخَا أُمِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا قَدْ سَمَّاهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَرَامًا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ الَّتِي بَعْدَهَا وَالضَّمِيرُ فِي خَالِهِ لِأَنَسٍ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْآتِيَةِ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانِ وَكَانَ خَالَهُ...إلخ

قَوْلُهُ زَادَ خَلِيفَةُ هُوَ بن خَيَّاطٍ وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ قُرْآنًا كِتَابًا نَحْوَهُ أَيْ نَحْوَ رِوَايَةِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ وَكَانَ رَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ عَامِرَ بن الطُّفَيْل أَي بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب وَهُوَ بن أَخِي أَبِي بَرَاءٍ عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ قَوْلُهُ خَيَّرَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَحَذْفِ الْمَفْعُولِ أَيْ خَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَلَفْظُهُ وَكَانَ أَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ أُخَيِّرُكَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ خُيِّرَ بِضَم أَوله وخطأها بن قُرْقُولٍ قَوْلُهُ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ بِأَلْفِ أَشْقَرَ وَأَلْفِ شَقْرَاءَ قَوْلُهُ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ بِتَقْدِيرِ أَصَابَتْنِي غُدَّةٌ أَوْ غُدَّةٌ بِي وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ أَغُدُّهُ غُدَّةً مِثْلَ بُعَيْرَةٍ وَالْغُدَّةُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ مِنْ أَمْرَاضِ الْإِبِلِ وَهُوَ طَاعُونِهَا قَوْلُهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ بَنِي فُلَانٍ بَيَّنَهَا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ امْرَأَةٌ مِنْ آلِ سَلُولٍ وَبَين فِيهِ قُدُومَ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ قَالَ فِيهِ لَأَغْزُوَنَّكَ بِأَلْفِ أَشْقَرَ وَأَلْفِ شَقْرَاءَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ عَامِرٌ وَأَنَّهُ غَدَرَ بِهِمْ وَأَخْفَرَ ذِمَّةَ عَمِّهِ أَبِي بَرَاءٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامِرًا قَالَ فَجَاءَ إِلَى بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ قُلْتُ سَلُولٌ امْرَأَةٌ وَهِيَ بِنْتُ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ وَزَوْجُهَا مُرَّةُ بْنُ صَعْصَعَةَ أَخُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَنُسِبَ بَنُوهُ إِلَيْهَا قَوْلُهُ فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ كَذَا هُنَا عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ حَرَامٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الْأَعْرَجُ غَيْرُهُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد فانطق حرَام ورجلان مَعَه رجل أعرج وَرجل مِنْ بَنِي فُلَانٍ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ قُدِّمَتْ سَهْوًا مِنَ الْكَاتِبِ وَالصَّوَابُ تَأْخِيرُهَا وَصَوَابُ الْكَلَامِ فَانْطَلَقَ حَرَامٌ هُوَ وَرَجُلٌ أَعْرَجُ فَأَمَّا الْأَعْرَجُ فَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ الخزرجي سماهما بن هِشَامٍ فِي زِيَادَاتِ السِّيرَةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هُوَ وَرَجُلٌ أَعْرَجُ وَهُوَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ فَإِنْ آمَّنُونِي كُنْتُمْ وَقَعَ هُنَا بِطَرِيقِ الِاكْتِفَاءِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فَإِنْ آمَّنُونِي كُنْتُمْ كَذَا وَلَعَلَّ لَفْظَةَ كَذَا مِنَ الرَّاوِي كَأَنَّهُ كَتَبَهَا عَلَى قَوْلِهِ كُنْتُمْ أَيْ كَذَا وَقَعَ بِطَرِيقِ الِاكْتِفَاءِ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زيد الْمُقْرِئ عَن همام فان آمنون كُنْتُمْ قَرِيبًا مِنِّي فَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ قَوْلُهُ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَخَرَجَ حَرَامٌ فَقَالَ يَا أَهْلَ بِئْرِ مَعُونَةَ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ كَسْرِ الْبَيْتِ بِرُمْحٍ فَضَرَبَهُ فِي جَنْبِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ...إلخ

 

ومن الفجر الساطع على الصحيح الجامع:

 

خير: أي خير النبي r. السهل: البوادي. المدر: المدن. بألف وألف: أي  بألف أشقر وألف شقراء، فقال r: اللهم أكفنيه. فطعن: أصابه طاعون.غدة: أي أصابتني غدة أي طاعون كطاعون الإبل. فلانة: سلول،  فمات على ظهر فرسه: كافرا وهذا من حمقه وتجبره. وهو رجل: قيل صوابه: هو ورجل أعرج، لأن الأعرج غيره لا هو، وهـو كعب بن زيد. ورجل من بني فلان: هو المنذر بن محمد. كنتم: أي  قريبا مني. فلحق  الرجل: اختلف في ضبط هذين اللفظين، فقيل "لحق" بفتح اللام، والرجل بضم الجيم فاعل، أي لحق الرجل الذي كان مع "حرام" بالمسلمين، أو مفعول أي لحق الرجل المشركون، وقيل "لحق" بضم اللام مبنيا للمفعول، والرجل نائب الفاعل، وهو "حرام"، أي لحقه أجله، أو هو الذي كان معه، أي لحقه المشركون، قاله في الفتح

 

ما نفهمه من هذه القصة وهي الأصح والأصدق أن عامرًا شعر بأن محمد بقوته تهديد خطير عسكري لقومه، ففاوضه وكان له قوة يحسب لها محمد حسابًا، ثم أرسل محمد هؤلاء السبعين ناحية بني عامر غالبًا للتجسس والإغارة عليهم، فوجدوا فيهم تهديدًا أمنيًّا لهم فقتلوهم. ولنتابع باقي الروايات أدناه.

 

روى البخاري:

 

بَاب الْعَوْنِ بِالْمَدَدِ

3064 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لَحْيَانَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ فَأَمَدَّهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ الْقُرَّاءَ يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ قَتَادَةُ وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا أَلَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِيَنَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

12402 - حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، وَعَفَّانُ، الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَكَتَبَ كِتَابًا بَيْنَ أَهْلِهِ، فَقَالَ: اشْهَدُوا يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، قَالَ ثَابِتٌ: فَكَأَنِّي كَرِهْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ: لَوْ سَمَّيْتَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ: وَمَا بَأْسُ ذَلِكَ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ قُرَّاءٌ، أَفَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ إِخْوَانِكُمُ الَّذِينَ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرَّاءَ، فَذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ، فَكَانُوا إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ، انْطَلَقُوا إِلَى مُعَلِّمٍ لَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، فَيَدْرُسُونَ فِيهِ الْقُرْآنَ حَتَّى يُصْبِحُوا، فَإِذَا أَصْبَحُوا فَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ اسْتَعْذَبَ مِنَ الْمَاءِ، وَأَصَابَ مِنَ الْحَطَبِ، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سَعَةٌ اجْتَمَعُوا، فَاشْتَرَوْا الشَّاةَ، فَأَصْلَحُوهَا فَيُصْبِحُ ذَلِكَ مُعَلَّقًا بِحُجَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُصِيبَ خُبَيْبٌ، بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَفِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ، فَقَالَ حِرَامٌ لِأَمِيرِهِمْ: دَعْنِي فَلْأُخْبِرْ هَؤُلَاءِ أَنَّا لَسْنَا إِيَّاهُمْ نُرِيدُ، حَتَّى يُخَلُّوا وَجْهَنَا، - وَقَالَ عَفَّانُ: فَيُخَلُّونَ وَجْهَنَا -، فَقَالَ لَهُمْ حَرَامٌ: إِنَّا لَسْنَا إِيَّاكُمْ نُرِيدُ، فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ بِالرُّمْحِ، فَأَنْفَذَهُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَجَدَ الرُّمْحَ فِي جَوْفِهِ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ . قَالَ: فَانْطَوَوْا عَلَيْهِمْ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ أَنَسٌ: " فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ، وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ "، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَبُو طَلْحَةَ يَقُولُ لِي: هَلْ لَكَ فِي قَاتِلِ حَرَامٍ ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا لَهُ فَعَلَ اللهُ بِهِ وَفَعَلَ قَالَ: مَهْلًا، فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، وَقَالَ عَفَّانُ: رَفَعَ يَدَهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، وقَالَ أَبُو النَّضْرِ: رَفَعَ يَدَيْهِ.

 

حديث صحيح على شرط مسلم

 

12064 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَعْنَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رِعْلٌ، وَذَكْوَانُ، وَعُصَيَّةُ، وَبَنُو لِحْيَانَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا، فَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ، فَأَمَدَّهُمْ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ - قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهِمْ فِي زَمَانِهِمُ الْقُرَّاءَ كَانُوا يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ - فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى إِذَا أَتَوْا بِئْرَ مَعُونَةَ، غَدَرُوا بِهِمْ، فَقَتَلُوهُمْ . " فَقَنَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى هَذِهِ الْأَحْيَاءِ: رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لِحْيَانَ " قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ: أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِ قُرْآنًا، - وَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ فِي حَدِيثِهِ: إِنَّا قَرَأْنَا بِهِمْ قُرْآنًا - " بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، أنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا "، ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ . وَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، أَوْ رُفِعَ

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه البخاري (3064) و(4088)، وأبو يعلى (3159) من طريق ابن أبي عدي، بهذا الإسناد. وقرن به البخاريُ سهل بن يوسف. وأخرجه ابن سعد 2/53، والبخاري (4090)، وأبو عوانة 5/44، وأبو يعلى (2921)، والبيهقي في "السنن" 2/199، وفي "الدلائل" 3/348 من طرق عن سعيد بن أبي عروبة، به.، والحازمي في "الاعتبار" ص86 من طريق عبد الوارث بن سعيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس نحوه. ويتكرر بنحوه في مسند أحمد برقم (13683) من طريق قتادة، وبرقم (13462) من طريق حميد بن أبي حميد الطويل، وبرقم (12402) من طريق ثابت البناني، وبرقم (13195) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. وفي حديث حميد: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت خمسة عشر يوماً.

والشطر الأول برقم (12087) من طريق عاصم الأحول، وبرقم (13255) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. ومختصراً بقصة قنوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه على هذه الأحياء برقم (12150) من طريق قتادة، وبرقم (12655) من طريق عاصم الأحول، وبرقم (12152) من طريق لاحق بن حميد أبي مجلز، وبرقم (13724) من طريق موسى بن أنس.

 

وهناك رواية أخرى للبخاري:

 

4088 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ رَجُلًا لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ مَعُونَةَ فَقَالَ الْقَوْمُ وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلُوهُمْ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَسَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا عَنْ الْقُنُوتِ أَبَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَالَ لَا بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ

 

لو أخذنا بإحدى روايات ابن حنبل، تكون هذه الواقعة بعد واقعة يوم الرجيع، وليس قبلها كما في معظم بل كل كتب السيرة، فهو يقول عن سببها (فلما قُتِل خبيب) وهذا الأخير من المعلوم قتله في حادثة يوم الرجيع، وبالتالي قد نستنتج أن محمد كان أرسل السبعين للانتقام من بني هذيل فقابلهم وعارضهم قوم من بني سليم.

 

ولو أخذنا بالقصة الأخرى عند أحمد بن حنبل والبخاري يكون محمد أرسلهم للحرب ومعاونة قوم من بني سليم خدعوه وزعموا أنهم أسلموا ويريدون الاستعانة بجند من عنده للنهب والسلب والتخريب، ما جعله يطمع ماديًا وإستيراتيجيًا ويرسل السبعين ولاسيما وأن بني سليم طالما بادؤوه بالعدوان والمشاكسات _حسب الراوية الإسلامية_باعتبارهم حلفاء قريش قوم محمد. وفي كلا القصتين كان الغرض عسكريًا لا سلميًا، وفي تلك المرحلة من الإسلام لم يكن من سلم ربما إلا بعد صلح الحديبية سنة 7 هـ لمدة عام كامل تقريبًا. ويستنكر القمني أن يُخدَع محمدٌ مرتين بنفس الأسلوب ومتتاليتان، فهو ليس ساذجًا.

 

ولكن الواقدي وابن هشام يرويان قصة مختلفة، فإحدى القصص الثلاث صادقة واثنتان كاذبتان بلا ريب، يقول الواقدي:

 

غَزْوَةُ بِئْرِ مَعُونَةَ

فِى صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلاثِينَ شَهْرًا

حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَأَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَغَيْرُ هَؤُلاءِ الْمُسَمّينَ وَقَدْ جَمَعْت كُلّ الّذِى حَدّثُونِى، قَالُوا: قَدِمَ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ أَبُو الْبَرَاءِ مَلاعِبَ الأَسِنّةِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللّهِ ص فَرَسَيْنِ وَرَاحِلَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا أَقَبْلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ” فَعَرَضَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَيْهِ الإِسْلامَ، فَلَمْ يُسْلِمْ، وَلَمْ يُبْعِدْ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ إنّى أَرَى أَمْرَك هَذَا أَمْرًا حَسَنًا شَرِيفًا؛ وَقَوْمِى خَلْفِى، فَلَوْ أَنّك بَعَثْت نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك مَعِى لَرَجَوْت أَنْ يُجِيبُوا دَعْوَتَك وَيَتّبِعُوا أَمْرَك، فَإِنْ هُمْ اتّبَعُوك فَمَا أَعَزّ أَمْرَك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّى أَخَافُ عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ”. فَقَالَ عَامِرٌ: لا تَخَفْ عَلَيْهِمْ أَنَا لَهُمْ جَارٍ أَنْ يَعْرِضَ لَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ.

وَكَانَ مِنْ الأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلاً شَبَبَةً يُسَمّونَ الْقُرّاءَ كَانُوا إذَا أَمْسَوْا أَتَوْا نَاحِيَةً مِنْ الْمَدِينَةِ فَتَدَارَسُوا وَصَلّوْا، حَتّى إذَا كَانَ وِجَاهَ الصّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنْ الْمَاءِ وَحَطِبُوا مِنْ الْحَطَبِ، فَجَاءُوا بِهِ إلَى حِجْرِ رَسُولِ اللّهِ ص، وَكَانَ أَهْلُوهُمْ يَظُنّونَ أَنّهُمْ فِى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يَظُنّونَ أَنّهُمْ فِى أَهْلِيهِمْ، فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص، فَخَرَجُوا فَأُصِيبُوا فِى بِئْرِ مَعُونَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى قَتَلَتِهِمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ: كَانُوا سَبْعِينَ، وَيُقَالُ: إنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ وَرَأَيْت الثّبْتَ عَلَى أَنّهُمْ أَرْبَعُونَ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ ص مَعَهُمْ كِتَابًا، وَأَمّرَ عَلَى أَصْحَابِهِ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو السّاعِدِىّ، فَخَرَجُوا حَتّى كَانُوا عَلَى بِئْرِ مَعُونَةَ، وَهُوَ مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِى سُلَيْمٍ، وَهُوَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِى عَامِرٍ وَبَنِى سُلَيْمٍ وَكِلا الْبَلَدَيْنِ يُعَدّ مِنْهُ.

فَحَدّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَرَجَ الْمُنْذِرُ بِدَلِيلٍ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: الْمُطّلِبُ، فَلَمّا نَزَلُوا عَلَيْهَا عَسْكَرُوا بِهَا وَسَرّحُوا ظَهْرَهُمْ، وَبَعَثُوا فِى سَرْحِهِمْ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّةِ وَعَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ، وَقَدّمُوا حَرَامَ ابْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ ص إلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ فِى رِجَالٍ مِنْ بَنِى عَامِرٍ، فَلَمّا انْتَهَى حَرَامٌ إلَيْهِمْ لَمْ يَقْرَءُوا الْكِتَابَ، وَوَثَبَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ عَلَى حَرَامٍ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِى عَامِرٍ، فَأَبَوْا، وَقَدْ كَانَ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو بَرَاءٍ خَرَجَ قَبْلَ الْقَوْمِ إلَى نَاحِيَةِ نَجْدٍ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ قَدْ أَجَارَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ فَلا يَعْرِضُوا لَهُمْ، فَقَالُوا: لَنْ يُخْفَرَ جِوَارُ أَبِى بَرَاءٍ، وَأَبَتْ عَامِرٌ أَنْ تَنْفِرَ مَعَ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ، فَلَمّا أَبَتْ عَلَيْهِ بَنُو عَامِرٍ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ سُلَيْمٍ - عُصَيّةَ وَرِعْلاً - فَنَفَرُوا مَعَهُ وَرَأّسُوهُ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: أَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا أَقْبَلُ هَذَا وَحْدَهُ فَاتّبَعُوا إثْرَهُ حَتّى وَجَدُوا الْقَوْمَ قَدْ اسْتَبْطَئُوا صَاحِبَهُمْ، فَأَقْبَلُوا فِى إثْرِهِ، فَلَقِيَهُمْ الْقَوْمُ وَالْمُنْذِرُ مَعَهُمْ فَأَحَاطَتْ بَنُو عَامِرٍ بِالْقَوْمِ وَكَاثَرُوهُمْ، فَقَاتَلَ الْقَوْمُ حَتّى قُتِلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ص. وَبَقِىَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالُوا لَهُ: إنْ شِئْت آمَنّاك. فَقَالَ: لَنْ أُعْطِىَ بِيَدِى، وَلَنْ أَقْبَلَ لَكُمْ أَمَانّا، حَتّى آتِىَ مَقْتَلَ حَرَامٍ، ثُمّ بَرِئَ مِنّى جِوَارُكُمْ، فَآمَنُوهُ حَتّى أَتَى مَصْرَعَ حَرَامٍ ثُمّ بَرِئُوا إلَيْهِ مِنْ جِوَارِهِمْ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ حَتّى قُتِلَ فَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ ص: “أَعْنَقَ لِيَمُوتَ”.

وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بِالسّرْحِ، وَقَدْ ارْتَابَا بِعُكُوفِ الطّيْرِ عَلَى مَنْزِلِهِمْ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْ مَنْزِلِهِمْ، فَجَعَلا يَقُولانِ: قُتِلَ وَاَللّهِ أَصْحَابُنَا؛ وَاَللّهِ مَا قَتَلَ أَصْحَابَنَا إلاّ أَهْلُ نَجْدٍ فَأَوْفَى عَلَى نَشَزٍ مِنْ الأَرْضِ، فَإِذَا أَصْحَابُهُمْ مَقْتُولُونَ وَإِذَا الْخَيْلُ وَاقِفَةٌ، فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ لعمرو بْنِ أُمَيّةَ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللّهِ ص فَأُخْبِرَهُ الْخَبَرَ.

فَقَالَ الْحَارِثُ: مَا كُنْت لأَتَأَخّرَ عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ، فَأَقْبَلا لِلْقَوْمِ، فَقَاتَلَهُمْ الْحَارِثُ حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ، ثُمّ أَخَذُوهُ فَأَسَرُوهُ وَأَسَرُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ، وَقَالُوا لِلْحَارِثِ: مَا تُحِبّ أَنْ نَصْنَعَ بِك، فَإِنّا لا نُحِبّ قَتْلَك؟ قَالَ: أَبْلِغُونِى مَصْرَعَ الْمُنْذِرِ وَحَرَامٍ، ثُمّ بَرِئَتْ مِنّى ذِمّتُكُمْ، قَالُوا: نَفْعَلُ، فَبَلَغُوا بِهِ، ثُمّ أَرْسَلُوهُ، فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ، ثُمّ قُتِلَ فَمَا قَتَلُوهُ حَتّى شَرَعُوا لَهُ الرّمَاحَ فَنَظَمُوهُ فِيهَا، وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ، وَهُوَ أَسِيرٌ فِى أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يُقَاتِلْ: إنّهُ قَدْ كَانَتْ عَلَى أُمّى نَسَمَةٌ فَأَنْتَ حُرّ عَنْهَا وَجَزّ نَاصِيَتَهُ.

 

.....فَلَمّا جَاءَ رَسُولَ اللّهِ ص خَبَرُ بِئْرِ مَعُونَةَ، جَاءَ مَعَهَا فِى لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مُصَابُهُمْ، وَمُصَابُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِى مَرْثَدٍ، وَبَعَثَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَقُولُ: “هَذَا عَمَلُ أَبِى بَرَاءٍ، قَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا”، وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى قَتَلَتِهِمْ بَعْدَ الرّكْعَةِ مِنْ الصّبْحِ فِى صُبْحِ تِلْكَ اللّيْلَةِ الّتِى جَاءَهُ الْخَبَرُ، فَلَمّا قَالَ: “سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ”، قَالَ: “اللّهُمّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرًا؛ اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِى لِحْيَانَ وَزِعْبٍ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيّةَ، فَإِنّهُمْ عَصَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِى لِحْيَانَ وَعَضَلَ وَالْقَارّةَ; اللّهُمّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ ابْنِ هِشَامٍ، وَعَيّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غِفَارٌ غَفَرَ اللّهُ لَهَا، وَأَسْلَمَ سَالَمَهَا اللّهُ”، ثُمّ سَجَدَ، فَقَالَ: ذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَيُقَالُ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الآيَةُ.

وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، يَقُولُ: يَا رَبّ سَبْعِينَ مِنْ الأَنْصَارِ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، يَقُولُ: قَتَلْت مِنْ الأَنْصَارِ فِى مَوَاطِنَ سَبْعِينَ سَبْعِينَ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ جِسْرِ أَبِى عُبَيْدٍ سَبْعُونَ، وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى قَتْلَى مَا وَجَدَ عَلَى قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ.

وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ: أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتّى نُسِخَ {بَلّغُوا قَوْمَنَا أَنّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِىَ عَنّا وَرَضِينَا عَنْهُ}.

قَالُوا: وَأَقْبَلَ أَبُو بَرَاءٍ سَائِرًا، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ هِمّ، فَبَعَثَ مِنْ الْعِيصِ ابْنَ أَخِيهِ لَبِيَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهَدِيّةٍ فَرَسٍ فَرَدّهُ النّبِىّ ص وَقَالَ: “لا أَقَبْلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ” فَقَالَ لَبِيدٌ: مَا كُنْت أَظُنّ أَنّ أَحَدًا مِنْ مُضَرَ يَرُدّ هَدِيّةَ أَبِى بَرَاءٍ. فَقَالَ النّبِىّ ص: “لَوْ قَبِلْت هَدِيّةَ مُشْرِكٍ لَقَبِلْت هَدِيّةَ أَبِى بَرَاءٍ”.

قَالَ: فَإِنّهُ قَدْ بَعَثَ يَسْتَشْفِيكَ مِنْ وَجَعٍ بِهِ - وَكَانَتْ بِهِ الدّبَيْلَةُ، فَتَنَاوَلَ النّبِىّ ص جَبُوبَةً مِنْ الأَرْضِ فَتَفَلَ فِيهَا، ثُمّ نَاوَلَهُ وَقَالَ: “دُفْهَا بِمَاءٍ، ثُمّ اسْقِهَا إيّاهُ”. فَفَعَلَ فَبَرِئَ، وَيُقَالُ: إنّهُ بَعَثَ إلَيْهِ بِعُكّةَ عِسْلاً، فَلَمْ يَزَلْ يَلْعَقُهَا حَتّى بَرِئَ، فَكَانَ أَبُو بَرَاءٍ يَوْمَئِذٍ سَائِرًا فِى قَوْمِهِ يُرِيدُ أَرْضَ بَلِىّ، فَمَرّ بِالْعِيصِ، فَبَعَثَ ابْنَهُ رَبِيعَةَ مَعَ لَبِيدٍ يَحْمِلانِ طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لِرَبِيعَةَ: “مَا فَعَلَتْ ذِمّةُ أَبِيك”؟ قَالَ رَبِيعَةُ: نَقَضَتْهَا ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ أَوْ طَعْنَةٌ بِرُمْحٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “نَعَمْ”، فَخَرَجَ ابْنُ أَبِى بَرَاءٍ، فَخَبّرَ أَبَاهُ فَشَقّ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ، وَمَا صَنَعَ بِأَصْحَابِ النّبِىّ ص وَلا حَرَكَةَ بِهِ مِنْ الْكِبَرِ وَالضّعْفِ، فَقَالَ: أَخْفِرنِى ابْنَ أَخِى مِنْ بَيْنِ بَنِى عَامِرٍ.

وَسَارَ حَتّى كَانُوا عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَلِىّ، يُقَالُ لَهُ: الْهَدْمُ، فَيَرْكَبُ رَبِيعَةُ فَرَسًا لَهُ وَيَلْحَقُ عَامِرًا، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ فَأَخْطَأَ مَقَاتِلَهُ. وَتَصَايَحَ النّاسُ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: إنّهَا لَمْ تَضُرّنِى إنّهَا لَمْ تَضُرّنِى، وَقَالَ: قَضَيْت ذِمّةَ أَبِى بَرَاءٍ. وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: قَدْ عَفَوْت عَنْ عَمّى، هَذَا فِعْلَهُ وَقَالَ النّبِىّ ص: “اللّهُمّ اهْدِ بَنِى عَامِرٍ، وَاطْلُبْ خُفْرَتِى مِنْ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ”.

 

وحكى القصة ابن هشام بزيادات طفيفة، ومنها شعر لحسان بن ثابت:

 

قال ابن اسحاق: وقال حسان بن ثابت يحرض بني براء على عامر ابن الطُّفَيل:

بني أمِّ البنين ألم يَرُعْكم وأنتم من ذوائبِ أهلِ نجدِ

تهكمُ عامر بأبى بَرَاءٍ ليُخْفِرَه وما خدا كعمدِ

ألا أبلغْ ربيعةَ ذا المساعى فما أحدثْتَ في الحَدَثان بعدي

أبوك أبو الحروبِ أبو بَرَاءٍ وخالُك ماجدٌ حَكَمُ بنُ سَعْدِ

 

قال ابن هشام: حكم بن سعد: من القَيْن بن جَسْر، وأم البنين: بنت عمرو بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهي أم أبي براء.

 

ويقول كذلك:

 

شعر كعب بن مالك في بئر معونة: وأنشدني لكعب بن مالك في يوم بئر معونة، يعيِّر بني جعفر بن كلاب:

تركتم جارَكم لبني سُلَيمٍ مخافةَ حربِهم عَجْزًا وهُونَا

فلو حبلا تناولَ من عُقَيْل لمد بحبلِها حبلاً متينَا

 

وجاء في المعجم الكبير للطبراني:

 

139 - حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي ثنا محمد بن أبي عمر العدني أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: جاء ملاعب الأسنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية فعرض عليه الاسلام فأبى أن يسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإني لا أقبل هدية مشرك ) قال: فابعث إلى أهل نجد من شئت فأنا لهم جار فبعث إليهم بقوم فيهم المنذر بن عمرو وهو الذي كان يقال له المعتق أعتق عند الموت فاستجاش عليهم عامر بن الطفيل بني عامر فأبوا أن يطيعوه وأبوا أن يخفروا ملاعب الأسنة فاستجاش عليهم بني سليم فأطاعوه فاتبعهم بقريب من مائة رجل رام فأدركوهم ببئر معونة فقتلوهم إلا عمرو بن أمية الضمري

 

140 - حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وغيره أن عامر بن جعفر الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الاسلام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني لا أقبل هدية مشرك ) فقال عامر بن مالك: ابعث يا رسول الله من شئت من رسلك فأنا لهم جار فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا فيهم المنذر بن عمرو الساعدي يقال له اعتق ليموت عينا في أهل نجد فسمع لهم عامر بن الطفيل فاستنفر لهم بنو سليم فنفروا معه فقتلوهم ببئر معونة غير عمرو بن أمية الضمري أخذه عامر بن الطفيل فأرسله فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من بينهم وكان فيهم عامر بن فهيرة فزعم لي عروة أنه قتل يومئذ فلم يوجد جسده حين دفنوه يقول عروة وكانوا يرون أن الملائكة هي دفنته فقال حسان يحرض على عامر بن الطفيل:

 ( بني أم البنين ألم يرعكم ... وأنتم من ذوائب أهل نجد )

 ( تهكم عامر بأبي براء ... ليخفره وما خطأ كعمد )

 فطعن ربيعة بن عامر بن مالك عامر بن الطفيل في خفرته عامر بن مالك في فخذه طعنة فقده ولم يقل يونس في حديثه عن أبيه

 

وانظر مصنف عبد الرزاق رقم 9741 عن الزهري، بنحو حديث الطبراني في المعجم الكبير برقم 193

 

والأغلب أن محمداً أرسلهم عيناً على هذيل أو بني عامر ولمحاولة القيام بهجمة لو وجدوا فرصة، وكانوا في جوار ملاعب الأسنة حتى يصلوا إلى مرادهم من تلك المهمة التجسسية، وعلى طريقة إرهابيي العصر الحديث اليوم بأسلوبهم من غسيل الأدمغة والشمولية الفكرية ربما كانوا يحاولون دعوة البعض، وبهذا نجمع بين الروايات جمعًا معقولاً، أما القول أن محمدًا يرسل أربعين أو سبعين رجلاً شابًّا قويًا _على اختلاف الروايات_ للدعوة الدينية، فنتفق مع سيد محمود القمني أنه أمر غير معقول، فكان يمكنه إرسال رجلين أو ثلاثة من كبار السن وهو كافٍ جدًّا للغرض. ونتفق مع القمني في وجود تخبط في الروايات_أرى أنه يعكس خبث الطوايا وتخبئة الرواة للأغراض الشريرة لتلك التحركات التي فشلت وقتئذٍ_وأن من غير المعقول أن يرسل محمدٌ ستة للدعوة الدينية فيقتلوا ثم يكرر نفس الخطأ فيرسل سبعين أو أربعين مرة أخرى بعدها مباشرة ليقتلوا هم كذلك.

 

ولعل ما يؤكد رؤيتنا أنها كانت سرية للهجوم على هذيل، هو ما رواه مسلم وأحمد بن حنبل، ولعله يتعلق بنفس حادث بئر معونة حيث لم يرد في كتب السية خبر آخر عن هجوم للمسلمين على قبيلة هذيل، واللفظ لمسلم:

 

[ 1896 ] وحدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن علية عن علي بن المبارك حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سعيد مولى المهري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا إلى بني لحيان من هذيل فقال لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما

 

[ 1896 ] وحدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن يزيد بن أبي سعيد مولى المهري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل ثم قال للقاعد أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج

 

ورواه أحمد بن حنبل 11301 و11110 و11461 و11527 و11867 وأخرجه ابن أبي شيبة 14/454-455، ومسلم أيضاً (1896) (137)، وابن حبان (4729)، وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (2326) ، ومن طريقه مسلم (1896) (138) ، وأبو داود (2510) ، والبيهقي في "السنن" 9/48، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/82، ومن طريقه البيهقي في "السنن" 9/40 من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، والمزي في "تهذيب الكمال" 32/142 من طريق حرملة بن يحيى، ثلاثتهم عن ابن وهب، بهذا الإسناد. قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

 

 

 

 

 

 

 

 

اغتيال خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي

 

يقول مؤلف كتاب المحبر، ابن حبيب:

 

ثم سنة خمس. فيها أنفذ صلى الله عليه عبد الله بن أنيس الجهني إلى نبيح الهذلي فقتله بعرنة.

 

ويقول الواقدي:

 

بَابُ شَأْنِ سَرِيّةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ إلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ

قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: خَرَجْت مِنْ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ شَهْرًا، فَغِبْت اثْنَتَىْ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَقَدِمْت يَوْمَ السّبْتِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ الْمُحَرّمِ.

قَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ص أَنّ سُفْيَانَ بْنَ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِىّ، ثُمّ اللّحْيَانِىّ، وَكَانَ نَزَلَ عُرَنَةَ وَمَا حَوْلَهَا فِى نَاسٍ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ، فَجَمَعَ الْجُمُوعَ لِرَسُولِ اللّهِ ص وَضَوَى إلَيْهِ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَفْنَاءِ النّاسِ.

فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُنَيْسٍ، فَبَعَثَهُ سَرِيّةً وَحْدَهُ إلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: “انْتَسِبْ إلَى خُزَاعَةَ”، فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَعْرِفُهُ فَصِفْهُ لِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّك إذَا رَأَيْته هِبْته وَفَرِقْت مِنْهُ، وَذَكَرْت الشّيْطَانَ”، وَكُنْت لا أَهَابُ الرّجَالَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا فَرِقْت مِنْ شَىْءٍ قَطّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “بَلَى، آيَةٌ بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَنْ تَجِدَ لَهُ قُشَعْرِيرَةً إذَا رَأَيْته”.

وَاسْتَأْذَنْت النّبِىّ ص أَنْ أَقُولَ: فَقَالَ: “قُلْ مَا بَدَا لَك”. قَالَ: فَأَخَذْت سَيْفِى لَمْ أَزِدْ عَلَيْهِ وَخَرَجْت أَعْتَزِى إلَى خُزَاعَةَ، فَأَخَذْت عَلَى الطّرِيقِ حَتّى انْتَهَيْت إلَى قُدَيْدٍ، فَأَجِدُ بِهَا خُزَاعَةَ كَثِيرًا، فَعَرَضُوا عَلَىّ الْحُمْلانَ وَالصّحَابَةَ فَلَمْ أُرِدْ ذَلِكَ وَخَرَجْت حَتّى أَتَيْت بَطْنَ سَرِفَ، ثُمّ عَدَلْت حَتّى خَرَجْت عَلَى عُرَنَةَ، وَجَعَلْت أُخْبِرُ مَنْ لَقِيت أَنّى أُرِيدُ سُفْيَانَ بْنَ خَالِدٍ لأَكُونَ مَعَهُ حَتّى إذَا كُنْت بِبَطْنِ عُرَنَةَ لَقِيته يَمْشِى، وَوَرَاءَهُ الأَحَابِيشُ وَمَنْ اسْتَجْلَبَ وَضَوَى إلَيْهِ.

فَلَمّا رَأَيْته هِبْته، وَعَرَفْته بِالنّعْتِ الّذِى نَعَتَ لِى رَسُولُ اللّهِ ص، وَرَأَيْتنِى أَقْطُرُ فَقُلْت: صَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَدْ دَخَلْت فِى وَقْتِ الْعَصْرِ حِينَ رَأَيْته، فَصَلّيْت وَأَنَا أَمْشِى أُومِئُ إيمَاءً بِرَأْسِى، فَلَمّا دَنَوْت مِنْهُ قَالَ: مَنْ الرّجُلُ؟ فَقُلْت: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، سَمِعْت بِجَمْعِك لِمُحَمّدٍ فَجِئْتُك لأَكُونَ مَعَك، قَالَ: أَجَلْ إنّى لَفِى الْجَمْعِ لَهُ.

فَمَشَيْت مَعَهُ وَحَدّثْته فَاسْتَحْلَى حَدِيثِى، وَأَنْشَدْته شِعْرًا، وَقُلْت: عَجَبًا لِمَا أَحْدَثَ مُحَمّدٌ مِنْ هَذَا الدّينِ الْمُحْدَثِ فَارَقَ الآبَاءَ وَسَفّهَ أَحْلامَهُمْ، قَالَ: لَمْ يَلْقَ مُحَمّدٌ أَحَدًا يُشْبِهُنِى، قَالَ: وَهُوَ يَتَوَكّأُ عَلَى عَصًا يَهُدّ الأَرْضَ حَتّى انْتَهَى إلَى خِبَائِهِ وَتَفَرّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ إلَى مَنَازِلَ قَرِيبَةٍ مِنْهُ وَهُمْ مُطِيفُونَ بِهِ فَقَالَ: هَلُمّ يَا أَخَا خُزَاعَةَ فَدَنَوْت مِنْهُ فَقَالَ لِجَارِيَتِهِ: اُحْلُبِى، فَحَلَبَتْ، ثُمّ نَاوَلَتْنِى، فَمَصَصْت ثُمّ دَفَعْته إلَيْهِ، فَعَبّ كَمَا يَعُبّ الْجَمْلُ، حَتّى غَابَ أَنْفُهُ فِى الرّغْوَةِ، ثُمّ قَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسْت مَعَهُ حَتّى إذَا هَدَأَ النّاسُ وَنَامُوا وَهَدَأَ اغْتَرَرْته فَقَتَلْته وَأَخَذْت رَأْسَهُ، ثُمّ أَقْبَلْت وَتَرَكْت نِسَاءَهُ يَبْكِينَ عَلَيْهِ وَكَانَ النّجَاءُ مِنّى حَتّى صَعِدْت فِى جَبَلٍ فَدَخَلْت غَارًا.

وَأَقْبَلَ الطّلَبُ مِنْ الْخَيْلِ، وَالرّجَالِ تَوَزّعُ فِى كُلّ وَجْهٍ، وَأَنَا مُخْتَفٍ فِى غَارِ الْجَبَلِ وَضَرَبَتْ الْعَنْكَبُوتُ عَلَى الْغَارِ وَأَقْبَلَ رَجُلٌ وَمَعَهُ إدَاوَةٌ ضَخْمَةٌ وَنَعْلاهُ فِى يَدِهِ وَكُنْت حَافِيًا، وَكَانَ أَهَمّ أَمْرِى عِنْدِى الْعَطَشَ كُنْت أَذْكُرُ تِهَامَةَ وَحَرّهَا، فَوَضَعَ إدَاوَتَهُ وَنَعْلَهُ وَجَلَسَ يَبُولُ عَلَى بَابِ الْغَارِ ثُمّ قَالَ لأَصْحَابِهِ لَيْسَ فِى الْغَارِ أَحَدٌ.

فَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ وَخَرَجْت إلَى الإِدَاوَةِ، فَشَرِبْت مِنْهَا، وَأَخَذْت النّعْلَيْنِ فَلَبِسْتهمَا، فَكُنْت أَسِيرُ اللّيْلَ، وَأَتَوَارَى النّهَارَ حَتّى جِئْت الْمَدِينَةَ فَوَجَدْت رَسُولَ اللّهِ ص فِى الْمَسْجِدِ، فَلَمّا رَآنِى، قَالَ: “أَفْلَحَ الْوَجْهُ”، قُلْت: أَفْلَحَ وَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ، فَوَضَعْت رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَخْبَرْته خَبَرِى، فَدَفَعَ إلَىّ عَصًا، فَقَالَ: “تَخَصّرْ بِهَذِهِ فِى الْجَنّةِ، فَإِنّ الْمُتَخَصّرِينَ فِى الْجَنّةِ قَلِيلٌ”.

فَكَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ حَتّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى أَهْلَهُ أَنْ يُدْرِجُوهَا فِى كَفَنِهِ. وَكَانَ قَتْلُهُ فِى الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ شَهْرًا.

 

لنا أن نتشكك كل التشكك والريبة في تلك القصة المزعومة، فإن كان الأمر كذلك فلماذا لم تتحرك تلك الجموع التي جاءت من عدة أماكن للقيام بهجوم على يثرب؟! لماذا لا ترد أي أخبار عنها بعد قتل خالد بن سفيان؟! ولو صح الخبر فلماذا اختار محمد أسلوب قاطعي الطريق والتكفيريين الذين يهددون سلام كل جيرانهم فاكتسب هو وأتباعه عداوة الجميع إذ يحمون أنفسهم من هذا التعصب؟! ومحمد سبق له في قصة يوم الرجيع أن أرسل من يحاول نهب هذيل والتجسس عليها عدوانًا وبلا مبرر. وأي جمع وجيش هذا الذي يحمل معه النساء الظعائن في الهوادج ليضعهن في الأخطار؟!

 

والخبر ورد في مسند أحمد 16047 و 16048 بإسناده إلى ابن إسحاق، وقد ورد في السيرة لابن هشام والطبقات لمحمد بن سعد، وأخرجه أبو يعلى (905)، وابن خزيمة (983)، وابن حبان (7160) من طريق يعقوب بن إبراهيم، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (445) من طريق أحمد بن محمد بن أيوب، عن إبراهيم بن سعد، به. وأخرجه أبو داود (1249) (مختصراً)، وصححه ابن خزيمة (982) من طريق عبد الوارث، عن محمد بن إسحاق، به. وحسَّن الحافظ إسناد أبي داود في "الفتح" 2/437. وأخرجه البيهقي في "السنن" 3/256، وفي "الدلائل" 4/42 من طريق محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله يعني ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه عبد الله بن أنيس به. وهو في "سيرة ابن هشام" 2/619-620 عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، غير أنه سقط من إسناده ابن عبد الله بن أُنيس، به. وأخرجه بنحوه ابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2031) عن يعقوب ابن حميد، عن عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد ابن كعب قال: قال عبدُ الله بن أُنيس، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً: "من لي من خالد... "، وهذا إسناد منقطع، محمد بن كعب- وهو القرظي- لم يدرك عبد الله بن أنيس.

 

 

 

 

 

 

 

قتل عمرو بن أمية الضمري لرجل أعور عجوز بريء مسكين من بني كنانة

 

بعد حادثتي الرجيع وبئر معونة ومصاب محمد في أتباعه، أرسل محمد سنة 5ه عمرو بن أمية الضمري ليحاول اغتيال أبا سفيان بن حرب في مكة_وذكر ابن سعد في الطبقات أنها كذلك رداً على محاولة اغتيال لمحمد_، وليستنقذ جثة خبيب المصلوبة، ففشل في اغتيال المستهدف وقتل رجلين من القرشيين في طريقه، وأسر آخر، وما يهمنا هنا ما فعله مع رجل شيخ كبير السن مسالم يرعى الغنم لمجرد قوله شعراً ضد الإسلام، حيث قتله بطريقة وحشية بطعنه في عينه بطرف القوس، وهو ما يعكس طبيعة التعصب الديني عند هؤلاء

 

يقول ابن هشام:

 

...قال: ومضيت حتى أخرج على ضَجْنان، ثم أولت إلى جبل، فأدخل كهفاً، فبينا أنا فيه، إذ دخل عليَّ شيخ من بني الدِّيل أعور، في غُنَيمة له، فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني بكر، فمن أنت؟ قال: من بني بكر. فقلت: مرحباً، فاضطجع، ثم رفع عقيرته فقال:

 

ولستُ بمسلمٍ ما دمت حيّاً ... ولا دانٍ لدينِ المسلمينا

 

فقلت في نفسي: ستعلم، فأمهلته، حتى إذا نام أخذت قوسي، فجعلت سِيتَها في عينه الصحيحة، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم، ثم خرجت النَّجاءَ، حتى جئت العَرْج، ثم سلكت رَكوبَة، حتى إذا هبطت النَّقيع، إذا رجلان من قريش من المشركين، كانت قريش بعثتهما عَيْنًا إلى المدينة ينظران ويتحسسان، فقلت: استأسرا فأبيا، فأرمي أحدَهما بسهم فأقتلُه، واستأسر الاخر، فأوثقه رباطاً، وقَدِمت به المدينة.

 

ولبعض أحداث هذه العملية الإرهابية التسللية شاهد من مسند أحمد:

 

17252 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَحْدَهُ عَيْنًا إِلَى قُرَيْشٍ "، قَالَ: جِئْتُ إِلَى خَشَبَةِ خُبَيْبٍ وَأَنَا أَتَخَوَّفُ الْعُيُونَ، فَرَقِيتُ فِيهَا، فَحَلَلْتُ خُبَيْبًا، فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ، فَانْتَبَذْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ الْتَفَتُّ، فَلَمْ أَرَ خُبَيْبًا، وَلَكَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ، فَلَمْ يُرَ لِخُبَيْبٍ أَثَرٌ حَتَّى السَّاعَةِ وقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: " وَقَالَ لَنَا فِيهِ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا أَبِي فَحَدَّثَنَا عَنْهُ لَمْ يَذْكُرِ الزُّهْرِيَّ . وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِالْكُوفَةِ، فَجَعَلَهُ لَنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ "

 

إسناده ضعيف،  وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4193) و(856) والبيهقي في دلائل النبوة 3/331و332

 

ولعل جثة خبيب إن صحت هذه الأسطورة إنما تخطفتها ذئاب وضباع الصحراء.

 

______________

سيتها: طرفها.

العرج: واد بالحجاز.

ركوبة: ثنية بين مكة ويثرب.

النقيع: موضع ببلاد مزينة.

إجلاء بني النضير اليهود من وطنهم يثرب

 

لما كان محمد وأتباعه تعرضوا لضربات متتالية أضعفت هيبة الدولة والدين الجديد، من هزيمة أحد والرجيع وبئر معونة ومحاولة اغتيال محمد على يد مرسل من مكة، ارتأى أنه يجب أن يعمل على تخويف أعدائه بالاغتيالات كما أسلفنا التوضيح، ثم لما كان غير قادر في ذلك الوقت على الانتقام من المكيين، ولا الجري خلف الأعراب المستترين بالجبال والصحاري دون جدوى ولا طائل، قرر أن يطوع الأمور لصالحه ليوجه ضرباته لمن يقدر عليه فقط من القوى المعادية، وفق الخطة التالية، فيقول ابن هشام في سياق حادث بئر معونة:

 

وأخذوا عمرو بن أمية أسيرًا، فلما أخبرهم أنه من مضر، أطلقه عامر بن الطفيل، وجز ناصيته، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه.

 

فخرج عَمرو بن أمية، حتى إذا كان بالقَرْقَرة من صدْر قَناة (1)، أقبل رجلان من بني عامر. قال ابن هشام: ثم من بني كلاب، وذكر أبو عَمرو المدني أنهما من بني سُليم.

قال ابن اسحاق: حتى نزلا معه في ظل هو فيه. وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار، لم يعلم به عمرو بن أمية، وقد سالهم حين نزلا، ممن

 

قناة: مكان قريب من المدينة.

أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فامهلهما، حتىٍ إذا ناما، عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى

أنه قد أصاب بهما ثُؤْرة من بني عامر، فيما اصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر؟ قال رسول الله صلى: لقد قتلت قتيلين لأدِيَنَّهما؟

 

قال ابن اسحاق: ثم خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النَّضِير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر، اللذين قَتل عَمرو بن امية الضَّمْري، للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما، كما حدثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عَقد وحلف. فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين، قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببتَ....إلخ القصة

 

ويقول الواقدي:

 

أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ مِنْ بِئْرِ مَعُونَةَ حَتّى كَانَ بِقَنَاةٍ فَلَقِىَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِى عَامِرٍ فَنَسَبَهُمَا فَانْتَسَبَا، فَقَابَلَهُمَا حَتّى إذَا نَامَا وَثَبَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا. ثُمّ خَرَجَ حَتّى وَرَدَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ سَاعَتِهِ فِى قَدْرِ حَلْبِ شَاةٍ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “بِئْسَ مَا صَنَعْت، قَدْ كَانَ لَهُمَا مِنّا أَمَانٌ وَعَهْدٌ”، فَقَالَ: مَا شَعَرْت، كُنْت أَرَاهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا، وَكَانَ قَوْمُهُمَا قَدْ نَالُوا مِنّا مَا نَالُوا مِنْ الْغَدْرِ بِنَا، وَجَاءَ بِسَلَبِهِمَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص فَعُزِلَ سَلَبُهُمَا حَتّى بُعِثَ بِهِ مَعَ دِيَتِهِمَا.

وَذَلِكَ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص إنّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِك قَتَلَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْمِى، وَلَهُمَا مِنْك أَمَانٌ وَعَهْدٌ فَابْعَثْ بِدِيَتِهِمَا إلَيْنَا، فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى بَنِى النّضِيرِ يَسْتَعِينُ فِى دِيَتِهِمَا، وَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حُلَفَاءَ لِبَنِى عَامِرٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَ السّبْتِ فَصَلّى فِى مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، ثُمّ جَاءَ بَنِى النّضِيرِ فَيَجِدُهُمْ فِى نَادِيهِمْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ ص وَأَصْحَابُهُ فَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ يُعِينُوهُ فِى دِيَةِ الْكِلابِيّيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ. فَقَالُوا: نَفْعَلُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَحْبَبْت، قَدْ أَنَى لَك أَنْ تَزُورَنَا وَأَنْ تَأْتِيَنَا، اجْلِسْ حَتّى نُطْعِمَك وَرَسُولُ اللّهِ ص مُسْتَنِدٌ إلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ، ثُمّ خَلا بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَتَنَاجَوْا،...إلخ القصة

 

إن بالقصة ألغازاً وتصرفات عجيبة أثارت انتباه أستاذنا القمني، فإذا كان زعيم بني عامر، عامر بن الطفيل هو من حرض بني سليم على قتل رجال محمد، حتى لو أخذنا بقول كتب السيرة أن بني عامر أنفسهم لم يشاركوا في قتلهم ولم يطيعوه، فكيف لمحمد أن يتقبل بعدئذٍ بقليل وبصدر رحب مطالبة عدوه بوقاحة بديتي القتيلين على أساس وجود أمان مزعوم ما لهذين الشخصين! ناهيك عن عدم حماية بني عامر لمن هو في حمايتهم وجوارهم وهو عارٌ ومسؤولية في عرف عرب شبه الجزيرة العربية وأخلاقهم...في الواقع أميل إلى الأخذ برأي القمني أنه مجرد تبرير وضعه كتبة السيرة أو قام به محمد للقيام بالعدوان على يهود بني الضمير، وباعتبار أنه كتب عهد دفاع مشترك بعد أُحُد مع اليهود (وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين)، فقد طلب منهم دية العامريين كمساعدة منهم، هنا هو يحملهم مسؤولية أفعال أتباعه المسلمين وانخراطهم في العنف والقتال مع كل جيرانهم، ويستنزفهم ماليًّاً تحت ضغط التهديد بالحرب والعنف، إضافة إلى أن مساعدتهم لرجل يعاديهم دينيًّا لأنهم قاوموا ديانته ومزاعمه شيء يستنزف قواهم ومالياتهم ولا يفيدهم بأدنى شيء، بل يجعلهم يخسرون حلفهم مع بني عامر....ثم تزعم القصة أن محمد جاءه الخبر "من السماء" أن اليهود حاولوا إلقاء صخرة ضخمة عليه من فوق، فأعلن الحرب عليهم، في الواقع لا يمكن الاطمئنان من غير المؤمنين بهذه المزاعم الخرافية بخبر السماء المزعوم هذا، إلا أن يكون محمد_لو كانت قصته بها شيء من الصدق_عرف بطريقة ما من خلال جاسوس او لمحة رآها بهذه المحاولة المزعومة لاغتياله. على كل في عرف العدالة والحق لا يمكن أن نطرد مجموعة سكانية وجنس من الأجناس أو أتباع ديانة من وطنهم، لأن أحدهم أو بعضهم حاول قتل شخص أو زعيم ما أو شخص يزعم أنه رسول من إله وهمي مزعوم. لا يمكننا لوم قوم سبق لمحمد أن مارس ضدهم العنف والعنصرية المماثلة للنازية وأمر بقتل أي شخص منهم لأجل عقيدته، كما رأينا في قصة قتل محيصة لليهودي الذي كان يحسن إليه.

 

لننظر إلى قول حيي أنها مكيدة، حسب الواقدي:

 

......وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِىَ ابْنَ أُبَىّ فَيُخْبِرَهُ بِرِسَالَتِهِ إلَى مُحَمّدٍ وَيَأْمُرَهُ بِتَعْجِيلِ مَا وَعَدَ مِنْ النّصْرِ.

فَذَهَبَ جُدَىّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص بِاَلّذِى أَرْسَلَهُ حُيَىّ، فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَهُوَ جَالِسٌ فِى أَصْحَابِهِ، فَأَخْبَرَهُ فَأَظْهَرَ رَسُولُ اللّهِ ص التّكْبِيرَ وَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ لِتَكْبِيرِهِ، وَقَالَ: “حَارَبْت الْيَهُود” وَخَرَجَ جُدَىّ حَتّى دَخَلَ عَلَى ابْنِ أُبَىّ، وَهُوَ جَالِسٌ فِى بَيْتِهِ مَعَ نَفِيرٍ مِنْ حُلَفَائِهِ، وَقَدْ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ص يَأْمُرُهُمْ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِى النّضِيرِ، فَيَدْخُلُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ عَلَى عَبْدِ اللّهِ أَبِيهِ وَعَلَى النّفَرِ مَعَهُ، وَعِنْدَهُ جُدَىّ بْنُ أَخْطَبَ، فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَخَرَجَ يَعْدُو، فَقَالَ جُدَىّ: لَمّا رَأَيْت ابْنَ أُبَىّ جَالِسًا فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وَابْنُهُ عَلَيْهِ السّلاحُ يَئِسْت مِنْ نَصْرِهِ فَخَرَجْت أَعْدُو إلَى حُيَىّ، فَقَالَ: مَا وَرَاءَك؟ قُلْت: الشّرّ سَاعَةَ أَخْبَرْت مُحَمّدًا بِمَا أَرْسَلْت بِهِ إلَيْهِ أَظْهَرَ التّكْبِيرَ، وَقَالَ: “حَارَبْت الْيَهُودَ”، فَقَالَ: هَذِهِ مَكِيدَةٌ مِنْهُ، قَالَ: وَجِئْت ابْنَ أُبَىّ فَأَعْلَمْته، وَنَادَى مُنَادِى مُحَمّدٍ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِى النّضِيرِ.

 

نعم لم تكن المسألة دية عامريين، بل هي أسلوب استفزاز، أستفزك وأحملك فوق طاقتك وأبتزك، لأوقعك في الخطإ_لو كانت قصة محاولة الاغتيال صحيحة_، ثم أتظاهر أني بريء ومستقيم وطاهر!

 

وقد اعتبر محمد يثرب بلداً ملكاً له، بعدما كان لاجئًا لها، يطرد منه من أراد، من مواطنيه وأبنائه:

 

يقول الواقدي:

 

.....فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “هَمّتْ الْيَهُودُ بِالْغَدْرِ بِى”، فَأَخْبَرَنِى اللّهُ بِذَلِكَ فَقُمْت، وَجَاءَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى يَهُودِ بَنِى النّضِيرِ، فَقُلْ لَهُمْ: إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِى إلَيْكُمْ أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِه.

..... قَالَ: قَدْ فَرَغْت، إنّ رَسُولَ اللّهِ ص أَرْسَلَنِى إلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ: قَدْ نَقَضْتُمْ الْعَهْدَ الّذِى جَعَلْت لَكُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ بِى، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا كَانُوا ارْتَأَوْا مِنْ الرّأْىِ، وَظُهُورِ عَمْرِو بْنِ جَحّاشٍ عَلَى الْبَيْتِ يَطْرَحُ الصّخْرَةَ، فَأَسْكَتُوا، فَلَمْ يَقُولُوا حَرْفًا.

وَيَقُولُ: اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِى، فَقَدْ أَجّلْتُكُمْ عَشْرًا فَمَنْ رُئِىَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبْت عُنُقَهُ، قَالُوا: يَا مُحَمّدُ مَا كُنّا نَرَى أَنْ يَأْتِىَ بِهَذَا رَجُلٌ مِنْ الأَوْسِ.

قَالَ مُحَمّدٌ: تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ أَيّامًا يَتَجَهّزُونَ وَأَرْسَلُوا إلَى ظَهْرٍ لَهُمْ بِذِى الْجَدْرِ تُجْلَبُ وَتَكَارَوْا مِنْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ إبِلاً وَأَخَذُوا فِى الْجَهَازِ.

 

لقد تخلى الجميع عن مساعدة بني النضير، من القبائل اليهودية العربية المستعربة الأخرى وخاصة بني قريظة، وحلفاء اليهود من قبيلة غطفان، ووعدهم أبي بن سلول بمساعدتهم ثم لم يستطع لعجزه واختلال ميزان القوة لصالح الإسلام أن يفعل حرفًا مما وعد به، كما ذكر القرآن وكتب السيرة، يمكننا أن نقول أن تخاذل اليهود والوثنيين ضد العنصرية الإسلامية وتناميها هو ما أدى إلى دمارهم فتعرض الوثنيون للمذابح والإبادة والإكراه، وتعرض اليهود للقتل والنفي خارج كل الجزيرة العربية، وينطبق عليهم مثل قصة كتاب كليلة ودمنة: (لقد أُكِلْتُ يومَ قُتِل الثور الأبيض).

 

يقول الواقدي:

 

فَقَالَ سَلاّمٌ: لَيْسَ قَوْلُ ابْنِ أُبَىّ بِشَيْءٍ إنّمَا يُرِيدُ ابْنُ أُبَىّ أَنْ يُوَرّطَك فِى الْهَلَكَةِ حَتّى تُحَارِبَ مُحَمّدًا، ثُمّ يَجْلِسُ فِى بَيْتِهِ وَيَتْرُكُك. قَدْ أَرَادَ مِنْ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ النّصْرَ فَأَبَى كَعْبٌ، وَقَالَ: لا يَنْقُضُ الْعَهْدَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ وَأَنَا حَىّ، وَإِلاّ فَإِنّ ابْنَ أُبَىّ قَدْ وَعَدَ حُلَفَاءَهُ مِنْ بَنِى قَيْنُقَاعَ مِثْلَ مَا وَعَدَك حَتّى حَارَبُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَحَصَرُوا أَنَفْسَهُمْ فِى صَيَاصِيِهِمْ، وَانْتَظَرُوا نُصْرَةَ ابْنِ أُبَىّ، فَجَلَسَ فِى بَيْتِهِ وَسَارَ مُحَمّدٌ إلَيْهِمْ فَحَصَرَهُمْ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَابْنُ أُبَىّ لا يَنْصُرُ حُلَفَاءَهُ، وَمَنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ النّاسِ كُلّهِمْ، وَنَحْنُ لَمْ نَزَلْ نَضْرِبُهُ بِسُيُوفِنَا مَعَ الأَوْسِ فِى حَرْبِهِمْ كُلّهَا، إلَى أَنْ تَقَطّعَتْ حَرْبُهُمْ فَقَدِمَ مُحَمّدٌ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ، وَابْنُ أُبَىّ لا يَهُودِىّ عَلَى دِينِ يَهُودَ، وَلا عَلَى دِينِ مُحَمّدٍ، وَلا هُوَ عَلَى دِين قَوْمِهِ، فَكَيْفَ تَقْبَلُ مِنْهُ قَوْلاً قَالَهُ؟ قَالَ حُيَىّ: تَأْبَى نَفْسِى إلاّ عَدَاوَةَ مُحَمّدٍ وَإِلاّ قِتَالَهُ.

 

هكذا فإن حرص المجموعات المختلفة على مصالحها الضيقة وخلافاتها القديمة وعدم إدراكهم لقوة المشروع المحمدي والمستجدات وكيفية مواكبتها ساعد كثيرًا على القضاء على تلك المجموعات واحدة تلو الأخرى بالنفي لليهود، وبتكميم أفواه ضعفاء الرأي والفكر والقلب، لم يكن أبي بن سلول ملحدًا مفكرًا حرًّا، بل شخصًا بلا مبادئ لا يتقيد بأي شيء تقريبًا، يسعى لمصالحه الشخصية وينافق محمدًا والمسلمين، لولا ذلك لكان ذكره التاريخ بما هو أفضل بكثير، لكنه كان غالبًا سيتعرض لقتلٍ عاجل منهم فلا يسعنا لومه كثيرًا.

 

ولما حاصر المسلمون ومحمد حصون يهود بني النضير وكانوا لم يتمكنوا من اقتحامها بعد، فقد قاموا بحرق زروعهم من النخيل والذي كان ثروتهم ومصدراً غذائيًا هامًا في تلك البلاد، فهل من يتلف المزروعات يكون حزب الخير والهدى:

وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَحْمِلُ التّمْرَ إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَقَامُوا فِى حِصْنِهِمْ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِالنّخْلِ فَقُطِعَتْ وَحُرِقَتْ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِهَا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِىّ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلاّمٍ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلاّمٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ، فَقِيلَ لَهُمَا فِى ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو لَيْلَى: كَانَتْ الْعَجْوَةُ أَحْرَقَ لَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ سَلاّمٍ: قَدْ عَرَفْت أَنّ اللّهَ سَيُغْنِمُهُ أَمْوَالَهُمْ وَكَانَتْ الْعَجْوَةُ خَيْرَ أَمْوَالِهِمْ فَنَزَلَ فِى ذَلِكَ رِضَاءً بِمَا صَنَعْنَا جَمِيعًا، مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَلْوَانِ النّخْلِ لِلّذِى فَعَلَ ابْنُ سَلاّمٍ، أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا، يَعْنِى الْعَجْوَةَ، فَبِإِذْنِ اللّهِ وَقَطَعَ أَبُو لَيْلَى الْعَجْوَةَ، وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ، يَعْنِى بَنِى النّضِيرِ رِضَاءً مِنْ اللّهِ بِمَا صَنَعَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، فَلَمّا قُطِعَتْ الْعَجْوَةُ شَقّ النّسَاءُ الْجُيُوبَ وَضَرَبْنَ الْخُدُودَ وَدَعَوْنَ بِالْوَيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَا لَهُنّ”؟ فَقِيلَ: يَجْزَعْنَ عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّ مِثْلَ الْعَجْوَةِ جُزِعَ عَلَيْهِ”، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “الْعَجْوَةُ وَالْعَتِيقُ الْفَحْلُ الّذِى يُؤَبّرُ بِهِ النّخْلُ مِنْ الْجَنّةِ، وَالْعَجْوَةُ شِفَاءٌ مِنْ السّمّ”.

 

......... وَجَزِعُوا عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ فَجَعَلَ سَلاّمُ بْنُ مِشْكَمٍ يَقُولُ: يَا حُيَىّ، الْعَذْقُ خَيْرٌ مِنْ الْعَجْوَةِ يُغْرَسُ فَلا يُطْعِمُ ثَلاثِينَ سَنَةً يُقْطَعُ فَأَرْسَلَ حُيَىّ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص يَا مُحَمّدُ إنّك كُنْت تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ لِمَ تَقْطَعُ النّخْلَ؟ نَحْنُ نُعْطِيك الّذِى سَأَلْت، وَنَخْرُجُ مِنْ بِلادِك. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا أَقْبَلُهُ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ اُخْرُجُوا مِنْهَا وَلَكُمْ مَا حَمَلَتْ الإِبِلُ إلاّ الْحَلْقَةُ”.

 

ومن آيات التحريض العنصري والسرور بمعاناة البشر، ما في القرآن:

ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله به من نقمته. وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عمل به فيهم، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ الله فَأَتَاهُمْ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}، وذلك لهدمهم بيوتَهم عن نُجُفِ أبوابهم إذ احتملوها {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ. وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ الله عَلَيْهِمْ الْجَلَاءَ} [الحشر: 2،3] وكان لهم من الله نقمة، {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}: أي بالسيف، {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} [الحشر: 3] مع ذلك {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا}. واللينة: ما خالف العجوة من النخل {فَبِإِذْنِ الله}: أي فبامر الله قُطعت، لم يكن فسادا، ولكن كان نقمة من الله {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5]. قال ابن هشام: اللينة: من الألوان، وهى ما لم تكن بَرْنية، ولا عجوة من النخل.

 

وجاء في السيرة النبوية لابن هشام:

 

قال ابن اسحاق: فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها

 

ويروي البخاري:

4031 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَنَزَلَتْ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}

 

لم يكن الأمر إلا محض عملية حرب تعصب وسعي لفرض دين محمد على يهود يثرب، ومنهم بنو النضير، يروي الواقدي:

 

..... فَأَبَى حُيَىّ أَنْ يَقْبَلَ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: وَإِنّك لَتَعْلَمُ أَنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ فَمَا تَنْتَظِرُ أَنْ نُسْلِمَ، فَنَأْمَنَ عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا؟ فَنَزَلا مِنْ اللّيْلِ فَأَسْلَمَا فَأَحْرَزَا دِمَاءَهُمَا وَأَمْوَالَهُمَا.

 

ويؤكد الخبر ابن هشام:

 

ولم يسلم من بني النضير إلارجلان: يامينُ بنُ عُمَيْر، أبو كعب بن عمرو بن جِحاش، وأبو سعد بن وهب، - أسلما على أموالهما فاحرزاها.

 

وهكذا طردهم محمد من وطنهم واستولى على أرضهم واستحل ونهب أملاكهم ومزروعاتهم هو ومن معه، وجعلهم يتخلون عن ديونهم أو أجزاء منها مما كان مدينًا به  المسلمون لهم، بينما ذهب بعضهم إلى الشام وآخرون إلى اليمن وبعضهم إلى حصون خيبر في يثرب مع بني قريظة، يقول الواقدي:

وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَأَجَلاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ الْمَدِينَةِ، وَوَلِىَ إخْرَاجَهُمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالُوا: إنّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النّاسِ إلَى آجَالٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “تَعَجّلُوا، وَضَعُوا”، فَكَانَ لأَبِى رَافِعٍ سَلاّمُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ عَلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِشْرُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ ثَمَانِينَ دِينَارًا، وَأَبْطَلَ مَا فَضَلَ.

وَكَانُوا فِى حِصَارِهِمْ يُخَرّبُونَ بُيُوتَهُمْ مِمّا يَلِيهِمْ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُخَرّبُونَ مَا يَلِيهِمْ وَيُحَرّقُونَ حَتّى وَقَعَ الصّلْحُ فَتَحَمّلُوا، فَجَعَلُوا يَحْمِلُونَ الْخَشَبَ وَنُجُفَ الأَبْوَابِ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لِصَفِيّةَ بِنْتِ حُيَىّ: “لَوْ رَأَيْتنِى وَأَنَا أَشُدّ الرّحْلَ لِخَالِك بَحْرِىّ بْنِ عَمْرٍو، وَأُجْلِيهِ مِنْهَا”، وَحَمَلُوا النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ فَخَرَجُوا عَلَى بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ عَلَى الْجَبَلِيّةِ، ثُمّ عَلَى الْجِسْرِ حَتّى مَرّوا بِالْمُصَلّى، ثُمّ شَقّوا سُوقَ الْمَدِينَةِ، وَالنّسَاءُ فِى الْهَوَادِجِ عَلَيْهِنّ الْحَرِيرُ وَالدّيبَاجُ وَقُطُفُ الْخَزّ الْخُضْرُ وَالْحُمْرُ، وَقَدْ صَفّ لَهُمْ النّاسُ فَجَعَلُوا يَمُرّونَ قِطَارًا فِى أَثَرِ قِطَارٍ، فَحُمِلُوا عَلَى سِتّمِائَةِ بَعِيرٍ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ ص: “هَؤُلاءِ فِى قَوْمِهِمْ بِمَنْزِلَةِ بَنِى الْمُغِيرَةِ فِى قُرَيْشٍ”.

 

واستولى محمد على أموالهم مستحلاً النهب والسلب، شأنه شأن كل عرب وروم ذلك الزمن القديم الهمجيّ، فاغتنى منه، وعلى كثرة أملاكه يحدثنا بعض أصحاب كتب الأحاديث أحاديث خرافية عن فقر وزهد محمد وأنه مات لا يملك شيئًا، وهو كلام للسذج ومن لايعرف، فإنه له أملاكه في النضير ثم في خيبر بعدها وغيرها من أملاك وغنائم كان له في بعضها الخمس وبعضها كان له كله، وقد تيسرت أحوال أتباعه بتوزيعه من أملاك النضير على المهاجرين، فألغى تشريع الإخاء بين المهاجرين والأنصار الذي كان تبعة وتكلفة على الأنصار سكان يثرب الأصليين، وتشجيعًا للنظام الإقطاعيّ الطبقيّ أعطى محمدٌ تمييزًا بعض صحبه آبار وأراضي من آبار بني النضير:

 

حَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: وَقَبَضَ رَسُولُ اللّهِ ص الأَمْوَالَ، وَقَبَضَ الْحَلْقَةَ فَوَجَدَ مِنْ الْحَلْقَةِ خَمْسِينَ دِرْعًا، وَخَمْسِينَ بَيْضَةً وَثَلاثَمِائَةِ سَيْفٍ وَأَرْبَعِينَ سَيْفًا. وَيُقَالُ غَيّبُوا بَعْضَ سِلاحِهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ.

وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الّذِى وَلِىَ قَبْضَ الأَمْوَالِ وَالْحَلْقَةَ وَكَشْفَهُمْ عَنْهَا.

فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلا تُخَمّسُ مَا أَصَبْت مِنْ بَنِى النّضِيرِ كَمَا خَمّسْت مَا أَصَبْت مِنْ بَدْرٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا أَجْعَلُ شَيْئًا جَعَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِى دُونَ الْمُؤْمِنِينَ” بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الآيَةُ كَهَيْئَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ السّهْمَانِ لِلْمُسْلِمِينَ”.

وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ ص ثَلاثُ صَفَايَا، فَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ، وَكَانَتْ فَدَكُ لابْنِ السّبِيلِ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ قَدْ جَزّأَهَا ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجُزْءَانِ لِلْمُهَاجِرِينَ، وَجُزْءٌ كَانَ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنّ فَضْلَ رَدّهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ.

حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ عُمَرَ الْحَارِثِىّ، عَنْ أَبِى عُفَيْرٍ، قَالَ: إنّمَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ بَنِى النّضِيرِ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً، فَأَعْطَى مَنْ أَعْطَى مِنْهَا وَحَبَسَ مَا حَبَسَ، وَكَانَ يَزْرَعُ تَحْتَ النّخْلِ زَرْعًا كَثِيرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص يَدْخُلُ لَهُ مِنْهَا قُوتُ أَهْلِهِ سَنَةً مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ لأَزْوَاجِهِ وَبَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِى الْكُرَاعِ وَالسّلاحِ وَإِنّهُ كَانَ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ ذَلِكَ السّلاحُ الّذِى اُشْتُرِىَ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ص.

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَمْوَالِ بَنِى النّضِيرِ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاهُ وَرُبّمَا جَاءَ رَسُول اللّهِ ص بِالْبَاكُورَةِ مِنْهَا، وَكَانَتْ صَدَقَاتُهُ مِنْهَا وَمِنْ أَمْوَالِ مُخَيْرِيقٍ. وَهِىَ سَبْعَةُ حَوَائِطَ - الْمِيثَبُ وَالصّافِيَةُ وَالدّلاّلُ وَحُسْنَى، وَبُرْقَةُ وَالأَعْوَافُ وَمَشْرَبَةُ أُمّ إبْرَاهِيمَ، وَكَانَتْ أُمّ إبْرَاهِيمَ تَكُون هُنَاكَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص يَأْتِيهَا هُنَاكَ.

وَقَالُوا: إنّ رَسُولَ اللّهِ ص لَمّا تَحَوّلَ مِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى الْمَدِينَةِ تَحَوّلَ أَصْحَابُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَنَافَسَتْ فِيهِمْ الأَنْصَارُ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ حَتّى اقْتَرَعُوا فِيهِمْ بِالسّهْمَانِ فَمَا نَزَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ إلاّ بِقُرْعَةِ سَهْمٍ.

فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمّ الْعَلاءِ قَالَتْ: صَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِى الْقُرْعَةِ وَكَانَ فِى مَنْزِلِنَا حَتّى تُوُفّىَ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِى دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَمّا غَنِمَ رَسُولُ اللّهِ ص بَنِى النّضِيرِ دَعَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَقَالَ: “اُدْعُ لِى قَوْمَك” قَالَ ثَابِتٌ: الْخَزْرَجَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “الأَنْصَارَ كُلّهَا”، فَدَعَا لَهُ الأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ ص فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ ذَكَرَ الأَنْصَارَ وَمَا صَنَعُوا بِالْمُهَاجِرِينَ، وَإِنْزَالَهُمْ إيّاهُمْ فِى مَنَازِلِهِمْ، وَأَثَرَتَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ثُمّ قَالَ: “إنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْت بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَىّ مِنْ بَنِى النّضِيرِ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ السّكْنَى فِى مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتهمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ”، فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالا: يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَقْسِمُهُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَيَكُونُونَ فِى دُورِنَا كَمَا كَانُوا، وَنَادَتْ الأَنْصَارُ: رَضِينَا وَسَلّمْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “اللّهُمّ ارْحَمْ الأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ”، فَقَسَمَ رَسُولُ اللّهِ ص مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَى الْمُهَاجِرِينَ، وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ الأَنْصَارِ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْءِ شَيْئًا، إلاّ رَجُلَيْنِ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ - سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ، وَأَبَا دُجَانَةَ، وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَكَانَ سَيْفًا لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَهُمْ.

قَالُوا: وَكَانَ مِمّنْ أَعْطَى مِمّنْ سُمّىَ لَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ بِئْرَ حِجْرٍ، وَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ بِئْرَ جَرْمٍ وَأَعْطَى عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سُؤَالَةَ - وَهُوَ الّذِى يُقَالُ لَهُ: مَالُ سُلَيْمٍ.

وَأَعْطَى صُهَيْبَ بْنَ سِنَانَ الضّرّاطَةَ وَأَعْطَى الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ الْبُوَيْلَةَ. وَكَانَ مَالُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِى دُجَانَةَ مَعْرُوفًا، يُقَالُ لَهُ: مَالُ ابْنِ خَرَشَةَ وَوَسّعَ رَسُولُ اللّهِ ص فِى النّاسِ مِنْهَا.

 

أما ابن هشام فكعادته منعًا للإحراج يكتفي بالقول دون تفصيل:

 

وخلَّوا الأموالَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً، يضعها حيثُ يشاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار. إلاأن سهلَ ابن حُنَيف وأبا دُجانة سِمَاك بن خَرَشة ذكرا فقرا، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

وروى البخاري كذلك:

 

2904 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ، وَلاَ رِكَابٍ، «فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلاَحِ وَالكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

 

ومثله روى مسلم برقم 1757

 

ويقول مؤلف وفاء الوفا

 

بويرة:

تصغير البئر التي يسقى منها، و في الصحيح: حرّق نخل النضير، و هي البويرة، قال المجد: البويرة موضع منازل بني النضير، و ذكره المرجاني ثم قال: و قيل:اسم موضع مخصوص من مواضعهم.

قلت: ويرجح الأول قول جمل بن جوال التغلبي من أبيات:

و أقفرت البويرة من سلام وسعية وابن أخطب فهي بور  وقد كانوا ببلدتهم بعولا كما نقلت بميطان الصخور

واعتمد الثاني الحافظ ابن حجر، قال: و يقال لها البويلة باللام بدل الراء- و قال ابن سيد الناس في قوله: حريق بالبويرة مستطير

و يروى بالبويلة قال: و ذكر ابن سعد أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم أعطى الزبير بن العوام وأبا سلمة البويلة من أرض بني النضير، و تقدم أن البويلة أطم لبني النضير بمنازلهم، قال ابن زبالة: كان لحي منهم لحقوا باليمن، فلعله كان بقرب البويرة فسميت به أيضا.

 

وروى البخاري:

3151 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ

 

ورواه بسياق أطول البخاري5224 وأحمد26937 ومسلم2182 والنسائي الكبرى9170 فراجعه.

 

وروى أحمد بن حنبل بإسناد ضعيف:

 

6458 - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ يَعْنِي الْعُمَرِيَّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ حُضْرَ فَرَسِهِ، بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: ثُرَيْرٌ، فَأَجْرَى الْفَرَسَ حَتَّى قَامَ، ثُمَّ رَمَى بِسَوْطِهِ ، فَقَالَ: "أَعْطُوهُ حَيْثُ بَلَغَ السَّوْطُ"

 

وأخرجه أبو داود (3072) ، والطبراني في"الكبير" (13352) ، والبيهقي في "السنن"6/144 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. وهو عند أبي داود والبيهقي دون قوله: بأرض يقال لها: ثرير.

 

 

وجاء في القرآن (مع تفسير ابن إسحاق في السيرة):

 

{وَمَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} - قال ابن إسحاق: يعني من بني النضير. {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر: 6]: أي له خاصة. قال ابن هشام: أوجفتم: حركتم وأتعبتم في السير.

{مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} قال ابن اسحاق: ما يُوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب، وفتح بالحرب عُنوة فلله وللرسولَ {وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] يقول: هذا قَسْم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين، على ما وضعه الله عليه.

 

ويقول الواقدي في سرده لآيات سورة الحشر، موضحًا تشريع التشريد والنهب وتوزيعه على المسلمين وعلى أقارب محمد من بني هاشم:

 

{هُوَ الّذِى أَخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوّلِ الْحَشْرِ} يَعْنِى بَنِى النّضِيرِ حَيْنَ أَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الشّامِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ الْحَشْرِ فِى الدّنْيَا إلَى الشّامِ؛ {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِلْمُؤْمِنَيْنِ: مَا ظَنَنْتُمْ ذَلِكَ كَانَ لَهُمْ عِزّ وَمَنَعَةٌ، {وَظَنّوا أَنّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ} حَيْنَ تَحَصّنُوا؛ {فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} حَالَ ظُهُورِ رَسُولِ اللّهِ ص، وَإِجْلاؤُهُمْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ص بِسَاحَتِهِمْ رَعَبُوا وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، وَكَانَ الرّعْبُ

 

 

 

سؤال للضمير الإنساني: هل يختلف ما قام به محمد من تهجير وإبادة لليهود،

 وأكمله عمر بتهجير باقيهم،عن أفعال هتلر ضد اليهود أو دولة إسرائيل ضد

 الفلسطينيين، أو بورما ضد الأقلية المسلمة؟!

 

فِى قُلُوبِهِمْ لَهُ وَجَبَانٌ، {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: كَانُوا لَمّا حُصِرُوا وَالْمُسْلِمُونَ يَحْفِرُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ وَهُمْ يَنْقُبُونَ مِمّا يَلِيهِمْ فَيَأْخُذُونَ الْخَشَبَ وَالنّجُفَ؛ {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الأَبْصَارِ} قَالَ: يَعْنِى يَا أَهْلَ الْعُقُولِ.

 

{وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} يَقُولُ: فِى أُمّ الْكِتَابِ أَنْ يَجْلُوا. {ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ} يَقُولُ: عَصَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَخَالَفُوهُ.

 

{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا}.. الآيَةُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِ نَخْلِهِمْ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِىّ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلاّمٍ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ وَكَانَ ابْنُ سَلاّمٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ، فَقَالَ لَهُمْ بَنُو النّضِيرِ: أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ مَا يَحِلّ لَكُمْ عَقْرُ النّخْلِ.

فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ص فِى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْطَعُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يَقْطَعُ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} أَلْوَانِ النّخْلِ سِوَى الْعَجْوَةِ {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} قَالَ: الْعَجْوَةُ {فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ} يَقُولُ: يَغِيظُهُمْ مَا قُطِعَ مِنْ النّخْلِ.

{مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ} قَوْلُهُ: فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَاحِدٌ، {وَلِذِى الْقُرْبَى} قَرَابَةُ رَسُولِ اللّهِ ص {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ} فَسَهْمُ رَسُولِ اللّهِ ص خُمْسُ الْخُمْسِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص يُعْطِى بَنِى هَاشِمٍ مِنْ الْخُمْسِ وَيُزَوّجُ أَيَامَاهُمْ.

وَكَانَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ قَدْ دَعَاهُمْ إلَى أَنْ يُزَوّجَ أَيَامَاهُمْ وَيَخْدُمَ عَائِلَهُمْ وَيَقْضِىَ عَنْ غَارِمَهُمْ، فَأَبَوْا إلاّ أَنْ يُسَلّمَهُ كُلّهُ، وَأَبَى عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ.

فَحَدّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيّا كَانُوا يَجْعَلُونَهُ فِى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ.

وَقَوْلُهُ: {كَىْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} يَقُولُ: لا يُسْتَنّ بِهَا مِنْ بَعْدُ فَتُعْطَى الأَغْنِيَاءَ {وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} يَقُولُ: مَا جَاءَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ أَمْرٍ وَنَهْىٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا نَزَلَ مِنْ الْوَحْىِ.

{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا} يَعْنِى الْمُهَاجِرِينَ الأَوّلِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الّذِينَ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَدْرٍ. {وَالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} يَعْنِى الأَنْصَارَ، يَقُولُ: هُمْ أَهْلُ الدّارِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ؛ {وَلا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} لا يَجِدُونَ فِى أَنْفُسِهِمْ حَسَدًا مِمّا أَعْطَى غَيْرَهُمْ يَعْنِى الْمُهَاجِرِينَ حَيْنَ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ، فَهَذِهِ الأَثَرَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حَيْنَ قَالُوا لِلنّبِىّ ص أَعْطِهِمْ وَلا تُعْطِنَا، وَهُمْ مُحْتَاجُونَ {وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ} قَالَ: ظُلْمَ النّاسِ.

 

.......... {لأَنْتُمْ أَشَدّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ} يَعْنِى ابْنَ أُبَىّ وَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ مَعَهُ خَوْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلُوا؛ {ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا} يَعْنِى بَنِى النّضِيرِ وَالْمُنَافِقِينَ، {إِلاّ فِى قُرًى مُحَصّنَةٍ} يَقُولُ: فِى حُصُونِهِمْ {أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتّى} يَعْنِى الْمُنَافِقِينَ وَبَنِى النّضِيرِ.

{ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} يَقُولُ: دِينُ بَنِى النّضِيرِ مُخَالِفٌ دِينَ الْمُنَافِقِينَ [ وَهُمْ ] جَمِيعًا. فِى عَدَاوَةِ الإِسْلامِ مُجْتَمِعُونَ. {كَمَثَلِ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} قَالَ: يَعْنِى قَيْنُقَاعَ حَيْنَ أَجْلاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص.

 

لقد امتدح كثير من أتباع محمد وغيرهم بني النضير لأفعالهم الخيرة وحسن جيرتهم وضيافتهم وعشرتهم وإحسانهم ووفائهم بالعهود، ورثوا لهم بعد ذلك التشريد والنهب، يقول الواقدي:

 

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَهُوَ يَرَاهُمْ، وَسَرَاةُ الرّجَالِ عَلَى الرّحَالِ: أَمَا وَاَللّهِ إنّ لَقَدْ كَانَ عِنْدَكُمْ لَنَائِلٌ لِلْمُجْتَدِى وَقِرًى حَاضِرٌ لِلضّيْفِ وَسَقْيًا لِلْمُدَامِ وَحِلْمٌ عَلَى مَنْ سَفِهَ عَلَيْكُمْ وَنَجْدَةٌ إذَا اُسْتُنْجِدْتُمْ. فَقَالَ الضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ: وَاصَبَاحَاه، نَفْسِى فَدَاؤُكُمْ مَاذَا تَحَمّلْتُمْ بِهِ مِنْ السّؤْدُدِ وَالْبَهَاءِ وَالنّجْدَةِ وَالسّخَاءِ؟ قَالَ: يَقُولُ نُعَيْمُ ابْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِىّ: فِدًى لِهَذِهِ الْوُجُوهِ الّتِى كَأَنّهَا الْمَصَابِيحُ ظَاعِنِينَ مِنْ يَثْرِبَ. مَنْ لِلْمُجْتَدِى الْمَلْهُوفِ؟ وَمَنْ لِلطّارِقِ السّغْبَانِ؟ وَمَنْ يَسْقِى الْعُقَارَ؟ وَمَنْ يُطْعِمُ الشّحْمَ فَوْقَ اللّحْمِ؟ مَا لَنَا بِيَثْرِبَ بَعْدَكُمْ مُقَامٌ.

يَقُولُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ: وَهُوَ يَسْمَعُ كَلامَهُ، نَعَمْ فَالْحَقْهُمْ حَتّى تَدْخُلَ مَعَهُمْ النّارَ، قَالَ نُعَيْمٌ: مَا هَذَا جَزَاؤُهُمْ مِنْكُمْ لَقَدْ اسْتَنْصَرْتُمُوهُمْ فَنَصَرُوكُمْ عَلَى الْخَزْرَجِ، وَلَقَدْ اسْتَنْصَرْتُمْ سَائِرَ الْعَرَبِ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْكُمْ، قَالَ أَبُو عَبْسٍ: قَطَعَ الإِسْلامُ الْعُهُودَ.

 

ومن أشعار الوثنيين، نقل لنا ابن هشام:

 

وقال عباس بن مرداس أخو بني سُليم يمتدح رجال بني النضير:

لو أن اهلَ الدارِ لم يتصدَّعوا رأيت خِلال الدارِ مَلْهًى ومَلْعبَا (1)

فإنك عَمْري هل أريك ظَعائنا سلكْنَ على رُكْنِ الشَّطاةِ فَتْيأبَا (2)

عليهن عينٌ مِن ظباء تَبالةٍ أوانسُ يُصبينَ الحليمَ المجرَّبا (3)

إذا جاء باغي الخير قلن فُجاءةً له بوجوهٍ كالدنانيرِ مرحبَا

وأهلا فلا ممنوعَ خير طلبتَه ولا أنت تخشى عندَنا أن تؤنَّبَا

فلاتحسبنِّى كنتُ مولى بنِ مِشْكَمٍ سَلامٍ ولامَوْلَى حُيَى بنِ أخْطبَا

 

عباس بن مرداس يرد على خوات بن جبير: فأجابه عباس ابن مرداس السلمي، فقال:

هجوْتَ صريحَ الكاهنيْن وفيكمُ لهم  نِعم كانت من الدهر تُرْتُبَا (4)

أولئك أحْرَى لو بكيتَ عليهمُ ... وقومُك لو أدَّوْا من الحقِّ مُوجبَا

من الشكرِ إن الشكرَ خير مَغَبَّة ... وأوفقُ فعلا للذي كان أصوبَا (5)

 

_____________________

(1) يتصدعوا: يتفرقوا.

(2) الظعائن: النساء في الهوادج. الشطاة وتيأب: مرضعان. ونوَّن الظعائن وإن كان ممنوعا من الصرف لصيغة منتهى الجموع - لضرورة الشعر.

(3) العين: واسعات الأعين. تبالة: موضع باليمن يشتهر بالظباء، ويصبين: يذهبن العقل.

(4) الترتب: الثابت. والكاهنان: قريظة والنضير، والكاهن في اللغة بمعنى الكاهل، وهو الذي يقوم بحاجة أهله، إذا خلف عليهم، يقال: هو كاهن أبيه وكاهله، قاله الهروي، فيحتمل أن يكون سمي الكاهنان بهذا.

(5) المغبة: العاقبة.

 

أخَوَّاتُ أذْرِ الدمعَ بالدمعِ وابكهمْ ... وأعْرضْ عن المكروه منهم ونَكِّبَا (1)

فكنتَ كمن أمسى يُقطِّع رأسَه ... ليبلغَ عزًّا كان فيه مُرَكَّبَا

فإنك لو لاقيتَهمْ في ديارِهم ... لألفيْتَ عَمَّا قد تقول مُنَكِّبَا (1)

سِراعٌ إلى العَلْيا كرام لدى الوَغَى ... يُقال لباغِى الخيرِ أهلا ومرحَبَا (2)

 

وبعد معركة محمد لاحقًا مع يهود بني قريظة، نقرأ شعرًا قاله يهودي عربي من بني ذبيان ردًّا على شعر لحسان بن ثابت، في السيرة لابن هشام:

 

وأجابه جبل بن جَوَّال الثعلبي أيضا، وبكى النضير وقُريظة، فقال:

 

ألا يا سَعْدُ سَعْدَ بني مُعاذٍ لِمَا لَقِيَتْ قريظةُ والنضيرُ

لعَمْرُكَ إنَّ سَعْدَ بني مُعاذٍ غَداةَ تحمَّلوا لهوَ الصَّبورُ

فأما الخزرَجيُّ أبو حُبابٍ ... فقال لقَينُقاعٍ لا تَسيروا

وبُدِّلت الموالي من حُضَيْر أسَيْدا والدوائرُ قد تدورُ

وأقفرتِ البُوَيْرةُ من سَلامٍ وسَعْيةَ وابنِ أخطبَ فَهْيَ بُورُ

وقد كانوا ببلدتِهم ثِقالا كما ثَقُلَتْ بميْطان الصُّخورُ (3)

فإنْ يهلكْ أبو حَكَمٍ سَلام فلا رَث السلاحِ ولا دَثُور (4)

وكل الكاهنين وكان فيهم مع اللِّين الخَضارمة الصقور

 

 

 

__________

(1) نكب: أبعد.

(2) الوغى: الجلَبة والأصوات ومنه وغى الحرب

(3) ميطان: جبل بالمدينة.

(4) الدثور: المتغير.

وجدنا المجْدَ قد ثَبتُوا عليه بمجدٍ لا تُغَيبه البدورُ

أقيموا يا سراةَ الأوْسِ فيها كأنكمُ من المَخْزاهِ عور

تركتم قِدْرَكم لا شىءَ فيها وقِدْرُ القومِ حامية تفورُ

 

وقد اغتنى محمد بنهبه لأموال اليهود، ويقول البخاري:

 

2904 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


بَاب كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ فِي نَوَائِبِهِ

3128 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلَاتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ

 

3151 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ

 

4028 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَارَبَتْ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ

 

4031 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَنَزَلَتْ { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ }

 

4032 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ قَالَ فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ وَتَعْلَمُ أَيُّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ

 

4029 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ تَابَعَهُ هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ

 

 

 

 

غزوة دُوُمة الجندل

 

يقول الواقدي:

 

غَزْوَةُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ

فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ وَقَدِمَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الآخَرِ.

فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى لَبِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ. وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، فَكِلاهُمَا قَدْ حَدّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى صَاحِبِهِ وَغَيْرُهُمَا قَدْ حَدّثَنَا أَيْضًا.

قَالُوا: أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ يَدْنُوَ إلَى أَدْنَى الشّامِ، وَقِيلَ لَهُ: إنّهَا طَرَفٌ مِنْ أَفْوَاهِ الشّامِ، فَلَوْ دَنَوْت لَهَا كَانَ ذَلِكَ مِمّا يُفْزِعُ قَيْصَرَ، وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ أَنّ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ جَمْعًا كَثِيرًا، وَأَنّهُمْ يَظْلِمُونَ مَنْ مَرّ بِهِمْ مِنْ الضّافِطَةِ وَكَانَ بِهَا سُوقٌ عَظِيمٌ وَتُجّارٌ وَضَوَى إلَيْهِمْ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ كَثِيرٌ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنْ الْمَدِينَةِ. فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ص النّاسَ فَخَرَجَ فِى أَلْفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ وَمَعَهُ دَلِيلٌ لَهُ مِنْ بَنِى عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ: مَذْكُورٌ هَادٍ خِرّيتٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص مُغِذّا لِلسّيْرِ وَنَكَبَ، عَنْ طَرِيقِهِمْ وَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ - وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمٌ أَوْ لَيْلَةٌ سَيْرَ الرّاكِبِ الْمُعْتِقِ - قَالَ لَهُ الدّلِيلُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ سَوَائِمَهُمْ تَرْعَى فَأَقِمْ لِى حَتّى أَطّلِعَ لَك، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “نَعَمْ”، فَخَرَجَ الْعُذْرِىّ طَلِيعَةً حَتّى وَجَدَ آثَارَ النّعَمِ وَالشّاءِ وَهُمْ مُغَرّبُونَ، ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِىّ ص فَأَخْبَرَهُ وَقَدْ عَرَفَ مَوَاضِعَهُمْ فَسَارَ النّبِىّ ص حَتّى هَجَمَ عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَرِعَائِهِمْ فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ ص مَنْ أَصَابَ وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ فِى كُلّ وَجْهٍ.

وَجَاءَ الْخَبَرُ أَهْلَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَتَفَرّقُوا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ص بِسَاحَتِهِمْ، فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا، فَأَقَامَ بِهَا أَيّامًا وَبَثّ السّرَايَا، وَفَرّقَهَا حَتّى غَابُوا عَنْهُ يَوْمًا، ثُمّ رَجَعُوا إلَيْهِ، وَلَمْ يُصَادِفُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، وَتَرْجِعُ السّرِيّةُ بِالْقِطْعَةِ مِنْ الإِبِلِ إلاّ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ أَخَذَ رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَتَى بِهِ النّبِىّ ص فَسَأَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: هَرَبُوا أَمْسِ حَيْثُ سَمِعُوا بِأَنّك قَدْ أَخَذْت نَعَمَهُمْ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ص الإِسْلامَ أَيّامًا، فَأَسْلَمَ فَرَجَعَ النّبِىّ ص إلَى الْمَدِينَةِ.

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ.

 

لنحلل هذا الكلام، كلما هاجم محمد قومًا سارع كتاب السير بتبرير ذلك بشكل متكرر تبريري على نحو ممل بأنهم كانوا يجمعون له أو يشكلون خطرًا مزعومًا ما، إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تواجه تلك الجموع محمدًا أدنى مواجهة، لكن المسألة بوضوح هي اعتداء على حدود دولة أخرى ونهب وسلب وعنف، ثم إكراه دينيّ لرجل غالبًا مسيحيّ في تلك القصة، ويظهر هنا طموح محمد العربيّ للتوسع تأسيسًا لما سيكون بعد حياته من استعمار العرب لجزء كبير من العالم.

 

ويقول مؤلف كتاب المحبَّر:

 

ثم سنة خمس. فيها تهيأ النبي صلى الله عليه لغزوة دومة الجندل وكان تجار العرب شكوا إليه ظلم أكيدر بن عبد الملك السَكوني فخرج عليه السلام مستهل المحرم يوم الاثنين. فبلغ اكيدر إقباله فهرب وخلَّى السوق. ورجع عليه السلام من الطريق في صدر صفر ولم يلق كيدا.

 

أما ابن هشام عن ابن إسحاق ففي روايته بعض الاختلاف:

 

غزوة دومة الجندل في شهر ربيع الأول سنة خمس

قال ابن اسحاق: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأقام من مقدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أشهرا حتى مضى ذو الحجة وولى تلك الحجة المشركون وهي سنة أربع ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة الجندل

من استعمله صلى الله عليه وسلم على المدينة: قال ابن هشام: في شهر ربيع الأول، واستعمل على المدينة سِباع بن عُرْفُطة الغِفَاريَّ.

قال ابن اسحاق: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يصل اليها، ولم يلقَ كيدا فأقام بالمدينة بقية سنته.

 

 

 

 

 

أعمال سبي النساء والأطفال في غزوة المريسيع

(بني المصطلق)

 

حسب القصة الإسلامية_كالعادة_أن بني المصطلق هم من كانوا جمعوا العرب وحاولوا التخطيط لهجوم على يثرب، فغزاهم محمد استباقًا، ويهمنا هنا سرد تفاصيل سبي المسلمين للنساء الوثنيات وما قد حدث بعد ذلك:

 

يقول الواقدي:

 

.....ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَنَادَى فِى النّاسِ: قُولُوا: لا إلَهَ إلاّ اللّهُ تَمْنَعُوا بِهَا أَنَفْسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ. فَفَعَلَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَأَبَوْا فَكَانَ أَوّلَ مَنْ رَمَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَرَمَى الْمُسْلِمُونَ سَاعَةً بِالنّبْلِ، ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ ص أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْمِلُوا، فَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ إنْسَانٌ وَقُتِلَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ وَأُسِرَ سَائِرُهُمْ.

 

وَسَبَى رَسُولُ اللّهِ ص الرّجَالَ وَالنّسَاءَ وَالذّرّيّةَ وَغُنِمَتْ النّعَمُ، وَالشّاءُ وَمَا قُتِلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلاّ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُحَدّثُ قَالَ: حَمَلَ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانُ ذُو الشّقْرِ فَلَمْ تَكُنْ لِى بِأُهْبَةٍ حَتّى شَدَدْت عَلَيْهِ وَكَانَ الْفَتْحُ.

وَكَانَ شَعَارُهُمْ يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أَمِتْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدّثُ أَنّ النّبِىّ ص أَغَارَ عَلَى بَنِى الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارّونَ وَنَعَمُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيّهُمْ. وَالْحَدِيثُ الأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا.

 

..... فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى جَهْمٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِالأَسْرَى فَكُتِفُوا وَجُعِلُوا نَاحِيَةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحَصِيبِ، وَأَمَرَ بِمَا وُجِدَ فِى رِحَالِهِمْ مِنْ رِثّةِ الْمَتَاعِ، وَالسّلاحِ، فَجُمِعَ وَعُمِدَ إلَى النّعَمِ وَالشّاءِ فَسِيقَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانَ مَوْلاهُ وَجَمَعَ الذّرّيّةَ نَاحِيَةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَقْسَمِ - مَقْسَمِ الْخُمُسِ - وَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِ الْمَغْنَمِ، فَكَانَ يَلِيهِ مَحْمِيَةُ بْنُ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ.

 

وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالا: جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى خُمُسِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ، قَالا: وَكَانَ يَجْمَعُ الأَخْمَاسَ وَكَانَتْ الصّدَقَاتُ عَلَى حِدَتِهَا،.....

قَالُوا: فَاقْتُسِمَ السّبْىُ وَفُرّقَ فَصَارَ فِى أَيْدِى الرّجَالِ، وَقُسِمَتْ الرّثّةُ، وَقُسِمَ النّعَمُ وَالشّاءُ وَعُدِلَتْ الْجَزُورُ بِعَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ وَبِيعَتْ الرّثّةُ، فِيمَنْ يُرِيدُ وَأُسْهِمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ.

 

وَكَانَتْ الإِبِلُ أَلْفَىْ بَعِيرٍ وَخَمْسَةَ آلافِ شَاةٍ، وَكَانَ السّبْىُ مِائَتَىْ أَهْلِ بَيْتٍ، فَصَارَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِى سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَابْنِ عَمّ لَهُ، فَكَاتَبَهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ ذَهَبٍ.

 

فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ جَارِيَةً حُلْوَةً لا يَكَادُ يَرَاهَا أَحَدٌ إلاّ ذَهَبَتْ بِنَفْسِهِ فَبَيْنَا النّبِىّ ص عِنْدِى، وَنَحْنُ عَلَى الْمَاءِ إذْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ جُوَيْرِيَةُ تَسْأَلُهُ فِى كِتَابَتِهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلاّ أَنْ رَأَيْتهَا، فَكَرِهْت دُخُولَهَا عَلَى النّبِىّ ص، وَعَرَفْت أَنّهُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الّذِى رَأَيْت، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّك رَسُولُ اللّهِ، وَأَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِى ضِرَارٍ سَيّدِ قَوْمِهِ أَصَابَنَا مِنْ الأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْت، وَوَقَعْت فِى سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، وَابْنِ عَمّ لَهُ، فَتَخَلّصَنِى مِنْ ابْنِ عَمّهِ بِنَخَلاتٍ لَهُ بالمدينة، فكاتبنى ثابت عَلَى مَا لا طَاقَةَ لِى بِهِ، وَلا يَدَانِ، وَمَا أَكْرَهَنِى عَلَى ذَلِكَ إلاّ أَنّى رَجَوْتُك صَلّى اللّهُ عَلَيْك، فَأَعِنّى فِى مُكَاتَبَتِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَوَخَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ”؟ فَقَالَتْ: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “أُؤَدّى عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوّجُك”، قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَدْ فَعَلْت فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى ثَابِتٍ فَطَلَبَهَا مِنْهُ، فَقَالَ ثَابِتٌ: هِىَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى وَأُمّى، فَأَدّى رَسُولُ اللّهِ ص مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا، وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا، وَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النّاسِ وَرِجَالُ بَنِى الْمُصْطَلِقِ قَدْ اُقْتُسِمُوا وَمُلِكُوا وَوُطِئَ نِسَاؤُهُمْ، فَقَالُوا: أَصْهَارُ النّبِىّ ص فَأَعْتَقُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ السّبْىِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا: فَأَعْتَقَ مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ بِتَزْوِيجِ رَسُولِ اللّهِ ص إيّاهَا، فَلا أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا.

وَيُقَالُ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ص جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِى الْمُصْطَلِقِ، وَيُقَالُ: جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا.

 

فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، قَالَ: كَانَ السّبْىُ مِنْهُمْ مَنْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ص بِغَيْرِ فِدَاءٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ اُفْتُدِىَ، وَذَلِك بَعْدَ مَا صَارَ السّبْىُ فِى أَيْدِى الرّجَالِ، فَافْتُدِيَتْ الْمَرْأَةُ وَالذّرّيّةُ بِسِتّ فَرَائِضَ، وَكَانُوا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بِبَعْضِ السّبْىِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ أَهْلُوهُمْ فَافْتَدَوْهُمْ، فَلَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى الْمُصْطَلِقِ إلاّ رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا، وَهَذَا الثّبْتُ.

فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ يَرْبُوعٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَدِمَ الْوَفْدُ الْمَدِينَةَ، فَافْتَدَوْا السّبْىَ بَعْدَ السّهْمَانِ.

 

وَحَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ، عَنْ أَبِى مُحَيْرِيزٍ، وَأَبِى ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ ص فِى غَزْوَةِ بَنِى الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبَايَا، وَبِنَا شَهْوَةُ النّسَاءِ، وَاشْتَدّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا الْعَزْلَ فَقُلْنَا: نَعْزِلُ، وَرَسُولُ اللّهِ ص بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: “مَا عَلَيْكُمْ أَلاّ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلاّ هِىَ كَائِنَةٌ”.

 

وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَقُولُ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا وُفُودُهُمْ فَافْتَدَوْا الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ وَرَجَعُوا بِهِنّ إلَى بِلادِهِمْ وَخُيّرَ مَنْ خُيّرَ مِنْهُنّ أَنْ تُقِيمَ عِنْدَ مَنْ صَارَتْ فِى سَهْمِهِ فَأَبَيْنَ إلاّ الرّجُوعَ.

قَالَ الضّحّاكُ: فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ أَبَا النّضْرِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ: وَخَرَجْت بِجَارِيَةٍ لِى أَبَيْعُهَا فِى السّوقِ، فَقَالَ لِى: يَا أَبَا سَعِيدٍ لَعَلّك تُرِيدُ بَيْعَهَا، وَفِى بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ، قَالَ: فَقُلْت كَلاّ، إنّى كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا، فَقَالَ: تِلْكَ الْمَوْءُودَةُ الصّغْرَى، قَالَ: فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ ص فَأَخْبَرْته ذَلِكَ، فَقَالَ: “كَذَبَتْ الْيَهُودُ، كَذَبَتْ الْيَهُودُ”.

 

ما الذي نفهمه من كل هذا؟ لقد قام المسلمون بأسر نساء قبيلة بني المصطلق واستعبادهن كإماء جوارٍ واغتصابهن، ونظرًا لفقرهم وحاجتهم لممارسة بيع البشر كرقيق، كانوا يمارسون مع النساء الأسيرات ممارسة غير كاملة بالقذف الخارجي كي يبيعوهن ويتربحوا من ذلك، وهو ما قد يعطله أن يحدث لهن حمل بسبب الاغتصابات! وبالفعل بعضهم كان باع ما امتلكه واستعبده لشخص آخر كتداول للبشر، كما نتداول العملة والطعام والماشية! ثم أتت جويرية بنت زعيم قبيلة بني المصطلق لتطلب مساعدة محمد على تخفيض تكلفة تحريرها من الاستعباد أو مساعدة محمد لها استعطافًا له، فكان أن أعجب بجمالها، واستطاعت تلك المرأة بذكائها أن تصير زوجته، ويكون مهرها تحرير أربعين شخصًا من قبيلتها، والباقون افتدوا أنفسهم بالفدية، وكما نرى هذا هو نظام عرب شبه جزيرة العرب القدماء يقوم على النهب والسلب والاستعباد والأسر ثم طلب الفدية للتربح....إلخ بصورة كريهة كانت معتادة منذ ما قبل الإسلام، وبعد أن كان الرجال المسلمون أهانوا وأذلوا النساء المصطلقيات إذا بهم يحررونهن ويعيدونهن بعد استلام الفدية عن كل واحدة إلى قبيلتهن! تصرفات مقززة وأفعال خبط عشواء. واستعباد للأطفال الأبرياء وسبي للنساء وغيرها من أفعال كما نرى.

وأخبار الغزوة لا تختلف كثيرًا عند ابن هشام سوى أنه لا يذكر صلوات وتسليمات من جويرية على محمد وقولها أنها أسلمت في ذلك الوقت، فهذه تزيينات متأخرة للقصة، ولفظ ابن إسحاق عن شعور عائشة بالغيرة والقلق لما رأت جويرية: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَكَرِهْتُهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا مَا رَأَيْتُ. ويوجد لفظ في رواية لأبي داود عن ابن إسحاق 3931: لما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها

 

 وقصة السبايا نجدها في البخاري:

 

2542 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ فَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ

 

7409 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ وَلَا يَحْمِلْنَ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ قَزَعَةَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللَّهُ خَالِقُهَا

 

4138- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْعَزْلِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ وَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ

 

2229 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا فَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ فَقَالَ أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا هِيَ خَارِجَةٌ

 

2541 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ

 

وبهذه الألفاظ نجده في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما، ومن روايات مسلم:

 

[ 1438 ] وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر قالوا حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني ربيعة عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز أنه قال دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري فسأله أبو صرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل فقال نعم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بلمصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد تبدو الرسمة صادمة للقارئ المتحفظ أو المتدين، لكن هذا هو ماكان عليه الأمر...

خطف واستعباد واغتصاب. تذكر هذا تأثير مجرد رسم عليك فما بالك بالواقع؟!

[ 1438 ] وحدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا بشر بن المفضل حدثنا شعبة عن أنس بن سيرين عن معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري قال قلت له سمعته من أبي سعيد قال نعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر

 

[ 1730 ] حدثنا يحيى بن يحيى التميمي حدثنا سليم بن أخضر عن بن عون قال كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال قال فكتب إلي إنما كان ذلك في أول الإسلام قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ قال يحيى أحسبه قال جويرية أو قال البتة ابنة الحارث وحدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر وكان في ذاك الجيش

 

ومن بحث عن كلمة المصطلق في مسند أحمد بنسخة إلكترونية فسيجده متكررًا كثيرًا بألفاظ مشابهة لما في الصحيحين. وقد روى في رقم 26365 نفس القصة التي يرويها ابن إسحاق والواقدي، لكنه يرويها بسنده عن ابن إسحاق، فلا حاجة لتكرارها هنا.

ويروي ابن أبي شيبة في مصنفه:

 

16870- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: لَمَّا أَصَبْنَا سَبْيَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ اسْتَمْتَعْنَا من النساء وَعَزَلْنَا عَنْهُنَّ قَالَ ثم: إني وَقفْت عَلَى جَارِيَةٍ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ قال: فَمَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ , فَقال: مَا هَذِهِ الْجَارِيَةُ يَا أَبَا سَعِيدٍ، قُلْتُ: جَارِيَةٌ لِي أَبِيعُهَا، قال: هَلْ كُنْت تُصِيبُهَا ؟ قَالَ، قُلْتُ: نَعَمْ، قال: فَلَعَلَّك تَبِيعُهَا وَفِي بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ ؟ قال: قُلْتُ: كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا، قَالَ تِلْكَ الْمَوْؤُودَةُ الصُّغْرَى، قال: فَجِئْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ، فَقال: كَذَبَتْ يَهُودُ كَذَبَتْ يَهُودُ.

 

وهو بهذا اللفظ في مسند الحميدي برقم 746، وهذا هو نفس لفظ الواقدي. وبلفظ مشابه في مصنف عبد الرزاق برقم 12549 و12550 ولفظ عبد الرزاق مشابه للفظ مسلم 1439.

 

 

 

وفي تلك الغزوة حدثت مشاجرة بين يثربي أنصاري ومهاجر قرشيّ على السقيا من بئر ماء، جعلت غضب ومعارضة ابن سلول يظهران، مما يعكس بقاءه كمعارضة غير مسلمة مع تبعه، حتى لو تظاهر بالإسلام حماية لنفسه ومصالحه، وفي تلك الحادثة ولأجلها ألف محمد بعض الآيات، انظر الخبر في كتب السيرة، وقول ابن سلول عن المهاجرين أنهم قد زاحمونا في بلادنا وأنهم كما المثل سمن كلبك يأكلك ولو عدنا إلى المدينة ليُخْرِجَّنَ الأعزُّ منها الأذلَّ وتجنب محمد لقتله رغم عنف محمد لأنه كان رغم

كل شيء ما زال زعيمًا لو قتله لتسبب بفتنة كبيرة وصراع...إلخ القصة. ويهمنا هنا قول عبد الله ابنه عن أبيه، حسب حكاية الواقدي:

 

وَمَعَهُ قَوْمٌ يُطِيفُونَ بِهِ وَيَذْكُرُونَ أُمُورًا قَدْ غَلَبَ اللّهُ عَلَيْهَا

 

وهو ما يعكس وجود أتباعه ومن هم على رأيه وحزبه الغير مؤيدين للإسلام وأفعال محمد من عدوان على الأمم والقبائل الأخرى، وقتل ونفي اليهود من حلفاء للخزرج أو حلفاء للأوس.

 

يذكر لنا ابن هشام في الجزء الثاني من السيرة النبوية له أبواباً كاملة عن من تظاهر بالإسلام نفاقًا وتعوذًا به يعني احتماءً، من الوثنيين ومن كبار أحبار اليهود، وهم الذين تتناثر أخبار أسمائهم على طول كتابه في مواضع عديدة كمجادلين لمحمد كسؤالهم عن تغييره لقبلة الصلاة من القدس إلى مكة وغيرها وكمحرضين ضده، ألا يتساءل المسلمون أبدًا ماذا اضطر هؤلاء للتظاهر باتباع دين لا يحبونه ولا يؤمنون به، أليس العنف والإكراه الديني الشديد، ومحمد أمر كمثال إحدى المرات بقتل أي يهودي بعد قصة كعب بن الأشرف! وهو الذي قتل الكثيرين من الوثنيين لأوهى سبب كقول الشعر، ومنع وحطم أصنامهم وعباداتهم في المدينة.

 

إن أحد المنافقين كان بالأصل رجل دين وثني:

 

وكان هؤلاء المنافقون يحضُرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين، ويَسْخَرون ويستهزئون بدينهم، فاجتمع يوماً في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم، خافضى أصواتهم، قَد لصق بعضُهم ببعض، فأمر بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاخرجوا من المسجد إخراجاً عنيفاً، فقام أبو أيوب، خالدُ ابنُ زيد بنُ كُلَيْب، إلى عُمر بن قَيْس، أحد بنى غَنْم بن مالك بن النجار - كان صاحب آلهتهم في الجاهلية - فأخذ برجله فسحبه، حتى أخرجه من المسجد، وهو يقول: أتخرجني يا أبا أيوب من مرْبد بني ثعلبة، ثم أقبل أبو أيوب أيضاً إلى رافع بن وَدِيعة، أحد بني النجار فلبَّبه بردائه ثم نثره نثراً شديداً، ولطم وجهَه، ثم أخرجه من المسجد، وأبو أيوب يقول له: أفّ لك منافقاً خبيثاً. أدراجَك يا منافق من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

.... المنافقون من أحبار اليهود: قال ابن إسحاق: وكان ممن تعوَّذ بالإسلام، ودخل فيه مع المسلمين وأظهره وهو منافق، من أحبار يهود.

من بنى قينُقاع: سعد بن حُنَيْف، وزَيْد بن اللُّصيْت، ونعمان بن أوْفَى بن عمرو، وعثمان بن أوفى. وزيد بن اللُّصَيْت، الذي قاتل عمر بن الخطاب رضى الله عنه بسوق بنى قينقاع، وهو الذي قال، حين ضلت ناقةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: يزعمُ محمد أنه يأتيه خبرُ السماء وهو لا يدري أين ناقته! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءه الخبر بما قال عدوُّ الله في رحله، ودَلَّ الله، تبارك وتعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم على ناقته: "إن قائلأ قال: يزعمُ محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته، وإني والله ما أعلم إلا ما علَّمنى الله، وقد دلّني الله عليها، فهى في هذا الشِّعْب، قد حبستها شجرة بزمامِها، فذهب رجال من المسلمين، فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما وصف.

 

من العجيب مقدار الفتن بين الفئات المختلفة ليثرب في مرجعهم من تلك الغزوة، فحتى حسان بن ثابت المشهور بأنه شاعر الإسلام ومحمد قال شعرًا ضد القرشيين المهاجرين وحرض ضدهم، وقام أحدهم بضربه وكادت أن تقع فتنة كبيرة، يقول ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: ثم إن صفوان بن المعطَّل اعترض حسان بن ثابت بالسيف، حين بلغه ما كان يقول فيه، وقد كان حسان قال شعراً مع ذلك يعرِّض بابن المعطل فيه، وبمن أسلم من العرب من مُضر، فقال:

 

أمسى الجلابيبُ قد عَزُّوا وقد كثروا وابنُ الفُرَيْعة أمسى بَيْضةَ البلدِ (1)

قد ثَكِلَتْ أمُّه مَنْ كنتَ صاحبَه أو كان مُنْتَشِباً في بُرْثن الأسدِ (2)

ما لقَتِيلى الذي أغْدُو فآخُذُه مِن ديةٍ فيه يُعْطَاها ولا قَوَدِ

 

__________

(1)بيضة البلد: عظيمها وسيدها

(2) فقد يجوز أن يكون قوله: (من) مبتدأ، (وقد ثكلت أمه) في موضع الخبر المقدم عليه، ويجوز أن يكون (من) مفعولا بثكلت، وأضمر قبل الذكر مع اتصال الضمير بالفاعل. والبرثن: يد الأسد مع أصابعه.

 

ما البحرُ حينَ تَهبُّ الريحُ شاميةً فَيَغْطَئِلُّ ويرْمى العِبر بالزَّبد (1)

يوماً بأغلَب مني حين تُبْصِرنى مِلْغَيْظِ أفْري كفري العارضِ البَرِدِ (2)

أما قُريش فإني لن أسالمَهم حتى يُنيبوا من الغيات للرَّشَدِ

ويتركوا اللاتَ والعُزَّى بمَعْزِلةٍ ويسجدوا كلهم للواحدِ الصمدِ

ويشهدوا أن ما قال الرسولُ لهم حق ويُوفوا بعهدِ الله والوُكُدِ

 

فاعترضه صفوان بن المعطَّل، فضربه بالسيف، ثم قال، كما حدثني يعقوب بن عُتبة:

تَلَقَّ ذُبابَ السيفِ عني فإنني غلامٌ إذا هُوجيتُ لستُ بشاعرِ

 

قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: أنَّ ثابت بن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطَّل، حين ضرب حسان، فجمع يديه إلى عنقه بحبل، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج، فلقيه عبد الله بن رواحة، فقال: ما

هذا؟ قال: أما أعجبك ضرب حسان بالسيف؛ والله ما أراه إلا قد قتله، قال له عبد الله بن رواحة: هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء مما صنعت؟ قال: لا والله؛ قال: لقد اجترأت، أطلق الرجل، فأطلقه، ثم أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له، فدعا حسان وصفوان بن المعطَّل؛ فقال ابن المعطل: يا رسول الله آذاني وهجانى، فاحتملنى الغضب، فضربته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

________________

(1) فيغطئل: يريد: البحر، أي، يهيج ويغتلم، وأصل هذه الكلمة من الغيطلة، وهى الظلمة، وأصلها يغطالُّ مثل يسوادٌ، لكنه همز بالألف لئلا يجتمع ساكنان، والعبر: جانب البحر.

(2) أفري: أقطع. العارض البرد: السحاب الحامل للبرد.

لحسان: أحسن يا حسان، أتَشَوَّهْتَ على قومي أن هداهم الله للإسلام، ثم قال:

أحسن يا حسان في الذي أصابك، قال: هي لك يا رسول الله.

قال ابن هشام: ويقال: أبعد أن هداكم الله للإسلام.

 

قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن إبراهيم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عوضا منها بِيرَحَاء، وهي قصر بني حُدَيْلة اليوم بالمدينة، وكانت مالاً لأبى طلحة بن سهل تصدق بها على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان في ضربته وأعطاه سيرين، أمَةً قبطية، فولدت له عبد الرحمن بن حسان

 

ويقول الواقدي:

 

فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ رُومَانَ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أُمّهِ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ، وَعِمَادُ الْحَدِيثِ، عَنْ ابْنِ رُومَانَ، وَعَاصِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: لَمّا قَالَ ابْنُ أُبَىّ مَا قَالَ، وَذَكَرَ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ وَجَهْجَا، وَكَانَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ: وَمِثْلُ هَذَيْنِ يَكْثُرُ عَلَى قَوْمِى، وَقَدْ أَنَزَلْنَا مُحَمّدًا فِى دُورِ كِنَانَةَ وَعِزّهَا وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ جُعَيْلٌ يَرْضَى أَنْ يَسْكُتَ فَلا يَتَكَلّمُ فَصَارَ الْيَوْمَ يَتَكَلّمُ، وَقَوْلُ ابْنِ أُبَىّ أَيْضًا فِى صَفْوَانَ بْنِ مُعَطّلٍ وَمَا رَمَاهُ بِهِ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: 

أَمْسَى الْجَلابِيبُ قَدْ رَاعُوا وَقَدْ كَثُرُوا

 

وَابْــــنُ الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَـــدِ

فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ جَاءَ صَفْوَانُ إلَى جُعَيْلِ بْنِ سُرَاقَةَ، فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا، نَضْرِبُ حَسّانَ فَوَاَللّهِ مَا أَرَادَ غَيْرَك وَغَيْرِى، وَلَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص مِنْهُ، فَأَبِى جُعَيْلٌ أَنْ يَذْهَبَ فَقَالَ لَهُ: لا أَفْعَلُ إلاّ أَنْ يَأْمُرَنِى رَسُولُ اللّهِ، وَلا تَفْعَلُ أَنْتَ حَتّى تُؤَامِرَ رَسُولَ اللّهِ ص فِى ذَلِكَ. فَأَبَى صَفْوَانُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُصْلِتًا السّيْفَ حَتّى ضَرَبَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ فِى نَادِى قَوْمِهِ فَوَثَبَتْ الأَنْصَارُ إلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا - وَكَانَ الّذِى وَلِى ذَلِكَ مِنْهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ - وَأَسَرُوهُ أَسْرًا قَبِيحًا. فَمَرّ بِهِمْ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ؟ أَمِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ وَرِضَائِهِ أَمْ مِنْ أَمْرٍ فَعَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: مَا عَلِمَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ص. قَالَ: لَقَدْ اجْتَرَأْت، خَلّ عَنْهُ ثُمّ جَاءَ بِهِ وَبِثَابِتٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص يَسُوقُهُمْ فَأَرَادَ ثَابِتٌ أَنْ يَنْصَرِفَ فَأَبَى عُمَارَةُ حَتّى جَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَقَالَ: حَسّانُ يَا رَسُولَ اللّهِ شَهَرَ عَلَىّ السّيْفَ فِى نَادِى قَوْمِى، ثُمّ ضَرَبَنِى لأَنْ أَمَوْتَ وَلا أَرَانِى إلاّ مَيّتًا مِنْ جِرَاحَتِى، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى صَفْوَانَ فَقَالَ: “وَلِمَ ضَرَبْته وَحَمَلْت السّلاحَ عَلَيْهِ”؟ وَتَغَيّظَ رَسُولُ اللّهِ ص فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ آذَانِى وَهَجَانِى وَسَفِهَ عَلَىّ وَحَسَدَنِى عَلَى الإِسْلامِ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى حَسّانَ فَقَالَ: “أَسَفِهْت عَلَى قَوْمٍ أَسْلَمُوا”؟ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “احْبِسُوا صَفْوَانَ فَإِنْ مَاتَ حَسّانُ فَاقْتُلُوهُ بِهِ”.

فَخَرَجُوا بِصَفْوَانَ فَبَلَغَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مَا صَنَعَ صَفْوَانُ، فَخَرَجَ فِى قَوْمِهِ مِنْ الْخَزْرَجِ حَتّى أَتَاهُمْ فَقَالَ: عَمَدْتُمْ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ تُؤْذُونَهُ وَتَهْجُونَهُ بِالشّعْرِ وَتَشْتُمُونَهُ فَغَضِبَ لِمَا قِيلَ لَهُ ثُمّ أَسَرْتُمُوهُ أَقْبَحَ الإِسَارِ وَرَسُولُ اللّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، قَالُوا: فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ أَمَرَنَا بِحَبْسِهِ، وَقَالَ: “إنْ مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَاقْتُلُوهُ”، قَالَ سَعْدٌ: وَاَللّهِ إنّ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ لَلْعَفْوُ وَلَكِنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ قَضَى بَيْنَكُمْ بِالْحَقّ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ يَعْنِى لَيُحِبّ أَنْ يَتْرُكَ صَفْوَانَ، وَاَللّهِ لا أَبْرَحُ حَتّى يُطْلَقَ فَقَالَ حَسّانُ: مَا كَانَ لِى مِنْ حَقّ فَهُوَ لَك يَا أَبَا ثَابِتٍ، وَأَبَى قَوْمُهُ فَغَضِبَ قَيْسٌ ابْنُهُ غَضَبًا شَدِيدًا، فَقَالَ: عَجَبًا لَكُمْ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ إنّ حَسّان قَدْ تَرَكَ حَقّهُ وَتَأْبَوْنَ أَنْتُمْ مَا ظَنَنْت أَنّ أَحَدًا مِنْ الْخَزْرَجِ يُرِدْ أَبَا ثَابِتٍ فِى أَمْرٍ يَهْوَاهُ، فَاسْتَحْيَا الْقَوْمُ وَأَطْلَقُوهُ مِنْ الْوَثَاقِ فَذَهَبَ بِهِ سَعْدٌ إلَى بَيْتِهِ فَكَسَاهُ حُلّةً ثُمّ خَرَجَ صَفْوَانُ حَتّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلّىَ فِيهِ فَرَآهُ رَسُولُ اللّهِ ص فَقَالَ: “صَفْوَانُ”؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: “مَنْ كَسَاهُ”؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: “كَسَاهُ اللّهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنّةِ”، ثُمّ كَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لا أُكَلّمُك أَبَدًا إنْ لَمْ تَذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللّهِ، فَتَقُولَ: كُلّ حَقّ لِى قِبَلَ صَفْوَانَ فَهُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ.

فَأَقْبَلَ حَسّانُ فِى قَوْمِهِ حَتّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ص فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كُلّ حَقّ لِى قِبَلَ صَفْوَانَ بْنِ مُعَطّلٍ فَهُوَ لَك. قَالَ قَدْ أَحْسَنْت وَقَبِلْت ذَلِكَ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ص أَرْضًا بَرَاحًا وَهِىَ بَيْرُحَاءُ وَمَا حَوْلَهَا وَسِيرِينَ، وَأَعْطَاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حَائِطًا كَانَ يَجِدُ مَالاً كَثِيرًا عِوَضًا لَهُ مِمّا عَفَا عَنْ حَقّهِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: فَحَدّثَ هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ ابْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنّ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ حَبَسَ صَفْوَانَ، فَلَمّا بَرِئَ حَسّانُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَيْهِ، فَقَالَ: “يَا حَسّانُ أَحْسِنْ فِيمَا أَصَابَك”، فَقَالَ: هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ص بُرَاحًا وَأَعْطَاهُ سِيرِينَ عِوَضًا.

 

وفي قصة حديث الإفك والذين افتروا على عائشة بالكلام الباطل واتهامها بخيانة محمد، كان ممن شاركوا في هذا الكلام ونشره حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وابن سلول ومسطح، كما يذكر الواقدي:

{إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ} الآيَةَ. قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى النّاسِ مَسْرُورًا، فَصَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ تَلا عَلَيْهِمْ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ فِى بَرَاءَةِ عَائِشَةَ. قَالَتْ: فَضَرَبَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص الْحَدّ، وَكَانَ الّذِى تَوَلّى كِبَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ، وَكَانَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: وَيُقَالُ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ص لَمْ يَضْرِبْهُمْ - وَهُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا.

 

ويقول ابن هشام:

 

ثم خرج إلى الناس، فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن في ذلك، ثم أمر بمِسْطَح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فضُربوا حدَّهم.

 

ويظهر أن هذا الخبر عن تطبيق الحد غير صحيح، فما كان محمد ليستطيع وقتئذٍ أن يجرؤ على جلد ابن سلول وهو القائد الخطير الشأن، ولا أن يجلد حساناً وهو شاعره الحبيب وهو ضعيف عجوز لو جلده فربما مات، ثم إن صفوان كان شج رأسه فكيف يجلده كذلك؟! وحمنة هي أخت زوج محمد زينب!

 

وقد عاد حسان ليعتذر لعائشة بقوله كما في ابن هشام:

 

قال حسان بن ثابت - يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة رضي الله عنها:

حَصانٌ رَزَان ما تُزَنَّ بريبةٍ وتصبحُ غَرْثَى من لحومِ الغَوافلِ (1)

عقيلةُ حَي من لؤى بنِ غالبٍ كِرام المساعي مجدُهم غيرُ زائل

مُهذَّبةٌ قد طَيَّبَ الله خِيمَها وطهَّرها من كلّ سُوءٍ وباطل (2)

فإن كنتُ قد قلتُ الذي قد زَعَمتمُ فلا رفَعَت سَوْطِي إلىَّ أناملى (3)

و كيف ووُدِّى ما حَييتُ ونُصْرتي لآلِ رسولِ الله زَينِ المحافلِ

له رَتَب عالٍ على الناسِ كلِّهم تقاصَرُ عنه سَوْرَةُ المتطاولِ (4)

فإن الذي قد قيلَ ليسَ بلائطٍ ... ولكنه قولُ امرئٍ بى ماحِلِ (5)

 

وفي صحيح البخاري:

 

4146 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ وَقَالَ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى

 

_______________

(1) حَصان: فعال بفتح الحاء يكثر في أوصاف المؤنث، وفي الأعلام منها، وحصان من الحصن والتحصن، وهو الامتناع على الرجال من نظرهم إليها

(2) الخيم: الطبع.

(3) وقوله، فلا رفعت سوطي إليَّ أناملى: هذا دعاء على نفسه، وفيه تصديق لمن قال: إن حسان لم يجلد في الإفك ولا خاض فيه.

(4) الرتب: ما ارتفع من الأرض وعلا، والرتب أيضا: قوهَ في الشيء وغلظ فيه، والسورة رتبة رفيعة من الشرف مأخوذة اللفظ من سور البناء.

(5) لائط: لاصق، يقال: ما يليط ذلك بفلان، أي: ما يلصق به، ومنه سمي الربا: لياطا، لأنه شبيه بالبيع، وليس ببيع. ماحل: ماض بالنميمة.

مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ قَالَ مَسْرُوقٌ فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فَقَالَتْ وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنْ الْعَمَى قَالَتْ لَهُ إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

ويقول الواقدي:

 

فَحَدّثَنِى أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا تَذْكُرُ حَسّانَ إلاّ بِخَيْرٍ، وَلَقَدْ سَمِعَتْ عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ يَوْمًا يَسُبّهُ لِمَا كَانَ مِنْهُ فَقَالَتْ: لا تَسُبّهُ يَا بُنَىّ أَلَيْسَ هُوَ الّذِى يَقُولُ:

فَإِنّ أَبِى وَوَالِــــــدَهُ وَعِرْضــــِى

 

لِعِـــــرْضِ مُحَمّــــدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

وَحَدّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى زَيْدٍ الأَنْصَارِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مَنْ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمَعَةَ الأَسَدِىّ يُخْبِرُ أَنّهُ سَمِعَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا تَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ ص يَقُولُ: “حَسّانُ حِجَازٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لا يُحِبّهُ مُنَافِقٌ وَلا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ”. وَقَالَ حَسّانُ يَمْدَحُ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا:

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَلا رَفَعَتْ سَوْطِى إلَـــىّ أَنَامِلِـــى

 

حَصَانٌ رَزَانٌ لا تَزْنِ بِرِيبَةٍ
فَإِنْ كَانَ مَـــا قَـــدْ جَــاءَ عَنّـى قُلْته

 

 

 

معركة الخندق أو الأحزاب

 

لا يسعنا قول الكثير عن هذه المعركة التي تحالف فيها قبائل عربية عديدة مثل قريش وبني أسد وغطفان والأحابيش ويهود بني قريظة ضد المسلمين في يثرب، يمكننا القول من وجهة نظر معينة أنها عدوان من هؤلاء على مدينة يثرب ومحاولة لاقتحامها ونهبها وتدميرها، لكن لماذا لم يحدث قبل محمد والإسلام أن تحالف مثل كل هذا الجمع الغريب ضد اليثاربة من خزرج وأوس؟! لعل الإجابة هي بسبب استعداء محمد لكل هؤلاء بأفعاله من قطع طريق التجارة وتهديده والنهب والسلب والقتل ولكونه قوة ناشئة جديدة على الساحة وفوضوية ومؤذية، أما في حالة اليهود فمحمد قتل من أشرافهم كقتله سلام بن أبي الحقيق وسنينة وأمره بعد اغتيال كعب بن الأشرف بقتل أي يهودي يجده المسلمين أمامهم، ولدينا أدلة من قصة إجلاء بني قينقاع وقصة محاولة أبي بكر لأخذ أموال من اليهود وضربه فنحاص داخل المعبد اليهودي ومحالات إكراه اليهود على الإسلام (خاصةً أنه لم يكن هناك تشريع الجزية بعد)، فبعد أفعال عنصرية لا إنسانية همجية كهذه قد لا نلوم بني قريظة كثيرًا على نقضهم للعهد المعقود متأخرًا مع محمد! لقد أحسن محمد باتباعه نصيحة سلمان الفارسيّ بحفر خندق يحمي المدينة يثرب من الاقتحام، وبذلك تمكن من صد جيش كان بالتأكيد أكثر من جيشه بكثير! ولنرَ قول الوثنيين العرب عندما اقتحموا ثغرة صغيرة غفل عنها المسلمون في التعميق والتوسعة فعبروها مكرهين الخيول على ذلك وهم يقولون_حسب رواية ابن هشام والواقدي واللفظ له_: وَتَرَكُوا الرّجَالَ مِنْهُمْ خُلُوفًا، يَطْلُبُونَ مُضِيقًا يُرِيدُونَ يَقْتَحِمُونَ خَيْلَهُمْ إلَى النّبِىّ ص وَأَصْحَابِهِ فَانْتَهَوْا إلَى مَكَانٍ قَدْ أَغْفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا يُكْرِهُونَ خَيْلَهُمْ وَيَقُولُونَ: هَذِهِ الْمَكِيدَةُ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَصْنَعُهَا وَلا تَكِيدُهَا. قَالُوا: إنّ مَعَهُ رَجُلاً فَارِسِيّا، فَهُوَ الّذِى أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إبادة رجال بني قريظة اليهودية واستعباد نسائها وأطفالها

 

رغم خيانة بني قريظة للمعاهدة مع محمد، فإنه ليس مقبولاً تبعًا لقواعد التحضر والإنسانية لا الهمجية والقرون الوسطى أن يأمر بإبادة مئات الرجال والمراهقين الذين بالكاد يتحسسون طريقهم إلى الرجولة ولحياة، وسبي واستعباد وبيع وتوزيع مئات النساء والرضع والأطفال كأنهم مواشي أو أملاك، مع نهب كل أملاك وأراضي وبيوت بني قريظة، تلك أخلاق زمن ولَّى، زمن همجية وجاهلية وقسوة، هل هذا العصر الذي يبجله ويحبه المسلمون المعاصرون، ولماذا إذن يشمئزون حينما يرون من يحيي تلك السنن القذرة التي درست وانمحت اليوم بفعل التحضر كحركات طالبان وداعش حين يمارسون القتل والإبادة ضد الإيزيديين أو المسيحيين أو يستحلون كرامة وأعراض نساء الأسر والمجموعات المؤيدة للنظام السوري أو الغير متبعة للجماعات المتطرفة؟! فلو اتبعوا نفس الحس الإنساني السليم لاشمئزوا كذلك من أفعال محمد وأصحابه ووسَخ تلك الأزمنة القديمة الغبراء، فلنقرأ كيف تعامل هؤلاء مع المنهزم، ولنقرأ عمن يزعمون أنه رحيم وأُرسِل رحمةً للعالمين:

 

يقول الواقدي_وسأنقل منه لأنه أكمل السياقات وأجلُّها وإلا فالأخبار ذاتها عند ابن هشام والبخاري ومسلم ومسند أحمد_:

فَحَدّثَنِى الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمّد بْنُ مَسْلَمَةَ: حَصَرْنَاهُمْ أَشَدّ الْحِصَارِ فَلَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ غَدَوْنَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَجَعَلْنَا نَدْنُو مِنْ الْحِصْنِ وَنَرْمِيهِمْ مِنْ كَثَبٍ وَلَزِمْنَا حُصُونَهُمْ فَلَمْ نُفَارِقْهَا حَتّى أَمْسَيْنَا، وَحَضّنَا رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى الْجِهَادِ وَالصّبْرِ. ثُمّ بِتْنَا عَلَى حُصُونِهِمْ مَا رَجَعْنَا إلَى مُعَسْكَرِنَا حَتّى تَرَكُوا قِتَالَنَا وَأَمْسَكُوا عَنْهُ وَقَالُوا: نُكَلّمُك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “نَعَمْ”، فَأَنْزَلُوا نَبّاشَ بْنَ قَيْسٍ، فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ ص سَاعَةً، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ نَنْزِلُ عَلَى مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ بَنُو النّضِيرِ، لَك الأَمْوَالُ وَالْحَلْقَةُ وَتَحْقِنُ دِمَاءَنَا، وَنَخْرُجُ مِنْ بِلادِكُمْ بِالنّسَاءِ وَالذّرَارِىّ وَلَنَا مَا حَمَلَتْ الإِبِلُ إلاّ الْحَلْقَةَ، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ ص فَقَالُوا: فَتَحْقِنُ دِمَاءَنَا وَتُسَلّمُ لَنَا النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ وَلا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا حَمَلَتْ الإِبِلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا، إلاّ أَنْ تَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِى”.

 

هكذا لم يرحم محمد من هو أضعف منه من الإبادة واستعباد النساء ككسر للنفوس البشرية ومهانة وتشتيت واستعباد.

 

وقد أسلم بعض اليهود واتبعوا عقيدة محمد الجديدة ليحموا أنفسهم وأملاكهم ونساءهم وأطفالهم مما حدث لباقي قومهم على يد محمد وأتباعه:

 

يقول ابن هشام:

 

قال ابن اسحاق: ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسَيد بن سَعْية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هَدْل، ليسوا من بني قُريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

ويقول الواقدي مع سرده لبعض المزاعم الدينية طبعًا:

 

فَحَدّثَنِى صَالِحُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِى مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ ثَعْلَبَةُ وأُسَيْدُ ابْنَا سَعِيّةَ، وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَمّهُمْ: يَا مَعْشَرَ بَنِى قُرَيْظَةَ، وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَأَنّ صِفَتَهُ عِنْدَنَا، حَدّثَنَا بِهَا عُلَمَاؤُنَا وَعُلَمَاءُ بَنِى النّضِيرِ، هَذَا أَوّلُهُمْ - يَعْنِى حُيَىّ بْنَ أَخْطَبَ - مَعَ جُبَيْرِ بْنِ الْهَيّبَانِ أَصْدَقُ النّاسِ عِنْدَنَا، هُوَ خَبّرَنَا بِصِفَتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. قَالُوا: لا نُفَارِقُ التّوْرَاةَ فَلَمّا رَأَى هَؤُلاءِ النّفَرُ إبَاءَهُمْ نَزَلُوا فِى اللّيْلَةِ الّتِى فِى صُبْحِهَا نَزَلَتْ قُرَيْظَةُ، فَأَسْلَمُوا فَأَمِنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.

 

ويقول ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني أيوب بن عبد الرحمن بن عبدالله بن أبي صعصعة أخو بني عدي بن النجار: أن سَلْمَى بنت قيس، أم المنذِر، أخت سليط ابن أخت سليط بن قيس - وكانت احدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد صلَّت معه القبلتين، وبايعته بيعة النساء – سألته رفاعةَ بن سمؤال القُرظي، وكان رجلا قد بلغ، فلاذ بها، وكان يعرفهم قبل ذلك، فقالت: يا نبى الله، بأبى أنت وأمي، هَبْ لي رفاعة، فإنه قد زعم أنه سيصلي ويأكل لحم الجمل؛ قال: فوهبه لها، فاستَحْيته.

 

إن أبا لبابة أحد أصحاب محمد عينه محمد على قتال يهود بني قريظة ومفاوضتهم على الاستسلام بالمداراة ليبيدهم محمد بأقل جهد وتعب ممكن، لكن الرجل واجه صراعًا داخليًا بين المشاعر والقيم الإنسانية النبيلة المسالمة مشاعر الأخوة الإنسانية والرحمة اتجاه قوم كانوا حلفاء قومه الأوس وكانوا جيرانه وعشرة عمره ومن أكل معهم أيامًا في صحنٍ واحد من يهود بني قريظة، وبين إيمانه الأعمى بدين محمد وبالعنف اللاإنساني الدموي الذي يأمر به ويحرض عليه، لذا سنلاحظ في النص التالي تناقض أفعاله فهو يحذر قريظة من نتيجة استسلامهم ثم يندم وينعزل شاعرًا بارتكاب إثم ديني وخيانة فيربط نفسه بإسطوانة (عمود) المسجد حتى يعفو عنه محمد، فيقوم بفعل ذي دلالة وهو تركه داره التي بين قومه الأوس حلفاء أغلب اليهود:

 

يقول ابن هشام:

 

قال: ثم أنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعثْ إلينا أبا لُبابة بن عبد المنذر، أخا بني عمرو ابن عوف وكانوا حلفاء الأوس، لنستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم؛ فلما رأوْه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساءُ والصبيان يبكون في وجهه، فرَقَّ لهم، وقالوا له: يا أبا لُبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقِه، إنه الذبح.

قال أبو لُبابة: فوالله ما زالت قَدَماي من مكانهما حتى عرفتُ أني قد خنت الله ورسولَه صلى الله عليه وسلم. ....إلخ القصة

 

ويقول الواقدي:

 

قَالُوا: فَلَمّا اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ أَرْسَلُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ ص أَرْسِلْ إلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَحَدّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ السّائِبِ بْنِ أَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا أَرْسَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُرْسِلَنِى إلَيْهِمْ دَعَانِى رَسُولُ اللّهِ ص فَقَالَ: “اذْهَبْ إلَى حُلَفَائِك، فَإِنّهُمْ أَرْسَلُوا إلَيْك مِنْ بَيْنِ الأَوْسِ”.

قَالَ: فَدَخَلْت عَلَيْهِمْ وَقَدْ اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ فَبَهَشُوا إلَىّ، وَقَالُوا: يَا أَبَا لُبَابَةَ نَحْنُ مَوَالِيك دُونَ النّاسِ كُلّهِمْ، فَقَامَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، فَقَالَ: أَبَا بَشِيرٍ قَدْ عَلِمْت مَا صَنَعْنَا فِى أَمْرِك وَأَمْرِ قَوْمِك يَوْمَ الْحَدَائِقِ وَبُعَاثٍ، وَكُلّ حَرْبٍ كُنْتُمْ فِيهَا، وَقَدْ اشْتَدّ عَلَيْنَا الْحِصَارُ وَهَلَكْنَا، وَمُحَمّدٌ يَأْبَى يُفَارِقُ حِصْنَنَا حَتّى نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِهِ، فَلَوْ زَالَ عَنّا لَحِقْنَا بِأَرْضِ الشّامِ أَوْ خَيْبَرَ، وَلَمْ نَطَأْ لَهُ حُرّا أَبَدًا، وَلَمْ نُكْثِرْ عَلَيْهِ جَمْعًا أَبَدًا.

قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: أَمّا مَا كَانَ هَذَا مَعَكُمْ فَلا يَدَعُ هَلاكَكُمْ - وَأَشَرْت إلَى حُيَىّ بْنِ أَخْطَبَ، قَالَ كَعْبٌ: هُوَ وَاَللّهِ أَوْرَدَنِى ثُمّ لَمْ يُصْدِرْنِى، فَقَالَ حُيَىّ: فَمَا أَصْنَعُ؟ كُنْت أَطْمَعُ فِى أَمْرِهِ فَلَمّا أَخْطَأَنِى آسَيْتُك بِنَفْسِى، يُصِيبُنِى مَا أَصَابَك. قَالَ كَعْبٌ: وَمَا حَاجَتِى إلَى أَنْ أُقْتَلَ أَنَا وَأَنْتَ وَتُسْبَى ذَرَارِيّنَا؟ قَالَ حُيَىّ: مَلْحَمَةٌ وَبَلاءٌ كُتِبَ عَلَيْنَا. ثُمّ قَالَ كَعْبٌ: مَا تَرَى، فَإِنّا قَدْ اخْتَرْنَاك عَلَى غَيْرِك؟ إنّ مُحَمّدًا قَدْ أَبَى إلاّ أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِهِ أَفَنَنْزِلُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَانْزِلُوا - وَأَوْمَأَ إلَى حَلْقِهِ هُوَ الذّبْحُ، قَالَ: فَنَدِمْت فَاسْتَرْجَعْت، فَقَالَ لِى كَعْبٌ: مَا لَك يَا أَبَا لُبَابَةَ؟ فَقُلْت: خُنْت اللّهَ وَرَسُولَهُ، فَنَزَلْت وَإِنّ لِحْيَتِى لَمُبْتَلّةٌ مِنْ الدّمُوعِ، وَالنّاسُ يَنْتَظِرُونَ رُجُوعِى إلَيْهِمْ، حَتّى أَخَذْت مِنْ وَرَاءِ الْحِصْنِ طَرِيقًا آخَرَ حَتّى جِئْت إلَى الْمَسْجِدِ فَارْتَبَطْت، فَكَانَ ارْتِبَاطِى إلَى الأُسْطُوَانَةِ الْمُخَلّقَةِ الّتِى تُقَالُ أُسْطُوَانَةُ التّوْبَةِ - وَيُقَالُ: لَيْسَ تِلْكَ إنّمَا ارْتَبَطَ إلَى أُسْطُوَانَةٍ كَانَتْ وِجَاهَ الْمِنْبَرِ عِنْدَ بَابِ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِىّ ص وَهَذَا أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ -.

وَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ - ص ذَهَابِى وَمَا صَنَعْت، فَقَالَ: “دَعُوهُ حَتّى يُحْدِثَ اللّهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ، لَوْ كَانَ جَاءَنِى اسْتَغْفَرْت لَهُ، فَأَمّا إذْ لَمْ يَأْتِنِى وَذَهَبَ فَدَعُوهُ”، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: فَكُنْت فِى أَمْرٍ عَظِيمٍ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأَذْكُرُ رُؤْيَا رَأَيْتهَا.

فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيّوبَ بْنِ خَالِدٍ: قَالَ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: رَأَيْت فِى النّوْمِ وَنَحْنُ مُحَاصِرُو بَنِى قُرَيْظَةَ كَأَنّى فِى حَمْأَةٍ آسِنَةٍ، فَلَمْ أَخْرُجْ مِنْهَا حَتّى كِدْت أَمُوتَ مِنْ رِيحِهَا، ثُمّ أَرَى نَهَرًا جَارِيًا، فَأَرَانِى اغْتَسَلْت مِنْهُ حَتّى اسْتَنْقَيْتُ وَأَرَانِى أَجِدُ رِيحًا طَيّبَةً، فَاسْتَعْبَرَهَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: لَتَدْخُلَنّ فِى أَمْرٍ تَغْتَمّ لَهُ ثُمّ يُفَرّجُ عَنْك، فَكُنْت أَذْكُرُ قَوْلَ أَبِى بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، وَأَنَا مُرْتَبِطٌ فَأَرْجُو أَنْ تَنْزِلَ تَوْبَتِى.

فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ اسْتَعْمَلَ أَبَا لُبَابَةَ عَلَى قِتَالِهِمْ، فَلَمّا أَحْدَثَ مَا أَحْدَثَ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، وَارْتَبَطَ أَبُو لُبَابَةَ سَبْعًا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الّتِى عِنْدَ بَابِ أُمّ سَلَمَةَ فِى حَرّ شَدِيدٍ لا يَأْكُلُ فِيهِنّ وَلا يَشْرَبُ، وَقَالَ: لا أَزَالُ هَكَذَا حَتّى أُفَارِقَ الدّنْيَا أَوْ يَتُوبَ اللّهُ عَلَىّ.

قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى مَا يَسْمَعُ الصّوْتَ مِنْ الْجَهْدِ وَرَسُولُ اللّهِ ص يَنْظُرُ إلَيْهِ بُكْرَةً وَعَشِيّةً، ثُمّ تَابَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَنُودِىَ: إنّ اللّهَ قَدْ تَابَ عَلَيْك، وَأَرْسَلَ النّبِىّ ص إلَيْهِ لِيُطْلِقَ عَنْهُ رِبَاطَهُ فَأَبَى أَنْ يُطْلِقَهُ عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُ رَسُولِ اللّهِ ص فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ ص بِنَفْسِهِ فَأَطْلَقَهُ.

قَالَ الزّهْرِىّ: فَحَدّثَتْنِى هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِىّ ص، قَالَتْ: رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ص يَحِلّ عَنْهُ رِبَاطَهُ، وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ لَيَرْفَعُ صَوْتَهُ يُكَلّمُهُ وَيُخْبِرُهُ بِتَوْبَتِهِ، وَمَا يَدْرِى كَثِيرًا مِمّا يَقُولُ مِنْ الْجَهْدِ وَالضّعْفِ.

وَيُقَالُ: مَكَثَ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرْبُوطًا، وَكَانَتْ ابْنَتُهُ تَأْتِيهِ بِتَمَرَاتٍ لِفِطْرِهِ فَيَلُوكُ مِنْهُنّ وَيَتْرُكُ، وَيَقُولُ: وَاَللّهِ مَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَسِيغَهَا فَرَقًا أَلاّ تَنْزِلَ تَوْبَتِى، وَتُطْلِقُهُ عِنْدَ وَقْتِ كُلّ صَلاةٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ تَوَضّأَ، وَإِلاّ أَعَادَتْ الرّبَاطَ، وَلَقَدْ كَانَ الرّبَاطُ حَزّ فِى ذِرَاعَيْهِ وَكَانَ مِنْ شَعَرٍ وَكَانَ يُدَاوِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا، وَكَانَ ذَلِكَ يَبِينُ فِى ذِرَاعَيْهِ بَعْدَ مَا بَرِئَ، وَقَدْ سَمِعْنَا فِى تَوْبَتِهِ وَجْهًا آخَرَ.

حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِىّ ص قَالَتْ: إنّ تَوْبَةَ أَبِى لُبَابَةَ نَزَلَتْ فِى بَيْتِى، قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: فَسَمِعْت رَسُولَ اللّهِ ص يَضْحَكُ فِى السّحَرِ، فَقُلْت: مِمّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَضْحَكَ اللّهُ سِنّك؟ قَالَ: “تِيبَ عَلَى أَبِى لُبَابَةَ”. قَالَتْ: قُلْت: أُوذِنُهُ بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “مَا شِئْت”. قَالَتْ: فَقُمْت عَلَى بَابِ الْحُجْرَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ، فَقُلْت: يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَيْك فَثَارَ النّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ.

فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: لا، حَتّى يَأْتِىَ رَسُولُ اللّهِ، فَيَكُونَ هُوَ الّذِى يُطْلِقُ عَنّى، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الصّبْحِ أَطْلَقَهُ, وَنَزَلَتْ فِى أَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الآيَةَ. وَيُقَال: نَزَلَتْ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ}.

 

وَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو لُبَابَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقَالَ: أَنَا أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِى الّتِى أَصَبْت فِيهَا هَذَا الذّنْبَ، فَأُخْرِجُ مِنْ مَالِى صَدَقَةً إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ النّبِىّ ص: “يُجْزِئُ عَنْك الثّلُثُ”. فَأَخْرَجَ الثّلُثَ وَهَجَرَ أَبُو لُبَابَةَ دَارَ قَوْمِهِ، ثُمّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبِنْ فِى الإِسْلامِ مِنْهُ إلاّ خَيْرٌ حَتّى فَارَقَ الدّنْيَا،

 

والخبر عن هذه القصة والكثير من تفاصيل إبادة بني قريظة ورد في مسند أحمد بن حنبل:

 

25097 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ، قَالَتْ:...... فَقَالَتْ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ، قِيلَ لَهُمْ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ . قَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ " فَنَزَلُوا، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ...إلخ الحديث والقصة

 

الخبر ذاته عند ابن هشام كذلك، و له شاهد من حديث عبد الله بن قتادة، قال: نزلت هذه الآية: (لا تَخُونُوا اللّه والزَسُولَ) [الأنفال: 27]، قال: سأل أبا لبابة بنَ عبد المنذر بنو قريظة: ما الأمر؟ فأشار إلى حَلْقه: يقول الذبح. وهذا مرسل، أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" (987) (التفسير)، والطبري في تفسير الآية المذكورة مختصراً. وآخر مرسل كذلك من طريق يونس بن بُكير عن ابن إسحاق، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن معبد بنِ كعب بن مالك. أخرجه البيهقي في "الدلائل" 4/15 ضمن حديث. وثالث من رواية موسى بن عقبة قوله، ضمن قصة غزوة بني قريظة. أخرجه البيهقي في "الدلائل" 4/12-14. والقصة موجودة بأسانيد في كتب التفسير كابن كثير والطبري وأسباب النزول للواحدي.

 

ولنرَ كيف قام محمد بالاستيلاء ونهب أموال يهود بني قريظة، ووفقًا لمبادئ العدالة فإن عداواتك لقوم وحربك معهم لا تبيح لك سرقتهم ونهبهم، لكن تلك هي قيم زمن الماضي الكريه، يقول الواقدي:

 

قَالُوا: وَلَمّا جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ ص أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ بِأَسْرَاهُمْ فَكُتّفُوا رِبَاطًا، وَجُعِلَ عَلَى كِتَافِهِمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَنُحّوا نَاحِيَةً وَأَخْرَجُوا النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ مِنْ الْحُصُونِ فَكَانُوا نَاحِيَةً.

 

وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلامٍ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِجَمْعِ أَمْتِعَتِهِمْ وَمَا وُجِدَ فِى حُصُونِهِمْ مِنْ الْحَلْقَةِ وَالأَثَاثِ وَالثّيَابِ.

فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: وُجِدَ فِيهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ سَيْفٍ وَثَلاثُمِائَةِ دِرْعٍ وَأَلْفَا رُمْحٍ وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ تُرْسٍ وَحَجَفَةٍ، وَأَخْرَجُوا أَثَاثًا كَثِيرًا، وَآنِيَةً كَثِيرَةً وَوَجَدُوا خَمْرًا وَجِرَارَ سَكَرٍ فَهُرِيقَ ذَلِكَ كُلّهُ وَلَمْ يُخَمّسْ، وَوَجَدُوا مِنْ الْجِمَالِ النّوَاضِحِ عِدّةً وَمِنْ الْمَاشِيَةِ فَجُمِعَ هَذَا كُلّهُ.

حَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: أَنَا كُنْت مِمّنْ كَسَرَ جِرَارَ السّكَرِ يَوْمَئِذٍ.

 

لقد حاول الأوس وهم أقلية في يثرب مقارنة بعدد الخزرج الأكثر والمهاجرين أن يمنعوا المذبحة بروح إنسانية لا بأس بها خاصة لكون يهود بني قريظة حلفاء قدماء لهم لطالما أحسنوا الحلف معهم وساندوهم بإخلاص في حروب ما قبل الإسلام وقدوم محمد، لكن محمد بمكر ودهاء جعل من يحكم عليهم رجلاً من الأوس متعصبًا دينيًا وموتورًا لإصابته في غزوة الأحزاب الخندق! وحكم عليهم بإبادة الرجال حتى الشيوخ المساكين والمراهقين الذين أنبتوا بالكاد شعور العانات حتى يصعب تمييزهم إن كانوا أطفالاً أم رجالاً، واستعباد النساء اليهوديات العربيات للتملك والتوزيع على الجنود للاستمتاع باغتصابهن وتخديمهن أو بيعهن والتربح من بيع البشر كرقيق، وعند الواقدي:

 

حَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: وَتَنَحّى رَسُولُ اللّهِ ص، فَجَلَسَ وَدَنَتْ الأَوْسُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ حُلَفَاؤُنَا دُونَ الْخَزْرَجِ، وَقَدْ رَأَيْت مَا صَنَعْت بِبَنِى قَيْنُقَاعَ بِالأَمْسِ حُلَفَاءِ ابْنِ أُبَىّ، وَهَبْت لَهُ ثَلاثَمِائَةِ حَاسِرٍ وَأَرْبَعَمِائَةِ دَارِعٍ، وَقَدْ نَدِمَ حُلَفَاؤُنَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ نَقْضِهِمْ الْعَهْدَ فَهَبْهُمْ لَنَا، وَرَسُولُ اللّهِ ص سَاكِتٌ لا يَتَكَلّمُ حَتّى أَكْثَرُوا عَلَيْهِ وَأَلَحّوا وَنَطَقَتْ الأَوْسُ كُلّهَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِمْ إلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ”؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: “فَذَلِكَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ”، وَسَعْدٌ يَوْمَئِذٍ فِى الْمَسْجِدِ فِى خَيْمَةِ كُعَيْبَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَكَانَتْ تُدَاوِى الْجَرْحَى، وَتَلُمّ الشّعَثَ وَتَقُومُ عَلَى الضّائِعِ وَاَلّذِى لا أَحَدَ لَهُ، وَكَانَ لَهَا خَيْمَةٌ فِى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص جَعَلَ سَعْدًا فِيهَا.

فَلَمّا جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص الْحُكْمَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَرَجَتْ الأَوْسُ، حَتّى جَاءُوهُ، فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ بِشَنَذَةٍ مِنْ لِيفٍ وَعَلَى الْحِمَارِ قَطِيفَةٌ فَوْقَ الشّنَذَةِ وَخِطَامُهُ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ.

فَخَرَجُوا حَوْلَهُ يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ وَلاّك أَمْرَ مَوَالِيك لِتُحْسِنَ فِيهِمْ، فَأَحْسِنْ، فَقَدْ رَأَيْت ابْنَ أُبَىّ وَمَا صَنَعَ فِى حُلَفَائِهِ، وَالضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ يَقُولُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، مَوَالِيَك، مَوَالِيَك قَدْ مَنَعُوك فِى الْمَوَاطِنِ كُلّهَا، وَاخْتَارُوك عَلَى مَنْ سِوَاك وَرَجَوْا عِيَاذَك، وَلَهُمْ جِمَالٌ وَعِدَدٌ. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَحْسِنْ فِى مَوَالِيك وَحُلَفَائِك؛ إنّ رَسُولَ اللّهِ ص يُحِبّ الْبَقِيّةَ نَصَرُوك يَوْمَ الْبُعَاثِ وَالْحَدَائِقِ وَالْمَوَاطِنِ، وَلا تَكُنْ شَرّا مِنْ ابْنِ أُبَىّ.

قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ: وَجَعَلَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، وَإِنّا وَاَللّهِ قَاتَلْنَا بِهِمْ فَقَتَلْنَا، وَعَازَزْنَا بِهِمْ فَعَزَزْنَا قَالُوا: وَسَعْدٌ لا يَتَكَلّمُ حَتّى إذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ سَعْدٌ: قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَلاّ تَأْخُذَهُ فِى اللّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ.

فَقَالَ الضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ: وَاقَوْمَاه ثُمّ رَجَعَ الضّحّاكُ إلَى الأَوْسِ فَنَعَى لَهُمْ بَنِى قُرَيْظَةَ، وَقَالَ مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ: وَاسُوءَ صَبَاحَاهُ، وَقَالَ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ الظّفَرِىّ: ذَهَبَ قَوْمِى آخِرَ الدّهْرِ.

وَأَقْبَلَ سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَالنّاسُ حَوْلَ رَسُولِ اللّهِ ص جُلُوسٌ، فَلَمّا طَلَعَ سَعْدٌ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “قُومُوا إلَى سَيّدِكُمْ”، فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ يَقُولُونَ فَقُمْنَا لَهُ عَلَى أَرْجُلِنَا صَفّيْنِ، يُحَيّيهِ كُلّ رَجُلٍ مِنّا، حَتّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ ص، وَقَائِلٌ يَقُولُ: إنّمَا عَنَى رَسُولُ اللّهِ ص بِقَوْلِهِ: “قُومُوا إلَى سَيّدِكُم” يَعْنِى بِهِ الأَنْصَارَ دُونَ قُرَيْشٍ، قَالَتْ الأَوْسُ الّذِينَ بَقُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ ص لِسَعْدٍ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ وَلاّك الْحُكْمَ، فَأَحْسِنْ فِيهِمْ وَاذْكُرْ بَلاءَهُمْ عِنْدَك.

فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: أَتَرْضَوْنَ بِحُكْمِى لِبَنِى قُرَيْظَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَدْ رَضِينَا بِحُكْمِك وَأَنْتَ غَائِبٌ عَنّا، اخْتِيَارًا مِنّا لَك وَرَجَاءَ أَنْ تَمُنّ عَلَيْنَا كَمَا فَعَلَهُ غَيْرُك فِى حُلَفَائِهِ مِنْ قَيْنُقَاعَ وَأَثَرُنَا عِنْدَك أَثَرُنَا، وَأَحْوَجُ مَا كُنّا الْيَوْمَ إلَى مُجَازَاتِك، فَقَالَ سَعْدٌ: لا آلُوكُمْ جَهْدًا، فَقَالُوا: مَا يَعْنِى بِقَوْلِهِ هَذَا؟ ثُمّ قَالَ: عَلَيْكُمْ عَهْدَ اللّهِ وَمِيثَاقَهُ أَنّ الْحُكْمَ فِيكُمْ مَا حَكَمْت؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ سَعْدٌ: لِلنّاحِيَةِ الأُخْرَى الّتِى فِيهَا رَسُولُ اللّهِ ص وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهَا إجْلالاً لِرَسُولِ اللّهِ ص، وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا مِثْلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “وَمَنْ مَعَهُ نَعَمْ”. قَالَ سَعْدٌ: فَإِنّى أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى، وَتُسْبَى النّسَاءُ وَالذّرّيّةُ وَتُقْسَمُ الأَمْوَالُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لَقَدْ حَكَمْت بِحُكْمِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ”.

وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِى اللّيْلَةِ الّتِى فِى صُبْحِهَا نَزَلَتْ قُرَيْظَةُ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ ص قَدْ دَعَا، فَقَالَ: “اللّهُمّ إنْ كُنْت أَبْقَيْت مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِى لَهَا، فَإِنّهُ لا قَوْمَ أَحَبّ إلَىّ أَنْ أُقَاتِلَ مِنْ قَوْمٍ كَذّبُوا رَسُولَ اللّهِ، وَآذَوْهُ، وَأَخْرَجُوهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَدْ وَضَعَتْ أَوْزَارَهَا عَنّا وَعَنْهُمْ، فَاجْعَلْهُ لِى شَهَادَةً وَلا تُمِتْنِى حَتّى تُقِرّ عَيْنِى مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ فَأَقَرّ اللّهُ عَيْنَهُ مِنْهُمْ”.

 

لا تختلف هذه الأخبار عند السيرة لابن هشام والبخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وغيرهم.

ونقرأ عن الأسلوب والتفاصيل البشعة لإبادة البشر وقد كانوا ما بين السبعمئة إلى التسعمئة إنسان:

 

فَأَمَرَ بِالسّبْىِ فَسِيقُوا إلَى دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَالنّسَاءِ وَالذّرّيّةِ إلَى دَارِ ابْنَةِ الْحَارِثِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِأَحْمَالِ التّمْرِ فَنُثِرَتْ عَلَيْهِمْ فَبَاتُوا يَكْدُمُونَهَا كَدْمَ الْحُمُرِ وَجَعَلُوا لَيْلَتَهُمْ يَدْرُسُونَ التّوْرَاةَ، وَأَمَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالثّبَاتِ عَلَى دِينِهِ وَلُزُومِ التّوْرَاةِ.

وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِالسّلاحِ وَالأَثَاثِ وَالْمَتَاعِ وَالثّيَابِ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَأَمَرَ بِالإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَتُرِكَتْ هُنَاكَ تَرْعَى فِى الشّجَرِ، قَالُوا: ثُمّ غَدَا رَسُولُ اللّهِ ص إلَى السّوقِ فَأَمَرَ بِخُدُودٍ فَخُدّتْ فِى السّوقِ مَا بَيْنَ مَوْضِعِ دَارِ أَبِى جَهْمٍ الْعَدَوِىّ إلَى أَحْجَارِ الزّيْتِ بِالسّوقِ فَكَانَ أَصْحَابُهُ يَحْفِرُونَ هُنَاكَ وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ ص وَمَعَهُ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ وَدَعَا بِرِجَالِ بَنِى قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَخْرُجُونَ رَسْلاً رَسْلاً، تُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ.

فَقَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ: مَا تَرَى مُحَمّدًا مَا يَصْنَعُ بِنَا؟ قَالَ: مَا يَسُوءُكُمْ وَمَا يَنُوءُكُمْ وَيْلَكُمْ عَلَى كُلّ حَالٍ لا تَعْقِلُونَ أَلا تَرَوْنَ أَنّ الدّاعِىَ لا يَنْزِعُ وَأَنّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنْكُمْ لا يَرْجِعُ؟ هُوَ وَاَللّهِ السّيْفُ قَدْ دَعَوْتُكُمْ إلَى غَيْرِ هَذَا فَأَبَيْتُمْ، قَالُوا: لَيْسَ هَذَا بِحِينِ عِتَابٍ لَوْلا أَنّا كَرِهْنَا أَنْ نُزْرِىَ بِرَأْيِك مَا دَخَلْنَا فِى نَقْضِ الْعَهْدِ الّذِى كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ.

قَالَ حُيَىّ: اُتْرُكُوا مَا تَرَوْنَ مِنْ التّلاوُمِ فَإِنّهُ لا يَرُدّ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَاصْبِرُوا لِلسّيْفِ. فَلَمْ يَزَالُوا يُقْتَلُونَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ص وَكَانَ الّذِينَ يَلُونَ قَتْلَهُمْ عَلِىّ وَالزّبَيْرُ، ثُمّ أُتِىَ بِحُيَىّ بْنِ أَخْطَبَ مَجْمُوعَةٍ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ عَلَيْهِ حُلّةٌ شَقْحِيّةٌ قَدْ لَبِسَهَا لِلْقَتْلِ ثُمّ عَمَدَ إلَيْهَا فَشَقّهَا أُنْمُلَةً لِئَلاّ يَسْلُبَهُ إيّاهَا أَحَدٌ، وَقَدْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ طَلَعَ: “أَلَمْ يُمَكّنْ اللّهُ مِنْك يَا عَدُوّ اللّهِ”؟ قَالَ: بَلَى وَاَللّهِ مَا لُمْت نَفْسِى فِى عَدَاوَتِك، وَلَقَدْ الْتَمَسْت الْعِزّ فِى مَكَانِهِ وَأَبَى اللّهُ إلاّ أَنْ يُمَكّنَك مِنّى، وَلَقَدْ قَلْقَلْت كُلّ مُقَلْقَلٍ وَلَكِنّهُ مَنْ يَخْذُلْ اللّهُ يُخْذَلْ.

ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، فَقَالَ: يَا أَيّهَا النّاسُ لا بَأْسَ بِأَمْرِ اللّهِ قَدْرٌ وَكِتَابٌ مَلْحَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَى بَنِى إسْرَائِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ، ثُمّ أُتِىَ بِغَزّالِ بْنِ سَمَوْأَلٍ، فَقَالَ: “أَلَمْ يُمَكّنْ اللّهُ مِنْك”؟ قَالَ: بَلَى يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَأَمَرَ بِهِ النّبِىّ ص فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.

ثُمّ أُتِىَ بِنَبّاشِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَدْ جَابَذَ الّذِى جَاءَ بِهِ حَتّى قَاتَلَهُ فَدَقّ الّذِى جَاءَ بِهِ أَنْفَهُ فَأَرْعَفَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لِلّذِى جَاءَ بِهِ: “لِمَ صَنَعْت بِهِ هَذَا؟ أَمَا كَانَ فِى السّيْفِ كِفَايَةٌ”؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ جَابَذَنِى لأَنْ يَهْرُبَ، فَقَالَ: كَذَبَ وَالتّوْرَاةِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَلَوْ خَلاّنِى مَا تَأَخّرْت عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ قَوْمِى حَتّى أَكُونَ كَأَحَدِهِمْ، قَالَ: ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَحْسِنُوا إسَارَهُمْ وَقَيّلُوهُمْ وَأَسْقُوهُمْ حَتّى يُبْرِدُوا فَتَقْتُلُوا مَنْ بَقِىَ لا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرّ الشّمْسِ وَحَرّ السّلاحِ - وَكَانَ يَوْمًا صَائِفًا - فَقَيّلُوهُمْ وَأَسْقَوْهُمْ وَأَطْعِمُوهُمْ”، فَلَمّا أَبْرَدُوا رَاحَ رَسُولُ اللّهِ ص يَقْتُلُ مَنْ بَقِىَ.

 

لا تختلف هذه الأخبار عند ابن هشام، ويعود الواقدي_والقصة كذلك عند ابن هشام_ ليذكر في سياق منظم قصة إسلام أحد اليهود ليحمي نفسه من القتل مستجيرًا بأسرة عربية كانت تعرفه قديمًا وصادف أن ربة الأسرة خالة يثربية لمحمد (فأم محمد كانت من بني النجار اليثاربة):

 

وَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى سَلْمَى بِنْتِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ إحْدَى خَالاتِهِ، وَكَانَتْ قَدْ صَلّتْ الْقِبْلَتَيْنِ وَبَايَعَتْهُ، وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ لَهُ انْقِطَاعٌ إلَيْهَا وَإِلَى أَخِيهَا سَلِيطِ بْنِ قَيْسٍ، وَأَهْلِ الدّارِ وَكَانَ حِينَ حُبِسَ أَرْسَلَ إلَيْهَا أَنْ كَلّمِى مُحَمّدًا فِى تَرْكِى، فَإِنّ لِى بِكُمْ حُرْمَةً وَأَنْتِ إحْدَى أُمّهَاتِهِ فَتَكُونَ لَكُمْ عِنْدِى يَدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَا لَك يَا أُمّ الْمُنْذِرِ”؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ كَانَ يَغْشَانَا وَلَهُ بِنَا حُرْمَةٌ فَهَبْهُ لِى، وَقَدْ رَآهُ رَسُولُ اللّهِ ص يَلُوذُ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “نَعَمْ هُوَ لَك”، ثُمّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ سَيُصَلّى وَيَأْكُلُ لَحْمَ الْجَمَلِ، فَتَبَسّمَ النّبِىّ ص، ثُمّ قَالَ: “إنْ يُصَلّ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَإِنْ يَثْبُتْ عَلَى دِينِهِ فَهُوَ شَرّ لَهُ”.

قَالَتْ: فَأَسْلَمَ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مَوْلَى أُمّ الْمُنْذِرِ فَشَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَاجْتَنَبَ الدّارَ حَتّى بَلَغَ أُمّ الْمُنْذِرِ ذَلِكَ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ إنّى وَاَللّهِ مَا أَنَا لَك بِمَوْلاةٍ وَلَكِنّى كَلّمْت رَسُولَ اللّهِ فَوَهَبَك لِى، فَحَقَنْت دَمَك وَأَنْتَ عَلَى نَسَبِك، فَكَانَ بَعْدُ يَغْشَاهَا، وَعَادَ إلَى الدّارِ.

 

ويسرد لنا الواقدي أنه لما كره معظم الأوس قتل حلفائهم، أجبرهم محمد على قتل بقية بني قريظة بأيديهم:

 

وَجَاءَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَقَالا: يَا رَسُولِ اللّهِ إنّ الأَوْسَ كَرِهَتْ قَتْلَ بَنِى قُرَيْظَةَ لِمَكَانِ حِلْفِهِمْ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كَرِهَهُ مِنْ الأَوْسِ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ فَمَنْ كَرِهَهُ مِنْ الأَوْسِ لا أَرْضَاهُ اللّهُ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لا تُبْقِيَنّ دَارًا مِنْ دُورِ الأَوْسِ إلاّ فَرّقْتهمْ فِيهَا، فَمَنْ سَخِطَ ذَلِكَ فَلا يُرْغِمُ اللّهُ إلاّ أَنْفَهُ فَابْعَثْ إلَى دَارِى أَوّلَ دُورِهِمْ.

فَبَعَثَ إلَى بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ بِاثْنَيْنِ فَضَرَبَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ رَقَبَةَ أَحَدِهِمَا، وَضَرَبَ أَبُو نَائِلَةَ الآخَرَ، وَبَعَثَ إلَى بَنِى حَارِثَةَ بِاثْنَيْنِ فَضَرَبَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ النّيَارِ رَقَبَةَ أَحَدِهِمَا، وَذَفّفَ عَلَيْهِ مُحَيّصَةُ، وَضَرَبَ الآخَرُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ ذَفّفَ عَلَيْهِ ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ.

وَبَعَثَ إلَى بَنِى ظَفَرٍ بِأَسِيرَيْنِ. فَحَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: قَتَلَ أَحَدَهُمَا قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ، وَقَتَلَ الآخَرَ نَضْرُ بْنُ الْحَارِثِ.

قَالَ عَاصِمٌ: وَحَدّثَنِى أَيّوبُ بْنُ بَشِيرٍ الْمُعَاوِىّ، قَالَ: أَرْسَلَ إلَيْنَا - بَنِى مُعَاوِيَةَ - بِأَسِيرَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا جَبْرُ بْنُ عَتِيكٍ، وَقَتَلَ الآخَرَ نُعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ؛ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِىّ.

قَالَ: وَأَرْسَلَ إلَى بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِأَسِيرَيْنِ عُقْبَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَخِيهِ وَهْبِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَالآخَرَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ.

وَأَرْسَلَ إلَى بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأُتِىَ رَسُولُ اللّهِ ص بِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ مَجْمُوعَةٍ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، وَكَانَ حَسَنَ الْوَجْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ”؟ قَالَ كَعْبٌ: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، ....إلخ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “قَدّمْهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ”، فَقَدّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ.

فَحَدّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ، عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ: لَمّا قَتَلَ رَسُولُ اللّهِ ص حُيَىّ بْنَ أَخْطَبَ، وَنَبّاشَ بْنَ قَيْسٍ، وَغَزّالَ بْنَ سَمَوْأَلٍ، وَكَعْبَ بْنَ أَسَدٍ وَقَامَ، قَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: “عَلَيْك بِمَنْ بَقِىَ”. فَكَانَ سَعْدٌ يُخْرِجُهُمْ رَسْلاً رَسْلاً يَقْتُلُهُمْ.

 

لقد ذكر ابن هشام تفاصيل أقل غزارة من تلك وجملاً أقل كمالاً عن قتل أشراف وزعماء اليهود، لكنه تجاهل تفصيلة إجبار محمد للأوس على قتل حلفائهم كاختبار للولاء والإيمان بقتل صحبة عمرهم وحلفائهم المخلصين!

 

لكنه لديه بعض معلومات مفيدة عن عدد القتلى في تلك المجزرة:

 

قال ابن اسحاق: ثم استُنزلوا، فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث، امرأة من بني النجار، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة، التي هى سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث اليهم، فضرب أعناقَهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرْسالاً، وفيهم عدو الله حُيى بن أخطب، وكعب بن أسد، رأس القوم، وهم ستمائة أو سبعمائة، والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة.

 

ويقول ابن هشام من شعر لشاعر يهودي عربي ذبياني في رثاء يهود بني قريظة:

 

فقال جبل بن جوال الثعلبي:

لعَمْرك ما لام ابنُ أخطبَ نفسَه ولكنه من يخذُل الله يُخذلِ

لجاهد حتى أبلغَ النفسَ عذرَها وقلقَل يبغي العزَّ كلَّ مُقلقِلِ

 

ثم يحكي ابن هشام والواقدي عن قصة المرأة التي كره زوجها اليهوديّ أن تتعرض للسبي والاستعباد والاغتصاب، فحرَّضها بالحيلة على قتل أحد المسلمين فحكموا عليها بالإعدام فكانت سعيدة طيبة النفس لأنها صانت كرامتها ولم تعش مستعبدة بلا حرية ولا كرامة، فيالها من مآسٍ إنسانية وصور تراجيدية، يقول الواقدي:

 

قَالُوا: وَكَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى النّضِيرِ، يُقَالُ لَهَا: نُبَاتَةُ وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِى قُرَيْظَةَ، فَكَانَ يُحِبّهَا وَتُحِبّهُ فَلَمّا اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ بَكَتْ إلَيْهِ، وَقَالَتْ: إنّك لَمُفَارِقِى، فَقَالَ: هُوَ وَالتّوْرَاةِ مَا تَرَيْنَ، وَأَنْتِ امْرَأَةٌ فَدَلّى عَلَيْهِمْ هَذِهِ الرّحَى، فَإِنّا لَمْ نَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا بَعْدُ وَأَنْتِ امْرَأَةٌ، وَإِنْ يَظْهَرْ مُحَمّدٌ عَلَيْنَا لا يَقْتُلْ النّسَاءَ، وَإِنّمَا كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُسْبَى، فَأَحَبّ أَنْ تُقْتَلَ بِجُرْمِهَا، وَكَانَتْ فِى حِصْنِ الزّبِيرِ بْنِ بَاطَا، فَدَلّتْ رَحًى فَوْق الْحِصْنِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ رُبّمَا جَلَسُوا تَحْتَ الْحِصْنِ يَسْتَظِلّونَ فِى فَيْنِهِ فَأَطْلَعَتْ الرّحَى، فَلَمّا رَآهَا الْقَوْمُ انْفَضّوا، وَتُدْرِكُ خَلاّدَ بْنَ سُوَيْدٍ فَتَشْدَخُ رَأْسَهُ فَحَذِرَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْحِصْنِ.

فَلَمّا كَانَ الْيَوْمُ الّذِى أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ يُقْتَلُوا، دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ، فَجَعَلَتْ تَضْحَكُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ وَهِىَ تَقُولُ: سَرَاةُ بَنِى قُرَيْظَةَ يُقْتَلُونَ إذْ سَمِعَتْ صَوْتَ قَائِلٍ يَقُولُ: يَا نُبَاتَةُ، قَالَتْ: أَنَا وَاَللّهِ الّتِى أُدْعَى، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: قَتَلَنِى زَوْجِى - وَكَانَتْ جَارِيَةً حُلْوَةَ الْكَلامِ - فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَيْفَ قَتَلَك زَوْجُك؟ قَالَتْ: كُنْت فِى حِصْنِ الزّبِيرِ بْنِ بَاطَا، فَأَمَرَنِى فَدَلّيْت رَحًى عَلَى أَصْحَابِ مُحَمّدٍ فَشَدَخَتْ رَأْسَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَمَاتَ، وَأَنَا أُقْتَلُ بِهِ.

فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِهَا، فَقُتِلَتْ بِخَلاّدِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: لا أَنْسَى طَيّبَ نَفْسِ نُبَاتَةَ وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا تُقْتَلُ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: قُتِلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ يَوْمَهُمْ حَتّى قُتِلُوا بِاللّيْلِ عَلَى شُعَلِ السّعَفِ.

 

هذه القصة يرويها كذلك ابن هشام عن ابن إسحاق، ورواها أحمد بن حنبل عن ابن إسحاق كذلك:

 

26364 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَمْ يَقْتُلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً . قَالَتْ: وَاللهِ إِنَّهَا لَعِنْدِي تَحَدَّثُ مَعِي، تَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا، " وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهُمْ بِالسُّوقِ "، إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا: أَيْنَ فُلَانَةُ ؟ قَالَتْ: أَنَا وَاللهِ، قَالَتْ: قُلْتُ: وَيْلَكِ، وَمَا لَكِ ؟ قَالَتْ: أُقْتَلُ . قَالَتْ: قُلْتُ: وَلِمَ ؟ قَالَتْ: حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ . قَالَتْ: فَانْطُلِقَ بِهَا، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: وَاللهِ مَا أَنْسَى عَجَبِي مِنْ طِيبِ نَفْسِهَا، وَكَثْرَةِ ضَحِكِهَا وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَلُ.

 

إسناده حسن من أجل ابن إسحاق - وهو محمد - وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف. وهو في "السيرة النبوية" لابن هشام 2/242، من حديث أبن إسحاق، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو داود (2671)، والحاكم 3/35-36، والبيهقي في "السنن" 9/82، وفي "معرفة السنن" (18018) من طريقين، عن ابن إسحاق، به.

 

وينفرد الواقدي وهو الأستاذ المؤرخ الأمين وحده بذكر رد فعل الصدمة النفسية للأسيرات اليهوديات لما علمن بإبادة قومهن وأسرهن وأزواجهن وإخوانهن وآبائهن وأقاربهن:

 

حَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ ثُمَامَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىّ، قَالَ: قُتِلُوا إلَى أَنْ غَابَ الشّفَقُ ثُمّ رُدّ عَلَيْهِمْ التّرَابُ فِى الْخَنْدَقِ، وَكَانَ مَنْ شُكّ فِيهِ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ بَلَغَ نُظِرَ إلَى مُؤْتَزَرِهِ إنْ كَانَ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْبِتْ طُرِحَ فِى السّبْىِ.

فَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: كَانُوا سِتّمِائَةٍ إلاّ عَمْرَو بْنَ السّعْدَى وُجِدَتْ رِمّتُهُ وَنَجَا، قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: خُرُوجُهُ مِنْ الْحِصْنِ أَثْبَتُ.

وَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: كَانُوا مَا بَيْنَ سِتّمِائَةٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ، وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ رَحِمَهُ اللّهُ، يَقُولُ: كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، قَالُوا: وَكَانَ نِسَاءُ بَنِى قُرَيْظَةَ حِينَ تَحَوّلُوا فِى دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَفِى دَارِ أُسَامَةَ يَقُلْنَ: عَسَى مُحَمّدٌ أَنْ يَمُنّ عَلَى رِجَالِنَا أَوْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَلَمّا أَصْبَحْنَ وَعَلِمْنَ بِقَتْلِ رِجَالِهِنّ صِحْنَ وَشَقَقْنَ الْجُيُوبَ وَنَشَرْنَ الشّعُورَ وَضَرَبْنَ الْخُدُودَ عَلَى رِجَالِهِنّ فَمَلأْنَ الْمَدِينَةَ.

قَالَ: يَقُولُ الزّبِيرُ بْن بَاطَا: اُسْكُتْنَ فَأَنْتُنّ أَوّلُ مَنْ سُبِىَ مِنْ نِسَاءِ بَنِى إسْرَائِيلَ مُنْذُ كَانَتْ الدّنْيَا؟ وَلا يُرْفَعُ السّبْىُ عَنْهُمْ حَتّى نَلْتَقِىَ نَحْنُ وَأَنْتُنّ، وَإِنْ كَانَ فِى رِجَالِكُنّ خَيْرٌ فَدُوكُنّ فَالْزَمْنَ دِينَ الْيَهُودِ فَعَلَيْهِ نَمُوتُ، وَعَلَيْهِ نَحْيَى.

 

ويقول ابن هشام عن قتل حتى المراهقين الصغار:

 

قال ابن اسحاق: وحدثني شُعبة بن الحجاج، عن عبد الملك بن عُمير، عن عطية القرظي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يُقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم وكنتُ غلاما، فوجدوني لم أنبت، فخلوا سبيلي.

 

وقد ورد في مسند أحمد:

 

19421 - حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: " عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَشَكُّوا فِيَّ، فَأَمَرَ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَيَّ، هَلْ أَنْبَتُّ بَعْدُ ؟ فَنَظَرُوا، فَلَمْ يَجِدُونِي أَنْبَتُّ، فَخَلَّى عَنِّي وَأَلْحَقَنِي بِالسَّبْيِ "

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

18776 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: " عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ، خُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ، فَخُلِّيَ سَبِيلِي.

قال السندي: عطية القُرَظي، نسبة إلى بني قريظة، لم يعرف اسم أبيه، سكن الكوفة. إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير صحابيه، فلم يرو له سوى أصحاب السنن. سفيان: هو الثوري. أخرجه ابن أبي شيبة 12/384 و539، والترمذي (1584)، والنسائي في "الكبرى" (8621)، وابن ماجه (2541)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2189) من طريق وكيع، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: لهذا حديث حسن صحيح، والعمل على لهذا عند بعض أهل العلم أنهم يرون الإنبات بلوغاً إن لم يعرف احتلامه ولا سنُّه، وهو قول أحمد وإسحاق. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (18743)، وابن سعد 2/76-77، وأبو داود (4404)، وأبو عوانة 4/57، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/216، والطبراني في "الكبير" 17/ (428)، والبيهقي في "السنن" 6/58 و9/63، وابن الأثير في "أسد الغابة" 4/46 من طرق عن سفيان، به. وأخرجه الطيالسي (1284)، والشافعي في "السنن المأثورة" (653)، وعبد الرزاق (18742)، وابن سعد 2/76-77، وأبو داود (4405)، والنسائي في "المجتبى" 8/92، وفي "الكبرى" (8620) و (7474)، والدارمي (2464)، وابن الجارود في "المنتقى" (1045)، وأبو عوانة 4/56 و57، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/216 و217، وابن قانع في "معجمه" 2/308، وابن حبان (4781) و (4783) و (4788)، والطبراني 17/ (429-437)، والحاكم 2/123 و3/35، والبيهقي في "السنن الكبرى" 6/58 و9/63، وفي "السنن الصغير" (2075)، والمزي في "تهذيب الكمال"20/158 من طرق عن عبد الملك بن عمير، به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وأخرجه الحميدي (889)، والنسائي في "الكبرى" (8619)، وأبو عوانة 4/55، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/216 و217، وابن قانع في "معجمه" 2/308- 309، والطبراني 17/ (439)، والحاكم 2/123 و4/389-390، والبيهقي في "السنن" 6/58 من طريق مجاهد بن جبر، عن عطية القرظي، به. وبعضهم لم يسم عطية، فقالوا: عن رجل من بني قريظة، أو: رجل في مسجد الكوفة. والحديث في مسند أحمد كذلك برقم (19421) و (19422) .وفي الباب عن كثير بن السائب عن ابني قريظة، برقم (19003) .

قال السندي: "فكان من أنبت"، أي: العانة، أي: جعلوا علامة البلوغ شعر العانة، فمن ظهر له قتلوه، ومَنْ لا فلا.

 

ويقول الواقدي:

 

حَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ ثُمَامَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىّ، قَالَ: قُتِلُوا إلَى أَنْ غَابَ الشّفَقُ ثُمّ رُدّ عَلَيْهِمْ التّرَابُ فِى الْخَنْدَقِ، وَكَانَ مَنْ شُكّ فِيهِ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ بَلَغَ نُظِرَ إلَى مُؤْتَزَرِهِ إنْ كَانَ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْبِتْ طُرِحَ فِى السّبْىِ.

 

وبالإضافة إلى تأكيدنا على قتل محمد وصحبه لكل رجالهم حتى الشيوخ العجائز البؤساء، فها هو مثال من قصة الزبير بن باطا الذي نال عفوًا لأنه كان عفى عن أحد الخزرجيين قبل الإسلام فتوسط هذا له، فآثر القتل لما وجد أن من الخسة أن يحيا وقد قُتِل كل نبلاء قومه وشجعانهم، فقتله المسلمون ببساطة:

 

يقول الواقدي:

 

فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ، وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ، قَالا: كَانَ الزّبِيرُ بْنُ بَاطَا مَنّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ يَوْمَ بُعَاثٍ، فَأَتَى ثَابِتٌ الزّبِيرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِى؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِى مِثْلَك؟ قَالَ ثَابِتٌ: إنّ لَك عِنْدِى يَدًا، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْزِيَك بِهَا، قَالَ الزّبِيرُ: إنّ الْكَرِيمَ يَجْزِى الْكَرِيمَ وَأَحْوَجُ مَا كُنْت إلَيْهِ الْيَوْمَ.، فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ ص فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ كَانَ لِلزّبِيرِ عِنْدِى يَدٌ جَزّ نَاصِيَتِى يَوْمَ بُعَاثٍ، فَقَالَ: اُذْكُرْ هَذِهِ النّعْمَةَ عِنْدَك، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا فَهَبْهُ لِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “فَهُوَ لَك”، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: “إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ وَهَبَك لِى”.

قَالَ الزّبِيرُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ لا أَهْلَ وَلا وَلَدَ وَلا مَالَ بِيَثْرِبَ مَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ ص، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطِنِى وَلَدَهُ، فَأَعْطَاهُ وَلَدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطِنِى مَالَهُ وَأَهْلَهُ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ص مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَهْلَهُ فَرَجَعَ إلَى الزّبِيرِ، فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَعْطَانِى وَلَدَك وَأَهْلَك وَمَالَك.

فَقَالَ الزّبِيرُ: يَا ثَابِتُ أَمّا أَنْتَ، فَقَدْ كَافَأْتنِى وَقَضَيْت بِاَلّذِى عَلَيْك، يَا ثَابِتُ مَا فَعَلَ الّذِى كَأَنّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيّةٌ تَتَرَاءَى عَذَارَى الْحَىّ فِى وَجْهِهِ - كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ سَيّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِى؛ سَيّدُ الْحَيّيْنِ كِلَيْهِمَا، يَحْمِلُهُمْ فِى الْحَرْبِ وَيُطْعِمُهُمْ فِى الْمَحَلّ - حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ: قُتِلَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ أَوّلُ غَادِيَةِ الْيَهُودِ إذَا حَمَلُوا، وَحَامِيَتُهُمْ إذَا وَلّوْا - غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ؟ قَالَ: قُتِلَ.

قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْحُوّلُ الْقُلّبُ الّذِى لا يَؤُمّ جَمَاعَةً إلاّ فَضّهَا وَلا عُقْدَةً إلاّ حَلّهَا - نَبّاشُ بْنُ قَيْسٍ؟ قَالَ: قُتِلَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ لِوَاءُ الْيَهُودِ فِى الزّحْفِ - وَهْبُ بْنُ زَيْدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ وَالِى رِفَادَةِ الْيَهُودِ وَأَبُو الأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ مِنْ الْيَهُودِ - عُقْبَةُ بْنُ زَيْدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْعَمْرَانِ اللّذَانِ كَانَا يَلْتَقِيَانِ بِدِرَاسَةِ التّوْرَاةِ؟ قَالَ: قُتِلا.

قَالَ: يَا ثَابِتُ فَمَا خَيْرٌ فِى الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلاءِ أَأَرْجِعُ إلَى دَارٍ كَانُوا فِيهَا حُلُولاً فَأَخْلُدَ فِيهَا بَعْدَهُمْ؟ لا حَاجَةَ لِى فِى ذَلِكَ، فَإِنّى أَسْأَلُك بِيَدِى عِنْدَك إلاّ قَدّمْتنِى إلَى هَذَا الْقَتّالِ الّذِى يَقْتُلُ سَرَاةَ بَنِى قُرَيْظَةَ، ثُمّ يُقَدّمُنِى إلَى مَصَارِعِ قَوْمِى، وَخُذْ سَيْفِى، فَإِنّهُ صَارِمٌ فَاضْرِبْنِى بِهِ ضَرْبَةً وَأَجْهِزْ وَارْفَعْ يَدَك، عَنْ الطّعَامِ وَأَلْصِقْ بِالرّأْسِ وَاخْفِضْ، عَنْ الدّمَاغِ، فَإِنّهُ أَحْسَنُ لِلْجَسَدِ أَنْ يَبْقَى فِيهِ الْعُنُقُ، يَا ثَابِتُ لا أَصْبِرُ إفْرَاغَ دَلْوٍ مِنْ نَضْحٍ حَتّى أَلْقَى الأَحِبّةَ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ يَسْمَعُ قَوْلَهُ: وَيْحَك يَا ابْنَ بَاطَا، إنّهُ لَيْسَ إفْرَاغَ دَلْوٍ وَلَكِنّهُ عَذَابٌ أَبَدِىّ، قَالَ: يَا ثَابِتُ، قَدّمْنِى فَاقْتُلْنِى، قَالَ ثَابِتٌ: مَا كُنْت لأَقْتُلَنّك. قَالَ الزّبِيرُ: مَا كُنْت أُبَالِى مَنْ قَتَلَنِى، وَلَكِنْ يَا ثَابِتُ اُنْظُرْ إلَى امْرَأَتِى وَوَلَدِى فَإِنّهُمْ جَزِعُوا مِنْ الْمَوْتِ فَاطْلُبْ إلَى صَاحِبِك أَنْ يُطْلِقَهُمْ وَأَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ.

وَأَدْنَاهُ إلَى الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ، فَقَدّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَطَلَبَ ثَابِتٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ فَرَدّ رَسُولُ اللّهِ ص كُلّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ مِنْ السّبَا، وَرَدّ عَلَيْهِمْ الأَمْوَالَ مِنْ النّخْلِ وَالإِبِلِ وَالرّثّةِ إلاّ الْحَلْقَةَ، فَإِنّهُ لَمْ يَرُدّهَا عَلَيْهِمْ. فَكَانُوا مَعَ آلِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ.

 

لا تختلف القصة عند ابن هشام عن ابن إسحاق، سوى أن كلام ابن باطا مختصر فيها وغير كامل، وأنه ورد فيها هذا القول الدمث اللطيف المهذب من أبي بكر، وهو سلوك معتاد من أي متدين متطرف: فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله " ألقى الأحبة ". قال: يلقاهم والله في نار جهنم خالدًا فيها مخلدًا.

 

وقد قام محمد نفسه بالمشاركة في استعباد النساء، فاستعبد امرأة من بني النضير كانت زوجة لأحد القرظيين الذين قتلهم في مجزرته، فهذا هو محمد الذي يحسبه من لايقرؤون مثالاً للطف والرحمة والتحضر والتسامي كالملائكة!

يقول الواقدي:

 

قَالُوا: وَكَانَتْ رَيْحَانَةُ بِنْتُ زَيْدٍ مِنْ بَنِى النّضِيرِ مُتَزَوّجَةً فِى بَنِى قُرَيْظَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ صَفِيّا، وَكَانَتْ جَمِيلَةً فَعَرَضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ تُسْلِمَ فَأَبَتْ إلاّ الْيَهُودِيّةَ، فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ ص وَوَجَدَ فِى نَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ إلَى ابْنِ سَعِيّةَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ سَعِيّةَ: فِدَاك أَبِى وَأُمّى، هِىَ تُسْلِمُ فَخَرَجَ حَتّى جَاءَهَا، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا: لا تَتّبِعِى قَوْمَك، فَقَدْ رَأَيْت مَا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ، فَأَسْلِمِى يَصْطَفِيك رَسُولُ اللّهِ ص لِنَفْسِهِ.

فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ص فِى أَصْحَابِهِ إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ، فَقَالَ: “إنّ هَاتَيْنِ لَنَعْلا ابْنِ سَعِيّةَ يُبَشّرُنِى بِإِسْلامِ رَيْحَانَةَ”، فَجَاءَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ فَسُرّ بِذَلِكَ.

فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَيّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ أَيّوبَ بْنِ بَشِيرٍ الْمُعَاوِىّ، قَالَ: أَرْسَلَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ص إلَى بَيْتِ سَلْمَى بِنْتِ قَيْسٍ أُمّ الْمُنْذِرِ، وَكَانَتْ عِنْدَهَا حَتّى حَاضَتْ حَيْضَةً، ثُمّ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا، فَجَاءَتْ أُمّ الْمُنْذِرِ، فَأَخْبَرَتْ النّبِىّ ص فَجَاءَهَا رَسُولُ اللّهِ ص فِى مَنْزِلِ أُمّ الْمُنْذِرِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ: “إنْ أَحْبَبْت أُعْتِقُك وَأَتَزَوّجُك فَعَلْتُ، وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ تَكُونِى فِى مِلْكِى أَطَؤُك بِالْمِلْكِ فَعَلْتُ”، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ أَخَفّ عَلَيْك، وَعَلَىّ أَنْ أَكُونَ فِى مِلْكِك، فَكَانَتْ فِى مِلْكِ النّبِىّ ص يَطَؤُهَا حَتّى مَاتَتْ عِنْدَهُ.

 

اتبعوا معها التخويف والحصار النفسيّ وغسيل المخ حتى اتبعت دين محمد إراحة لنفسها من الاضطهاد والعنف والضغط النفسي.

 

ذات الخبر يورده ابن هشام بلا اختلاف. وورد بإسناد حسن في تاريخ الطبري ج2 والطبقات الكبرى لابن سعد ج8 وابن كثير في البداية والنهاية ج4 والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 24 وقال ابن أبي شيبة في مصنفه:

 

ما قالوا فِي اليهودِيّاتِ والنّصرانِيّات إذا سُبين.

33332- حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : إذَا سُبِيَتِ الْيَهُودِيَّاتُ وَالنَّصْرَانِيَّات عُرِضَ عَلَيْهِنَّ الإِسْلاَمُ وَأُجْبِرْنَ عَلَيْهِ , فَإِنْ أَسْلَمْنَ ، أَوْ لَمْ يُسْلِمْنَ وُطِئْنَ وَاسْتُخْدِمْنَ.

33333- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : إذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ الْمُشْرِكَةَ فَلْيُقْرِرْهَا بِشَهَادَةِ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تُقِرَّ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا.

 

وذكرت كتب السيرة امرأة أخرى استعبدَها محمد من بني قريظة:

 

جاء في زاد المعاد:

 

فصل: في سراريه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال أبو عبيدة: كان له أربع: مارية وهي أم ولده إبراهيم، وريحانة وجارية أخرى جميلة أصابها في بعض السبي، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش.

 

وجاء في السيرة لابن كثير/ فصل في ذكر سراريه:

 

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ وَلَائِدَ ; مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ، وَرَيْحَانَةُ الْقُرَظِيَّةُ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ أُخْرَى جَمِيلَةٌ فَكَادَهَا نِسَاؤُهُ وَخِفْنَ أَنْ تَغْلِبَهُنَّ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَة نفيسة وهبتها لَهُ زَيْنَب، وَكَانَ هَجَرَهَا فِي شَأْنِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ذَا الْحجَّة وَالْمحرم وصفر، فَلَمَّا كَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَضِيَ عَنْ زَيْنَبَ وَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَجْزِيكَ؟ فَوَهَبَتْهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قد تكون الجارية التي لم يذكر لها اسمًا، كلٌّ من ابن قيم الجوزية وابن كثير نقلًا عن أبي عبيدة معمر بن مثنى، كلاهما نقلًا عن كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر/ باب ذكر بنيه وبناته عليه الصلاة والسلام وأزواجه، عن أبي عبيدة معمر، هي التي ذكرها الشيخ ابن شهر آشوب من الشيعة في  مناقب آل أبي طالب 1 : 137 – 140، وعنه نقله كذلك المجلسي في بحار الأنوار ج22 ص19: تاج التراجم: إن النبي صلى الله عليه وآله اختار من سبي بني قريظة جارية اسمها تكانة بنت عمرو ، وكانت في ملكه ، فلما توفي زوجها العباس.

 

ولنقرأ كيف تم تقسيم المسروقات المنهوبة، وتوزيع وبيع النساء والأطفال كما يليق بهمج القرون الوسطى، يقول الواقدي:

 

ذِكْرُ قَسْمِ الْمَغْنَمِ وَبَيْعِهِ

قَالُوا: لَمّا اجْتَمَعَتْ الْمَغَانِمُ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِالْمَتَاعِ، فَبِيعَ فِيمَنْ يُرِيدُ وَبِيعَ السّبْىُ فِيمَنْ يُرِيدُ، وَقُسِمَتْ النّخْلُ. فَكَانَ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَظَفَرٍ وَحَارِثَةَ وَبَنُو مُعَاوِيَةَ وَهَؤُلاءِ النّبِيتُ لَهُمْ سَهْمٌ. وَكَانَ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمَنْ بَقِىَ مِنْ الأَوْسِ سَهْمًا.

وَكَانَتْ بَنُو النّجّارِ، وَمَازِنٍ وَمَالِكٍ وَذُبْيَانَ وَعَدِىّ سَهْمًا. وَكَانَتْ سَلِمَةُ وَزُرَيْقٌ وَبَلْحَارِثُ بْنُ الْخَزْرَجِ، سَهْمًا. وَكَانَتْ الْخَيْلُ سِتّةً وَثَلاثِينَ فَرَسًا؛ فَكَانَتْ أَوّلَ مَا أُعْلِمَتْ سُهْمَانُ الْخَيْلِ يَوْمَ الْمُرَيْسِيعِ، ثُمّ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ أَيْضًا عُمِلَ فِيهَا مَا عُمِلَ فِى الْمُرَيْسِيعِ. أُسْهِمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ.

........... وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ ثَلاثَةَ آلافٍ وَالْخَيْلُ سِتّةً وَثَلاثِينَ فَرَسًا، فَكَانَتْ السّهْمَانُ عَلَى ثَلاثَةِ آلافٍ وَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَهْمًا، لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ.

وَحَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ الْخَيْلُ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ سِتّا وَثَلاثِينَ فَرَسًا، وَقَادَ رَسُولُ اللّهِ ص ثَلاثَةَ أَفْرَاسٍ فَلَمْ يَضْرِبْ إلاّ سَهْمًا وَاحِدًا، وَكَانَتْ السّهْمَانُ ثَلاثَةَ آلافٍ وَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَهْمًا، وَأَسْهَمَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الأَمْوَالِ فَجُزّئَتْ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ. وَكُتِبَ فِى سَهْمٍ مِنْهَا “لِلّهِ”، وَكَانَتْ السّهْمَانُ يَوْمَئِذٍ بَوَاءً فَخَرَجَتْ السّهْمَانُ وَكَذَلِك الرّثّةُ وَالإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَالسّبْىُ. ثُمّ فُضّ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ عَلَى النّاسِ وَأَحْذَى النّسَاءَ يَوْمَئِذٍ اللاّتِى حَضَرْنَ الْقِتَالَ وَضَرَبَ لِرَجُلَيْنِ - وَاحِدٍ قُتِلَ وَآخَرَ مَاتَ.

وَأَحْذَى رَسُولُ اللّهِ ص نِسَاءً شَهِدْنَ بَنِى قُرَيْظَةَ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنّ - صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأُمّ عُمَارَةَ وَأُمّ سَلِيطٍ وَأُمّ الْعَلاءِ وَالسّمَيْرَاءُ بِنْتُ قَيْسٍ، وَأُمّ سَعْدِ ابْنِ مُعَاذٍ.

 

ويضيف الواقدي واصفًا كيف تم تشتيت وبيع النساء هنا وهناك وتوزيع أربعة الأخماس على الجنود ليصرن ملكاً لهم للجنس أو البيع، والتصرف في الخمس المملوك لمحمد بالبيع للتمويل المالي والتسليح:

 

فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا سُبِىَ بَنُو قُرَيْظَةَ - النّسَاءُ وَالذّرّيّةُ - بَاعَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْهُمْ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ طَائِفَةً وَبَعَثَ طَائِفَةً إلَى نَجْدٍ، وَبَعَثَ طَائِفَةً إلَى الشّامِ مَعَ سَعْدِ ابْنِ عُبَادَةَ، يَبِيعُهُمْ وَيَشْتَرِى بِهِمْ سِلاحًا وَخَيْلاً، وَيُقَالُ: بَاعَهُمْ بَيْعًا مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَاقْتَسَمَا فَسَهَمَهُ عُثْمَانُ بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَجَعَلَ عُثْمَانُ عَلَى كُلّ مَنْ جَاءَ مِنْ سَبْيِهِمْ شَيْئًا مُوفِيًا، فَكَانَ يُوجَدُ عِنْدَ الْعَجَائِزِ الْمَالُ وَلا يُوجَدُ عِنْدَ الشّوَابّ فَرَبِحَ عُثْمَانُ مَالاً كَثِيرًا - وَسَهَمَ عَبْدُ الرّحْمَنِ - وَذَلِكَ أَنّ عُثْمَانَ صَارَ فِى سَهْمِهِ الْعَجَائِزُ.

وَيُقَالُ: لَمّا قَسَمَ جَعَلَ الشّوَابّ عَلَى حِدَةٍ وَالْعَجَائِزَ عَلَى حِدَةٍ ثُمّ خَيّرَ عَبْدُ الرّحْمَنِ عُثْمَانَ، فَأَخَذَ عُثْمَانُ الْعَجَائِزَ.

حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ السّبْىُ أَلْفًا مِنْ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص خُمُسَهُ قَبْلَ بَيْعِ الْمَغْنَمِ جَزّأَ السّبْىَ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ فَأَخَذَ خُمُسًا، فَكَانَ يُعْتِقُ مِنْهُ وَيَهَبُ مِنْهُ وَيُخَدّمُ مِنْهُ مَنْ أَرَادَ، وَكَذَلِكَ صَنَعَ بِمَا أَصَابَ مِنْ رِثّتِهِمْ قُسِمَتْ قَبْلَ أَنْ تُبَاعَ وَكَذَلِكَ النّخْلُ عَزَلَ خُمُسَهُ، وَكُلّ ذَلِكَ يُسْهِمُ عَلَيْهِ ص خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ وَيَكْتُبُ فِى سَهْمٍ مِنْهَا “لِلّهِ”، ثُمّ يُخْرِجُ السّهْمَ فَحَيْثُ صَارَ سَهْمُهُ أَخَذَهُ وَلَمْ يَتَخَيّرْ. وَصَارَ الْخُمُسُ إلَى مَحْمِيّةِ ابْنِ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ وَهُوَ الّذِى قَسَمَ الْمَغْنَمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص كَانَ يُسْهِمُ وَلا يَتَخَيّرُ.

حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَ سَبْىِ بَنِى قُرَيْظَةَ فِى الْقَسْمِ وَالْبَيْعِ وَالنّسَاءِ وَالذّرّيّةِ.

وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص قَالَ يَوْمَئِذٍ لا يُفَرّقُ بَيْنَ الأُمّ وَوَلَدِهَا حَتّى يَبْلُغُوا، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا بُلُوغُهُمْ؟ قَالَ: “تَحِيضُ الْجَارِيَةُ وَيَحْتَلِمُ الْغُلامُ”.

وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ يَوْمَئِذٍ يُفَرّقُ بَيْن الأُخْتَيْنِ إذَا بَلَغَتَا، وَبَيْنَ الأُمّ وَابْنَتِهَا إذَا بَلَغَتْ وَكَانَتْ الأُمّ تُبَاعُ وَوَلَدُهَا الصّغَارُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَرَبِ، وَمِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَتَيْمَاءَ وَخَيْبَرَ يَخْرُجُونَ بِهِمْ، فَإِذَا كَانَ الْوَلِيدُ صَغِيرًا لَيْسَ مَعَهُ أُمّ لَمْ يُبَعْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلا مِنْ الْيَهُودِ، إلاّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

فَحَدّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ: قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: ابْتَعْت يَوْمَئِذٍ مِنْ السّبْىِ ثَلاثَةً امْرَأَةً مَعَهَا ابْنَاهَا، بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِينَارًا، وَكَانَ ذَلِكَ حَقّى وَحَقّ فَرَسِى مِنْ السّبْىِ وَالأَرْضِ وَالرّثّةِ وَغَيْرِى كَهَيْئَتِى، وَكَانَ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ، لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ.

 

أما ابن هشام عن ابن إسحاق، فكعادته يكتفي بالقول باستحياء واقتضاب:

 

قال ابن اسحاق: ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءَهم وأبناءَهم على المسلمين، وأعلم في ذلك اليوم سُهمان الخيل وسُهمان الرجال، وأخرج منها الخُمس، فكان للفارس ثلاثة أسهم، للفرس سهمان ولفارسه سهم، وللراجل من ليس له فرس، سهم. وكانت الخيل يومَ بني قريظة ستة وثلاثين فرسا، وكان أول فيء وقعت فيه السُّهمان، وأخرج منها الخمس، فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم، ومضت السُّنة في المغازي. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشْهل بسبي من سبايا بني قُريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلاً وسلاحًا.

 

لنرَ مشهدًا مؤثرًا يوجع النفس لرجل يهوديّ ثريّ طيِّب_على كونه تاجرًا ناجحًا_يقوم بشراء وتحرير بعض سبايا نساء يهود قريظة، انفرد بذكره الواقديّ:

 

فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ نَجْرَةَ السّاعِدِىّ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: حَضَرْت رَسُولَ اللّهِ ص يَبِيعُ سَبْىَ بَنِى قُرَيْظَةَ فَاشْتَرَى أَبُو الشّحْمِ الْيَهُودِىّ امْرَأَتَيْنِ مَعَ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلاثَةُ أَطْفَالٍ غِلْمَانٍ وَجَوَارٍ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ دِينَارٍ، وَجَعَلَ يَقُولُ أَلَسْتُمْ عَلَى دِينِ الْيَهُودِ؟ فَتَقُولُ الْمَرْأَتَانِ: لا نُفَارِقُ دِينَ قَوْمِنَا حَتّى نَمُوتَ عَلَيْهِ وَهُنّ يَبْكِينَ.

 

تبكي المرأتان المسكينتان تأثرًا لما تعرضن له من عنفٍ وسجن وخطف، أو ربما خوفًا وإشفاقًا أن يتعرضا للسبي والاغتصاب والاستعباد والبيع والشراء والمهانة، فتؤكدان يهوديتهما لرجل يريد مساعدة من هم على دينه ممن تعرضوا لتلك المأساة الإنسانية، حسنًا فعل الرجل المحسن لكن إن أحسنَّا الظن به بشرفه ونبل أخلاقه في ذلك الزمن السيء لقلنا أنه سيحررهما أو يتزوجهما، لكنه بدوره قد يتخذهما مملوكتين جاريتين له، ولا يمكننا تكهن الأمر لكن يبدو أنه أكرم خلقًا من ذلك. كذلك إحسانه مقصور على من هم على دينه فقط، وذلك خير ما كان يمكن حدوثه.

 

وجاء في صحيح البخاري:

 

4121 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ لِلْأَنْصَارِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ فَقَالَ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ فَقَالَ تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ قَالَ قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرُبَّمَا قَالَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ

 

4122 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ وَهُوَ حِبَّانُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ رَمَاهُ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنْ الْغُبَارِ فَقَالَ قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَيْنَ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ قَالَ هِشَامٌ فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجُوهُ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

 

لقد اغتنى محمد أكثر بالإضافة إلى كل ما نهبه في الغزوات والحروب المذكورة آنفًا خاصة ضد بني قينقاع وبني النضير، يقول البخاري عن تحسن أحوال محمد نتيجة السرقة والنهب الذي نال منه حصة الأسد وأثرى:

 

بَاب كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ فِي نَوَائِبِهِ

3128 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلَاتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ

 

4028 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَارَبَتْ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ

 

4120 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ ح و حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلَاتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ الَّذِي كَانُوا أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتْ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ كَلَّا وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا يُعْطِيكَهُمْ وَقَدْ أَعْطَانِيهَا أَوْ كَمَا قَالَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكِ كَذَا وَتَقُولُ كَلَّا وَاللَّهِ حَتَّى أَعْطَاهَا حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ أَوْ كَمَا قَالَ

 

وانظر البخاري 946 و2813 و 3720 وغيرها، وأحمد 25097 و1409 و6367 و11168 و 11680 و13291 غيرها، والأحاديث في مسلم وأحمد لا تضيف جديدًا فلينظرها من أراد.

غزوة القرطاء

 

يقول الواقدي:

 

غزْوَةُ الْقُرْطَاءِ

حَدّثَنِى خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: خَرَجْت فِى عَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ، فَغِبْت تِسْعَ عَشْرَةَ وَقَدِمْت لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ شَهْرًا.

حَدّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَنَسٍ الظّفَرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ، زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِى الْحَدِيثِ، قَالا: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِى ثَلاثِينَ رَجُلاً، فِيهِمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَسَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ إلَى بَنِى بَكْرِ بْنِ كِلابٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ اللّيْلَ وَيَكْمُنَ النّهَارَ، وَأَنْ يَشُنّ عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ.

فَكَانَ مُحَمّدٌ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ، حَتّى إذَا كَانَ بِالشّرَبَةِ لَقِىَ ظُعُنًا، فَأَرْسَلَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ يَسْأَلُ مَنْ هُمْ، فَذَهَبَ الرّسُولُ، ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِ، فَقَالَ: قَوْمٌ مِنْ مُحَارِبٍ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُ وَحَلّوا وَرَوّحُوا مَاشِيَتَهُمْ، فَأَمْهَلَهُمْ حَتّى إذَا ظَعَنُوا أَغَارَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ نَفَرًا مِنْهُمْ وَهَرَبَ سَائِرُهُمْ فَلَمْ يَطْلُبْ مَنْ هَرَبَ وَاسْتَاقَ نَعَمًا وَشَاءً وَلَمْ يَعْرِضْ لِلظّعُنِ.

ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى إذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ يُطْلِعُهُ عَلَى بَنِى بَكْرٍ بَعَثَ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ إلَيْهِمْ فَأَوْفَى عَلَى الْحَاضِرِ، فَأَقَامَ فَلَمّا رَوّحُوا مَاشِيَتَهُمْ وَحَلَبُوا وَعَطّنُوا، جَاءَ إلَى مُحَمّدِ ابْنِ مَسْلَمَةَ، فَأَخْبَرَهُ فَخَرَجَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَشَنّ عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةً وَاسْتَاقُوا النّعَمَ وَالشّاءَ ثُمّ انْحَدَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ، فَمَا أَصْبَحَ حِينَ أَصْبَحَ إلاّ بِضَرِيّةَ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ.

ثُمّ حَدَرْنَا النّعَمَ، وَخِفْنَا الطّلَبَ وَطَرَدْنَا الشّاءَ أَشَدّ الطّرْدِ فَكَانَتْ تَجْرِى مَعَنَا كَأَنّهَا الْخَيْلُ حَتّى بَلَغْنَا الْعَدَاسَةَ فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا الشّاءُ بِالرّبَذَةِ فَخَلّفْنَاهُ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِى يَقْصِدُونَ بِهِ وَطُرِدَ النّعَمُ فَقُدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ عَلَى النّبِىّ ص.

وَكَانَ مُحَمّدٌ يَقُولُ: خَرَجْت مِنْ ضَرِيّةَ، فَمَا رَكِبْت خُطْوَةً حَتّى وَرَدْت بَطْنَ نَخْلٍ، فَقُدِمَ بِالنّعَمِ خَمْسِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ وَالشّاءِ، وَهِىَ ثَلاثَةُ آلافِ شَاةٍ، فَلَمّا قَدِمْنَا خَمّسَهُ رَسُولُ اللّهِ ص، ثُمّ فَضّ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا بَقِىَ فَعَدَلُوا الْجَزُورَ بِعَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ فَأَصَابَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ.

 

وهذه الغزوة ذكرها ابن إسحاق كاسم مسرود دون تفاصيل، في ج4 من ابن هشام:

 

وغزوة محمد بن مَسْلَمة، أخى بني حارثة، القُرَطاء من هَوَازن

 

وجاء في شرح طه عبد الرؤوف سعد: وهم بنو قرط وقريط. وقريط بنو أبى بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

 

كما نرى حرب وغارة ضد قبيلة لم تبادئ المسلمين بأي عداوة، همجية مطلقة وغارات للسرقة والنهب، جو مسموم بإقليم صحرواي جدب من الزرع والحضارة والتمدن والأخلاق على نحو نموذجي لإنشاء ديانة قوم متعصبين وإرهابيين عنيفين، أخلاق أعراب وبدو ناهبين.

سَرِيّةُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ إلَى الْغَمْرِ

 

يقول الواقدي:

 

فِى شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ سِتّ

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْت رَجُلاً مِنْ بَنِى أَسَدِ ابْنِ خُزَيْمَةَ يُحَدّثُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمّدٍ يَقُولُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص عُكّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ فِى أَرْبَعِينَ رَجُلاً - مِنْهُمْ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، فَخَرَجَ سَرِيعًا يُغِذّ السّيْرَ وَنَذَرَ الْقَوْمَ فَهَرَبُوا مِنْ مَائِهِمْ فَنَزَلُوا عَلْيَاءَ بِلادِهِمْ فَانْتَهَى إلَى الْمَاءِ فَوَجَدَ الدّارَ خُلُوفًا، فَبَعَثَ الطّلائِعَ يَطْلُبُونَ خَبَرًا أَوْ يَرَوْنَ أَثَرًا حَدِيثًا، فَرَجَعَ إلَيْهِ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ فَأَخْبَرَهُ أَنّهُ رَأَى أَثَرَ نَعَمٍ قَرِيبًا، فَتَحَمّلُوا فَخَرَجُوا حَتّى يُصِيبُوا رَبِيئَةً لَهُمْ قَدْ نَظَرَ لَيْلَتَهُ يَسْمَعُ الصّوْتَ فَلَمّا أَصْبَحَ نَامَ فَأَخَذُوهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالُوا: الْخَبَرَ عَنْ النّاسِ، قَالَ: وَأَيْنَ النّاسُ؟ قَدْ لَحِقُوا بِعَلْيَاءِ بِلادِهِمْ قَالُوا: فَالنّعَمُ؟ قَالَ: مَعَهُمْ، فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمْ بِسَوْطٍ فِى يَدِهِ، قَالَ: تُؤَمّنُنِى عَلَى دَمِى وَأُطْلِعُك عَلَى نَعَمٍ لِبَنِى عَمّ لَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِمَسِيرِكُمْ إلَيْهِمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَانْطَلَقُوا مَعَهُ فَخَرَجَ حَتّى أَمْعَنَ وَخَافُوا أَنْ يَكُونُوا مَعَهُ فِى غَدْرٍ فَقَرّبُوهُ فَقَالُوا: وَاَللّهِ لَتَصْدُقَنّا أَوْ لَنَضْرِبَنّ عُنُقَك، قَالَ: تَطْلُعُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا الظّرَيْبِ. قَالَ: فَأَوْفَوْا عَلَى الظّرَيْبِ فَإِذَا نَعَمٌ رَوَاتِعُ فَأَغَارُوا عَلَيْهِ فَأَصَابُوهُ وَهَرَبَتْ الأَعْرَابُ فِى كُلّ وَجْهٍ وَنَهَى عُكّاشَةُ عَنْ الطّلَبِ وَاسْتَاقُوا مِائَتَىْ بَعِيرٍ فَحَدَرُوهَا إلَى الْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلُوا الرّجُلَ وَقَدِمُوا عَلَى النّبِىّ ص وَلَمْ يُصَبْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا.

 

ويقول ابن إسحاق: وغزوة عُكَّاشة بن مِحْصَن الغَمرة

لم يكن بنو أسد أصحاب ماء الغمر قاموا بأي شيءضد محمد، فهذا عدوان إسلامي مبين جليّ.

 

 

 

 

 

 

 


سَرِيّةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إلَى ذِى الْقَصّةِ 

 

إلَى بَنِى ثَعْلَبَةَ وَعُوَالٍ فِى رَبِيعٍ الآخِر

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النّبِىّ ص مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِى عَشَرَةٍ فَوَرَدَ عَلَيْهِمْ لَيْلاً، فَكَمَنَ الْقَوْمُ حَتّى نَامَ وَنَامَ أَصْحَابُهُ فَأَحْدَقُوا بِهِ وَهُمْ مِائَةُ رَجُلٍ فَمَا شَعَرَ الْقَوْمُ إلاّ بِالنّبْلِ قَدْ خَالَطَتْهُمْ. فَوَثَبَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَعَلَيْهِ الْقَوْسُ فَصَاحَ بِأَصْحَابِهِ السّلاحَ فَوَثَبَ فَتَرَامَوْا سَاعَةً مِنْ اللّيْلِ ثُمّ حَمَلَتْ الأَعْرَابُ بِالرّمَاحِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ ثَلاثَةً ثُمّ انْحَازَ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ إلَيْهِ فَقَتَلُوا مِنْ الْقَوْمِ رَجُلاً، ثُمّ حَمَلَ الْقَوْمُ فَقَتَلُوا مَنْ بَقِىَ. وَوَقَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ جَرِيحًا، فَضُرِبَ كَعْبُهُ فَلا يَتَحَرّكُ وَجَرّدُوهُمْ مِنْ الثّيَابِ وَانْطَلَقُوا، فَمَرّ رَجُلٌ عَلَى الْقَتْلَى فَاسْتَرْجَعَ فَلَمّا سَمِعَهُ مُحَمّدٌ تَحَرّكَ لَهُ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَعَرَضَ عَلَى مُحَمّدٍ طَعَامًا وَشَرَابًا وَحَمَلَهُ حَتّى وَرَدَ بِهِ الْمَدِينَةَ.

فَبَعَثَ النّبِىّ ص أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِى أَرْبَعِينَ رَجُلاً إلَى مَصَارِعِهِمْ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا وَاسْتَاقَ نَعَمًا ثُمّ رَجَعَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: فَذَكَرْت هَذِهِ السّرِيّةَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى أَنّ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ خَرَجَ فِى عَشَرَةِ نَفَرٍ أَبُو نَائِلَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَنُعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ، وَمُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَحُوَيّصَةُ وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَرَجُلانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَرَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، فَقُتِلَ الْمُزَنِيّانِ وَالْغَطَفَانِىّ، وَارْتُثّ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ الْقَتْلَى، قَالَ مُحَمّدٌ: فَلَمّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ نَظَرْت إلَى أَحَدِ النّفَرِ الّذِينَ كَانُوا وَلُوا ضَرْبِى يَوْمَ ذِى الْقَصّةِ فَلَمّا رَآنِى قَالَ: أَسْلَمْت وَجْهِى لِلّهِ فَقُلْت: أَوْلَى.

أعمال  نهب وسلب بعضها ينجح والآخر يفشل، في تاريخ مقزز دموي.


سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى ذِى الْقَصّةِ

 

 

يقول الواقدي:

 

فِى رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ سِتّ لَيْلَةَ السّبْتِ وَغَابَ لَيْلَتَيْنِ

 

حَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الأَشْجَعِىّ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَيْلَةَ وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِيهِ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، قَالا: أَجْدَبَتْ بِلادُ بَنِى ثَعْلَبَةَ وَأَنْمَارٍ، وَوَقَعَتْ سَحَابَةٌ بِالْمَرَاضِ إلَى تَغْلَمَيْنِ، فَصَارَتْ بَنُو مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ وَأَنْمَارٍ إلَى تِلْكَ السّحَابَةِ وَكَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا أَنْ يُغِيرُوا عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، وَسَرْحُهُمْ يَوْمَئِذٍ يَرْعَى بِبَطْنِ هَيْقَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِى أَرْبَعِينَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ حِينَ صَلّوْا صَلاةَ الْمَغْرِبِ فَبَاتُوا لَيْلَتَهُمْ يَمْشُونَ حَتّى وَافَوْا ذِى الْقَصّةِ مَعَ عَمَايَةِ الصّبْحِ فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ فَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا فِى الْجِبَالِ وَأَخَذَ رَجُلاً مِنْهُمْ وَوَجَدَ نَعَمًا مِنْ نَعَمِهِمْ فَاسْتَاقَهُ وَرِثّةً مِنْ مَتَاعٍ فَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ الرّجُلُ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ خَمّسَهُ رَسُولُ اللّهِ ص وَقَسّمَ مَا بَقِىَ عَلَيْهِمْ.

 

نعم يسهل على المنتصر أن يزعم ويكتب ما شاء، لكن الحقيقة الواضحة الوحيدة أن المغير والنهاب واللص الوحيد في هذه الحادثة_بغض النظر عن أي مزاعم وادعاآت_هم محمد وأتباعه!

 

 

 

 

 

سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْعِيصِ 

 

فِى جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ سِتّ

حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ غَزْوَةِ الْغَابَةِ بَلَغَهُ أَنّ عِيرًا لِقُرَيْشٍ أَقْبَلَتْ مِنْ الشّامِ، فَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِى سَبْعِينَ وَمِائَةِ رَاكِبٍ فَأَخَذُوهَا وَمَا فِيهَا. وَأَخَذُوا يَوْمَئِذٍ فِضّةً كَثِيرَةً لِصَفْوَانَ وَأَسَرُوا نَاسًا مِمّنْ كَانَ فِى الْعِيرِ مَعَهُمْ مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى الْعَاصِ. فَأَمّا أَبُو الْعَاصِ فَلَمْ يَغْدُ أَنْ جَاءَ الْمَدِينَةَ، ثُمّ دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ ص سَحَرًا، وَهِىَ امْرَأَتُهُ فَاسْتَجَارَهَا فَأَجَارَتْهُ.

 

هكذا استمر محمد في قطع الطرق مخالفة كل الأعراف، مثيرًا العداوات مع جيرانه، وهو النهج المحمدي القرآني الذي سيتبعه المسلمون الأصوليون العنصريون دومًا كسياسات لدولهم. سيرد محمد لزوج ابنه الوثني فقط ما كان له ثم سيسلم هذا المذكور وهو أبو العاص.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سَرِيَّة محمد بن مسلمة قِبَلَ نَجْد

 

سنة 6 فِي الْمحرم مِنْهَا

 

روى البخاري:

4372 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

ورواه مسلم1764 وأحمد وابن هشام، لعل الرجل شعر بأن محمد لديه تنظيم وفكرة قوية لعرب ذلك الزمن فهو أعد أتباعه بأسلوب عسكري منظم حتى في مواعيد الصلوات وطريقة أدائها ليبقوا مستيقظين طوال اليوم قدر الإمكان للحذر من أي هجمات ومتحدين، أو لعله تأثر بحديث محمد ومناخ يثرب المتأسلم وتأثر بترك محمد له بخلاف أخلاق ما قبل الإسلام القاسية بدروها فاعتبر الأمر الطبيعي وهو إطلاقه فضيلة، مع أن الهجوم على نجد وأسر رجل مارّ بها بالصدفة ليس من الفضيلة في شيء بأخلاق التحضر والتمدن والإنسانية، وفي هذه الهمجة على نجدٍ نهب أصحاب محمد بعض الجمال كما نعلم من الواقدي في سرده لغزوة ذي قرد (الغابة):

 

حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، وَعَلِىّ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ، فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ، قَالُوا: كَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللّهِ ص عِشْرِينَ لِقْحَةً، وَكَانَتْ مِنْ شَتّى، مِنْهَا مَا أَصَابَ فِى ذَاتِ الرّقَاعِ، وَمِنْهَا مَا قَدِمَ بِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ نَجْدٍ، وَكَانَتْ تَرْعَى الْبَيْضَاءَ وَدُونَ الْبَيْضَاءِ، فَأَجْدَبَ مَا هُنَاكَ فَقَرّبُوهَا إلَى الْغَابَةِ، تُصِيبُ مِنْ أَثْلِهَا وَطَرْفَائِهَا وَتَغْدُو فِى الشّجَرِ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم

 

قال محمد بن سعد في الطبقات الكبير:

 

ثم سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم في شهر ربيع الآخر سنة ست من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة إلى بني سليم فسار حتى ورد الجموم ناحية بطن نخل عن يسارها، وبطن نخل من المدينة على أربعة برد، فأصابوا عليه امرأة من مزينة يقال لها حليمة، فدلتهم عن محله من محال بني سليم فأصابوا في تلك المحلة نعما وشاء وأسرى، فكان فيهم زوج حليمة المزنية، فلما قفل زيد بن حارثة بما أصاب وهب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للمزنية نفسها وزوجها فقال: بلال بن الحارث في ذلك شعرا:

لعمرك ما أخنى المسول ولا ونت ... حليمة حتى راح ركبهما معا

 

والغزوة ذكرها الواقدي في قائمة مغازيه، وهي نموذج لأعمال النهب والسلب، سيقول المسلمون أن بني سليم كانوا حلفاء قريش وطالما حاربوا محمدًا، لكن هذه مبررات في بيئة مسمومة كغطاء لأعمال النهب والسلب كأسلوب حياة وتكسب غير شريف ولا محمود.

 

 

 

 

 

 

سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ

 

يقول الواقدي:

 

فِى جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ

 

حَدّثَنِى أَسَامّةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِىّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مَنّاحٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ إلَى بَنِى ثَعْلَبَةَ فَخَرَجَ فِى خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً، حَتّى إذَا كَانُوا بِالطّرَفِ أَصَابَ نَعَمًا وَشَاءً. وَهَرَبَتْ الأَعْرَابُ وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ سَارَ إلَيْهِمْ فَانْحَدَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتّى صَبّحَ الْمَدِينَةَ بِالنّعَمِ وَخَرَجُوا فِى طَلَبِهِ حَتّى أَعْجَزَهُمْ فَقَدِمَ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا. وَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ فِيهَا، وَإِنّمَا غَابَ أَرْبَعَ لَيَالٍ.

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ أَبِى رُشْدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَنْ حَضَرَ السّرِيّةَ قَالَ: أَصَابَهُمْ بَعِيرَانِ أَوْ حِسَابُهُمَا مِنْ الْغَنَمِ فَكَانَ كُلّ بَعِيرٍ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ وَكَانَ شِعَارُنَا: أَمِتْ أَمِتْ.

 

وذكرها ابن هشام فقال فقط:

 

قال ابن إسحاق: وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطَّرَف من ناحية نَخْل، من طريق العراق.

 

بصرف النظر عن تعليلات المسلمين عن العداوة مع بني ثعلبة، فالسرقة تظل سرقة والنهب يظل نهبًا وإرهابًا!

 

 

 

سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى بني جذام بحِسْمَى

 

فِى جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ

 

ذكر محمد بن سعد في الطبقات الكبير ج1/ ذكر وفادات العرب على رسول الله:

 

وَفْدُ جُذَامَ

قَالُوا: قدم رفاعة بْن زيد بْن عمير بن معبد الجذامي ثُمَّ أحد بني الضبيب عَلَى رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الهدنة قبل خيبر وأهدى لَهُ عبدا وأسلم. فكتب له رسول اللَّه ص كتابًا: هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بْن زيد إلى قومه ومن دخل معهم يدعوهم إلى اللَّه فمن أقبل ففي حزب اللَّه ومن أبى فله أمان شهرين. فأجابه قومه وأسلموا.

 

نستنتج من هذه الوثيقة أن فكرة إعطاء مهلة تهديدية للوثنيين ليسلموا نفذها محمد قبل سنة 9 وإعلانه سورة التوبة براءة، فهو إرهابي عريق تليد.

 

يقول الواقدي:

 

حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِىّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ قَدْ أَجَازَ دِحْيَةَ بِمَالٍ وَكَسَاهُ كُسًى. فَأَقْبَلَ حَتّى كَانَ بِحِسْمَى، فَلَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ جُذَامٍ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ الطّرِيقَ وَأَصَابُوا كُلّ شَيْءٍ مَعَهُ فَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَدِينَةِ إلاّ بِسَمَلٍ فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتّى انْتَهَى إلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ ص فَدَقّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَنْ هَذَا”؟ فَقَالَ: دِحْيَةُ الْكَلْبِىّ، قَالَ: “اُدْخُلْ”، فَدَخَلَ فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ص عَمّا كَانَ مِنْ هِرَقْلَ حَتّى أَتَى عَلَى آخِرِ ذَلِكَ، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَقْبَلْت مِنْ عِنْدِهِ حَتّى كُنْت بِحِسْمَى فَأَغَارَ عَلَىّ قَوْمٌ مِنْ جُذَامٍ، فَمَا تَرَكُوا مَعِى شَيْئًا حَتّى أَقْبَلْت بِسَمَلِى، هَذَا الثّوْبَ.

فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا مِنْ سَعْدِ هُذَيْمٍ كَانَ قَدِيمًا يُخْبِرُ، عَنْ أَبِيهِ يَقُولُ إنّ دِحْيَةَ لَمّا أُصِيبَ - أَصَابَهُ الْهُنَيْدُ بْنُ عَارِضٍ وَابْنُهُ عَارِضُ بْنُ الْهُنَيْدِ: وَكَانَا وَاَللّهِ نَكِدَيْنِ مَشْئُومَيْنِ فَلَمْ يُبْقُوا مَعَهُ شَيْئًا، فَسَمِعَ بِذَلِكَ نَفَرٌ مِنْ بَنِى الضّبَيْبِ فَنَفَرُوا إلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ. فَكَانَ فِيمَنْ نَفَرَ مِنْهُمْ النّعْمَانُ بْنُ أَبِى جُعَالٍ فِى عَشَرَةِ نَفَرٍ وَكَانَ نُعْمَانُ رَجُلَ الْوَادِى ذَا الْجَلَدِ وَالرّمَايَةِ. فَارْتَمَى النّعْمَانُ وَقُرّةُ بْنُ أَبِى أَصْفَرَ الصّلعِىّ، فَرَمَاهُ قُرّةُ فَأَصَابَ كَعْبَهُ فَأَقْعَدَهُ إلَى الأَرْضِ. ثُمّ انْتَهَضَ النّعْمَانُ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ عَرِيضِ السّرْوَةِ فَقَالَ: خُذْهَا مِنْ الْفَتَى فَخَلّ السّهْمُ فِى رُكْبَتِهِ فَشَنّجَهُ، وَقَعَدَ فَخَلّصُوا لِدِحْيَةَ مَتَاعَهُ فَرَجَعَ بِهِ سَالِمًا إلَى الْمَدِينَةِ.

قَالَ مُوسَى: فَسَمِعْت شَيْخًا آخَرَ يَقُولُ: إنّمَا خَلّصَ مَتَاعَ دِحْيَةَ رَجُلٌ كَانَ صَحِبَهُ مِنْ قُضَاعَةَ، هُوَ الّذِى كَانَ اسْتَنْقَذَ لَهُ كُلّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُ رَدّهُ عَلَى دِحْيَةَ، ثُمّ إنّ دِحْيَةَ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنّبِىّ ص فَاسْتَسْعَى النّبِىّ ص دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فَأَمَرَ النّبِىّ ص بِالْمَسِيرِ فَخَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَعَهُ.

وَقَدْ كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِىّ قَدِمَ عَلَى النّبِىّ ص وَافِدًا، فَأَجَازَهُ النّبِىّ ص وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمّ سَأَلَ النّبِىّ ص أَنْ يَكْتُبَ مَعَهُ كِتَابًا، فَكَتَبَ مَعَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ لِرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى قَوْمِهِ عَامّةً وَمَنْ دَخَلَ مَعَهُمْ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. فَمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْ حِزْبِ اللّهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ وَمَنْ ارْتَدّ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ. فَلَمّا قَدِمَ رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ بِكِتَابِ النّبِىّ ص قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ فَأَجَابُوهُ وَأَسْرَعُوا، وَنَفَذُوا إلَى مُصَابِ دِحْيَةَ الْكَلْبِىّ فَوَجَدُوا أَصْحَابَهُ قَدْ تَفَرّقُوا.

وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ خِلافَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ ص فِى خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ وَرَدّ مَعَهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِىّ. وَكَانَ زَيْدٌ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ وَمَعَهُ دَلِيلٌ مِنْ بَنِى عُذْرَةَ. وَقَدْ اجْتَمَعَتْ غَطَفَانُ كُلّهَا وَوَائِلٌ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلامَات وَبَهْرَاءَ حِينَ جَاءَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكِتَابِ النّبِىّ ص حَتّى نَزَلُوا - الرّجَالُ وَرِفَاعَةُ - بِكُرَاعِ رُؤَيّةَ لَمْ يُعْلَمْ. وَأَقْبَلَ الدّلِيلُ الْعُذْرِىّ بِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ حَتّى هَجَمَ بِهِمْ فَأَغَارُوا مَعَ الصّبْحِ عَلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ وَمَنْ كَانَ فِى مَحَلّتِهِمْ فَأَصَابُوا مَا وَجَدُوا، وَقَتَلُوا فِيهِمْ فَأَوْجَعُوا، وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَأَغَارُوا عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَأَخَذُوا مِنْ النّعَمِ أَلْفَ بَعِيرٍ وَمِنْ الشّاءِ خَمْسَةَ آلافِ شَاةٍ وَمِنْ السّبْىِ مِائَةً مِنْ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ. وَكَانَ الدّلِيلُ إنّمَا جَاءَ بِهِمْ مِنْ قِبَلِ الأَوْلاجِ، فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ الضّبَيْبُ بِمَا صَنَعَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَكِبُوا، فَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ وَابْنُهُ فَدَنَوْا مِنْ الْجَيْشِ وَتَوَاصَوْا لا يَتَكَلّمُ أَحَدٌ إلاّ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ عَلامَةٌ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ: قَوَدِى، فَلَمّا طَلَعُوا عَلَى الْعَسْكَرِ طَلَعُوا عَلَى الدّهْمِ مِنْ السّبْىِ وَالنّعَمِ وَالنّسَاءِ وَالأُسَارَى أَقْبَلُوا جَمِيعًا، وَاَلّذِى يَتَكَلّمُ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ يَقُولُ: إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ عَارِضٌ رُمْحَهُ فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْـ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: قَوَدِى، فَقَالَ حِبّانُ: مَهْلاً فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى زَيْدِ ابْنِ حَارِثَةَ قَالَ لَهُ حِبّانُ: إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ. قَالَ لَهُ زَيْدٌ: اقْرَأْ أُمّ الْكِتَابِ وَكَانَ زَيْدٌ إنّمَا يَمْتَحِنُ أَحَدَهُمْ بِأُمّ الْكِتَابِ لا يَزِيدُهُ. فَقَرَأَ حِبّانُ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: نَادُوا فِى الْجَيْشِ إنّهُ قَدْ حَرُمَ عَلَيْنَا مَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ بِقِرَاءَةِ أُمّ الْكِتَابِ.

فَرَجَعَ الْقَوْمُ وَنَهَاهُمْ زَيْدٌ أَنْ يَهْبِطُوا وَادِيَهُمْ الّذِى جَاءُوا مِنْهُ فَأَمْسَوْا فِى أَهْلِيهِمْ وَهُمْ فِى رَصَدٍ لِزَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ فَاسْتَمَعُوا حَتّى نَامَ أَصْحَابُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَلَمّا هَدَءُوا وَنَامُوا رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَكَانَ فِى الرّكْبِ فِى تِلْكَ اللّيْلَةِ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو أَسَمَاءَ بْنُ عَمْرٍو، وَسُوَيْدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَخُوهُ وَبَرْذَعُ بْنُ زَيْدٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ عَدِىّ - حَتّى صَبّحُوا رِفَاعَةَ بِكُرَاعِ رُؤَيّةَ بِحَرّةِ لَيْلَى، فَقَالَ حِبّانُ: إنّك لَجَالِسٌ تَحْلُبُ الْمِعْزَى وَنِسَاءُ جُذَامٍ أُسَارَى.

فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ حَتّى قَدِمُوا عَلَى النّبِىّ ص الْمَدِينَةَ - سَارُوا ثَلاثًا - فَابْتَدَاهُمْ رِفَاعَةُ فَدَفَعَ إلَى النّبِىّ ص كِتَابَهُ الّذِى كَتَبَ مَعَهُ فَلَمّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا صَنَعَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى؟ فَقَالَ رِفَاعَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْتَ أَعْلَمُ لا تُحَرّمُ عَلَيْنَا حَلالاً وَلا تُحِلّ لَنَا حَرَامًا. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ كَانَ حَيّا، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَىّ هَاتَيْنِ. فَقَالَ النّبِىّ ص: “صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ”، قَالَ الْقَوْمُ: فَابْعَثْ مَعَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ رَجُلاً إلَى زَيْدِ ابْنِ حَارِثَةَ، يُخَلّى بَيْنَنَا وَبَيْنَ حَرَمِنَا وَأَمْوَالِنَا، فَقَالَ النّبِىّ ص: “انْطَلِقْ مَعَهُمْ يَا عَلِىّ” فَقَالَ عَلِىّ: يَا رَسُولَ اللّهِ لا يُطِيعُنِى زَيْدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “هَذَا سَيْفِى فَخُذْهُ”، فَأَخَذَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ مَعِى بَعِيرٌ أَرْكَبُهُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذَا بَعِيرٌ فَرَكِبَ بَعِيرَ أَحَدِهِمْ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ حَتّى لَقُوا رَافِعَ بْنَ مَكِيثٍ بَشِيرَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ فَرَدّهَا عَلِىّ عَلَى الْقَوْمِ، وَرَجَعَ رَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ مَعَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ رَدِيفًا حَتّى لَقُوا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ بِالْفَحْلَتَيْنِ فَلَقِيَهُ عَلِىّ، وَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ يَأْمُرُك أَنْ تَرُدّ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ مَا كَانَ بِيَدِك مِنْ أَسِيرٍ أَوْ سَبْىٍ أَوْ مَالٍ.

فَقَالَ زَيْدٌ: عَلامَةً مِنْ رَسُولِ اللّهِ، فَقَالَ عَلِىّ: هَذَا سَيْفُهُ فَعَرَفَ زَيْدٌ السّيْفَ فَنَزَلَ فَصَاحَ بِالنّاسِ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ: مَنْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ سَبْىٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَرُدّهُ فَهَذَا رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ. فَرَدّ إلَى النّاسِ كُلّ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ حَتّى إنْ كَانُوا لَيَأْخُذُونَ الْمَرْأَةَ مِنْ تَحْتِ فَخِذِ الرّجُلِ.

حَدّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ يُسْرِ بْنِ مِحْجَنٍ الدّيلِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت فِى تِلْكَ السّرِيّةِ فَصَارَ لِكُلّ رَجُلٍ سَبْعَةُ أَبْعِرَةٍ وَسَبْعُونَ شَاةً وَيَصِيرُ لَهُ مِنْ السّبْىِ الْمَرْأَةُ وَالْمَرْأَتَانِ فَوَطِئُوا بِالْمِلْكِ بَعْدَ الاسْتِبْرَاءِ حَتّى رَدّ رَسُولُ اللّهِ ص ذَلِكَ كُلّهُ إلَى أَهْلِهِ وَكَانَ قَدْ فَرّقَ وَبَاعَ مِنْهُ.

 

نلاحظ عدم أمانة من الرواة حسب سرد الواقدي لغزوة بني جذام، فهناك رواية تفيدنا بأن ما سُرِق من دحية أعاده له مسلمو بني الضبيب وهم بطن من جذيمة، ورواية أخرى أن من أعاد الأشياء رفيق له من قضاعة، ورواية ثالثة أنها لم ترجع له وأنه عاد بسمل مقطع من ثيابه، فهذه من علامات الكذب والمرواغة في عدم سرد القصة بأمانة، والأغلب أن الصحيح هو إحدى القصتين الأوليين عن إرجاع أشيائه له. وهي القصة التي يؤكدها ابن إسحاق كذلك:

 

قال ابنُ إسحاق: وكان من حديثها كما حدثني من لا أتهم، عن رجال من جُذام كانوا علماء بها،، أن رفاعة بن زيد الجُذامي، لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام، فاستجابوا له، لم يلبث أن قَدِم دِحْيَة ابن خليفة الكلبى من عند قيصر صاحب الروم، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ومعه تجارة له، حتى إذا كانوا بواد من أوديتهم يقال له شَنار، أغار على دِحْية بن خليفة الهُنَيْد بن عُوص، وابنه عُوص بن الهُنيد الضُّلَعِيَّان، والضُّلَيْع: بطن من جُذام، فأصابا كل شىء كان معه، فبلغ ذلك قوما من الضُّبَيْب، رهط رفاعة بن زيد، ممن كان أسلم وأجاب، فنفروا إلى الهُنيد وابنه فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جِعال، حتى لقوهم، فاقتتلوا، وانتمى يومئذ قُرَّة بن أشقر الضَّفاوي ثم الضُّلَعى، فقال: أنا ابن لُبْنَى، ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم، فأصاب ركبته، فقال حين أصابه: خذها وأنا ابن لُبْنى، وكانتَ له أم تدعى لُبنى، وقد كان حسان بن مَلَّة الضُبَيْنى قد صحب دِحية بن خليفة قبل ذلك، فعلَّمه أمَّ الكتاب.

قال ابن هشام: ويقال: قُرة بن أشقر الضَّفاري وحَيَّان بن مِلَّة.

قال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن رجال من جُذام، قال: فاستنقذوا ما كان في يد الهُنيد وابنه، فردوه على دِحْية، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبره، واستسقاه دم الهنيد وابنه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم زيد بن حارثة، وذلك الذي هاج غزوة زيد جُذَام، وبعث معه جيشاً

 

هؤلاء القوم كانوا معاهدين لمحمد والمسلمين، وكانوا كلهم أو بعضهم اتبعوا دينه، لكن محمدًا باستعجال وسوء تصرف بناء على أفعال أفراد خارجين منهم أرسل جيشًا أذى أتباعه وحلفاءه،

 

يقول ابن إسحاق:

 

وقد وَجَّهَتْ غَطَفانُ من جُذام ووائل ومن كان من سَلامانَ وسعد بن هُذَيْم، حين جاءهم رفاعة ابن زيد، بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلمّ، حتى نزلوا الحَرَّة؟ حَرَّة الرَّجْلاء، ورفاعة بن زيد بكُراع ربَة، لم يعلم ومعه ناس من بني الضبَيْب، وسائر بني الضُّبَيْب بوادي مَدَان، من ناحية الحَرَّة، مما يسيل مُشَرَّقاً، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج، فأغار بالماقِص من قِبل الحَرَّة فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس، وقتلوا الهُنيد وابنه ورجلين من بني الأجنف ورجلًا من بني الخصيب.

 

فلما سمعتْ بذلك بنو الضُّبيب والجيش بفَيْفاء مَدَانٍ ركب نفر منهم، وكان فيمن ركب معهم حَسّان بن مِلَّة، على فرس لسُوَيد بن زيد، يقال لها العَجاجة، وأنيف بن مِلَّة على فرسٍ لملة يقال لها: رِغال، وأبو زيد بن عمرو على فرس يقال لها شَمِر، فانطلقوا حتى إذا دنوا من الجيش، قال أبو زيد وحسان لأنيف بن مِلَّة: كف عنا وانصرف، فإنا نخشى لسانك، فوقف عنهما، فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث بيديها وتَوَثَّب، فقال: لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين، فأرخى لها، حتى أدركهما، فقالا له: أما إذا فعلت ما فعلت فكُف عنا لسانَك، ولا تشأمْنا اليومَ، فتواصَوْا أن لا يتكلم منهم إلا حسان بن مِلَّة، وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها بعضُهم من بعض، إذا أراد أحدهم أن يضرب. بسيفه قال: بُورِي أو ثُوري؟ فلما برزوا على الجيش، أقبل القومُ يبتدرونهم فقال لهم حسان: إنا قوم مسلمون، وكان أول من لقيهم رجلٌ على فرس أدْهم (1)، فأقبل يسوقهم فقال أنَيف: بوري، فقال حسان: مهلا. فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال حسان: إنا قوم مسلمون، فقال له زيد فاقرءوا أم الكتاب، فقرأها حسان، فقال زيد بن حارثة: نادوا في الجيش، أن الله قد حرم علينا ثُغُرة (2) القوم التي جاءوا منها إلا من خَتَر (3).

قال ابن إسحاق: وإذا أخت حسان بن مِلَّة، وهى امرأة أبي وَبْر بن عدي بن أمية بن الضُّبَيْب في الأسارى، فقال له زيد: خذها، وأخذتْ بِحَقْوَيه فقالت أم الفِزْر الضُّلَعية: أتنطلقون ببناتكم وتذرون أمهاتِكم؟ فقال أحد بني الخُصَيْب:

إنها بنو الضُبَيب وسحر ألسنتهم سائرَ اليوم، فسَمِعها بعض الجيش، فأخبر بها زيد بن حارثة، فأمر بأخت حسان، ففُكَّت يداها من حِقْوَيْه، وقال لها: اجلسي مع بناتِ عمك حتى يحكم الله فيكنَّ حكمه، فرجعوا، ونهى الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاءوا منه

 

هنا يذكر ابن إسحاق القصة بألفاظ مختلفة قليلًا فقط لكنها هامة:

 

فأمْسَوْا في أهليهم، واستعتموا ذَوْداً لسُوَيد بن زيد، فلما شربوا عَتَمَتَهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد، وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة: أبو زيد بن عمرو، وأبو شماس بن عمرو، وسُوَيد ابن زيد، وبَعْجَة بن زيد، وبَرْذع بن زيد، وثعلبة بن زيد، ومُخَرَّمة بن عدي، وأنيّف بن مِلَّة،

 

__________

(1) أدهم: يقال فرس أدهم وبعير أدهم وناقة دهماء اذا اشتدّت وُرْقته حتى ذهب بياضه وأيضاً يقال شاة دهماء خالصة الحمرة.

(2) الثغرة: ما يحمونه من جانبهم.

(3) ختر: نقض العهد.

وحسان بن مِلَّة، حتى صبحوا سحراً رفاعة ابن زيد بكُراع رَبَّة، بظهر الحَرَّة، على بئر هنالك من حَرَّة لَيْلَى، فقال له حسان بن مِلَّة إنك لجالس تحلُب المِعْزَى ونساء جُذام أسارى قد غرها كتا بُك الذي جئت به، فدعا رفاعة بن زيد بجمل له. فجعل يشد عليه رحلَه وهو يقول:

هل أنت حىٌّ أو تنادي حَيَّا

ثم غدا وهم معه بأمية بن ضَفارة أخى الخَصيبى المقتول، مبكرين من ظهر الحَرَّة. فساروا إلى جَوْف المدينة ثلاثَ ليالٍ. فلما دخلوا المدينةَ، وانتهوا إلى المسجدِ...إلخ

 

وبعد فلنرَ الكلمة القوية المؤثرة التي قالها رفاعة بن زيد لمحمد، حسب رواية ابن إسحاق:

 

 ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له. فقال: دونَك يا رسول الله قديما كتابُه حديثا غَدْره

 

اعتبر الرجل كتاب محمد شيئًا غُرِّروا به وخُدِعوا.

 

لا تختلف ألفاظ ابن إسحاق كثيرًا وروايته عن الواقدي، لكنه يغير بعض اللفظ:

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأه يا غلام،. وأعْلن، فلما قرأ كتابه استخبره، فأخبروهم الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع بالقتلى؟ ثلاث مرات. فقال رفاعة: أنت يا رسول الله أعلم، لا نحرم عليك حلالا، ولا نحلل لك حراما، فقال أبو زيد بن عمرو: أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا، ومن قُتل فهو تحت قدمى هذه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق أبو زيد، اركب معهم يا على، فقال له رضى الله عنه: إن زيدا لن يطيعَنى يا رسول الله، قال: فخذ سيفى هذا، فأعطاه سيفَه، فقال على: ليس لى يا رسول الله راحلةٌ أركبها، فحملوه على بعير لثعلبة بن عَمرو، يقال له مِكْحال، فخرجوا، فإذا رسولٌ لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي وَبْر، يقال لها: الشَّمِر، فأنزلوه عنها، فقال: يا على، ما شأنى؟ فقال: مالهم عرفوه فأخذوه، ثم ساروا فلقوا الجيش بفَيفاء الفَحلتين، فأخذوا ما في أيديهم، حتى كانوا ينزعون لُبَيْد المرأة من تحت الرَّحْل

 

أما اللفظ عند الواقدي فهو أكثر صدمًا للشعور الإنساني والحس السليم، لأنه أكثر أمانة وعدم تزويق:

 

فَرَدّ إلَى النّاسِ كُلّ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ حَتّى إنْ كَانُوا لَيَأْخُذُونَ الْمَرْأَةَ مِنْ تَحْتِ فَخِذِ الرّجُلِ

 

بسبب نظام الانتقام الجماعي العشائري القبلي السقيم هذا الذي سار محمد على نهجه ككل مناخ بلاده السياسي والعسكري تم نهب ناس على دينه الذي أنشأه، مسلمين، بل وقتل بعضهم واستعباد واغتصاب بعض نسائهم المسلمات جديدًا، مع أنهم ليسوا من ارتكب تلك السرقة بل هم أتباعه وحلفاؤه وهناك رواية أنهم انتزعوا مسروقات دحية من الساطين عليه وردوها له! هل هذه أفعال نبيّ مزعوم تنبؤه السماء بالأخبار والمعلومات؟! أين العدالة والحق؟ أليس بالقرآن {لا تزر وازرةٌ وزرَ أخرى} ؟! أليس محمد هو أول من خالف وانتهك شريعته الإسلامية كما سنذكر بباب مخصص لهذا الموضوع بالجزء الثاني؟!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل

 

يقول الواقدي:

 

سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ

فِى شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ

حَدّثَنِى سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنُ قَمّادِينَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللّهِ ص عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَقَالَ: وَتَجَهّزْ فَإِنّى بَاعِثُك فِى سَرِيّةٍ مِنْ يَوْمِك هَذَا، أَوْ مِنْ غَدٍ إنْ شَاءَ اللّهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْت ذَلِكَ فَقُلْت: لأَدْخُلَنّ فَلأُصَلّيَنّ مَعَ النّبِىّ الْغَدَاةَ فَلأَسْمَعَنّ وَصِيّتَهُ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. قَالَ: فَغَدَوْت فَصَلّيْت فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَنَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَإِذَا رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ مِنْ اللّيْلِ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فَيَدْعُوَهُمْ إلَى الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لِعَبْدِ الرّحْمَنِ مَا خَلّفَك عَنْ أَصْحَابِك”؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَدْ مَضَى أَصْحَابُهُ فِى السّحَرِ فَهُمْ مُعَسْكِرُونَ بِالْجُرْفِ، وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، فَقَالَ: أَحْبَبْت يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِى بِك، وَعَلَىّ ثِيَابُ سَفَرِى، قَالَ: وَعَلَى عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عِمَامَةٌ قَدْ لَفّهَا عَلَى رَأْسِهِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَدَعَاهُ النّبِىّ ص فَأَقْعَدَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَقَضَ عِمَامَتَهُ بِيَدِهِ، ثُمّ عَمّمَهُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ فَأَرْخَى بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْهَا، ثُمّ قَالَ: “هَكَذَا فَاعْتَمّ يَا ابْنَ عَوْفٍ”، قَالَ: وَعَلَى ابْنِ عَوْفٍ السّيْفُ مُتَوَشّحَهُ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “اُغْزُ بِاسْمِ اللّهِ وَفِى سَبِيلِ اللّهِ فَقَاتِلْ مَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ لا تَغُلّ وَلا تَغْدِرْ وَلا تَقْتُلْ وَلِيدًا”....إلخ

قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ الرّحْمَنِ حَتّى لَحِقَ أَصْحَابَهُ فَسَارَ حَتّى قَدِمَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ، فَلَمّا حَلّ بِهَا دَعَاهُمْ إلَى الإِسْلامِ فَمَكَثَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيّامٍ يَدْعُوهُمْ إلَى الإِسْلامِ. وَقَدْ كَانُوا أَبَوْا أَوّلَ مَا قَدِمَ يُعْطُونَهُ إلاّ السّيْفَ فَلَمّا كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ أَسْلَمَ الأَصْبَغُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِىّ، وَكَانَ نَصْرَانِيّا وَكَانَ رَأْسَهُمْ. فَكَتَبَ عَبْدُ الرّحْمَنِ إلَى النّبِىّ ص يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ وَبَعَثَ رَجُلاً مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَال لَهُ: رَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ وَكَتَبَ يُخْبِرُ النّبِىّ ص أَنّهُ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوّجَ فِيهِمْ فَكَتَبَ إلَيْهِ النّبِىّ ص أَنْ يَتَزَوّجَ بِنْتَ الأَصْبَغِ تُمَاضِرَ. فَتَزَوّجَهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ وَبَنَى بِهَا، ثُمّ أَقْبَلَ بِهَا؛ وَهِىَ أُمّ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِى عَوْفٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنّ النّبِىّ ص بَعَثَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ إلَى كَلْبٍ، وَقَالَ: “إنْ اسْتَجَابُوا لَك فَتَزَوّجْ ابْنَةَ مَلِكِهِمْ أَوْ ابْنَةَ سَيّدِهِمْ”، فَلَمّا قَدِمَ دَعَاهُمْ إلَى الإِسْلامِ فَاسْتَجَابُوا وَأَقَامَ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ. وَتَزَوّجَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُمَاضِرَ بِنْتَ الأَصْبَغِ بْنِ عَمْرٍو مَلِكِهِمْ ثُمّ قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ، وَهِىَ أُمّ أَبِى سَلَمَةَ.

 

وذكرها ابن هشام عن ابن إسحاق في الجزء الرابع:

 

ثم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس(1) سوداء، فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ثم نقضها، ثم عممه بها، وأرسل. من خلفه أربعَ أصابع أو نحواً من ذلك، ثم قال: هكذا يابن عوف فاعتَمَّ، فإنه أحسن وأعرف، ثم أمر بلالاً أن يدفع إليه اللواء. فدفعه إليه، فحمد الله تعالى، وصلى على نفسه، ثم قال: خذه يابن عوف، اغزوا جميعا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر باللّه، لا تغلوا (2) ولا تغدروا، ولا تُمثلوا، ولا، تقتلوا وليداً، فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم. فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء.

قال ابن هشام: فخرج إلى دومة الجندل.

 

وذكره ابن سعد في الطبقات الكبير، ورواه البزار في مسنده برقم 6175 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ورجاله ثقات، ومن لفظه:

 

.... قال: ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْ يَتَجَهَّزَ لِسَرِيَّةٍ أَمَّرَهُ عَلَيْهَا، فَأَصْبَحَ قَدِ اعْتَمَّ بِعِمَامَةِ كَرَابِيسَ سَوْدَاءَ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَقَضَهَا، فَعَمَّمَهُ، وَأَرْسَلَ مِنْ خَلْفِهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ، ثُمَّ قال: هَكَذَا يَابْنَ عَوْفٍ

_______

(1) الكرابيس: الأقطان. واحده كربوس

(2) لا تغلوا: لا تخونوا في المغنم.

فَاعْتَمَّ، فَإِنَّهُ أَعْرَبُ وَأَحْسَنُ، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قال: اغْزُوا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فَهَذَا عَهْدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتُهُ فِيكُمْ.

 

نلاحظ هنا العدوان الواضح على دولة أو دويلة مسيحية دون مبرر، سوى الطمع والنهب والاعتداء، وفرض الهيمنة. وقرأتُ من مختصي الجغرافيا أن دَوْمة الجندل موضع غير دُوُمة الجندل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سَرِيّةُ عَليّ بن أبي طالب إلى بني سعد بفَدَك في شعبان سنة ست

 

يقول الواقدي:

 

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلِيّا عَلَيْهِ السّلامُ فِى مِائَةِ رَجُلٍ إلَى حَىّ سَعْدٍ بِفَدَكٍ، وَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ص أَنّ لَهُمْ جَمْعًا يُرِيدُونَ أَنْ يَمُدّوا يَهُودَ خَيْبَرَ، فَسَارَ اللّيْلَ وَكَمَنَ النّهَارَ حَتّى انْتَهَى إلَى الْهَمَجِ فَأَصَابَ عَيْنًا فَقَالَ: مَا أَنْتَ؟ هَلْ لَك عِلْمٌ بِمَا وَرَاءَك مِنْ جَمْعِ بَنِى سَعْدٍ؟ قَالَ: لا عِلْمَ لِى بِهِ، فَشَدّوا عَلَيْهِ فَأَقَرّ أَنّهُ عَيْنٌ لَهُمْ بَعَثُوهُ إلَى خَيْبَرَ، يَعْرِضُ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَصْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا لَهُمْ مِنْ تَمْرِهِمْ كَمَا جَعَلُوا لِغَيْرِهِمْ وَيَقْدَمُونَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: فَأَيْنَ الْقَوْمُ؟ قَالَ: تَرَكْتهمْ وَقَدْ تَجَمّعَ مِنْهُمْ مِائَتَا رَجُلٍ وَرَاسُهُمْ وَبَرُ بْنُ عُلَيْمٍ. قَالُوا: فَسِرْ بِنَا حَتّى تَدُلّنَا، قَالَ: عَلَى أَنْ تُؤَمّنُونِى، قَالُوا: إنْ دَلَلْتنَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى سَرْحِهِمْ أَمّنّاك، وَإِلاّ فَلا أَمَانَ لَك. قَالَ: فَذَاكَ فَخَرَجَ بِهِمْ دَلِيلاً لَهُمْ حَتّى سَاءَ ظَنّهُمْ بِهِ وَأَوْفَى بِهِمْ عَلَى فَدَافِدَ وَآكَامٍ ثُمّ أَفْضَى بِهِمْ إلَى سُهُولَةٍ فَإِذَا نَعَمٌ كَثِيرٌ وَشَاءٌ فَقَالَ: هَذَا نَعَمُهُمْ وَشَاؤُهُمْ. فَأَغَارُوا عَلَيْهِ فَضَمّوا النّعَمَ وَالشّاءَ. قَالَ: أَرْسِلُونِى، قَالُوا: لا حَتّى نَأْمَنَ الطّلَبَ وَنَذَرَ بِهِمْ الرّاعِىَ رِعَاءَ الْغَنَمِ وَالشّاءِ فَهَرَبُوا إلَى جَمْعِهِمْ فَحَذّرُوهُمْ فَتَفَرّقُوا وَهَرَبُوا، فَقَالَ: الدّلِيلُ عَلامَ تَحْبِسُنِى؟ قَدْ تَفَرّقَتْ الأَعْرَابُ وَأَنْذَرَهُمْ الرّعَاءُ. قَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: لَمْ نَبْلُغْ مُعَسْكَرَهُمْ، فَانْتَهَى بِهِمْ إلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَحَدًا، فَأَرْسَلُوهُ وَسَاقُوا النّعَمَ وَالشّاءَ النّعَمُ خَمْسُمِائَةِ بَعِيرٍ وَأَلْفَا شَاةٍ.

حَدّثَنِى أُبَيْرُ بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَلِيلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ قَالَ: إنّى لَبِوَادِى الْهَمَجِ إلَى بَدِيعٍ مَا شَعَرْت إلاّ بِبَنِى سَعْدٍ يَحْمِلُونَ الظّعُنَ وَهُمْ هَارِبُونَ فَقُلْت: مَا دَهَاهُمْ الْيَوْمَ؟ فَدَنَوْت إلَيْهِمْ فَلَقِيت رَأْسَهُمْ وَبَرَ بْنَ عُلَيْمٍ فَقُلْت: مَا هَذَا الْمَسِيرُ؟ قَالَ: الشّرّ، سَارَتْ إلَيْنَا جُمُوعُ مُحَمّدٍ وَمَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ قَبْلَ أَنْ نَأْخُذَ لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا؛ وَقَدْ أَخَذُوا رَسُولاً لَنَا بَعَثْنَاهُ إلَى خَيْبَرَ، فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَنَا وَهُوَ صَنَعَ بِنَا مَا صَنَعَ. قُلْت: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: ابْنُ أَخِى، وَمَا كُنّا نَعُدّ فِى الْعَرَبِ فَتًى وَاحِدًا أَجْمَعَ قَلْبٍ مِنْهُ. فَقُلْت: إنّى أَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ أَمْرًا قَدْ أَمِنَ وَغَلُظَ أَوْقَعَ بِقُرَيْشٍ فَصَنَعَ بِهِمْ مَا صَنَعَ ثُمّ أَوْقَعَ بِأَهْلِ الْحُصُونِ بِيَثْرِبَ، قَيْنُقَاعَ وَبَنِى النّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ، وَهُوَ سَائِرٌ إلَى هَؤُلاءِ بِخَيْبَرَ. فَقَالَ لِى وَبَرٌ: لا تَخْشَ ذَلِكَ إنّ بِهَا رِجَالاً، وَحُصُونًا مَنِيعَةً وَمَاءً وَاتِنًا، لا دَنَا مِنْهُمْ مُحَمّدٌ أَبَدًا، وَمَا أَحْرَاهُمْ أَنْ يَغْزُوهُ فِى عُقْرِ دَارِهِ. قُلْت: وَتَرَى ذَلِكَ؟ قَالَ هُوَ الرّأْىُ لَهُمْ. فَمَكَثَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ ثَلاثًا ثُمّ قَسّمَ الْغَنَائِمَ وَعَزَلَ الْخُمُسَ وَصَفِىّ النّبِىّ ص لَقُوحًا تُدْعَى الْحَفِدَةَ قَدِمَ بِهَا.

 

هذه محض مزاعم وتبريرات، إذا كنت سأقوم بتحرك عسكري، فهل أجر خلفي ألفي شاة في ساحة معركة؟! كلام لا يقبله عقل، والواقع فإن المسلمين قاموا بالعدوان ونهبوا أغنام وجمال أولئك الناس.

 

ولم ينفرد بذكرها الواقدي، فقد ذكرها ابن سعد تلميذه بذات التفاصيل، وذكرها ابن هشام ج4: قال ابن إسحاق: وغزوة عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه بني عبد الله بن سعد من أهل فَدَك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم وأم قرفة

 

جاء في كتاب المغازي للواقدي:

 

سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى أُمّ قِرْفَةَ

فِى رَمَضَانَ سَنَةَ سِتّ

حَدّثَنِى أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِىّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِى تِجَارَةٍ إلَى الشّامِ، وَمَعَهُ بَضَائِعُ لأَصْحَابِ النّبِىّ ص فَأَخَذَ خُصْيَتَىْ تَيْسٍ فَدَبَغَهُمَا ثُمّ جَعَلَ بَضَائِعَهُمْ فِيهِمَا، ثُمّ خَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ دُونَ وَادِى الْقُرَى وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ بَنِى فَزَارَةَ مِنْ بَنِى بَدْرٍ، فَضَرَبُوهُ وَضَرَبُوا أَصْحَابَهُ حَتّى ظَنّوا أَنْ قَدْ قُتِلُوا، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ ثُمّ اسْتُبِلّ زَيْدٌ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى النّبِىّ ص فَبَعَثَهُ فِى سَرِيّةٍ، فَقَالَ لَهُمْ: اُكْمُنُوا النّهَارَ وَسِيرُوا اللّيْلَ. فَخَرَجَ بِهِمْ دَلِيلٌ لَهُمْ وَنَذَرَتْ بِهِمْ بَنُو بَدْرٍ فَكَانُوا يَجْعَلُونَ نَاطُورًا لَهُمْ حِينَ يُصْبِحُونَ فَيَنْظُرُ عَلَى جَبَلٍ لَهُمْ مُشْرِفٍ وَجْهَ الطّرِيقِ الّذِى يَرَوْنَ أَنّهُمْ يَأْتُونَ مِنْهُ فَيَنْظُرُ قَدْرَ مَسِيرَةِ يَوْمٍ فَيَقُولُ اسْرَحُوا فَلا بَأْسَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ لَيْلَتَكُمْ، فَلَمّا كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى نَحْوِ مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ أَخْطَأَ بِهِمْ دَلِيلُهُمْ الطّرِيقَ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقًا أُخْرَى حَتّى أَمْسَوْا وَهُمْ عَلَى خَطَأٍ فَعَرَفُوا خَطَأَهُمْ ثُمّ صَمَدُوا لَهُمْ فِى اللّيْلِ حَتّى صَبّحُوهُمْ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ نَهَاهُمْ حَيْثُ انْتَهَوْا عَنْ الطّلَبِ.

قَالَ: ثُمّ وَعَزَ إلَيْهِمْ أَلاّ يَفْتَرِقُوا، وَقَالَ: إذَا كَبّرْت فَكَبّرُوا، وَأَحَاطُوا بِالْحَاضِرِ ثُمّ كَبّرَ وَكَبّرُوا، فَخَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ فَطَلَبَ رَجُلاً مِنْهُمْ حَتّى قَتَلَهُ، وَقَدْ أَمْعَنَ فِى طَلَبِهِ وَأَخَذَ جَارِيَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَجَدَهَا فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ وَأُمّهَا أُمّ قِرْفَةَ وَأُمّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَغَنِمُوا، وَأَقْبَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَقْبَلَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ بِالْجَارِيَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنّبِىّ ص فَذَكَرَ لَهُ جَمَالَهَا، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ مَا جَارِيَةٌ أَصَبْتهَا؟ قَالَ جَارِيَةٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ رَجَوْت أَنْ أَفْتَدِىَ بِهَا امْرَأَةً مِنّا مِنْ بَنِى فَزَارَةَ، فَأَعَادَ رَسُولُ اللّهِ ص مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا يَسْأَلُهُ مَا جَارِيَةٌ أَصَبْتهَا؟ حَتّى عَرَفَ سَلَمَةُ أَنّهُ يُرِيدُهَا فَوَهَبَهَا لَهُ فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللّهِ ص لِحَزْنِ بْنِ أَبِى وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ امْرَأَةً لَيْسَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ غَيْرُهَا.

فَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللّهِ ص فِى بَيْتِى، فَأَتَى زَيْدٌ فَقَرَعَ الْبَابَ، فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ص يَجُرّ ثَوْبَهُ عُرْيَانًا، مَا رَأَيْته عُرْيَانًا قَبْلَهَا، حَتّى اعْتَنَقَهُ وَقَبّلَهُ ثُمّ سَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا ظَفّرَهُ اللّهُ.

*   *   *

ذِكْرُ مَنْ قَتَلَ أُمّ قِرْفَةَ

قَتَلَهَا قَيْسُ بْنُ الْمُحَسّرِ قَتْلاً عَنِيفًا؛ رَبَطَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا حَبْلاً ثُمّ رَبَطَهَا بَيْنَ بَعِيرَيْنِ وَهِىَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ. وَقَتَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ، وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ النّعْمَانِ بْنِ مَسْعَدَةَ ابْنِ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَدْرٍ.

 

وجاء في السيرة لابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: فلما قدم زيد بن حارثة آلى أن لا يمس رأسَه غُسل من جنابة حتى يغزوَ بني فَزَارة، فلما استبل من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني فَزَارة في جيش، ققتلهمِ بوادي القُرى، وأصاب فيهم، وقتل قَيسُ بن المسَحَّر اليَعْمُري مَسْعَدة بنَ حَكَمة بن مالك ابن حُذيفة بن بدر، وأسرَتْ أم قِرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر كانت عجوزا كبيرة عند مالك بن حُذيفة بن بدر، وبنتٌ لها، وعبداللّه بن مَسْعَدة، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحَّر أن يقتل أمَّ قرفة، فقتلها قتلا عنيفاً، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة وبابن مَسْعَده وكانت بنت أم قِرْفة لسلَمة بن عمرو بن الأكوع، كان هو الذي أصابها، وكانت في بيت شرف من قومها، كانت العرب تقول: " لو كنتِ أعز من أم قرفة ما زدْتِ ". فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة، فوهبها له، فأهداها لخاله حَزْن بن أبي وهب، فولدت له عبد الرحمن بن حَزْن.

 

 

ويوجد شاهد لقصة قتل أم قرفة في سنن الترمذي/ كتاب الاستئذان:

 

2732 - حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد المدني حدثني أبي يحيى بن محمد عن محمد بن إسحق عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم عريانا يجر ثوبه والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبله

 

قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث الزهري إلا من هذا الوجه

 

إسناده ضعيف، ومن شرحه في تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي للمباركفوري:

 

ـ قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد) ابن هانئ الشجري لين الحديث روى عن أبيه وعنه البخاري في غير الصحيح وأبو إسماعيل الترمذي وغيرهما (حدثني أبي يحيى بن محمد) هو ضعيف وكان ضريراً يتلقن من التاسعة (عن محمد بن إسحاق) هو صاحب المغازي.

قوله: .... (عرياناً يجر ثوبه) أي رداءه من كمال فرحه بقدومه ومأتاه. قال في المفاتيح: تريد أنه ص كان ساتراً ما بين سرته وركبته ولكن سقط رداءه عن عاتقه فكان ما فوق سرته عرياناً انتهى (والله ما رأيته عرياناً) أي يستقبل أحداً (قبله) أي قبل ذلك اليوم (ولا بعده) أي بعد ذلك اليوم (فاعتنقه وقبله) فإن قيل كيف تحلف أم المؤمنين على أنها لم تره عرياناً قبله ولا بعده مع طول الصحبة وكثرة الاجتماع في لحاف واحد؟ قيل لعلها أرادت عرياناً استقبل رجلا واعتنقه فاختصرت الكلام لدلالة الحال أو عرياناً مثل ذلك العري، واختار القاضي الأول. وقال الطيبي هذا هو الوجه لما يشم من سياق كلامها رائحة الفرح والاستبشار بقدومه وتعجيله للقائه بحيث لم يتمكن من تمام التردي بالرداء حتى جره وكثيراً ما يقع مثل هذا انتهى.

 

نماذج لأعمال استعباد النساء وإهدائهن والمتاجرة بهن، إضافة إلى قتل امرأة عجوز حسب تفاسيرهم لمجرد قولها الشعر تلك القتلة المريعة التعذيبية. لا يوجد أي مبرر في كل الكوكب وتحت السماء لتعذيب إنسان أو ضربه أو التمثيل به أو استعباد البشر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وفقًا لتشريع الإسلام كانت عورة المرأة المستعبدة (الأمة) من صرتها إلى ركبتها فقط، وهذه الصورة نموذج للكيفية التي كان عليها سوق النخاسة في عصور الظلام، التي يريد البعض إحياءها ويعتبرها عصورًا ذهبية للإنسانية!

تعذيب بشر من عكل وعرينة ببتر الأطراف والتجويع والتعطيش حتى الموت

 

جاء في السيرة لابن هشام ج4:

 

حدثني بعضُ أهل العلم، عمن حدثه، عن محمد بن طلحة، عن عثمان بن عبد الرحمن، قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة محارب وبني ثعلبة عبداً يقال له يسار، فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في لقاح له كانت ترعى في ناحية الجماء، فقَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من قيس كُبَّة من بَجيلة، فاستوبئوا، وطَحِلوا (1)، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو خرجتم إلى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها، فخرجوا إليها فلما صحُّوا وانطوت بطونهم، عَدوْا على راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسار، فذبحوه وغرزوا الشوكَ في عينيه، واستاقوا اللقاح، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كُرْز بن جابر، فلحقهم، فأتى بهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرْجِعَه من غزوة ذي قَرَد، فقطع أيديَهم وأرجلَهم، وسَملَ أعينهم.

 

وروى الواقدي:

 

سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ

لَمّا أُغِيرَ عَلَى لِقَاحِ النّبِىّ ص بِذِى الْجَدْرِ فِى شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ، وَهِىَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ.

 

 

(1) استوبئوا: أصيبوا بالأوبئة. طلحوا: أصيبوا بداء الطحال.

حَدّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قَالَ: قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ ثَمَانِيَةٌ عَلَى النّبِىّ ص فَأَسْلَمُوا، فَاسْتَوْبَأُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ بِهِمْ النّبِىّ ص إلَى لِقَاحِهِ وَكَانَ سَرْحُ الْمُسْلِمِينَ بِذِى الْجَدْرِ فَكَانُوا بِهَا حَتّى صَحّوا وَسَمِنُوا، وَكَانُوا اسْتَأْذَنُوهُ يَشْرَبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَأَذِنَ لَهُمْ فَغَدَوْا عَلَى اللّقَاحِ فَاسْتَاقُوهَا، فَيُدْرِكُهُمْ مَوْلَى النّبِىّ ص وَمَعَهُ نَفَرٌ فَقَاتَلَهُمْ فَأَخَذُوهُ فَقَطَعُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَغَرَزُوا الشّوْكَ فِى لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتّى مَاتَ. وَانْطَلَقُوا بِالسّرْحِ فَأَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى حِمَارٍ لَهَا حَتّى تَمُرّ بِيَسَارٍ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَمّا رَأَتْهُ وَمَا بِهِ - وَقَدْ مَاتَ - رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا وَخَبّرَتْهُمْ الْخَبَرَ، فَخَرَجُوا نَحْوَ يَسَارٍ حَتّى جَاءُوا بِهِ إلَى قُبَاءَ مَيّتًا. فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص فِى أَثَرِهِمْ عِشْرِينَ فَارِسًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْفِهْرِىّ، فَخَرَجُوا فِى طَلَبِهِمْ حَتّى أَدْرَكَهُمْ اللّيْلُ فَبَاتُوا بِالْحَرّةِ وَأَصْبَحُوا فَاغْتَدَوْا لا يَدْرُونَ أَيْنَ يَسْلُكُونَ فَإِذَا هُمْ بِامْرَأَةٍ تَحْمِلُ كَتِفَ بَعِيرٍ فَأَخَذُوهَا فَقَالُوا: مَا هَذَا مَعَك؟ قَالَتْ: مَرَرْت بِقَوْمٍ قَدْ نَحَرُوا بَعِيرًا فَأَعْطَوْنِى، قَالُوا: أَيْنَ هُمْ؟ قَالَتْ: هُمْ بِتِلْكَ الْقِفَارِ مِنْ الْحَرّةِ، إذَا وَافَيْتُمْ عَلَيْهَا رَأَيْتُمْ دُخَانَهُمْ، فَسَارُوا حَتّى أَتَوْهُمْ حِينَ فَرَغُوا مِنْ طَعَامِهِمْ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يَسْتَأْسِرُوا، فَاسْتَأْسَرُوا بِأَجْمَعِهِمْ لَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إنْسَانٌ فَرَبَطُوهُمْ وَأَرْدَفُوهُمْ عَلَى الْخَيْلِ حَتّى قَدِمُوا بِهِمْ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللّهِ ص بِالْغَابَةِ، فَخَرَجُوا نَحْوَهُ.

قَالَ خَارِجَةُ: فَحَدّثَنِى يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ: حَدّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: فَخَرَجْت أَسْعَى فِى آثَارِهِمْ مَعَ الْغِلْمَانِ، حَتّى لَقِىَ بِهِمْ النّبِىّ ص بِالزّغَابَةِ بِمَجْمَعِ السّيُولِ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ وَصُلِبُوا هُنَاكَ. قَالَ أَنَسٌ: إنّى لَوَاقِفٌ أَنْظُرُ إلَيْهِمْ.

قَالَ الْوَاقِدِىّ: فَحَدّثَنِى إسْحَاقُ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوَمَه، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمّا قَطَعَ النّبِىّ ص أَيْدِى أَصْحَابِ اللّقَاحِ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِنّمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتّلُوا أَوْ يُصَلّبُوا أَوْ تُقَطّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} الآيَةَ. قَالَ: فَلَمْ تُسْمَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنٌ.

قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: مَا بَعَثَ النّبِىّ ص بَعْدَ ذَلِكَ بَعْثًا إلاّ نَهَاهُمْ عَنْ الْمُثْلَةِ.

وَحَدّثَنِى ابْنُ بِلالٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: لَمْ يَقْطَعْ رَسُولُ اللّهِ ص لِسَانًا قَطّ، وَلَمْ يَسْمُلْ عَيْنًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ وَالرّجْلِ.

وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، قَالَ: أَمِيرُ السّرِيّةِ ابْنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِىّ.

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِى سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى، قَالَ: لَمّا ظَفِرُوا بِاللّقَاحِ خَلّفُوا عَلَيْهَا سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ، وَمَعَهُ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِىّ، وَكَانَتْ اللّقَاحُ خَمْسَ عَشْرَةَ لِقْحَةً غِزَارًا. فَلَمّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الزّغَابَةِ وَجَلَسَ فِى الْمَسْجِدِ إذَا اللّقَاحُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص، فَنَظَرَ إلَيْهَا فَتَفَقّدَ مِنْهَا لِقْحَةً لَهُ يُقَالُ لَهَا: الْحِنّاءُ، فَقَالَ: “أَىْ سَلَمَةُ أَيْنَ الْحِنّاءُ”؟ قَالَ: نَحَرَهَا الْقَوْمُ وَلَمْ يَنْحَرُوا غَيْرَهَا. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “اُنْظُرْ مَكَانًا تَرْعَاهَا فِيهِ”. قَالَ: مَا كَانَ أَمْثَلَ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ بِذِى الْجَدْرِ، قَالَ: فَرَدّهَا إلَى ذِى الْجَدْرِ، فَكَانَتْ هُنَاكَ وَكَانَ لَبَنُهَا يُرَاحُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص كُلّ لَيْلَةٍ وَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ.

 

وذكرها في معرض سرده لعمرة القضاء بعد صلح الحديبية:

 

حَدّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِى الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: وَأَشْرَكَ رَسُولُ اللّهِ ص بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِى الْهَدْىِ فَنَحَرَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَكَانَ الْهَدْىُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَكَانَ جَمَلُ أَبِى جَهْلٍ قَدْ غَنِمَهُ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَغْزُونَ عَلَيْهِ الْمَغَازِىَ، وَكَانَ قَدْ ضُرِبَ فِى لِقَاحِ رَسُولِ اللّهِ ص الّتِى اسْتَاقَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَلِقَاحِهِ الّتِى كَانَتْ بِذِى الْجَدْرِ الّتِى كَانَ سَاقَهَا الْعُرَنِيّونَ، وَكَانَ جَمَلُ أَبِى جَهْلٍ نَجِيبًا مَهْرِيّا كَانَ يُرْعَى مَعَ الْهَدْىِ فَشَرَدَ قَبْلَ الْقَضِيّةِ فَلَمْ يَقِفْ، حَتّى انْتَهَى إلَى دَارِ أَبِى جَهْلٍ، وَعَرَفُوهُ وَخَرَجَ فِى أَثَرِهِ عَمْرُو بْنُ عَنَمَةَ السّلَمِىّ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ لَهُ سُفَهَاءُ مِنْ سُفَهَاءِ مَكّةَ، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: ادْفَعُوهُ إلَيْهِ، فَأَعْطَوْا بِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: لَوْلا أَنّا سَمّيْنَاهُ فِى الْهَدْىِ فَعَلْنَا، فَنَحَرَ الْجَمَلَ عَنْ سَبْعَةٍ أَحَدُهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ.

 

وروى البخاري:

 

5685 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا إِنَّ الْمَدِينَةَ وَخِمَةٌ فَأَنْزَلَهُمْ الْحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لَهُ فَقَالَ اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدِمُ الْأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ قَالَ سَلَّامٌ فَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِأَنَسٍ حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ بِهَذَا فَبَلَغَ الْحَسَنَ فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا

233 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَهَؤُلَاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ

3018 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْغِنَا رِسْلًا قَالَ مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ فَانْطَلَقُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا قَالَ أَبُو قِلَابَةَ قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا

4192 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ قَالَ قَتَادَةُ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ

6802 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ فَأَسْلَمُوا فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا

6803 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا

6804 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي الصُّفَّةِ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْغِنَا رِسْلًا فَقَالَ مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بِإِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ فَأَتَوْهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّرِيخُ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَمَا حَسَمَهُمْ ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا قَالَ أَبُو قِلَابَةَ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ

6899 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مِنْ آلِ أَبِي قِلَابَةَ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ قَالَ نَقُولُ الْقَسَامَةُ الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ وَقَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ قَالَ لِي مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلَابَةَ وَنَصَبَنِي لِلنَّاسِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ رُءُوسُ الْأَجْنَادِ وَأَشْرَافُ الْعَرَبِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَدْ زَنَى لَمْ يَرَوْهُ أَكُنْتَ تَرْجُمُهُ قَالَ لَا قُلْتُ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِحِمْصَ أَنَّهُ سَرَقَ أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ وَلَمْ يَرَوْهُ قَالَ لَا قُلْتُ فَوَاللَّهِ مَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ رَجُلٌ قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ أَوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ رَجُلٌ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ الْقَوْمُ أَوَلَيْسَ قَدْ حَدَّثَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي السَّرَقِ وَسَمَرَ الْأَعْيُنَ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِي الشَّمْسِ فَقُلْتُ أَنَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَ أَنَسٍ حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ فَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا قَالُوا بَلَى فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَحُّوا فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْرَدُوا النَّعَمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمْ فَأُدْرِكُوا فَجِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا قُلْتُ وَأَيُّ شَيْءٍ أَشَدُّ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَتَلُوا وَسَرَقُوا فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ فَقُلْتُ أَتَرُدُّ عَلَيَّ حَدِيثِي يَا عَنْبَسَةُ قَالَ لَا وَلَكِنْ جِئْتَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْجُنْدُ بِخَيْرٍ مَا عَاشَ هَذَا الشَّيْخُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ

وروى مسلم:

 

[ 1671 ] وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة كلاهما عن هشيم واللفظ ليحيى قال أخبرنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب وحميد عن أنس بن مالك أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فصحوا ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في إثرهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا

[ 1671 ] حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لأبي بكر قال حدثنا بن علية عن حجاج بن أبي عثمان حدثني أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة حدثني أنس أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها فقالوا بلى فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا وقال بن الصباح في روايته واطردوا النعم وقال وسمرت أعينهم

 

 [ 1671 ] وحدثنا هارون بن عبد الله حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي رجاء مولى أبي قلابة قال قال أبو قلابة حدثنا أنس بن مالك قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها بمعنى حديث حجاج بن أبي عثمان قال وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون

   

 [ 1671 ] وحدثنا الحسن بن أبي شعيب الحراني حدثنا مسكين وهو بن بكير الحراني أخبرنا الأوزاعي ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا محمد بن يوسف عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية نفر من عكل بنحو حديثهم وزاد في الحديث ولم يحسمهم

[ 1671 ] وحدثنا هارون بن عبد الله حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا زهير حدثنا سماك بن حرب عن معاوية بن قرة عن أنس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة فأسلموا وبايعوه وقد وقع بالمدينة الموم وهو البرسام ثم ذكر نحو حديثهم وزاد وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين فأرسلهم إليهم وبعث معهم قائفا يقتص أثرهم

 

 [ 1671 ] حدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس ح وحدثنا بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس وفي حديث همام قدم على النبي صلى الله عليه وسلم رهط من عرينة وفي حديث سعيد من عكل وعرينة بنحو حديثهم

 

 [ 1671 ] وحدثني الفضل بن سهل الأعرج حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس قال إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء

 

نلاحظ أن الواقدي في كتاب المغازي وتلميذه محمد بن سعد في الطبقات الكبير ينفردان وحدهما بزعم أنهم قطعوا يدي ورجلي الراعي كذلك وينفردان وحدهما بزعم أنهم وضعوا على صلبان (صُلِبوا) وليس تركوا ملقيين على التراب.

 

تعليقي: لا تتفق تشريعات وأفعال أديان كالإسلام واليهودية حقًا مع جوهر وفلسفة التشريع المدني، فهو يقوم على فكرة إصلاح المجرم وردعه، ليكون فردًا نافعًا في المجتمع ووجود العقاب المتناسب مع المجرم الرادع لمنع تكرار الفعل من المجرم أو الآخرين، فإذا كانوا سرقوا إبله وقتلوا راعيه، فهلا اكتفى بقتلهم قصاصًا لحياة الرجل الراعي، لكن لا...بل قام بسمل أعينهم وتقطيع أطراف أجسادهم بأسلوب تعذيب لا يتفق مع التحضر والإنسانية، ولم يكتفِ بهذا بل وتركهم في الشمس كالديدان حتى ماتوا! فإن قال قائل أنهم سملوا عيني الراعي فإنهم إنما فعلوا ذلك بعد قتله فلم يتعذب، كما قد نفهم من عبارة ابن هشام (فذبحوه وغرزوا الشوكَ في عينيه)، وحتى لو افترضنا أنهم فعلوا ذلك أثناء حياته فهلا اكتفى بمعاقبتهم بالمثل، ولو صدقنا الرواية التي عند الواقدي وابن سعد التي نرى أنها ربما كاذبة وللتخفيف والتجميل لعدم ورودها كتبرير في باقي الكتب القديمة كالبخاري ومسلم والمسند والسيرة لابن هشام، فهلا اكتفى ببتر أطرافهم دون تركهم للموت عطشًا وجوعًا، مع التأكيد أن جوهر التشريع المتمدن لا يقول بذلك بل يعاقب بالسجن أو الإعدام وليس التعذيب الجسديّ. ولفظ بعض الأحاديث لم يحسمهم حتى ماتوا أي لم يقطع رقابهم وتركهم يموتون جوعًا وعطشًا وعلى الأغلب العطش سبب رئيسيّ وأسرع للوفاة لمن يعلمون تلك الأمور الطبية، وفعلاً ورد (يستستقون فما سُقُوا حتى ماتوا)، وبعض الرواة كان يكره رواية الحديث لبشاعته وقبحه وقد استعمله الحجاج بن يوسف الثقفي هو وغيره كمبرر هو وسائر جوهر العنف الإسلامي كتبرير لتعذيب المعارضين والمتمردين وقتلهم بطرق بشعة رهيبة، وهذا بفضل الإسلام! ويوجد تناقض غريب في تشريعات الإسلام، فمحمد في عدة مواضع مثل قصته بعد قتل عمه حمزة بن عبد المطلب في أحد وفي ما بعد قصة العرنيين هنا يعود فينهى عن التمثيل و المثلة بالبشر ويحث على الصدقة وهو ما يتعمد بعض الرواة ذكره كأنه يخفف بهذا من بشاعة القصة بشكل ما حسب تصورهم، فهاهنا نرى الإسلام الدين الذي به جميع التعاليم المتسامحة والإرهابية بحيث تختار ما تشاء كما تريد حسب مزاجك، وحسب مقتضى أحوالك، وليس وفقًا لمبدأ أخلاقي رفيع موضوعي ثابت، وفي القرآن ذكر حد المحاربين للإسلام كقطاع الطرق واللصوص وأعداء الديانة هكذا:

 

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} المائدة: 33-34

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صلح الحديبية في ذي القعدة 6 هـ

وملاحظات بخصوص من قام بنقضه وأشياء أُخَر

 

يقول الواقدي:

 

....فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ ص قَالَ: يَا بُسْرُ مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ تَرَكْت قَوْمَك، كَعْبَ بْنَ لُؤَىّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَىّ، قَدْ سَمِعُوا بِمَسِيرِك فَفَزِعُوا، وَهَابُوا أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِمْ عَنْوَةً وَقَدْ اسْتَنْفَرُوا لَك الأَحَابِيشَ، وَمَنْ أَطَاعَهُمْ مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ قَدْ لَبِسُوا لَك جِلْدَ النّمُورِ لِيَصُدّوك عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَدْ خَرَجُوا إلَى بَلْدَحٍ وَضَرَبُوا بِهَا الأَبْنِيَةَ وَتَرَكْت عُمّادَهُمْ يُطْعِمُونَ الْجُزُرَ أَحَابِيشَهُمْ وَمَنْ ضَوَى إلَيْهِمْ فِى دُورِهِمْ وَقَدّمُوا الْخَيْلَ عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، مِائَتَىْ فَرَسٍ، وَهَذِهِ خَيْلُهُمْ بِالْغَمِيمِ وَقَدْ وَضَعُوا الْعُيُونَ عَلَى الْجِبَالِ وَوَضَعُوا الأَرْصَادَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لِلنّاسِ: “هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ بِالْغَمِيمِ”. ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ص فِى الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ: “أَمّا بَعْدُ فَكَيْفَ تَرَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ فِى هَؤُلاءِ الّذِينَ اسْتَنْفَرُوا إلَىّ مَنْ أَطَاعَهُمْ لِيَصُدّونَا عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ أَتَرَوْنَ أَنْ نَمْضِىَ لِوَجْهِنَا إلَى الْبَيْتِ فَمَنْ صَدّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نُخَلّفَ هَؤُلاءِ الّذِينَ اُسْتُنْفِرُوا لَنَا إلَى أَهْلِيهِمْ فَنُصِيبَهُمْ؟ فَإِنْ اتّبَعُونَا اتّبَعْنَا مِنْهُمْ عُنُقٌ يَقْطَعُهَا اللّهُ وَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَحْزُونِينَ مَوْتُورِينَ”.

فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ نَرَى يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ نَمْضِىَ لِوَجْهِنَا فَمَنْ صَدّنَا عَنْ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “فَإِنّ خَيْلَ قُرَيْشٍ فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ”. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَمْ أَرَ أَحَدًا كَانَ أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ص وَكَانَتْ مُشَاوَرَتُهُ أَصْحَابَهُ فِى الْحَرْبِ فَقَطْ. قَالَ: فَقَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلا إنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلا إنّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ. وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ سِرْت إلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَسِرْنَا مَعَك مَا بَقِىَ مِنّا رَجُلٌ.

 

نرى هنا نوايا محمد كشخص سيكوباتي كما حكم عليه بعض علماء النفس فهو مستعد تمامًا للهجوم على قومه وبلده وسبي واستعباد أطفالهم ونسائهم! والقصة ذكرها البخاري:

 

4178-4179 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ حَفِظْتُ بَعْضَهُ وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ فَقَالَ أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ الْبَيْتِ فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ

 

 

 

ورواه أحمد بن حنبل 18928 ومصنف عبد الرزاق 9720

 

ونقرأ من كتب التاريخ والحديث، قول محمد حسب البخاري من حديث 2732:

 

...فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمْ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ فَقَالَ بُدَيْلٌ سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ......

ويروي الواقدي:

 

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، إنّمَا جِئْنَا لِنَطُوفَ بِهَذَا الْبَيْتِ، فَمَنْ صَدّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، وَقُرَيْشٌ قَوْمٌ قَدْ أَضَرّتْ بِهِمْ الْحَرْبُ وَنَهَكَتْهُمْ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتهمْ مُدّةً يَأْمَنُونَ فِيهَا، وَيُخَلّونَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النّاسِ وَالنّاسُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ أَمْرِى عَلَى النّاسِ كَانُوا بَيْنَ أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النّاسُ، أَوْ يُقَاتِلُوا وَقَدْ جَمَعُوا وَاَللّهِ لأَجْهَدَنّ عَلَى أَمْرِى هَذَا حَتّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِى، أَوْ يُنْفِذَ اللّهُ أَمْرَهُ فَوَعَى بُدَيْلٌ مَقَالَتَهُ وَرَكِبَ ثُمّ رَكِبُوا إلَى قُرَيْشٍ

 

وحكاية ابن هشام عن إسحاق مشابهة لكنه يجعل كلام محمد لأحد حلفائه في عسفان ويدعى بشر أو بسر بن سفيان الكلابي:

 

...فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ويْح قريشا لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خَلَّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش، فوالله لا أزال أجاهدُ على الذي بعثني الله به حتى يظهرَه الله أو تنفردَ هذه السَّالفةُ...

 

وعند أحمد ن حنبل في حديث رقم 18910 أنه قال هذه الجملة مرتين مرة لابن سفيان الكلابي المذكور، ومرة أخرى لبديل بن ورقاء:

 

.... قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ سَمِعَتْ بِمَسِيرِكَ، فَخَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، يُعَاهِدُونَ اللهَ أَنْ لَا تَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا، وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ قَدِمُوا إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ أَكَلَتْهُمُ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ، فَإِنْ أَصَابُونِي كَانَ الَّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَهُمْ وَافِرُونَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ، فَمَاذَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ، وَاللهِ إِنِّي لَا أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللهُ لَهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ لَهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ "....

 

.....فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي رِجَالٍ مِنْ خُزَاعَةَ، فَقَالَ لَهُمْ كَقَوْلِهِ لِبُشَيْرِ بْنِ سُفْيَانَ، فَرَجَعُوا إِلَى قُرَيْشٍ....

 

تدل  هذه القصة على عقلية بشعة وعدم استيعاب لفكر التعايش وحرية الاعقاد، بأسلوب إما الإسلام فقط أو الوثنية فقط، أعيش أنا وتموت أنت أو العكس، دون قدرة على تحمل فكرة العيش سويًّا، وهو الجو المسموم الذي نشأ فيه أحد أكثر الأديان عنفًا ودموية وعنصرية على مر تاريخ البشر وخرافاتهم الدينية.

 

نقرأ في البخاري من حديث 2732:

 

.... فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ دَعُونِي آتِيهِ فَقَالُوا ائْتِهِ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ فَبُعِثَتْ لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ....

 

ونقرأ في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق:

 

ثم بعثوا إليه الحُلَيْس بن علقمة أو ابن زَبَّان، وكان يومئذ سيد الأحابيش، وهو أحد بني الحارث بن عبد مَناة بن كنانة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا من قوم يتألَهون، فابعثوا الهدْيَ في وجهه حتى يراه، فلما رأى الهدْيَ يسيل عليه من عُوْض الوادي في قلائده، وقد أكل أوبارَه من طول الحبس عن مَحَله، رجع إلى قريش، ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى، فقال لهم ذلك. قال: فقالوا له: اجلس، فإنما أنت أعرابىّ لا عِلمَ لك.

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن الحُلَيْس غضب عند ذلك وقال: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم. أيصَدُّ عن بيت الله من جاء معظما له! والذي نفس الحُلَيْس بيده، لتُخَلُّنَّ بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرنَّ بالأحابيش نفرة رجل واحد. قال: فقالوا له: مَهْ، كُفَّ عنا يا حُلَيْس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

 

وحكى القصة أحمد بن حنبل في مسنده من حديث رقم 18910:

 

.....فَبَعَثُوا إِلَيْهِ الْحِلْسَ (1) بْنَ عَلْقَمَةَ الْكِنَانِيَّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْأَحَابِشِ (2)، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلَّهُونَ، فَابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وَجْهِهِ " . فَبَعَثُوا الْهَدْيَ، فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عَرْضِ الْوَادِي فِي قَلَائِدِهِ، قَدْ أَكَلَ أَوْتَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ، رَجَعَ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْظَامًا لِمَا رَأَى، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَدْ رَأَيْتُ مَا لَا يَحِلُّ صَدُّهُ: الْهَدْيَ فِي قَلَائِدِهِ قَدْ أَكَلَ أَوْتَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ . فَقَالُوا: اجْلِسْ، إِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ لَا عِلْمَ لَكَ.....

 

(1) هكذا جاء في النسخ، وضبطه السندي: بكسر فسكون، وجاء في هامش (س): الحليس، مصغراً. قلنا: وكذلك ضبطه الحافظ في "الفتح" 5/342.

(2) في النسخة (ق): الأحابيش.

 

ويروي الواقدي:

 

...فَبَعَثُوا الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الأَحَابِيشِ - فَلَمّا طَلَعَ الْحُلَيْسُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “هَذَا مِنْ قَوْمٍ يُعَظّمُونَ الْهَدْىَ وَيَتَأَلّهُونَ ابْعَثُوا الْهَدْىَ فِى وَجْهِهِ حَتّى يَرَاهُ”، فَبَعَثُوا الْهَدْىَ فَلَمّا نَظَرَ إلَى الْهَدْىِ يَسِيلُ فِى الْوَادِى عَلَيْهِ الْقَلائِدُ قَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ يُرَجّعُ الْحَنِينَ، وَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ فِى وَجْهِهِ يُلَبّونَ قَدْ أَقَامُوا نِصْفَ شَهْرٍ قَدْ تَفِلُوا وَشَعِثُوا، رَجَعَ وَلَمْ يَصِلْ إلَى النّبِىّ ص إعْظَامًا لِمَا رَأَى، حَتّى رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: إنّى قَدْ رَأَيْت مَا لا يَحِلّ صَدّهُ رَأَيْت الْهَدْىَ فِى قَلائِدِهِ قَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ مَعْكُوفًا عَنْ مَحِلّهِ وَالرّجَالَ قَدْ تَفِلُوا وَقَمِلُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَذَا الْبَيْتِ، أَمَا وَاَللّهِ مَا عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ وَلا عَاقَدْنَاكُمْ عَلَى أَنْ تَصُدّوا عَنْ بَيْتِ اللّهِ مَنْ جَاءَ مُعَظّمًا لِحُرْمَتِهِ مُؤَدّيًا لِحَقّهِ وَسَاقَ الْهَدْىَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلّهُ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتُخَلّنّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ، أَوْ لأَنْفِرَنّ بِالأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، قَالُوا: إنّمَا كُلّ مَا رَأَيْت مَكِيدَةٌ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَاكْفُفْ عَنّا حَتّى نَأْخُذَ لأَنْفُسِنَا بَعْضَ مَا نَرْضَى بِهِ.

 

كان عند معظم الوثنيين قصر نظر، فلم يدركوا أن محمدًا بسعيه لدخول مكة معتمرًا يتحايل ليدعي أن الكعبة مكان مقدس إسلامي، ويبدو أنهم لضيق أفقهم لم يطلعوا على نصوص القرآن التي كانت تحفظ شفويًّا وقتئذٍ لدى أتباعه وأنه يزعم بناءه على يد الشخصية الخرافية المقدسة إبراهيم المقدسة لدى اليهود والمسيحيين، والتي لم يكن لها أي صلة بدين الوثنيين في الحقيقة، وكان العرف عند كل وثنيي العرب ألا يمنع أي شخص من زيارة الكعبة باعتبارها بيت الإله الأكبر الله أو هبل، وبيت سائر الآلهة، على اختلاف مذاهبهم من جمهورهم والحمس (قريش وكانت بعض طقوسها وعوائدها غير باقي الناس في الحج) والمحلين (الذين لا يرون حرمة الغارات والنهب في الأشهر العربية الأربعة الحرم كطيء وخثعم وبعض قضاعة)، وعلى اختلاف آلهتم ومذاهبهم وما يحرمونه أو يحلونه وخرافاتهم، لذا عارض بعضهم منع محمد والمسلمين من زيارتها، وهذه هي اللعبة السياسية لمحمد التي لعبها بنجاح، وتركت تأثيرًا حسنًا لأن دخوله مكة بعدها بعام للزيارة بتصريح من وثنييها أوحى بأنه ازداد قوة وشوكة وأقبل الناس من العرب أكثر على دينه، فالناس ولا سيما الجهال يفتنون بالأكثر قوة وقد يرون أن السماء حسب توهماتهم معه وتنصره إضافة إلى إغراآت المال والنهب وسبي النساء.

 

جاء في القرآن:

 

{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)} الفتح: 25

 

من تعليق الواقدي يَقُولُ: حَيْثُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْبَيْتِ وَحُبِسَ بِالْحُدَيْبِيَةِ؛

 

وهذا عجيب، ولم يفطن له كما رأينا بعض الوثنيين، فهؤلاء أتباع ديانة مختلفة جديدة (الإسلام) كانوا يسعون لصنع مطالبات بموضع مقدس وثني وينسج مؤسس دينهم محمد قصة جديدة عنه أنه من بناء إبراهيم، وليس معبدًا وثنيًّا أصيلًا! وهي القصة التي أخذها عن الهاجادة في وضع إبراهيم لأساس الهيكل السليماني في قصة أمر الله له بتقديم ابنه كقربان على جبل المريّا أو صهيون، وربطها محمد ببناء الكعبة كما رأينا من بحثي في الهاجادة وأبوكريفا العهد القديم.

 

وروى لنا الواقدي صورة حية من عقلية وسلوكيات أتباع محمد الأوائل هؤلاء:

 

...وَلَمّا الْتَأَمَ الأَمْرُ وَتَقَارَبَ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ص رَجُلاً يَكْتُبُ الْكِتَابَ بَيْنَهُمْ وَدَعَا أَوْسَ بْنَ خَوْلِىّ يَكْتُبُ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: لا يَكْتُبُ إلاّ أَحَدُ الرّجُلَيْنِ ابْنُ عَمّك عَلِىّ أَوْ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ فَأَمَرَ النّبِىّ ص عَلِيّا يَكْتُبُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “اُكْتُبْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ”. فَقَالَ سُهَيْلٌ: لا أَعْرِفُ الرّحْمَنَ اُكْتُبْ كَمَا نَكْتُبُ: بِاسْمِك اللّهُمّ، فَضَاقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا: هُوَ الرّحْمَنُ، وَقَالُوا: لا تَكْتُبْ إلاّ الرّحْمَنَ، قَالَ سُهَيْلٌ: إذًا لا أُقَاضِيهِ عَلَى شَىْءٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ”. فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَوْ أَعْلَمُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ مَا خَالَفْتُك، وَاتّبَعْتُك، أَفَتَرْغَبُ عَنْ اسْمِك، وَاسْمِ أَبِيك مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ؟ فَضَجّ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا ضَجّةً هِىَ أَشَدّ مِنْ الأُولَى، حَتّى ارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ وَقَامَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ص يَقُولُونَ: لا نَكْتُب إلاّ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ...

 

والقصة رواها جزئيًّا البخاري من حديث 2732:

 

.... مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ سُهَيْلٌ أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ثُمَّ قَالَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ سُهَيْلٌ وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ....

 

ورواه أحمد بن حنبل بحديث رقم 18928:

 

....فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِى فَرْوَةَ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدّثَنِى مَنْ نَظَرَ إلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَخَذَا بِيَدِ الْكَاتِبِ فَأَمْسَكَاهَا، وَقَالا: لا تَكْتُبْ إلاّ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ، وَإِلاّ فَالسّيْفُ بَيْنَنَا عَلامَ نُعْطِى هَذِهِ الدّنِيّةَ فِى دِينِنَا؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَخْفِضُهُمْ وَيُومِئُ بِيَدِهِ إلَيْهِمْ اُسْكُتُوا وَجَعَلَ حُوَيْطِبُ يَتَعَجّبُ مِمّا يَصْنَعُونَ وَيُقْبِلُ عَلَى مِكْرَزِ بْنِ حَفْصٍ وَيَقُولُ: مَا رَأَيْت قَوْمًا أَحْوَطَ لِدِينِهِمْ مِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ”، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِى سُهَيْلٍ حِينَ أَبَى أَنْ يُقِرّ بِالرّحْمَنِ: {قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرّحْمَنَ أَيّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} الإسراء: 110 فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَاكْتُبْ”....

 

يعكس هذا مناخ الشمولية الفكرية والهوس الدينيّ فهم يطلبون من غير المؤمن الاعتراف به رسولًا، ثم يقول لك المعاصرون منهم اليوم ديننا دين التسامح، وهم أدرى بتناقض أنفسهم وكذبهم على أنفسهم قبل الآخرين.

المسلمون هم من نقضوا صلح الحديبية وخانوا شروطه

 

كان نص الصلح من شروطه البند التالي:

 

حسب رواية ابن هشام عن ابن إسحاق في السيرة:

 

هذا ما صالح عليه محمدُ بنُ عبد الله سُهيلَ بنَ عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشرَ سنين يأمنُ فيهنَّ الناسُ ويكفُّ بعضُهم عن بعض، على أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه، وإن بيننا عَيْبَةً مكْفُوفة (1)، وأنه لا إِسْلالَ ولا إغْلالَ (2)

 

(1) عيبة مكفوفة: أي صدور منطوية على ما فيها. لا تَبدي عداوة.

(2) الإسلال: السرقة خفية. الإغلال: الخيانة.

 

والنص في البخاري:

 

4180-4181 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامَّعَضُوا فَتَكَلَّمُوا فِيهِ فَلَمَّا أَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ كَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ

 

2711 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ، وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُخْبِرَانِ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ [ص:189] بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَكَرِهَ المُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ، «فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ المُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا»، وَجَاءَتِ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ، لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ: {إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: 10] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]،

 

ويوجد حديث فيه رواية أخرى تدل على تلاعب وعدم أمانة، من حديث 2732:

 

....فَكَتَبَ فَقَالَ سُهَيْلٌ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلٌ هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ قَالَ فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجِزْهُ لِي قَالَ مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ بَلَى فَافْعَلْ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ....

 

ومثل هذا الحديث نجده في مسند أحمد بن حنبل رقم 18928

 

هنا النص اختلف فبدلًا من لفظ أحد، أو لفظ من أت محمدًا، بلفظ (رجل) وهو متعمد لإيجاد ثغرة واهنة تبرر نقضهم للعهد، ومثل هذا التلاعب سنرى ورأينا منه الكثير في سردهم لتاريخ دينهم وحروبهم، وباعتبار المنتصر في زمنهم المظلم كان يبيد خصومه ويكتب التاريخ على هواه ويفي مثالبه وفضائحه، فأوجدوا حديثًا واحدًا من بعضهم محاولًا تبرير الغدر والإسلال، وسوء النوايا، لماذا لم يحتفظوا إلى اليوم بنص تلك المعاهدة، طبعًا لأن هذا من شأنه أن يفضحهم!

 

ونص الصلح في الواقدي:

 

...فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَاكْتُبْ”، فَكَتَبَ بِاسْمِك اللّهُمّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، اصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النّاسُ وَيَكْفِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى أَنّهُ لا إسْلالَ، وَلا إغْلالَ، وَأَنّ بَيْننَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِى عَهْدِ مُحَمّدٍ وَعَقْدِهِ فَعَلَ، وَأَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِى عَهْدِ قُرَيْشٍ وَعَقْدِهَا فَعَلَ، وَأَنّهُ مَنْ أَتَى مُحَمّدًا مِنْهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ رَدّهُ إلَيْهِ، وَأَنّهُ مَنْ أَتَى قُرَيْشًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ لَمْ تَرُدّهُ...

 

والآن لنر الغدر ونقض العهد الإسلامي المحمدي:

 

يقول الواقدي:

 

وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمَدِينَةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَتَاهُ أَبُو بِصَيْرٍ - وَهُوَ عُتْبَةُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ حَلِيفُ بَنِى زُهْرَةَ - مُسْلِمًا، قَدْ انْفَلَتَ مِنْ قَوْمِهِ فَسَارَ عَلَى قَدَمَيْهِ سَعْيًا، فَكَتَبَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وَأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ الزّهْرِىّ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص كِتَابًا، وَبَعَثَا رَجُلاً مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىّ، اسْتَأْجَرَاهُ بِبَكْرٍ ابْنِ لَبُونٍ - وَهُوَ خُنَيْسُ بْنُ جَابِرٍ - وَخَرَجَ مَعَ الْعَامِرِىّ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ: كَوْثَرُ وَحَمَلا خُنَيْسُ بْنُ جَابِرٍ عَلَى بَعِيرٍ وَكَتَبَا يَذْكُرَانِ الصّلْحَ بَيْنَهُمْ وَأَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ أَبَا بِصَيْرٍ فَلَمّا قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص قَدِمَا بَعْدَ أَبِى بِصَيْرٍ بِثَلاثَةِ أَيّامٍ فَقَالَ خُنَيْسٌ: يَا مُحَمّدُ هَذَا كِتَابٌ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص أُبَىّ بْنَ كَعْبٍ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَإِذَا فِيهِ قَدْ عَرَفْت مَا شَارَطْنَاكَ عَلَيْهِ وَأَشْهَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَك، مِنْ رَدّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْك مِنْ أَصْحَابِنَا، فَابْعَثْ إلَيْنَا بِصَاحِبِنَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص أَبَا بِصَيْرٍ أَنْ يَرْجِعَ مَعَهُمْ وَدَفَعَهُ إلَيْهِمَا، فَقَالَ أَبُو بِصَيْرٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ تَرُدّنِى إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِى فِى دِينِى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “يَا أَبَا بِصَيْرٍ إنّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْت، وَلا يَصْلُحُ لَنَا فِى دِينِنَا الْغَدْرُ، وَإِنّ اللّهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا”.

قَالَ أَبُو بِصَيْرٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ تَرُدّنِى إلَى الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “انْطَلِقْ يَا أَبَا بِصَيْرٍ، فَإِنّ اللّهَ سَيَجْعَلُ لَك مَخْرَجًا”، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الْعَامِرِىّ وَصَاحِبِهِ فَخَرَجَ مَعَهُمَا؛ وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يُسِرّونَ إلَى أَبِى بِصَيْرٍ، يَا أَبَا بِصَيْرٍ أَبْشِرْ فَإِنّ اللّهَ جَاعِلٌ لَك مَخْرَجًا، وَالرّجُلُ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ فَافْعَلْ وَافْعَلْ يَأْمُرُونَهُ بِاَلّذِينَ مَعَهُ، فَخَرَجُوا حَتّى كَانُوا بِذِى الْحُلَيْفَةِ - انْتَهَوْا إلَيْهَا عِنْدَ صَلاةِ الظّهْرِ - فَدَخَلَ أَبُو بِصَيْرٍ مَسْجِدَ ذِى الْحُلَيْفَةِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ صَلاةَ الْمُسَافِرِ وَمَعَهُ زَادٌ لَهُ يَحْمِلُهُ مِنْ تَمْرٍ، فَمَالَ إلَى أَصْلِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ، فَوَضَعَ زَادَهُ فَجَعَلَ يَتَغَدّى، وَقَالَ لِصَاحِبَيْهِ: اُدْنُوَا فَكُلا، فَقَالا: لا حَاجَةَ لَنَا فِى طَعَامِك، فَقَالَ: وَلَكِنْ لَوْ دَعَوْتُمُونِى إلَى طَعَامِكُمْ لأَجَبْتُكُمْ وَأَكَلْت مَعَكُمْ. فَاسْتَحْيِيَا فَدَنَوْا وَوَضَعَا أَيْدِيَهُمَا فِى التّمْرِ مَعَهُ وَقَدّمَا سُفْرَةً لَهُمَا فِيهَا كِسْرٌ فَأَكَلُوا جَمِيعًا، وَآنَسَهُمْ وَعَلّقَ الْعَامِرِىّ بِسَيْفِهِ عَلَى حَجَرٍ فِى الْجِدَارِ، فَقَالَ أَبُو بِصَيْرٍ لِلْعَامِرِىّ: يَا أَخَا بَنِى عَامِرٍ مَا اسْمُك؟ فَقَالَ خُنَيْسٌ: قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ جَابِرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَابِرٍ، أَصَارِمٌ سَيْفَك هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: نَاوِلْنِيهِ أَنْظُرْ إلَيْهِ إنْ شِئْت، فَنَاوَلَهُ الْعَامِرِىّ وَكَانَ أَقْرَبَ إلَى السّيْفِ مِنْ أَبِى بِصَيْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو بِصَيْرٍ بِقَائِمِ السّيْفِ وَالْعَامِرِىّ مُمْسِكٌ بِالْجَفْنِ فَعَلاهُ بِهِ حَتّى بَرَدَ، وَخَرَجَ كَوْثَرُ هَارِبًا يَعْدُو نَحْوَ الْمَدِينَةِ، وَخَرَجَ أَبُو بِصَيْرٍ فِى أَثْرِهِ، فَأَعْجَزَهُ حَتّى سَبَقَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص يَقُولُ أَبُو بِصَيْرٍ: وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكْته لأَسْلَكْته طَرِيقَ صَاحِبِهِ فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ص جَالِسٌ فِى أَصْحَابِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ إذْ طَلَعَ الْمَوْلَى يَعْدُو، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ ص قَالَ: “هَذَا رَجُلٌ قَدْ رَأَى ذُعْرًا”، فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “وَيْحَك، مَا لَك”؟ قَالَ: قَتَلَ صَاحِبُكُمْ صَاحِبِى، وَأَفْلَتْ مِنْهُ وَلَمْ أَكَدْ وَكَانَ الّذِى حَبَسَ أَبَا بِصَيْرٍ احْتِمَالُ سَلَبِهِمَا عَلَى بَعِيرِهِمَا، فَلَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ قَائِمًا حَتّى طَلَعَ أَبُو بِصَيْرٍ، فَأَنَاخَ الْبَعِيرَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ مُتَوَشّحًا بِالسّيْفِ - سَيْفِ الْعَامِرِىّ - فَوَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ: وَفَتْ ذِمّتُك وَأَدّى اللّهُ عَنْك، وَقَدْ أَسَلّمْتنِى بِيَدِ الْعَدُوّ، وَقَدْ امْتَنَعْت بِدِينِى مِنْ أَنْ أُفْتَنَ وَتَبَغّيْتَ بِى أَنْ أَكْذِبَ بِالْحَقّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ”.

وَجَاءَ أَبُو بِصَيْرٍ بِسَلَبِ الْعَامِرِىّ خُنَيْسِ بْنِ جَابِرٍ وَرَحْلِهِ وَسَيْفِهِ، فَقَالَ: خَمّسْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّى إذَا خَمّسْته رَأَوْنِى لَمْ أُوَفّ لَهُمْ بِاَلّذِى عَاهَدْتهمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ شَأْنُك بِسَلَبِ صَاحِبِك”، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لِكَوْثَرَ: “تَرْجِعُ بِهِ إلَى أَصْحَابِك”، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ قَدْ أَهَمّنِى نَفْسِى، مَا لِى بِهِ قُوّةٌ وَلا يَدَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لأَبِى بِصَيْرٍ: “اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت”، فَخَرَجَ أَبُو بِصَيْرٍ حَتّى أَتَى الْعِيصَ، فَنَزَلَ مِنْهُ نَاحِيَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ عَلَى طَرِيقِ عِيرِ قُرَيْشٍ إلَى الشّامِ، قَالَ أَبُو بِصَيْرٍ: فَخَرَجْت وَمَا مَعِى مِنْ الزّادِ إلاّ كَفّ مِنْ تَمْرٍ فَأَكَلْتهَا ثَلاثَةَ أَيّامٍ وَكُنْت آتِى السّاحِلَ فَأُصِيبُ حِيتَانًا قَدْ أَلْقَاهَا الْبَحْرُ فَآكُلُهَا، وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الّذِينَ قَدْ حُبِسُوا بِمَكّةَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَلْحَقُوا بِرَسُولِ اللّهِ ص قَوْلُ النّبِىّ ص لأَبِى بِصَيْرٍ: “وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ”، فَجَعَلُوا يَتَسَلّلُونَ إلَى أَبِى بِصَيْرٍ.

وَكَانَ الّذِى كَتَبَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الْمُسْلِمِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابُ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ بِالسّاحِلِ عَلَى طَرِيقِ عِيرِ قُرَيْشٍ، فَلَمّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ كِتَابُ عُمَرَ جَعَلُوا يُتَسَلّلُونَ رَجُلاً رَجُلاً حَتّى انْتَهَوْا إلَى أَبِى بِصَيْرٍ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلاً، فَكَانُوا قَدْ ضَيّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ، لا يَظْفَرُونَ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ إلاّ قَتَلُوهُ وَلا تَمُرّ عِيرٌ إلاّ اقْتَطَعُوهَا، حَتّى أَحْرَقُوا قُرَيْشًا، لَقَدْ مَرّ رَكْبٌ يُرِيدُونَ الشّامَ مَعَهُمْ ثَلاثُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ هَذَا آخِرُ مَا اقْتَطَعُوا، لَقَدْ أَصَابَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا قِيمَتُهُ ثَلاثُونَ دِينَارًا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْعَثُوا بِالْخُمُسِ إلَى رَسُولِ اللّهِ. فَقَالَ أَبُو بِصَيْرٍ: لا يَقْبَلُهُ رَسُولُ اللّهِ قَدْ جِئْت بِسَلَبِ الْعَامِرِىّ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ وَقَالَ: إنّى إذَا فَعَلْت هَذَا لَمْ أَفِ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ.

وَكَانُوا قَدْ أَمّرُوا عَلَيْهِمْ أَبَا بِصَيْرٍ فَكَانَ يُصَلّى بِهِمْ وَيُفَرّضُهُمْ وَيُجَمّعُهُمْ وَهُمْ سَامِعُونَ لَهُ مُطِيعُونَ. فَلَمّا بَلَغَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَتْلُ أَبِى بِصَيْرٍ لِلْعَامِرِىّ اشْتَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَاَللّهِ مَا صَالَحْنَا مُحَمّدًا عَلَى هَذَا، قَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ بَرِئَ مُحَمّدٌ مِنْهُ قَدْ أَمْكَنَ صَاحِبُكُمْ فَقَتَلَهُ بِالطّرِيقِ فَمَا عَلَى مُحَمّدٍ فِى هَذَا؟ فَقَالَ سُهَيْلٌ: قَدْ وَاَللّهِ عَرَفْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ أَوْفَى، وَمَا أُوتِينَا إلاّ مِنْ قِبَلِ الرّسُولَيْنِ، قَالَ: فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: وَاَللّهِ لا أُؤَخّرُ ظَهْرِى حَتّى يُودَى هَذَا الرّجُلُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إنّ هَذَا لَهُوَ السّفَهُ وَاَللّهِ لا يُودَى ثَلاثًا، وَأَنّى قُرَيْشٌ تَدِيهِ وَإِنّمَا بَعَثَتْهُ بَنُو زُهْرَةَ؟ فَقَالَ سُهَيْلٌ: قَدْ وَاَللّهِ صَدَقْت، مَا دِيَتُهُ إلاّ عَلَى بَنِى زُهْرَةَ وَهُمْ بَعَثُوهُ وَلا يُخْرِجُ دِيَتَهُ غَيْرُهُمْ قَصْرَةً لأَنّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ فَهُمْ أَوْلَى مِنْ عَقْلِهِ. فَقَالَ الأَخْنَسُ: وَاَللّهِ لا نَدِيهِ مَا قَتَلْنَا وَلا أَمَرْنَا بِقَتْلِهِ قَتَلَهُ رَجُلٌ مُخَالِفٌ لِدِينِنَا مُتّبِعٌ لِمُحَمّدٍ فَأَرْسَلُوا إلَى مُحَمّدٍ يَدِيهِ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لا، مَا عَلَى مُحَمّدٍ دِيَةٌ وَلا غُرْمٌ قَدْ بَرِئَ مُحَمّدٌ مَا كَانَ عَلَى مُحَمّدٍ أَكْثَرُ مِمّا صَنَعَ لَقَدْ أَمْكَنَ الرّسُولَيْنِ مِنْهُ، فَقَالَ الأَخْنَسُ: إنْ وَدَتْهُ قُرَيْشٌ كُلّهَا كَانَتْ زُهْرَةُ بَطْنًا مِنْ قُرَيْشٍ تَدِيهِ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَدِهِ قُرَيْشٌ فَلا نَدِيهِ أَبَدًا، فَلَمْ تَخْرُجْ لَهُ دِيَةٌ حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص عَام الْفَتْحِ....إلخ

 

فَلَمّا بَلَغَ أَبُو بِصَيْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَا بَلَغَ مِنْ الْغَيْظِ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ رَجُلاً، وَكَتَبَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص كِتَابًا يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَلاّ تُدْخِلَ أَبَا بِصَيْرٍ وَأَصْحَابَهُ فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهِمْ؟ وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى أَبِى بِصَيْرٍ أَنْ يَقْدَمَ بِأَصْحَابِهِ مَعَهُ فَجَاءَهُ الْكِتَابُ وَهُوَ يَمُوتُ فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَهُوَ يَمُوتُ فَمَاتَ وَهُوَ فِى يَدَيْهِ فَقَبَرَهُ أَصْحَابُهُ هُنَاكَ وَصَلّوْا عَلَيْهِ وَبَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَأَقْبَلَ أَصْحَابُهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً، فِيهِمْ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ.

 

وجاء في البخاري من حديث 2732:

 

......... ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ قَالَ وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ لَمَّا أَرْسَلَ فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ........

 

ما نفهمه من هذه القصة وهي موجودة عند ابن هشام كذلك بلا اختلاف ولو أنها مختصرة قليلًا، أن الرجل أبا بصير ظل مع محمد ثلاثة أيام ولم ينفذ شروط المعاهدة، لكونها غير عادلة وتمس أتباعه باضطهاد، لكن لا ننسى أن الاتفاقية تظل واجبة الوفاء بها، ومحمد شرع في نقضها، ثم لما طالبه الوثنيون بها شرع أصحابه_والمسلمون الأصوليون طالما كانوا أهل غدر وشرّ_ يحرِّضون صاحبهم أبا بصير على الغدر ونقض المعاهدة، ثم لما هرب أبو بصير بعد قتله واحدًا من ممسكيه، لم يلتزم محمد بتقييده وتسليمه للآخر، ترى هل لا زلنا نعتقد أن الوثنيين هم من نقضوا صلح الحديبية، ألا تكون هذه سخافة؟! بل الحق أن من نقضها هم المسلمون وأكثر من مرة بطرق استفزازية وكان هدنة لهم فقط للتقوي ونشر الوهم الديني الأحدث بأرض شبه جزيرة العرب. ثم نرى أن محمدًا قال تحريضه بالتلميح وعمر بن الخطاب بلّغه لمسلمي مكة برسالة واضحة تحريضية لهم ليتجمعوا مع أبي بصير لقطع طرق تجارة قريش، تُرى أهذه طريقة المسلمين ومحمد في فهم نص (لا إسلال ولا إغلال) والعمل بها، وهل أنا مخطئ حينما أقول أن محمد وصحبه والمسلمين من أكبر ناقضي العهود وأهل العدوان والتعصب على مر التاريخ، وهي التهمة التي يرمون اليهود بها، وهي صفتهم كذلك مثلما هي صفة لعدوهم اليهوديّ؟!

 

هناك نماذج كثيرة للغدر سنتعرض لها هاهنا من مغازي محمد وصحبه، منها غزوة بني جذام وستأتي، ويبدو أن هذا ديدن المسلمين دومًا، ويقول الطبري في تاريخ الرسل والملوك بأحداث سنة ثلاثين هجرية في موضوع ذكر الخبر عن غزو سَعِيد بن الْعَاصِ طبرستان (من بلاد إيران):

 

... وَضَرَبَ يَوْمَئِذٍ سَعِيدٌ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَخَرَجَ السَّيْفُ مِنْ تَحْتِ مِرْفَقِهِ، وَحَاصَرَهُمْ، فَسَأَلُوا الأَمَانَ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى أَلا يَقْتُلَ مِنْهُمْ رَجُلا وَاحِدًا، فَفَتَحُوا الْحِصْنَ، فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا إِلا رَجُلا وَاحِدًا، وَحَوَى مَا كَانَ فِي الْحِصْنِ.

 

وهذه القصة أوردها النويريّ في كتابه نهاية الإرب في فنون الأدب ج6، كمثال على الخداع والخيانة والدهاء:

 

ويقال: إن سعيد بن العاص صالح أهل حصن من حصون فارس على ألا يقتل منهم رجلاً واحداً، فقتلهم كلهم إلا رجلاً واحداً

 

نعم كانت الشروط الوثنية غير عادية، تصادر حق الإنسان في حرية العقيدة والتنقل بحق من يسلم فقط من المكيين، لكن محمدًا قبل شروطهم غير العادلة ليتاح له فترة سلام، لكنه نقض شرطًا منها حينما ترك أبا بصير دون تسليمه ورده، ولتحريضه لمسلمي مكة لإشعال الفتن والنهب وقطع الطريق، ثم عاد فنقض الشرط من المعاهدة مرة أخرى حينما صاغ آية قرآنية تشرع لنقضه بقبول المسلمات إذا هربن وهاجرن إلى يثرب، نعم إن قبولهن حق وعدل بالأصل، لكنه نقض لشروط معاهدته مع المكيين، بالتالي فهو والمسلمون من نقضوا الصلح وليس المكيون الوثنيون!

 

 

 

يقول ابن هشام عن ابن إسحاق في السيرة النبوية:

 

قال ابن إسحاق: وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمُّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيْط في تلك المدة، فخرج أخواها عُمارة والوليد ابنا عقبة، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية، فلم يفعل. أبى الله ذلك.

 

قال ابن إسحاق: فحدثني الزهريُّ، عن عروة ابن الزبير، قال: دخلتّ عليه وهو يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيدة، صاحب الوليد بن عبد الملك، وكتب إليه يسأله عن قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}.

{وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الممتحنة: 10].

قال: فكتب إليه عروةُ بن الزبير: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صَالحَ قريشاً يومَ الحدَيْبية على أن يردَّ عليهم من جاء بغير إذنِ وليه، فلما هاجر النساءُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام، أبي الله أن يرْدَدْنَ إلى المشركين إذا هن امْتحِنَّ بمحنة الإسلام، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبةً في الإِسلام، وأمر برد صدقاتهن إليهم إن احتبسن عنهم، إن هم ردوا على المسلمين صداقَ من حُبِسوا عنهم من نسائهم، ذلك حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم. فأمسك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجالَ، وسأل الذي أمره الله به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منهن، وأن يردوا عليهم مثلَ الذي يردون عليهم، إن هم فعلوا، ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النساءَ كما رد الرجالَ، ولولا الهدنةُ والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء، ولم يرددْ لهنّ صداقا، وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد.

قال ابن إسحاق: وسألت الزهري عن هذه الآية، وقول الله عز وجل فيها:{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا الله الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ}[الممتحنة: 11] فقال: يقول: إن فات أحداً منكم أهله إلى الكفار، ولم تأتكم امرأة تأخذون بها مثل الذي يأخذون منكم، فعوضوهم من فىء إن أصبتموه،

 

ويقول الواقدي:

 

وَقَالُوا: لا نَعْلَمُ قُرَشِيّةً خَرَجَتْ بَيْنَ أَبَوَيْهَا مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً إلَى اللّهِ إلاّ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ، كَانَتْ تُحَدّثُ تَقُولُ كُنْت أَخْرُجُ إلَى بَادِيَةٍ لَنَا بِهَا أَهْلِى فَأُقِيمُ فِيهِمْ الثّلاثَ وَالأَرْبَعَ وَهِىَ مِنْ نَاحِيَةِ التّنْعِيمِ - أَوْ قَالَتْ بِالْحِصْحَاصِ - ثُمّ أَرْجِعُ إلَى أَهْلِى فَلا يُنْكِرُونَ ذَهَابِى، حَتّى أَجْمَعْت السّيْرَ فَخَرَجْت يَوْمًا مِنْ مَكّةَ كَأَنّى أُرِيدُ الْبَادِيَةَ الّتِى كُنْت فِيهَا، فَلَمّا رَجَعَ مَنْ تَبِعَنِى خَرَجْت حَتّى انْتَهَيْت إلَى الطّرِيقِ فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ فَقُلْت: حَاجَتِى؛ فَمَا مَسْأَلَتُك وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، فَلَمّا ذَكَرَ خُزَاعَةَ اطْمَأْنَنْت إلَيْهِ لِدُخُولِ خُزَاعَةَ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ص وَعَقْدِهِ، فَقُلْت: إنّى امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أُرِيدُ اللّحُوقَ بِرَسُولِ اللّهِ وَلا عِلْمَ لِى بِالطّرِيقِ، فَقَالَ: أَهْلُ اللّيْلِ وَالنّهَارِ أَنَا صَاحِبُك حَتّى أُورِدَك الْمَدِينَةَ، ثُمّ جَاءَنِى بِبَعِيرٍ فَرَكِبْته، فَكَانَ يَقُودُ بِى الْبَعِيرَ لا وَاَللّهِ مَا يُكَلّمُنِى كَلِمَةً حَتّى إذَا أَنَاخَ الْبَعِيرَ تَنَحّى عَنّى، فَإِذَا نَزَلْت جَاءَ إلَى الْبَعِيرِ فَقَيّدَهُ فِى الشّجِرَةِ وَتَنَحّى عَنّى فِى الشّجَرَةِ، حَتّى إذَا كَانَ الرّوَاحُ جَذَعَ الْبَعِيرُ فَقَرّبَهُ وَوَلّى عَنّى، فَإِذَا رَكِبْته أَخَذَ بِرَأْسِهِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ وَرَاءَهُ، حَتّى نَنْزِلُ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَجَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا مِنْ صَاحِبٍ فَكَانَتْ تَقُولُ: نِعْمَ الْحَىّ خُزَاعَةُ، قَالَتْ: فَدَخَلْت عَلَى أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِىّ ص، وَأَنَا مُنْتَقِبَةٌ فَمَا عَرَفْتنِى حَتّى انْتَسَبْت، وَكَشَفْت النّقَابَ فَالْتَزَمَتْنِى وَقَالَتْ هَاجَرْت إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَرُدّنِى رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الْمُشْرِكِينَ كَمَا رَدّ غَيْرِى مِنْ الرّجَالِ أَبَا جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ، وَأَبَا بِصَيْرٍ وَحَالُ الرّجَالِ يَا أُمّ سَلَمَةَ، لَيْسَ كَحَالِ النّسَاءِ، وَالْقَوْمُ مُصَبّحِى، قَدْ طَالَتْ غِيبَتِى عَنْهُمْ الْيَوْمَ ثَمَانِيّةَ أَيّامٍ مُنْذُ فَارَقْتهمْ فَهُمْ يَبْحَثُونَ قَدْرَ مَا كُنْت أَغِيبُ ثُمّ يَطْلُبُونَنِى، فَإِنْ لَمْ يَجِدُونِى رَحَلُوا إلَىّ فَسَارُوا ثَلاثًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى أُمّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أُمّ سَلَمَةَ خَبَرَ أُمّ كُلْثُومٍ، فَرَحّبَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ص وَقَالَتْ أُمّ كُلْثُومٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى فَرَرْت بِدِينِى إلَيْك، فَامْنَعْنِى وَلا تَرُدّنِى إلَيْهِمْ يَفْتِنُونِى وَيُعَذّبُونِى، فَلا صَبْرَ لِى عَلَى الْعَذَابِ إنّمَا أَنَا امْرَأَةٌ وَضَعْفُ النّسَاءِ إلَى مَا تَعْرِفُ، وَقَدْ رَأَيْتُك رَدَدْت رَجُلَيْنِ إلَى الْمُشْرِكِينَ، حَتّى امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا، وَأَنَا امْرَأَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّ اللّهَ نَقَضَ الْعَهْدَ فِى النّسَاءِ”، وَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِنّ “الْمُمْتَحِنَةَ”.

وَحَكَمَ فِى ذَلِكَ بِحُكْمٍ رَضَوْهُ كُلّهُمْ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص يَرُدّ مَنْ جَاءَ مِنْ الرّجَالِ وَلا يَرُدّ مَنْ جَاءَهُ مِنْ النّسَاءِ. وَقَدِمَ أَخَوَاهَا مِنْ الْغَدِ الْوَلِيدُ وَعُمَارَةُ ابْنَا عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ، فَقَالا: يَا مُحَمّدُ فِلَنَا بِشُرُوطِنَا وَمَا عَاهَدْتنَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: “قَدْ نَقَضَ اللّهُ فَانْصَرَفَا”.

فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: دَخَلْت عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَهُوَ يَكْتُبُ إلَى هُنَيْدٍ صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ كَتَبَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ} فَكَتَبَ إلَيْهِ إنّ رَسُولَ اللّهِ ص صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ، فَكَانَ يَرُدّ الرّجَالَ، فَلَمّا هَاجَرَ النّسَاءُ أَبَى اللّهُ ذَلِكَ أَنْ يَرُدّهُنّ إذَا اُمْتُحِنّ بِمِحْنَةِ الإِسْلامِ فَزَعَمَتْ أَنّهَا جَاءَتْ رَاغِبَةً فِيهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرُدّ صَدُقَاتِهِنّ إلَيْهِمْ إنْ احْتَبَسْنَ عَنْهُمْ، وَأَنْ يَرُدّوا عَلَيْهِمْ مِثْلَ الّذِى يَرُدّونَ عَلَيْهِمْ إنْ فَعَلُوا، فَقَالَ: {وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا} وَصَبّحَهَا أَخَوَاهَا مِنْ الْغَدِ فَطَلَبَاهَا، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ يَرُدّهَا إلَيْهِمْ فَرَجَعَا إلَى مَكّةَ، فَأَخْبَرَا قُرَيْشًا.

فَلَمْ يَبْعَثُوا فِى ذَلِكَ أَحَدًا، وَرَضُوا بِأَنْ تُحْبَسَ النّسَاءُ مَا أَنْفَقُوا {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ، فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} قَالَ: فَإِنْ فَاتَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَهْلَهُ إلَى الْكُفّارِ فَإِنْ أَتَتْكُمْ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ فَأَصَبْتُمْ فَعَوّضُوهُمْ مِمّا أَصَبْتُمْ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ الّتِى أَتَتْكُمْ، فَأَمّا الْمُؤْمِنُونَ فَأَقَرّوا بِحُكْمِ اللّهِ، وَأَبَى الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُقِرّوا بِذَلِكَ، وَأَنّ مَا ذَابَ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ صَدَاقِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِ الْمُشْرِكِينَ. {فَآتَوْا الّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ فِى أَيْدِيكُمْ. وَلَسْنَا نَعْلَمُ امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاتَتْ زَوْجَهَا بِاللّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إيمَانِهَا، وَلَكِنّهُ حُكْمٌ حَكَمَ اللّهُ بِهِ لأَمْرٍ كَانَ وَاَللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} يَعْنِى مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَطَلّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِى أُمَيّةَ، فَتَزَوّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، وَطَلّقَ عُمَرُ أَيْضًا بِنْتَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيّةَ، فَتَزَوّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، وَطَلّقَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ الْفِهْرِىّ أُمّ الْحَكَمِ بِنْتَ أَبِى سُفْيَانَ يَوْمئِذٍ، فَتَزَوّجَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ الثّقَفِىّ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أُمّ الْحَكَمِ.

 

وروى البخاري:

 

2712 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ {إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}

 

ويقول محمد متحدثًا كالعادة عن نفسه ورغباته على لسان إلهه الذي هو تجسيد لرغباته، وتضخيم لأناه كما يقول الباحث علي سينا الإيراني الكندي، فيقول محمد بوقاحة يحسد عليها من أعتى الوقحين: إن الله نقض العهد في النساء، وبمعنى آخر هو يقول بطريقة طفولية أنا قررت أن أغدر وأنقض العهد! ثم يحدثنا قرآنهم عن قيمة الوفاء بالعهود! أليس هذا ظريفًا! إله كامل مزعوم ينقض العهود، أي عجز وأي مهزلة كانت تلك وكيف جازت على عقول لا تفكر؟!

 

ويقول ابن كثير في تفسير القرآن:

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)} الممتحنة: 10-11

 

تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ في ذِكْرُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قريش فكان فيه: على أَنْ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَهَذَا قَوْلُ عُرْوَةَ وَالضَّحَّاكِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمُقَاتِلٍ بن حيان وَالسُّدِّيِّ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُخَصَّصَةً لِلسُّنَّةِ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ وَعَلَى طَرِيقَةِ بَعْضِ السَّلَفِ نَاسِخَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا جَاءَهُمُ النِّسَاءُ مُهَاجِرَاتٍ أَنْ يَمْتَحِنُوهُنَّ، فَإِنْ عَلِمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا يَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ.

 

..... وقوله تعالى: {ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} أَيْ فِي الصُّلْحِ وَاسْتِثْنَاءِ النِّسَاءِ مِنْهُ وَالْأَمْرُ بِهَذَا كُلِّهِ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بِهِ بَيْنَ خَلْقِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَيْ عَلِيمٌ بِمَا يُصْلِحُ عباده حكيم في ذلك

 

أي ناسخة وأي هراء هذا؟! هذه معاهدة وليست حكمًا دينيًّا يقتصر على المسلمين ومن شاؤوا اتباع تهوسات محمد الدينية، وهل كان الوثنيون معتقدين بدين محمد حتى يفرض عليهم نقض العهد معهم على أساس مزاعمه الخرافية المضحكة!

 

فأين ما نص عليه كتاب المعاهدة من أنه لا  إسلال ولا إغلال، الإسلال: السرقة الخفية، والإغلال: الخيانة.

 

لن يكون أمرًا كبيرًا بعد ذلك ضمن نقض العهد حينما سيأخذ أقارب محمد طفلة قريبة لهم من مكة حينما يقوم بعمرة القضية التي عاهد قريش على أن يقوم بها في العام التالي، نعم نتعاطف مع كل هذا، لكن نقض العهد يظل هو نقض العهد!

 

روى البخاري:

 

 

 2699 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا لَا نُقِرُّ بِهَا فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ لَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ امْحُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلَاحٌ إِلَّا فِي الْقِرَابِ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهُ وَأَنْ لَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ ابْنَةُ أَخِي فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا وَقَالَ الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَقَالَ لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ وَقَالَ لِجَعْفَرٍ أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي وَقَالَ لِزَيْدٍ أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا

 

ورواه أحمد بن حنبل:

770 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ وهبيرة بن يريم عن على رضي الله عنه قال: لما خرجنا من مكة اتبعتنا ابنة حمزة تنادى يا عم ويا عم قال فتناولتها بيدها فدفعتها إلى فاطمة رضي الله عنها فقلت دونك ابنة عمك قال فلما قدمنا المدينة اختصمنا فيها أنا وجعفر وزيد بن حارثة فقال جعفر ابنة عمى وخالتها عندي يعنى أسماء بنت عميس وقال زيد ابنة أخي وقلت أنا أخذتها وهى ابنة عمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي وأما أنت يا علي فمنى وأنا منك وأما أنت يا زيد فأخونا ومولانا والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة قلت يا رسول الله ألا تزوجها قال إنها ابنة أخي من الرضاعة

 

إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هانئ بن هانئ وهبيرة بن يَريم فقد روى لهما أصحاب السنن، وحديثهما حسن لمتابعة أحدهما للآخر.

 

931 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، وَهُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ تَبِعَتْهُمْ تُنَادِي: يَا عَمُّ، يَا عَمُّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ فَحَوِّلِيهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي . وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي . فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: " الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ " ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: " أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ " وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: " أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي " وَقَالَ لِزَيْدٍ: " أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا " فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا تَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ ؟ فَقَالَ: " إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ "

 

إسناده حسن. حجاج: هو ابن محمد المصيصي الأعور.

 

وأخرجه أبو يعلي (526) و (554) وأخرجه الحاكم 3/120، بطوله. وصحح إسناده ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن سعد 4/36، وابن أبي شيبة 12/105، والبزار (744)، وابن حبان (7046) وأخرجه أبو داود (2280) وأخرجه أبو يعلي (405)، والبيهقي 6/8، أما أبو يعلى فأورده مختصراً بلفظ: "الخالة بمنزلة الأم". وفي مسند أحمد برقم (857) و (931) و(2040) . وأخرجه بنحوه الحاكم 3/211 وصححه على شرط مسلم، وعنه البيهقي 6/8 وفي الباب عن البراء بن عازب عند ابن أبي شيبة 12/105، والبخاري (2699)، والترمذي (3765)

 

وروى الواقدي في سرده لعمرة القضية:

 

 

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: إنّ عُمَارَةَ بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَأُمّهَا سَلْمَى بِنْتَ عُمَيْسٍ كَانَتْ بِمَكّةَ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص كَلّمَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ النّبِىّ ص فَقَالَ: عَلامَ نَتْرُكُ بِنْتَ عَمّنَا يَتِيمَةً بَيْنَ ظَهْرَىْ الْمُشْرِكِينَ؟ فَلَمْ يَنْهَهُ النّبِىّ ص عَنْ إخْرَاجِهَا، فَخَرَجَ بِهَا؛ فَتَكَلّمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَكَانَ وَصِىّ حَمْزَةَ وَكَانَ النّبِىّ ص آخَى بَيْنَهُمَا حِينَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ: أَنَا أَحَقّ بِهَا، ابْنَةُ أَخِى فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ جَعْفَرٌ، قَالَ: الْخَالَةُ وَالِدَةٌ وَأَنَا أَحَقّ بِهَا لِمَكَانِ خَالَتِهَا عِنْدِى، أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. فَقَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: أَلا أَرَاكُمْ فِى ابْنَةِ عَمّى، وَأَنَا أَخَرَجْتهَا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَيْهَا نَسَبٌ دُونِى، وَأَنَا أَحَقّ بِهَا مِنْكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَنَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ أَمّا أَنْتَ يَا زَيْدُ فَمَوْلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ وَأَمّا أَنْتَ يَا عَلِىّ فَأَخِى وَصَاحِبِى، وَأَمّا أَنْتَ يَا جَعْفَرُ فَتُشْبِهُ خَلْقِى وَخُلُقِى، وَأَنْتَ يَا جَعْفَرُ أَحَقّ بِهَا تَحْتَك خَالَتُهَا، وَلا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلا عَلَى عَمّتِهَا، فَقَضَى بِهَا لِجَعْفَرٍ”. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: فَلَمّا قَضَى بِهَا لِجَعْفَرٍ قَامَ جَعْفَرٌ فَحَجَلَ حَوْلَ رَسُولِ اللّهِ ص، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَا هَذَا يَا جَعْفَرُ”؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَ النّجَاشِىّ إذَا أَرْضَى أَحَدًا قَامَ فَحَجَلَ حَوْلَهُ، فَقِيلَ لِلنّبِىّ ص: تَزَوّجْهَا، فَقَالَ: “ابْنَةُ أَخِى مِنْ الرّضَاعَةِ”، فَزَوّجَهَا رَسُولُ اللّهِ ص سَلَمَةَ بْنَ أَبِى سَلَمَةَ، فَكَانَ النّبِىّ ص يَقُولُ هَلْ جَزَيْت سَلَمَةَ؟.

 

أما النقض الأكبر الذي قام به المسلمون وحلفاؤهم خزاعة للعهد مع المكيين، ثم زعموا أنه إنما قام به المكيون وبنو بكر حلفاء قريش، فسنتناوله عند الحديث عن فتح أو اجتياح مكة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مطاردة اللصوص إلى ذي قرد أو الغابة

 

قال البخاري أنها بعد الحديبية وقبل خيبر بثلاث ليالٍ ووافقه ابن القيم في زاد المعاد، ويشهد له حديث مسند أحمد: 16539 - حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْنَا أَنَا وَرَبَاحٌ غُلَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجْتُ بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أُبْدِيَهُ مَعَ الْإِبِلِ، فَلَمَّا كَانَ بِغَلَسٍ غَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَتَلَ رَاعِيَهَا وَخَرَجَ يَطْرُدُهَا هُوَ وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ...إلخ الحديث. ورواه بنحوه مسلم 1807 وابن أبي شيبة 14/533-538،، وأبو داود (2752) مختصراً، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1867) مختصراً كذلك، وابن حبان (7173)، والبيهقي في "الدلائل" 4/182-186

 

يقول الواقدي:

 

حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، وَعَلِىّ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ، فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ، قَالُوا: كَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللّهِ ص عِشْرِينَ لِقْحَةً، وَكَانَتْ مِنْ شَتّى، مِنْهَا مَا أَصَابَ فِى ذَاتِ الرّقَاعِ، وَمِنْهَا مَا قَدِمَ بِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ نَجْدٍ، وَكَانَتْ تَرْعَى الْبَيْضَاءَ وَدُونَ الْبَيْضَاءِ، فَأَجْدَبَ مَا هُنَاكَ فَقَرّبُوهَا إلَى الْغَابَةِ، تُصِيبُ مِنْ أَثْلِهَا وَطَرْفَائِهَا وَتَغْدُو فِى الشّجَرِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: الْغَادِيَةُ تَغْدُو فِى الْعِضَاهِ أُمّ غَيْلانَ وَغَيْرِهَا، وَالْوَاضِعَةُ الإِبِلُ تَرْعَى الْحَمْضَ؛ وَالأَوَارِكُ الّتِى تَرْعَى الأَرَاكَ، فَكَانَ الرّاعِى يَئُوبُ بِلَبَنِهَا كُلّ لَيْلَةٍ عِنْدَ الْمَغْرِبِ.

وَكَانَ أَبُو ذَرّ قَدْ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ ص إلَى لِقَاحِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّى أَخَافُ عَلَيْك مِنْ هَذِهِ الضّاحِيَةِ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْك، وَنَحْنُ لا نَأْمَنُ مِنْ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَذَوِيهِ هِىَ فِى طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِهِمْ”، فَأَلَحّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِى، فَلَمّا أَلَحّ عَلَيْهِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لَكَأَنّى بِك، قَدْ قُتِلَ ابْنُك، وَأُخِذَتْ امْرَأَتُك، وَجِئْت تَتَوَكّأُ عَلَى عَصَاك”. فَكَانَ أَبُو ذَرّ يَقُولُ: عَجَبًا لِى إنّ رَسُولَ اللّهِ ص يَقُولُ: “لَكَأَنّى بِك”، وَأَنَا أُلِحّ عَلَيْهِ، فَكَانَ وَاَللّهِ عَلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص.

وَكَانَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ: لَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ السّرْحِ جَعَلَتْ فَرَسِى سَبْحَةً لا تَقِرّ ضَرْبًا بِأَيْدِيهَا وَصَهِيلاً، فَيَقُولُ أَبُو مَعْبَدٍ: وَاَللّهِ إنّ لَهَا شَأْنًا فَنَنْظُرُ آرِيّهَا فَإِذَا هُوَ مَمْلُوءٌ عَلَفًا، فَيَقُولُ: عَطْشَى فَيَعْرِضُ الْمَاءَ عَلَيْهَا فَلا تُرِيدُهُ فَلَمّا طَلَعَ الْفَجْرُ أَسْرَجَهَا وَلَبِسَ سِلاحَهُ.

وَخَرَجَ حَتّى صَلّى الصّبْحَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ص، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، وَدَخَلَ النّبِىّ ص بَيْتَهُ وَرَجَعَ الْمِقْدَادُ إلَى بَيْتِهِ وَفَرَسُهُ لا تَقِرّ، فَوَضَعَ سَرْجَهَا وَسِلاحَهُ وَاضْطَجَعَ وَجَعَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: إنّ الْخَيْلَ قَدْ صِيحَ بِهَا، فَكَانَ أَبُو ذَرّ يَقُولُ: وَاَللّهِ إنّا لَفِى مَنْزِلِنَا، وَلِقَاحُ رَسُولِ اللّهِ ص قَدْ رُوّحَتْ وَعُطّنَتْ وَحُلِبَتْ عَتَمَتُهَا وَنِمْنَا، فَلَمّا كَانَ فِى اللّيْلِ أَحْدَقَ بِنَا عُيَيْنَةُ فِى أَرْبَعِينَ فَارِسًا، فَصَاحُوا بِنَا وَهُمْ قِيَامٌ عَلَى رُءُوسِنَا، فَأَشْرَفَ لَهُمْ ابْنِى فَقَتَلُوهُ، وَكَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَثَلاثَةُ نَفَرٍ فَنَجَوْا، وَتَنَحّيْت عَنْهُمْ وَشَغَلَهُمْ عَنّى إطْلاقُ عُقُلِ اللّقَاحِ، ثُمّ صَاحُوا فِى أَدْبَارِهَا، فَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهَا....إلخ القصة

 

والقصة وردت في السيرة لابن هشام والبخاري 3041 و4194 ومسلم 1806 و1807  وأحمد 16513 و16539 و61515 وغيره، وفيها القصة الطريفة لسلمة بن الأكوع الذي كان عداء سريعًا جدًا فكان من سوء حظ هؤلاء اللصوص أن صادفوه فاستنقذ منهم نصف الجمال أي عشرة من العشرين حسب الروايات، وانفرد الواقدي بذكر هذه المعلومة الهامة: (في طرف من أطرافهم) هنا نرى خطأ ارتكبه محمد وأتباعه فهم رعوا أنعامهم في موضع يقع داخل حيز وتملك الأعراب طبقًا لأعراف قديمة، وهذا لا يبرر سرقتهم لليثاربة ومحمد بالتأكيد، لكنه يوضح رعي محمد وصحبه لغنمهم على أرض ليست من دولتهم مما صعَّد المشاكل بينهم وعدوهم، وكانت أخلاق الأعراب وكل عرب الجزيرة هي النهب والسرقة، وانتهى الأمر بقتلى من الطرفين الوثني والإسلامي.

 

 

غزوة خيبر فِى جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ

 

ما أن انتهى محمد من صلحه مع وثنيي مكة جبهة عداوته الأخطر، حتى تفرغ للقضاء على القوة الدينية والاقتصادية والعسكرية المنافسة له، ألا وهي اليهود كظاهرة دينية منافسة له ولمشروعه، ويبرر المسلمون اعتداآت محمد وجرائمه ضد اليهود اليثربيين من خيبر بأنهم هم من ساعد وجمع الأحزاب في غزوة الخندق وغيرها من أحداث يروونها، وقد سردنا رأينا المخالف لهذه الأطروحة وعرضنا نماذج من العدوان المحمدي الذي لا يختلف عن العنصرية النازية أو الصهيونية عندما أمر بعد اغتيال كعب بن الأشرف المسلمين بقتل كل من صادفوه من يهود، بحيث صارت التهمة والجناية كونك متبعًا لديانة اليهودية وقصة اقتحام أبي بكر لمعبد يهودي وطلبه مساهمة أو صدقة لحروب محمد ثم اعتدائه بالضرب داخل حرم المعبد للحبر فنحاص لاختلافه معه في النقاش، وحقيقةً فالمطلع على كتبهم الأولى ورسائلهم كنماذج للدعوة لا نرى بها أي نوع من تبادل فكر أو تعارف إنساني بل قاذورات فكرية شمولية...على أي حال، شرع المسلمون يعدون لجريمتهم وبدأ محمد يتقوى على يهود خيبر ويثرب بجمع من أتاه من المتهوسين وقطاع الطرق والمغيرين:

 

قَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمَدِينَةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِى ذِى الْحَجّةِ تَمَامَ سَنَةَ سِتّ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِى الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمِ وَخَرَجَ فِى صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ - وَيُقَالُ خَرَجَ لِهِلالِ رَبِيعٍ الأَوّلِ - إلَى خَيْبَرَ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ بِالتّهَيّؤِ لِلْغَزْوِ فَهُمْ مُجِدّونَ وَتَجَلّبَ مَنْ حَوْلَهُ يَغْزُونَ مَعَهُ وَجَاءَهُ الْمُخَلّفُونَ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ رَجَاءَ الْغَنِيمَةِ فَقَالُوا: نَخْرُجُ مَعَك وَقَدْ كَانُوا تَخَلّفُوا عَنْهُ فِى غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَرْجَفُوا بِالنّبِىّ ص وَبِالْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: نَخْرُجُ مَعَك إلَى خَيْبَرَ، إنّهَا رِيفُ الْحِجَازِ طَعَامًا وَوَدَكًا وَأَمْوَالاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا تَخْرُجُوا مَعِى إلاّ رَاغِبِينَ فِى الْجِهَادِ فَأَمّا الْغَنِيمَةُ فَلا”. وَبَعَثَ مُنَادِيًا فَنَادَى: “لا يَخْرُجَنّ مَعَنَا إلاّ رَاغِبٌ فِى الْجِهَادِ فَأَمّا الْغَنِيمَةُ فَلا”

 

أيضًا نجد أن الكثيرين من  قطاع الطرق وشذاذ الآفاق أصحاب الغارات انضموا لمحمد، وهاهو الواقدي يذكر أن الحجاج بن علاط من بني سُلَيْم كان من هؤلاء القُطَّاع:

 

وَكَانَ الْحَجّاجُ بْنُ عِلاطٍ السّلَمِىّ ثُمّ الْبَهْزِىّ قَدْ خَرَجَ يُغِيرُ فِى بَعْضِ غَارَاتِهِ فَذُكِرَ لَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص بِخَيْبَرَ فَأَسْلَمَ، وَحَضَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ص خَيْبَرَ، وَكَانَتْ أُمّ شَيْبَةَ بِنْتُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ أُخْتُ مَصْعَبٍ الْعَبْدِىّ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ الْحَجّاجُ مُكْثِرًا، لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، مَعَادِنُ الذّهَبِ الّتِى بِأَرْضِ بَنِى سُلَيْمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِى حَتّى أَذْهَبَ فَآخُذَ مَا لِى عِنْدَ امْرَأَتِى، فَإِنْ عَلِمَتْ بِإِسْلامِى لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا....إلخ

 

قصة خداع الحجاج بن علاط لقريش وزوجته حتى يستخلص ماله منهم بادعاء أن محمدًا هزم أمام اليهود وأنه يحتاج أمواله لشراء المغانم من اليهود للتجارة مشهورة وهي في مسند أحمد 12409 وفي "مصنف عبد الرزاق" (9771)، ومن طريقه أخرجه عبد بن حميد (1288)، والبزار (1816- كشف الأستار)، والنسائي في "الكبرى" (8646)، لكنهم لم يخبرونا بوظيفته "الكريمة" كقاطع طريق!

 

ولما شعر يهود يثرب المدينة بذلك كان ما فعلوه-كما يحكي الواقدي_محاولة منهم لمساندة قومهم، هو:

 

فَلَمّا تَجَهّزَ النّاسُ إلَى خَيْبَرَ شَقّ ذَلِكَ عَلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِالّذِينَ هُمْ مُوَادِعُونَ لِرَسُولِ اللّهِ ص وَعَرَفُوا أَنّهُمْ إذَا دَخَلُوا خَيْبَرَ أَهَلَكَ اللّهُ خَيْبَرَ كَمَا أَهَلَكَ بَنِى قَيْنُقَاعَ وَالنّضِيرَ وَقُرَيْظَةَ. قَالَ: فَلَمّا تَجَهّزْنَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ لَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَقّ إلاّ لَزِمَهُ، وَكَانَ لأَبِى الشّحْمِ الْيَهُودِىّ عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى حَدْرَدٍ الأَسْلَمِىّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِى شَعِيرٍ أَخَذَهُ لأَهْلِهِ فَلَزِمَهُ، فَقَالَ: أَجّلْنِى فَإِنّى أَرْجُو أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْك فَأَقْضِيَك حَقّك إنْ شَاءَ اللّهُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ وَعَدَ نَبِيّهُ خَيْبَرَ أَنْ يَغْنَمَهُ إيّاهَا. وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى حَدْرَدٍ مِمّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا الشّحْمِ إنّا نَخْرُجُ إلَى رِيفِ الْحِجَازِ فِى الطّعَامِ وَالأَمْوَالِ. فَقَالَ أَبُو الشّحْمِ حَسَدًا وَبَغْيًا: تَحْسِبُ أَنّ قِتَالَ خَيْبَرَ مِثْلُ مَا تَلْقَوْنَهُ مِنْ الأَعْرَابِ؟ فِيهَا وَالتّوْرَاةُ عَشَرَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ.

قَالَ ابْنُ أَبِى حَدْرَدٍ: أَىْ عَدُوّ اللّهِ تُخَوّفْنَا بِعَدُوّنَا وَأَنْتَ فِى ذِمّتِنَا وَجِوَارِنَا؟ وَاَللّهِ لأَرْفَعَنّكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلا تَسْمَعُ إلَى مَا يَقُولُ هَذَا الْيَهُودِيّ؟ وَأَخْبَرْته بِمَا قَالَ أَبُو الشّحْمِ. فَأَسْكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ شَيْئًا، إلاّ أَنّى رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ص حَرّكَ شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْهُ فَقَالَ الْيَهُودِىّ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ هَذَا قَدْ ظَلَمَنِى وَحَبَسَنِى بِحَقّى وَأَخَذَ طَعَامِى قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَعْطِهِ حَقّهُ”، قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَخَرَجْت فَبِعْت أَحَدَ ثَوْبَىْ بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ وَطَلَبْت بَقِيّةَ حَقّهِ فَقَضَيْته، وَلَبِسْت ثَوْبِى الآخَرَ وَكَانَتْ عَلَىّ عِمَامَةٌ فَاسْتَدْفَأْت بِهَا. وَأَعْطَانِى سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ ثَوْبًا آخَرَ فَخَرَجْت فِى ثَوْبَيْنِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَنَفّلَنِى اللّهُ خَيْرًا، وَغَنِمْت امْرَأَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبِى الشّحْمِ قَرَابَةٌ فَبِعْتهَا مِنْهُ بِمَالٍ.

 

وللقصة شاهد في مسند أحمد:

 

15489 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّهُ كَانَ لِيَهُودِيٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ لِي عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْهَا، فَقَالَ: "أَعْطِهِ حَقَّهُ" قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا، قَالَ: "أَعْطِهِ حَقَّهُ" قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا، قَدْ أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ تَبْعَثُنَا إِلَى خَيْبَر، فَأَرْجُو أَنْ تُغْنِمَنَا شَيْئًا، فَأَرْجِعُ فَأَقْضِيهِ، قَالَ: "أَعْطِهِ حَقَّهُ" قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ ثَلَاثًا لَمْ يُرَاجَعْ، فَخَرَجَ بِهِ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى السُّوقِ، وَعَلَى رَأْسِهِ عِصَابَةٌ، وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِبُرْدٍ، فَنَزَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَاتَّزَرَ بِهَا، وَنَزَعَ الْبُرْدَةَ، فَقَالَ: اشْتَرِ مِنِّي هَذِهِ الْبُرْدَةَ، فَبَاعَهَا مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ الدَّرَاهِمِ، فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ: مَا لَكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: هَا دُونَكَ هَذَا: بِبُرْدٍ عَلَيْهَا طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ

 

إسناده ضعيف لانقطاعه، محمد بن أبي يحيى الأسلمي وهو والد عبد الله لم يدرك ابن أبي حدرد الأسلمي، وبقية رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (4509)، وفي "الصغير" (655)، وأورده الهيثمي في "مجمح الزوائد" 4/129- 130، وقال: رواه أحمد والطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، ورجاله ثقات إلا أن محمد بن أبي يحيى لم أجد له رواية عن الصحابة، فيكون مرسلاً صحيحاً.

 

وفي المعجم الأوسط للطبراني:

 

4512 - حدثنا عبدان بن محمد المروزى قال نا قتيبة بن سعيد قال نا سحبل بن محمد عن أبيه عن أبى حدرد الأسلمى قال كان ليهودى علي أربعة دراهم فلزمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الخروج إلى خيبر فاستنظرته إلى أن أقدم فقلت لعلنا أن نغنم شيئا فجاء بى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم أعطه حقه مرتين فقلت يا رسول الله إنك تريد الخروج إلى خيبر ولعل الله أن يرزقنا بها غنائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطه حقه وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال الشيء ثلاث مرات لم يراجع قال وعلي إزار وعلى رأسي عصابة فلما خرجت قلت اشتري مني هذا الإزار فاشتراه بالدراهم التى له على فأتزرت بالعصابة التى على رأسى فمرت امرأة عليها شملة فألبستنى إياها

 

وأبو الشحم هذا على كونه تاجرًا ناجحًا وربما جشعًا محبًّا للربح، كان ذا فضيلة ونبل إنساني وسط كل هذا السرد التاريخيّ الوسخ، وسبق وسارع بشراء ما استطاع من نساء قريظة ليحررهن من سبي المسلمين لهن، أما قصة أن خيبر بها عشرة آلاف جندي يهودي فمحض خرافة  وجملة كان يكررها اليهود للتخويف وتبناها المسلمون لتعظيم خستهم بالاعتداء على أقلية بائسة، كما سنرى من بعض الاستدلالات التالية ضمن السياق. ونرى كيف أنهم ككل أهل الزمان الغابر استحلّوا استعباد البشر وبيعهم مقابل مال، وسارع الرجل الفاضل لتحرير قريبته ولعله هو وغيره من الأفاضل حاولوا تحرير ما استطاعوا من نساء عربيات يهوديات مستعبدات مخطوفات. لكن ليس كل من وقعت بيده سبية من هؤلاء المسلمين كان سيتركها ويبيعها للأسف! أما أمر محمد لصحابيه برد الدين مع أن ما يقوم به من سرقة ونهب لليهود أكثر من ذلك بكثير، فاتقاء للحرج وللمظهر العام أمام العقد الاجتماعيّ غير المكتوب والمتعارف عليه، ولو أن محمدًا حطم وكان سيحطم كل العقد الاجتماعي لدرجة توصيته قبل موته بإخراج كل أتباع الأديان الأخرى من شبه جزيرة العرب كما سنرى لاحقًا.

 

ويحكي الواقدي:

 

وَجَاءَ أَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عِنْدَنَا نَفَقَةٌ وَلا زَادَ وَلا ثَوْبَ أَخْرُجُ فِيهِ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ ص شَقِيقَة سُنْبُلانِيّة، فَبَاعَهَا بِثَمَانِيّةِ دَرَاهِمَ فَابْتَاعَ تَمْرًا بِدِرْهَمَيْنِ لَزَادَهُ وَتَرَكَ لأَهْلِهِ نَفَقَةً دِرْهَمَيْنِ وَابْتَاعَ بُرْدَةً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ص فِى طَرِيقِ خَيْبَرَ فِى لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ إذْ أَبْصَرَ بِرَجُلٍ يَسِيرُ أَمَامَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَبْرُقُ فِى الْقَمَرِ كَأَنّهُ فِى الشّمْسِ وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مِنْ هَذَا”؟ فَقِيلَ: أَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَدْرَكُوهُ” قَالَ: فَأَدْرَكُونِى فَحَبَسُونِى، وَأَخَذَنِى مَا تَقَدّمَ وَمَا تَأَخّرَ وَظَنَنْت أَنّهُ قَدْ نَزَلَ فِىّ أَمْرٌ مِنْ السّمَاءِ فَجَعَلْت أَتَذَكّرُ مَا فَعَلْت حَتّى لَحِقَنِى رَسُولُ اللّهِ ص فَقَالَ: “مَا لَك تَقْدُمُ النّاسَ لا تَسِيرُ مَعَهُمْ”؟ قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ نَاقَتِى نَجِيبَةٌ، قَالَ: “فَأَيْنَ الشّقِيقَةُ الّتِى كَسَوْتُك”؟ فَقُلْت: بِعْتهَا بِثَمَانِيّةِ دَرَاهِمَ فَتَزَوّدَتْ بِدِرْهَمَيْنِ تَمْرًا، وَتَرَكْت لأَهْلِى نَفَقَةِ دِرْهَمَيْنِ وَاشْتَرَيْت بُرْدَةً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ ص، ثُمّ قَالَ: “أَنْتَ وَاَللّهِ يَا أَبَا عَبْسٍ وَأَصْحَابُك مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَئِنْ سَلّمْتُمْ وَعِشْتُمْ قَلِيلاً لَيَكْثُرَنّ زَادَكُمْ وَلَيَكْثُرَنّ مَا تَتْرُكُونَ لأَهْلِيكُمْ وَلَتَكْثُرَنّ دَرَاهِمُكُمْ وَعَبِيدُكُمْ وَمَا ذَاكَ بِخَيْرٍ لَكُمْ”، قَالَ أَبُو عَبْسٍ: فَكَانَ وَاَللّهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص.

 

نعم، لأنها شبعة بعد جوع، يعقبها السعار، وأخلاق العرب والمستعربين ظلت دومًا قائمة على مفهوم الجشع والسلوك المسعور المتوارَث، كأنها لوثة إسلامية ما، هذا أقوله من تعايشي معهم ورؤيتي لحال أغلب رجال أعمالهم ومصانعهم من مكنزي رؤوس الأموال البخلاء على العمال بأي أجور عادلة. وهناك أحاديث لعمر وغيره مشابهة في ذم الأموال والخيرات، وهي أحاديث نكدة مشؤومة تعبر عن زهد وضيق فكر وعدم احتفاء بالحياة، وهكذا هو حال الدينيين وخاصة المسلمين إما يكونون جشعين لا مبالين أو زهادًا فقراء غير ذوي همة أو احتفاء بالحياة. مما يعكس عدم اتزان الشخصية المتدينة.

 

استعان محمد كثيرًا في هذه الغزوة بالخونة وعديمي الولاء والمبادئ من المستعدين لبيع أي شيء بالمال ليقتحم حصون خيبر، هذا ما يكشفه لنا الواقدي، ففي حديثه عن قسمة النهب والمسروقات أو الغنائم يقول:

 

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ قُطَيْرٍ الْحَارِثِىّ، عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيّصَة قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص بِعَشَرَةٍ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ غَزَا بِهِمْ إلَى خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَهُمْ كَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ. وَيُقَالُ: أَحَذَاهُمْ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ

 

وروى أبو داوود 260 في كتاب المراسيل، وسعيد بن منصور في سننه 2790، واللفظ للأول:

 

260 - حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان ، عن يزيد بن يزيد بن جابر ، عن الزهري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم « استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم »

 

 وقدم جماعة من اليمن فيهم المدعو أبو هريرة لأول مرة، وانضموا لجيش محمد كذلك، يقول الواقدي:

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ ثَمَانُونَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، فَقَالَ قَائِلٌ: رَسُولُ اللّهِ بِخَيْبَرَ، وَهُوَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ، فَقُلْت: لا أَسْمَعُ بِهِ يَنْزِلُ مَكَانًا أَبَدًا إلاّ جِئْته، فَتَحَمّلْنَا حَتّى جِئْنَاهُ بِخَيْبَرَ فَنَجِدُهُ قَدْ فَتَحَ النّطَاةَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الْكَتِيبَةِ، فَأَقَمْنَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا

 

وفي موضع آخر يحكي الواقدي:

 

وَقَدِمَ الدّوْسِيّونَ فِيهِمْ أَبُو هَرِيرَةَ، وَالطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَأَصْحَابُهُمْ، وَنَفَرٌ مِنْ الأَشْجَعِيّينَ فَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ فِيهِمْ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فِى الْغَنِيمَةِ. قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ، وَنَظَرَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ إلَى أَبِى هَرِيرَةَ فَقَالَ: أَمّا أَنْتَ فَلا، فَقَالَ أَبُو هَرِيرَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ. قَالَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ: يَا عَجَبَاه لِوَبَرٍ تَدَلّى عَلَيْنَا مِنْ قُدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللّهُ عَلَى يَدَىّ وَلَمْ يُهِنّى عَلَى يَدِهِ.

 

معاني كلمات: الوبر حيوان صغير بحجم القط أغبر أو أبيض شديد الحباء يوجد بالحجاز، وشبهه به تحقيرًا له، وقدوم ضأن هي ثنية أو جبل السراة بأرض دوس

 

وقصة قدومه ألمح لها ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: فحدثني ثَوْر بن يزيد، عن سالم، مولى عبد الله بن مُطيع، عن أبي هريرة، قال: فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى...إلخ

 

 وذكرها البخاري 4136 و4237 و4238 و4239 وأبو داوود 2723 وفيها قصة مجادلة أبي هريرة مع أبان أمام محمد وذكر أحدها أنه لم يعطهم من الغنائم بسبب احتجاج أبان، وهي القصة والتي ذكرها الواقدي كذلك. بل وقصة قدوم أبي هريرة متزامنًا مع غزو خيبر مشهورة حتى أن علماء الإسلام يستخدمونها للتفرقة بين أشياء كثيرة في التواريخ ومقارناتها للتصحيح والتأكيد.

 

القصة التي يرويها الواقدي عن عدد العشرة آلاف ليهود خيبر مشكوك فيها كثيرًا، ولنا أدلة من الواقدي نفسه:

 

وَكَانَ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ يَقُولُونَ حِينَ تَجَهّزَ النّبِىّ ص إلَى خَيْبَرَ: مَا أَمْنَعُ وَاَللّهِ خَيْبَرَ مِنْكُمْ لَوْ رَأَيْتُمْ خَيْبَرَ وَحُصُونَهَا وَرِجَالَهَا لَرَجَعْتُمْ قَبْلَ أَنْ تُصَلّوا إلَيْهِمْ حُصُونٌ شَامِخَاتٌ فِى ذُرَى الْجِبَالِ وَالْمَاءُ فِيهَا وَاتِنٌ إنّ بِخَيْبَرَ لأَلْفِ دَارِعٍ مَا كَانَتْ أَسَدٌ وَغَطْفَان يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْعَرَبِ قَاطِبَةً إلاّ بِهِمْ فَأَنْتُمْ تُطِيقُونَ خَيْبَرَ؟ فَجَعَلُوا يُوحَوْنَ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ النّبِىّ ص فَيَقُولُ أَصْحَابُ النّبِىّ ص: قَدْ وَعَدَهَا اللّهُ نَبِيّهُ أَنْ يَغْنَمَهُ إيّاهَا.

 

لو أخذنا بهذا الرقم، فإنه سيكون رهانًا جيدًا منا أن نفترض أن اليهود كانوا ألفاً أو ألفين من الرجال القادرين على الحرب على أقصى حد، خاصة لوفرة مالهم وقدرتهم على التسليح والتدريع الجيد.

 

ومما يدل أيضًا على عدم صحة الرقم المذكور أن الحجاج بن علاط بعد انهزام اليهود لما سافر إلى مكة وخدع القرشيين ليتحصل على أمواله قال لهم زعمًا به كذب منطقي أن اليهود استطاعوا هزيمة محمد وأنهم كانوا قد أتوا بحلفائهم غطفان وأسد:

 

....فَقُلْت: لَمْ يَلْقَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ غَيْرَ أَهْلِ خَيْبَرَ، كَانُوا قَدْ سَارُوا فِى الْعَرَبِ يَجْمَعُونَ لَهُ الْجَمُوعَ وَجَمَعُوا لَهُ عَشَرَةَ آلافٍ فَهُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ يَسْمَعْ قَطّ بِمِثْلِهَا...

 

إذن لو اجتمع كل هؤلاء لكان عددهم هكذا، أما اليهود وحدهم فعددهم قليل.

 

نلاحظ أن محمدًا أحسن التخطيط فانتصر هو وتبعه:

 

فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَيْهِمْ فَعَمّى اللّهُ عَلَيْهِمْ مَخْرَجَهُ إلاّ بِالظّنّ حَتّى نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ص بِسَاحَاتِهِمْ لَيْلاً.

 

أما اليهود فتخبطوا بشكل قد يدل على أن قوتهم كانت أقل عدديًّا من المسلمين، فسواء واجهوا أم تحصّنوا كان الضرر سينالهم:

 

وَكَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ حَيْثُ أَحَسّوا بِمَسِيرِ رَسُولِ اللّهِ ص فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ الْيَهُودِىّ بِأَنْ يُعَسْكِرُوا خَارِجًا مِنْ حُصُونِهِمْ وَيَبْرُزُوا لَهُ فَإِنّى قَدْ رَأَيْت مَنْ سَارَ إلَيْهِ مِنْ الْحُصُونِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَقَاءٌ بَعْدَ أَنْ حَاصَرَهُمْ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَبْىٍ وَمِنْهُمْ مِنْ قَتْلِ صَبْرًا. فَقَالَتْ الْيَهُودُ: إنّ حُصُونَنَا هَذِهِ لَيْسَتْ مِثْلَ تِلْكَ هَذِهِ حُصُونٌ مَنِيعَةٌ فِى ذُرَى الْجِبَالِ. فَخَالَفُوهُ وَثَبَتُوا فِى حُصُونِهِمْ فَلَمّا صَبّحَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص وَعَايَنُوهُ أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ.

 

وخلال محاصرة ومفاجأة محمد للحصون استخدم مرشدين بدو للطريق:

 

فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ الْمَدِينَةِ فَسَلَكَ ثَنِيّةَ الْوَدَاعِ، ثُمّ أَخَذَ عَلَى الزّغَابَةَ ثُمّ عَلَى نَقْمَى، ثُمّ سَلَكَ الْمُسْتَنَاخَ ثُمّ كَبَسَ الْوَطِيحَ، وَمَعَهُمْ دَلِيلانِ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: حَسِيلُ بْنُ خَارِجَةَ، وَالآخَرُ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُعَيْمٍ خَرَجَ عَلَى عَصْرٍ وَبِهِ مَسْجِدٌ ثُمّ عَلَى الصّهْبَاءِ.

 

والوطيح هذا من أكبر حصون خيبر

 

كانت خطة محمد أن يتوسّط بين غطفان وخيبر، ليمنع غطفان من إمداد اليهود وهو ما يدل على أن عدد جيشه كان لا بأس به أو أن لديه ثقة جيدة بنفسه، وإلا لما غامر بوضع جيشه بين ما قد يشكل فكي كمّاشة عليه، يقول الواقدي:

 

ثُمّ دَعَا بِالأَدِلاّءِ فَجَاءَ حُسَيْلُ بْنُ خَارِجَةَ الأَشْجَعِىّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نُعَيْمٍ الأَشْجَعِىّ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لِحُسَيْلٍ: “امْضِ أَمَامَنَا حَتّى تَأْخُذَنَا صُدُورُ الأَوْدِيَةِ حَتّى نَأْتِىَ خَيْبَرَ مِنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشّامِ، فَأَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشّامِ وَبَيْنَ حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ”. فَقَالَ حُسَيْلٌ: أَنَا أَسْلُكُ بِك.

 

وهذا ذكره ابن هشام كذلك بنحو مشابه:

 

قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عِصر، فبُنى له فيها مسجد، ثم على الصَّهْباء، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه حتى نزل بوادٍ يقال له الرَّجيع، فنزل بينهم وبين غَطَفان، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

ومما يدل على أكذوبة قصة رقم العشرة آلاف، أن محمدًا كان يقظًا للرصد فأمسكت ربيئته برجل كان سيتجسس عليهم لصالح يهود خيبر، فشرع هذا محاولًا نصرة حلفائه وإبراء ذمته الكذب على المسلمين وتكرار أكذوبة العشرة آلاف تلك، وقد كان من أشجع هي بطن من غطفان، ولم يكونوا صالحوا ووادعوا محمدًا بعد:

 

وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ فِى فَوَارِسَ طَلِيعَةٍ فَأَخَذَ عَيْنًا لِلْيَهُودِ مِنْ أَشْجَعَ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَاغٍ أَبْتَغِى أَبْعِرَةً ضَلّتْ لِى، أَنَا عَلَى أَثَرِهَا. قَالَ لَهُ عَبّادٌ: أَلَك عِلْمٌ بِخَيْبَرَ؟ قَالَ: عَهْدِى بِهَا حَدِيثٌ فِيمَ تَسْأَلُنِى عَنْهُ؟ قَالَ: عَنْ الْيَهُودِ. قَالَ: نَعَمْ كَانَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ سَارُوا فِى حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ، فَاسْتَنْفَرُوهُمْ وَجَعَلُوا لَهُمْ تَمْرَ خَيْبَرَ سَنَةً فَجَاءُوا مُعَدّينَ مُؤَيّدِينَ بِالْكُرَاعِ وَالسّلاحِ يَقُودُهُمْ عُتْبَةُ بْنُ بَدْرٍ، وَدَخَلُوا مَعَهُمْ فِى حُصُونِهِمْ وَفِيهَا عَشَرَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ وَهُمْ أَهْلُ الْحُصُونِ الّتِى لا تُرَامُ وَسِلاحٌ وَطَعَامٌ كَثِيرٌ لَوْ حُصِرُوا لِسِنِينَ لَكَفَاهُمْ وَمَاءٌ وَاتِنٌ يَشْرَبُونَ فِى حُصُونِهِمْ مَا أَرَى لأَحَدٍ بِهِمْ طَاقَةً، فَرَفَعَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ السّوْطَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَاتٍ، وَقَالَ: مَا أَنْتَ إلاّ عَيْنٌ لَهُمْ اُصْدُقْنِى وَإِلاّ ضَرَبْت عُنُقَك فَقَالَ الأَعْرَابِىّ: أَفَتُؤَمّنّى عَلَى أَنْ أَصْدُقَك؟ قَالَ عَبّادٌ: نَعَمْ، فَقَالَ الأَعْرَابِىّ: الْقَوْمُ مَرْعُوبُونَ مِنْكُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ لِمَا قَدْ صَنَعْتُمْ بِمَنْ كَانَ بِيَثْرِبَ مِنْ الْيَهُودِ، وَإِنّ يَهُودَ يَثْرِبَ بَعَثُوا ابْنَ عَمّ لِى وَجَدُوهُ بِالْمَدِينَةِ، قَدْ قَدِمَ بِسِلْعَةٍ يَبِيعُهَا، فَبَعَثُوهُ إلَى كِنَانَةَ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ يُخْبِرُونَهُ بِقِلّتِكُمْ وَقِلّةِ خَيْلِكُمْ وَسِلاحِكُمْ....إلخ

 

قَالَ الأَعْرَابِىّ: وَأَنَا أَسْمَعُ كُلّ هَذَا، فَقَالَ لِى كِنَانَةُ: اذْهَبْ مُعْتَرِضًا لِلطّرِيقِ فَإِنّهُمْ لا يَسْتَنْكِرُونَ مَكَانَك، وَاحْرُزْهُمْ لَنَا، وَادْنُ مِنْهُمْ كَالسّائِلِ لَهُمْ مَا تَقْوَى بِهِ ثُمّ أَلْقِ إلَيْهِمْ كَثْرَةَ عَدَدِنَا وَمَادّتِنَا فَإِنّهُمْ لَنْ يَدَعُوا سُؤَالَك، وَعَجّلْ الرّجْعَةَ إلَيْنَا بِخَبَرِهِمْ. فَأَتَى بِهِ عَبّادٌ النّبِىّ ص فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ

 

نلاحظ جملة القوم مرعوبون وجلون وهي تؤكد وجهة نظري بوجود فارق عددي لصالح المسلمين، ويؤكد ذلك ما ورد بآخر سرد الواقدي فقتلة اليهود بضع وتسعون، وقتلة المسلمين أفراد معدودون فقط، رغم حصون اليهود.

 

نجد هنا عملية إكراه للجاسوس على الإسلام، وأي مصداقية لاتباع دين بالإجبار؟!

 

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: اضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ عَبّادٌ: جَعَلْت لَهُ الأَمَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَمْسِكْهُ مَعَك يَا عَبّادُ فَأَوْثِقْ رِبَاطًا”. فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ص خَيْبَرَ عَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّى دَاعِيك ثَلاثًا، فَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ لَمْ يَخْرُجْ الْحَبْلُ عَنْ عُنُقِك إلاّ صَعَدًا”، فَأَسْلَمَ الأَعْرَابِىّ

 

نلاحظ أنه قد كان أعراب غطفان أهل خسة، لأن اليهود ناصروهم دومًا، فلما احتاجهم اليهود لم يمدوا لهم يد العون مع أنهم عرضوا مقابلًا لذلك، كأن حلفهم معهم وأياديهم البيضاء من مؤازرة لهم في الماضي لم تكن تكفيهم كدافع والتزام، يقول الواقدي:

 

وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى فَزَارَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ قَدِمَ بِسِلْعَةٍ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَاعَهَا، ثُمّ رَجَعَ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: تَرَكْت مُحَمّدًا يُعَبّئُ أَصْحَابَهُ إلَيْكُمْ. فَبَعَثُوا إلَى حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ، فَخَرَجَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ فِى أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ يَدْعُوهُمْ إلَى نَصْرِهِمْ وَلَهُمْ نِصْفُ تَمْرِ خَيْبَرَ سَنَةً.

 

فزارة أيضًا من بطون غطفان

 

أيضًا من سمات أفول نجم قوم وارتفاع آخرين، أن تجد المهزومين غافلين غير مستعدين، مع أنه يفترض أن يتنبهوا لنوايا محمد وأتباعه خاصة وقد وردتهم تحذيرات ممن يخشى عليهم الضرر، هذا نرى مثله في فتح محمد العثماني للقسطنطينية، وهنا نقرأ من الواقدي:

 

وَفَتَحُوا حُصُونَهُمْ مَعَهُمْ الْمَسَاحِى وَالْكَرَازِينُ وَالْمَكَاتِلُ، فَلَمّا نَظَرُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ ص قَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ قَالُوا: مُحَمّدٌ وَالْخَمِيسُ فَوَلّوْا هَارِبِينَ حَتّى رَجَعُوا إلَى حُصُونِهِمْ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَقُولُ: “اللّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ”

 

هذه القصة رواها البخاري:

 

371 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}قَالَهَا ثَلَاثًا قَالَ وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ قَالَ فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً فَجُمِعَ السَّبْيُ....إلخ الحديث

610 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}

 

ورواه مسلم:

 

[ 1365 ] حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل يعني بن علية عن عبد العزيز عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر قال فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فإني لأري بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قالها ثلاث مرات قال وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد والله قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا محمد والخميس قال وأصبناها عنوة وجمع السبي...إلخ الحديث

 

[ 1365 ] وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل يعني بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر قال فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وإني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قالها ثلاث مرارا قال وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا والخميس قال وأصبناها عنوة

 

 [ 1365 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس قال كنت ردف أبي طلحة يوم خيبر وقدمي تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيناهم حين بزغت الشمس وقد أخرجوا مواشيهم وخرجوا بفؤسهم ومكاتلهم ومرورهم فقالوا محمد والخميس قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قال فهزمهم الله عز وجل

 

ورواه أحمد بن حنبل 12086 و12670 و12671 وغيره فنكتفي بما سلف، وذكره ابن هشام وفي لفظه (قالوا: محمد والخميس معه! فأدبروا هُرَّاباً)

 

ثم يقول الواقدي:

 

وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الْمَنْزِلَةِ جَعَلَ مَسْجِدًا فَصَلّى إلَيْهِ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ نَافِلَةً. فَثَارَتْ رَاحِلَتُهُ تَجُرّ زِمَامَهَا، فَأُدْرِكَتْ تَوَجّهُ إلَى الصّخْرَةِ لا تُرِيدُ تَرْكَبُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “دَعُوهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ” حَتّى بَرَكَتْ عِنْد الصّخْرَةِ فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الصّخْرَةِ، وَأَمَرَ بِرَحْلِهِ فَحَطّ وَأَمَرَ النّاسَ بِالتّحَوّلِ إلَيْهَا، ثُمّ ابْتَنَى رَسُولُ اللّهِ ص عَلَيْهَا مَسْجِدًا فَهُوَ مَسْجِدُهُمْ الْيَوْمَ. فَلَمّا أَصْبَحَ جَاءَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك، إنّك نَزَلْت مَنْزِلَك هَذَا، فَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ أَمَرْت بِهِ فَلا نَتَكَلّمُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الرّأْىُ تَكَلّمْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “بَلْ هُوَ الرّأْىُ”. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ دَنَوْت مِنْ الْحِصْنِ وَنَزَلْت بَيْنَ ظُهْرَىْ النّخْلِ وَالنّزّ مَعَ أَنّ أَهْلَ النّطَاةِ لِى بِهِمْ مَعْرِفَةٌ لَيْسَ قَوْمٌ أَبْعَدَ مَدَى مِنْهُمْ وَلا أَعْدَلَ مِنْهُمْ وَهُمْ مُرْتَفِعُونَ عَلَيْنَا، وَهُوَ أَسْرَعُ لانْحِطَاطِ نَبْلُهُمْ مَعَ أَنّى لا آمَنُ مِنْ بَيَاتِهِمْ يَدْخُلُونَ فِى خَمْرِ النّخْلِ تَحَوّلْ يَا رَسُولَ اللّهِ إلَى مَوْضِعٍ بَرِئَ مِنْ النّزّ وَمِنْ الْوَبَاءِ نَجْعَلْ الْحَرّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ حَتّى لا يَنَالَنَا نَبْلُهُمْ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: نُقَاتِلهُمْ هَذَا الْيَوْمَ، وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: “اُنْظُرْ لَنَا مَنْزِلاً بَعِيدًا مِنْ حُصُونِهِمْ بَرِيئًا مِنْ الْوَبَاءِ نَأْمَنُ فِيهِ بَيَاتَهُمْ”. فَطَافَ مُحَمّدٌ حَتّى انْتَهَى إلَى الرّجِيعِ، ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِىّ ص لَيْلاً، فَقَالَ: وَجَدْت لَك مَنْزِلاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ”.

وَقَاتَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَهُ ذَلِكَ إلَى اللّيْلِ يُقَاتِلُ أَهْلَ النّطَاةِ، يُقَاتِلُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا. وَحُشِدَتْ الْيَهُودُ يَوْمئِذٍ فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ: لَوْ تَحَوّلْت يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إذَا أَمْسَيْنَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَحَوّلْنَا”، وَجَعَلْت نَبْلَ الْيَهُودِ تُخَالِطُ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ وَتَجَاوَزَهُ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَلْقُطُونَ نَبْلَهُمْ ثُمّ يَرُدّونَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ص تَحَوّلَ وَأَمَرَ النّاسُ فَتَحُولُوا إلَى الرّجِيعِ،

 

فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ص تَحَوّلَ إلَى الرّجِيعِ، وَخَافَ عَلَى أَصْحَابِهِ الْبَيَاتَ فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ وَبَاتَ فِيهِ، وَكَانَ مَقَامُهُ بِالرّجِيعِ سَبْعَةَ أَيّامٍ يَغْدُو كُلّ يَوْمٍ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَايَاتِهِمْ مُتَسَلّحِينَ وَيَتْرُكُ الْعَسْكَرَ بِالرّجِيعِ وَيَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِ عُثْمَانَ ابْنَ عَفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَيُقَاتِلُ أَهْلَ النّطَاةِ يَوْمَهُ إلَى اللّيْلِ، ثُمّ إذَا أَمْسَى رَجَعَ إلَى الرّجِيعِ.

 

وَكَانَ قَاتَلَ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ أَسْفَلِ النّطَاةِ، ثُمّ عَادَ بَعْدُ فَقَاتَلَهُمْ مِنْ أَعْلاهَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ، وَأَنّ مَنْ جُرِحَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُمِلَ إلَى الْمُعَسْكَرِ فَدُووِىَ، وَإِنْ كَانَ بِهِ انْطِلاقٌ انْطَلَقَ إلَى مُعَسْكَرِ النّبِىّ ص وَكَانَ أَوّلَ يَوْمٍ قَاتَلُوا فِيهِ جُرِحَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَمْسُونَ رَجُلاً مِنْ نَبْلِهِمْ فَكَانُوا يُدَاوُونَ مِنْ الْجِرَاحِ

 

كيف قال أنها مأمورة يعني بأمر إلهيّ، ثم عاد واعترف أنه مجرد رأي له وكان رأيه نكبة على صحبه فجرح منهم خمسون في يوم واحد لمجرد تأخره ذلك اليوم ورغبته في تجربة عدم اتباع نصيحة صاحبه الذي نصحه بابتعاد الجيش عن الحصن لئلا تصيبهم السهام وما يُلقى عليهم!

 

أيضًا ارتكب محمود بن مسلمة هذه الغلطة:

 

وَكَانَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُقَاتِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ، وَكَانَ يَوْمًا صَائِفًا شَدِيدَ الْحَرّ وَهُوَ أَوّلُ يَوْمٍ قَاتَلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ ص أَهْلَ النّطَاةِ، وَبِهَا بَدَأَ فَلَمّا اشْتَدّ الْحَرّ عَلَى مَحْمُودٍ وَعَلَيْهِ أَدَاتُهُ كَامِلَةً جَلَسَ تَحْت حِصْنِ نَاعِم يَبْتَغِى فَيْئَهُ وَهُوَ أَوّلُ حِصْنٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ص وَلا يَظُنّ مَحْمُودٌ أَنّ فِيهِ أَحَدًا مِنْ الْمُقَاتِلَةِ إنّمَا ظَنّ أَنّ فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا - وَنَاعِمٌ يَهُودِىّ، وَلَهُ حُصُونٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ فَكَانَ هَذَا مِنْهَا - فَدَلّى عَلَيْهِ مَرْحَبٌ رَحًى فَأَصَابَ رَأْسَهُ. فَهَشّمَتْ الْبَيْضَةُ رَأْسَهُ حَتّى سَقَطَتْ جِلْدَةِ جَبِينِهِ عَلَى وَجْهِهِ

 

وهو من قتلى تلك الغزوة بسبب ذلك.

 

نجد مسارعة المسلمين إلى التخريب والتدمير، وهو طبع الأصوليين المسلمين منذ نشؤوا وطالما ظلت ديانتهم وظلوا، فقاموا بنفس ما قاموا به في غزوة بني النضير دلالة على الحقد والشر وخبث النفوس، يروي الواقدي:

 

فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ص تَحَوّلَ وَأَمَرَ النّاسُ فَتَحُولُوا إلَى الرّجِيعِ، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص يَغْدُو بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَايَاتِهِمْ وَكَانَ شِعَارُهُمْ: يَا مَنْصُورُ أَمِتْ، فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ الْيَهُودَ تَرَى النّخْلَ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِ أَوْلادِهِمْ فَاقْطَعْ نَخْلَهُمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِقَطْعِ النّخْلِ، وَوَقَعَ الْمُسْلِمُونَ فِى قَطْعِهَا حَتّى أَسْرَعُوا فِى الْقَطْعِ فَجَاءَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ وَعَدَكُمْ خَيْبَرَ، وَهُوَ مُنْجِزٌ مَا وَعَدَك، فَلا تَقْطَعْ النّخْلَ. فَأَمَرَ فَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ص: “فَنَهَى عَنْ قَطْعِ النّخْلِ”.

وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: رَأَيْت نَخْلاً بِخَيْبَرَ فِى النّطَاةِ مُقَطّعَةً فَكَانَ ذَلِكَ مِمّا قَطَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ص.

وَحَدّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِىّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَطَعَ الْمُسْلِمُونَ فِى النّطَاةِ أَرْبَعَمِائَةِ عِذْقٍ وَلَمْ تَقْطَعْ فِى غَيْرِ النّطَاةِ.

فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَنْظُرُ إلَى صَوْرٍ مِنْ كَبِيسٍ قَالَ: أَنَا قَطَعْت هَذَا الصّوْرَ بِيَدِى حَتّى سَمِعْت بِلالاً يُنَادِى عَزْمَةً مِنْ رَسُولِ اللّهِ ص لا يَقْطَعُ النّخْلَ فَأَمْسَكْنَا.

 

نجد مسلسلًا من الخيانات من بعض رجال اليهود، يجعلنا نتساءل هل خافوا وتصرفوا بأنانية وأرادوا إنقاذ أنفسهم وأسرهم والتضحية بالباقين، أم كان هناك خلال اجتماعي في مجتمع صغير دينيّ شموليّ كمجتمع يهود خيبر؟! مثل هذا الخلل بوسعي التنبؤ أنه بالتالي سيظهر في المسلمين حينما يتعرضون للشدائد أيضًا ولمن قرأ التاريخ أن يجد أمثلة، وعلى كلٍ نقرأ من الواقدي:

 

وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُحَدّثُ إنّ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ مِنْ أَهْلِ النّطَاةِ نَادَانَا بَعْدَ لَيْلٍ وَنَحْنُ بِالرّجِيعِ أَنَا آمَنُ وَأُبَلّغُكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَابْتَدَرْنَاهُ فَكُنْت أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ فَقُلْت: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ. فَأَدْخَلْنَاهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقَالَ الْيَهُودِىّ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ تَؤُمّنّى وَأَهْلِى عَلَى أَنْ أَدُلّك عَلَى عَوْرَةٍ مِنْ عَوْرَاتِ الْيَهُودِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “نَعَمْ”. فَدَلّهُ عَلَى عَوْرَةِ الْيَهُودِ. قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ تِلْكَ السّاعَةَ فَحَضّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَخَبّرَهُمْ أَنّ الْيَهُودَ قَدْ أَسْلَمَهَا حَلْفَاؤُهَا وَهَرَبُوا، وَأَنّهَا قَدْ تَجَادَلَتْ وَاخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ. قَالَ كَعْبٌ: فَغَدَوْنَا عَلَيْهِمْ فَظَفّرَنَا اللّهُ بِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ فِى النّطَاةِ شَيْءٌ غَيْرَ الذّرّيّةِ فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَى الشّقّ وَجَدْنَا فِيهِ ذُرّيّةً فَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الْيَهُودِىّ زَوْجَتَهُ وَكَانَتْ فِى الشّقّ، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَرَأَيْته أَخَذَ بِيَدِ امْرَأَةٍ حَسْنَاءَ.

ثم يحكي الواقدي بعدها مباشرة القصة بشكل آخر قد يكون أصح:

 

قَالُوا: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص يُنَاوِبُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِى حِرَاسَةِ اللّيْلِ فِى مَقَامِهِ بِالرّجِيعِ سَبْعَةَ أَيّامٍ، فَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ السّادِسَةُ مِنْ السّبْعِ اسْتَعْمَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ عَلَى الْعَسْكَرِ فَطَافَ عُمَرُ بِأَصْحَابِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ وَفَرّقَهُمْ أَوْ فَرّقَ مِنْهُمْ فَأُتِىَ بِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ فِى جَوْفِ اللّيْلِ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ فَقَالَ الْيَهُودِىّ: اذْهَبْ بِى إلَى نَبِيّكُمْ حَتّى أُكَلّمَهُ فَأَمْسَكَهُ عُمَرُ وَانْتَهَى بِهِ إلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ ص فَوَجَدَهُ يُصَلّى، فَسَمِعَ رَسُولُ اللّهِ ص كَلامَ عُمَرَ فَسَلّمَ وَأَدْخَلَهُ عَلَيْهِ وَدَخَلَ عُمَرُ بِالْيَهُودِىّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لِلْيَهُودِىّ: “مَا وَرَاءَك وَمَنْ أَنْتَ”؟ فَقَالَ الْيَهُودِىّ: تَؤُمّنّى يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَأَصْدُقُك؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “نَعَمْ”. فَقَالَ الْيَهُودِىّ: خَرَجْت مِنْ حِصْنِ النّطَاةِ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ لَيْسَ لَهُمْ نِظَامٌ تَرَكْتهمْ يُتَسَلّلُونَ مِنْ الْحِصْنِ فِى هَذِهِ اللّيْلَةِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “فَأَيْنَ يَذْهَبُونَ”؟ قَالَ: إلَى أَذَلّ مِمّا كَانُوا فِيهِ إلَى الشّقّ، وَقَدْ رُعِبُوا مِنْك حَتّى إنّ أَفْئِدَتَهُمْ لَتَخْفِقُ وَهَذَا حِصْنُ الْيَهُودِ فِيهِ السّلاحُ وَالطّعَامُ وَالْوَدَكُ وَفِيهِ آلَةُ حُصُونِهِمْ الّتِى كَانُوا يُقَاتِلُونَ بِهَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا، قَدْ غَيّبُوا ذَلِكَ فِى بَيْتٍ مِنْ حُصُونِهِمْ تَحْتَ الأَرْضِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “وَمَا هُوَ”؟ قَالَ: مَنْجَنِيقٌ مُفَكّكَةٌ وَدَبّابَتَانِ وَسِلاحٌ مِنْ دُرُوعٍ وَبَيْضٍ وَسُيُوفٍ فَإِذَا دَخَلْت الْحِصْنَ غَدًا وَأَنْتَ تَدْخُلُهُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنْ شَاءَ اللّهُ”، قَالَ الْيَهُودِىّ: إنْ شَاءَ اللّهُ أُوقِفُك عَلَيْهِ فَإِنّهُ لا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ الْيَهُودِ غَيْرِى، وَأُخْرَى قِيلَ مَا هِىَ؟ قَالَ: تَسْتَخْرِجُهُ ثُمّ أَنْصِبُ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى حِصْنِ الشّقّ، وَتُدْخِلُ الرّجَالَ تَحْتَ الدّبّابَتَيْنِ فَيَحْفِرُونَ الْحِصْنَ فَتَفْتَحُهُ مِنْ يَوْمِك، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ بِحِصْنِ الْكَتِيبَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى أَحْسَبُهُ قَدْ صَدَقَ، قَالَ الْيَهُودِىّ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ احْقِنْ دَمِى، قَالَ: “أَنْتَ آمِنٌ”، قَالَ: وَلِى زَوْجَةٌ فِى حِصْنِ النّزَارِ فَهَبْهَا لِى، قَالَ: “هِىَ لَك”، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَا لِلْيَهُودِ حَوّلُوا ذَرَارِيّهُمْ مِنْ النّطَاةِ”؟ قَالَ: جَرّدُوهَا لِلْمُقَاتِلَةِ وَحَوّلُوا الذّرَارِىّ إلَى الشّقّ وَالْكَتِيبَةِ.

قَالُوا: ثُمّ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الإِسْلامِ فَقَالَ: أَنْظِرْنِى أَيّامًا، فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ ص غَدَا بِالْمُسْلِمِينَ إلَى النّطَاةِ، فَفَتَحَ اللّهُ الْحِصْنَ، وَاسْتَخْرَجَ مَا كَانَ قَالَ الْيَهُودِىّ فِيهِ، فَأَمَرَ النّبِىّ ص بِالْمَنْجَنِيقِ أَنْ تُصْلَحَ وَتُنْصَبَ عَلَى الشّقّ عَلَى حِصْنِ النّزَارِ فَهَيّئُوا، فَمَا رَمَوْا عَلَيْهَا بِحَجَرٍ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ حِصْنَ النّزَارِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ انْتَهَى إلَيْهِ حَصَبِ الْحِصْنِ فَسَاخَ فِى الأَرْضِ حَتّى أَخَذَ أَهْلَهُ أَخْذًا، وَأُخْرِجَتْ زَوْجَتُهُ يُقَالُ لَهَا: نُفَيْلَةُ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ص الْوَطِيحَ وَسُلالِم أَسْلَمَ الْيَهُودِىّ، ثُمّ خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ، فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ، وَكَانَ اسْمُهُ سِمَاكَ.

 

قصة الحصن الذي ساخ في الأرض خرافية طبعًا ولم أقرأها في غير الواقدي، لكن هنا رغم أنه هون المسألة بأنهمم كانوا خرجوا من الحصن على أي حال والرجل أراد أن يصنع صنيعة يحمي بها نفسه وأسرته فحسب، لكن القصة تعود لتصير أسوأ بتطوع الرجل بالكشف عن أسلحة ودبابيين ومنجنيق لليهود وتبرعه بنصبها وتركيبها! إن صحت هذه الحكاية فلنا أن نتعجب من خياتة كهذه ونتساءل أي خلل اجتماعي أو نفسي يؤدي إلى تصرف خسيس مبالغ في الخسة والحقارة كهذا، ثم تقول القصة أنه أسلم أو ادّعى ذلك ليحمي نفسه من هؤلاء المتعصبين، ثم واضح أنه هرب واختفى، غالبًا مع أهله إلى الشام وربما القدس أو سوريا، وبالتأكيد إضافة إلى غرض الهرب فقد شعر بخزي وعار خيانته وأنه غدا رجلًا بلا شرف ولا نبل أسلم قومه لعدو بشع، فأراد أن يرحل إلى مكان لا يعرفه فيه أحد ليبدأ من جديد وينسى خطأه الأثيم الكبير الذي لعله كان مجبَرًا عليه، ونلاحظ أن اسمه سماك اسم عربي تقليدي وكذا معظم أسماء يهود يثرب بل وفي تاريخ المدينة لابن شبة والواقدي نفسه وغيره نرى شعرهم العربي فقد كانوا حجازيين عربًا متوطنين من أبناء البلد. ونلاحظ أن القصة الثانية أصح من الأولى لأن الواقدي ذكر بعد ذلك أن حصن النطاة كان للمقاتلين فقط وخاليًا من النساء والأطفال (الذرية) من الأساس.

 

نقرأ من الواقدي كذلك أن محمدًا أعطى يهودًا من أسهم تقسيم الغنائم من الأراضي وغيرها، والأغلب أنها مكافأة مقابل خيانات:

 

فَكَانَتْ سُهْمَانُ الْمُسْلِمِينَ الّتِى أَسْهَمَهَا رَسُولُ اللّهِ ص فِى النّطَاةِ أَوْ فِى الشّقّ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ فَوْضَى لَمْ تُعْرَفْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ص وَلَمْ تُحَدّ وَلَمْ تُقْسَمْ إنّمَا لَهَا رُؤَسَاءُ مُسَمّوْنَ لِكُلّ مِائَةِ رَأْسٍ يُعْرَفُ يُقْسَمُ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا خَرَجَ مِنْ غَلّتِهَا، فَكَانَ رُؤَسَاؤُهُمْ فِى الشّقّ وَالنّطَاةِ: عَاصِمُ بْنُ عَدِىّ، وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ. وَسَهْمُ بَنِى سَاعِدَةَ وَسَهْمُ بَنِى النّجّارِ لَهُمْ رَأْسٌ وَسَهْمُ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَهْمُ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ، وَسَهْمُ بَنِى سَلَمَةَ - وَكَانُوا أَكْثَرَ وَرَأَسَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - وَسَهْمُ عُبَيْدَةَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ،

 

وفي موضع آخر يقول:

 

تَسْمِيَةُ سُهْمَانِ الْكَتِيبَةِ

خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ ص وَحْدَهُ وَسُلالِم، وَالْجَاسِمَيْنِ وَسَهْمَا النّسَاءِ وَسَهْمَا مَقْسَمٍ - وَكَانَ يَهُودِيّا - وَسَهْمَا عَوَانٍ وَسَهْمُ غِرّيث، وَسَهْمُ نُعَيْمٍ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا.

 

وفي موضع ثالث يقول:

 

وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ص جَبَلَة بْنَ جَوّالٍ الثّعْلَبِىّ كُلّ دَاجِنٍ بِخَيْبَرَ، وَيُقَالُ أَعْطَاهُ كُلّ دَاجِنٍ فِى النّطَاةِ، وَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ الْكَتِيبَةِ وَلا مِنْ الشّقّ شَيْئًا.

 

ولو أن ابن إسحاق يقول أن المعطى شخص آخر:

 

قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، قد أعطى ابن لُقَيْم العَبْسى، حين افتتح خيبر، ما بها من دجاجة أو داجن

 

وجاء في الإصابة في تمييز الصحابة:

 

لقيم الدجاج ذكره الجاحظ في كتاب الحيوان وقال انه مدح النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة خيبر بشعر منه: رميت نطاة من الرسول بفيلق ... شهباء ذات مناكب وفقار قال فوهب له النبي صلى الله عليه وسلم دجاج خيبر عن آخرها فمن حينئذ قيل لقيم الدجاج ذكر ذلك أبو عمرو الشيباني والمدائني عن صالح بن كيسان قلت قصته مذكور في السيرة لابن إسحاق لكنه قال بن لقيم فيحتمل ان يكون وافق اسمه اسم أبيه

 

والأمر التراجيدي المأساوي هنا أن المذكور هو جبل بن جوال الثعلبي من قبيلة بني ذبيان العربية وكان من يهود العرب، وله شعر كثير في رثاء يهود بني النضير وبني قريظة عند إسحاق والواقدي ذكرنا بعضه في كتابنا هذا، ومن الواضح أنه خانهم وأنه ممن سهل اقتحام الحصون أو على الأقل دعم محمد إعلاميًّا بمدحه بالشعر، ولهذا كافؤوه بدواجن حصن النطاة، وهو ما يدل على توزيع غير عادل للغنائم حسب رغبة الزعيم محمد، ووجدت في كتاب أسد الغابة:

 

جبل بن جوال بن صفوان بن بلال بن أصرم بن إياس بن عبد غنم بن جحاش ابن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان الشاعر الذبياني ثم الثعلبي ذكره ابن إسحاق أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن علي بن علي بإسناده عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال ثم استنزلوا يعني بني قريظة فحبسهم وذكر الحديث في قتلهم وقال فقال جبل بن جوال الثعلبي كذا قال يونس لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل الله يخذل قال وبعض الناس يقول حيي بن أخطب قالها ونسبه هشام بن الكلبي مثل النسب الذي ذكرناه وقال كان يهوديا فأسلم ورثى حيي بن أخطب وقال الدارقطني وأبو نصر وذكراه فقالا له صحبة وهو جبل

 

ووقع في الإصابة في تمييز الصحابة:

 

جبل بتفح الجيم الموحدة بن جوال بن صفوان بن بلال بن أصرم بن إياس بن عبد غنم بن جحاش بن بخالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان الشاعر الذبياني ثم الثعلبي قال الدار قطني في الؤتلف له صحبة وقال هشام بن الكلبي كان يهوديا مع بني قريظة فأسلم ورثي حيي بن أخطب بأبيات منها % لعمرك مالام بن أخطب نفسه % ولكنه من يخذل الله يخذل وكذا ذكر ابن إسحاق في المغازي الأبيات له قال وبعض الناس يقول إنها لحيي بن أخطب نفسه وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام أنه من ذرية الفطيون بن عامر بن ثعلبة وقال المرزباني في معجم الشعراء كان يهوديا فأسلم وهو القائل لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر % رميت نطاة من النبي بفيلق % شهباء ذات مناقب وفقار وفي ديوان حسان بن ثابت صنعه أبي سعيد السكري عن بن حبيب قال وقال حسان بن ثابت يجيب جبل بن جوال الثعلبي وكان يهوديا فأسلم بعد على قوله..إلخ

 

يقول الواقدي:

 

وَكَانَ يَسَارٌ الْحَبَشِىّ - عَبْدًا أَسْوَدَ لِعَامِرٍ الْيَهُودِىّ - فِى غَنَمِ مَوْلاهُ فَلَمّا رَأَى أَهْلَ خَيْبَرَ يَتَحَصّنُونَ، وَيُقَاتِلُونَ سَأَلَهُمْ فَقَالُوا: نُقَاتِلُ هَذَا الّذِى يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِىّ، قَالَ: فَوَقَعَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِى نَفْسِهِ فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ يَسُوقُهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ مَا تَقُولُ؟ مَا تَدْعُو إلَيْهِ؟ قَالَ: “أَدْعُو إلَى الإِسْلامِ فَأَشْهَدُ أَنّ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّى رَسُولُ اللّهِ”. قَالَ: فَمَا لِى؟ قَالَ: “الْجَنّةُ إنْ ثَبَتّ عَلَى ذَلِكَ”، قَالَ: فَأَسْلَمَ، وَقَالَ: إنّ غَنَمِى هَذِهِ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ النّبِىّ ص: “أَخْرِجْهَا مِنْ الْعَسْكَرِ، ثُمّ صِحْ بِهَا وَارْمِهَا بِحَصَيَاتٍ، فَإِنّ اللّه عَزّ وَجَلّ سَيُؤَدّى عَنْك أَمَانَتَك”. فَفَعَلَ الْعَبْدُ، فَخَرَجْت الْغَنَمُ إلَى سَيّدِهَا، وَعَلِمَ الْيَهُودِىّ أَنّ عَبْدَهُ قَدْ أَسْلَمَ

 

ينبغي أن نتأمل هنا، فمنذ هجرة محمد إلى يثرب، وقبل أن يصبح الإسلام هو الدين الإجباري لكل سكان شبه الجزيرة العربية، كان اتباع الإسلام والهرب وسيلة جيدة وربما الوحيدة والمضمونة لتحرير الإنسان لنفسه من قيد الاستعباد الحقير، ولنا أن نتخيل الأمر، وهذه المسأالة تتكرر كثيرًا في سيرة محمد، مثلًا في غزوة ثقيف فيما بعد.

 

لقد لعب ذلك المستعبد نصيبه في روليت وقمار الحياة، ولو أنه لم يلعبه بشرف، وكان حظه الخسارة:

وَدَفَعَ رَايَةً إلَى عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، وَرَايَةً إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَرَايَةً إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَخَرَجَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ بِالرّايَةِ وَتَبِعَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ فَاحْتُمِلَ فَأُدْخِلَ خِبَاءً مِنْ أخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ فَاطّلَعَ رَسُولُ اللّهِ ص فِى الْخِبَاءِ، فَقَالَ: “لَقَدْ كَرّمَ اللّهُ هَذَا الْعَبْدَ الأَسْوَدَ وَسَاقَهُ إلَى خَيْبَرَ، وَكَانَ الإِسْلامُ مِنْ نَفْسِهِ حَقّا، قَدْ رَأَيْت عِنْدَ رَأْسِهِ زَوْجَتَيْنِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ”.

 

هذه القصة رواها ابن إسحاق كذلك مع اختلافات بسيطة في الألفاظ، لكن عنده أنه كان أجيرًا وليس مستعبدًا:

 

قال ابن إسحاق: وكان من حديث الأسود الراعى، فيما بلغني، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُحاصِر لبعض حصون خَيْبر، ومعه غنم له، كان فيها أجيراً لرجل من يهود، فقال: يا رسول الله، أعرضْ علىَّ الإسلام، فعرضه عليه، فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَحْقِرُ أحداً أن يَدْعوه إلى الإسلام، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال: يا رسول الله، إنى كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم، وهي أمانة عندي، فكيف أصنع بها؟ قال: اضربْ في وجوهها، فإنها سترجع إلى رَبِّها - أو كما قال.

فقال الأسود، فأخذ حَفْنة من الحصى، فرمى بها في وجوهها، وقال: ارجعي إلى صاحبك، فوالله لا أصحبك أبداً فخرجت مجتمعة، كأن سائقاً يسوقها حتى دخلت الحِصن، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر فقتلَه، وما صلَّى للّه صلاةً قطُّ؛ فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوُضع خلفَه، وسُجِّيَ بشَمْلَة كانت عليه، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه نفر من أصحابه، ثم أعرض عنه، فقالوا: يا رسول الله، لم أعرضت عنه؟ قال: إن معه الآن زوجتَه من الحور العين.

 

وأخرجه الحاكم في المستدرك:

 

2609 - أخبرني أحمد بن محمد العنزي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال  كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها فجاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يكلم فقال له الرجل: إني قد آمنت بك وبما جئت به فكيف بالغنم يا رسول الله فإنها أمانة وهي للناس الشاة والشاتان وأكثر من ذلك ؟ قال: احصب وجوهها ترجع إلى أهلها فأخذ قبضة من حصباء أو تراب فرمى يها وجوهها فخرجت تشتد حتى دخلت كل شاة إلى أهلها ثم تقدم إلى الصف فأصابه سهم فقتله ولم يصل لله سجدة قط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخلوه الخباء فأدخل خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه ثم خرج فقال: لقد حسن إسلام صاحبكم لقد دخلت عليه وأن عنده لزوجتين له من الحور العين

 

إسناده ضعيف، لكني أورده كشاهد فقط.

 

وروايته تدل على أنه كان قد وقع بيد المسلمين فكان مجبورًا وإلا قتلوه على أي حال، وقد رأى أن الأفضل أن يغامر فلعله يظفر بغنيمة على رواية أنه كان أجيرًا أو بحريته وغنيمة على رواية الواقدي بأنه كان مستعبدًا.

 

وحينئذٍ عند موت الناس بفعل المزاعم الدينية والمطامع والتحريضات لا يجد محمد من تعزيات أمام شفقة الناس وحزنهم إلا الوعود والمواساة الوهمية الخرافية، ليضحي الناس بحيواتهم الوحيدة الحقيقية وحيوات غيرهم في سبيل أوهام وضلالات.

 

ويبدو أن غطفان مع ذلك حاولوا ولو بشكل واهن متراخٍ غير مهتمّ مساعدة ومعاضدة حلفائهم الخيبريين، فيقول ابن هشام عن ابن إسحاق:

 

فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، جمعوا له، ثم خرجوا ليظاهروا يهودَ عليه، حتى إذا ساروا مَنْقَلَةً (1) سمِعوا خلفَهم في أموالهم وأهليهم حِسًّا، ظنوا أن القومَ قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابِهم. فأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخَلَّوْا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر.

 

ويبدو أن الأمر فيه خدعة من المسلمين، أو تخاذل وتحجج من الغطفانيين.

 

 

(1) منقلة: أي مرحلة من السفر.

ويزعم الواقدي برواية مختلفة عن ابن إسحاق، أنهم أتوا خيبر فعلًا ثم انخذلوا عنها، ولو أني لا أثق بالقصة التي عند الواقدي هنا لكثرة تناقضات رواياتها:

 

قَالُوا: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى مُرّةَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو شُيَيْمٌ يَقُولُ: أَنَا فِى الْجَيْشِ الّذِينَ كَانُوا مَعَ عُيَيْنَةَ مِنْ غَطَفَانَ؛ أَقْبَلَ مَدَدُ الْيَهُودِ، فَنَزَلْنَا بِخَيْبَرَ وَلَمْ نَدْخُلْ حِصْنًا. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ رَأْسُ غَطَفَانَ وَقَائِدُهُمْ أَنْ ارْجِعْ بِمَنْ مَعَك وَلَك نِصْفُ تَمْرِ خَيْبَرَ هَذِهِ السّنَةَ إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِى خَيْبَرَ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَسْت بِمُسْلِمٍ حَلْفَائِى وَجِيرَانِى، فَأَقَمْنَا فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عُيَيْنَةَ إذْ سَمِعْنَا صَائِحًا، لا نَدْرِى مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الأَرْضِ أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلاثَةً - فَإِنّكُمْ قَدْ خُولِفْتُمْ إلَيْهِمْ وَيُقَالُ: إنّهُ لَمّا سَارَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ فِيهِمْ حَلَفُوا مَعَهُ وَارْتَأَسَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ فَدَخَلُوا مَعَ الْيَهُودِ فِى حُصُونِ النّطَاةِ قَبْل قُدُومِ رَسُولِ اللّهِ ص بِثَلاثَةِ أَيّامٍ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص خَيْبَرَ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُمْ فِى الْحِصْنِ فَلَمّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى الْحِصْنِ نَادَاهُمْ إنّى أُرِيدُ أَنْ أُكَلّمَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ.

فَأَرَادَ عُيَيْنَةُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْحِصْنَ فَقَالَ مَرْحَبٌ: لا تَدْخُلْهُ فَيَرَى خَلَلَ حِصْنِنَا وَيَعْرِفُ نَوَاحِيَهُ الّتِى يُؤْتَى مِنْهَا، وَلَكِنْ تَخْرُجُ إلَيْهِ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ يَدْخُلَ فَيَرَى حَصَانَتَهُ وَيَرَى عَدَدًا كَثِيرًا. فَأَبَى مَرْحَبٌ أَنْ يُدْخِلَهُ فَخَرَجَ عُيَيْنَةُ إلَى بَابِ الْحِصْنِ فَقَالَ سَعْدٌ: إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِى إلَيْك يَقُولُ: “إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِى خَيْبَرَ فَارْجِعُوا وَكُفّوا، فَإِنّ ظَهَرْنَا عَلَيْهَا فَلَكُمْ تَمْرُ خَيْبَرَ سَنَةً”. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: إنّا وَاَللّهِ مَا كُنّا لِنُسَلّمَ حَلْفَاءَنَا لِشَيْءٍ وَإِنّا لَنَعْلَمُ مَا لَك وَلِمَنْ مَعَك بِمَا هَا هُنَا طَاقَةٌ هَؤُلاءِ قَوْمٌ أَهْلُ حُصُونٍ مَنِيعَةٍ وَرِجَالٍ عَدَدُهُمْ كَثِيرٌ، وَسِلاحٌ، إنْ أَقَمْت هَلَكْت وَمَنْ مَعَك، وَإِنْ أَرَدْت الْقِتَالَ عَجّلُوا عَلَيْك بِالرّجَالِ وَالسّلاحِ، وَلا وَاَللّهِ مَا هَؤُلاءِ كَقُرَيْشٍ قَوْمٌ سَارُوا إلَيْك، إنْ أَصَابُوا غِرّةً مِنْك فَذَاكَ الّذِى أَرَادُوا وَإِلاّ انْصَرَفُوا، وَهَؤُلاءِ يُمَاكِرُونَكَ الْحَرْبَ وَيُطَاوِلُونَك حَتّى تُمْهِلَهُمْ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَشْهَدُ لَيَحْضُرَنّكَ فِى حِصْنِك هَذَا حَتّى تَطْلُبَ الّذِى كُنّا عَرَضْنَا عَلَيْك، فَلا نُعْطِيك إلاّ السّيْفَ وَقَدْ رَأَيْت يَا عُيَيْنَةُ مِنْ قَدْ حَلَلْنَا بِسَاحَتِهِ مِنْ يَهُودِ يَثْرِبَ، كَيْفَ مَزّقُوا كُلّ مُمَزّقٍ فَرَجَعَ سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ: وَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إنّ اللّهَ مُنْجِزٌ لَك مَا وَعَدَك وَمُظْهِرٌ دِينَهُ فَلا تُعْطِ هَذَا الأَعْرَابِىّ تَمْرَةً وَاحِدَةً يَا رَسُولَ اللّهِ لَئِنْ أَخَذَهُ السّيْفُ لَيُسَلّمُنّهُمْ وَلَيُهَرّبْنَ إلَى بِلادِهِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ فِى الْخَنْدَقِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ أَنْ يُوَجّهُوا إلَى حِصْنِهِمْ الّذِى فِيهِ غَطَفَانُ، وَذَلِكَ عَشِيّةً، وَهُمْ فِى حِصْنِ نَاعِم، فَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ص: “أَنْ أَصْبِحُوا عَلَى رَايَاتِكُمْ عِنْدَ حِصْنِ نَاعِم الّذِى فِيهِ غَطَفَانُ”. قَالَ: فَرُعِبُوا مِنْ ذَلِكَ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ فَلَمّا كَانَ بَعْدَ هَذِهِ مِنْ تِلْكَ اللّيْلَةِ سَمِعُوا صَائِحًا يَصِيحُ لا يَدْرُونَ مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الأَرْضِ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ، أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ الْغَوْثَ، الْغَوْثَ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلاثَةً - لا تُرْبَةَ وَلا مَالَ، قَالَ: فَخَرَجْت غَطَفَانُ عَلَى الصّعْبِ وَالذّلُولِ وَكَال أَمْرًا صَنَعَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِنَبِيّهِ، فَلَمّا أَصْبَحُوا أَخْبَرَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِى الْحُقَيْقِ وَهُوَ فِى الْكَتِيبَةِ بِانْصِرَافِهِمْ فَسَقَطَ فِى يَدَيْهِ وَذَلّ وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ وَقَالَ: كُنّا مِنْ هَؤُلاءِ الأَعْرَابِ فِى بَاطِلٍ إنّا سِرْنَا فِيهِمْ فَوَعَدُونَا النّصْرَ وَغَرّونَا، وَلَعَمْرِى لَوْلا مَا وَعَدُونَا مِنْ نَصْرِهِمْ مَا نَابَذْنَا مُحَمّدًا بِالْحَرْبِ وَلَمْ نَحْفَظْ كَلامَ سَلاّمِ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ إذْ قَالَ: لا تَسْتَنْصِرُوا بِهَؤُلاءِ الأَعْرَابِ أَبَدًا فَإِنّا قَدْ بَلَوْنَاهُمْ. وَجَلَبَهُمْ لِنَصْرِ بَنِى قُرَيْظَةَ ثُمّ غَرّوهُمْ. فَلَمْ نَرَ عِنْدَهُمْ وَفَاءً لَنَا، وَقَدْ سَارَ فِيهِمْ حُيَىّ بْنُ أَخْطَبَ وَجَعَلُوا يَطْلُبُونَ الصّلْحَ مِنْ مُحَمّدٍ ثُمّ زَحَفَ مُحَمّدٌ إلَى بَنِى قُرَيْظَة َ وَانْكَشَفَتْ غَطَفَانُ رَاجِعَةً إلَى أَهْلِهَا.

قَالُوا: فَلَمّا انْتَهَى الْغَطَفَانِيّونَ إلَى أَهْلِهِمْ بِحَيْفَاءَ وَجَدُوا أَهْلَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ فَقَالُوا: هَلْ رَاعَكُمْ شَىْءٌ؟ قَالُوا: لا وَاَللّهِ، فَقَالُوا: لَقَدْ ظَنَنّا أَنّكُمْ قَدْ غَنِمْتُمْ فَمَا نَرَى مَعَكُمْ غَنِيمَةً وَلا خَيْرًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لأَصْحَابِهِ: هَذَا وَاَللّهِ مِنْ مَكَائِدِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ خَدَعَنَا وَاَللّهِ، فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ: بِأَىّ شَىْءٍ؟ قَالَ عُيَيْنَةُ: إنّا فِى حِصْنِ النّطَاةِ بَعْدَ هَدْأَةٍ إذْ سَمِعْنَا صَائِحًا يَصِيحُ لا نَدْرِى مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الأَرْضِ أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلاثَةً - فَلا تُرْبَةَ وَلا مَالٍ

 

هذه القصة فيها تناقضات فقوله لم يدخلوا حصونهم لو حدث لاستوجب مواجهة والتحامًا مع الجنود المسلمين، وعاد فروى رواية بأنهم دخلوا حصون اليهود، ولم يذكر ابن إسحاق ولا البخاري ولا غيرهما من أئمة الرواة أي دور لغطفان بتلك المعركة، فالأصح أنهم خذلوا أهل خيبر تمامًا ولم يساعدوهم وتركوهم فريسة لإجرام محمد وأتباعه.

 

وأراد عيينة بن حصن الفزاري العودة لنصرة الخيبريين لكن بعد فوات الأوان، يقول الواقدي:

 

فَأَقَامَ عُيَيْنَةُ أَيّامًا فِى أَهْلِهِ ثُمّ دَعَا أَصْحَابَهُ لِلْخُرُوجِ إلَى نَصْرِ الْيَهُودِ، فَجَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ: يَا عُيَيْنَةُ أَطِعْنِى وَأَقِمْ فِى مَنْزِلِك وَدَعْ نَصْرَ الْيَهُودِ، مَعَ أَنّى لا أَرَاك تَرْجِعُ إلَى خَيْبَرَ إلاّ وَقَدْ فَتَحَهَا مُحَمّدٌ وَلا آمِنْ عَلَيْك. فَأَبَى عُيَيْنَةُ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ وَقَالَ: لا أَسْلَمَ حُلَفَائِى لِشَيْءٍ.

 

يقول الواقدي ما يؤكد أنها كانت حرب تعصب ديني:

... فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّ الْيَهُودَ جَاءَهُمْ الشّيْطَانُ فَقَالَ لَهُمْ: إنّ مُحَمّدًا يُقَاتِلُكُمْ عَلَى أَمْوَالِكُمْ نَادَوْهُمْ قُولُوا لا إلَهَ إلاّ اللّهُ ثُمّ قَدْ أَحْرَزْتُمْ بِذَلِكَ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ وَحِسَابَكُمْ عَلَى اللّهِ فَنَادَوْهُمْ بِذَلِكَ فَنَادَتْ الْيَهُودُ: إنّا لا نَفْعَلُ وَلا نَتْرُكُ عَهْدَ مُوسَى وَالتّوْرَاةُ بَيْنَنَا”. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لأُعْطِيَنّ الرّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ يَفْتَحُ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِفَرّارٍ...

 

سرق محمد تراث اليهود التوراتي والربيني الهاجادي وبنى عليه أساس وجسم دينه، ثم لما رفضوا محاولته لإكراهه لهم على اتباعه كدعم لدعوته الدينية القومية العروبية أبادهم ونفاهم وسبى أطفالهم ونساءهم واستعبدهن.

 

ويكشف لنا الواقدي، كما لاحظنا بشكل عابر طبيعة التوزيع الإقطاعي للأراضي المنهوبة، فقد وهب محمد بن مسلمة:

 

فَقَالَ مُحَمّدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ اقْطَعْ لِى عِنْدَ قَبْرِ أَخِى. قَالَ: “لَك حَضَرُ الْفَرَسِ فَإِنْ عَمِلْت فَلَك حُضْرُ فَرَسَيْنِ”.

 

حضر الفرس: أي مقدار عَدْوه وركضه.

 

سنتحدث أكثر عن هذا في التالي، وهو نهج استأنفه خلفاء محمد كعمر وعثمان، وهذا يختلف كثيرًا عن تعاليم الإسلام المكي الباكر كما نرى الذي يكره مجرد كنز المال والذهب.

 

لم يكن المسلمون معهم زاد يكفي لحصار ورباط طويل، ويقول الواقدي:

 

وَكَانَ حِصْنُ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ فِى النّطَاةِ، وَكَانَ حِصْنُ الْيَهُودِ فِيهِ الطّعَامُ وَالْوَدَكُ وَالْمَاشِيَةُ وَالْمَتَاعُ وَكَانَ فِيهِ خَمْسُمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَكَانَ النّاسُ قَدْ أَقَامُوا أَيّامًا يُقَاتِلُونَ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ طَعَامٌ إلاّ الْعَلَفُ. قَالَ مُعَتّبٌ الأَسْلَمِىّ: أَصَابَنَا مَعْشَرَ أَسْلَمَ خَصَاصَةً حِينَ قَدِمْنَا خَيْبَرَ، وَأَقَمْنَا عَشَرَةَ أَيّامٍ عَلَى حِصْنِ النّطَاةِ لا نَفْتَحُ شَيْئًا فِيهِ طَعَامٌ فَأَجْمَعَتْ أَسْلَمُ أَنْ يُرْسِلُوا أَسَمَاءَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالُوا: ائْتِ مُحَمّدًا رَسُولَ اللّهِ فَقُلْ إنّ أَسْلَمَ يُقْرِئُونَك السّلامَ وَيَقُولُونَ: إنّا قَدْ جَهْدَنَا مِنْ الْجَوْعِ وَالضّعْفِ، فَقَالَ بُرَيْدَة بْنُ الْحُصَيْبِ: وَاَللّهِ إنْ رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ أَمْرًا بَيْنَ الْعَرَبِ يَصْنَعُونَ فِيهِ هَذَا فَقَالَ هِنْدُ بْنُ حَارِثَةَ: وَاَللّهِ إنّا لَنَرْجُو أَنْ تَكُونَ الْبِعْثَةُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص مِفْتَاحَ الْخَيْرِ، فَجَاءَهُ أَسَمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَسْلَمَ تَقُولُ: إنّا قَدْ جَهِدْنَا مِنْ الْجُوعِ وَالضّعْفِ فَادْعُ اللّهَ لَنَا، فَدَعَا لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص، فَقَالَ: “وَاَللّهِ مَا بِيَدِى مَا أَقْرِيهِمْ”، ثُمّ صَاحَ بِالنّاسِ، فَقَالَ: “اللّهُمّ افْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حِصْنٍ فِيهِ أَكْثَرُهُ طَعَامًا وَأَكْثَرُهُ وَدَكًا”، وَدَفَعُوا اللّوَاءَ إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ وَنَدَبَ النّاسَ فَمَا رَجَعْنَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا الْحِصْنَ - حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ. فَقَالَتْ أُمّ مُطَاعٍ الأَسْلَمِيّة، وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ص فِى نِسَاءٍ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْت أَسْلَمَ حِينَ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللّهِ ص مَا شَكَوْا مِنْ شِدّةِ الْحَالِ فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ص النّاسَ فَنَهَضُوا، فَرَأَيْت أَسْلَمَ أَوّلَ مَنْ انْتَهَى إلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَإِنّ عَلَيْهِ لَخَمْسُمِائَةِ مُقَاتِلٍ فَمَا غَابَتْ الشّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتّى فَتَحَهُ اللّهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ قِتَالٌ شَدِيدٌ، بَرَزَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، يُقَالُ لَهُ: يُوشَعُ، يَدْعُو إلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ إلَيْهِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٌ فَقَتَلَهُ الْحُبَابُ، وَبَرَزَ آخَرُ يُقَالُ لَهُ: الزّيّالُ فَبَرَزَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ الْغِفَارِىّ فَبَدَرَهُ الْغِفَارِىّ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً عَلَى هَامَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا الْغُلامُ الْغِفَارِىّ، فَقَالَ النّاسُ: بَطَلُ جِهَادِهِ، فَبَلَغَ رَسُولُ اللّهِ ص، فَقَالَ: “مَا بَأْسُ بِهِ يُؤْجَرُ وَيُحْمَدُ”.

وَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ يُحَدّثُ أَنّهُمْ حَاصَرُوا حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ثَلاثَةَ أَيّامٍ وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا، وَأَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ تَرْتَعُ وَرَاءَ حِصْنِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مِنْ رَجُلٍ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ”؟ فَقُلْت: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَخَرَجْت أَسْعَى مِثْلَ الظّبْىِ فَلَمّا نَظَرَ إلَىّ رَسُولُ اللّهِ ص مُوَلّيًا، قَالَ: اللّهُمّ مَتّعْنَا بِهِ فَأَدْرَكْت الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَ أَوّلُهَا الْحِصْنَ فَأَخَذْت شَاتَيْنِ مِنْ آخِرِهَا فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدَىّ، ثُمّ أَقْبَلْت أَعْدُو كَأَنْ لَيْسَ مَعِى شَىْءٌ حَتّى أَتَيْت بِهِمَا رَسُولَ اللّهِ ص، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللّهِ ص فَذُبِحَتَا ثُمّ قَسَمَهُمَا، فَمَا بَقِىَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ الّذِينَ هُمْ مَعَهُ مُحَاصِرِينَ الْحِصْنَ إلاّ أَكَلَ مِنْهَا

 وَكَانَ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِىّ يُحَدّثُ قَالَ: أَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ وَنَزَلْنَا خَيْبَرَ زَمَانَ الْبَلَحِ وَهِىَ أَرْضٌ وَخِيمَةٌ حَارّةٌ شَدِيدٌ حُرّهَا. فَبَيْنَا نَحْنُ مُحَاصِرُونَ حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ فَخَرَجَ عِشْرُونَ حِمَارًا مِنْهُ أَوْ ثَلاثُونَ فَلَمْ يَقْدِرْ الْيَهُودُ عَلَى إدْخَالِهَا، وَكَانَ حِصْنُهُمْ لَهُ مَنَعَةٌ فَأَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ فَانْتَحَرُوهَا، وَأَوْقَدُوا النّيرَانَ وَطَبَخُوا لُحُومَهَا فِى الْقُدُورِ وَالْمُسْلِمُونَ جِيَاعٌ وَمَرّ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ ص وَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ فَأَمَرَ مُنَادِيًا: “إنّ رَسُولَ اللّهِ يَنْهَاكُمْ عَنْ الْحُمُرِ الإِنْسِيّةِ - قَالَ: فَكَفَوْا الْقُدُورَ - وَعَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ وَعَنْ كُلّ ذِى نَابٍ وَمِخْلَبٍ”.

 

.... وَقَدْ قَتَلْنَا مِنْهُمْ عَلَى الْحِصْنِ عِدّةً كُلّمَا قَتَلْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً حَمَلُوهُ حَتّى يُدْخِلُوهُ الْحِصْنَ. ثُمّ حَمَلَ صَاحِبُ رَايَتِنَا وَحَمَلْنَا مَعَهُ وَأَدْخَلْنَا الْيَهُودَ الْحِصْنَ وَتَبِعْنَاهُمْ فِى جَوْفِهِ فَلَمّا دَخَلْنَا عَلَيْهِمْ الْحِصْنَ فَكَأَنّهُمْ غَنَمٌ فَقَتَلْنَا مَنْ أَشْرَفَ لَنَا، وَأَسَرْنَا مِنْهُمْ وَهَرَبُوا فِى كُلّ وَجْهٍ يَرْكَبُونَ الْحَرّةَ يُرِيدُونَ حِصْنَ قَلْعَةِ الزّبَيْرِ، وَجَعَلْنَا نَدَعُهُمْ يَهْرُبُونَ وَصَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جُدُرِهِ.....

 

..... فَوَجَدْنَا وَاَللّهِ مِنْ الأَطْعِمَةِ مَا لَمْ نَظُنّ أَنّهُ هُنَاكَ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ وَالسّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالزّيْتِ وَالْوَدَكِ. وَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ص: “كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلا تَحْتَمِلُوا”. يَقُولُ: لا تَخْرُجُوا بِهِ إلَى بِلادِكُمْ.

فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحِصْنِ مَقَامَهُمْ طَعَامَهُمْ وَعَلَفَ دَوَابّهِمْ لا يُمْنَعُ أَحَدُ أَنْ يَأْخُذَ حَاجَتَهُ وَلا يُخَمّسُ الطّعَامَ، وَوَجَدُوا فِيهِ مِنْ الْبَزّ وَالآنِيّةِ وَوَجَدُوا خَوَابِىَ السّكَرِ فَأُمِرُوا فَكَسَرُوهَا، فَكَانُوا يَكْسِرُونَهَا حَتّى سَالَ السّكَرُ فِى الْحِصْنِ وَالْخَوَابِى كِبَارٌ لا يُطَاقُ حَمْلُهَا.

وَكَانَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىّ يَقُولُ: وَجَدْنَا فِيهِ آنِيّةً مِنْ نُحَاسٍ وَفَخّارٍ كَانَتْ الْيَهُودُ تَأْكُلُ فِيهَا وَتَشْرَبُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللّهِ ص فَقَالَ: “اغْسِلُوهَا وَاطْبُخُوا وَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا”. وَقَالَ: “أَسْخِنُوا فِيهَا الْمَاءَ ثُمّ اُطْبُخُوا بَعْدُ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا”. وَأَخْرَجْنَا مِنْهُ غَنَمًا كَثِيرًا وَبَقَرًا وَحُمُرًا، وَأَخْرَجْنَا مِنْهُ آلَةً كَثِيرَةً لِلْحَرْبِ وَمَنْجَنِيقًا وَدَبّابَاتٍ وَعُدّةً فَنَعْلَمُ أَنّهُمْ قَدْ كَانُوا يَظُنّونَ أَنّ الْحِصَارَ يَكُونُ دَهْرًا....

 

فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقَدْ خَرَجَ مِنْ أُطُمٍ مِنْ حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ الْبَزّ عِشْرُونَ عِكْمًا مَحْزُومَةً مِنْ غَلِيظِ مَتَاعِ الْيَمَنِ، وَأَلْفُ وَخَمْسُمِائَةِ قَطِيفَةٍ يُقَالُ: قَدِمَ كُلّ رَجُلٍ بِقَطِيفَةٍ عَلَى أَهْلِهِ وَوَجَدُوا عَشَرَةَ أَحْمَالِ خَشَبٍ فَأَمَرَ بِهِ فَأَخْرَجَ مِنْ الْحِصْنِ ثُمّ أَحْرَقَ فَمَكَثَ أَيّامًا يَحْتَرِقُ وَخَوَابِى سَكَرٍ كُسِرَتْ وَزُقَاقُ خَمْرٍ فَأُهْرِيقَتْ

 

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أُمّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: لَقَدْ وَجَدْنَا فِى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ الطّعَامِ مَا كُنْت أَظُنّ أَنّهُ لا يَكُونُ بِخَيْبَرَ، جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَأْكُلُونَ مَقَامَهُمْ شَهْرًا وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْحِصْنِ فَيَعْلِفُونَ دَوَابّهُمْ مَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خُمُسٌ وَأُخْرِجُ مِنْ الّبُزُوزِ شَيْءٌ كَثِيرٌ يُبَاعُ فِى الْمَقْسَمِ؟ وَوُجِدَ فِيهِ خَرْزٌ مِنْ خَرْزِ الْيَهُودِ. فَقِيلَ لَهَا: فَمَنْ الّذِى يَشْتَرِى ذَلِكَ فِى الْمَقْسَمِ؟ قَالَتْ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ الّذِينَ كَانُوا فِى الْكَتِيبَةِ فَآمَنُوا، وَمَنْ حَضَرَ مِنْ الأَعْرَابِ، فَكُلّ هَؤُلاءِ يَشْتَرِى، فَأَمّا مَنْ يَشْتَرِى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنّمَا يُحَاسَبُ بِهِ مِمّا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَغْنَمِ.

 

العِكم: ثوب يبسط ويوضع فيه المتاع كالقفة

 

أول الأخلاق ألا تهجم على الآخرين لتسرقهم وألا تسرق وتنهب طعامهم لتأكل فذلك يعد مالًا مسروقًا حرامًا وفق القانون الإنساني الاجتماعي، ونلاحظ أنهم سرقوا مخزونات أقمشة قطائف، وكعادتهم في التخريب خربوا وأحرقوا كمية كبيرة من الخشب التي وجدوا أنهم قد لا ينقلونها ففعلوا ذلك لحقدهم وشرهم المغروس بهم وطبيعتهم التخريبية، أحفادهم الروحيون داعش وطالبان دمروا الآثار في العراق وأفغانستان مثلًا. أيضًا نجد فرض شرائعهم على أملاك اليهود التي ينهبونها فما لا يستحلونه كمسلمين قاموا بسكبه وإهداره كالخمور وهي أموال ناس وملكية خاصة تم الاعتداء عليها في الجوهر القانوني للأمر. نلاحظ أن خروج أغنام ودواب من الحصن اليهودي علامة استهتار وإهمال وسوء تخطيط واستهتار منهم وكل هذه هي بوادر انحدار جالية مسكينة شاخت منها العقول وقل وانعدم الإبداع وحسن التدبير، مما عجل بنصر محمد على هؤلاء البؤساء.

 

وذكر بعض القصة ابن هشام كذلك:

 

فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدثه بعضُ أسْلم: أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا، والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينِا من شيء، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شىء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء وأكثرها طعاما وودكا، فغدا الناس، ففتح الله عز وجل حصن الصَّعْب بن مُعاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودَكاً منه.

 

وبموضع آخر يروي:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني بُرَيدة بن سُفيان الأسلمي، عن بعض رجال بني سَلَمة عن أبي اليَسَر كعب بن عمرو، قال: والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنَهم، ونحن محاصروهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يطعمنا من هذا الغنم؟ قال أبو اليَسَر: فقلت: أنا يا رسول الله؛ قال: فافعلْ؛ قال: فخرجت أشتد مثل الظليم، فلما نظر إلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُولياً قال: اللهم أمتعنا به. قال: فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحِصنَ، فأخذت شاتَيْن من أخراها، فأحتضنتهما تحت يديَّ، ثم أقبلت بهما أشتد، كأنه ليس معى شيء، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذبحوهما فأكلوهما

 

الظليم: ذكر النعام.

وروى البخاري:

 

4214 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ح وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ»

 

ويحكيها ابن إسحاق هكذا:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن عبد الله بن مُغَفَّل المُزَنى، قال: أصبت من فىء خيبر جراب شحم، فاحتملته على عاتقى إلى رحلي وأصحابي. قال: فلقيني صاحب المغانم الذي جُعل عليها، فأخذ بناحيته وقال: هلمَّ هذا نقسمْه بين المسلمين، قال: قلت: لا والله لا أعطيكه، قال: فجعل يجاذبني الجراب. قال: فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا، ثم قال لصاحب المغانم: لا أبا لك، خَلِّ بينه وبينه، قال: فأرسله، فانطلقت به إلى رَحْلى وأصحابي، فأكلناه.

 

سنتحدث عما نهبه أتباع محمد أدناه في الآتي.

 

وبنظر محمد فإن المعتدين المجرمين مكافؤون بدخول جنته المزعومة، يروي الواقدي:

 

وَكَانَ ابْنُ الأَكْوَعِ يَقُولُ كُنّا عَلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، أَسْلَمَ بِأَجْمَعِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ حَصَرُوا أَهْلَ الْحِصْنِ فَلَقَدْ رَأَيْتنَا وَصَاحِبَ رَايَتِنَا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَخَذَ الرّايَةَ فَغَدَوْنَا مَعَهُ، وَغَدَا عَامِرُ بْنُ سِنَانٍ فَلَقِىَ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ، وَبَدَرَهُ الْيَهُودِىّ فَيَضْرِبُ عَامِرًا، قَالَ عَامِرٌ: فَاتّقَيْته بِدَرَقَتِى فَنَبَا سَيْفُ الْيَهُودِىّ عَنْهُ. قَالَ عَامِرٌ: فَأَضْرِبُ رِجْلَ الْيَهُودِىّ فَأَقْطَعُهَا، وَرَجَعَ السّيْفُ عَلَى عَامِرٍ فَأَصَابَهُ ذُبَابُهُ فَنَزَفَ فَمَاتَ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: حَبَطَ عَمَلُهُ، فَبَلَغَ رَسُولُ اللّهِ ص فَقَالَ: “كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، إنّ لَهُ لأَجْرَيْنِ إنّهُ جَاهَدَ مُجَاهِدٌ، وَإِنّهُ لَيَعُومُ فِى الْجَنّةِ عَوْمَ الدّعْمُوصِ”.

والقصة رواها أصحاب كتب الحديث ومنهم البخاري:

 

4196 - .... فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ» قُلْتُ لَهُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ»، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ: «نَشَأَ بِهَا»

 

6148 - ......فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ، كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاحِبًا، فَقَالَ لِي: «مَا لَكَ» فَقُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ: «مَنْ قَالَهُ؟» قُلْتُ: قَالَهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ»

 

ورواه مسلم 1802 وأحمد بن حنبل 16511  ومن لفظهما: (كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ ، بِإِصْبَعَيْهِ ، وَإِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ ، وَقَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا يَزِيدُكَ عَلَيْهِ.) و16538 وغيرهم

 

ذلك الرجل الأعرابي الجشع عيينة بن حصن الفزاري ربما بعد انتهاء المعركة، ينقل لنا الواقدي إن صحت قصته أنه قال كلمة معرّضًا فيها بالمسلمين وسرقتهم لليهود:

 

قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَمّا نَظَرَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْقُلُونَ مِنْهُ الطّعَامَ وَالْعَلَفَ وَالْبَزّ قَالَ: مَا أَحَدٌ يَعْلِفُ لَنَا دَوَابّنَا وَيُطْعِمُنَا مِنْ هَذَا الطّعَامِ الضّائِعِ فَقَدْ كَانَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كِرَامًا فَشَتَمَهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا: لَك الّذِى جَعَلَ لَك رَسُولُ اللّهِ ص ذُو الرّقَيْبَةِ، فَاسْكُتْ

 

وبموضع آخر:

 

قَالُوا: وَكَانَ أَبُو شُيَيْمٍ الْمُزَنِىّ - قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلامُهُ - يُحَدّثُ يَقُولُ لَمّا نَفّرْنَا أَهْلَهَا بِحَيْفَاءَ مَعَ عُيَيْنَةَ - قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ قَارّونَ هَادِئُونَ لَمْ يَهْجُهُمْ هَائِجٌ - رَجَعَ بِنَا عُيَيْنَةُ فَلَمّا كَانَ دُونَ خَيْبَرَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْحُطَامُ عَرّسْنَا مِنْ اللّيْلِ...إلخ قَالَ: فَلَمّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ فَوَجَدَ رَسُولَ اللّهِ ص قَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ وَغَنّمَهُ اللّهُ مَا فِيهَا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: أُعْطِنِى يَا مُحَمّدُ مِمّا غَنِمْت مِنْ حُلَفَائِى فَإِنّى انْصَرَفْت عَنْك وَعَنْ قِتَالِك وَخَذَلْت حُلَفَائِى وَلَمْ أُكْثِرْ عَلَيْك، وَرَجَعْت عَنْك بِأَرْبَعَةِ آلافِ مُقَاتِلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: كَذَبْت، وَلَكِنْ الصّيَاحُ الّذِى سَمِعْت أَنَفَرَك إلَى أُهْلِكْ. قَالَ: أَجْزِنِى يَا مُحَمّدُ، قَالَ: لَك ذُو الرّقَيْبَةِ. قَالَ عُيَيْنَةُ: وَمَا ذُو الرّقَيْبَةِ؟....إلخ

 

وذو الرقيبة جبل من خيبر وهبه محمد كما يروي الواقدي للزعيم الفزاري الغطفاني ليتلهى ويراضى هو وأعرابه بتلك الهبة الغثة من قسمة النهب لعل قومه يرعون أغنامهم عليه، ونلاحظ إجماع شهود الحق من الوثنيين على كرم يهود الحجاز وإحسانهم للضيوف والمحتاجين.

 

أيضًا كشف لنا الواقدي استمرار مسلسل الخيانات والسلوك الأناني لبعض أفراد يهود خيبر:

 

قَالَ: وَتَحَوّلَتْ الْيَهُودُ مِنْ حِصْنِ نَاعِم كُلّهَا، وَمِنْ حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمِنْ كُلّ حُصُونِ النّطَاةِ، إلَى حِصْنٍ يُقَالُ لَهُ: قُلْعَةُ الزّبَيْرِ، فَزَحَفَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَيْهِمْ وَالْمُسْلِمُونَ فَحَاصَرَهُمْ وَغَلّقُوا عَلَيْهِمْ حِصْنَهُمْ وَهُوَ حَصِينٌ مَنِيعٌ، وَإِنّمَا هُوَ فِى رَأْسِ قَلْعَةٍ لا تَقْدِرُ عَلَيْهِ الْخَيْلُ وَلا الرّجَالُ لِصُعُوبَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ وَبَقِيت بَقَايَا لا ذِكْرَ لَهُمْ فِى بَعْضِ حُصُونِ النّطَاةِ، الرّجُلُ وَالرّجُلانِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص بِإِزَائِهِمْ رِجَالاً يَحْرُسُونَهُمْ لا يَطْلُعُ أَحَدٌ عَلَيْهِمْ إلاّ قَتَلُوهُ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى مُحَاصَرَةِ الّذِينَ فِى قَلْعَةِ الزّبَيْرِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: غَزَالٌ، فَقَالَ: أَبَا الْقَاسِمِ تُؤَمّنّى عَلَى أَنْ أَدُلّك عَلَى مَا تَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ أَهْلِ النّطَاةِ وَتَخْرَجُ إلَى أَهْلِ الشّقّ، فَإِنّ أَهْلَ الشّقّ قَدْ هَلَكُوا رُعْبًا مِنْك؟ قَالَ: فَأَمّنّهُ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ الْيَهُودِىّ: إنّك لَوْ أَقَمْت شَهْرًا مَا بَالُوا، لَهُمْ دُبُولٌ تَحْتَ الأَرْضِ يَخْرُجُونَ بِاللّيْلِ فَيَشْرَبُونَ بِهَا ثُمّ يَرْجِعُونَ إلَى قَلْعَتِهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْك، وَإِنْ قَطَعْت مَشْرَبَهُمْ عَلَيْهِمْ ضَجّوا، فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى دُبُولِهِمْ فَقَطَعَهَا، فَلَمّا قَطَعَ عَلَيْهِمْ مَشَارِبَهُمْ لَمْ يُطِيقُوا الْمَقَامَ عَلَى الْعَطَشِ، فَخَرَجُوا فَقَاتَلُوا أَشَدّ الْقِتَالِ، وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ نَفَرٌ وَأُصِيبَ مِنْ الْيَهُودِ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَشَرَةٌ، وَافْتَتَحَهُ رَسُولُ اللّهِ ص فَكَانَ آخِرَ حُصُونِ النّطَاةِ.

ليس المجال هنا لتفسير فلسفي أو بيولوجي لأنانية وخيانة الإنسان، أعتقد دوكنز في آخر كتابه (أعظم العروض على الأرض) قام بشيء مماثل، لا يسر المرء كثيرًا بتحليله لتلك المسألة على واقعيته، لكنه لا يجعل فعلًا خسيسًا كهذا مبررًا بأية حال. قطع الماء عن اليهود أخرجهم من حصنهم بفعل العطش وتسبب بخسارة سريعة لهم. والدبول جمع دبل وهو الجدول أي نهير الماء.

ثم ضمن حديث الواقدي عن اقتحامهم لمنطقة الشق من خيبر وحصن أبي، بعدما قاتلوا اليهود وقتلوا بعضهم:

 

وَأَحْجَمُوا عَنْ الْبِرَازِ فَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمّ تَحَامَلُوا عَلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ يَقْدُمُهُمْ أَبُو دُجَانَةَ فَوَجَدُوا فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا وَغَنَمًا وَطَعَامًا، وَهَرَبَ مَنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَتَقَحّمُوا الْجُدُرَ كَأَنّهُمْ الظّبَاءُ حَتّى صَارُوا إلَى حِصْنِ النّزَارِ بِالشّقّ

 

عندما يقرأ عرب اليوم والشرقيون من المسلمة حال من يقتدون بهم كلصوص مريعين نهبوا ممتلكات غيرهم، ألا يخطر ببالهم أنهم ضُلِّلو بالاقتداء بمثل هذه الشخصيات العنيفة الإجرامية المعتدية؟! المسلمون الطيبون الذي عاشرتهم يقولون لا نقبل أن ندخل على بيوتنا وأولادنا مالًا حرامًا، ألا ندرك أن الأخلاق لا تتجزأ وأنه لا استثناآت ومقاييس ومعايير مزدوجة؟!

محمد الذي يعتبرونه قدوة ونموذجًا أعلى، لم يكن هو وصحبه سوى خاطفي سابي نساء وأطفال، ممارسين للاستعباد والخطف والنخاسة، يقول ابن هشام عن ابن إسحاق:

 

وأصاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا، منهن صفيةُ بنتُ حُيَىّ بن أخْطَب، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحُقَيق، وبنتىْ عَمٍّ لها، فاصطفى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صفيةَ لنفسه. وكان دِحْيَة بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتىْ عمها، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين.

 

يحكي لنا الواقدي تفاصيل عن كيفية سبي صفية بنت حيي زوجة كنانة، هي وفتيات ونساء أخريات، بتفصيل ليس عند غيره:

 

... حَتّى جَاءَ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوا أَهْلَهُ أَخْذًا. وَكَانَتْ فِيهِ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَىّ وَابْنَةُ عَمّهَا. فَكَانَ عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِى اللّحْمِ يَقُولُ شَهِدْت صَفِيّةَ أُخْرِجَتْ وَابْنَةُ عَمّهَا وَصَبِيّاتٌ مِنْ حِصْنِ النّزَارِ فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ص حِصْنَ النّزَارِ بَقِيَتْ حُصُونٌ فِى الشّقّ، فَهَرَبَ أَهْلُهَا مِنْهَا حَتّى انْتَهَوْا إلَى أَهْلِ الْكَتِيبَةِ وَالْوَطِيحِ وَسُلالِم. وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَقُولُ: وَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى حِصْنِ النّزَارِ فَقَالَ: هَذَا آخِرُ حُصُونِ خَيْبَرَ كَانَ فِيهِ قِتَالٌ لَمّا فَتَحْنَا هَذَا الْحِصْنَ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ قِتَالٌ حَتّى خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ خَيْبَرَ.

فَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ قَالَ: قُلْت لِجَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ: كَيْفَ صَارَتْ صَفِيّةُ فِى حِصْنِ النّزَارِ فِى الشّقّ وَحِصْنِ آلِ أَبِى الْحُقَيْقِ بِسُلالِمَ وَلَمْ يَسُبّ فِى حُصُونِ النّطَاةِ مِنْ النّسَاءِ وَالذّرّيّةِ أَحَدٌ وَلا بِالشّقّ إلاّ فِى حِصْنِ النّزَارِ فَإِنّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ ذُرّيّةٌ وَنِسَاءٌ؟ فَقَالَ: إنّ يَهُودَ خَيْبَرَ أَخَرَجُوا النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ إلَى الْكَتِيبَةِ وَفَرّغُوا حِصْنَ النّطَاةِ لِلْمُقَاتِلَةِ فَلَمْ يُسْبَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلاّ مَنْ كَانَ فِى حِصْنِ النّزَارِ صَفِيّةُ وَابْنَةُ عَمّهَا وَنُسَيّاتٌ مَعَهَا. وَكَانَ كِنَانَةُ قَدْ رَأَى أَنّ حِصْنَ النّزَارِ أَحْصَنُ مَا هُنَالِكَ فَأَخْرَجَهَا فِى اللّيْلَةِ الّتِى تَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ ص فِى صَبِيحَتِهَا إلَى الشّقّ حَتّى أُسِرَتْ وَبِنْتُ عَمّهَا وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنْ ذَرَارِىّ الْيَهُودِ، وَبِالْكَتِيبَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَمِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْنِ، فَلَمّا صَالَحَ رَسُولُ اللّهِ ص أَهْلَ الْكَتِيبَةِ أَمِنَ الرّجَالَ وَالذّرّيّةَ وَدَفَعُوا إلَيْهِ الأَمْوَالَ وَالْبَيْضَاءَ وَالصّفْرَاءَ، وَالْحَلْقَةَ وَالثّيَابَ إلاّ ثَوْبًا عَلَى إنْسَانٍ، فَلَقَدْ كَانَ مِنْ الْيَهُودِ حِينَ أَمّنَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص يُقْبِلُونَ وَيُدْبِرُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ لَقَدْ أَنْفَقُوا عَامّةَ الْمَغْنَمِ مِمّا يَشْتَرُونَ مِنْ الثّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَكَانُوا قَدْ غَيّبُوا نَقُودَهُمْ وَعَيْنَ مَالِهِمْ.

 

... حَتّى أَجْهَدَهُمْ الْحِصَارُ وَقَذَفَ اللّهُ فِى قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ. فَأَرْسَلَ كِنَانَةَ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: شَمّاخٌ إلَى النّبِىّ ص يَقُولُ: أَنْزِلْ إلَيْك أُكَلّمْك فَلَمّا نَزَلَ شَمّاخٌ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأُتِىَ بِهِ النّبِىّ ص فَأَخْبَرَهُ بِرِسَالَةِ كِنَانَةَ، فَأَنْعَمَ لَهُ فَنَزَلَ كِنَانَةُ فِى نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَصَالَحَهُ عَلَى مَا صَالَحَهُ فَأَحْلَفَهُ عَلَى مَا أَحْلَفَهُ عَلَيْهِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ: تِلْكَ الْقِسِىّ وَالسّلاحُ إنّمَا كَانَ لآلِ أَبِى الْحُقَيْقِ جَمَاعَةٌ يُعِيرُونَهُ الْعَرَبَ، وَالْحُلِىّ يَعِيرُونَهُ الْعَرَبَ. ثُمّ يَقُولُ: كَانُوا شَرّ يَهُودِ يَثْرِبَ.

قَالُوا: وَأَرْسَلَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِى الْحُقَيْقِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص أَنْزِلْ فَأُكَلّمَك؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “نَعَمْ”. قَالَ: فَنَزَلَ ابْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ فَصَالَحَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى حَقْنِ دِمَاءِ مَنْ فِى حُصُونِهِمْ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَتَرَكَ الذّرّيّةَ لَهُمْ وَيَخْرُجُونَ مِنْ خَيْبَرَ وَأَرْضِهَا بِذَرَارِيّهِمْ وَيُخَلّونَ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ص، وَبَيْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ، أَوْ أَرْضٍ وَعَلَى الصّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْكُرَاعِ وَالْحَلْقَةِ، وَعَلَى الْبَزّ إلاّ ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “وَبَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ إنْ كَتَمْتُمُونِى شَيْئًا”. فَصَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الأَمْوَالِ فَقَبَضَهَا، الأَوّلُ فَالأَوّلُ وَبَعَثَ إلَى الْمَتَاعِ وَالْحَلْقَةِ فَقَبَضَهَا، فَوَجَدَ مِنْ الدّرُوعِ مِائَةَ دِرْعٍ وَمِنْ السّيُوفِ أَرْبَعَمِائَةِ سَيْفٍ وَأَلْفَ رُمْحٍ وَخَمْسَمِائَةِ قَوْسٍ عَرَبِيّةٍ بِجِعَابِهَا.

فَسَأَلَ رَسُولُ اللّهِ ص كِنَانَةَ بْنَ أَبِى الْحُقَيْقِ عَنْ كَنْزِ آلِ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَحُلِىّ مِنْ حُلِيّهِمْ كَانَ يَكُونُ فِى مَسْكِ الْجَمَلِ كَانَ أَسْرَاهُمْ يُعْرَفُ بِهِ، وَكَانَ الْعُرْسُ يَكُونُ بِمَكّةَ فَيَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَعَارُ ذَلِكَ الْحُلِىّ الشّهْرَ، فَيَكُونُ فِيهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ الْحُلِىّ يَكُونُ عِنْدَ الأَكَابِرِ فَالأَكَابِرِ مِنْ آلِ أَبِى الْحُقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَنْفَقْنَاهُ فِى حَرْبِنَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكُنّا نَرْفَعُهُ لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَلَمْ تُبْقِ الْحَرْبُ وَاسْتِنْصَارُ الرّجَالِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَحَلَفَا عَلَى ذَلِكَ فَوَكّدَا الأَيْمَانَ وَاجْتَهَدَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لَهُمَا: “بَرِئَتْ مِنْكُمَا ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ إنْ كَانَ عِنْدَكُمَا”، قَالا: نَعَمْ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “وَكُلّ مَا أَخَذْت مِنْ أَمْوَالِكُمَا وَأَصَبْت مِنْ دِمَائِكُمَا فَهُوَ حِلّ لِى وَلا ذِمّةَ لَكُمَا”، قَالا: نَعَمْ. وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللّهِ ص أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيّا، وَالزّبِيرَ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَعَشَرَةً مِنْ الْيَهُودِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ إلَى كِنَانَةَ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ فَقَالَ: إنْ كَانَ عِنْدَك مَا يَطْلُبُ مِنْك مُحَمّدٌ أَوْ تَعْلَمُ عِلْمَهُ فَأَعْلِمْهُ فَإِنّك تَأْمَنُ عَلَى دَمِك، وَإِلاّ فَوَاَللّهِ لَيَظْهَرَنّ عَلَيْهِ قَدْ اطّلَعَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِمَا لَمْ نَعْلَمْهُ. فَزَبَرَهُ ابْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ فَتَنَحّى الْيَهُودِىّ فَقَعَدَ.

ثُمّ سَأَلَ رَسُولُ اللّهِ ص ثَعْلَبَةَ بْنَ سَلاّمِ بْن أَبِى الْحُقَيْقِ - وَكَانَ رَجُلاً ضَعِيفًا - عَنْ كَنْزِهِمَا، فَقَالَ: لَيْسَ لِى عِلْمٌ غَيْرَ أَنّى قَدْ كُنْت أَرَى كِنَانَةَ كُلّ غَدَاةٍ يَطُوفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ - قَالَ: وَأَشَارَ إلَى خَرِبَةٍ - فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ دَفَنَهُ فَهُوَ فِيهَا. وَكَانَ كِنَانَةُ ابْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ لَمّا ظَهَرَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى النّطَاةِ أَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ - وَكَانَ أَهْلُ النّطَاةِ أَخَذَهُمْ الرّعْبُ - فَذَهَبَ بِمَسْكِ الْجَمْلِ فِيهِ حَلِيّهُمْ فَحَفَرَ لَهُ فِى خَرِبَةٍ لَيْلاً وَلا يَرَاهُ أَحَدٌ، ثُمّ سَوّى عَلَيْهِ التّرَابَ بِالْكَتِيبَةِ وَهِىَ الْخَرِبَةُ الّتِى رَآهُ ثَعْلَبَةُ يَدُورُ بِهَا كُلّ غَدَاةٍ. فَأَرْسَلَ مَعَ ثَعْلَبَةَ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ وَنَفَرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى تِلْكَ الْخَرِبَةِ فَحَفَرَ حَيْثُ أَرَاهُ ثَعْلَبَةُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الْكَنْزَ وَيُقَالُ: إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ دَلّ رَسُولَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَنْزِ، فَلَمّا أُخْرِجَ الْكَنْزُ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص الزّبَيْرَ أَنْ يُعَذّبَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِى الْحُقَيْقِ حَتّى يَسْتَخْرِجَ كُلّ مَا عِنْدَهُ، فَعَذّبَهُ الزّبَيْرُ حَتّى جَاءَهُ بِزَنْدٍ يَقْدَحُهُ فِى صَدْرِهِ، ثُمّ أَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يَقْتُلُهُ بِأَخِيهِ فَقَتَلَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَأَمَرَ بِابْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ الآخَرِ فَعُذّبَ، ثُمّ دُفِعَ إلَى وُلاةِ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ فَقُتِلَ بِهِ وَيُقَالُ: ضُرِبَ عُنُقُهُ، وَاسْتَحَلّ رَسُولُ اللّهِ ص بِذَلِكَ أَمْوَالَهُمَا وَسَبَى ذَرَارِيّهُمَا.

فَحَدّثَنِى خَالِدُ بْنُ الرّبِيعَةِ بْنِ أَبِى هِلالٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَمّنْ نَظَرَ إلَى مَا فِى مَسْكِ الْجَمْلِ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ص حِينَ أُتِىَ بِهِ، فَإِذَا جُلّهُ أَسْوِرَةٌ الذّهَبِ وَدَمَالِجُ الذّهَبِ وَخَلاخِلُ الذّهَبِ وَقِرَطَةُ الذّهَبِ وَنَظْمٌ مِنْ جَوْهَرٍ وَزُمُرّدٍ وَخَوَاتِمُ ذَهَبٍ وَفَتَخٌ بِجَزْعِ ظَفَارِ مُجَزّعٌ بِالذّهَبِ. وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ ص نِظَامًا مِنْ جَوْهَرٍ فَأَعْطَاهُ بَعْضَ أَهْلِهِ إمّا عَائِشَةُ، أَوْ إحْدَى بَنَاتِهِ فَانْصَرَفَتْ، فَلَمْ تَمْكُثْ إلاّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ حَتّى فَرّقَتْهُ فِى أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالأَرَامِلِ فَاشْتَرَى أَبُو الشّحْمِ ذُرَةً مِنْهَا، فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ ص وَصَارَ إلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَنَمْ فَغَدَا فِى السّحَرِ حَتّى أَتَى عَائِشَةَ، وَلَمْ تَكُنْ لَيْلَتَهَا، أَوْ بِنْتَه، فَقَالَ: “رُدّى عَلَىّ النّظَامَ فَإِنّهُ لَيْسَ لِى، وَلا لَك فِيهِ حَقّ”. فَخَبّرَتْهُ كَيْفَ صَنَعْت بِهِ فَحَمْدُ اللّهِ وَانْصَرَفَ.

وَكَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَىّ تَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ النّظَامُ لِبِنْتِ كِنَانَةَ، وَكَانَتْ صَفِيّةُ تَحْتَ كِنَانَةَ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ص سَبَاهَا قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِىَ إلَى الْكَتِيبَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ أَرْسَلَ بِهَا مَعَ بَلالٍ إلَى رَحْلِهِ، فَمَرّ بِهَا وَبِابْنَةِ عَمّهَا عَلَى الْقَتْلَى، فَصَاحَتْ ابْنَةُ عَمّهَا صِيَاحًا شَدِيدًا، فَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ ص مَا صَنَعَ بَلالٌ فَقَالَ: “أَذَهَبَتْ مِنْك الرّحْمَةُ”؟ تَمُرّ بِجَارِيَةٍ حَدِيثَةِ السّنّ عَلَى الْقَتْلَى فَقَالَ بَلالٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا ظَنَنْت أَنّك تَكْرَهُ ذَلِكَ وَأَحْبَبْت أَنْ تَرَى مَصَارِعَ قَوْمِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لابْنَةِ عَمّ صَفِيّةَ: “مَا هَذَا إلاّ شَيْطَانٌ”. وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِىّ قَدْ نَظَرَ إلَى صَفِيّةَ فَسَأَلَهَا رَسُولُ اللّهِ ص وَيُقَالُ: إنّهُ وَعَدَهُ جَارِيَةً مِنْ سَبْىِ خَيْبَرَ، فَأَعْطَاهُ ابْنَةَ عَمّهَا.

 

هذه التفاصيل البشعة يحكيها كذلك ابن إسحاق، سبي واستعباد للنساء والأطفال، ونهب وسلب، وتعذيب للبشر حتى الموت طمعًا في استحصال أموال، كل أموال العالم أيها الدينيون الإرهابيون لا تساوي عند الإنسانيين المتحضرين لحظة ألم وعذاب إنسان. كذلك كشف لنا الواقدي أن المخبر بمكان الكنز هو ثعلبة الموصوف بعدة مواضع عنده بشيء من ضعف العقل، وانتقاده بجرأة لغباء زعماء اليهود وتسرعهم رغم تلك الإعاقة، في حين لم يكشف لنا ابن إسحاق لشخصيته حينما حكى نفس القصة، أيضًا تعذيب كنانة وأخيه ذكرها ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: ولما افتتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القَموص، حصن بني أبي الحُقَيق، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حُيى بن أخطب، وبأخرى معها، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود؛ فلما رأتهم التي مع صفية صاحت، وصكت وجهها وحثت الترابَ على رأسها؛ فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعزبوا عني هذه الشيطانة، وأمر بصفية فحيزتْ خلْفَه، وألقى عليها رداءَه؛ فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال، فيما بلغني حين رأى بتلك اليهودية ما رأى: أنُزعتْ منك الرحمة يا بلال، حين تمر بامرأتين على قتلَى رجالهما؟.....

 

وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع، وكان عنده كَنْز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكونَ يعرف مكانَه، فأتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من يهود، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخَرِبة كل غداة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة: أرأيت إن وجدناه عندك، أقتلك؟ قال: نعم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخَرِبة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبي أن يؤديَه، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير ابن العوام، فقال: عذِّبه حتى تستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزَنْدٍ في صدره، حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مَسْلَمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة.

 

 

 

نستطرد فنذكر الفقرة من تاريخ المدينة لابن شبة، وهي عن أحد ابني أبي الحقيق بالذات وهو يعارض شعر النابغة أي يرد عليه بإكمال القافية، لنتيقن من عروبة اليهود الأفاضل أهل الكرم والضيافة ونصرة من تحالفوا معه والوفاء له الذين طردهم وأجلاهم وسباهم محمد، وأكمل عمر عمله بإجلائهم:

 

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَنِ ابْنِ غَزِيَّةَ قَالَ: " كَانَتْ لِبَنِي قَيْنُقَاعٍ سُوقٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقُومُ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، وَكَانَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الذَّبْحِ إِلَى الْآطَامِ الَّتِي خَلْفَ النَّخْلِ، فَهَبَطَ إِلَيْهَا نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ يُرِيدُهَا، فَأَدْرَكَ الرَّبِيعَ بْنَ أَبِي حَقِيقٍ هَابِطًا مِنْ قَرْيَتِهِ يُرِيدُهَا، فَتَسَايَرَا، فَلَمَّا أَشْرَفَا عَلَى السُّوقِ سَمِعَا الضَّجَّةَ، وَكَانَتْ سُوقًا عَظِيمَةً يَتَفَاخَرُ النَّاسُ بِهَا، وَيَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ، فَحَاصَتْ نَاقَةُ النَّابِغَةِ حِينَ سَمِعَتِ الصَّوْتَ، فَزَجَرَهَا وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر البسيط]

كَادَتْ تَهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي

أَجِزْ يَا رَبِيعُ فَقَالَ:

[البحر البسيط]

وَالثَّغْرُ مِنْهَا إِذَا مَا أَوْجَسَتْ خَلِقُ

فَقَالَ النَّابِغَةُ:

لَوْلَا أُنَهْنِهُهَا بِالسَّوْطِ لَانْتَزَعَتْ

أَجِزْ يَا رَبِيعُ فَقَالَ:

مِنِّي الزِّمَامَ وَإِنِّي رَاكِبٌ لَبِقُ

فَقَالَ النَّابِغَةُ:

قَدْ مَلَّتِ الْحَبْسَ بِالْآطَامِ وَاشْتَعَفَتْ

أَجِزْ يَا رَبِيعُ فَقَالَ:

تُرِيغُ أَوْطَانَهَا لَوْ أَنَّهَا عَلَقُ

فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ تَهْبِطُ السُّوقَ وَتَلْقَى أَهْلَهَا، فَإِنَّكَ سَتَسْمَعُ شِعْرًا لَا تُقَدِّمُ عَلَيْهِ شِعْرًا فَقَالَ: شِعْرُ مَنْ؟ قَالَ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ...إلخ القصة الأدبية الشعرية

 

كانت صفية وقعت من نصيب استعباد أحد أتباع محمد هو دحية بن خليفة الكلبي، فذكر أتباع محمد له مركزها وجمالها فنزعها منه وتقول بعض الراويات أنه أعطاه بدلًا منها سبع نساء، وهكذا صار البشر بعصور هؤلاء تجارة نخاسة تستبدل بالزيادة والنقص!

 

روى مسلم:

 

[ 1365 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس قال كنت ردف أبي طلحة يوم خيبر وقدمي تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيناهم حين بزغت الشمس وقد أخرجوا مواشيهم وخرجوا بفؤوسهم ومكاتلهم ومرورهم فقالوا محمد والخميس قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خربت خيبر انا إذا نزلنا بساحة قوم {فساء صباح المنذرين} قال وهزمهم الله عز وجل ووقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها له وتهيئها قال وأحسبه قال وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمتها التمر والأقط والسمن فحصت الأرض أفاحيص وجئ بالأنطاع فوضعت فيها وجئ بالأقط والسمن فشبع الناس قال وقال الناس لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد قالوا إن حجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير فعرفوا أنه قد تزوجها فلما دنوا من المدينة دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعنا قال فعثرت الناقة العضباء وندر رسول الله صلى الله عليه وسلم وندرت فقام فسترها وقد أشرفت النساء فقلن أبعد الله اليهودية قال قلت يا أبا حمزة أوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إي والله لقد وقع

 

[ 1365 ] وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس ح وحدثني به عبد الله بن هاشم بن حيان واللفظ له حدثنا بهز حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت حدثنا أنس قال صارت صفية لدحية في مقسمه وجعلوا يمدحونها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويقولون ما رأينا في السبي مثلها قال فبعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد ثم دفعها إلى أمي فقال أصلحيها قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر حتي إذا جعلها في ظهره نزل ثم ضرب عليها القبة فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضل زاد فليأتنا به قال فجعل الرجل يجيء بفضل التمر وفضل السويق حتى جعلوا من ذلك سوادا حيسا فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء قال فقال أنس فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قال فانطلقنا حتي إذا رأينا جدر المدينة هششنا إليها فرفعنا مطينا ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته قال وصفية خلفه وقد أردفها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فعثرت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرع وصرعت قال فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترها قال فأتيناه فقال لم نضر قال فدخلنا المدينة فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها

 

وروى أحمد بن حنبل كذلك:

 

12240 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ صَفِيَّةَ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، " فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، فَجَعَلَهَا عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ حَتَّى تَهَيَّأَ وَتَعْتَدَّ " - فِيمَا يَعْلَمُ حَمَّادٌ - فَقَالَ النَّاسُ: وَاللهِ مَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَسَرَّاهَا ؟ فَلَمَّا حَمَلَهَا سَتَرَهَا وَأَرْدَفَهَا خَلْفَهُ، فَعَرَفَ النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا . " فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ النَّاسُ، وَأَوْضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَصْنَعُونَ، فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَخَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَّتْ مَعَهُ، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرْنَ، فَقُلْنَ: أَبْعَدَ اللهُ الْيَهُودِيَّةَ، وَفَعَلَ بِهَا، وَفَعَلَ . فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَتَرَهَا وَأَرْدَفَهَا خَلْفَهُ "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن أبي شيبة 14/461-462 عن يزيد بن هارون، بهذا الإسناد

 

13575 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ، وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ، وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] "، قَالَ: فَهَزَمَهُمُ اللهُ، قَالَ: وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا وَتُهَيِّئُهَا، وَهِيَ صَفِيَّةُ ابْنَةُ حُيَيٍّ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ، قَالَ: فُحِصَتِ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ، وَجِيءَ بِالْأَنْطَاعِ فَوُضِعَتْ فِيهَا، ثُمَّ جِيءَ بِالْأَقِطِ وَالتَّمْرِ وَالسَّمْنِ، فَشَبِعَ النَّاسُ، قَالَ وَقَالَ النَّاسُ: مَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَمْ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ ؟ فَقَالُوا: إِنْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا حَتَّى قَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ دَفَعَ وَدَفَعْنَا، قَالَ: فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ، قَالَ: فَنَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَرَتْ، قَالَ: فَقَامَ فَسَتَرَهَا، قَالَ: وَقَدْ أَشْرَفَتِ النِّسَاءُ، فَقُلْنَ: أَبْعَدَ اللهُ الْيَهُودِيَّةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، أَوَقَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِي وَاللهِ لَقَدْ وَقَعَ " ...إلخ

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه ابن سعد 2/109، ومسلم (87) و (1428) (87 م) و(121) من طريق عفان بن مسلم، بهذا الإسناد- واقتصر ابن سعد ومسلم في الموضع الثالث على قصة أبي طلحة وقصة خيبر.

 

13023 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ فِي مَقْسَمِهِ، وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَيَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا فِي السَّبْيِ مِثْلَهَا، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى دِحْيَةَ فَأَعْطَاهُ بِهَا مَا أَرَادَ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّي فَقَالَ: " أَصْلِحِيهَا " . قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا جَعَلَهَا فِي ظَهْرِهِ نَزَلَ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْقُبَّةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ، فَلْيَأْتِنَا بِهِ " . قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِفَضْلِ التَّمْرِ، وَفَضْلِ السَّوِيقِ، وَبِفَضْلِ السَّمْنِ، حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَادًا حَيْسًا، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحَيْسِ، وَيَشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، قَالَ: فَقَالَ أَنَسٌ: " فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، وَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ هَشِشْنَا إِلَيْهَا، فَرَفَعْنَا مَطِيَّنَا، وَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطِيَّتَهُ، قَالَ: وَصَفِيَّةُ خَلْفَهُ قَدْ أَرْدَفَهَا، قَالَ: فَعَثَرَتْ مَطِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصُرِعَ وَصُرِعَتْ قَالَ: فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلَا إِلَيْهَا حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَتَرَهَا قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ: " لَمْ نُضَرَّ "، قَالَ: فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَخَرَجَ جَوَارِي نِسَائِهِ يَتَرَاءَيْنَهَا وَيَشْمَتْنَ لِصَرْعَتِهَا.

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سليمان -وهو ابن المغيرة- فمن رجال مسلم. بهز: هو ابن أسد العَمِّي.

 

ما نستنتجه من سياق البخاري ومسلم وأحمد أن زواجها من محمد كان بالإكراه:

 

روى البخاري:

 

5085 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاَثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ أُمِرَ بِالأَنْطَاعِ، فَأَلْقَى فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ» فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ «فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ»

 

4213 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ، وَالمَدِينَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ»، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِلاَلًا بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الحِجَابَ

 

947 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ: {فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] " فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ - قَالَ: وَالخَمِيسُ الجَيْشُ - فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَتَلَ المُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ، فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الكَلْبِيِّ، وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا " فَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ، لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: مَا أَمْهَرَهَا؟ قَالَ: أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا، فَتَبَسَّمَ

 

371 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] " قَالَهَا ثَلاَثًا، قَالَ: وَخَرَجَ القَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَالخَمِيسُ - يَعْنِي الجَيْشَ - قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، فَجُمِعَ السَّبْيُ، فَجَاءَ دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ، قَالَ: «اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً»، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لاَ تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ، قَالَ: «ادْعُوهُ بِهَا» فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا»، قَالَ: فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ، جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا، فَقَالَ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ» وَبَسَطَ نِطَعًا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ، قَالَ: فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

4200 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: 177] " فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، آنْتَ قُلْتَ لِأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا؟ فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ

 

4211 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ح وحَدَّثَنِي أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمْرٍو، مَوْلَى المُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ، ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: «آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ». فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى المَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ

 

وروى نحوه مع زيادة مسلم في صحيحه برقم 1365 وذكرناه أعلاه فلا داعي لتكراره. وأحمد 13575 و13786 و 11992 وغيرهم

 

وروى الواقدي:

فَلَمّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ أَصْحَابُهُ: الْيَوْمَ نَعْلَمُ أَزَوْجَةً أَمْ سُرّيّةً فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ فَسَيُحَجّبُهَا وَإِلاّ فَهِىَ سُرّيّةٌ، فَلَمّا خَرَجَ أَمَرَ بِسِتْرٍ فَسَتَرَتْ بِهِ فَعَرَفَ أَنّى زَوْجَةٌ، ثُمّ قَدِمَ إلَى الْبَعِيرِ وَقَدّمَ فَخِذَهُ لأَضَعَ رِجْلِى عَلَيْهَا، فَأَعْظَمَتْ ذَلِكَ وَوَضَعْت فَخِذِى عَلَى فَخِذِهِ، ثُمّ رَكِبْت، وَكُنْت أَلْقَى مِنْ أَزْوَاجِهِ يَفْخَرْنَ عَلَىّ يَقُلْنَ: يَا بِنْتَ الْيَهُودِىّ، وَكُنْت أَرَى رَسُولَ اللّهِ ص يُلَطّفُ بِى وَيُكْرِمُنِى، فَدَخَلَ عَلَىّ يَوْمًا وَأَنَا أَبْكِى، فَقَالَ: “مَا لَك”؟ فَقُلْت: أَزْوَاجُك يَفْخَرْنَ عَلَىّ وَيَقُلْنَ: يَا بِنْتَ الْيَهُودِىّ، قَالَتْ: فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ص قَدْ غَضِبَ، ثُمّ قَالَ: “إذَا قَالُوا لَك أَوْ فَاخَرُوك، فَقُولِى: أَبِى هَارُونُ وَعَمّى مُوسَى”.

 

إذن لم يكن هناك إعلان زواج كما يفعلون وفق عاداتهم مع المرأة الحرة قبل دخول الرجل عليها، ولم يكونوا يعلمون ما سيقرر محمد، فهذا زواج بالإكراه. وقد دخل عليها في طريق الرحلة من خيبر إلى يثرب بمجرد أن مرت عليها عدة حيضة واحدة وهي عدة السبية في التشريع الإسلامي البغيض، دون أي رحمة أو مهلة لصدمتها النفسية بقتل أهلها وزوجها. ولنكرر ما أوردنا من أحاديث عن ذلك:

 

يروي البخاري:

 

2235 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ»، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَفِيَّةَ...إلخ الحديث

 

وروى مسلم:

[ 1365 ] حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل يعني بن علية عن عبد العزيز عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر قال فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فإني لأري بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم { فساء صباح المنذرين } قالها ثلاث مرات قال وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا محمد والله قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا محمد والخميس قال وأصبناها عنوة وجمع السبي فجاءه دحية فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير ما تصلح إلا لك قال ادعوه بها قال فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال خذ جارية من السبي غيرها قال وأعتقها وتزوجها فقال له ثابت يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا فقال من كان عنده شيء فليجئ به قال وبسط نطعا قال فجعل الرجل يجئ بالأقط وجعل الرجل يجئ بالتمر وجعل الرجل يجئ بالسمن فحاسوا حيسا فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

ويقول ابن قيم الجوزية مؤكدًا أنه كان زواجًا دون اختيار منها، في كتابه زاد المعاد:

 

فصل: فى حكمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الرجل يعتِقُ أمتَه ويجعل عِتقها صداقَها

ثبت عنه فى "الصحيح": " أنه أعتق صفيَّةَ وجعل عِتْقَها صَدَاقَها". قيل لأنس: ما أَصْدَقَها؟ قال: أَصْدَقَها نَفْسَها وذهبَ إلى جواز ذلك علىُّ ابن أبى طالب، وفعله أنس بن مالك، وهو مذهبُ أعلم التابعين، وسيِّدهم سعيدِ بن المسيِّب، وأبى سلمة بن عبد الرحمن، والحسنِ البَصرى، والزهري، وأحمد، وإسحاق.

وعن أحمد رواية أخرى، أنه لا يَصِحُّ حتى يستأنِفَ نكاحها بإذنها، فإن أبت ذلك، فعليها قيمتُها.

وعنه رواية ثالثة: أنه يُوَكِّلُ رجلاً يزوِّجه إياها.

والصحيح: هو القول الأول الموافق للسنة، وأقوالِ الصحابة والقياس، فإنه كان يمِلك رقبتها، فأزال ملكه عن رقبتها، وأبقى ملكَ المنفعة بعقد النكاح، فهو أولى بالجواز مما لو أعتقها، واستثنى خِدمتها، وقدم تقدَّم تقريرُ ذلك فى غزاة خيبر.

ومما يؤكد لنا أن كل روايات أن زواج جويرية بنت الحارث المصطلقية وصفية بنت حيي بن الأخطب كان باختيارهما كاذبة، أن عمر بن الخطاب كان يريد التفرقة بينهما وبين سائر زوجات محمد في عطاء الدولة، لأنه ارتأى ببساطة أنها صارتا زوجتاه قهرًا لا عن اختيار.

 

روى ابن أبي شيبة في مصنفه:

 

33547- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ أَنَّ عُمَرَ فَرَضَ لِلْعَبَّاسِ سَبْعَةَ آلاَفٍ , وَلِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ عَشْرَةَ آلاَفٍ , وَلأمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَمَيْمُونَةَ وَسَوْدَةَ، ثَمَانيَةَ آلاَفٍ، ثَمَانيَةَ آلاَفٍ , وَفَرَضَ لِجُوَيْرِيَةَ وَصَفِيَّةَ سِتَّةَ آلاَفٍ سِتَّةَ آلاَفٍ , وَفَرَضَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ نِصْفَ مَا فَرَضَ لَهُنَ , فَأَرْسَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَصَوَاحِبُهَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقُلْنَ لَهُ: كَلِّمْ عُمَرَ فِينَا فَإِنَّهُ قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فَجَاءَ عُثْمَان إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إنَّ أُمَّهَاتِكَ يَقُلْنَ لَكَ: سَوِّ بَيْنَنَا , لاَ تُفَضِّلْ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: إِنْ عِشْت إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ زِدْتهنَّ لِقَابِلٍ أَلْفَيْنِ أَلْفَيْنِ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ جَعَلَ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا , وَجَعَلَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ فِي عَشْرَةِ آلاَفٍ , عَشْرَةِ آلاَفٍ , وَجَعَلَ صَفِيَّةَ وَجُوَيْرِيَةَ فِي ثَمَانِيَةِ آلاَفٍ، ثَمَانِيَةِ آلاَفٍ، فَلَمَّا رَأَيْنَ ذَلِكَ سَكَتْنَ عَنْهُ.

 

33537- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قال: حدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ لأهل بدر فِي سِتَّةِ آلاَفٍ سِتَّةَ آلاَفٍ , وَفَرَضَ لأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي عَشْرَةِ آلاَفٍ عَشْرَةَ آلاَفٍ , فَفَضَّلَ عَائِشَةَ بِأَلْفَيْنِ لِحُبِّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إيَّاهَا إِلاَّ السَّبِيَّتَيْنِ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ وَجُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فَرَضَ لَهما سِتَّةَ آلاَفٍ , وَفَرَضَ لِنِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَلْفٍ أَلْفٍ مِنْهُمْ أُمُّ عَبْدٍ.

 

وفي مسند البزار بحديث رقم 286 زيادة:

 

..... فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ فَجَاءَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ فَقَالَ قَدْ كَانَ لأَبِي بَكْرٍ فِي هَذَا الْمَالِ رَأْيٌ وَلِي رَأْيٌ آخَرُ، لاَ أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَنْ قَاتَلَ مَعَهُ، فَفَضَّلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، فَفَرَضَ لِمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْهُمْ خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ آلاَفٍ، وَمَنْ كَانَ إِسْلاَمُهُ قَبْلَ إِسْلاَمِ أَهْلِ بَدْرٍ فَرَضَ لَهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، وَفَرَضَ لأَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، لِكُلِّ امْرَأَةٍ إِلاَّ صَفِيَّةَ وَجُوَيْرِيَةَ فَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سِتَّةَ آلاَفٍ سِتَّةَ آلاَفٍ فَأَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذْنَهَا، فَقال: إِنَّمَا فُرِضَتْ لَهُنَّ بِالْهِجْرَةِ، قُلْنَ مَا فُرِضَتْ لَهُنَّ مِنْ أَجْلِ الْهِجْرَةِ إِنَّمَا فُرِضَتْ لَهُنَّ مِنْ مَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَنَا مِثْلُ مَكَانِهِنَّ، فَأَبْصَرَ ذَلِكَ فَجَعَلَهُنَّ سَوَاءً مِثْلَهُنَّ.....

 

وبنحو ذلك روى البيهقي في سننه الكبرى برقم 12776

 

روى عبد الرزاق في مصنفه:

 

20036 - أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال لما أتي عمر بكنوز كسرى قال له عبد الله بن الأرقم الزهري ألا تجعلها في بيت المال حتى تقسمها قال لا يظلها سقف حتى أمضيها فأمر بها فوضعت في صرح المسجد فباتوا يحرسونها فلما أصبح أمر بها فكشف عنها فرأى فيها من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ منه البصر قال فبكى عمر فقال له عبد الرحمن بن عوف ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن كان هذا ليوم شكر ويوم سرور ويوم فرح فقال عمر كلا إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء ثم قال أنكيل لهم بالصاع أم نحثو فقال علي بل أحثوا لهم ثم دعا حسن بن علي أول الناس فحثا له ثم دعا حسينا ثم أعطى الناس ودون الدواوين وفرض للمهاجرين لكل رجل منهم خمسة آلاف درهم في كل سنة وللأنصار لكل رجل منهم اربعة آلاف درهم وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكل امرأة منهن اثني عشر ألف درهم إلا صفية وجويرية فرض لكل واحدة منهما ستة آلاف درهم

 

كانت الفتاة الصغيرة حديثة عهد بزواجها، ومحمد وصحبه قتلوا كثيرًا من قومها ومنهم أبوها وزوجها وسبوا واستعبدوا قريباتها، فمن لديه الوقاحة ليزعم أن هذا كان زواجًا باختيارها؟! ويروي ابن إسحاق ما يؤكد ذلك:

 

قال ابن إسحاق: ولما أعْرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية، بخيبر أو ببعض الطريق، وكانت التي جملتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشَّطتها وأصلحت من أمرِها أمُّ سُلَيْم بنت مِلْحان، أم أنس ابن مالك. فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيِ قبة له، وبات أبو أيوب خالد بن زيد، أخو بني النجار متوشِّحا سيفه، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُطيف بالقبة، حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رأى مكانه قال: ما لك يا أبا أيوب؟ قال: يا رسول الله، خِفْت عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجَها وقومَها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخِفْتُها عليك. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني

 

هل ترون هذا مثالًا لزواج صحيح سليم لا إكراه فيه ذلك الذي يكون فيه الخوف من أن تقتل المرأة المخطوفة المغتصَبة قاتل أهلها ومغتصبها، لدرجة حراسة المعتدي الأثيم من الخارج والتكبير عند خروجه؟! ألا تفيقون يا قوم أبدًا؟! أين الحس السليم والراقي. وهذه القصة ذكرها الواقدي كذلك وذكرناها بموضع تالٍ أدناه. ويقول كتبة كتب سير الصحابة كأسد الغابة والاستيعاب والإصابة وكذلك في مستدرك الحاكم أن سنها وقت خطفها كان 16 عامًا فقط، وكانت شقراء خضراء العينين وأنها كات زيجتها الثانية، وبعض الحكايات التي نقرأها عنها كبكائها لما مرض جملها أثناء زيارة محمد للحج مع نسائه وخوفها أن يتركوها يدل على طفلة هشة مسكينة.

 

أما القصة التي يرويها أحمد بن حنبل 12409  و12616 والواقدي من أن محمدًا أقنعها حقًّا بالزواج منه وخيرها بأن تتزوجه أو تعود إلى أهلها فقصة مطعون فيها بما ذكرناه أعلاه من أدلة تدل على كم الإكراه والعنف والاغتصاب والاستعباد الذي تعرضت له تلك الفتاة المسكينة الصغيرة آنذاك، ناهيك عن غسيل المخ والاستحواذ الإسلامي والاضطهاد. وثمة أثر من الحقيقة وواقع ما حدث نكتشفها من الطبقات الكبير لابن سعد في ترجمته لصفية بنت حيي:

 

فَكَانَ لرسول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفِيُّ مِنْ كُلِّ غَنِيمَةٍ. فَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِمَّا اصْطَفَى يَوْمَ خَيْبَرَ. وَعَرَضَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْتِقَهَا إِنِ اخْتَارَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَتْ: أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَأَسْلَمَتْ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا.

 

ويقول الواقدي ما يؤكد أنها فضلت أن تكون زوجة لسيد المسلمين ومدعي نبوتهم باعتباره أفضل خيار متاح لها من أن تكون أمة خادمة مملوكة:

 

انْصِرَافُ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ خَيْبَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ أَنَسٌ: انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ خَيْبَرَ وَهُوَ يُرِيدُ وَادِىَ الْقُرَى، وَمَعَهُ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ مِلْحَانَ، وَكَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللّهِ ص صَفِيّةَ حَتّى مَرّ بِهَا، فَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ ثُمّ عَرَضَ عَلَيْهَا الإِسْلامَ، فَقَالَ: إنْ تَكُونِى عَلَى دِينِك لَمْ نُكْرِهْك، فَإِنْ اخْتَرْت اللّهَ وَرَسُولَهُ اتّخَذْتُك لِنَفْسِى، قَالَتْ: بَلْ أَخْتَارُ اللّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: فَأَعْتَقَهَا فَتَزَوّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا، فَلَمّا كَانَ بِالصّهْبَاءِ، قَالَ لأُمّ سُلَيْمٍ: اُنْظُرِى صَاحِبَتَك هَذِهِ فَامْشُطِيهَا وَأَرَادَ أَنْ يُعَرّسَ بِهَا هُنَاكَ فَقَامَتْ أُمّ سُلَيْمٍ - قَالَ أَنَسٌ: وَلَيْسَ مَعَنَا فَسَاطِيطُ وَلا سُرَادِقَاتُ - فَأَخَذْت كِسَائَيْنِ وَعَبَاءَتَيْنِ فَسَتَرَتْ بِهِمَا عَلَيْهَا إلَى شَجَرَةٍ فَمَشَطَتْهَا وَعَطّرَتْهَا، وَأَعْرَسَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ص هُنَاكَ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص لَمّا خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ، وَقَرّبَ بَعِيرَهَا وَقَدْ سَتَرَهَا النّبِىّ ص بِثَوْبِهِ أَدْنَى فَخِذَهُ لِتَضَعَ رِجْلَهَا عَلَيْهِ فَأَبَتْ وَوَضَعَتْ رُكْبَتَهَا عَلَى فَخِذِهِ فَلَمّا بَلَغَ ثِبَارًا أَرَادَ أَنْ يُعَرّسَ بِهَا هُنَاكَ فَأَبَتْ عَلَيْهِ حَتّى وَجَدَ فِى نَفْسِهِ حَتّى بَلَغَ الصّهْبَاءَ فَمَالَ إلَى دَوْمَةٍ هُنَاكَ فَطَاوَعَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت حَيْنَ أَرَدْت أَنْ أَنْزِلَ بِثِبَارٍ - وَثِبَارٌ عَلَى سِتّةِ أَمْيَالٍ وَالصّهْبَاءُ عَلَى اثْنَىْ عَشَرَ مِيلاً - قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ خِفْت عَلَيْك قُرْبَ الْيَهُودِ، فَلَمّا بَعُدْت أَمِنْت، فَزَادَهَا عِنْدَ النّبِىّ ص خَيْرًا، وَعَلِمَ أَنّهَا قَدْ صَدّقَتْهُ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ مُسَاءَ تِلْكَ اللّيْلَةِ وَأَوْلَمَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا بِالْحَيْسِ وَالسّوِيقِ وَالتّمْرِ وَكَانَ قِصَاعُهُمْ الأَنْطَاعَ قَدْ بَسَطَتْ فَرُئِىَ رَسُولُ اللّهِ ص يَأْكُلُ مَعَهُمْ عَلَى تِلْكَ الأَنْطَاعِ.

 

قَالُوا: وَبَاتَ أَبُو أَيّوبَ الأَنْصَارِىّ قَرِيبًا مِنْ قُبّتِهِ آخِذًا بِقَائِمِ السّيْفِ حَتّى أَصْبَحَ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص بُكْرَةً فَكَبّرَ أَبُو أَيّوبَ فَقَالَ: “مَا لَك يَا أَبَا أَيّوبَ”؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ دَخَلْت بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ وَكُنْت قَدْ قَتَلْت أَبَاهَا وَإِخْوَتَهَا وَعُمُومَتَهَا وَزَوْجَهَا وَعَامّةَ عَشِيرَتِهَا، فَخِفْت أَنْ تَغْتَالَك. فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ ص، وَقَالَ لَهُ مَعْرُوفًا، فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمَدِينَةَ أَنَزَلَ صَفِيّةَ فِى مَنْزِلِ الْحَارِثَةِ ابْنِ النّعْمَانِ وَانْتَقَلَ حَارِثَةُ عَنْهَا، وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ يَدًا وَاحِدَةً فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ بَرِيرَةَ إلَى أُمّ سَلَمَةَ تُسَلّمُ عَلَيْهَا - وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِىّ ص مَعَ النّبِىّ ص فِى غَزْوَةِ خَيْبَرَ - وَتَسْأَلُهَا عَنْ صَفِيّةَ أَظَرِيفَةٌ هِىَ؟ فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: مَنْ أَرْسَلَك، عَائِشَةُ؟ فَسَكَتَتْ فَعَرَفَتْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّهَا أَرْسَلَتْهَا، فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: لَعَمْرِى إنّهَا لَظَرِيفَةٌ، وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ص لَهَا لَمُحِبّ، فَجَاءَتْ بَرِيرَةُ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ خَبَرَهَا، فَخَرَجَتْ عَائِشَةُ مُتَنَكّرَةً حَتّى دَخَلَتْ عَلَى صَفِيّةَ وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَنَظَرَتْ إلَيْهَا وَهِىَ مُنْتَقِبَةٌ فَعَرَفَهَا رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمّا خَرَجَتْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَيْهَا، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ كَيْفَ رَأَيْت صَفِيّةَ؟ قَالَتْ: مَا رَأَيْت طَائِلاً، رَأَيْت يَهُودِيّةً بَيْنَ يَهُودِيّاتٍ - تَعْنِى عَمّاتِهَا وَخَالاتِهَا - وَلَكِنّى قَدْ أُخْبِرْت أَنّك تُحِبّهَا، فَهَذَا خَيْرٌ لَهَا مِنْ لَوْ كَانَتْ ظَرِيفَةً. قَالَ: يَا عَائِشَةُ لا تَقُولِى هَذَا فَإِنّى عَرَضْت عَلَيْهَا الإِسْلامَ فَأَسْرَعَتْ وَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلامُهَا.

قَالَ: فَرَجَعَتْ عَائِشَةُ فَأَخْبَرَتْ حَفْصَةَ بِظُرْفِهَا، فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا حَفْصَةُ فَنَظَرَتْ إلَيْهَا ثُمّ رَجَعَتْ إلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: إنّهَا لَظَرِيفَةٌ وَمَا هِىَ كَمَا قُلْت.

 

إذن إضافة إلى التعصب والضغط على أعصابها بأسلوب عنصري شمولي اضطهادي، كان أمامها بصورة اضطرارية إكراهية أن تكون مستعبدة أمة لمحمد وهي التي كانت من سادات قريظة وخيبر، أو أن تكون زوجة حرة ولو اسمًا وشكلًا على شرط أن تتبع إن شكليَّا أو حقيقيًّا ديانة محمد وخرافته بدلًا من الخرافة اليهودية.

 

روى أحمد بن حنبل:

 

26866 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي شُمَيْسَةُ، أَوْ سُمَيَّةُ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: هُوَ فِي كِتَابِي سُمَيَّةُ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ بِنِسَائِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، نَزَلَ رَجُلٌ، فَسَاقَ بِهِنَّ، فَأَسْرَعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَذَاكَ سَوْقُكَ بِالْقَوَارِيرِ "، يَعْنِي النِّسَاءَ، . فَبَيْنَا هُمْ يَسِيرُونَ، بَرَكَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ جَمَلُهَا، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِهِنَّ ظَهْرًا، فَبَكَتْ . وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ دُمُوعَهَا بِيَدِهِ، وَجَعَلَتْ تَزْدَادُ بُكَاءً وَهُوَ يَنْهَاهَا، فَلَمَّا أَكْثَرَتْ، زَبَرَهَا وَانْتَهَرَهَا وَأَمَرَ النَّاسَ بِالنُّزُولِ، فَنَزَلُوا، وَلَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْزِل. قَالَتْ: فَنَزَلُوا، وَكَانَ يَوْمِي، فَلَمَّا نَزَلُوا، ضُرِبَ خِبَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ فِيهِ، قَالَتْ: فَلَمْ أَدْرِ عَلَامَ أُهْجَمُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ لَهَا: تَعْلَمِينَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَبِيعُ يَوْمِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ أَبَدًا، وَإِنِّي قَدْ وَهَبْتُ يَوْمِي لَكِ عَلَى أَنْ تُرْضِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخَذَتْ عَائِشَةُ خِمَارًا لَهَا قَدْ ثَرَدَتْهُ بِزَعْفَرَانٍ، فَرَشَّتْهُ بِالْمَاءِ لِيُذَكِّيَ رِيحَهُ، ثُمَّ لَبِسَتْ ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَتْ طَرَفَ الْخِبَاءِ، فَقَالَ لَهَا: " مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ ؟ إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِيَوْمِكِ " . قَالَتْ: ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، فَقَالَ مَعَ أَهْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الرَّوَاحِ، قَالَ لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: " يَا زَيْنَبُ، أَفْقِرِي أُخْتَكِ صَفِيَّةَ جَمَلًا "، وَكَانَتْ مِنْ أَكْثَرِهِنَّ ظَهْرًا، فَقَالَتْ: أَنَا أُفْقِرُ يَهُودِيَّتَكَ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهَا، فَهَجَرَهَا، فَلَمْ يُكَلِّمْهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَأَيَّامَ مِنًى فِي سَفَرِهِ، حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرَ، فَلَمْ يَأْتِهَا، وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا، وَيَئِسَتْ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، دَخَلَ عَلَيْهَا، فَرَأَتْ ظِلَّهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا لَظِلُّ رَجُلٍ، وَمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ هَذَا ؟ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ حِينَ دَخَلْتَ عَلَيَّ ؟ قَالَتْ: وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ، وَكَانَتْ تَخْبَؤُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: فُلَانَةُ لَكَ، فَمَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَرِيرِ زَيْنَبَ، وَكَانَ قَدْ رُفِعَ، فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَصَابَ أَهْلَهُ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ

 

25002 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ حَدَّثَنَاثَابِتٌ: عَنْ سُمَيَّةَ،  عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ لَهُ، فَاعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ، وَفِي إِبِلِ زَيْنَبَ فَضْلٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ بَعِيرًا لِصَفِيَّةَ اعْتَلَّ، فَلَوْ أَعْطَيْتِهَا بَعِيرًا مِنْ إِبِلِكِ، فَقَالَتْ: أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيَّةَ، قَالَ: فَتَرَكَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً، لَا يَأْتِيهَا، قَالَتْ: حَتَّى يَئِسْتُ مِنْهُ، وَحَوَّلْتُ سَرِيرِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا بِنِصْفِ النَّهَارِ، إِذَا أَنَا بِظِلِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلٌ، قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنِيهِ حَمَّادٌ، عَنْ شُمَيْسَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدُ يُحَدِّثُهُ عَنْ شُمَيْسَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: بَعْدُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، قَالَ: " وَلَا أَظُنُّهُ إِلَّا قَالَ: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ "

 

ورواه أحمد كذلك في الأرقام 26867 و26250 و24640

 

وللأمانة الحديث ضعيف الإسناد لجهالة وعدم معرفة سمية أو شميسة المذكور، وإنما ذكرناه كسرد تاريخي لحادثة هامشية فقط، ولا يوجد ما يعيقنا عن استعمالة فعندي أن جهل علمائهم بكونها ثقة في رواياتاهم أم لا، لا يقدح في استعمالنا للحديث، لا سيما أنها على الأقل ليست من وضاعي الحديث المشهورين مثلًا، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 8 / 126 – 127 وأخرجه ابن راهويه (1408) وأخرجه أبو داود (4602) عن موسى بن إسماعيل مختصراً، وابن ماجه (1973) وأخرجه النسائي في "الكبرى" (8933) والطبراني في "الكبير" 24/ (188) و24 / (187)، وفي "الأوسط" (2630) و(2629) وأورده الهيثمي في "المجمع" 4/323، وقال: رواه أبو داود باختصار، ورواه الطبراني في "الأوسط" وفيه سمية، روى لها أبو داود وغيره، ولم يجرحها أحد، وبقية رجاله ثقات.

 

عندما يقع علماء المسلمين في موقف محرج لا مخرج منه إلا بحديث ضعيف الإسناد، يأتون بأسانيده الكثيرة ثم يقولون يتقوى بطرقه وشواهده ويرفعونه لمرتبة التحسين أو الصحة، بالتالي يمكننا بثقة الحكم على الحديث بالصحة لكثرة شواهده، بصرف النظر عن علم توثيق الروايات والحكايات بحكايات! أعني علم الرجال والجرح والتعديل المضحك لكننا مضطرون له لعبًا بقواعدهم والتزاماً بها في نقد الإسلام لأننا نلزمهم بما في نصوصهم المؤمنين المقرين بها فقط. ويوجد جزء من الحديث لكنه لا يصلح كشاهد هنا من البخاري: 6210 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ غُلاَمٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالقَوَارِيرِ» قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: يَعْنِي النِّسَاء 6211 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، لاَ تَكْسِرِ القَوَارِيرَ» قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ

 

كما نرى من روايات مسلم 1365 وأحمد بن حنبل والواقدي فقد كانت زوجات محمد يتحدثن بعنصرية ضد زوجته صفية، فإن الدين الإسلامي الذي أسسه محمد عنصري ومحرض بطبعه على الكراهية فهذا جوهره، إن المعايرة والعيب في شخص على أساس دينه أو دينه السابق أو جنسه وقوميته محض عنصرية سخيفة حقيرة، لقد استغللن ذلك ضد ضرتهن لغيرتهن من شبابها وجمالها، هن المتقاسمات المتنافسات المضطرات على رجل واحد عجوز أي محمد، محمد نفسه ما كان ليستطيع منع تلك العنصرية طبيعة وجوهر الديانة القائم على كراهية باقي البشر التي أسسها تمامًا حينما حدث في بيته ذاته ضد من هوى ومالت عاطفته لها. لهذا نجزم أن إسلامها ليس سوى بالإكراه، إذا كان هذ هو الحال وهي تبع دينهم مجبرة فكيف لو قاومت، لم يكن مجتمع كهذا لديه رحابة لوجود تنوع بداخله بأي شكل، لدرجة أنهم لاحقًا نفوا كل أهل الكتاب من شبه جزيرة العرب، مع أن معظم الباقين منهم كانوا في أماكن معزولة كيهود خيبر وفدك ونصارى نجران.

 

لفت نظري بالصدفة خلال تصفح لبعض كتب التاريخ أن صفية بنت حيي بنبل أخلاق منها حاولت كأرملة  لمحمد لها اعتبارها أن تحمي عثمان بن عفان وتتوسط لمنع قتله، سنة 35ه، اللافت للنظر أن غلامها المستعبد (مملوكها أو عبدها) كان اسمه كنانة، حسنًا ربما هي صدفة فقط أنه كان بنفس اسم زوجها القتيل. جاء في كتاب الطبقات لابن سعد:

 

أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالا: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا كِنَانَةُ قَالَ: كُنْتُ أَقُودُ بِصَفِيَّةَ لِتَرُدَّ عَنْ عُثْمَانَ فَلَقِيَهَا الأَشْتَرُ فَضَرَبَ وَجْهَ بَغْلَتِهَا حَتَّى مَالَتْ فَقَالَتْ: رُدُّونِي لا يَفْضَحُنِي هَذَا. قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ وَضَعَتْ خَشَبًا مِنْ مَنْزِلِهَا وَمَنْزِلِ عُثْمَانَ تَنْقُلُ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ. أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ صَفِيَّةَ أَوْصَتْ لِقَرَابَةٍ لَهَا مِنَ الْيَهُودِ.

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ وَهِشَامٌ أَبُو الوليد الطيالسي عَنْ شُعْبَةَ عَنِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: رَأَيْتُ شَيْخًا فَقَالُوا هَذَا وَارِثُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ. فأسلم بعد ما مَاتَتْ فَلَمْ يَرِثْهَا.

 

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب:

 

وروى أسد بن موسى قال حدثنا محمد بن طلحة قال حدثنا كنانة مولى صفية بنت حيى وكان شهد يوم الدار إنه لم ينل محمد بن ابى بكر من دم عثمان بشىء قال محمد بن طلحة فقلت لكنانة فلم قيل إنه قتله قال معاذ الله أن يكون قتله إنما دخل عليه فقال له عثمان يا بن أخى لست بصاحبى وكلمه بكلام فخرج

 

 ووقع في كتب التراجم ومنها كتاب الإصابة:

 

روينا أن جارية لها أتت عمر فقالت إن صفية تحب السبت وتصل اليهود فبعث إليها فسألها عن ذلك فقالت أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة وأما اليهود فإن لي فيهم رحما فأنا أصلها ثم قالت للجارية ما حملك على هذا قالت الشيطان قالت اذهبي فأنت حرة

 

وكان محمد يشرعن لأحكام استعباد وسبي النساء، كما سنذكر في باب التعاليم العنصرية وباب إقرار الاستعباد، ونكتفي هنا بقول ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نَجيح، عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن إتيان الحبالى من السبايا، وعن أكل الحمار الأهلي، وعن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن بيع المغانم حتى تُقسم.

قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق مولى تُجِيب؛ عن حَنَش الصنْعانى، قال: غزوْنا مع رُوَيْفع بن ثابت الأنصاري المغرب، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها جِرْبة، فقام فينا خطيباً، فقال: يأيها الناس، إنى لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فينا يوم خيبر، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يحل لامرىٍء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماؤه زرعَ غيره، يعني إتيان الحبالى من السبايا، ولا يحل لامرىٍء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأةً من السبي حتى يستبرئَها، ولا يحل لامرىٍء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يُقسم، ولا يحل لامرىءٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركبَ دابة من فىء المسلمين حتى إذا أعجفها ردَّها فيه، ولا يحل لامرىٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه.

 

ورواه أحمد 16990 و 16997 عن ابن إسحاق، ولو أنه  يجعله قاله في غزوة حنين.

 

ورواه الواقدي بلفظ مقارب:

 

وَسَمِعَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمئِذٍ يَقُولُ: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَسْقِ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ وَلا يَبِعْ شَيْئًا مِنْ الْمَغْنَمِ، حَتّى يَعْلَمَ وَلا يَرْكَبْ دَابّةً مِنْ الْمَغْنَمِ حَتّى إذَا بَرَاهَا رَدّهَا، وَلا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ الْمَغْنَمِ، حَتّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدّهُ وَلا يَأْتِ مِنْ السّبْىِ حَتّى تَسْتَبْرِئَ وَتَحِيضَ حَيْضَةً وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى حَتّى تَضَعَ حَمْلَهَا”.

وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمئِذٍ عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحّ فَقَالَ: “لِمَنْ هَذِهِ”؟ فَقِيلَ: لِفُلانٍ. قَالَ: “فَلَعَلّهُ يَطَؤُهَا”؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: “كَيْفَ بِوَلَدِهَا يَرِثُهُ، وَلَيْسَ بِابْنِهِ أَوْ يَسْتَرْقِهِ وَهُوَ يَعْدُو فِى سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ؟ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَتْبَعُهُ فِى قَبْرِهِ”.

 

وروى مسلم في صحيحه:

 

باب تحريم وطء الحامل المسبية

 

 [ 1441 ] وحدثني محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير قال سمعت عبد الرحمن بن جبير يحدث عن أبيه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بامرأة مجح على باب فسطاط فقال لعله يريد أن يلم بها فقالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

21703 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً مُجِحًّا عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ أَوْ طَرَفِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَلَّ صَاحِبَهَا يُلِمُّ بِهَا" قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ ؟ وَكَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ ؟ "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم . وأخرجه الطيالسي (977)، وابن أبي شيبة 4/371، والدارمي (2478)، ومسلم (1441) (139)، وأبو داود (2156)، والطحاوي في "شرح المشكل" (1423)، والحاكم 2/194، والبيهقي 7/449، والبغوي (2395) من طرق عن شعبة، بهذا الإسناد . وعند أبي داود والحاكم: أن النبي رأى المرأة في غزوة

عندما استسلم يهود خيبر استولى محمد على كل أراضيهم وممتلكاتهم، إلا الثياب التي يلبسونها فقط، هذه عملية سرقة وتدمير لجزء من مواطني دولة على أساس ديني وعرقي، في الواقدي:

 

فَلَمّا صَالَحَ رَسُولُ اللّهِ ص أَهْلَ الْكَتِيبَةِ أَمِنَ الرّجَالَ وَالذّرّيّةَ وَدَفَعُوا إلَيْهِ الأَمْوَالَ وَالْبَيْضَاءَ وَالصّفْرَاءَ، وَالْحَلْقَةَ وَالثّيَابَ إلاّ ثَوْبًا عَلَى إنْسَانٍ

 

ويقول ابن هشام عن ابن إسحاق:

 

وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلَ خيبر في حصنيهم الوَطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهَلكة، سألوه أن يسيِّرهم وأن يحقن لهم دماءَهم. ففعل. وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموالَ كلَّها: الشَّقَّ ونَطاةَ والكَتيبة وجميع حصونهم، إلا ما كان من ذينك الحصنين.

 

....فلما نزل أهل خيبر على ذلك، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها. فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يَجْلبوا عليها بخيل ولا ركاب.

 

كان سوء تخطيط اليهود وعدم استعدادهم وأخذهم الخطر بالجدية الكافية، ويحتمل تفوق المسلمين عدديًّا، وخذلان الأعراب غطفان حلفائهم لهم عوامل لهزيمتهم والأذى الذي تعرضوا له، يحكي الواقدي:

 

فَانْصَرَفَ عُيَيْنَةُ فَجَعَلَ يَتَدَسّسُ إلَى الْيَهُودِ، وَيَقُولُ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ أَمْرًا، وَاَللّهِ مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا يُصِيبُ مُحَمّدًا غَيْرَكُمْ. قُلْت: أَهْلُ الْحُصُونِ وَالْعُدّةِ وَالثّرْوَةِ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ وَأَنْتُمْ فِى هَذِهِ الْحُصُونِ الْمَنِيعَةِ، وَهَذَا الطّعَامِ الْكَثِيرِ مَا يُوجَدُ لَهُ آكِلٌ وَالْمَاءُ الْوَاتِنُ، قَالُوا: قَدْ أَرَدْنَا الامْتِنَاعَ فِى قَلْعَةِ الزّبَيْرِ وَلَكِنّ الدّبُولَ قُطِعَتْ عَنّا، وَكَانَ الْحُرّ، فَلَمْ يَكُنْ لَنَا بَقَاءٌ عَلَى الْعَطَشِ. قَالَ: قَدْ وُلِيتُمْ مِنْ حُصُونِ نَاعِمٍ مُنْهَزِمِينَ حَتّى صِرْتُمْ إلَى حِصْنِ قَلْعَةِ الزّبَيْرِ.

وَجَعَلَ يَسْأَلُ عَمّنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فَيُخْبِرُ، قَالَ: قُتِلَ وَاَللّهِ أَهْلُ الْجَدّ وَالْجَلَدِ لا نِظَامَ لَيَهُودَ بِالْحِجَازِ أَبَدًا، وَيَسْمَعُ سَلامَهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَلاّمِ بْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ، وَكَأَنّمَا يَقُولُونَ: إنّهُ ضَعِيفُ الْعَقْلِ مُخْتَلِطٌ فَقَالَ: يَا عُيَيْنَةُ أَنْتَ غَرَرْتهمْ وَخَذَلْتهمْ وَتَرَكْتهمْ وَقِتَالَ مُحَمّدٍ وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا صَنَعْت بِبَنِى قُرَيْظَةَ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: إنّ مُحَمّدًا كَادَنَا فِى أَهْلِنَا، فَنَفَرْنَا إلَيْهِمْ حَيْثُ سَمِعْنَا الصّرِيخَ وَنَحْنُ نَظُنّ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ خَالَفَ إلَيْهِمْ فَلَمْ نَرَ شَيْئًا فَكَرَرْنَا إلَيْكُمْ لِنَنْصُرَكُمْ. قَالَ ثَعْلَبَةُ: وَمَنْ بَقِىَ تَنْصُرُهُ؟ قَدْ قُتِلَ مِنْ قُتِلَ وَبَقِىَ مَنْ بَقِىَ فَصَارَ عَبْدًا لِمُحَمّدٍ وَسَبَانَا، وَقَبَضَ الأَمْوَالَ قَالَ: يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ لِعُيَيْنَةَ: لا أَنْتَ نَصَرْت حُلَفَاءَك فَلَمْ يُعِدّوا عَلَيْك حِلْفَنَا وَلا أَنْتَ حَيْثُ وُلّيت - كُنْت أَخَذْت تَمْرَ خَيْبَرَ مِنْ مُحَمّدٍ سَنَةً وَاَللّهِ إنّى لأَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ أَمْرًا ظَاهِرًا، لَيَظْهَرَنّ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ. فَانْصَرَفَ عُيَيْنَةُ إلَى أَهْلِهِ يَفْتِلُ يَدَيْهِ

 

ثعلبة بعدة مواقف بالواقدي على عيبه العقلي كان يعيب بذكاء سوء تخطيط وتسرع زعماء اليهود، وهنا انتقد كذلك سخافة وتخاذل عيينة الفزاري، وكما قلنا خيانة بعض أفراد اليهود والتي أدت إلى قطع الماء عن الحصون فتت في عضدهم كثيرًا. قول الأعرابي لعيينة عن أنه كان أفضل له لو خذل حلفاءه مقابل تمر خيبر لمدة عام يعكس خسة وسوء أخلاق هؤلاء الأعراب الغطفانيين.

 

إن الواقدي يذكر على لسان الحارث من نفس قبيلة عيينة متحدثًا له عن ذكر يهود خيبر فيما بعد (في سياق غزوة الجناب):

 

....وَفِى خَيْبَرَ، إنّهُمْ كَانُوا أَعَزّ يَهُودِ الْحِجَازِ كُلّهِ يُقِرّونَ لَهُمْ بِالشّجَاعَةِ وَالسّخَاءِ، وَهُمْ أَهْلُ حُصُونٍ مَنِيعَةٍ وَأَهْلُ نَخْلٍ؛ وَاَللّهِ إنْ كَانَتْ الْعَرَبُ لَتَلْجَأُ إلَيْهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ بِهِمْ. لَقَدْ سَارَتْ حَارِثَةُ بْنُ الأَوْسِ حَيْثُ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِهِمْ مَا كَانَ فَامْتَنَعُوا بِهِمْ مِنْ النّاسِ ثُمّ قَدْ رَأَيْت حَيْثُ نَزَلَ بِهِمْ كَيْفَ ذَهَبَتْ تِلْكَ النّجْدَةُ وَكَيْفَ أُدِيلُ عَلَيْهِمْ.

 

كانوا مخلصين لحلفائهم شجعانًا مناصرين لا يخذلونهم، ثم خذلهم الجميع، لماذا إذن درج العرب وخاصة المسلين منهم على وصم اليهود بالغدر، وأخص بهم اليهود العرب، ربما الغدر صفة أكثر جوهرية لغيرهم!

 

تقسيم النهب والمسروقات

 

يقول الواقدي:

 

قَالُوا: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَرْوَةَ بْنَ عَمْرٍو الْبِيَاضِىّ وَكَانَ قَدْ جَمَعَ مَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ فِى حُصُونِ النّطَاةِ وَحُصُونِ الشّقّ وَحُصُونِ الْكَتِيبَةِ، لَمْ يَتْرُكْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكَتِيبَةِ إلاّ ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَالصّبْيَانِ وَجَمَعُوا أَثَاثًا كَبِيرًا وَبَزّا وَقَطَائِفَ وَسِلاحًا كَثِيرًا، وَغَنَمًا وَبَقَرًا، وَطَعَامًا وَأَدَمًا كَثِيرًا، فَأَمّا الطّعَامُ وَالأَدَمُ وَالْعَلَفُ فَلَمْ يُخَمّسْ يَأْخُذُ مِنْهُ النّاسُ حَاجَتَهُمْ وَكَانَ مَنْ احْتَاجَ إلَى سِلاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ أَخَذَهُ مِنْ صَاحِبِ الْمَغْنَمِ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ فَرُدّ ذَلِكَ فِى الْمَغْنَمِ، فَلَمّا اجْتَمَعَ ذَلِكَ كُلّهُ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ص فَجُزِئَ خَمْسَةَ أَجَزَاء، وَكَتَبَ فِى سَهْمٍ مِنْهَا “اللّهُ” وَسَائِرُ السّهْمَانِ أَغْفَالٌ. فَكَانَ أَوّلَ مَا خَرَجَ سَهْمُ النّبِىّ ص لَمْ يُتَخَيّرْ فِى الأَخْمَاسِ، ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِبَيْعِ الأَرْبَعَةِ الأَخْمَاسِ، فِيمَنْ يُرِيدُ فَجَعَلَ فَرْوَةُ يَبِيعُهَا فِيمَنْ يُرِيدُ فَدَعَا فِيهَا النّبِىّ ص بِالْبَرَكَةِ وَقَالَ: “اللّهُمّ أَلْقِ عَلَيْهَا النّفَاقَ”، قَالَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو: فَلَقَدْ رَأَيْت النّاسَ يَتَدَارَكُونَ عَلَىّ وَيَتَوَاثَبُونَ حَتّى نَفَقَ فِى يَوْمَيْنِ وَلَقَدْ كُنْت أَرَى أَنّا لا نَتَخَلّصُ مِنْهُ حِينًا لِكَثْرَتِهِ.

وَكَانَ الْخُمُسُ الّذِى صَارَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ الْمَغْنَمِ يُعْطَى مِنْهُ عَلَى مَا أَرَادَ اللّهُ مِنْ السّلاحِ وَالْكِسْوَةِ فَأَعْطَى مِنْهُ أَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ الثّيَابِ وَالْخَرْزِ وَالأَثَاثِ وَأَعْطَى رِجَالاً مِنْ بَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَنِسَاءً وَأَعْطَى الْيَتِيمَ وَالسّائِلَ. وَجَمَعْت يَوْمئِذٍ مَصَاحِفَ فِيهَا التّوْرَاةُ مِنْ الْمَغْنَمِ فَجَاءَتْ الْيَهُودُ تَطْلُبُهَا، وَتَكَلّمَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ تُرَدّ عَلَيْهِمْ.

 

أيضًا من ضمن ما نهبوه ذهب كما يكشف لنا قول ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط؛ أنه حُدث عن عبادة بن الصامت، قال: نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبرَ الذهب بالذهب العين، وتبر الفضة بالوَرِق العين، وقال: ابتاعوا تبر الذهب بالوَرِق العين، وتبر الفضة بالذهب العين. قال ابن إسحاق: ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدَنَّى الحصون والأموال.

 

وروى الواقدي كذلك:

 

قَالُوا: وَاشْتَرَى يَوْمَ خَيْبَرَ تِبْرًا بِذَهَبٍ جِزَافًا، فَلَهَا عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ ص، وَكَانَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ يُحَدّثُ، يَقُولُ: أَصَبْت يَوْمئِذٍ قِلادَةً فَبِعْتهَا بِثَمَانِيّةِ دَنَانِيرَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ ص فَقَالَ: “بِعْ الذّهَبَ وَزْنًا بِوَزْنٍ”، وَكَانَ فِى الْقِلادَةِ ذَهَبٌ وَغَيْرُهُ فَرَجَعْت فِيهَا، وَاشْتَرَى السّعْدَانُ تِبْرًا بِذَهَبٍ أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ وَزْنًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَرْبَيْتُمَا فَرُدّا وَوَجَدَ رَجُلٌ يَوْمئِذٍ فِى خَرِبَةٍ مِائَتَىْ دِرْهَمٍ”، فَأَخَذَ مِنْهَا رَسُولُ اللّهِ ص الْخُمُسَ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ.

 

وروى مسلم في صحيحه:

 

[ 1591 ] حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح أخبرنا بن وهب أخبرني أبو هانئ الخولاني أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري يقول أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب وهي من المغانم تباع فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وزنا بوزن

 

 [ 1591 ] حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن أبي شجاع سعيد بن زيد عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد قال اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تباع حتى تفصل

 

 [ 1591 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا بن مبارك عن سعيد بن يزيد بهذا الإسناد نحوه

 

 [ 1591 ] حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن بن أبي جعفر عن الجلاح أبي كثير حدثني حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نبايع اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن

 

ورواه أحمد 7558 و9639 و8936 و162 و1107 و11062 و23939 و23962 وابن أبي شيبة 37602 والنسائي 7/278، والبيهقي 2/295

 

ورى ابن أبي شيبة:

 

37602- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن مُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ،يُحَدِّثُ عَنْ حَنَشٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: أُتِيَ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ بِقِلاَدَةٍ فِيهَا خَرَزٌ مُعَلَّقَةٌ بِذَهَبٍ، ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: لاَ، حَتَّى تُمَيِّزَ مَا بَيْنَهُمَا، قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ، قَالَ: لاَ، حَتَّى تُمَيِّزَ مَا بَيْنَهُمَا، قَالَ: فَرَدَّهُ حَتَّى مَيَّزَ.

 

 

34006- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عروبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ؛ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْمَغْنَمِ شَيْئًا , وَيَقُولُ: فِيهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ.

34007- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ؛ أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ.

 

34009- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَغْنَمِ حَتَّى يُقْسَمَ.

 

لقد كان ما حدث عملية سرقة ونهب وإغارة، ثم تقسيم للمسروقات وبيع لبعضها والانتفاع بالباقي. من شريعة الإسلام أن خمس المنهوبات يكون لمحمد وأقاربه كما نص على ذلك القرآن الذي يشرع للنهب والسلب، وذكرنا هذا في باب التعاليم العنصرية، وبعد موت محمد ألغى عمر قاعدة الخمس لآل محمد وهم بنو هاشم وعبد المطلب وأدخله بيت المال، هذا غير شيء يسمى الصفيّ وهو شيء يصطفيه محمد أو قائد المعركة قبل القسمة قد يكون سيفًا أو فتاة مسبية ولا يكون كنزًا أو كمًّا كبيرًا من المسروقات، وذكروا أن صفية كانت صفيَّ محمدد بتلك الغارة.

 

إذا أردت أن تكرم أو تهدي أحدًا فليكن هذا من مالك وليس من مال الآخرين، فعل الخير المبني على شر هو شر صرف، يروي الواقدي:

 

حَدّثَنِى عَبْدُ السّلامِ بْنُ مُوسَى بْنِ جُبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْس، قَالَ: خَرَجْت مَعَ النّبِىّ ص إلَى خَيْبَرَ وَمَعِى زَوْجَتِى حُبْلَى، فَنُفِسَتْ بِالطّرِيقِ فَأَخْبَرَتْ رَسُولُ اللّهِ ص، فَقَالَ: “انْقَعْ لَهَا تَمْرًا فَإِذَا أَنْعَمَ بَلّهُ فَامْرُثْهُ ثُمّ تَشْرَبُهُ”، فَفَعَلَتْ فَمَا رَأَتْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ، فَلَمّا فَتَحْنَا خَيْبَرَ أَحْذَى النّسَاءَ، وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنّ فَأَحْذَى زَوْجَتِى وَوَلَدِى الّذِى وُلِدَ، قَالَ عَبْدُ السّلامِ: لَسْت أَدْرِى غُلامٌ أَمْ جَارِيَةٌ.

وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أُمّ الْعَلاءِ الأَنْصَارِيّةِ، قَالَتْ: فَأَصَابَنِى ثَلاثُ خَرَزَاتٍ وَكَذَلِك أَصَابَ صَوَاحِبِى، وَأُتِىَ يَوْمئِذٍ بِرِعَاثٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: هَذَا لِبَنَاتِ أَخِى سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ فَقَدِمَ بِهَا عَلَيْهِنّ فَرَأَيْت ذَلِكَ الرّعَاثَ عَلَيْهِنّ وَذَلِكَ مِنْ خُمُسِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ.

 

كيفية تقسيم الغنائم والأراضي المستولى عليها:

 

روى البخاري:

 

4228 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: «إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ»

 

وبنحوه في صحيح مسلم 1762

 

وروى أبو داوود في سننه:

 

3010 - حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ثنا أسد بن موسى ثنا يحيى بن زكريا حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفا لنوائبه وحاجته ونصفا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما . حسن صحيح

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

4732 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا خَرَجَ مِنْ زَرْعٍ أَوْ تَمْرٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ كُلَّ عَامٍ مِائَةَ وَسْقٍ: ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ " . فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَسَمَ خَيْبَرَ، فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنَ الْأَرْضِ، أَوْ يَضْمَنَ لَهُنَّ الْوُسُوقَ كُلَّ عَامٍ، فَاخْتَلَفْنَ، فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ أَنْ يُقْطِعَ لَهَا الْأَرْضَ، وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الْوُسُوقَ، وَكَانَتْ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ مِمَّنِ اخْتَارَ الْوُسُوقَ

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين

 

16768 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْسِمْ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا كَمَا كَانَ يَقْسِمُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَقْسِمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي قُرْبَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِمْ، وَكَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِمْ وَعُثْمَانُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْهُ "

 

16417 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَهُمْ يَذْكُرُونَ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ وَصَارَتْ خَيْبَرُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ ضُعِفَ عَنْ عَمَلِهَا فَدَفَعُوهَا إِلَى الْيَهُودِ يَقُومُونَ عَلَيْهَا وَيُنْفِقُونَ عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ لَهُمْ نِصْفَ مَا خَرَجَ مِنْهَا، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، جَمَعَ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ، فَجَعَلَ نِصْفَ ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَسَهْمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا، وَجَعَلَ النِّصْفَ الْآخَرَ لِمَنْ يَنْزِلُ بِهِ مِنَ الْوُفُودِ وَالْأُمُورِ وَنَوَائِبِ النَّاسِ

 

وروى مسلم:

 

[ 1551 ] حدثنا أحمد بن حنبل وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالا حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله أخبرني نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع

 

 [ 1551 ] وحدثني علي بن حجر السعدي حدثنا علي وهو بن مسهر أخبرنا عبيد الله عن نافع عن بن عمر قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع فكان يعطي أزواجه كل سنة مائة وسق ثمانين وسقا من تمر وعشرين وسقا من شعير فلما ولي عمر قسم خيبر خير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن الأرض والماء أو يضمن لهن الأوساق كل عام فاختلفن فمنهن من اختار الأرض والماء ومنهن من اختار الأوساق كل عام فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء

 

 [ 1551 ] وحدثنا بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله حدثني نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما خرج منها من زرع أو ثمر واقتص الحديث بنحو حديث علي بن مسهر ولم يذكر فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء وقال خير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن الأرض ولم يذكر الماء

 

 [ 1551 ] وحدثني أبو الطاهر حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن عبد الله بن عمر قال لما افتتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم فيها على أن يعملوا على نصف ما خرج منها من الثمر والزرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقركم فيها على ذلك ما شئنا ثم ساق الحديث بنحو حديث بن نمير وابن مسهر عن عبيد الله وزاد فيه وكان الثمر يقسم على السهمان من نصف خيبر فيأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس

 

[ 1551 ] وحدثنا بن رمح أخبرنا الليث عن محمد بن عبد الرحمن عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها

 

 [ 1551 ] وحدثني محمد بن رافع وإسحاق بن منصور واللفظ لابن رافع قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج حدثني موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين فأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها على أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نقركم بها على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء

 

وروى البخاري كذلك:

 

2328 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ، ثَمَانُونَ وَسْقَ تَمْرٍ، وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ»، فَقَسَمَ عُمَرُ خَيْبَرَ «فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنَ المَاءِ وَالأَرْضِ، أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ»، فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَرْضَ، وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الوَسْقَ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتِ الأَرْضَ

 

4229 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، أَخْبَرَهُ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ، وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ، فَقَالَ «إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» قَالَ جُبَيْرٌ: «وَلَمْ يَقْسِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا»

 

وروى أبو داوود في سننه:

 

2978 - حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب قال أخبرني جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب فقلت يارسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد" قال جبير ولم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل [شيئا] من ذلك الخمس كما قسم لبني هاشم وبني المطلب . قال وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم قال وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه وعثمان بعده . صحيح

 

ويروي الواقدي:

 

قُلْت: فَكَمْ كَانَتْ سُهْمَانُ الرّجَالِ؟ قَالَتْ: ابْتَاعَ زَوْجِى غَزِيّةُ بْنُ عَمْرٍو مَتَاعًا بِأَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا وَنِصْفٍ فَلَمْ يُطَالِبْ بِشَيْءٍ فَظَنَنّا أَنّ هَذِهِ سُهْمَانُ الْفُرْسَانِ - وَكَانَ فَارِسًا - وَبَاعَ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ فِى الشّق زَمَنَ عُثْمَانَ بِثَلاثِينَ دِينَارًا.

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ قَادَ فِى خَيْبَرَ ثَلاثَةَ أَفْرَاسٍ لِزَازٍ وَالظّربِ وَالسّكبِ وَكَانَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ قَدْ قَادَ أَفْرَاسًا، وَكَانَ خرَاشُ بْنُ الصّمّةِ قَدْ قَادَ فَرَسَيْنِ وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ أَوْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْجَعْدِ بْنِ عَوْفٍ - أَبُو إِبْرَاهِيمَ بْنِ النّبِىّ ص الّذِى أَرْضَعَهُ - قَدْ قَادَ فَرَسَيْنِ وَكَانَ أَبُو عَمْرو الأَنْصَارِىّ قَدْ قَادَ فَرَسَيْنِ.

قَالَ: فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللّهِ ص لِكُلّ مَنْ كَانَ لَهُ فَرَسَانِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ أَرْبَعَةً لِفَرَسَيْهِ وَسَهْمًا لَهُ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ.

وَيُقَالُ: إِنّهُ لَمْ يُسْهِمْ إِلاّ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ أَنّهُ أَسْهَمَ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ.

وَيُقَالُ: إِنّهُ عَرّبَ الْعَرَبِىّ يَوْمَ خَيْبَرَ وَهَجّنَ الْهَجِينَ فَأَسْهَمَ لِلْعَرَبِىّ وَأَلْقَى الْهَجِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَكُنْ الْهَجِينُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ص إِنّمَا كَانَتْ الْعرابُ حَتّى كَانَ زَمَنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَفَتَحَ الْعِرَاقَ وَالشّامَ، وَلَمْ يَسْمَعْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص ضَرَبَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْخَيْلِ لِنَفْسِهِ إِلاّ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ هُوَ مَعْرُوفٌ سَهْمُ الْفَرَسِ.

وَسَهْمُ رَسُولِ اللّهِ ص فِى النّطَاةِ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسِهِ سَهْمَانِ وَلَهُ سَهْمٌ كَانَ مَعَ عَاصِمِ بْنِ عَدِىّ.

وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى فَرْوَةَ، عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيّصَة، قَالَ: خَرَجَ سُوِيدُ بْنُ النّعْمَانِ عَلَى فَرَسٍ فَلَمّا نَظَرَ إلَى بُيُوتِ خَيْبَرَ فِى اللّيْلِ، وَقَعَ بِهِ الْفَرَسُ، فَعَطَبَ الْفَرَسُ وَكُسِرَتْ يَدُ سُوَيْد، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتّى فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ص خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص سَهْمَ فَارِسَ.

قَالُوا: وَكَانَتْ الْخَيْلُ مِائَتَىْ فَرَسٍ. وَيُقَالُ ثَلاثُمِائَةِ وَمِائَتَانِ أَثْبَتُ عِنْدَنَا، وَكَانَ الّذِى وَلِىَ إحْصَاءَ الْمُسْلِمِينَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَسَمَ النّبِىّ ص بَيْنَهُمْ الّذِى غَنِمُوا مِنْ الْمَتَاعِ الّذِى بِيعَ ثُمّ أَحَصَاهُمْ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةِ وَالْخَيْلُ مِائَتَىْ فَرَسٍ. فَكَانَتْ السّهْمَانُ عَلَى ثَمَانِيّةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَهُمْ الّذِينَ ضَرَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص بِالسّهْمَانِ وَلِخَيْلِهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْخَيْلُ مِائَتَىْ فَرَسٍ لَهَا أَرْبَعُمِائَةِ سَهْمٍ. فَكَانَتْ سُهْمَانُ الْمُسْلِمِينَ الّتِى أَسْهَمَهَا رَسُولُ اللّهِ ص فِى النّطَاةِ أَوْ فِى الشّقّ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ فَوْضَى لَمْ تُعْرَفْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ص وَلَمْ تُحَدّ وَلَمْ تُقْسَمْ إنّمَا لَهَا رُؤَسَاءُ مُسَمّوْنَ لِكُلّ مِائَةِ رَأْسٍ يُعْرَفُ يُقْسَمُ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا خَرَجَ مِنْ غَلّتِهَا، فَكَانَ رُؤَسَاؤُهُمْ فِى الشّقّ وَالنّطَاةِ: عَاصِمُ بْنُ عَدِىّ، وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ. وَسَهْمُ بَنِى سَاعِدَةَ وَسَهْمُ بَنِى النّجّارِ لَهُمْ رَأْسٌ وَسَهْمُ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَهْمُ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ، وَسَهْمُ بَنِى سَلَمَةَ - وَكَانُوا أَكْثَرَ وَرَأَسَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - وَسَهْمُ عُبَيْدَةَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَسَهْمُ أَوْسٍ وَسَهْمُ بَنِى الزّبَيْرِ وَسَهْمُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَسَهْمُ بِلْحَارِث بْنِ الْخَزْرَجِ، رَأْسُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.

وَسَهْمُ بَيَاضَةَ رَأْسُهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَسَهْمُ نَاعِمٍ. فَهَذِهِ ثَمَانِيّةَ عَشَرَ سَهْمًا فِى الشّقّ وَالنّطَاةِ فَوْضَى يَقْبِضُ رُؤَسَاؤُهُمْ الْغَلّةُ مِنْهُ ثُمّ يُفِضْ عَلَيْهِمْ وَيَبِيعُ الرّجُلُ سَهْمَهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ. وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ص اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى غِفَارٍ سَهْمَهُ بِخَيْبَرَ بِبَعِيرَيْنِ ثُمّ قَالَ لَهُ النّبِىّ ص: “أَعْلَمُ أَنّ الّذِى آخُذُ مِنْك خَيْرٌ مِنْ الّذِى أُعْطِيك، وَاَلّذِى أُعْطِيك دُونَ الّذِى آخُذُ مِنْك، وَإِنْ شِئْت فَخُذْ، وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ”، فَأَخَذَ الْغِفَارِىّ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَشْتَرِى مِنْ رَسُولِ اللّهِ ص فِى سَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُمْ مِائَةٌ وَهُوَ سَهْمٌ أَوْسٍ كَانَ يُسَمّى سَهْمَ اللّفِيفِ حَقّ صَارَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَابْتَاعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ سَهْمِ أَسْلَمَ سُهْمَانًا، وَيُقَالُ: إنّ أَسْلَمَ كَانُوا بَضْعَةً وَسَبْعِينَ وَغِفَارٌ بَضْعَةٌ وَعِشْرِينَ فَكَانُوا مِائَةً وَيُقَالُ: كَانَتْ أَسْلَمُ مِائَةً وَسَبْعِينَ وَغِفَارٌ بِضْعَةً وَعِشْرِينَ وَهَذَا مِائَتَا سَهْمٍ وَالْقَوْلُ الأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا.

..... قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَقَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِى الْكَتِيبَةِ، فَقَالَ قَائِلٌ: كَانَتْ لِلنّبِىّ ص خَالِصَةً وَلَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ إنّمَا كَانَتْ لِرَسُولِ اللّهِ ص.

وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُوحٍ، عَنْ ابْنِ غُفَيْر، وَمُوسَى بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ. وَحَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ. وَقَالَ قَائِلٌ: هِىَ خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ خَيْبَرَ، مِنْ الشّقّ وَالنّطَاةِ.

وَحَدّثَنِى قُدَامَة بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: كَتَبَ إلَىّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِى خِلافَتِهِ أَنْ افْحَصْ لِى عَنْ الْكَتِيبَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَسَأَلْت عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ فَقَالَتْ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ص لَمّا صَالَحَ بَنِى أَبِى الْحُقَيْقِ جَزّأَ النّطَاةَ وَالشّقّ وَالْكَتِيبَةَ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ جُزْءًا مِنْهَا، ثُمّ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص خَمْسَ بَعَرَاتٍ وَأَعْلَمَ فِى بَعْرَةٍ مِنْهَا، فَجَعَلَهَا لِلّهِ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “اللّهُمّ اجْعَلْ سَهْمَك فِى الْكَتِيبَةِ”، فَكَانَ أَوّلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا الّذِى فِيهِ مَكْتُوبٌ عَلَى الْكَتِيبَةِ، فَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ خُمُسَ النّبِىّ ص وَكَانَتْ السّهْمَانُ أَغْفَالاً لَيْسَ عَلَيْهَا عَلامَاتٌ وَكَانَتْ فَوْضَى لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَمَانِيّةَ عَشَرَ سَهْمًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ.

وَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ أَبِى مَالِكٍ، عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيّصَة، قَالَ: لَمّا خَرَجَ سَهْمُ النّبِىّ ص وَكَانَ الشّقّ وَالنّطَاةُ أَرْبَعَةَ الأَخْمَاسِ لِلْمُسْلِمِينَ فَوْضَى.

وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِى مَالِكٍ الْحِمْيَرِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، وَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ الْكَتِيبَةُ خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ ص. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص يُطْعِمُ مَنْ أَطْعَمَ فِى الْكَتِيبَةِ وَيُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَالثّبْتُ عِنْدَنَا أَنّهَا خُمُسُ النّبِىّ ص مِنْ خَيْبَرَ، لأَنّ رَسُولَ اللّهِ ص لَمْ يُطْعِمْ مِنْ الشّقّ وَالنّطَاةِ أَحَدًا وَجَعَلَهَا سَهْمَانَا لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ الّتِى أَطْعَمَ فِيهَا. كَانَتْ الْكَتِيبَةُ تُخْرَصُ ثَمَانِيّةُ آلافِ وَسْقٍ تَمْرٍ فَكَانَ لِلْيَهُودِ نِصْفُهَا أَرْبَعَةُ آلافٍ وَكَانَ يُزْرَعُ فِى الْكَتِيبَةِ شَعِيرٌ فَكَانَ يَحْصُدُ مِنْهَا ثَلاثَةَ آلافِ صَاعٍ فَكَانَ لِلنّبِىّ ص نِصْفُهُ أَلْفُ وَخَمْسُمِائَةِ صَاعٍ شَعِيرٌ، وَكَانَ يَكُونُ فِيهَا نَوًى فَرُبّمَا اجْتَمَعَ أَلْفُ صَاعٍ فَيَكُونُ لِرَسُولِ اللّهِ ص نِصْفُهُ فَكُلّ هَذَا قَدْ أَعْطَى مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ ص الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ وَالنّوَى.

*   *   *

تَسْمِيَةُ سُهْمَانِ الْكَتِيبَةِ

خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ ص وَحْدَهُ وَسُلالِم، وَالْجَاسِمَيْنِ وَسَهْمَا النّسَاءِ وَسَهْمَا مَقْسَمٍ - وَكَانَ يَهُودِيّا - وَسَهْمَا عَوَانٍ وَسَهْمُ غِرّيث، وَسَهْمُ نُعَيْمٍ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا.

*   *   *

ذِكْرُ طُعْمِ النّبِىّ ص فِى الْكَتِيبَةِ أَزْوَاجَهُ وَغَيْرَهُمْ

أَطْعَمَ رَسُولُ اللّهِ ص كُلّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا تَمْرًا وَعِشْرِينَ وَسْقًا شَعِيرًا. وَلِلْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ مِائَتَىْ وَسْقٍ وَلِفَاطِمَةَ وَعَلِىّ عَلَيْهِمَا السّلامُ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ ثَلاثُمِائَةِ وَسْقٍ وَالشّعِيرُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَسْقًا، لِفَاطِمَةَ مِنْ ذَلِكَ مِائَتَا وَسْقٍ. وَلأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ شَعِيرًا وَخَمْسُونَ وَسْقًا نَوًى، وَلأُمّ رِمْثَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ خَمْسَةُ أَوْسَاقٍ شَعِيرًا، وَلِلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرِو خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا شَعِيرًا.

وَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أُمّهَا، قَالَتْ: بِعْنَا طُعْمَةَ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ خَيْبَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا شَعِيرًا مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ لأَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى قُحَافَةَ مِائَةَ وَسْقٍ، وَلِعَقِيلِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ وَلِبَنِى جَعْفَرِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلأَبِى سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِلصّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلأَبِى نَبْقَةَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِرُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِلْقَاسِمِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادٍ وَأُخْتِهِ هِنْدٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِصَفِيّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِبُحَيْنَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِلْحُصَيْنِ وَخَدِيجَةَ، وَهِنْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِائَةَ وَسْقٍ، وَلأُمّ الْحَكَمِ بِنْتِ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلأُمّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، ولِجُمَانَةَ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلأُمّ طَالِبٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِقَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلأَبِى أَرْقَمَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْر ٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلأَبِى بَصْرَةَ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلابْنِ أَبِى حُبَيْشٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِعَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبٍ وَابْنَيْهِ خَمْسِينَ وَسْقًا، لابْنَيْهِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِنُمَيْلَةَ الْكَلْبِىّ مِنْ بَنِى لَيْثٍ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِمَلْكَانَ بْنِ عِبْدَةَ ثَلاثِينَ وَسْقًا، وَلِمُحَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ثَلاثِينَ وَسْقًا.

وَأَوْصَى رَسُولُ اللّهِ ص لِلرّهَاوِيّينَ بِطُعْمَةٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَلِلدّارِيَيْنِ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَهُمْ عَشَرَةٌ مِنْ الدّارِيّينَ قَدِمُوا مِنْ الشّامِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَأَوْصَى لَهُمْ بِطُعْمَةِ مِائَةِ وَسْقٍ هَانِئُ بْنُ حَبِيبٍ وَالْفَاكِهُ بْنُ النّعْمَانِ وَجَبَلَة بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هِنْدِ بْنِ بَرّ وَأَخُوهُ الطّيّبُ بْنُ بَرّ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ ص عَبْدَ اللّهِ وَتَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ وَنُعَيْمُ بْنُ أَوْسٍ، وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَزِيزُ بْنُ مَالِكٍ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ ص عَبْدَ الرّحْمَنِ وَأَخُوهُ مُرّةُ بْنُ مَالِكٍ وَأَوْصَى لِلأَشْعَرِيّينَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ أَبِى حَيّةَ، قَالَ: حَدّثَنَا ابْنُ الثّلْجِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللّهِ ص إلاّ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ لَلدّارِيَيْنِ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَلِلأَشْعَرِيّينَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَلِلرّهَاوِيّين بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَأَنْ يَنْفُذَ جَيْشُ أُسَامَةَ ابْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص عَقَدَ لَهُ إلَى مَقْتَلِ أَبِيهِ، وَأَلاّ يَتْرُكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ.

قَالُوا: ثُمّ اسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ ص جِبْرِيلَ فِى قَسْمِ خُمُسِ خَيْبَرَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَهُ فِى بَنِى هَاشِمٍ وَبَنِى الْمُطّلِبِ وَبَنِى عَبْدِ يَغُوثَ.

وَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ: قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: لَمّا قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ ص ذَوِى الْقُرْبَى بِخَيْبَرَ مِنْ بَنِى هَاشِمٍ وَبَنِى الْمُطّلِبِ مَشَيْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ حَتّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَؤُلاءِ إخْوَانُنَا مِنْ بَنِى الْمُطّلِبِ لا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِك الّذِى وَضَعَك اللّهُ بِهِ مِنْهُمْ أَفَرَأَيْت إخْوَانَنَا مِنْ بَنِى الْمُطّلِبِ، إنّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكَتْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّ بَنِى الْمُطّلِبِ لَمْ يُفَارِقُونِى فِى الْجَاهِلِيّةِ وَالإِسْلامِ، دَخَلُوا مَعَنَا فِى الشّعْبِ، إنّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبِ شَىْءٌ وَاحِدٌ وَشَبّكَ رَسُولُ اللّهِ ص بَيْنَ أَصَابِعِهِ”.

قَالُوا: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدّثُ، قَالَ: اجْتَمَعَ الْعَبّاسُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالا: لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلامَيْنِ - لِى وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ - إلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَكَلّمَاهُ فَأَمّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصّدَقَاتِ فَأَدّيَا مَا يُؤَدّى النّاسُ وَأَصَابَا مَا يُصِيبُونَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. فَبُعِثَ بِى وَالْفَضْلِ فَخَرَجْنَا حَتّى جِئْنَا رَسُولَ اللّهِ ص فَسَبَقْنَاهُ وَانْصَرَفَ إلَيْنَا مِنْ الظّهْرِ، وَقَدْ وَقَفْنَا لَهُ عِنْدَ حُجْرَةِ زَيْنَبَ فَأَخَذَ بِمَنَاكِبِهِمَا، فَقَالَ: أَخْرِجَا مَا تُسِرّانِ فَلَمّا دَخَلَ دَخَلا عَلَيْهِ فَكَلّمَاهُ، فَقَالا: يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْنَاك لِتُؤَمّرَنَا عَلَى هَذِهِ الصّدَقَاتِ فَنُؤَدّى مَا يُؤَدّى النّاسُ وَنُصِيبُ مَا يُصِيبُونَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. فَسَكَتَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: “إنّ الصّدَقَةَ لا تَحِلّ لِمُحَمّدٍ وَلا لآلِ مُحَمّدٍ إنّمَا هِىَ أَوْسَاخُ النّاسِ”.

اُدْعُ لِى مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: زَوّجْ هَذَا ابْنَتَك - لِلْفَضْلِ. وَقَالَ لأَبِى سُفْيَانَ: زَوّجْ هَذَا ابْنَتَك - لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ: أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِمّا عِنْدَك مِنْ الْخُمُسِ وَكَانَ يَكُونُ عَلَى الْخُمُسِ. فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: قَدْ دَعَانَا عُمَرُ إلَى أَنْ يَنْكِحَ فِيهِ أَيَامَانَا وَيَخْدِمُ مِنْهُ عَائِلَنَا، وَيُقْضَى مِنْهُ غَارِمُنَا، فَأَبَيْنَا عَلَيْهِ إلاّ أَنْ يُسَلّمَهُ كُلّهُ وَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا.

حَدّثَنِى مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، أَنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيّا عَلَيْهِمْ السّلامُ جَعَلُوا هَذَيْنِ السّهْمَيْنِ عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِى السّلاحِ وَالْعُدّةِ فِى سَبِيلِ اللّهِ. وَكَانَتْ تِلْكَ الطّعْمَةُ تُؤْخَذُ بِصَاعِ رَسُولِ اللّهِ ص فِى حَيَاتِهِ وَفِى خِلافَةِ أَبِى بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ، رَضِىَ اللّهُ عَنْهُمْ حَتّى كَانَ يَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ فَزَادَ فِى الصّاعِ سُدُسَ الْمُدّ فَأَعْطَى لِلنّاسِ بِالصّاعِ الّذِى زَادَ، ثُمّ كَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ فَزَادَ فِيهِ فَأَعْطَاهُمْ بِذَلِكَ، وَكَانَ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُطْعِمِينَ، أَوْ قُتِلَ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ ص وَأَبِى بَكْرٍ، فَإِنّهُ يَرِثُهُ تِلْكَ الطّعْمَةَ مِنْ وِرْثِ مَالِهِ، فَلَمّا وَلِىَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ قَبَضَ طُعْمَةَ كُلّ مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يُوَرّثْهُ فَقَبَضَ طُعْمَةَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَقَبَضَ طُعْمَةَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، وَكَلّمَهُ فِيهِ عَلِىّ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ فَأَبَى، وَقَبَضَ طُعْمَةَ صَفِيّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَكَلّمَهُ الزّبَيْرُ فِى ذَلِكَ حَتّى غَالَظَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ بُرْدَهُ، فَلَمّا أَلَحّ عَلَيْهِ، قَالَ: أُعْطِيك بَعْضَهُ. قَالَ الزّبَيْرُ: لا وَاَللّهِ لا تُخَلّفْ تَمْرَةً وَاحِدَةً تَحْبِسُهَا عَنّى فَأَبَى عُمَرُ تَسْلِيمَهُ كُلّهُ إلَيْهِ.

قَالَ الزّبَيْرُ: لا آخُذُهُ إلاّ جَمِيعًا فَأَبَى عُمَرُ وَأَبَى أَنْ يَرُدّ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ. وَقَبَضَ طُعْمَةَ فَاطِمَةَ فَكَلَمْ فِيهَا فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ. وَكَانَ يُجِيزُ لأَزْوَاجِ رَسُولِ اللّهِ ص مَا صَنَعْنَ فَمَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فِى خِلافَتِهِ فَخَلّى بَيْنَ وَرَثَتِهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الطّعْمَةِ وَأَجَازَ مَا صَنَعْنَ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَوَرِثَ ذَلِكَ كُلّ مَنْ وَرّثَهُنّ وَلَمْ يَفْعَلْ بِغَيْرِهِنّ. وَأَبَى أَنْ يُجِيزَ بَيْعَ مَنْ بَاعَ تِلْكَ الطّعْمَةِ وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ لا يُعْرَفُ إذَا مَاتَ الْمُطْعِمُ بَطَلَ حَقّهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ بَيْعُهُ؟ إلاّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللّهِ ص فَإِنّهُ أَجَازَ مَا صَنَعْنَ فَلَمّا وَلِىَ عُثْمَانُ كَلّمَ فِى تِلْكَ الطّعْمَةِ فَرَدّ عَلَى أُسَامَةَ وَلَمْ يَرُدّ عَلَى غَيْره. فَكَلّمَهُ الزّبَيْرُ فِى طُعْمَةِ صَفِيّةَ أُمّهِ فَأَبَى يَرُدّهُ وَقَالَ: أَنَا حَاضِرُك حِينَ تَكَلّمَ عُمَرُ وَعُمَرُ يَأْبَى عَلَيْك يَقُولُ: “خُذْ بَعْضَهُ”، فَأَنَا أُعْطِيك بَعْضَهُ الّذِى عَرَضَ عَلَيْك عُمَرُ أَنَا أُعْطِيك الثّلُثَيْنِ وَأَحْتَبِسُ الثّلُثَ، فَقَالَ الزّبَيْرُ: لا وَاَللّهِ لا تَمْرَةً وَاحِدَةً حَتّى تُسَلّمَهُ كُلّهُ أَوْ تَحْتَبِسَهُ.

حَدّثَنِى شُعَيْبُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمّا تُوُفّىَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، كَانَ وَلَدُهُ وَرَثَتُهُ يَأْخُذُونَ طُعْمَتَهُ مِنْ خَيْبَرَ، مِائَةَ وَسْقٍ فِى خِلافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَوَرِثَتْ امْرَأَتُهُ أُمّ رُومَانَ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الْكِنَانِيّةُ، وَحَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ، فَلَمْ يَزَلْ جَارِيًا عَلَيْهِنّ حَتّى كَانَ زَمَنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَوْ بَعْدَهُ فَقُطِعَ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ بْنَ جَعْفَرٍ عَمّنْ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ: لا تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا أَبَدًا أَعْلَمَ مِنّى، كَانَ مَنْ أُعْطِىَ مِنْهُ طُعْمَةٌ جَرَتْ عَلَيْهِ حَتّى يَمُوتَ ثُمّ يَرِثُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ يَبِيعُونَ وَيُطْعِمُونَ وَيَهَبُونَ كَانَ هَذَا عَلَى عَهْدِ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، قُلْت: مِمّنْ سَمِعْت ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ أَبِى وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْمِى. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: فَذَكَرْت لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ أَخْبَرَنِى مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنّ عُمَرَ كَانَ يَقْبِضُ تِلْكَ الطّعْمَةَ إذَا مَاتَ الْمَيّتُ فِى حَيَاةِ أَزْوَاجِ النّبِىّ ص وَغَيْرِهِنّ. ثُمّ يَقُولُ تُوُفّيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فِى سَنَةِ عِشْرِينَ فِى خِلافَةِ عُمَرَ فَقَبَضَ طُعْمَتِهَا، فَكَلّمَ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا الْوَرَثَةَ، قَالَ: إنّمَا كَانَتْ مِنْ النّبِىّ ص طُعْمَةً مَا كَانَ الْمَرْءُ حَيّا، فَإِذَا مَاتَ فَلا حَقّ لِوَرَثَتِهِ، قَالَ: فَكَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِى خِلافَةِ عُمَرَ حَتّى تُوُفّىَ ثُمّ وَلِىَ عُثْمَانُ. وَكَانَ النّبِىّ ص أَطْعَمَ زَيْدَ ابْنَ حَارِثَةَ طُعْمَةً مِنْ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهَا كِتَابٌ فَلَمّا تُوُفّىَ زَيْدٌ جَعَلَهَا النّبِىّ ص لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. قُلْت: فَإِنّ بَعْضَ مَنْ يَرْوِى يَقُولُ كَلّمَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِى طُعْمَةِ أَبِيهِ فَأَبَى، قَالَ مَا كَانَ إلاّ كَمَا أَخْبَرْتُك. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: هَذَا الأَمْرُ.

 

ما يرويه ابن إسحاق هنا هو نفس مرويات الواقدي ولو باختصار نسبيًّا، فلا داعي لإملال القارئ بتكرار ذات الكلام عن أنصبة زوجات وأقارب وأتباع محمد من المسروقات من الأراضي وعوائد غلات الأرض، سأكتفي بتكرار فقرات هي الأهم هنا من ابن إسحاق:

 

ثم قَسَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الكَتِيبة، وهى وادي خاص، بين قرابته وبين نسائه، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنتَه مئتىْ وَسْقٍ، ولعلى بن أبي طالبٍ منه مئة وسْق، ولأسامة بن زيد مئتىْ وَسْق، وخمسين وَسْقاً من نَوًى، ولعائشة أم المؤمنين مئتي وسْق، ولأبىٍ بكر بن أبي قحافة مِئة وسْق، ولعقيل بن أبي طالب مئة وَسْق وأربعين وسْقا، ولبني جعفر خمسين وسْقاً. ولربيعة بن الحارث مئة وَسْق وللصَّلْت بن مَخْرَمة وابنيه مئة وسْق، للصلت منها أربعون وسْقا....إلخ إلخ ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبع مئة وسْق.

قال ابن هشام: قمح وشعير وتمر ونَوًى وغير ذلك، قسَّمه على قدر حاجتهم، وكانت الحاجة في بني عبد المطلب أكثر، ولهذا أعطاهم أكثر.

 

ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه من قمح خيبر

قسم لهن مئة وسق وثمانين وسقا، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسْقا، ولأسامة بن زيد أربعين وسْقاً، وللمقداد بن الأسود خمسة عشر وسْقاً، ولأم رُمَيْثة خمسة أوُسق شهد عثمان بن عفان، وعباس وكتب.

 

قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن كَيْسان، عن ابن شهاب الزُّهْري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة ابن مسعود قال: لم يوص رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث، أوصى للرَّهاويِّين بحاد مئة وَسْق من خيبر، وللداريِّين بحاد مئة وسق من خيبر، وللسَّبائيين، وللأشعريين بحاد مئة وسْق من خيبر، وأوصى بتنفيذ بَعْث أسامة بن زيد بن حارثة؛ وألا يُترك بجزيرة العرب دينان.

 

لقد اغتنى محمد من خلال ما امتلكه من أملاك مستولى عليها من خيبر وعوائد نصف  خيرات وادي القرى وفدك اليهوديتين، ومنها أعطى لزوجاته ولأقاربه وأنفق على التسليح وأحسن لبعض أتباعه الفقراء وأقاربه وهذا يصب في مصلحة انتشار دعوته، تقول كتب السيرة أنه في حجة الوداع ذبح عن نسائه في الهدي للكعبة البقر كما ذكر ابن إسحاق في سرده لها والبخاري 1709 وأحمد 25838، ألا ينبغي أن تكون قصص الأحاديث من أنه مات مدينًا ليهودي لا يملك شيئًا محض نكت وفكاهات ساذجة بالنسبة لنا إذن.

 

روى البخاري:

 

1709 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، لاَ نُرَى إِلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ»، قَالَتْ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ، قَالَ: يَحْيَى، فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ، فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ

 

وروى مسلم:

 

[ 1211 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب جميعا عن بن عيينة قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال أنفست يعني الحيضة قالت قلت نعم قال إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي قالت وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

25838 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ، ....إلخ قَالَتْ: وَذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ، ...إلخ الحديث

 

وأخرجه الطيالسي (1413)، وأبو داود (1782)

 

وتقول عائشة زوج محمد كما روى البخاري:

 

4242 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ»

 

4243 - حَدَّثَنَا الحَسَنُ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ»

 

أن تشبع بنهب غيرك ومعاناته لهو تصرف أناني لا إنساني وإجرامي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مجموعة من الصور لبقايا بيوت وحصون اليهود في محافظة خيبر السعودية اليوم

 

نلاحظ كما جاء في الكثير من كتب التاريخ أن عمر سارع لإلغاء فكرة الخمس لأقارب محمد وصار يعطيهم عطاء من بيت المال فقط، لأنه أميل للاشتراكية والتوزيع العادل للثروات المنهوبة والجزية المنهوبة بين المسلمين، وهذا يلزمنا بالقول هنا أن فكرة الخمس لم تكن تشريعًا عادلًا ولا دستوريًّا، لذلك ألغاها عمر بن الخطاب رغم نص القرآن عليها ورغم اتباعه الشديد للقرآن وسنة محمد.

 

وروى البخاري عن هذه المسألة وذكر خلافًا ماليًّا وقع بين عليّ ابن عم محمد والعباس أحد أعمام محمد وعلي:

 

7305 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ النَّصْرِيُّ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ ذَلِكَ، فَدَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ، قَالَ: نَعَمْ، فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ، فَأَذِنَ لَهُمَا، قَالَ العَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ الظَّالِمِ اسْتَبَّا، فَقَالَ الرَّهْطُ: - عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ -: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا، وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ: اتَّئِدُوا، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي مُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا المَالِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ} [الحشر: 6] الآيَةَ، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا المَالُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا المَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ، هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ - وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ - تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكِ، وَأَتَانِي هَذَا يَسْأَلُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، وَإِلَّا فَلاَ تُكَلِّمَانِي فِيهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا

 

نلاحظ كذلك كما قلنا التوزيع الإقطاعي للأراضي ففي حين بعض الصحابة كان لكل منهم سهم وأملاك كالزبير، آخرون كان لهم سهم واحد لجميعهم كسهم اللفيف مثلًا. فعصر محمد عصر إقطاعي وقد سار على هذا النهج وسنعود إلى هذه النقطة عند ذكر كتابات محمد للقبائل وزعمائها من خلال الطبقات الكبير لابن سعد.

 

اضطر اليهود لقبول شروط محمد ومنها أنه يخرجهم من أرضهم متى أراد، ليطردوا من وطنهم بشكل عنصري، وهو ما حدث على يد عمر بن الخطاب لاحقًا:

 

يروي البخاري:

 

2338 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ المِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَجْلَى اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلَتِ اليَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقِرَّهُمْ بِهَا، أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا»، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ

 

ورواه مسلم 3965 و3966 و3967 وأحمد بن حنبل 6368 و16417

 

يقول ابن إسحاق:

 

وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلَ خيبر في حصنيهم الوَطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهَلكة، سألوه أن يسيِّرهم وأن يحقن لهم دماءَهم. ففعل. وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموالَ كلَّها: الشَّقَّ ونَطاةَ والكَتيبة وجميع حصونهم، إلا ما كان من ذينك الحصنين.

 

فلما سمع بهم أهل فَدَك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيِّرهم، وأن يحقن دماءَهم، ويخلُّوا له الأموالَ، ففعل.

وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك مُحَيِّصَة ابن مسعود، أخو بني حارثة.

فلما نزل أهل خيبر على ذلك، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها. فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يَجْلبوا عليها بخيل ولا ركاب.

 

ويقول:

 

فأخبرنى ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خَيْبر عَنْوَةً بعد القتال، وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمَّسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقَسَمها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الجلاءِ بعد القتال، فدعاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها، وتكون ثمارُها بينَنا وبينكم، وأقركم ما أقركم الله، فقبلوا، فكانوا يعملونها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رَوَاحة، فيُقسم ثمرَها، ويعدِل عليهم في الخَرْص، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أقرها أبو بكر رضى الله تعالى عنه، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى توفى؛ ثم أقرها عمر رضى الله عنه صدراً من إمارته.

ثم بلغ عمرَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبضه الله فيه: لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان؛ ففحص عمر ذلك، حتى بلغه الثبتُ، فأرسل إلى يهود، فقال: إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمعنَّ بجزيرة العرب دينان، فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتنى به، أنْفذه له ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، فليتجهز للجلاء، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.

 

قال ابن إسحاق: وحدثني نافع، مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر قال: خرجت أنا والزبير والمِقْداد بن الأسْوَد إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها، فلما قَدِمنا تفرقنا في أموالنا، قال: فعُدِيَ عليَّ تحتَ الليل، وأنا نائم على فراشى، ففُدِعت يدايَ من مِرْفَقَيّ، فلما أصبحت استصرخ علىَّ صاحباي، فأتيانى فسألانى: من صنع هذا بك؟ فقلت: لا أدري؟ قال: فأصلحا من يدي، ثم قَدِما بي على عمر رضى الله عنه فقال: هذا عمل يهود، ثم قام في الناس خطيبا فقال: أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا، وقد عَدُوا على عبد الله بن عمر فَفدَعوا يديْه، كما قد بلغكم، مع عَدْوِهم على الأنصاري قبله، لا نشك أنهم أصحابه، ليس لنا هناك عدوٌّ غيرُهم، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به، فإنى مخرج يهود فأخرجهم.

 

عمر يقسم وادي القرى: قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن مَكْنَف، أخى بني حارثة، قال: لما أخرج عمر يهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار، وخرج معه جبار ابن صَخْر بن أمية بن خنساء، أخو بني سَلَمة، وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد بن ثابت، وهما قَسَما خيبر بين أهلها، على أصل جماعة السهمان، التي كانت عليها.

وكان ما قَسَم عمرُ بن الخطاب من وادي القرى، لعثمانَ بنِ عفان خَطرٌ، ولعبد الرحمن بن عوف خَطَر، ولعُمر بن أبي سَلَمة خَطَرٌ،..إلخ إلخ، فهذا ما بلغنا من أمر خيبر ووادي القرى ومقاسمهما.

قال ابن هشام: الخطر: النصيب. ويقال: أخطر لى فلان خَطَراً.

 

ويقول الواقدي:

 

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص لَمّا فَتَحَ خَيْبَرَ سَأَلَهُ الْيَهُودُ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ نَحْنُ أَرْبَابُ النّخْلِ وَأَهْلُ الْمَعْرِفَة بِهَا. فَسَاقَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص خَيْبَرَ عَلَى شَطْرٍ مِنْ التّمْرِ وَالزّرْعِ وَكَانَ يَزْرَعُ تَحْتَ النّخْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أُقِرّكُمْ عَلَى مَا أَقَرّكُمْ اللّهُ”، فَكَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ ص حَتّى تُوُفّىَ وَأَبِى بَكْرٍ، وَصَدْرٍ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ وَكَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ النّخْلَ فَكَانَ يَخْرُصُهَا فَإِذَا خَرَصَ قَالَ: إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَتَضْمَنُونَ نِصْفَ مَا خَرَصْت، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا وَنَضْمَنُ لَكُمْ مَا خَرَصْت. وَإِنّهُ خَرَصَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ فَجَمَعُوا لَهُ حُلِيّا مِنْ حُلِىّ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا: هَذَا لَك، وَتَجَاوَزْ فِى الْقَسْمِ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاَللّهِ إنّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللّهِ إلَىّ وَمَا ذَاكَ يَحْمِلُنِى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السّمَوَاتُ وَالأَرْضُ فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، فَلَمّا قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيهَانِ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، وَيُقَالُ: جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَكَانَ يَصْنَعُ بِهِمْ مِثْلَ مَا كَانَ يَصْنَعُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَيُقَالُ: الّذِى خَرَصَ بَعْدَ ابْنِ رَوَاحَةَ عَلَيْهِمْ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو. قَالُوا: وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقَعُونَ فِى حَرْثِهِمْ وَبَقْلِهِمْ بَعْدَ الْمُسَاقَاةِ وَبَعْدَ أَنْ صَارَ لِيَهُودَ نِصْفُهُ فَشَكَتْ الْيَهُودُ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَيُقَالُ: عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَنَادَى: إنّ الصّلاةَ جَامِعَةٌ وَلا يَدْخُلْ الْجَنّةَ إلاّ مُسْلِمٌ. فَاجْتَمَعَ النّاسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ص: “فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: إنّ الْيَهُودَ شَكَوْا إلَىّ أَنّكُمْ وَقَعْتُمْ فِى حَظَائِرِهِمْ وَقَدْ أَمّنّاهُمْ عَلَى دِمَائِهِمْ وَعَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاَلّذِى فِى أَيْدِيهِمْ مِنْ أَرَاضِيِهِمْ وَعَامَلْنَاهُمْ وَإِنّهُ لا تَحِلّ أَمْوَالُ الْمُعَاهَدِينَ إلاّ بِحَقّهَا، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ لا يَأْخُذُونَ مِنْ بِقَوْلِهِمْ شَيْئًا إلاّ بِثَمَنٍ، فَرُبّمَا قَالَ الْيَهُودِىّ: لِلْمُسْلِمِ أَنَا أُعْطِيكَهُ بَاطِلاً فَيَأْبَى الْمُسْلِمُ إلاّ بِثَمَنٍ”.

 

حوّل محمد مالكي الأراضي بقهره ونهبه إلى عمال فلاحين عليها فقط، في سلوك إجرامي عنصري، واللافت للنظر جوهر الديانات التوحيدية الهوسية التكفيرية العنصري رغم أي تعاليم، فالكراهية والهمجية هي الأساس وهو ديدن المسلمين منذ كانوا فانظر كيف كانوا يقعون في نصيب اليهود المتفق عليه، وقارن هذا بتحويل مقبرة اليهود في بساتين المعادي بمصر إلى مزبلة تقريبًا واستحلال كثير منهم لنهب المسيحيين وسرقتهم على مر التاريخ من مواطني دولهم.

 

يقول ابن قيم الجوزية في زاد المعاد:

 

ومنها: جواز إجلاء أهل الذِّمةِ من دار الإسلام إذا اسْتُغنِىَ عنهم، كما قال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُقِرُّكُم مَا أَقَرَّكمُ اللهُ"، وقال لكبيرهم: "كَيْفَ بكَ إذا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّام يَوْماً ثُمَّ يَوْماً"، وأجلاهم عمرُ بعد موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا مذهبُ محمد بن جرير الطبرى، وهو قولٌ قوى يسوغُ العملُ به إذا رأى الإمامُ فيه المصلحةَ.

ولا يُقال: أهل خَيْبَر لم تكن لهم ذِمة، بل كانُوا أهلَ هُدنة، فهذا كلام لا حاصِل تحته، فإنهم كانوا أهلَ ذِمة، قد أمِنوا بها على دمائهم وأموالهم أماناً مستمراً، نعم لم تكن الجزيةُ قد شُرِعَت، ونزل فرضُها، وكانوا أهلَ ذِمة بغير جزية، فلما نزل فرضُ الجزية، استُؤنِفَ ضربُها على مَن يُعقد له الذِّمة مِن أهل الكِتاب والمجوس، فلم يكن عدمُ أخذ الجزية منهم، لكونهم ليسوا أهلَ ذِمة، بل لأنها لم تكن نزل فرضُها بعد.

وأما كونُ العقد غيرَ مؤبَّد، فذاك لمدة إقرارهم فى أرض خَيْبَر، لا لمدة حقنِ دمائهم، ثم يستبيحها الإمامُ متى شاء، فلهذا قال: "نُقِرُّكُمْ ما أقرَّكمُ اللهُ أَوْ مَا شَئْنَا"، ولم يقل: نحقِنُ دماءكم ما شئنا، وهكذا كان عقدُ الذمة لقُريظة والنَّضير عقداً مشروطاً، بأن لا يُحاربوه، ولا يُظاهِرُوا عليه، ومتى فعلوا، فلا ذِمة لهم، وكانوا أهلَ ذِمة بلا جزية، إذ لم يكن نزلَ فرضُها إذ ذاك، واستباحَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْىَ نسائهم وذرارِيهم، وجعل نقضَ العهد سارياً فى حق النِّساء والذُرِّية، وجعل حُكم الساكت والمقر حُكمَ الناقِضِ والمحارب، وهذا موجبُ هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أهل الذِّمة بعد الجزية أيضاً، أن يسرىَ نقضُ العهد فى ذُرِّيتهم إلخ

 

فمن تلك السيرة الإجرامية لمحمد استخرج الفقهاء نهجًا عنصريًّا فهم يرون أنه من الشريعة طرد غير المسلمين من بيوتهم وأوطانهم بأسلوب التفرقة العنصرية على غرار النازية والصهيونية والأبارت هيد في جنوب أفريقيا. وسنتحدث عن إجلاء عمر لغير المسلمين من شبه الجزيرة العربية في آخر الكتاب في موضعه.

 

ووقع في السنن الكبرى للبيهقي:

 

18168-.....فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غشوا المسلمين وألقوا بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كان له سهم من خيبر فليحضر حتى نقسمها بينهم فقسمها بينهم فقال رئيسهم لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه لرئيسهم أتراه سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما وقسمها عمر رضي الله عنه بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية

 

وفي تاريخ المدينة لابن شبة:

 

حَدَّثَنَا الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: «خَيْبَرُ كَانَ بَعْضُهَا عَنْوَةً، وَبَقِيَّتُهَا صُلْحًا، وَالْكَثِيبَةُ أَكْثَرُهَا عَنْوَةً، وَفِيهَا صُلْحٌ» قَالَ مَالِكٌ: أَوَّلُ مَنْ جَلَّى أَهْلَ خَيْبَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ: أَتُجَلِّينَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتُرَانِي نَسِيتُ قَوْلَهُ: كَيْفَ بِكَ لَوْ قَدْ رَقَصَتْ بِكَ قَلُوصُكَ نَحْوَ الشَّامِ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَذَبْتَ، كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَفَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ

 

عدد القتلى من اليهود في تلك الغزوة:

 

في تلك الغزوة على هؤلاء اليهود الأقلية فقط، يقول الواقدي:

 

وَقُتِلَ مِنْ الْيَهُودِ ثَلاثَةٌ وَتِسْعُونَ رَجُلاً.

 

ناهيك عن المعارك الضارية الكبيرة العدوانية لما ازداد عددهم كمؤتة وذات السلاس وحنين والطائف وفتح اليمن وبعد موت محمد حروب المسلمين مع أتباع مدعي النبوة الآخرين ورافضي دفع الزكاة للدولة مع بقائهم على الإسلام وحروبهم لإزاحة الروم من الشرق واحتلاله واحتلال فارس (إيران)...إلخ بحور من الدماء خاضوا فيها حاملين الراية من بعد الفرس والروم الشرقيين والغربيين، فلنعجب من مزاعم دعاتهم كعمرو خالد من عدم كثرة قتلى حروب محمد إذن!

 

قصة المرأة الخيبرية التي وضعت السم لمحمد

 

جاء في البخاري:

 

2617 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهَا، قَالَ: «لاَ»، فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

شرح: (أعرفها) أعرف أثرها. (لهوات) جمع لهاة وهي ما يبدو من الفم عند التبسم وقيل هي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم

 

يقول ابن إسحاق:

 

فلما اطمأنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينبُ بنت الحارث، امرأة سَلاَّم بن مِشْكَم، شاةً مَصْلِية، وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: الذراع؛ فأكثرت فيها من السم، ثم سَمَّت سائَر الشاة، ثم جاءت بها. فلما وضعتها بين يديْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، تناول الذراعَ، فلاك منها مُضغةً. فلم يُسِغْها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، َ فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليُخبرني أنه مسموم، فاعترفت فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومى ما لم يَخفَ عليك، فقلت: إن كان مَلكا استرحتُ منه، وإن كان نبياً فسيُخْبَر، قال: فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بشر من أكلته التي أكل.

قال ابن إسحاق: وحدثني مَرَوان بن عثمان ابن أبي سعيد بن المُعَلَّى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال في مرضه الذي تُوفي فيه، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده: يا أمَّ بشر، إن هذا الأوان وجدتُ فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر قال: فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً، مع ما أكرمه الله به من النبوة.

 

مصلية: مشوية

الأبهر: عرق من عرقين يخرجان من القلب ومنهما تتشعب العروق كلها.

 

وروى الواقدي القصة فقال:

 

قَالُوا: لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ص خَيْبَرَ وَاطْمَأَنّ جَعَلَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَسْأَلُ أَىّ الشّاةِ أَحَبّ إلَى مُحَمّدٍ؟ فَيَقُولُونَ: الذّرَاعُ وَالْكَتِفُ، فَعَمَدَتْ إلَى عَنْزٍ لَهَا فَذَبَحَتْهَا، ثُمّ عَمَدَتْ إلَى سُمّ لابَطِىّ قَدْ شَاوَرَتْ الْيَهُودَ فِى سُمُومٍ فَأَجْمَعُوا لَهَا عَلَى هَذَا السّمّ بِعَيْنِهِ فَسَمّتْ الشّاةَ وَأَكْثَرَتْ فِى الذّرَاعَيْنِ وَالْكَتِفَيْنِ، فَلَمّا غَابَتْ الشّمْسُ صَلّى رَسُولُ اللّهِ ص الْمَغْرِبَ وَانْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَجِدُ زَيْنَبَ جَالِسَةً عِنْدَ رَحْلِهِ فَيَسْأَلُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: أَبَا الْقَاسِمِ هَدِيّةٌ أَهْدَيْتهَا لَك، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص يَأْكُلُ الْهَدِيّةَ، وَلا يَأْكُلُ الصّدَقَةَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِالْهَدِيّةِ، فَقَبَضْت مِنْهَا وَوَضَعْت بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لأَصْحَابِهِ وَهُمْ حُضُورٌ أَوْ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ: “اُدْنُوا فَتَعَشّوْا”، فَدَنَوَا فَمَدّوا أَيْدِيَهُمْ وَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ ص الذّرَاعَ، وَتَنَاوَلَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ عَظْمًا، وَأَنْهَشَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْهَا نَهْشًا وَانْتَهَشَ بِشْرٌ، فَلَمّا ازْدَرَدَ رَسُولُ اللّهِ ص أَكْلَتَهُ ازْدَرَدَ بِشْرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “كُفّوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنّ هَذِهِ الذّرَاعَ تُخْبِرُنِى أَنّهَا مَسْمُومَةٌ”. فَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ: قَدْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ وَجَدْت ذَلِكَ مِنْ أَكْلَتِى الّتِى أَكَلْتهَا، فَمَا مَنَعَنِى أَنّ أَلْفِظَهَا إلاّ كَرَاهِيَةَ أُنَغّصَ إلَيْك طَعَامَك، فَلَمّا تَسَوّغْتَ مَا فِى يَدِك لَمْ أَرْغَبْ بِنَفْسِى عَنْ نَفْسِك، وَرَجَوْت أَلاّ تَكُونَ ازْدَرَدْتهَا وَفِيهَا نَعْىٌ. فَلَمْ يَرْمِ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى عَادَ لَوْنُهُ كَالطّيْلَسَانِ وَمَاطَلَهُ وَجَعُهُ سَنَةً لا يَتَحَوّلُ إلاّ مَا حُوّلَ ثُمّ مَاتَ مِنْهُ.

وَيُقَالُ: لَمْ يَقُمْ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى مَاتَ، وَعَاشَ رَسُولُ اللّهِ ص بَعْدَ ذَلِكَ ثَلاثَ سِنِينَ.

وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص بِزَيْنَبَ، فَقَالَ: “سَمَمْت الذّرَاعَ”؟ فَقَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَك؟ قَالَ: “الذّرَاعُ”، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: “وَمَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ”؟ قَالَتْ: قَتَلْت أَبِى وَعَمّى وَزَوْجِى، وَنِلْت مِنْ قَوْمِى مَا نِلْت، فَقُلْت: إنْ كَانَ نَبِيّا فَسَتُخْبِرُهُ الشّاةُ مَا صَنَعْت، وَإِنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ فَاخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِيهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: رِوَايَةً أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ص فَقُتِلَتْ، ثُمّ صُلِبَتْ. وَقَالَ قَائِلٌ: رِوَايَةً عَفَا عَنْهَا. وَكَانَ نَفَرٌ ثَلاثَةٌ قَدْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِى الطّعَامِ وَلَمْ يَسِيغُوا مِنْهُ شَيْئًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ فَاحْتَجَمُوا أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ مِنْ الشّاةِ وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللّهِ ص تَحْتَ كَتِفِهِ الْيُسْرَى، وَيُقَالُ: احْتَجَمَ عَلَى كَاهِلِهِ حَجَمَهُ أَبُو هِنْدٍ بِالْقَرْنِ وَالشّفْرَةِ.

 

وَقَالُوا: وَكَانَتْ أُمّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ تَقُولُ دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فِى مَرَضِهِ الّذِى مَاتَ فِيهِ وَهُوَ مَحْمُومٌ فَمَسِسْته، فَقُلْت: مَا وَجَدْت مِثْلَ مَا وُعِكَ عَلَيْك عَلَى أَحَدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الأَجْرُ كَذَلِكَ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلاءُ، زَعَمَ النّاسُ أَنّ بِرَسُولِ اللّهِ ذَاتُ الْجَنْبِ مَا كَانَ اللّهُ لِيُسَلّطَهَا عَلَىّ إنّمَا هِىَ هَمْزَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ، وَلَكِنّهُ مِنْ الأَكْلَةِ الّتِى أَكَلْت أَنَا وَابْنُك يَوْمَ خَيْبَرَ، مَا زَالَ يُصِيبُنِى مِنْهَا عِدَادٌ حَتّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعٍ أَبْهَرِىّ”، فَمَاتَ رَسُولُ اللّهِ ص شَهِيدًا، وَيُقَالُ: إنّ الّذِى مَاتَ فِى الشّاةِ مُبَشّرُ بْنُ الْبَرَاءِ. وَبِشْرٌ أَثْبَتُ عِنْدَنَا، وَهُوَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ.

قَالَ عَبْدُ اللّهِ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ بْنَ جَعْفَرٍ عَنْ قَوْلِ زَيْنَبَ ابْنَةِ الْحَارِثِ: قَتَلْت أَبِى، قَالَ: قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ أَبُوهَا الْحَارِثُ، وَعَمّهَا يَسَارٌ، وَكَانَ أَخْبَرَ النّاسِ هُوَ الّذِى أُنْزِلَ مِنْ الشّقّ، وَكَانَ الْحَارِثُ أَشْجَعَ الْيَهُودِ، وَأَخُوهُ زُبَيْرُ قُتِلَ يَوْمئِذٍ فَكَانَ زَوْجُهَا سَيّدَهُمْ وَأَشْجَعَهُمْ سَلاّمَ بْنَ مِشْكَمٍ، كَانَ مَرِيضًا وَكَانَ فِى حُصُونِ النّطَاةِ فَقِيلَ لَهُ: إنّهُ لا قِتَالَ فِيكُمْ فَكُنْ فِى الْكَتِيبَةِ. قَالَ: لا أَفْعَلُ أَبَدًا. فَقُتِلَ وَهُوَ مَرِيضٌ وَهُوَ أَبُو الْحَكَمِ الّذِى يَقُولُ فِيهِ الرّبِيعُ بْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ:

 

وَلَمّا تَدَاعَوْا بِأَسْيَافِهِمْ
وَكُنّــــا إذَا مَـــا دَعَـــــوْنَا بِـــهِ

 

فَكَانَ الطّعَانُ دَعَوْنَا سَلامَا
سَقَيْنَا سَرَاةَ الْعَـــــدُوِ السمَامَــــا

وَهُوَ كَانَ صَاحِبُ حَرْبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ شَغَلَهُ بِالْمَرَضِ.

__________________________________

ملاحظة: لكن قد يوهم ذكر الواقدي لسلام بن مشكم في الحصن بالغلط، لأني وجدت في تاريخ الطبري والإصابة في تمييز الصحابة والاستعياب في معرفة الأصحاب وأسد الغابة وغيرهم أنه كان الزوج الأول لصفية بنت حيي (وكلاهما من بني قريظة الذين حينما أجلاهم محمد ذهبوا إلى خيبر وصاروا من زعمائها حتى حين) ثم مات فتزوجها كنانة، وفي الطبري:

 

وكانت قبله تحت سلام بْن مشكم بْن الحكم بْن حارثة بْن الخزرج بْن كعب بْن الخزرج، وتوفي عنها وخلف عليها كنانة بْن الربيع بْن أبي الحقيق، فقتله محمد بن مسلمه بأمر النبي

 

لكن ابن سعد في الطبقات الكبير له رأي مختلف وهو أن سلام بن مشكم طلقها وليس مات عنها:

 

وكانت صفية تزوجها سلام بن مشكم القرظي ثم فارقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري فقتل عنها يوم خيبر.

 

ويقول خير الدين الزركلي في كتاب (الأعلام):

 

صفية بنت حيي بن أخطب، من الخزرج: من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت في الجاهلية من ذوات الشرف. تدين باليهودية، من أهل المدينة. تزوجها سلام ابن مشكم القرظي، ثم فارقها فتزوجها كنانة ابن الربيع النضري، وقتل عنها يوم خيبر. وأسلمت، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

إلا أن ما تتفق عليه الكتب ومنها ابن هشام أن اليهودية واضعة السم هي زينبُ بنت الحارث، امرأة سَلاَّم بن مِشْكَم.

 

وروى مسلم في صحيحه:

 

[ 2190 ] حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك قال ما كان الله ليسلطك على ذاك قال أو قال علي قال قالوا ألا نقتلها قال لا قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

 [ 2190 ] وحدثنا هارون بن عبد الله حدثنا روح بن عبادة حدثنا شعبة سمعت هشام بن زيد سمعت أنس بن مالك يحدث أن يهودية جعلت سما في لحم ثم أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديث خالد

 

وروى البخاري (4428) معلَّقًا:

 

 قَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ»

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

23933 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا رَبَاحٌ، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمِّهِ، أَنَّ أُمَّ مُبَشِّرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَقَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تَتَّهِمُ بِنَفْسِكَ ؟ فَإِنِّي لَا أَتَّهِمُ إِلَّا الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَ مَعَكَ بِخَيْبَرَ، وَكَانَ ابْنُهَا مَاتَ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَأَنَا لَا أَتَّهِمُ غَيْرَهُ، هَذَا أَوَانُ قَطْعِ أَبْهَرِي "

 

رجاله ثقات، وقد اختلف فيه على الزهري. وأخرجه أبو داود (4514) عن أحمد بن حنبل، بهذا الإسناد. إلا أنه قال فيه: عن أمه أم مبشر، ولا يصح هذا، فإن أم مبشر لم تكن زوجاً لعبد الله بن كعب ولا لكعب بن مالك. وجاء عقبه: قال أبو سعيد ابن الأعرابي: كذا قال: "عن أمه"، والصواب: عن أبيه، عن أم مبشر وأخرجه عبد الرزاق (19815) عن معمر، عن الزهري، عن ابن لكعب بن مالك، أن أم مبشر قالت للنبي ص... فذكره.

وأخرجه أبو داود 4508، وفي (4513) من طريق عبد الرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن لكعب بن مالك، عن أبيه: أن أم مبشر..إلخ وأخرجه الحاكم 3/219 عن القطيعي راوي "المسند"، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، به - غير أنه قال فيه: عن أبيه، عن أم مبشر، فجعله من حديث أم مبشر، وهكذا أورده الحافظ ابن حجر في "الفتح" 8/131 عن الحاكم. وقال الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 7/131: وصله البزار والحاكم (3/58) من طريق عنبسة بن خالد، عن يونس، بهذا الإسناد. وروى ابن سعد (في "الطبقات" 2/202-203) عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة في قصة الشاة التي سُمَّت له بخيبر

 

ومن روايات سنن أبي داود:

 

4511 - حدثنا وهب بن بقية ثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية نحو حديث جابر قال فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري فأرسل إلى اليهودية " ما حملك على الذي صنعت ؟ " فذكر نحو حديث جابر فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ولم يذكر أمر الحجامة . حسن صحيح

 

ولو أن معظم القصص في أبي داوود ومسلم وغيرهما تقول أنه تركها ولم يقتلها

 

والروايات كثيرة عن مرض محمد في كل كتب الحديث، مثلًا هذه الرواية للبخاري:

 

5648 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ قَالَ: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ».... إلخ

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

27079 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُودُهُ فِي نِسَاءٍ، فَإِذَا سِقَاءٌ مُعَلَّقٌ نَحْوَهُ يَقْطُرُ مَاؤُهُ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَجِدُ مِنْ حَرِّ الْحُمَّى، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ دَعَوْتَ اللهَ فَشَفَاكَ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ "

 

وأخرجه ابن سعد 8/325-326، والنسائي في "الكبرى" (7496) و (7613) و(7482)، والطبراني في "الكبير" 24/ (629)، والحاكم 4/404

 

وجاء في شرح على السيرة لابن هشام لطه عبد الرؤوف سعد عن كتب الفقه والحديث، كعادة الفقهاء وتلاعبهم لمحاولة التوفيق بين الروايات المتناقضة:

 

فأما المرأة التي سمته، فقال ابن إسحاق: صفح عنها، وقد روى أبو داود أنه قتلها، ووقع في كتاب شرف المصطفى أنه قتلها وصلبها، وهي زينب بنت الحارث بن سلام، وقال أبو داود: وهى أخت مرحب اليهودي، وروى أيضاً مثل ذلك ابن إسحاق. ووجه الجمع بين الروايتين أنه عليه السلام صفح عنها، أولا لأنه كان صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه، فلما مات بشر بن البراء من تلك الأكلة، قتلها، وذلك أن بشراً لم يزل معتلا من تلك الأكلة حتى مات منها بعد عام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عند موته: "ما زالت أكلة خيبر تعادني، فهذا أوان قطعت أبهري! وتعادنى، أي تعتادنى المرة بعد المرة.

 

لا أدري كيف خان محمد ذكاؤه وبداهته ليظن ان امرأة من قوم قتل منهم وسبى النساء ونهب، ستعطيه هدية بنية صافية، ولا سيما وهي موتورة منكودة بقتل أبيها وزوجها وغيرهما، لقد وضعت في الشاة سمًّا يميت متسبّبًا بالحمى، لابطيّ من لبط الرجل أي حُمَّ، وكان رهانها أنه لو كان نبيًّا كما يزعم فسيعرف (طبعًا كل هذه المفاهيم عن النبوة والله الخرافي محض أوهام وضلالات لكن لنتابع السرد)، لقد انتهس محمد نهسة صغيرة فقط ثم شعر بالقلق الغريزي، أما صاحبه تابعه فتقول رواية أنه مات فورًا وفي رواية أقسى أنه ظل سنة لا يستطيع الحركة ثم مات، على كلٍ إن لم يكن محمد مات بفعل الشيخوخة أو أي مرض وبائي، وإن صحت مزاعم الروايات فقد مات بعد ثلاث سنوات بفعل سم اليهودية معانيًا حتى آخر لحظاته من الحمى معاناة طويلة وقتلًا بطيئًا، على الأقل هم جنوا على شخص واحد ممن آذوهم وأهانوهم وأبادوهم وأجلوهم عن وطنهم العربي كيهود عرب وحجازيين في شبه جزيرة العرب، أما هو فقد جنى بدعاواه العنصرية المعادية للإخاء الإنساني على الكثيرين من يهود ومسيحيين ووثنيين وأتباع مدعي نبوة آخرين كمسلمة الحنفي. على كلٍ القصة برهان على عدم صحة خرافة نبوة محمد وكل النبوات أكاذيب خزعبلات يقينًا عامة. أما قوله لم يكن ينتقم لنفسه فإنه كثيرًا ما فعل بالقول في مكة وبالأفعال في يثرب حينما امتلك القوة بحيث لم يسمح حتى بحرية الكلام كما سنشرح في مواضع أخرى.

 

لاحقًا كما سنذكر في آخر هذا الكتاب قام عمر بن الخطاب بنفي كل يهود ومسيحيي ومجوس وصابئة شبه الجزيرة العربية، استكمالًا لسياسة محمد ونهجه العنصري في النفي والإقصاء وعدم تحمل وجود الآخر في حد ذاته، ولقد زعم وزعم المسلمون أن هذا بوصية عنصرية من محمد كذلك وهو على فراش الموت، وإن صح هذا فحتى موته ظل ينضح بالشر والحقد وكره إخوانه في الإنسانية ويحرض ضدهم، وما هذا بنموذج محتذى، وعما بعد هذا ذكر لنا الواقدي:

 

حَدّثَنِى ابْن أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، قَالَ: نَزَلْت بِأَرِيحَا زَمَنَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا حَىّ مِنْ الْيَهُودِ، وَإِذَا رَجُلٌ يَهْدِجُ مِنْ الْكِبَرِ، فَقَالَ: مِمّنْ أَنْتُمْ؟ فَقُلْنَا: مِنْ الْحِجَازِ، فَقَالَ الْيَهُودِىّ: وَاشَوْقَاه إلَى الْحِجَازِ أَنَا ابْنُ الْحَارِثِ الْيَهُودِىّ فَارِسُ خَيَابِرَ قَتَلَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو دُجَانَةَ يَوْمَ نَزَلَ مُحَمّدٌ خَيْبَرَ، وَكُنّا مِمّنْ أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ إلَى الشّامِ. فَقُلْت: أَلا تُسْلِمُ؟ قَالَ: أَمَا إنّهُ خَيْرٌ لِى لَوْ فَعَلْت، وَلَكِنْ أُعَيّرُ تُعَيّرُنِى الْيَهُودُ تَقُولُ أَبُوك ابْنُ سَيّدِ الْيَهُودِ لَمْ يَتْرُكْ الْيَهُودِيّةَ قُتِلَ عَلَيْهَا أَبُوك وَتُخَالِفُهُ؟.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

      

 

داعش شر خلف لشر سلف، يبيح الإسلام وفق نصوصه سبي نساء أهل الكتاب الذين لا يخضعون للاحتلال والجزية والذل، ويشرع إبادة غير أهل الكتاب وسبي نسائهم واستعبادهن، واجهوا أنفسكم

فهذه هي حقيقة الإسلام من واقع نصوصه القرآنية والحديثية والسيرية ومن واقع تاريخه

نزع ملكية الأرض من يهود فدك ووادي القرى

والاستيلاء على أراضيهم

 

وأسرع يهود فدك وهم أضعف بكثير إلى الاستسلام، يقول ابن إسحاق في السيرة لابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خَيْبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فَدَك، حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فَدَك، فقدمت عليه رسلُهم بخيبر، أو بالطائف، أو بعد ما قدم المدينة، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، لأنه لم يوجَفْ عليها بخيل ولا ركاب.

 

.... وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلَ خيبر في حصنيهم الوَطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهَلكة، سألوه أن يسيِّرهم وأن يحقن لهم دماءَهم. ففعل. وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموالَ كلَّها: الشَّقَّ ونَطاةَ والكَتيبة وجميع حصونهم، إلا ما كان من ذينك الحصنين.

فلما سمع بهم أهل فَدَك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيِّرهم، وأن يحقن دماءَهم، ويخلُّوا له الأموالَ، ففعل.

وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك مُحَيِّصَة ابن مسعود، أخو بني حارثة.

فلما نزل أهل خيبر على ذلك، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها. فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يَجْلبوا عليها بخيل ولا ركاب.

 

.....كانت الكتيبة خُمس الله، وسهم النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسهم ذوي القُرْبَى واليتامى والمساكين، وطُعْمَ أزواجِ النبى صلى الله عليه وسلم، وطُعْمَ رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلموبين  أهل فَدَك بالصلح؛ منهم مُحَيِّصَة بن مسعود، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وَسْقاً من شعير، وثلاثين وَسْقاً من تمر

 

ويقول الواقدي:

 

بَابُ شَأْنِ فَدَكَ

قَالُوا: لَمّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى خَيْبَرَ فَدَنَا مِنْهَا، بَعَثَ مُحَيّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ إلَى فَدَكَ يَدْعُوهُمْ إلَى الإِسْلامِ وَيُخَوّفُهُمْ أَنْ يَغْزُوَهُمْ كَمَا غَزَا أَهْلَ خَيْبَرَ وَيَحِلّ بِسَاحَتِهِمْ. قَالَ مُحَيّصَةُ: جِئْتهمْ فَأَقَمْت عِنْدَهُمْ يَوْمَيْنِ وَجَعَلُوا يَتَرَبّصُونَ، وَيَقُولُونَ: بِالنّطَاةِ عَامِرٌ وَيَاسِرٌ وَأُسَيْرٌ وَالْحَارِثُ وَسَيّدُ الْيَهُودِ مَرْحَبٌ، مَا نَرَى مُحَمّدًا يَقْرَبُ حَرَاهُمْ إنّ بِهَا عَشَرَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ. قَالَ مُحَيّصَةُ: فَلَمّا رَأَيْت خُبْثَهُمْ أَرَدْت أَرْحَلُ رَاجِعًا، فَقَالُوا: نَحْنُ نُرْسِلُ مَعَك رِجَالاً يَأْخُذُونَ لَنَا الصّلْحَ - وَيَظُنّونَ أَنّ الْيَهُودَ تَمْتَنِعُ. فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتّى جَاءَهُمْ قَتْلُ أَهْلِ حِصْنِ نَاعِمٍ وَأَهْلِ النّجْدَةِ مِنْهُمْ فَفَتّ ذَلِكَ أَعْضَادَهُمْ وَقَالُوا لِمُحَيّصَةَ: اُكْتُمْ عَنّا مَا قُلْنَا لَك وَلَك هَذَا الْحُلِىّ لِحُلِىّ نِسَائِهِمْ جَمَعُوهُ كَثِيرًا، فَقَالَ مُحَيّصَةُ: بَلْ أُخْبِرُ رَسُولَ اللّهِ ص بِاَلّذِى سَمِعْت مِنْكُمْ، فَأَخْبَرَ النّبِىّ ص بِمَا قَالُوا: قَالَ مُحَيّصَةُ: وَقَدِمَ مَعِى رَجُلٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: نُونُ بْنُ يُوشَعَ فِى نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ، صَالَحُوا رَسُولَ اللّهِ ص أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُجَلّيَهُمْ وَيُخَلّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَمْوَالِ. فَفَعَلَ وَيُقَالُ: عَرَضُوا عَلَى النّبِىّ ص أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ بِلادِهِمْ وَلا يَكُونُ لِلنّبِىّ ص عَلَيْهِمْ مِنْ الأَمْوَالِ شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ جُذَاذُهَا جَاءُوا فَجَذّوهَا، فَأَبَى النّبِىّ ص أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُمْ مُحَيّصَةُ: مَا لَكُمْ مَنَعَةٌ وَلا رِجَالٌ وَلا حُصُونٌ لَوْ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَيْكُمْ مِائَةَ رَجُلٍ لَسَاقُوكُمْ إلَيْهِ، فَوَقَعَ الصّلْحُ بَيْنَهُمْ أَنّ لَهُمْ نِصْفَ الأَرْضِ بِتُرْبَتِهَا لَهُمْ وَلِرَسُولِ اللّهِ ص نِصْفُهَا، فَقَبِلَ رَسُولُ اللّهِ ص ذَلِكَ، وَهَذَا أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ. فَأَقَرّهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ فَلَمّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ، بَعَثَ عُمَرُ إلَيْهِمْ مَنْ يُقَوّمُ أَرْضَهُمْ، فَبَعَثَ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيهَانِ، وَفَرْوَةَ ابْنَ عَمْرِو بْنِ حَيّانَ بْنِ صَخْرٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَقَوّمُوهَا لَهُمْ النّخْلَ وَالأَرْضَ فَأَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَدَفَعَ إلَيْهِمْ نِصْفَ قِيمَةِ النّخْلِ بِتُرْبَتِهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ يَزِيدُ - كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ جَاءَهُ مِنْ الْعِرَاقِ - وَأَجَلاهُمْ عُمَرُ إلَى الشّامِ. وَيُقَالُ: بَعَثَ أَبَا خيثمة الْحَارِثِىّ فَقَوّمَهَا.

 

..... وَأَسْهَمَ لِمَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ النّاسِ مِمّنْ لَمْ يَشْهَدْ الْحُدَيْبِيَةَ. وَأَسْهَمَ لِرُسُلٍ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ إلَى أَهْلِ فَدَكَ، مُحَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ الْحَارِثِىّ وَغَيْرُهُ فَأَسْهَمَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص وَلَمْ يَحْضُرُوا.

 

لم تكن المسألة إذن سوى صراع القوة واستعمال البلطجة، لم يكن هؤلاء قد فعلوا أي شيء للمسلمين أتباع محمد، وقد استولى على أملاكهم وأراضيهم ونهبها بعدما حاول إجبارهم على دينه ودعوته من خلال رسله ومنهم محيصة، ولما أرادوا ألا يستولي على أملاكهم وإن كان يخشى منهم شيئًا ما أولا لا يريد بقاءهما في وطنهم، فعلى الأقل يتركون عمالًا على أراضيهم ويأتون للحصاد كل عام، فرفض لك ورد محيصة عليهم باستقوائه لقلة عددهم وعتادهم يدل على شريعة كشريعة الغاب قائمة على البقاء للأقوى، دون أي احترام للأعراف الاجتماعية باحترام الملكيات الخاصة وعدم جواز سرقتها ونهبها. تشريع القرآن ينص على أن ما استولى عليه المسلمون بدون حرب يكون ملكًا لمحمد فقط له فيه حرية التصرف {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} الحشر: 6-7، ثم يموه رواتهم بالحكايات الطريفة عن فقر محمد!

 

 

يروي الواقدي:

 

فَلَمّا أَتَى رَسُولُ اللّهِ ص الصّهْبَاءَ سَلَكَ عَلَى بُرْمَةَ حَتّى انْتَهَى إلَى وَادِى الْقُرَى يُرِيدُ مَنْ بِهَا مِنْ الْيَهُودِ. وَكَانَ أَبُو هَرِيرَةَ يُحَدّثُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِى الْقُرَى، وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجَذَامِىّ قَدْ وَهَبَ لِرَسُولِ اللّهِ ص عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، وَكَانَ يُرَحّلُ لِرَسُولِ اللّهِ ص.

فَلَمّا نَزَلُوا بِوَادِى الْقُرَى انْتَهَيْنَا إلَى الْيَهُودِ وَقَدْ ضَوَى إلَيْهَا أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ، فَبَيْنَا مِدْعَمٌ يَحُطّ رَحْلَ النّبِىّ ص وَقَدْ اسْتَقْبَلَتْنَا الْيَهُودُ بِالرّمْىِ حَيْثُ نَزَلْنَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى تَعْبِيَةٍ وَهُمْ يَصِيحُونَ فِى آطَامِهِمْ فَيَقْبَلُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَأَصَابَ مِدْعَمًا فَقَتَلَهُ فَقَالَ النّاسُ: هَنِيئًا لَك الْجَنّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “كَلاّ وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إنّ الشّمْلَةَ الّتِى أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمُقْسِمُ تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا”، فَلَمّا سَمِعَ بِذَلِكَ النّاسُ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِىّ ص بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ النّبِىّ ص: “شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ”.

وَعَبّى رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ وَصَفّهُمْ وَدَفَعَ لِوَاءَهُ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَرَايَةً إلَى الْحُباَبِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَرَايَةً إلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَرَايَةً إلَى عَبّادِ بْنِ بِشْرٍ، ثُمّ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى الإِسْلامِ وَأَخْبَرَهُمْ إنْ أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ وَحَقَنُوا دِمَاءَهُمْ وَحِسَابَهُمْ عَلَى اللّهِ. فَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَبَرَزَ إلَيْهِ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ فَقَتَلَهُ ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ إلَيْهِ الزّبَيْرُ فَقَتَلَهُ ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ لَهُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامِ فَقَتَلَهُ ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ حَتّى قَتَلَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً، كُلّمَا قَتَلَ رَجُلٌ دَعَا مَنْ بَقِىَ إلَى الإِسْلامِ، وَلَقَدْ كَانَتْ الصّلاةُ تَحْضُرُ يَوْمئِذٍ فَيُصَلّى رَسُولُ اللّهِ ص بِأَصْحَابِهِ ثُمّ يَعُودُ فَيَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ فَقَاتَلَهُمْ حَتّى أَمْسَوْا وَغَدَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَرْتَفِعْ الشّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ حَتّى أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَفَتَحَهَا عَنْوَةً وَغَنّمَهُ اللّهُ أَمْوَالَهُمْ وَأَصَابُوا أَثَاثًا وَمَتَاعًا كَثِيرًا. وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ص بِوَادِى الْقُرَى أَرْبَعَةَ أَيّامٍ وَقَسَمَ مَا أَصَابَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِوَادِى الْقُرَى، وَتَرَكَ النّخْلَ وَالأَرْضَ بِأَيْدِى الْيَهُودِ وَعَامَلَهُمْ عَلَيْهَا. فَلَمّا بَلَغَ يَهُودُ تَيْمَاءَ مَا وَطِئَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ص خَيْبَرَ وَفَدَكَ وَوَادِى الْقُرَى، صَالَحُوا رَسُولَ اللّهِ ص عَلَى الْجِزْيَةِ وَأَقَامُوا بِأَيْدِيهِمْ أَمْوَالِهِمْ. فَلَمّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ أَخَرَجَ يَهُودَ خَيْبَرَ وَفَدَكَ، وَلَمْ يَخْرُجْ أَهْلُ تَيْمَاءَوَوَادِى الْقُرَى، لأَنّهُمَا دَاخِلَتَانِ فِى أَرْضِ الشّامِ، وَيَرَى أَنّ مَا دُونَ وَادِى الْقُرَى إلَى الْمَدِينَةِ حِجَازٌ وَأَنّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الشّامِ. وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ وَادِى الْقُرَى رَاجِعًا بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ خَيْبَرَ وَمِنْ وَادِى الْقُرَى وَغَنّمَهُ اللّهُ

 

كما نرى هي إذن حرب تعصبية لإكراه اليهود على اتباع محمد فالسيف بيد أتباعه على من يدعوهم لدينه، ولو أسلموا لما سرقهم ونهبهم، ثم لما لم ينجح في ذلك استولى على أراضيهم والكثير من أموالهم وممتلكاتهم نهبًا له ولأتباعه، وجعلهم عمالًا على أرض هي في الأساس ملك لهم!

 

 والغزوة لها ذكر في كتب الحديث كذلك، فروى البخاري:

 

4234 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا....إلخ الحديث

 

ورواه مسلم:

 

[ 115 ] حدثني أبو الطاهر قال أخبرني بن وهب عن مالك بن أنس عن ثور بن زيد الدؤلي عن سالم أبي الغيث مولى بن مطيع عن أبي هريرة ح وحدثنا قتيبة بن سعيد وهذا حديثه حدثنا عبد العزيز يعني بن محمد عن ثور عن أبي عن أبي الغيث عن أبي هريرة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحله فرمي بسهم فكان فيه حتفه فقلنا هنيئا له الشهادة يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم ...إلخ الحديث

وهي في السيرة لابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: فما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القُرَى، فحاصر أهلَه ليالى، ثم انصرف راجعًا إلى المدينة

قال ابن إسحاق: فحدثني ثَوْر بن يزيد، عن سالم، مولى عبد الله بن مُطيع، عن أبي هريرة، قال: فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلًا مع مغرب الشمس، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له أهداه له رفاعة بن زيد الجذامى، ثم الضَّبِينى. إلخ القصة

 

واستسلم يهود تيماء بالتالي على أن يدفعوا جزية، يقول الواقدي:

 

فَلَمّا بَلَغَ يَهُودُ تَيْمَاءَ مَا وَطِئَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ص خَيْبَرَ وَفَدَكَ وَوَادِى الْقُرَى، صَالَحُوا رَسُولَ اللّهِ ص عَلَى الْجِزْيَةِ وَأَقَامُوا بِأَيْدِيهِمْ أَمْوَالِهِمْ.

 

وقد كان حظهم أفضل قليلًا لأنهم في نواحي على حدود الشام وتعتبر منها فلم يُجلِهم عمر عن موطنهم كما فعل مع اليهود الحجازيين. وقول أبي هريرة أنهم لم يغنموا ذهبًا ولا فضة ربما يقصد قومه الأشعريين فقط لأنهم لم يحضروا المعركة بل أعطاهم محمد من الغنائم كهدية لما أتوا بعدها، وقد ذكرنا الأحاديث والروايات التاريخية الموثَّقة عن ثروات اليهود الحجازيين الخيبريين التي استولى أتباع محمد عليها بالسطو والهجوم العدواني.

 

 

 

 

أعمال سبي (استعباد) النساء في غزوة ذات الرقاع

 

بعض علماء المسلمين يرون أنها بعد غزوة خيبر كما يقول البخاري في الصحيح وابن القيم في زاد المعاد وابن حجر في فتح الباري، خاصة لوجود رواية من أبي هريرة أنه حضرها وهذا لم يسلم ويدخل يثرب إلا بعد خيبر فانظر مسند أحمد 8260 وخرجه أبو داود (1240)، والنسائي 3/173-174، وابن خزيمة (1361)، والبخاري 4132وبه ذكر ابن عمر وهو لم يجز للقتال إلا بعد يوم الخندق، وهذه الغزوة لو صدقنا القصة الإسلامية، كانت دفاعًا عن يثرب من هجوم لقبلية غطفان بضربها استباقًا، إلا أني أود التعليق بدءً من هنا على أعمال استعباد النساء والأطفال في الحروب القديمة لتلك الأزمان الهمجية، سواء عند العرب مسلمين ووثنيين، والفرس والروم وغيرهم، فمسلمو اليوم يتصورون تلك الأزمنة على أنها أزمنة الفضيلة والعصر الذهبي، حسنًا إنها ليست كذلك:

 

يقول الواقدي:

 

قَالُوا: قَدِمَ قَادِمٌ بِجَلَبٍ لَهُ فَاشْتَرَى بِسُوقِ النّبَطِ وَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ جَلَبْت جَلَبَك؟ قَالَ: جِئْت مِنْ نَجْدٍ وَقَدْ رَأَيْت أَنْمَارًا وَثَعْلَبَةَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ جُمُوعًا، وَأَرَاكُمْ هَادِينَ عَنْهُمْ.

فَبَلَغَ النّبِىّ ص قَوْلُهُ، فَخَرَجَ فِى أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ قَائِلٌ: كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ أَوْ ثَمَانَمِائَةٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ الْمَدِينَةِ، حَتّى سَلَكَ عَلَى الْمَضِيقِ، ثُمّ أَفْضَى إلَى وَادِى الشّقَرَةِ فَأَقَامَ بِهِ يَوْمًا، وَبَثّ السّرَايَا فَرَجَعُوا إلَيْهِ مَعَ اللّيْلِ وَخَبّرُوهُ أَنّهُمْ لَمْ يَرَوْا أَحَدًا وَقَدْ وَطِئُوا آثَارًا حَدِيثَةً.

ثُمّ سَارَ رَسُولُ اللّهِ ص فِى أَصْحَابِهِ حَتّى أَتَى مَحَالّهُمْ فَيَجِدُونَ الْمَحَالّ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، وَقَدْ ذَهَبَتْ الأَعْرَابُ إلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَهُمْ مُطِلّونَ عَلَى النّبِىّ ص. وَقَدْ خَافَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ قَرِيبٌ وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَارّونَ. وَخَافَتْ الأَعْرَابُ أَلاّ يَبْرَحَ رَسُولُ اللّهِ ص حَتّى يَسْتَأْصِلَهُمْ. وَفِيهَا صَلّى رَسُولُ اللّهِ ص صَلاةَ الْخَوْفِ.

فَحَدّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى نُعَيْمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: فَكَانَ أَوّلَ مَا صَلّى يَوْمَئِذٍ صَلاةُ الْخَوْفِ وَخَافَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِ وَهُمْ فِى الصّلاةِ وَهُمْ صُفُوفٌ.

 

وعند ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعدَ غزوة بني النَّضِير شهرَ ربيع الآخر وبعضَ جمَادَى، ثم غزا نجدا يريد بني محارِب وبنى ثعلبة من غَطفَان، واستعمل على المدينة أبا ذَرٍّ الغِفاريَّ؛ ويقال: عُثمان بن عفان، فيما قال ابن هشام.

 

قال ابن اسحاق: فلقى بها جمعا عظيما من غَطفَان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب، وقد خاف الناسُ بعضَهم بعضا، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف بالناس.

 

أما عن أعمال سبي النساء فيقول الواقدي:

 

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ أَصَابَ فِى مَحَالّهِمْ نِسْوَةً وَكَانَ فِى السّبْىِ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ كَانَ زَوْجُهَا يُحِبّهَا، فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ ص رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ حَلَفَ زَوْجُهَا لَيَطْلُبَن مُحَمّدًا، وَلا يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ حَتّى يُصِيبَ مُحَمّدًا، أَوْ يُهْرِيقَ فِيهِمْ دَمًا، أَوْ تَتَخَلّصُ صَاحِبَتَهُ.

فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ص فِى مَسِيرِهِ عَشِيّةَ ذَاتِ رِيحٍ فَنَزَلَ فِى شِعْبٍ اسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ: “مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا اللّيْلَةَ”؟ فَقَامَ رَجُلانِ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَقَالا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ نَكْلَؤُك، وَجَعَلَتْ الرّيحُ لا تَسْكُنُ وَجَلَسَ الرّجُلانِ عَلَى فَمِ الشّعْبِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَىّ اللّيْلِ أَحَبّ إلَيْك، أَنْ أَكْفِيَك أَوّلَهُ فَتَكْفِينِى آخِرَهُ؟ قَالَ اكْفِنِى أَوّلَهُ. فَنَامَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَامَ عَبّادُ بْنُ بِشْر ٍ يُصَلّى، وَأَقْبَلَ عَدُوّ اللّهِ يَطْلُبُ غِرّةً وَقَدْ سَكَنَتْ الرّيحُ فَلَمّا رَأَى سَوَادَهُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ: يَعْلَمُ اللّهُ إنّ هَذَا لَرَبِيئَةُ الْقَوْمِ فَفَوّقَ لَهُ سَهْمًا فَوَضَعَهُ فِيهِ فَانْتَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمّ رَمَاهُ بِآخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَانْتَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، ثُمّ رَمَاهُ الثّالِثَ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَلَمّا غَلَبَ عَلَيْهِ الدّمُ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمّ قَالَ لِصَاحِبِهِ: اجْلِسْ فَقَدْ أَتَيْت، فَجَلَسَ عَمّارٌ فَلَمّا رَأَى الأَعْرَابِىّ أَنّ عَمّارًا قَدْ قَامَ عَلِمَ أَنّهُمْ قَدْ نَذَرُوا بِهِ. فَقَالَ عَمّارٌ: أَىْ أَخِى، مَا مَنَعَك أَنْ تُوقِظَنِى بِهِ فِى أَوّلِ سَهْمٍ رَمَى بِهِ؟ قَالَ: كُنْت فِى سُورَةٍ أَقْرَأهَا وَهِىَ سُورَةُ الْكَهْفِ، فَكَرِهْت أَنْ أَقْطَعَهَا حَتّى أَفْرُغَ مِنْهَا، وَلَوْلا أَنّى خَشِيت أَنْ أُضَيّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِى بِهِ رَسُولُ اللّهِ ص مَا انْصَرَفْت وَلَوْ أُتِىَ عَلَى نَفْسِى، وَيُقَالُ: الأَنْصَارِىّ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَأَثْبَتُهُمَا عِنْدَنَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ.

 

ويقول ابن هشام:

 

قال ابن اسحاق: وحدثني عمى: صَدقة بن يَسار، عن عَقيل بن جابر، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع من نخل، فأصاب رجل امرأةَ رجل من المشركين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا، أتى زوجُها وكان غائبا، فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهى حتى يُهَرِيق في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دما فخرج يتبع أثَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا، فقال: من رجل يكلؤنا ليلتَنا هذه؟....إلخ القصة

 

هذا هو حال تلك الأزمنة، المهزوم تؤخذ منه أمواله ونساؤه لتصير أملاكًا للمنتصرين كإذلال له، وتوزَّع على الجنود ليتصرفوا فيها بالتملك والاستغلال الجنسي والتخديم أو للبيع كأنهن مواشي، فلا يمكن اعتبار عصر الإسلام وممارساته التقليدية المعتادة بالنسبة لقيم عصره أمورًا إصلاحية أو تتفق مع حقوق الإنسان ومواثيق منع الاستعباد والعبودية المعاصرة.

 

والقصة رواها أحمد بن حنبل عن ابن إسحاق:

 

14704 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قِرَاءَةً حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَأُصِيبَتْ امْرَأَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ....إلخ الحديث

 

14865 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، فِيمَا يَذْكُرُ مِنْ اجْتِهَادِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِبَادَةِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أبي وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي غَزْوَةٍ مِنْ نَجْدٍ، فَأَصَابَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - إِلَى نَجْدٍ، فَغَشِينَا دَارًا مِنْ دُورِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَصَبْنَا امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا، وَجَاءَ صَاحِبُهَا، وَكَانَ غَائِبًا، فَذُكِرَ لَهُ مُصَابُهَا، فَحَلَفَ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يُهْرِيقَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمًا، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، نَزَلَ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ، وَقَالَ: " مَنْ رَجُلَانِ يَكْلَآَنَا فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ مِنْ عَدُوِّنَا ؟ "...إلخ الحديث

 

ورواها أبو داود 198 في سننه وابن خزيمة في صحيحه 1/ 36 وابن حبان في صحيحه 1093 ووالحاكم في مستدركه 1/ 156-157 وفي سنن البيهقي 1/  140 و9/150 . وأخرجه ابن خزيمة (36)، والدارقطني 1/223- 224، والحاكم 1/156-157، 150، وعلقه البخاري في كتاب الوضوء 175 مختصراً، فقال: ويذكر عن جابر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزوة ذات الرقاع، فرمي بسهم فنزفه الدم قركع وسجد ومضى في صلاته.

 

وسنلاحظ من نص تالٍ أن محمدًا كانت بعض إبله منهوبة من ذات الرقاع، فياله من رجل يزعم النبوة وهو ككل بدو ذلك الزمن ينهبون ويسطون على بعضهم البعض، وما أشبهه بمقدسي أنبياء اليهود المجرمين الذين هم قدوته يقتفي آثارهم الدنسة.

 

 

 

 

 

 

سَرِيّةُ عمر بن الخطاب إلى تُرْبَةَ في شعبان سنة سبع

 

يقول الواقدي:

 

حَدّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص عُمَرَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فِى ثَلاثِينَ رَجُلاً إلَى عَجُزِ هَوَازِنَ بِتُرَبَةَ فَخَرَجَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ وَمَعَهُ دَلِيلٌ مِنْ بَنِى هِلالٍ فَكَانُوا يَسِيرُونَ اللّيْلَ وَيَكْمُنُونَ النّهَارَ وَأَتَى الْخَبَرُ هَوَازِنَ فَهَرَبُوا، وَجَاءَ عُمَرُ مُحَالّهُمْ فَلَمْ يَلْقَ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَانْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ حَتّى سَلَكَ النّجْدِيّةَ، فَلَمّا كَانَ بِالْجَدْرِ، قَالَ الْهِلالِىّ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: هَلْ لَك فِى جَمْعٍ آخَرَ تَرَكْته مِنْ خَثْعَمَ، جَاءُوا سَائِرِينَ قَدْ أَجْدَبَتْ بِلادُهُمْ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَمْ يَأْمُرْنِى رَسُولُ اللّهِ ص بِهِمْ إنّمَا أَمَرَنِى أَصْمَدُ لِقِتَالِ هَوَازِنَ بِتُرَبَةَ. فَانْصَرَفَ عُمَرُ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ.

 

تُرْبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكّةَ سِتّ لَيَالٍ.

 

ينبغي أن نلاحظ ونسجل باهتمام أن هذه محاولة اعتداء وعدوان على هوازن، وتلك القبيلة لم تكن قد قامت بأي عدوان أو تعرض لمحمد وأتباعه على الإطلاق، لكنه أرسل سريته باعتبار أنه اتخذ وفق القرآن الذي يصوغ به تعاليمه منهج العنف ضد جميع من هم غير أتباعه، لهذا لنا أن نعتبر معارك حنين والطائف بعد ذلك دفاعًا شرعيًّا من الوثنيين من قبيلتي هوازن وثقيف عن أنفسهم. وهكذا كان المسلمون الأوائل الصحابة المقدسون للمسلمين المعاصرين السذج مجموعة من قطاع الطرق وشذاذ الآفاق، أتباع أيديلوجية خرجت من رحم مناخ صحراوي لقبائل همجية كانت تنهب بعضها بعضًا ذوي أخلاق كأخلاق الضباع المتناهشة أو أسوأ.

 

 

سَرِيّةُ أبي بكر في شعبان إلى نَجْد، سنة سبع

 

إلى هوازن أو بني كلاب أو بني فزارة

 

جاء في الطبقات الكبير لمحمد بن سعد:

 

ثم سرية أبي بكر الصديق إلى بني كلاب بنجد ناحية ضرية في شعبان سنة سبع من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني، أخبرنا عكرمة بن عمار، أخبرنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: غزوت مع أبي بكر إذ بعثه النبي، صلى الله عليه وسلم، علينا فسبى ناسا من المشركين فقتلناهم، فكان شعارنا: أمت أمت! قال: فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين.

أخبرنا هاشم بن القاسم، أخبرنا عكرمة بن عمار، أخبرنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا بكر إلى فزارة وخرجت معه حتى إذا ما دنونا من الماء عرس أبو بكر، حتى إذا ما صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة فوردنا الماء، فقتل أبو بكر من قتل ونحن معه؛ قال سلمة: فرأيت عنقا من الناس فيهم الذراري فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأدركتهم فرميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم قاموا فإذا امرأة من فزارة فيهم عليها قشع من أدم، معها ابنتها من أحسن العرب، فجئت أسوقهم إلى أبي بكر فنفلني أبو بكر ابنتها فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة، ثم باتت عندي فلم أكشف لها ثوبا حتى لقيني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في السوق فقال: يا سلمة هب لي المرأة! فقلت: يا نبي الله والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا! فسكت حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في السوق ولم أكشف لها ثوبا فقال: يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك! قال: فقلت هي لك يا رسول الله! قال: فبعث بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أهل مكة ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين.

ورواه مسلم:

 

[ 1755 ] حدثنا زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة بن عمار حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي قال غزونا فزارة وعلينا أبو بكر أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فلما كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا أبو بكر فعرسنا ثم شن الغارة فورد الماء فقتل من قتل عليه وسبى وأنظر إلى عنق من الناس فيهم الذراري فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فرميت بسهم بينهم وبين الجبل فلما رأوا السهم وقفوا فجئت بهم أسوقهم وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من آدم قال القشع النطع معها ابنة لها من أحسن العرب فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر فنفلني أبو بكر ابنتها فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبا فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال يا سلمة هب لي المرأة فقلت يا رسول الله والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد في السوق فقال لي يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك فقلت هي لك يا رسول الله فوالله ما كشفت لها ثوبا فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ففدى بها ناسا من المسلمين كانوا أسروا بمكة

 

وجاء في مسند أحمد برقم (16502) و (16537)، ومختصراً برقم (16505) وانظر (16497) . وأخرجه النسائي في "الكبرى" (8665)، وابن ماجه (2846)، وأبو عوانة 4/127-129، 129-130، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3916) و (3917)، وفي "شرح معاني الآثار" 3/209 و3/260، وابن حبان (4860)، والطبراني في "الكبير" (6237) و (6238)، والحاكم 3/36، والبيهقي في "السنن" 9/129 من طرق عن عكرمة بن عمار، بهذا الإسناد.

 

قال السندي: قوله: فعرسنا، من التعريس: وهو نزول المسافر آخر الليل. قوله: فشنَّينا، أي: فرقنا النهب عليهم من جميع الجهات، والياء فيه مقلوبة من النون. قوله: عُنُق، بضمتين: جماعة من الناس. قوله: قشع، بكسر القاف وفتحها، وسكون الشين، أي: جلد يابس. قوله: أَدَم، بفتحتين، أي: جلد. قوله: فنفَّلني، بتشديد الفاء، أي: أعطاني زيادة على السهم. قوله: فما كشفت: كناية عن عدم الجماع . قوله: "لله أبوك"، قال أبو البقاء. هو في حكم القسم. انتهى. وتحقيقه أن النسبة إلى الله تعالى تعظيم للشيء، فالمعنى أن أباك عظيم حيث أتى بولد مثلك، فرجع في الحقيقة إلى مدح الولد.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

16498 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كَانَ شِعَارُنَا لَيْلَةَ بَيَّتْنَا فِي هَوَازِنَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَمَّرَهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمِتْ أَمِتْ "، وَقَتَّلْتُ بِيَدَيَّ لَيْلَتَئِذٍ سَبْعَةً أَهْلَ أَبْيَاتٍ (1)

__________

(1) إسناده صحيح على شرط مسلم كسابقه. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (8862) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد. وأخرجه مطولاً ومختصراً ابن سعد 4/305، وابن أبي شيبة 12/503، وأبو داود (2596) و (2638)، والنسائي في "الكبرى" (8665)، وابن ماجه (2840)، وابن حبان (4744) و (4747) و (4748)، والطبراني في "الكبير" (6239)، وابن عدي 5/1912 و1912-1913، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ص155، والحاكم 2/107، والبيهقي في "السنن" 6/361 و9/79، والبغوي في "شرح السنة" (2699) من طرق عن عكرمة، به. وعند ابن ماجه: تسعة أو سبعة أبيات، وعند الطبراني: تسعة، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي! مع أن عكرمة بن عمار- وإن احتجَّ به مسلم- قد روى له البخاري تعليقاً. وأخرجه ابن أبي شيبة 12/503، والدارمي 2/219 من طريق وكيع، عن أبي العُمَيْس، عن إياس، به، ولفظه: كان شعارنا مع خالد بن الوليد: أمت.ورواه أحمد (16502) و (16505) و (16537) .

 

16505 - حَدَّثَنَا قُرَّانُ بْنُ تَمَّامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ الْيَمَامِيِّ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " خَرَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي غَزَاةِ هَوَازِنَ فَنَفَّلَنِي جَارِيَةً فَاسْتَوْهَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى مَكَّةَ فَفَدَى بِهَا أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ".

 

وروى أبو داوود:

 

2596 - حدثنا هناد عن ابن المبارك عن عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال غزونا مع أبي بكر رضي الله عنه زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكان شعارنا أمت أمت. حسن صحيح

 

وقع شيء من الخلط في روايتهم لهذه الغزوة، فقصة المرأة التي استعبدها سلمة بن الأكوع أي سباها من الغارة على القبيلة المعتدى عليها، متكررة بشكل مختلف في سرية أو غارة زيد بن حارثة على فزارة وقتله لأم قرفة، ففيها نفس القصة مع ابنة أم قرفة، وفي القصة الأولى مضمون قبيح حيث تتضمن استعباد البشر للتهادي بهن أي قصة بنت أم قرفة التي أصر محمد بإلحاح على نزعها من سلمة وإهدائها لخاله، أما القصة الثانية التي هي هاهنا فأرجح أنها مزيفة وضعت لمحاولة تحسين صورة محمد، فإرسال فتاة فزارية لقريش لن يفدي ويبادل أسرى مسلمين في أسر قريش، لأن كتب التاريخ لم تذكر أي تحالف معقود بين قريش وفزارة، على غرار حلف الفضول أو الأحابيش أو الحلف مع بني بكر، وكون فزارة تعاونت مع قريش في موقعة الخندق (الأحزاب) ضد يثرب ومحمد فهذا حدث وتعاون عارض وليس حلفًا دائمًا، فالقصة المذكورة بلا معنى إلا إن كان محمد قدم الفتاة المسكينة كهدية وجارية مستعبدة لأحد القرشيين مقابل تحرير الأسرى المزعومين من قريش، وإلا في الواقع لم يكن هناك أي أسرى مسلمين ذكرتهم كتب السيرة بيدهم.

ونلاحظ أن الواقدي في مخطوطة كتابه المطبوعة لم يذكر عند ذكره لتلك الغزوة قصة سلمة قط، وإنما ذكرها تلميذه ابن سعد في الطبقات الكبير.

 

 

 

 

 

 

 

 

سَرِيّةُ بَشِيرِ  بن سَعْد إلى بني مُرَّة في فَدَكَ في شعبان سنة سبع

 

الغزوة مذكورة في ابن هشام والبخاري ومسلم، وسنورد من الواقدي أولًا:

 

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ فِى ثَلاثِينَ رَجُلاً إلَى بَنِى مُرّةَ بِفَدَكَ. فَخَرَجَ، فَلَقِىَ رِعَاءَ الشّاءِ، فَسَأَلَ أَيْنَ النّاسُ؟ فَقَالُوا: هُمْ فِى بِوَادِيهِمْ، وَالنّاسُ يَوْمئِذٍ شَاتُونَ لا يَحْضُرُونَ الْمَاءَ فَاسْتَاقَ النّعَمَ وَالشّاءَ وَعَادَ مُنْحَدِرًا إلَى الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ الصّرِيخُ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَدْرَكَهُ الدّهْمُ مِنْهُمْ عِنْدَ اللّيْلِ فَبَاتُوا يُرَامُونَهُمْ بِالنّبْلِ حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُ أَصْحَابِ بَشِيرٍ وَأَصْبَحُوا وَحَمَلَ الْمُرّيُونَ عَلَيْهِمْ فَأَصَابُوا أَصْحَابَ بَشِيرٍ وَوَلّى مِنْهُمْ مَنْ وَلّى. وَقَاتَلَ بَشِيرٌ قِتَالاً شَدِيدًا حَتّى ضُرِبَ كَعْبُهُ وَقِيلَ قَدْ مَاتَ وَرَجَعُوا بِنَعَمِهِمْ وَشَاءَهُمْ. وَكَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ بِخَبَرِ السّرِيّةِ وَمُصَابِهَا عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ الْحَارِثِىّ، وَأُمْهِلَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ فِى الْقَتْلَى، فَلَمّا أَمْسَى تَحَامَلَ حَتّى انْتَهَى إلَى فَدَكَ، فَأَقَامَ عِنْدَ يَهُودِىّ بِفَدَكَ أَيّامًا حَتّى ارْتَفَعَ مِنْ الْجِرَاحِ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ.

وَهَيّأَ رَسُولُ اللّهِ ص الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ، فَقَالَ: سِرْ حَتّى تَنْتَهِىَ إلَى مُصَابِ أَصْحَابِ بَشِيرٍ، فَإِنْ ظَفّرَك اللّهُ بِهِمْ فَلا تَبْقَ فِيهِمْ. وَهَيّأَ مَعَهُ مِائَتَىْ رَجُلٍ وَعَقَدَ لَهُ اللّوَاءَ فَقَدِمَ غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ مِنْ سَرِيّةٍ قَدْ ظَفِرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لِلزّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ: “اجْلِسْ”، وَبَعَثَ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ فِى مِائَتَىْ رَجُلٍ فَخَرَجَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فِى السّرِيّةِ حَتّى انْتَهَى إلَى مُصَابِ بَشِيرٍ وَأَصْحَابِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ عُلْبَةُ ابْنُ زَيْدٍ.

حَدّثَنِى أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ مَعَ غَالِبٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو أَبُو مَسْعُودٍ وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ؛ فَلَمّا دَنَا غَالِبٌ مِنْهُمْ بَعَثَ الطّلائِعَ فَبَعَثَ عُلْبَةَ بْنَ زَيْدٍ فِى عَشَرَةٍ يَنْظُرُ إلَى جَمَاعَةِ مُحَالّهِمْ حَتّى أَوْفَى عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ ثُمّ رَجَعَ إلَى غَالِبٍ فَأَخْبَرَهُ. فَأَقْبَلَ غَالِبٌ يَسِيرُ حَتّى إذَا كَانَ مِنْهُمْ بِمَنْظَرٍ الْعَيْنِ لَيْلاً، وَقَدْ اُجْتُلِبُوا وَعَطَنُوا وَهَدَءُوا، قَامَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ: “أَمّا بَعْدُ فَإِنّى أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ تُطِيعُونِى وَلا تَعْصُونِى وَلا تُخَالِفُوا لِى أَمْرًا، فَإِنّهُ لا رَأْى لِمَنْ لا يُطَاعُ. ثُمّ أَلّفَ بَيْنَهُمْ”، فَقَالَ: “يَا فُلانُ أَنْتَ وَفُلانٌ يَا فُلانُ أَنْتَ وَفُلانٌ - لا يُفَارِقُ كُلّ رَجُلٍ زَمِيلَهُ - وَإِيّاكُمْ أَنْ يَرْجِعَ إلَىّ أَحَدُكُمْ فَأَقُولُ أَيْنَ فُلانٌ صَاحِبُك؟ فَيَقُولُ: لا أَدْرِى؛ وَإِذَا كَبّرَتْ فَكَبّرُوا. قَالَ: فَكَبّرَ وَكَبّرُوا، وَأَخْرَجُوا السّيُوفَ”. قَالَ: فَأَحَطْنَا بِالْحَاضِرِ وَفِى الْحَاضِرِ نَعَمٌ وَقَدْ عَطَنُوا مَوَاشِيَهُمْ فَخَرَجَ إلَيْنَا الرّجَالُ فَقَاتَلُوا سَاعَةً فَوَضَعْنَا السّيُوفَ حَيْثُ شِئْنَا مِنْهُمْ وَنَحْنُ نَصِيحُ بِشِعَارِنَا: أَمِتْ أَمِتْ وَخَرَجَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فِى إثْرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: نَهِيكُ بْنُ مِرْدَاسٍ فَأَبْعَدَ وَحَوَيْنَا عَلَى الْحَاضِرِ وَقَتَلْنَا مَنْ قَتَلْنَا، وَمَعَنَا النّسَاءُ وَالْمَاشِيَةُ فَقَالَ أَمِيرُنَا: أَيْنَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ؟ فَجَاءَ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ اللّيْلِ فَلامَهُ أَمِيرُنَا لائِمَةً شَدِيدَةً وَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إلَى مَا عَهِدْت إلَيْك؟ فَقَالَ: إنّى خَرَجْت فِى إثْرِ رَجُلٍ جَعَلَ يَتَهَكّمُ بِى، حَتّى إذَا دَنَوْت وَلَحَمْته بِالسّيْفِ قَالَ: لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، فَقَالَ أَمِيرُنَا: أَغْمَدْت سَيْفَك؟ قَالَ: لا وَاَللّهِ مَا فَعَلْت حَتّى أَوْرَدْته شَعُوبَ، قَالَ: قُلْنَا: وَاَللّهِ بِئْسَ مَا فَعَلْت وَمَا جِئْت بِهِ تَقْتُلُ امْرَأً يَقُولُ: لا إلَهَ إلاّ اللّهُ فَنَدِمَ وَسَقَطَ فِى يَدَيْهِ. قَالَ: وَاسْتَقْنَا النّعَمَ وَالشّاءَ وَالذّرّيّةَ وَكَانَتْ سِهَامُهُمْ عَشَرَةُ أَبْعِرَةً كُلّ رَجُلٍ أَوْ عِدْلهَا مِنْ الْغَنَمِ. وَكَانَ يُحْسَبُ الْجَزُورُ بِعَشَرَةٍ مِنْ الْغَنَمِ.

وَحَدّثَنِى شِبْلُ بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُوَيّصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ أَمِيرُنَا آخَى بَيْنِى وَبَيْنَ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ. قَالَ أُسَامَةُ: فَلَمّا أَصَبْته وَجَدْت فِى نَفْسِى مِنْ ذَلِكَ مَوْجِدَةً شَدِيدَةً حَتّى رَأَيْتنِى وَمَا أَقْدِرُ عَلَى أَكْلِ الطّعَامِ حَتّى قَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللّهِ ص فَقَبّلَنِى وَاعْتَنَقَنِى وَاعْتَنَقْته، ثُمّ قَالَ لِى: يَا أُسَامَةُ خَبّرْنِى عَنْ غَزَاتِك. قَالَ: فَجَعَلَ أُسَامَةُ يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ حَتّى انْتَهَى إلَى صَاحِبِهِ الّذِى قَتَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “قَتَلْته يَا أُسَامَةُ وَقَدْ قَالَ: لا إلَهَ إلاّ اللّهُ”؟ قَالَ: فَجَعَلْت أَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّمَا قَالَهَا تَعَوّذًا مِنْ الْقَتْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَلا شَقَقْت قَلْبَهُ فَتَعْلَمَ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ”؟ قَالَ أُسَامَةُ: لا أَقْتُلُ أَحَدًا يَقُولُ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ. قَالَ أُسَامَةُ: وَتَمَنّيْت أَنّى لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت إلاّ يَوْمئِذ

حَدّثَنِى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللّيْثِىّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ ابْنِ عَدِىّ بْنِ الْجَبّارِ، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت رَجُلاً مِنْ الْكُفّارِ يُقَاتِلُنِى، وَضَرَبَ إحْدَى يَدِىّ بِالسّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمّ لاذَ مِنّى بِشَجَرَةٍ فَقَالَ: أَسْلَمْت لِلّهِ، أَقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا تَقْتُلْهُ” قَالَ: فَإِنّى قَتَلْته فَمَاذَا؟ قَالَ: “فَإِنّهُ بِمَنْزِلَتِك الّتِى كُنْت بِهَا قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ، الّتِى قَالَ”.

 

للأمانة فإن بني مرة من بطون غطفان وكانوا قد تحالفوا مع قريش في معركة الخندق، لكني أرى كل هذا القتل والسبي واستعباد النساء والنهب والعدوان الذين اعتاد المسلمون أتباع محمد القيام به شيئًا مقززًا دمويًّا دنيئًا، كل هذا الغل والشر والظلم والإثم والتلوث، وربما لم يخطئ بنو مرة حينما بادؤوا بالاشتراك في معركة الخندق، بل خطؤهم جميعًا التخاذل أمام كيان دموي معادٍ للإنسانية وأسوأ من الوثنيين عرب الجزيرة بكل همجيتهم وقسوتهم المسطورة في كتب التاريخ كالكامل لابن الأثير! كذلك نرى عنصر الحرب الدينية والإكراه الديني بازغة برائحة زنخة نتنة في قصة أسامة بن زيد، أي سخافة محمدية أن يظن أن رجلًا مهدَّدًا بسلاح يمكن أن يسلم باقتناع حقًّا، هذا هو أسلوب إرهابييهم ومتطرفيهم إلى اليوم!

 

وروى البخاري:

 

6872 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ قَالَ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ قَالَ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ قَالَ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقَالَ لِي يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا قَالَ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ

 

هنا برواية البخاري خطأ يجب ألا يشوشنا، فالغزوة والغارة كانت على أرض بني مرة، وقتل فيها حليف لهم من الحُرقة من جهينة، وليس أنها كانت غزوة على جهينة، خاصة أنهم حلفاء محمد وموادعوه منذ بدايات هجرته ليثرب. ويقول ابن إسحاق ضمن ما قاله عنها:

 

قال ابنُ إسحاق: وغزوة غالب بن عبد الله الكلبي كلب ليث - أرض بني مُرة، فأصاب بها مرداس بن نَهيك، حليفا لهم من الحُرَقة، من جُهينة، قتله أسامة بن زيد، ورجل من الأنصار. قال ابن هشام: الحُرَقة، فيما حدثني أبو عبيدة

 

وروى مسلم:

 

[ 96 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر ح وحدثنا أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم عن أبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن أبي ظبيان عن أسامة بن زيد وهذا حديث بن أبي شيبة قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقال لا إله إلا الله وقتلته قال قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ قال فقال سعد وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة قال قال رجل ألم يقل الله { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله }  فقال سعد قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة

 

 [ 96 ] حدثنا يعقوب الدورقي حدثنا هشيم أخبرنا حصين حدثنا أبو ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته قال فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا قال فقال أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله قال فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم

 

 [ 97 ] حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا معتمر قال سمعت أبي يحدث أن خالد الأثبج بن أخي صفوان بن محرز حدث عن صفوان بن محرز أنه حدث أن جندب بن عبد الله البجلي بعث إلى عسعس بن سلامة زمن فتنة بن الزبير فقال اجمع لي نفرا من إخوانك حتى أحدثهم فبعث رسولا إليهم فلما اجتمعوا جاء جندب وعليه برنس أصفر فقال تحدثوا بما كنتم تحدثون به حتى دار الحديث فلما دار الحديث إليه حسر البرنس عن رأسه فقال إني أتيتكم ولا أريد أن أخبركم عن نبيكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين وأنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته قال وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد فلما رفع عليه السيف قال لا إله إلا الله فقتله فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع فدعاه فسأله فقال لم قتلته قال يا رسول الله أوجع في المسلمين وقتل فلانا وفلانا وسمى له نفرا وإني حملت عليه فلما رأى السيف قال لا إله إلا الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته قال نعم قال فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال يا رسول الله استغفر لي قال وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال فجعل لا يزيده على أن يقول كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة

[ 95 ] حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا محمد بن رمح واللفظ متقارب أخبرنا الليث عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد بن الأسود أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله قال فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال

 

الرواية الأخيرة حسب مسلم عن المقداد، وليست عن أسامة بن زيد، بخلاف رواية الواقدي. وهي في غزوة أخرى على بني سليم سنوردها.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

21745 - حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، قَالَ: فَصَبَّحْنَاهُمْ فَقَاتَلْنَاهُمْ، فَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِذَا أَقْبَلَ الْقَوْمُ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَيْنَا، وَإِذَا أَدْبَرُوا كَانَ حَامِيَتَهُمْ، قَالَ: فَغَشِيتُهُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ وَقَتَلْتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا مِنَ الْقَتْلِ . فَكَرَّرَهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ.

 

وروى قصة الغزوة أحمد بن حنبل 21745 و21802 و6382 و19937 وأخرجه البخاري (4269) و (6872)، ومسلم (96) (159)، وابن أبي عاصم في "الديات" ص 34، وأبو عوانة (195)، وابن حبان (4751)، وابن منده في "الإيمان" (63)، والبيهقي في "الدلائل" 4/297، والواحدي في "أسباب النزول". وأخرجه البزار في "مسنده" (2612)، والنسائي في "الكبرى" (8595)، وأبو عوانة (195) و (196)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3229) وأخرجه الطيالسي (626)، وابن أبي عاصم في "الديات" ص 35، والبزار (2611)، والطبراني في "الكبير" (392)، والبيهقي في "الدلائل" 4/297، وابن الأثير في "أسد الغابة" 1/80، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 2/505، والحاكم في المستدرك 3/116

 

 

 

سَرِيّةُ غالب بن عبد الله  إلى بني عبد بن ثعلبةَ في المَيْفعة 

في رمضان سنة سبع

 

يقول الواقدي:

 

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِى عَوْنٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ غَزْوَةِ الْكُدْرِ أَقَامَ أَيّامًا مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ لَهُ يَسَارٌ مَوْلاهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى قَدْ عَلِمْت غِرّةً مِنْ بَنِى عَبْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَأَرْسَلَ مَعِى إلَيْهِمْ. فَأَرْسَلَ مَعَهُ النّبِىّ ص غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ فِى مِائَةٍ وَثَلاثِينَ رَجُلاً، خَرَجَ بِهِمْ يَسَارٌ فَظَعَنَ بِهِمْ فِى غَيْرِ الطّرِيقِ حَتّى فَنِيَتْ أَزْوَادُهُمْ وَجَهَدُوا، وَاقْتَسَمُوا التّمْرَ عَدَدًا، فَبَيْنَا الْقَوْمُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَمَا سَاءَ ظَنّهُمْ بِيَسَارٍ وَظَنّ الْقَوْمُ أَنّ إسْلامَهُ لَمْ يَصِحّ وَقَدْ انْتَهَوْا إلَى مَكَانٍ قَدْ فَحَصَهُ السّيْلُ فَلَمّا رَآهُ يَسَارٌ كَبّرَ، قَالَ: وَاَللّهِ قَدْ ظُفِرْتُمْ بِحَاجَتِكُمْ اُسْلُكُوا فِى هَذَا الْفَحْصِ حَتّى يَنْقَطِعَ بِكُمْ. فَسَارَ الْقَوْمُ فِيهِ سَاعَةٍ بِحِسّ خَفِىّ لا يَتَكَلّمُونَ إلاّ هَمْسًا حَتّى انْتَهَوْا إلَى ضِرْسٍ مِنْ الْحَرّةِ، فَقَالَ يَسَارٌ لأَصْحَابِهِ: لَوْ صَاحَ رَجُلٌ شَدِيدُ الصّوْتِ لأَسْمَعَ الْقَوْمَ فَارْتَأَوْا رَأْيَكُمْ، قَالَ غَالِبٌ: انْطَلِقْ بِنَا يَا يَسَارٍ أَنَا وَأَنْتَ وَنَدَعُ الْقَوْمَ كَمِينًا، فَفَعَلا، فَخَرَجْنَا حَتّى إذَا كُنّا مِنْ الْقَوْمِ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ سَمِعْنَا حِسّ النّاسِ وَالرّعَاءِ وَالْحُلُبِ فَرَجَعَا سَرِيعَيْنِ فَانْتَهَيَا إلَى أَصْحَابِهِمَا، فَأَقْبَلُوا جَمِيعًا حَتّى إذَا كَانُوا مِنْ الْحَىّ قَرِيبًا، وَقَدْ وَعَظَهُمْ أَمِيرُهُمْ غَالِبٌ وَرَغّبَهُمْ فِى الْجِهَادِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الإِمْعَانِ فِى الطّلَبِ وَأَلّفَ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ: إذَا كَبّرْت فَكَبّرُوا، فَكَبّرَ وَكَبّرُوا جَمِيعًا مَعَهُ وَوَقَعُوا وَسَطَ مَحَالّهِمْ فَاسْتَاقُوا نَعَمًا وَشَاءَ وَقَتَلُوا مِنْ أَشَرَف لَهُمْ وَصَادَفُوهُمْ تِلْكَ اللّيْلَةَ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ: الْمَيْفَعَةُ. قَالَ: وَاسْتَاقُوا النّعَمَ فَحَدَرُوهُ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُسْمَعْ أَنّهُمْ جَاءُوا بِأَسْرَى.

 

والميفعة ناحيةَ نجد

 

عملية نهب وإغارة لا لبس فيها، ذكر ابن إسحاق والواقدي في أوائل الغزوات غزوة محمد بذي أمر لجمع من غطفان (وثعلبة حسب إضافة الواقدي)كما حكوا إن صحت قصتهم الإسلامية، لكن هل يتخذ هذا كمبرر للعدوان والسرقة؟! محمد بنواياه وأفعاله العدوانية وقطع الطرق والنهب كان هو من استعدى الكثيرين ضده وضد يثرب ممن لم يكونوا أعداء للأوس والخزرج قبل ذلك.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النقض الثالث لصلح الحديبية في عمرة القضاء

 

ذكرنا في حديثنا عن صلح الحديبية نقض محمد والمسلمين له مرتين حينما آوى النساء المسلمات القرشيات المهاجرات، وحينما لم يسلم المسلمين القرشيين وتركهم يشكلون تهديدًا لقوافل قريش بما  يجعل المعاهدة مهدورة منقوضة على يده.

 

ويكشف لنا الواقدي مخالفة ثالثة قد يعتبرها البعض ترتقي إلى نقض العهد:

 

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، أَنّ النّبِىّ ص خَطَبَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَزَوّجَهَا النّبِىّ ص وَهُوَ مُحْرِم.

حَدّثَنِى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: لَمّا حَلّ رَسُولُ اللّهِ ص تَزَوّجَهَا.

 

حَدّثَنِى عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدٍ، قَالَ: فَلَمّا كَانَ عِنْدَ الظّهْرِ يَوْمَ الرّابِعِ أَتَى سُهَيْلُ ابْنُ عَمْرٍو، وُحَوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى - وَرَسُولُ اللّهِ ص فِى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ يَتَحَدّثُ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - فَقَالَ: قَدْ انْقَضَى أَجَلُك، فَاخْرَجْ عَنّا، فَقَالَ النّبِىّ ص: “وَمَا عَلَيْكُمْ لَوْ تَرَكْتُمُونِى فَأَعْرَسْت بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَصَنَعْت لَكُمْ طَعَامًا”؟ فَقَالا: لا حَاجَة لَنَا فِى طَعَامِك، اخْرَجْ عَنّا نَنْشُدُك اللّهَ يَا مُحَمّدُ وَالْعَهْدُ الّذِى بَيْنَنَا وَبَيْنَك إلاّ خَرَجْت مِنْ أَرْضِنَا؛ فَهَذِهِ الثّلاثُ قَدْ مَضَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص لَمْ يَنْزِلْ بَيْتًا، وَضُرِبَتْ لَهُ قُبّةٌ مِنْ الأَدَمِ بِالأَبْطَحِ فَكَانَ هُنَاكَ حَتّى خَرَجَ مِنْهَا، لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا.

 

نص الصلح كان ينص على ألا يمكث أكثر من ثلاثة أيام فقط، لكنه تعمد كسره كأنما يستعرض قوته لأن ذلك هو ما يعجب الرعاع والأعراب والجهال فيزداد أتباعه لأنهم يتبعون الأقوى والأعنف.

 

لكن ابن هشام يروي رواية مختلفة:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني أبانُ بن صالح وعبد الله بن أبي نَجيح، عن عطاء بن أبي رَباح ومجاهد أبي الحجاج، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حَرَامٌ، وكان الذي زوجه إياها العباسُ بن عبد المطلب.

قال ابن هشام: وكانت جَعلَتْ أمرَها إلى أختها أمِّ الفضل، وكانت أمُّ الفضل تحتَ العباس فجعلت أمُّ الفضل أمرَها إلى العباس، فزوجها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمئة درهم.

 

قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً، فأتاه حُوَيْطب ابن عبد العُزَّى بن أبي قيس بن عبد وُدِّ بن نصر بن مالك بن حِسْل، في نفر من قريش، في اليوم الثالث، وكانت قريش قد وكَّلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فقالوا له: إنه قد انقضى أجلُك، فاخرجْ عنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلمّ: وما عليكم لو تركتموني فأعرست بينَ أظهرِكم، وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه، قالوا: لا حاجةَ لنا في طعامك، فاخرجْ عنا. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلَّف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسَرِف فبنى بها رسولُ الله ّصلى الله عليه وسلم هنالك، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلمّ إلى المدينة في ذي الحجة.

 

وانظر مسند أحمد بن حنبل 18635 وصحيح البخاري 2699 و4251، وحقيقًة لو كان التزم بالموعد لما احتاجوا لإرسال رسول لتذكيره وتوبيخه، ومن لفظ البخاري: (فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَخَرَجَ)

سَرِيّةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السّلَمِيّ إلى بني سليم

فِى ذِى الْحَجّةِ سَنَةَ سَبْعٍ

 

يقول الواقدي:

 

حَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: لَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ سَنَةَ سَبْعٍ - رَجَعَ فِى ذِى الْحَجّةِ سَنَةَ سَبْعٍ - بَعَثَ ابْنَ أَبِى الْعَوْجَاءِ السّلَمِىّ فِى خَمْسِينَ رَجُلاً، فَخَرَجَ إلَى بَنِى سُلَيْمٍ. وَكَانَ عَيْنٌ لِبَنِى سُلَيْمٍ مَعَهُ فَلَمّا فَصَلَ مِنْ الْمَدِينَةِ خَرَجَ الْعَيْنُ إلَى قَوْمِهِ فَحَذّرَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ فَجَمَعُوا جَمْعًا كَثِيرًا. وَجَاءَهُمْ ابْنُ أَبِى الْعَوْجَاءِ وَالْقَوْمُ مُعَدّونَ لَهُ فَلَمّا رَآهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ص وَرَأَوْا جَمْعَهُمْ دَعَوْهُمْ إلَى الإِسْلامِ فَرَشَقُوهُمْ بِالنّبْلِ وَلَمْ يَسْمَعُوا قَوْلَهُمْ، وَقَالُوا: لا حَاجَةَ لَنَا إلَى مَا دَعَوْتُمْ إلَيْهِ. فَرَامُوهُمْ سَاعَةً وَجَعَلَتْ الأَمْدَادُ تَأْتِى حَتّى أُحْدِقُوا بِهِمْ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ فَقَاتَلَ الْقَوْمُ قِتَالاً شَدِيدًا حَتّى قُتِلَ عَامّتُهُمْ وَأُصِيبَ صَاحِبُهُمْ ابْنُ أَبِى الْعَوْجَاءِ جَرِيحًا مَعَ الْقَتْلَى، ثُمّ تَحَامَلَ حَتّى بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ص.

 

ويقول ابن إسحاق:

 

وغزوة أبي العَوْجاء السُّلَمى أرض بني سُلَيم، أصيب بها هو وأصحابه جميعًا

 

يعتبرها المسلمون بطولة وتساميًا، لكنه من الخسة والسيكوباتية والإرهاب بمكان أن يغزو الرجل قبيلته وأهله فيقتل وينهب ويخطف نساءهم متعاونًا مع أغراب عنهم ما أمكنه! نعم بنو سليم كانوا حلفاء لقريش ومن الممكن أن يدفع المسلمون من خلال تاريخهم الذي كتبوه على هواهم من وجهة نظر واحدة إسلامية أن بني سليم هم المبادؤون بالعدوان في غزوات أخرى كغزوة محمد للكدر وغزوه بحران، لكن بوسعنا أن نرى السيف بيد والدعوة الدينية باليد الأخرى، حرب للإكراه الديني والإجبار وإبادة الرافضين لاتباع دينهم لا شك فيها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ إلَى بني الملوح بالْكَدِيدِ، فِى صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ

 

وَالْكَدِيدُ وَرَاءَ قُدَيْدٍ.

 

جاء في مغازي الواقدي:

 

حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِى عَوْنٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْجُهَنِىّ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِىّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثِىّ أَحَدَ بَنِى كَلْبِ بْنِ عَوْفٍ فِى سَرِيّةٍ كُنْت فِيهِمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِى الْمُلَوّحِ بِالْكَدِيدِ، وَهُمْ مِنْ بَنِى لَيْثٍ، فَخَرَجْنَا حَتّى إذَا كُنّا بِقُدَيْدٍ لَقِينَا الْحَارِثَ بْنَ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ فَأَخَذْنَاهُ فَقَالَ: إنّمَا جِئْت أُرِيدُ الإِسْلامَ. فَقُلْنَا: لا يَضُرّك رِبَاطُ لَيْلَةٍ إنْ كُنْت تُرِيدُ الإِسْلامَ وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ نَسْتَوْثِقُ مِنْك. فَشَدَدْنَاهُ وَثَاقًا، وَخَلّفْنَا عَلَيْهِ رَجُلاً مِنّا يُقَالُ لَهُ: سُوَيْدُ بْنُ صَخْرٍ، وَقُلْنَا: إنْ نَازَعَك فَاحْتَزْ رَأْسَهُ.

ثُمّ سِرْنَا حَتّى أَتَيْنَا الْكَدِيدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ فَكَمَنّا نَاحِيَةَ الْوَادِى، فَبَعَثَنِى أَصْحَابُ رَبِيئَةٍ لَهُمْ فَخَرَجْت فَأَتَيْت تَلاّ مُشْرِفًا عَلَى الْحَاضِرِ يُطْلِعُنِى عَلَيْهِمْ حَتّى إذَا أَسْنَدْت فِيهِ وَعَلَوْت عَلَى رَأْسِهِ انْبَطَحْت، فَوَاَللّهِ إنّى لأَنْظُرُ إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ خِبَاءٍ لَهُ فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: وَاَللّهِ إنّى لأَرَى عَلَى هَذَا التّلّ سَوَادًا مَا رَأَيْته عَلَيْهِ صَدْرَ يَوْمِى هَذَا، فَانْظُرِى إلَى أَوْعِيَتِك لا تَكُونُ الْكِلابُ أَخَذْت مِنْهَا شَيْئًا. فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ: وَاَللّهِ مَا أَفْقِدُ مِنْ أَوْعِيَتِى شَيْئًا. فَقَالَ: نَاوِلِينِى قَوْسِى وَنَبْلِى فَنَاوَلَتْهُ قَوْسَهُ وَسَهْمَيْنِ مَعَهَا، فَأَرْسَلَ سَهْمًا، فَوَاَللّهِ مَا أَخْطَأَ بِهِ جَنْبِى، فَانْتَزَعْته فَوَضَعْته وَثَبَتَ مَكَانِى. ثُمّ رَمَانِى الآخَرَ فَخَالَطَنِى بِهِ أَيْضًا، فَأَخَذْته فَوَضَعْته وَثَبَتَ مَكَانِى. فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: وَاَللّهِ لَوْ كَانَ زَائِلَةً لَتَحَرّكَ بَعْدُ لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَاىَ لا أَبَا لَك إذَا أَصْبَحْت فَاتّبِعِيهَا؛ لا تَمْضُغُهُمَا الْكِلابُ.

ثُمّ دَخَلَ خِبَاءَهُ وَرَاحَتْ مَاشِيَةُ الْحَىّ مِنْ إبِلِهِمْ وَأَغْنَامِهِمْ فَحَلَبُوا وَعَطَنُوا، فَلَمّا اطْمَأَنّوا وَهَدَءُوا شَنَنّا عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ فَقَتَلْنَا الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَيْنَا الذّرّيّةَ وَاسْتَقْنَا النّعَمَ وَالشّاءَ فَخَرَجْنَا نَحْدُرُهَا قِبَلَ الْمَدِينَةِ حَتّى مَرَرْنَا بِأَبِى الْبَرْصَاءِ فَاحْتَمَلْنَاهُ وَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا. وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ فِى قَوْمِهِمْ فَجَاءَنَا مَا لا قِبَلَ لَنَا بِهِ وَنَظَرُوا إلَيْنَا وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الْوَادِى وَهُمْ مُوَجّهُونَ إلَيْنَا، فَجَاءَ اللّهُ الْوَادِىَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ بِمَاءٍ مَلأَ جَنْبَيْهِ وَاَيْمُ اللّهِ مَا رَأَيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ سَحَابًا وَلا مَطَرًا، فَجَاءَ بِمَا لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَجُوزُهُ فَلَقَدْ رَأَيْتهمْ وُقُوفًا يَنْظُرُونَ إلَيْنَا وَقَدْ أَسْنَدْنَا فِى الْمُشَلّلِ وَفُتْنَاهُمْ فَهُمْ لا يَقْدِرُونَ عَلَى طَلَبِنَا، فَمَا أَنْسَى رَجَزَ أَمِيرِنَا غَالِبٍ.....إلخ

ثُمّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. فَحَدّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عُمَرَ الأَسْلَمِىّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت مَعَهُمْ وَكُنّا بَضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، شِعَارُنَا: أَمِتْ أَمِتْ.

 

وذكرها ابن إسحاق مع اختلاف بسيط في الألفاظ، في ابن هشام ج4:

 

غزوة غالب بن عبد الله الليثي بني الملوَّح: وكان من حديثها أن يعقوبَ بن عُتبة بن المغيرة بن الأخنس، حدثني عن مُسلم بن عبد الله بن خُبَيْب الجهني، عن المنذِر، عن جُندَب بن مُكيث الجهني، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي، كلب بن عوف ابن ليث، في سَرِيَّة كنتُ فيها، وأمَره أن يشن الغارة عليّ بني الملوَّح، وهم بالكَديد، فخرجنا، حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك، وهو ابن البَرْصاء الليثى، فأخذناه، فقال: إني جئت أريد الإسلام، ما خرجتُ إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا له: إن تك مسلما فلن يضيرك رباطُ ليلة، وإن تك على غير ذلك كنا قد استوثقنا منك، فشددناه رباطاً، ثم خلفنا عليه رجلا من أصحابنا أسود، وقلنا له: إن عازَّك (1) فاحتز رأسه.

__________

(1) عازَّك: غالبك.

قال: ثم سرنا حتى أتَيْنا. الكديد عند غروب الشمس، فكنا في ناحية الوادي، وبعثنى أصحابى ربيئة (1) لهم، فخرجت حتى اتي تلاُّ مشرفا على الحاضر (2)، فأسْنَدْت فيه (3)، فعلوت على رأسه. فنظرت إلى الحاضر، فواللّه إني لمنبطح على التلِّ، إذ خرج رجلٌ منهم من خِبائه، فقال لامرأته: إني لأرى على التلِّ سواداً ما رأيتُه في أولِ يومى، فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين منها شيئاً، لا تكون الكلابُ جَرَّت بعضَها؟ قال: فنظرتْ، فقالت: لا، واللّه ما أفقد شيئاً قال: فناولينى قَوْسى وسهمين، فناولته، قال: فأرسل سهما، فواللّه ما أخطأ جنبى، فأنزعه، فأضعه، وثبتُّ مكانى، قال: ثم أرسل الآخر، فوضعه في منكبى، فأنزعه فأضعه، وثبَتُّ مكانى، فقال لامرأته: لو كان ربيئة لقوم لقد تحرك، لقد خالطه سهماي لا أبا لك، إذا أصبحتِ فابتغيهما، فخذيهما، لا يمضغهما علىَّ الكلابُ. قال: ثم دخل.

قال: وأمهلناهم، حتى إذا اطمأنوا وناموا، وكان في وجه السَّحر، شننا عليهم الغارة، قال: فقتَلْنا، واسْتَقنا النعم، وخرج صريخ القوم، فجاءنا دَهْم (4) لا قِبل لنا به، ومضينا بالنعم، ومررنا بابن البرصاء وصاحبه، فاحتملناهما معنا، قال: وأدركنا القوم حتى قربوا منا، قال: فما بيننا وبينهم إلا وادي قديد، فأرسل الله الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى، من غير سحابة نراها، ولا مطر، فجاء بشيء ليس لأحدٍ به قوة، ولا يقدر على أن يجاوزَه، فوقفوا ينظرون إلينا، وإنا لنسوق نَعَمهم، ما يستطيع منهم رجل أن يُجيزَ إلينا، ونحن نحدوها سِراعاً، حتى فُتناهم، فلم يقدروا على طلبنا. قال: فقدمنا بها على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن إسحاق: وحدثني رجل من أسلم، عن رجل منهم: أن شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تلك الليلة: أمِتْ أَمِتْ.

 

وقصة هذه السرية أو الغارة الإجرامية رواها بأسانيدهم عن ابن إسحاق:

__________

(1) الربيئة: الطليعة الذي يتجسس الأخبار.

(2) الحاضر: من ينزلون على الماء.

(3) أسندت: ارتفعت.

(4) الدهم: الجماعة الكثيرة.

أحمد بن حنبل في المسند 15844 وأبو داوود 2678 والحاكم في المستدرك 2571 والبيهقي في سننه الكبرى 17923 وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"2591، والطبراني في "الكبير"1726، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/208، ولو أن أسانيدهم فيها ضعف لكن هنا المجال تأريخي وليس في أحكام شرائع الإسلام، فلا بأس من الاستشهاد بها على الطريقة الإخبارية التأريخية.

 

وبعض لفظ رواية أحمد بن حنبل كأنه حلقة وسطى بين ألفاظ ابن هشام والواقدي، ففيه مثلًا: فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاللهِ لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَايَ، وَلَوْ كَانَ زَائِلَةً لَتَحَرَّكَ  

 

وما نجده هنا غارة على قوم لم يتحركوا بأي عدوان على المسلمين من قبل، بل بادءهم المسلمون بالعنف والنهب، وحسب رواية الواقدي فقد كان هناك خطف واستعباد أي سبي لنساء وأطفال كذلك، ونجد أعمال الإرهاب والإكراه الديني تسير على قدمٍ وساق لدرجة أسر رجل رغم أنه غالبًا كان في طريقه ليتبع ديانة محمد!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سَرِيّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ إلَى هوازن في السي من أرض بَنِى عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ

 

جاء في كتاب المغازي للواقدي:

 

حَدّثَنِى الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى فَرْوَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ فِى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً إلَى جَمْعٍ مِنْ هَوَازِنَ بِالسّىّ وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ فَكَانَ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ حَتّى صَبّحَهُمْ وَهُمْ غَارّونَ وَقَدْ أَوْعَزَ إلَى أَصْحَابِهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَلا يُمْعِنُوا فِى الطّلَبِ فَأَصَابُوا نَعَمًا كَثِيرًا وَشَاءَ فَاسْتَاقُوا ذَلِكَ كُلّهُ حَتّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَاقْتَسَمُوا الْغَنِيمَةَ، وَكَانَتْ سِهَامَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا؛ كُلّ رَجُلٍ وَعَدَلُوا الْبَعِيرَ بِعَشَرَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَغَابَتْ السّرِيّةُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.

قَالَ ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ: فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمّدَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: كَانُوا قَدْ أَصَابُوا فِى الْحَاضِرِ نِسْوَةً فَاسْتَاقُوهُنّ وَكَانَتْ فِيهِنّ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ فَقَدِمُوا بِهَا الْمَدِينَةَ، ثُمّ قَدِمَ وَفْدُهُمْ مُسْلِمِينَ فَلَمّا قَدِمُوا كَلّمُوا رَسُولَ اللّهِ ص فِى السّبْىِ فَكَلَمْ النّبِىّ ص شُجَاعًا وَأَصْحَابَهُ فِى رَدّهِنّ فَسَلّمُوهُنّ وَرَدّوهُنّ إلَى أَصْحَابِهِنّ.

قَالَ ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ: فَأَخْبَرْت شَيْخًا مِنْ الأَنْصَارِ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَمّا الْجَارِيَةُ الْوَضِيئَةُ فَكَانَ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ بِثَمَنٍ فَأَصَابَهَا، فَلَمّا قَدِمَ الْوَفْدُ خَيّرَهَا، فَاخْتَارَتْ الْمَقَامَ عِنْدَ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ فَلَقَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَهِىَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ. فَقُلْت لابْنِ أَبِى سَبْرَةَ: مَا سَمِعْت أَحَدًا قَطّ يَذْكُرُ هَذِهِ السّرِيّةَ. فَقَالَ ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ: لَيْسَ كُلّ الْعِلْمِ سَمِعْته. قَالَ: أَجَلْ وَاَللّهِ. فَقَالَ ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ: لَقَدْ حَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ سَرِيّةً أُخْرَى. ....إلخ

 

ويقول ابن كثير الدمشقي في السيرة النبوية له:

 

وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ السَّرِيَّةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ [في مسنده في كتاب الجهاد] 1506 (408 في ترتيب السندي)- أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا

 

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضا من حَدِيث اللَّيْث وَمن حَدِيث عبد اللَّهِ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِنَحْوِهِ. (انتهى بتصرف)

 

فروى البخاري:

 

4338 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَكُنْتُ فِيهَا فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا

 

3134 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سِهَامُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا

 

وروى مسلم:

 

[ 1749 ] حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن بن عمر قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية وأنا فيهم قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا

 

 [ 1749 ] وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد وفيهم بن عمر وأن سهمانهم بلغت اثني عشر بعيرا ونفلوا سوى ذلك بعيرا فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

 [ 1749 ] وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر وعبد الرحيم بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد فخرجت فيها فأصبنا إبلا وغنما فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا

 

وروى نحوه أحمد بن حنبل 4579 بإسناد صحيح على شرط الشيخين وأبو داوود (2741) و (2742) و (2743) و (2744) وابن أبي شيبة 14/455 وعبد الرزاق (9336) والحميدي (694). وأبو عوانة 4/104-108، والبيهقي في "السنن" 6/312، وابنُ عبد البر في "التمهيد" 14/42 و14/37، 39. وابن الجارود (1074)، وأبو يعلى (5826)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/241، وابن حبان (4832) و (4834)، والطبراني في "الكبير" (13426)

 

محمد وأتباعه ساروا بالعنف والنهب والقتل وخطف النساء واستعبادهن على أساس تبرير ذلك بمزاعم دينية، وأن هناك إلهًا يبرر لهم تلك الأفعال الإجرامية الدنسة، وكما قال بعض علماء النفس كـ كولن ولسون في التاريخ الإجرامي للجنس البشري أن أول الطريق لارتكاب المذابح ضد الآخرين ألا تعتبرهم مثلك وبشرًا مثلك على قدم المساواة والتماهي. اتبع محمد وصحبه نهجه الذي وضعه لإكراه الوثنيين على دينه قهرًا وإبادة من يرفضه، واضطر أفراد القبيلة لاتباع ديانة محمد غصبًا ليستنقذوا نساءهم، بعدما كانت هؤلاء النساء كذلك تعرضن للانتهاكات والاعتداآت الجنسية. ومرة أخرى هذا عدوان على هوازن لثالث مرة نلاحظه (انظر غزوة القرطاء وغزوة تربة)، ما يجعل تحركهم بعد اقتحام محمد وأتباعه لمكة تصرفًا دفاعيًّا بحتًا في ما يُعرف بمعركتي حنين والطائف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِىّ فِى سَنَةِ ثَمَانٍ فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ

إلَى بني قضاعة  بذَاتِ أَطْلاحٍ

 

وَأَطْلاحُ نَاحِيَةُ الشّامِ مِنْ الْبَلْقَاءِ عَلَى لَيْلَةٍ.

 

جاء في كتاب المغازي للواقدي:

 

قَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص كَعْبَ بْنَ عُمَيْرٍ الْغِفَارِىّ فِى خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً حَتّى انْتَهَوْا إلَى ذَاتِ أَطْلاحٍ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، فَوَجَدُوا جَمْعًا مِنْ جَمْعِهِمْ كَثِيرًا، فَدَعَوْهُمْ إلَى الإِسْلامِ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَشَقُوهُمْ بِالنّبْلِ. فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ أَصْحَابُ النّبِىّ ص قَاتَلُوهُمْ أَشَدّ الْقِتَالِ حَتّى قَتَلُوا، فَأَفْلَتْ مِنْهُمْ رَجُلٌ جَرِيحٌ فِى الْقَتْلَى، فَلَمّا بَرَدَ عَلَيْهِ اللّيْلُ تَحَامَلَ حَتّى أَتَى رَسُولُ اللّهِ ص فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَشَقّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَهُمْ بِالْبَعْثِ إلَيْهِمْ فَبَلَغَهُ أَنّهُمْ قَدْ سَارُوا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَتَرَكَهُمْ.

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ: كَانَ كَعْبٌ يَكْمُنُ النّهَارَ وَيَسِيرُ اللّيْلَ حَتّى دَنَا مِنْهُمْ فَرَآهُ عَيْنٌ لَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِقِلّةِ أَصْحَابِ النّبِىّ ص فَجَاءُوا عَلَى الْخُيُولِ فَقَتَلُوهُمْ.

 

وجاء في ابن هشام ج4، عن ابن إسحاق سرد لاسمها فقط:

 

وغزوة كعب بن عُمَيْر الغِفاري ذات أطْلاح، إلى أرض الشام، أصيب بها هو وأصحابه جميعا

 

من غير الواضح الانتماء الديني للمجموعة التي حاول أصحاب محمد العدوان عليها، وقد يكونون مسيحيين كذلك فلا داعي لأن ننسى أن تشريع الجزية من أهل الكتاب لم يوضع في القرآن إلا سنة 9ه في سورة التوبة، وقبل ذلك لم تكن الأمور والتعاملات واضحة معهم! حزن محمد وهكذا يحزن أي شخص لمقتل ناسه وأعزائه، لكن إن القاعدة الذهبية أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك وتحب لباقي الناس ما تحبه لقومك وتكره لهم ما تكره لنفسك وقومك.

 

كما نرى كان محمد يقترب من الشام منذ فترة مبكرة ربما حتى قبل تنامي قوته إلى أقصاها وقبل سيطرته على كل إقليم شبه جزيرة العرب مما يكشف عن نوايا توسعية وأطماع لبدو شبه جزيرة العرب للخروج من تلك الصحارى القاحلة ووضع اليد على الأماكن الخصيبة المزدهرة في الشام والعراق ومصر وغيرها. ويكشف لنا كذلك عن أمر آخر وهو الحقد والشر. فالمسلمون الأصوليون أسوأ جيرة دولية قد تحصل عليها دولة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سرية زيد بن حارثة على أبي مينا بحدود مصر

 

لم يذكرها إلا ابن هشام، ولم يذكر وقت حدوثها، لذا وضعناها قبل مؤتة، لأن فيها قُتل المجرم المحمدي زيد بن حارثة، ونرجح أنها حدثت في 7 أو 8 ه.

 

 قال ابن هشام: وسرية زيد ابن حارثة إلى مَدْيَن. ذكر ذلك عبد الله بن حسن بن حسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين بن عليٍّ عليهم رضوان الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيدَ بن حارثة نحو مَدْين، ومعه ضُمَيْرة مولى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، وأخ له. قالت: فأصاب سبياً من أهل مِيناء، وهى السواحل، وفيها جُمَّاع من الناس فبيعوا، ففُرق بينهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون، فقال: ما لهم؟ فقيل: يا رسول الله، فُرق بينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوهم إلا جميعا.

 

وجاء في سنن سعيد بن منصور/ باب تفريق السبي بين الوالد وولده والقرابات:

 

2661 - حدثنا سعيد قال: حدثنا أبو شهاب عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت حسين قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى مدينة مقنا قال سعيد مقنا هي مدين فأصاب منهم سبايا منهم ضيمر مولى علي فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعهم فخرج إليهم وهم يبكون فقال لهم: مما يبكون قالوا: فرقنا بينهم وهم أخوة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفرقوا بينهم بيعوهم جميعا

 

ما يمكنني قوله هنا هو تلك الحكمة القديمة عند اليهود: مراحم الأشرار قاسية، فالحقيقة إن الرحمة والعدل إما يكونان كاملين فلا يكون هناك استعباد وظلم ونخاسة للبشر من الأساس، وإلا فهو غير موجود، أما فعل محمد هذا فهو تأثر بكونه كان يتيمًا بلا أب ولا أم حيث توفيا عنه صغيرًا.

 

يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان:

 

مِينَاء:

بالكسر ثم السكون، ونون، وألف ممدودة، جبال أبي ميناء: بمصر، قال ابن هشام يعدّد سرايا النبي، صلّى الله عليه وسلّم: وسرية زيد بن حارثة إلى مدين فأصاب سبيا من أهل ميناء وهي السواحل وهي من أوائل نواحي مصر.

 

هذا هو أول "تعارف" أو تعرف بين المصريين والإسلام وأتباعه، ميناء منطقة حدودية مصرية، زيد كان في طريقه إلى مدين بأطراف الشام وهي مطلة على البحر الأحمر وبحدود دولة المملكة السعودية اليوم شمال غربيها بالقرب من مدينة البدع التابعة لمحافظة تبوك، فصادف لسوء حظ سكان تلك المنطقة الحدودية المصرية أن تجاوز مدين ربما ضالًّا الطريق أو مغامراً فمر بسريته عليهم. ليت شعبي يذكر التاريخ وما فعله الإسلام بأجدادنا وماضينا وتأثيراته السلبية المستمرة، فلنربأ بأنفسنا عن هذا الدين باسم الكرامة الإنسانية والوطنية والتاريخية، لماذا شعبي له ذاكرة سمكية وبلا ثقافة ووعي، إلى متى؟!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صورة لأسواق العبيد القديمة حيث كان يمارس بيع البشر كعمل معتاد عالميًّا.

غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى مُؤْتَةَ  سَنَةَ ثَمَانٍ

 

يقول الواقدي في تبرير هذه الغزوة والغارة:

 

حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص الْحَارِثَ بْنَ عُمَيْرٍ الأَزْدِىّ ثُمّ أَحَدَ بَنِى لَهَبٍ، إلَى مَلِكِ بُصْرَى بِكِتَابٍ فَلَمّا نَزَلَ مُؤْتَةَ عَرَضَ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْغَسّانِىّ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الشّامَ. قَالَ: لَعَلّك مِنْ رُسُلِ مُحَمّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ. فَأَمَرَ بِهِ فَأُوثِقَ رِبَاطًا، ثُمّ قَدّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ صَبْرًا.

وَلَمْ يُقْتَلْ لِرَسُولِ اللّهِ ص رَسُولٌ غَيْرَهُ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ص الْخَبَرُ فَاشْتَدّ عَلَيْهِ وَنَدَبَ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَقْتَلِ الْحَارِثِ وَمَنْ قَتَلَهُ فَأَسْرَعَ النّاسُ وَخَرَجُوا فَعَسْكَرُوا بِالْجَرْفِ، وَلَمْ يُبَيّنْ رَسُولُ اللّهِ ص الأَمْرَ

 

سأعتبر نفسي الآن محامي عن هؤلاء السكان الشاميين المسيحيين القدماء (مؤتة في الأردن حاليًّا)، وأقدم طعوني وشكوكي على التبرير الإسلامي: سبق وأن قام محمد بإرسال رسله إلى كل ملوك المناطق والممالك المجاورة وكان للشام آنذاك ملكان اثنان من بني غسان أحدهما بالشام القديمة أو تخوم الشام وهو الحارث بن أبي شمر الغساني، والآخر ببُصرى وهو جبلة بن الأيهم الغساني، وكانت سنة كل الملوك والدول وقانونهم الدولي احترام السفراء وعدم التعرض لهم، وقصة إرساله الرسل إلى الملوك بدعوته الدينية مذكورة في البخاري وابن هشام ج4 والطبقات الكبير لمحمد بن سعد ج1 والسيرة النبوية لابن كثير وزاد المعاد ج3، فيروي البخاري:

 

4553 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ مَعْمَرٍ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ قَالَ انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ قَالَ وَكَانَ دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ...إلخ ..... قَالَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ إِلَى قَوْلِهِ اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا.....إلخ الحديث

 

ورواه مسلم في صحيحه كذلك برقم 1773

 

وروى أحمد بن حنبل بمثله:

 

2370 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلامِ، وَبَعَثَ كِتَابَهُ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى قَيْصَرَ وَكَانَ قَيْصَرُ، لَمَّا كَشَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلْيَاءَ عَلَى الزَّرَابِيِّ تُبْسَطُ لَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حِينَ قَرَأَه....إلخ الحديث

 

ورواه البخاري (2936) و(7) و(2978) و(3174) و(5980) و(6260) و(7196)، والترمذي (2717)، وابن منده في "الإيمان" (143)، والبيهقي في "الدلائل" 4/381-383، وأحمد بن حنبل (2371) و(2372) .

 

هنا البخاري ومسلم وأحمد يؤكدون لنا أنه بعد صلح الحديبية كانت هناك رسالة للدعوة الدينية أرسلها محمد إلى ملك بُصرى من سوريا ومنه إلى هركليوز ملك الروم.

ويروي مسلم في صحيحه:

 

[ 1774 ] حدثني يوسف بن حماد المعني حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم

 

وجاء في السيرة النبوية لابن كثير عن أحداث سنة 6 ه بعد صلح الحديبية:

 

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ مُصْطَحِبِينَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ. وشجاع بن وهب ابْن أَسد بن جذيمة شَهِدَ بَدْرًا إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الغساني يَعْنِي ملك عرب النَّصَارَى، وَدِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إِلَى قَيْصَرَ، وَهُوَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إِلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ، وَسَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو الْعَامِرِيَّ إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ، وَعَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ النَّصَارَى بِالْحَبَشَةِ وَهُوَ أَصْحَمَة بن الْحر.

 

ويقول ابن سعد في الطبقات الكبير ج1/ عنوان: ذِكْرُ بِعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  الرُّسُلَ بِكُتُبِهِ إِلَى الملوك يدعوهم إلى الْإِسْلَام:

 

قَالُوا: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الأَسَدِيَّ. وَهُوَ أَحَدُ السِّتَّةِ. إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا. قَالَ شُجَاعٌ: فَأَتَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ بِغَوْطَةِ دِمَشْقَ. وَهُوَ مَشْغُولٌ بِتَهْيِئَةِ الإِنْزَالِ وَالأَلْطَافِ لِقَيْصَرَ. وَهُوَ جَاءٍ مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ. فَأَقَمْتُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً فَقُلْتُ لِحَاجِبِهِ: إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ. فَقَالَ: لا تَصِلُّ إِلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا...إلخ. وَخَرَجَ الْحَارِثُ يَوْمًا فَجَلَسَ وَوَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ. فَأَذِنَ لِي عَلَيْهِ. فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَرَأَهُ ثُمَّ رَمَى بِهِ وَقَالَ: مَنْ يُنْتَزِعُ مِنِّي مُلْكِي؟ أَنَا سَائِرٌ إِلَيْهِ وَلَوْ كَانَ بِالْيَمَنِ جِئْتُهُ. عَلَيَّ بِالنَّاسِ! فَلَمْ يَزَلْ يَفْرِضُ حَتَّى قَامَ.

وَأَمَرَ بِالْخُيُولِ تُنْعِلُ. ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ مَا تَرَى. وَكَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يُخْبِرُهُ خَبَرِي وَمَا عَزَمَ عَلَيْهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ قَيْصَرُ: أَلا تَسِيرُ إِلَيْهِ وَالْهَ عَنْهُ وَوَافِنِي بِإِيلِيَاءَ. فَلَمَّا جَاءَهُ جَوَابُ كِتَابِهِ دَعَانِي فَقَالَ: مَتَى تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى صَاحِبِكَ؟ فَقُلْتُ: غَدَا. فَأَمَرَ لِي بِمِائَةِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ. وَوَصَّلَنِي مُرَى. وَأَمَرَ لِي بِنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَقَال: أَقْرِئْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِّي السَّلامَ.

 

بل وهناك وخبر مزعوم عن إسلام جبلة بن الأيهم يرويه ابن سعد:

 

قَالُوا: وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى جَبَلَةَ بْنِ الأَيْهَمِ مَلِكِ غَسَّانَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ. فَأَسْلَمَ وَكَتَبَ بِإِسْلامِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً وَلَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا حَتَّى كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَبَيْنَمَا هُوَ فِي سُوقِ دِمَشْقَ إِذْ وطيء رَجُلا مِنْ مُزَيْنَةَ. فَوَثَبَ الْمُزَنِيُّ فَلَطَمَهُ. فَأُخِذَ وَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ. فَقَالُوا: هَذَا لَطَمَ جَبَلَةَ. قَالَ: فَلْيَلْطِمْهُ. قَالُوا: وَمَا يُقْتَلُ؟ قَالَ: لا. قَالُوا: فَمَا تُقْطَعُ يَدُهُ؟ قَالَ: لا. إِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ. تَبَارَكَ وَتَعَالَى. بِالْقَوَدِ. قَالَ جَبَلَةُ: أَوَتَرَوْنَ أَنِّي جَاعِلٌ وَجْهِي نِدًّا لِوَجْهِ جَدْيٍ جَاءَ مِنْ عُمْقٍ! بِئْسَ الدِّينُ هَذَا! ثُمَّ ارْتَدَّ نَصْرَانِيًّا وَتَرَحَّلَ بِقَوْمِهِ حَتَّى دَخَلَ أَرْضَ الرُّومِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَشَقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: أَبَا الْوَلِيدِ. أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ صَدِيقَكَ جَبَلَةَ بْنَ الأَيْهَمِ ارْتَدَّ نَصْرَانِيًّا؟ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَلِمَ؟ قَالَ: لَطَمَهُ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ. قَالَ: وَحُقَّ لَهُ. فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ فَضَرَبَهُ بِهَا.

 

وعلى أي الحال الخبر أسطورة فقط ولعلنا نستخلص أنه أحسن الرد والوفادة للرسول من محمد، وجاء في الأعلام لخير الدين الزركلي عنه: جبلة بن الايهم بن جبلة الغساني، من آل جفنة: آخر ملوك الغساسنة في بادية الشام. عاش زمنا في العصر الجاهلي، وقاتل المسلمين في دومة الجندل (سنة 12 ه)ـ وحضر وقعة اليرموك (سنة 15 ه)ـ وهو على مقدمة عرب الشام من لخم وجذام وغيرهما، في جيش الروم، وانهزم الروم، وجبلة معهم. ثم أسلم، وهاجر إلى المدينة (في رواية ابن خلدون) وارتد فيها، وخرج إلى بلاد الروم. وفي رواية البلاذري أنه ارتد في الشام

 

وأقصى الردود الممكنة كان مجرد تهديد من الحارث بن أبي شمر فقط لمحمد لأنه اغتاظ من قوله في الرسالة كما يورد ابن كثير:

 "سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَآمَنَ بِهِ، وَأَدْعُوكَ إِلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يبْقى لَك ملكك." فَقَدِمَ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَمن ينْزع ملكى! إنى سأسير إِلَيْهِ.

ومع ذلك نهاه هركليوز (هرقل) عن أي عدوان أو مشاكل مع عرب الصحراء العربية لأن الدخول بجيش مسيحي شامي أو رومي هناك ليس له جدوى ونفع (آنذاك فلم يكن اكتشف البترول بعد)، وعاد ملك بُصرى فأكرم الرسول المرسل من محمد وأعطاه هدية تعبر عن المودة وحسن العلاقة التي يريد تأسيسها، وكان رد فعل كسرى ملك فارس هو تمزيق الرسالة فقط، وباقي الملوك أحسنوا استقبال السفراء ولم يتعرض أحد لأي سفير.

 

وذكر رسل محمد للملوك أورده ابن هشام في أواخر ج4، وفيه يقول:

 

وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شِمْر الغَسَّاني، ملك تخوم الشام. قال ابن هشام: بعث شُجاعَ بن وهب إلى جبلة بن الأيهم الغساني

 

 وابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج3 تحت عنوان فصل: ذكر هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مكاتباته إلى الملوك وغيرهم (وهو ينقله غالبًا من طبقات ابن سعد أو كتاب ما مفقود الآن للواقدي، وهو بعدما يذكر الرسل للمقوقس أو كيرس صاحب مصر والنجاشي وهرقل وكسرى وملوك اليمامة وعمان وهوذة، يختم بذكر الغساني ملك الشام القديمة أو الداخلية ويؤكد لنا تاريخ الإرسال):

 

فصل: فى كتابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحارث بن أبى شِمْرِ الغَسَّان

وكان بدمشق بغُوطتها، فكتب إليه كتاباً مع شجاع بن وهب مَرْجِعَه مِن الحُدَيْبِية: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ محمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، إلى الحارث ابن أبى شِمْرٍ: سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبعَ الهُدَى، وآمَنَ باللهِ وصَدَّقَ، وإنى أدْعُوكَ إلى أن تُؤْمِنَ باللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، يبقى لَكَ مُلْكُكَ"

 

هذا حدث سنة 6 وانتهى محمد من إرسال الدعوة الدينية، ما الذي سيضطره لتكرار نفس الدعوة لأحدهم بعد رفضها بلجاجة؟! القصة عليها علامة استفهام، فكل هؤلاء محمد راسلهم وكما قلنا لن يكون هناك داعٍ لمراسلة أحدهم مرة أخرى والإلحاح معه، ولم يقتل أحد منهم قط أحدًا من رسله بل أحسنوا وفادتهم وأجازوهم بالهدايا لهم أو لمحمد أو كليهما حسب عوايد الملوك القدماء.

 

ثم إن محمد وصحبه قاموا بعدة اعتداآت ضد المسيحيين الشوام وفي أطراف جزيرة العرب على حدود الشام مثل دومة الجندل وذات أطلاح، فلماذا لا يكون لهم الحق أن يعتبروه جاسوسًا لتخريب الدولة والعدوان على المواطنين الآمنين بفعل إرهابيين، أو محرض على اتباع ديانة تدعو للعنف والإرهاب والنهب وسفك الدماء وتخريب الدولة؟! مع ذلك لا ننكر تعصب أهل ذلك الزمان عصر القرون الوسطى عصر الجهل والتعصب إما الديني أو القبلي والقومي أو كليهما، ولا شك لم يكن المسيحيون سيتركون محمد يدعو بدعوته وسطهم، ولا محمد كان سيترك المسيحيون يفعلون المثل بأرضه يثرب أو ما صار ممالك إسلامية تابعة له روحيًّا آنذاك، وكذلك الوثنيون منذ القدم منذ أيام الحنفاء المستقلين عن الأديان كزيد بن عمرو بن نفيل والمتنصرين حيث قاوموا تبشيرهم، نحتاج إذن أن ندين العصر الوسيط المظلم كله بكل أديانه الخرافية، ونعود فنسأل سؤالين هل كان القاتل المذكور ملكًا على الشام فنعتبر فعله يعبر عن سياسة الدولة والإجابة هي لا فملكا الشام آنذاك كانا اثنين من بني غسان أحدهما بالشام القديمة أو تخوم الشام وهو الحارث بن أبي شمر الغساني، والآخر ببُصرى وهو جبلة بن الأيهم الغساني، والشخص المذكر تصرفه تصرف فردي فهل سعى محمد ليكون لا لوم عليه أن يرفع المسألة الظلامة لهرقل أو لأحد ملكي الشام فلو لم يأتوه بحقه يكون لديه حجة حتى، وبعد فمحمد لم يؤذ أو ينتقم من القاتل_إن قلنا بصحة القصة_بل قام بجيشه بغارة وحرب عصابات ونهبوا المواطنين الفلاحين المساكين وخطفوا بعض نسائهم للاستعباد على ما سنعرض أدناه. وكل ما لديهم تبريرات للتوسع والاحتلال الاستعماري ونهب ثروات الأمم والدول الأخرى.

 

 أوصى محمد أصحابه قبل رحيلهم للهجوم على الشام بوصيته التي تعتبر تشريع القتال والنهب والفتح الإسلامي، وقد ذكرها هنا الواقدي، ونوردها من صحيح مسلم:

 

[ 1731 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن سفيان ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان قال أملاه علينا إملاء ح وحدثني عبد الله بن هاشم واللفظ له حدثني عبد الرحمن يعني بن مهدي حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال أغزو باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله أغزو ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا قال عبد الرحمن هذا أو نحوه وزاد إسحاق في آخر حديثه عن يحيى بن آدم قال فذكرت هذا الحديث لمقاتل بن حيان قال يحيى يعني أن علقمة يقوله لابن حيان فقال حدثني مسلم بن هيصم عن النعمان بن مقرن عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

 

وذكرها الواقدي مع اختلافات بسيطة في الألفاظ:

 

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ إسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرَقْمَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص قَالَ: “أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَبِمَنْ مَعَكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، أَوْ قَالَ: اُغْزُوا بِسْمِ اللّهِ فِى سَبِيلِ اللّهِ فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ لا تَغْدِرُوا وَلا تَغْلُوا وَلا تَقْتُلُوا وَلَيَدًا، وَإِذَا لَقِيت عَدُوّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى إحْدَى ثَلاثٍ فَأَيّتُهُنّ مَا أَجَابُوك إلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَاكْفُفْ عَنْهُمْ اُدْعُهُمْ إلَى الدّخُولِ فِى الإِسْلامِ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَاكْفُفْ عَنْهُمْ ثُمّ اُدْعُهُمْ إلَى التّحَوّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ دَخَلُوا فِى الإِسْلامِ وَاخْتَارُوا دَارَهُمْ فَأَخْبِرْهُمْ أَنّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِى عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللّهِ وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِى الْفَيْءِ وَلا فِى الْقِسْمَةِ شَيْءٌ إلاّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَبَوْا فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَاكْفُفْ عَنْهُمْ فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللّهِ وَقَاتِلْهُمْ وَإِنْ أَنْتَ حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَأَرَادُوك أَنْ تَسْتَنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللّهِ فَلا تَسْتَنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك، فَإِنّك لا تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللّهِ فِيهِمْ أَمْ لا، وَإِنْ حَاصَرَتْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَأَرَادُوك عَلَى أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمّةَ اللّهِ وَذِمّةَ رَسُولِهِ فَلا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمّةَ اللّهِ وَلا ذِمّةَ رَسُولِهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمّتَك وَذِمّةَ أَبِيك وَذِمّةَ أَصْحَابِك، فَإِنّكُمْ إنْ تَخْفِرُوا ذِمّتَكُمْ وَذِمَمَ آبَائِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمّةَ اللّهِ وَذِمّةَ رَسُولِهِ”.

 

نلاحظ هنا تعليمات محمد بعدم إعطاء عهد صلح باسم الله أو محمد أو الدين منعًا للإحراج، لكي يتمكنوا من الخفر والغدر كيفما شاؤوا، وذكرنا نماذج من غدرهم على مر التاريخ لما ذكرنا  صلح الحديبية ونقضه.

أما تشريعاتهم في ذلك كما وردت من أفعال محمد وسنته الإجرامية وخلفائه من بعده، وحسبما وردت مستنبطة من سيرة محمد في كتاب (أحكام أهل الذمة) لابن قيم الجوزية و(زاد المعاد) وغيرهما من كتب الفقه الإجرامية التحريضية العنصرية فلا تختلف عن التشريع التوراتي ذي الأيديلوجيا العنصرية الإجرامية، كما ورد في سفر التثنية 20: 10- 14

 

(10«حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، 11فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. 12وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. 13وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.)

 

أو كما في الترجمة العربية المشتركة: (10وإذا اَقتَرَبتُم مِنْ مدينةٍ لِتُحارِبوها فاَعْرُضوا علَيها السِّلْمَ أوَّلاً، 11فإذا اَستَسلَمَت وفتَحَت لكُم أبوابَها، فجميعُ سُكَّانِها يكونونَ لكُم تَحتَ الجزيةِ ويخدِمونكُم. 12وإنْ لم تُسالِمْكُم، بل حارَبَتكُم فحاصَرتُموها 13فأسلَمَها الرّبُّ إلهُكُم إلى أيديكُم، فاَضْرِبوا كُلَ ذكَرٍ فيها بِحَدِّ السَّيفِ. 14وأمَّا النِّساءُ والأطفالُ والبَهائِمُ وجميعُ ما في المدينةِ مِنْ غَنيمةٍ، فاَغْنَموها لأنْفُسِكُم وتمَتَّعوا بِغَنيمةِ أعدائِكُمُ التي أعطاكُمُ الرّبُّ إلهُكُم.)

 

حقيقة لا يختلف التشريع الإسلامي الإجرامي عن ذلك وهكذا مارسوا جرائمهم القذرة من النهب والسلب وتخريب ما لا ينالونه وخطف واستعباد الأطفال والنساء، هم فقط إضافة إلى الجزية والخراج على الأمم المستسلمة بلا حرب، أضافوا قاعدة أنهم في الدول المقتحمة صلحًا يتركون كنائسها ومعابدها والمقتحمة أو المفتوحة بالحرب إضافة إلى النهب والتخريب والقتل للرجال وسبي آلاف النساء والأطفال يقومون بهدم كنائسها ومعابدها. وجاء في أحكام أهل الذمة:

 

الْأَمْصَارُ الَّتِي أَنْشَأَهَا الْمُشْرِكُونَ وَمَصَّرُوهَا، ثُمَّ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً وَقَهْرًا بِالسَّيْفِ، فَهَذِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدَثَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ. وَأَمَّا مَا كَانَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ فَهَلْ يَجُوزُ إِبْقَاؤُهُ أَوْ يَجِبُ هَدْمُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ إِزَالَتُهُ وَتَحْرُمُ تَبْقِيَتُهُ؛ لِأَنَّ الْبِلَادَ قَدْ صَارَتْ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَرَّ فِيهَا أَمْكِنَةُ شِعَارِ الْكُفْرِ، كَالْبِلَادِ الَّتِي مَصَّرَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَصْلُحُ قِبْلَتَانِ بِبَلَدٍ» ". وَكَمَا لَا يَجُوزُ إِبْقَاءُ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي هِيَ شِعَارُ الْفُسُوقِ كَالْخَمَّارَاتِ وَالْمَوَاخِيرِ، وَلِأَنَّ أَمْكِنَةَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ قَدْ صَارَتْ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَتَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِنْ إِقَامَةِ شِعَارِ الْكُفْرِ فِيهَا كَبَيْعِهِمْ وَإِجَارَتِهِمْ إِيَّاهَا لِذَلِكَ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْجِهَادِ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لَهُ، وَتَمْكِينُهُمْ مِنْ إِظْهَارِ شِعَارِ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ جَعَلَ الدِّينَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ.

 

.... يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةَ مَعَهُ أَجْلَوْا أَهْلَ خَيْبَرَ مِنْ دُورِهِمْ وَمَعَابِدِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ تَمْلِيكًا لَمْ يَجُزِ إِخْرَاجُهُمْ عَنْ مِلْكِهِمْ إِلَّا بِرِضًا أَوْ مُعَاوَضَةٍ.

وَلِهَذَا لَمَّا أَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَخْذَ كَنَائِسِ الْعَنْوَةِ الَّتِي خَارِجَ دِمَشْقَ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ صَالَحَهُمُ النَّصَارَى عَلَى تَرْكِهَا وَتَعْوِيضِهِمْ عَنْهَا بِالْكَنِيسَةِ الَّتِي زِيدَتْ فِي الْجَامِعِ، وَلَوْ كَانُوا قَدْ مَلَكُوا تِلْكَ الْكَنَائِسَ بِالْإِقْرَارِ لَقَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: كَيْفَ تَأْخُذُونَ أَمْلَاكَنَا قَهْرًا وَظُلْمًا؟ بَلْ أَذْعَنُوا إِلَى الْمُعَاوَضَةِ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ أَخْذَ تِلْكَ الْكَنَائِسِ مِنْهُمْ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مِلْكِهِمْ كَالْأَرْضِ الَّتِي هِيَ بِهَا.

فَبِهَذَا التَّفْصِيلِ تَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ فِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَدَمَ وَقَدْ أَفْتَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْمُتَوَكِّلَ بِهَدْمِ كَنَائِسِ السَّوَادِ وَهِيَ أَرْضُ الْعَنْوَةِ.

 

...... وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ الْأَرْضِ؛ كَانَ يُقَاتِلُ مَنْ حَارَبَهُ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِهِ أَوْ يُهَادِنَهُ أَوْ يَدْخُلَ تَحْتَ قَهْرِهِ بِالْجِزْيَةِ، وَبِهَذَا كَانَ يَأْمُرُ سَرَايَاهُ وَجُيُوشَهُ إِذَا حَارَبُوا أَعْدَاءَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، فَإِذَا تَرَكَ الْكُفَّارُ مُحَارَبَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَسَالَمُوهُمْ وَبَذَلُوا لَهُمُ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلِلْمُشْرِكِينَ.

أَمَّا مَصْلَحَةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَمَا يَأْخُذُونَهُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ قُوَّةً لِلْإِسْلَامِ مَعَ صَغَارِ الْكُفْرِ وَإِذْلَالِهِ، وَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُمْ مِنْ تَرْكِ الْكُفَّارِ بِلَا جِزْيَةٍ.

 

ويقول الواقدي:

 

وَمَضَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ الْعَدُوّ بِمَسِيرِهِمْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا إلَى مَقْتَلِ الْحَارِثِ بْن عُمَيْرٍ فَلَمّا فَصَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَدِينَةِ سَمِعَ الْعَدُوّ بِمَسِيرِهِمْ فَجَمَعُوا الْجَمُوعَ. وَقَامَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: شُرَحْبِيلُ بِالنّاسِ وَقَدّمَ الطّلائِعَ أَمَامَهُ وَقَدْ نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ وَادِىَ الْقُرَى وَأَقَامُوا أَيّامًا، وَبَعَثَ أَخَاهُ سَدُوسَ وَقُتِلَ سَدُوسُ وَخَافَ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو فَتَحَصّنَ وَبَعَثَ أَخًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: وَبْرُ بْنُ عَمْرٍو. فَسَارَ الْمُسْلِمُونَ حَتّى نَزَلُوا أَرْضَ مَعَانٍ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، فَبَلَغَ النّاسُ أَنّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ فِى بَهْرَاءَ وَوَائِلٍ وَبَكْرٍ وَلَخْمٍ وَجُذَامَ فِى مِائَةِ أَلْفٍ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَلِىّ يُقَالُ لَهُ مَالِكٌ.

 

لقد عرف أهل الشام ومعهم الروم البيزنطيون بتحرك عرب شبه الجزيرة المسلمين على نحو مبكر فاستعدوا لهم وصدوهم بشكل معقول، ويبدو أن الفارق العددي والعسكري كان راجحًا بقوة لجند الشام، ولكننا قد نشك في الأعداد المذكورة وقصة قدوم هركليوز، فأعداد كهذه كانت ستقضي على الثلاثة آلاف مسلم قضاء سريعًا بصرف النظر عن أي خيالات ومزاعم دينية إسلامية عن تفوقهم الخرافي بالإيمان! وابن إسحاق يورد نفس القصة لكنه يجعلهم مئة ألف من الروم ومئة ألف من القبائل المسيحية العربية لخم وجذام والقين وبهراء وبلى وعليهم رجل من بلى من بطن إراشة يدعى مالك بن زافلة.

 

يقول الواقدي:

 

فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا لَيْلَتَيْنِ لِيَنْظُرُوا فِى أَمْرِهِمْ وَقَالُوا: نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَنُخْبِرُهُ الْخَبَرَ، فَإِمّا يَرُدّنَا وَإِمّا يَزِيدُنَا رِجَالاً. فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ جَاءَهُمْ ابْنُ رَوَاحَةَ فَشَجّعَهُمْ ثُمّ قَالَ: وَاَللّهِ مَا كُنّا نُقَاتِلُ النّاسَ بِكَثْرَةِ عَدَدٍ وَلا بِكَثْرَةِ سِلاحٍ، وَلا بِكَثْرَةِ خُيُولٍ إلاّ بِهَذَا الدّينِ الّذِى أَكْرَمْنَا اللّهُ بِهِ. انْطَلِقُوا وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ بَدْرٍمَا مَعَنَا إلاّ فَرَسَانِ وَيَوْمَ أُحُدٍ فَرَسٌ وَاحِدٌ وَإِنّمَا هِىَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمّا ظُهُورٌ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَوَعَدَنَا نَبِيّنَا، وَلَيْسَ لِوَعْدِهِ خُلْفٌ وَإِمّا الشّهَادَةُ فَنَلْحَقُ بِالإِخْوَانِ نُرَافِقُهُمْ فِى الْجِنَانِ فَشَجّعَ النّاسَ عَلَى مِثْلِ قَوْلِ ابْنِ رَوَاحَةَ.

 

وقبلها يحكي كذلك:

 

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يَقُولُ: كُنْت فِى حِجْرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَلَمْ أَرَ وَالِىَ يَتِيمٍ كَانَ خَيْرًا مِنْهُ خَرَجْت مَعَهُ فِى وَجْهِهِ إلَى مُؤْتَةَ، وَصَبّ بِى وَصَبَبْت بِهِ فَكَانَ يُرْدِفُنِى خَلْفَ رَحْلِهِ فَقَالَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بَيْنَ شُعْبَتَىْ الرّحْلِ وَهُوَ يَتَمَثّلُ أَبْيَاتَ شِعْرٍ:

إذَا بَلّغْتِنِى وَحَمَلْت رَحْلِى
فَزَادُك أَنْعُمٌ وَخَلاك ذَمّ
وَآبَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِى
هُنَـــــالِكَ لا أُبَالِـــى طَلْعَ نَخْـلٍ

 

مَسَافَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحِسَاءِ
وَلا أَرْجِعْ إلَى أَهْلِى وَرَائِى
بِأَرْضِ الشّامِ مُشْتَهَى الثّوَاءِ
وَلا نَخْـــــلٍ أَسَـــافِلُهَــــا رِوَاءِ

فَلَمّا سَمِعْت هَذِهِ الأَبْيَاتَ بَكَيْت، فَخَفَقَنِى بِيَدِهِ وَقَالَ: مَا يَضُرّك يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِى اللّهُ الشّهَادَةَ فَأَسْتَرِيحَ مِنْ الدّنْيَا وَنَصَبِهَا وَهُمُومِهَا وَأَحْزَانِهَا وَأَحْدَاثِهَا. وَيَرْجِعُ بَيْنَ شُعْبَتَىْ الرّحْلِ، ثُمّ نَزَلَ نَزْلَةً مِنْ اللّيْلِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ وَعَاقَبَهُمَا دُعَاءً طَوِيلاً ثُمّ قَالَ لِى: يَا غُلامُ، فَقُلْت: لَبّيْكَ، قَالَ: هِىَ إنْ شَاءَ اللّهُ الشّهَادَةُ”.

 

ويقول ابن إسحاق فيما يقول:

 

قال ابن إسحاق: ثم مضى الناس فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حُدث عن زيد بن أرقم، قال: كنتُ يتيماً لعبد الله بن رواحة في حجره، فخرج بي في سفره ذلك مُرْدِفي على حقيبة رحْله فواللّه إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه:

 إذا أدَّيْتنِي وحَمَلْتِ رحْلي مسيرةَ أربعٍ بعد الحِساءِ

 فشأنُك انعمٌ وخَلاكِ ذم ولا أرجعْ إلى أهلي ورائي

 وجاء المسلمون وغادَروني بأرضِ الشامِ مُشْتَهِيَ الثَّوَاءِ

 وردك كل ذي نسبٍ قريبٍ إلى الرحمنِ منقطعَ الإخاءِ

 هنالك لا أبالي طَلْعَ بَعْلٍ ولا نَخْلٍ أسافلُها رِوَاء

 

فلما سمعتهنَّ منه بكيت. قال: فخفقني بالدَّرة، وقال: ما عليك يا

لُكَع أن يرزقني الله شهادةً وترجع بين شُعْبتي الرحْل!

.... وحدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عَبَّاد، قال: حدثني أبي الذي أرضعني وكان أحد بني مرة بن عوف، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال: واللّه لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل حتى قُتل وهو يقول:

 يا حبَّذا الجنةُ واقترابُها طيَبةً وبارداً شرابُها

 والرومُ قد دنا عذابُها ... كافرة بعيدة أنسابُها

 عليَّ إذا لاقيتُها ضِرَابُها

قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم: أن جعفَر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقُطعت، فأخذه بشماله فقُطعت، فاحتضنه بعَضُدَيْه حتى قتُل رضى الله عنه، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، ...إلخ. ويقال: إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربةً، فقطعه بنصْفَين.

 

قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير: عن أبيه عباد قال: حدثني أبي الذي أرضعني، وكان أحد بني مُرة بن عوف، قال: فلما قُتل جعفر أخذ عبد الله بن رَوَاحة الرايةَ، ثم تقدم بها، وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسَه، ويتردد بعضَ التردد، ثم قال:

 

 أقسمْتُ يا نفسُ لَتَنْزِلِنَّه، ... لتَنْزِلِنَّ أو لتكْرَهِنَّهْ

 إن أجْلَبَ الناسُ وشَدُّوا الرَّنَّهْ ... ما لي أراكِ تكرهينَ الجنَّهْ

 قد طالَ ما قد كنتِ مُطمئنه ... هل أنتِ إلا نُطْفةٌ في شَنَّهْ

وقال أيضاً:

 يا نفسُ إلا تُقْتَلِي تموتى ... هذا حِمامُ الموْتِ قد صَليتِ

 وما تمنَّيتِ فقد أعْطِيتِ ... إن تفعلى فعلَهما هُدِيتِ

يريد صاحبيه: زيدا وجعفرا، ثم نزل.

 

حينما نقرأ في هذه الغزوة وغيرها من ابن هشام والواقدي وغيرهما مدى حماسة هؤلاء للقتل أو أن يموتوا بدعوى وعدهم بجنات وهمية، نستهجن ونسخر من هذا العداء لإخوتهم في الجنس البشري وعدائهم للحياة في مقابل أوهام وضلالات على كفة الميزان الأخرى! وأورد ابن هشام كذلك شعرًا ارتجله كل من جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة قبل مقتلهما في الغارة يدور حول نفس هذه الفكرة ولمن شاء يرجع له.

 

لقد انتهى الأمر بمقتل ثلاثة قادة من المسلمين وبعض أفراد الجيش، واستطاع خالد بن الوليد بمهارته العسكرية الانسحاب قبل فنائهم جميعًا في مجزرة تصيبهم، ويحكي لنا ابن هشام والواقدي وأصحاب كتب الحديث كيف شرع أهل يثرب المتعصبون يحثون التراب على أفراد الجيش المنسحب واصفين إياهم بالفُرَّار، حتى رد محمد لهم كرامتهم ووصفهم بالكرار، باعتبار أنه وسائرهم يعتبرون الهجوم على الآخرين جهادًا وصفة حسنة!

 

روى ابن إسحاق في السيرة النبوية وأخرجه عنه البيهقي في دلائل النبوة:

 

قال: وجعل الناس يَحْثُون على الجيش الترابَ، ويقولون: يا فُرار، فررتم في سبيل الله! قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسوا بالفُرَّار، ولكنهم الكُرَّار إن شاء الله تعالى

 

وورد بإسناد ضعيف عند أحمد بن حنبل:

 

5895 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، وَأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَلَمَّا لَقِينَا الْعَدُوَّ انْهَزَمْنَا فِي أَوَّلِ عَادِيَةٍ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي نَفَرٍ لَيْلًا فَاخْتَفَيْنَا، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ خَرَجْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعْتَذَرْنَا إِلَيْهِ، فَخَرَجْنَا، فَلَمَّا لَقِينَاهُ قُلْنَا: نَحْنُ الْفَرَّارُونَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ، وَأَنَا فِئَتُكُمْ" قَالَ أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: "وَأَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ"

5591 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَفَرَرْنَا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَرْكَبَ الْبَحْرَ، ثُمَّ أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، فَقَالَ: " لَا، بَلْ أَنْتُمْ أَوْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ "

 

52 - حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي الطَّحَّانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقِينَا الْعَدُوَّ فَحَاصَ الْمُسْلِمُونَ حَيْصَةً، فَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ، فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: فَتَعَرَّضْنَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ لِلصَّلَاةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ نَحْنُ الْفَرَّارُونَ قَالَ: " بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ إِنِّي فِئَةٌ لَكُمْ "

 

ورواه البخاري بإسناد ضعيف في (الأدب المفرد):

 

972 - حدثنا موسى قال حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بن عمر قال: كنا في غزوة فحاص الناس حيصة قلنا كيف نلقى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فررنا فنزلت إلا متحرفا لقتال فقلنا لا نقدم المدينة فلا يرانا أحد فقلنا لو قدمنا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الفجر قلنا نحن الفرارون قال أنتم العكارون فقبلنا يده قال أنا فئتكم. ضعيف

 

وروى الحاكم في المستدرك:

 

4355 - فحدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة  ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين قالت: والله ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس: يا فرار أفررتم في سبيل الله عز وجل حتى قعد في بيته فما يخرج وكان في غزوة مؤتة مع خالد بن الوليد رضي الله عنه

 هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه

 

وأصله في السيرة لابن إسحاق كذلك

 

حزن محمد كثيرًا على موت ابن عمه جعفر، ويقول الواقدي:

 

حَدّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَبِى الرّجّالِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمِ، عَنْ أُمّ عِيسَى ابْنِ الْحَزّارِ، عَنْ أُمّ جَعْفَرٍ بِنْتِ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ جَدّتِهَا أَسَمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: أَصْبَحْت فِى الْيَوْمِ الّذِى أُصِيبَ فِيهِ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ، فَأَتَانِى رَسُولُ اللّهِ ص وَلَقَدْ هَيّأْت أَرْبَعِينَ مِنّا مِنْ أُدْمٍ وَعَجَنْت عَجِينِى، وَأَخَذْت بَنِىّ فَغَسَلْت وُجُوهَهُمْ وَدَهَنْتهمْ؟ فَدَخَلَ عَلَىّ رَسُولُ اللّهِ ص فَقَالَ: يَا أَسَمَاءُ أَيْنَ بَنُو جَعْفَرٍ؟ فَجِئْت بِهِمْ إلَيْهِ فَضَمّهُمْ وَشَمّهُمْ ثُمّ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَبَكَى، فَقُلْت: أَىْ رَسُولَ اللّهِ لَعَلّك بَلَغَك عَنْ جَعْفَرٍ شَىْءٌ؟ فَقَالَ نَعَمْ قُتِلَ الْيَوْمَ. قَالَتْ: فَقُمْت أَصِيحُ وَاجْتَمَعَ إلَىّ النّسَاءُ. قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَقُولُ: “يَا أَسَمَاءُ لا تَقُولِى هُجْرًا وَلا تَضْرِبِى صَدْرًا”، قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص حَتّى دَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، وَهِىَ تَقُولُ: وَاعَمّاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “عَلَى مِثْلِ جَعْفَرٍ فَلْتَبْكِ الْبَاكِيَةُ” ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ شُغِلُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ الْيَوْمَ”.

 

حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى يَعْلَى، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: أَنَا أَحْفَظُ حِينَ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى أُمّى فَنَعَى لَهَا أَبِى، فَأَنْظُرُ إلَيْهِ وَهُوَ يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِى وَرَأْسِ أَخِى، وَعَيْنَاهُ تُهَرَاقَانِ الدّمُوعَ حَتّى تَقْطُرَ لِحْيَتُهُ. ثُمّ قَالَ: “اللّهُمّ إنّ جَعْفَرًا قَدْ قَدِمَ إلَى أَحْسَنِ الثّوَابِ فَاخْلُفْهُ فِى ذُرّيّتِهِ بِأَحْسَنِ مَا خَلَفْت أَحَدًا مِنْ عِبَادِك فِى ذُرّيّتِهِ”، ثُمّ قَالَ: “يَا أَسَمَاءُ أَلا أُبَشّرُك”؟ قَالَتْ بَلَى، بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى، قَالَ: “فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ جَعَلَ لِجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِى الْجَنّةِ”، قَالَتْ: بِأَبِى وَأُمّى يَا رَسُولَ اللّهِ فَأَعْلَمَ النّاسَ ذَلِكَ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ص وَأَخَذَ بِيَدِى، يَمْسَحُ بِيَدِهِ رَأْسِى حَتّى رَقِىَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَجْلَسَنِى أَمَامَهُ عَلَى الدّرَجَةِ السّفْلَى، وَالْحُزْنُ يُعْرَفُ عَلَيْهِ فَتَكَلّمَ فَقَالَ: “إنّ الْمَرْءَ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ وَابْنُ عَمّهِ أَلا إنّ جَعْفَرًا قَدْ اُسْتُشْهِدَ، وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ لَهُ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِى الْجَنّةِ”، ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ص فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَأَدْخَلَنِى، وَأَمَرَ بِطَعَامٍ فَصُنِعَ لأَهْلِى، وَأَرْسَلَ إلَى أَخِى فَتَغَدّيْنَا عِنْدَهُ وَاَللّهِ غَدَاءٌ طَيّبًا مُبَارَكًا. عَمِدَتْ سَلْمَى خَادِمَتُهُ إلَى شَعِيرٍ فَطَحَنَتْهُ ثُمّ نَسَفَتْهُ ثُمّ أَنْضَجَتْهُ وَأَدْمَتْهُ بِزَيْتٍ وَجَعَلَتْ عَلَيْهِ فُلْفُلاً. فَتَغَدّيْت أَنَا وَأَخِى مَعَهُ فَأَقَمْنَا ثَلاثَةَ أَيّامٍ فِى بَيْتِهِ نَدُورُ مَعَهُ كُلّمَا صَارَ فِى إحْدَى بُيُوتِ نِسَائِهِ ثُمّ رَجَعْنَا إلَى بَيْتِنَا......

 

حَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ أَبِى عَاتِكَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمّا قَدِمَ نَعْىُ جَعْفَرٍ عَرَفْنَا فِى رَسُولِ اللّهِ ص الْحُزْنَ، قَالَتْ: قَدِيمًا مَا ضَرّ النّاسَ التّكَلّفُ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ النّسَاءَ قَدْ عَنَيْنَنَا بِمَا يَبْكِينَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “فَارْجِعْ إلَيْهِنّ فَأَسْكِتْهُنّ فَإِنْ أَبَيْنَ فَاحْثُ فِى أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ”، فَقُلْت فِى نَفْسِى: أَبْعَدَك اللّهُ مَا تَرَكْت نَفْسَك، وَمَا أَنْتَ بِمُطِيعِ رَسُولِ اللّهِ ص.

 

وهذا المشهد عن عطف محمد على بني جعفر وحزنه عليه نقله لنا ابن إسحاق كذلك في السيرة مطابقًا للواقدي، ورواه أحمد بن حنبل في المسند برقم  1751 مختصرًا:

 

1751 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ حِينَ قُتِلَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ أمْرٌ يَشْغَلُهُمْ - أَوْ أتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ "

 

إسناده حسن، في إسناده خالد والد جعفر- وهو ابن سارة- روى عنه اثْنان، وذكره ابن حبان في"الثقات" وحسن له الترمذي حديثه هذا، وصححه الحاكم، وأخرجه الشافعي 1/216، وعبد الرزاق (6665)، والحميدي (537)، وأبو داود (3132)، وابن ماجه (1610)، والترمذي (998)، وأبو يعلى (6801)، والحاكم 1/372، والبيهقي 4/61، والبغوي (1552) من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

 

وأخرجه أحمد بن حنبل مطولًا ذاكرًا كيفية حزنه وعطفه على بني جعفر بإسناد ضعيف إلى محمد بن إسحاق برقم 27086، وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" 24/ (380)، والمِزِّي في "تهذيب الكمال" (في ترجمة أمِّ عون بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب) وأخرجه ابن ماجه (1611)، والطبراني 24/ (381) - ويونُس بن بُكير - فيما أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" 4/370- عنه، وأخرجه عبد الرزاق (6666)

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

38129- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، قال: لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَبَرُ قَتْلِ زَيْدٍ، وَجَعْفَرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ نَعَاهُمْ إِلَى النَّاسِ، وَتَرَكَ أَسْمَاءَ حَتَّى أَفَاضَتْ مِنْ عَبْرَتِهَا: ثُمَّ أَتَاهَا فَعَزَّاهَا، وَقال: ادْعِي لِي بَنِي أَخِي، قال: فَجَاءَتْ بِثَلاَثَةِ بَنِينَ، كَأَنَّهُمْ أَفْرُخٌ، قَالَتْ: فَدَعَا الْحَلاَقَ فَحَلَقَ رُؤُوسَهُمْ، فَقال: أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَوْنُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَشَالَهَا، ثُمَّ قال: اللَّهُمَّ بَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ، قال: فَجَعَلَتْ أُمُّهُمْ تُفْرِحُ لَهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَخْشَيْنَ عَلَيْهِمَ الضَّيْعَةَ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؟.

 

38123- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ زَعَمَ ؛ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ بِالْبَلْقَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ اُخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ بِأَفْضَلَ مَا خَلَفْت عَبْدًا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.

 

أما قصة الرجل الذي اشتكى من نياحة النساء فرواها البخاري والمسلم، واللفظ لمسلم:

 

[ 935 ] وحدثنا بن المثنى وابن أبي عمر قال بن المثنى حدثنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد يقول أخبرتني عمرة أنها سمعت عائشة تقول لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف فيه الحزن قالت وأنا أنظر من صائر الباب شق الباب فأتاه رجل فقال يا رسول الله إن نساء جعفر وذكر بكاءهن فأمره أن يذهب فينهاهن فذهب فأتاه فذكر أنهن لم يطعنه فأمره الثانية أن يذهب فينهاهن فذهب ثم أتاه فقال والله لقد غلبننا يا رسول الله قالت فزعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذهب فاحث في أفواههن من التراب قالت عائشة فقلت أرغم الله أنفك والله ما تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء

 

وأخرجه البخاري (1299) و (1305) و (4263)، ومسلم (935)، وأبو داود (3122)، والنسائي في "المجتبى" 4/14-15، وفي "الكبرى" (1974)، وابن حبان (3147)، والبيهقي في "السنن" 4/59 من طرق عن يحيى بن سعيد، به. ورواها أحمد بن حنبل عن ابن إسحاق برقم 26363 وأخرجه ابن سعد 4/40، وابن أبي شيبة 3/392، وابن راهويه (969)، والحاكم 3/209 من طرق عن محمد بن إسحاق، وأخرجه أحمد من طريق آخر غير ابن إسحاق برقم 24313

 

المثير للاستهجان أنه حتى بعد وفاة ناس من أحبائه بسبب تحريضاته الشريرة العدوانية يستمر في توزيع العزاآت والمواساة الوهمية! أعني قصة تعويض الله الخرافي لجعفر بجناحين بدل طرفيه المبتورين في المعركة ودخوله الجنة الوهمية ليطير كالفراشة أو جنية الأسنان! أين الضمير الإنساني واحترام عقول البشر عند هذا الرجل، لكن اللوم ليس عليه بل على عقول السذج التي تقبل بقصص أطفال وتأخذها على محمل الجد وموضع التنفيذ والاعتماد.

 

وقصة خرافة الجناحين التي اخترعها محمد تلك مذكورة في ابن هشام والواقدي وفي بعض كتب الحديث ومنها البخاري 4264 و3709 ومصنف ابن أبي شيبة 19711 و32864 و38130 المستدرك للحاكم 4348 و4937 والمعجم الكبير للطبراني 378 و1467 و1468 و1473 و12112 ومسند أبي يعلى 6464 ولو أن معظم الأسانيد هنا ما عدا البخاري يضعفها علماؤهم، وهي مشهورة في كتب تراجم الصحابة كالإصابة والاستيعاب وأسد الغابة

 

روى البخاري:

 

3709 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

19711- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قال: أُرِيهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ , فَرَأَى جَعْفَرًا مَلَكًا ذَا جَنَاحَيْنِ , مُضَرَّجًا بِالدِّمَاءِ , وَزَيْدًا مُقَابِلُهُ عَلَى السَّرِيرِ، وَابْنَ رَوَاحَةَ جَالِسٌ مَعَهُمْ , كَأَنَّهُمَا مُعْرِضَانِ عَنْهُ.

 

ومصادرنا تقول أنه رغم انهزامهم قاموا ببعض السرقات والنهب وزعموا أنهم قاموا بسبي (خطف واستعباد) بعض النساء العربيات من الشام، يقول ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق:

وقد كان قُطبْةُ بن قَتادة العُذْرِيُّ الذي كان على مَيمنة المسلمين، قد حمل على مالك بن زافلة فقتله، فقال قُطبة بن قَتادة:

طعنت ابنَ زافلة، بن الإِرا ... شِ برُمْحٍ مضى فيه ثم انحَطَمْ

ضربتُ على جِيدِه ضَرْبةً ... فمالَ كما مالَ غُصْنُ السّلَمْ

وسُقنا نساءَ بني عمِّه ... غداةَ رَقُوقَيْن سَوْقَ النَّعَمْ

 

ويقول الواقدي:

 

حَدّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَنَا أَطّلِعُ مِنْ صَيْرِ الْبَاب فَأَسْمَعُ هَذَا. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: أُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَ أَمْتِعَةِ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ مِمّا غَنِمُوا خَاتَمًا جَاءَ بِهِ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَقَالَ: قَتَلْت صَاحِبَهُ يَوْمئِذٍ فَنَفّلَهُ رَسُولُ اللّهِ ص إيّاهُ.

 

حَدّثَنِى بُكَيْر بْنُ مِسْمَارٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَضَرْت مُؤْتَةَ، فَبَارَزْت رَجُلاً يَوْمئِذٍ فَأَصَبْته، وَعَلَيْهِ يَوْمئِذٍ بَيْضَةٌ لَهُ فِيهَا يَاقُوتَةٌ فَلَمْ يَكُنْ هَمّى إلاّ الْيَاقُوتَةُ فَأَخَذْتهَا، فَلَمّا انْكَشَفْنَا وَانْهَزَمْنَا رَجَعْت بِهَا الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْت بِهَا رَسُولَ اللّهِ ص فَنَفّلَنِيهَا فَبِعْتهَا زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَاشْتَرَيْت بِهَا حَدِيقَةَ نَخْلٍ بِبَنِى خَطْمَةَ.

 

وروى الطبراني في المعجم الأوسط:

 

420 - حدثنا أحمد بن خليد قال حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي قال حدثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: بارز عقيل بن أبي طالب رجلًا يوم مؤتة فقتله فنفله رسول الله خاتمه وسلبه لم يرو هذا الحديث عن بن عقيل إلا شريك تفرد به إسماعيل بن عبد الله بن زرارة

 

وها هو بطل مغوار من فرسان الروم البيزنطيين ولعله من قادة الجيش وما قدمه شهيدًا في سبيل الدفاع عن كرامة بشر من إخوته في الإنسانية ومن أبناء ملته المسيحيين من العرب، لكي يمنع عنهم غزاة جزيرة العرب أن يسرقوهم أو يؤذوهم أو يسبوا نساءهم، وبعد قتله بالغدر من ظهره سارعوا إلى نهب دروعه وملابسه وسلاحه، يقول الواقدي:

 

وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِىّ: لَقِينَاهُمْ فِى جَمَاعَةٍ مِنْ قُضَاعَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ، فَصَافّونَا فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ الرّومِ يَسُلّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُغْرِى بِهِمْ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سِلاحٌ مُذَهّبٌ وَلِجَامٌ مُذَهّبٌ فَجَعَلْت أَقُولُ فِى نَفْسِى: مِنْ هَذَا؟ وَقَدْ رَافَقَنِى رَجُلٌ مِنْ أَمْدَادِ حِمْيَرَ، فَكَانَ مَعَنَا فِى مَسِيرِنَا ذَلِكَ لَيْسَ مَعَهُ سَيْفٌ إذْ نَحَرَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ جَزُورًا فَسَأَلَهُ الْمَدَدِىّ طَائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ وَهَبَهُ لَهُ فَبَسَطَهُ فِى الشّمْسِ وَأَوْتَدَ عَلَى أَطْرَافِهِ أَوْتَادًا، فَلَمّا جَفّ اتّخَذَ مِنْهُ مَقْبِضًا وَجَعَلَهُ دَرَقَةً. فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ الْمَدَدِىّ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الرّومِىّ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَنْ لَهُ خَلْفَ صَخْرَةٍ فَلَمّا مَرّ بِهِ خَرَجَ عَلَيْهِ فَعَرْقَبَ فَرَسُهُ فَقَعَدَ الْفَرَسُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَخَرّ عَنْهُ الْعِلْجُ وَشَدّ عَلَيْهِ فَعَلاهُ بِسَيْفِهِ فَقَتَلَهُ.

 

ووردت القصة في مسند أحمد:

 

23987 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: غَزَوْنَا غَزْوَةً إِلَى طَرَفِ الشَّامِ، فَأُمِّرَ عَلَيْنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: فَانْضَمَّ إِلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَمْدَادِ حِمْيَرَ، فَأَوَى إِلَى رَحْلِنَا لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ إِلَّا سَيْفٌ، لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ غَيْرَهُ، فَنَحَرَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَزُورًا، فَلَمْ يَزَلْ يَحْتَالُ حَتَّى أَخَذَ مِنْ جِلْدِهِ كَهَيْئَةِ الْمِجَنِّ حَتَّى بَسَطَهُ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ وَقَدَ عَلَيْهِ، حَتَّى جَفَّ، فَجَعَلَ لَهُ مُمْسِكًا كَهَيْئَةِ التُّرْسِ، فَقُضِيَ أَنْ لَقِينَا عَدُوَّنَا فِيهِمْ أَخْلَاطٌ مِنَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ مِنْ قُضَاعَةَ، فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ وَسَرْجٍ مُذَهَّبٍ، وَمِنْطَقَةٍ مُلَطَّخَةٍ ذَهَبًا، وَسَيْفٌ مِثْلُ ذَلِكَ، فَجَعَلَ يَحْمِلُ عَلَى الْقَوْمِ، وَيُغْرِي بِهِمْ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْمَدَدِيُّ يَحْتَالُ لِذَلِكَ الرُّومِيِّ حَتَّى مَرَّ بِهِ فَاسْتَقْفَاهُ، فَضَرَبَ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ بِالسَّيْفِ فَوَقَعَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ الْفَتْحَ، أَقْبَلَ يَسْأَلُ لِلسَّلَبِ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّاسُ بِأَنَّهُ قَاتِلُهُ، فَأَعْطَاهُ خَالِدٌ بَعْضَ سَلَبِهِ، وَأَمْسَكَ سَائِرَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى رَحْلِ عَوْفٍ ذَكَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عَوْفٌ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَلْيُعْطِكَ مَا بَقِيَ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَمَشَى عَوْفٌ حَتَّى أَتَى خَالِدًا، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْفَعَ إِلَيْهِ سَلَبَ قَتِيلِهِ ؟ قَالَ خَالِدٌ: اسْتَكْثَرْتُهُ لَهُ، قَالَ عَوْفٌ: لَئِنْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَذْكُرَنَّ ذَلِكَ لَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَهُ عَوْفٌ، فَاسْتَعْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا خَالِدًا وَعَوْفٌ قَاعِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يَمْنَعُكَ يَا خَالِدُ أَنْ تَدْفَعَ إِلَى هَذَا سَلَبَ قَتِيلِهِ ؟" قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: "ادْفَعْهُ إِلَيْهِ" . قَالَ: فَمَرَّ بِعَوْفٍ، فَجَرَّ عَوْفٌ بِرِدَائِهِ، فَقَالَ: أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُغْضِبَ، فَقَالَ: "لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى إِبِلًا، وَغَنَمًا فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا، فَشَرَعَتْ فِيهِ، فَشَرِبَتْ صَفْوَةَ الْمَاءِ، وَتَرَكَتْ كَدَرَهُ، فَصَفْوُهُ أَمْرُهُمْ لَكُمْ وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ"

 

إسناه صحيح على شرط مسلم. ورواه أحمد كذلك برقم 23997

 

وفي صحيح مسلم:

 

[ 1753 ] وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك قال قتل رجل من حمير رجلا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره فقال لخالد ما منعك أن تعطيه سلبه قال استكثرته يا رسول الله قال ادفعه إليه فمر خالد بعوف فجر بردائه ثم قال هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب فقال لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعي إبلا أو غنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرعت فيه فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم

 

 

[ 1753 ] وحدثني زهير بن حرب حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ورافقني مددي من اليمن وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه غير أنه قال في الحديث قال عوف فقلت يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل قال بلى ولكني استكثرته

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير:

 

84 - ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان ( ح ) وحدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ثنا أبي ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب وأن مدديا كان رقيقا له في غزوة مؤتة في طرف الشام فلقوا العدو فجعل الرومي منهم يشتد على المسلمين وهو على فرس أشقر وسرج مذهب ومنطقة منطحة بذهب وسيف معلى من ذهب فيغزي بهم فيلطف له ذلك المددي حتى مر به فعرقب فرسه فوقع كم علاه بالسيف فقتله فلما هزم الله الروم قامت البينة للمددي أنه قتله فأعطاه خالد سيفه وخمس ماله قال عوف: فكلمت خالد بن الوليد فقلت أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضى بالسلب للقاتل ؟ قال بلى ولكني استكثرته قال عوف: وكان بيني وبينه كلام فقلت والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرك قال عوف: فلما اجتمعنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عوف ما كان منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منعك أن تدفع إليه ؟ ) فقال خالد: استكثرته قال: ( ادفعه إليه ) قال عوف: فقلت كيف رأيت يا خالد أم أنجز لك ما وعدتك ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لخالد: ( لا تعطه ) وقال: ( ما أنتم بتاركي لي امرائي )

 

ورواه الطبراني برقم 89 بلفظ مقارب للفظ صحيح مسلم، وأخرجه البزار في "مسنده" (2746)، والطبراني في "مسند الشاميين" (949)، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (223)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/336-337 من طريق أبي المغيرة، بهذا الإسناد - وهو عند بعضهم مختصر.

 

غزوة مؤتة لها ذكر في البخاري 4260 و4261 و4265 و4266 ومسلم 1753 و1754 وأحمد 2317 و23987 و23997 وغيرها.

 


صورة متخيلة لما قد يكون قد بدا عليه شكل الفارس الروميّ المقدام

غَزْوَة عَمْرِو بْنُ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السّلاسِلِ فِى جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ

 

يقول ابن إسحاق في السيرة النبوية:

 

وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من أرض بني عُذْرَة. وكان من حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه يستنفر العرب إلى الشام، وذلك أن أمَّ العاص بن وائل كانت امرأة من بَلى، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك، حتى إذا كان على ماء بأرض جُذام يقال له السَّلسل، وبذلك سُميت تلك؟ الغزوة غزوة ذات السلاسل، فلما كان عليه خاف فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأوَّلين، فيهم أبو بكر وعمر...إلخ

 

ما نفهمه من هذا أن محمدًا كان يريد ضم العرب الذين على أطراف الشام ليتعاونوا معه على احتلال الشام وأخذها من يد الاحتلال الرومي ليحلوا هم مكانه وينهبوا ثرواته، يعني حرب عدوانية ككل غاراته الأخرى على أطراف الشام كدومة الجندل وذات أطلاح ومدين (المقنا أو ميناء) ومؤتة. إن المسألة هنا أنها رواية نموذجية متناسبة مع المزاعم الإسلامية التاريخية: عرب شبه الجزيرة المسلمون يريدون التعاون مع عرب الشام المسيحيين لتحريرهم من الاحتلال الرومي، عبر تعاون المسيحيين العرب معهم والأفضل أسلمتهم. لكن هناك رواية رواها لنا أحمد بن حنبل في مسنده تنسف كل هذا الزعم:

 

1698 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ ذَاتِ السَّلاسِلِ، فَاسْتَعْمَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، وَاسْتَعْمَلَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى الْأَعْرَابِ، فَقَالَ لَهُمَا: تَطَاوَعَا، قَالَ: وَكَانُوا يُؤْمَرُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى بَكْرٍ، فَانْطَلَقَ عَمْرٌو، فَأَغَارَ عَلَى قُضَاعَةَ لِأَنَّ بَكْرًا أَخْوَالُهُ . فَانْطَلَقَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَكَ عَلَيْنَا، وَإِنَّ ابْنَ فُلانٍ قَدِ ارْتَبَعَ أَمْرَ الْقَوْمِ، وَلَيْسَ لَكَ مَعَهُ أَمْرٌ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَنَا أَنْ نَتَطَاوَعَ "، فَأَنَا أُطِيعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ عَصَاهُ عَمْرٌو

 

رجاله ثقات رجال الصحيح، إلا أنه مرسل، عامر- وهو ابن شراحيل الشعبي- لم يدرك القصة فحكاها مرسلة. داود: هو ابن أبي هند. وأورده الهيثمي في "المجمع" 6/206 وقال: رواه أحمد، وهو مرسل، ورجاله رجال الصحيح.

 

وارتبع أمر القوم: أي انتظر أن يؤَمر عليهم.

 

إذن كان الغرض من السرية_مثلها مثل غزوة ذات أطلاح ودومة الجندل وغيرهما_ العدوان على قبيلة بكر تحديدًا بطونها الساكنة بأطراف الشام وفيها مسيحية في تخوم حدود الشام مع شبه جزيرة العرب، وعمرو بن العاص لأن له مع بكر صلة قربى عصى محمدًا وهاجم قومًا آخرين. أما لماذا طلب محمد مثل ذلك العدوان مع أن قبيلة بكر بن وائل ليس لها علاقة به لا بخير ولا بشر، فمحض ومجرد الشر والحقد والغل الإسلامي الذي كانوا يوزعونه هنا وهناك كأنه هدايا وثمار الإسلام!

 

لكن الواقدي يروي لنا رواية أخرى تبريرية بسيناريو متكرر كثيرًا عنده وعند ابن إسحاق:

 

قَالُوا: بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ص أَنّ جَمْعًا مِنْ بَلِىّ وَقُضَاعَةَ قَدْ تَجَمّعُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوَا إلَى أَطْرَافِ رَسُولِ اللّهِ ص فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً أَبْيَضَ وَجَعَلَ مَعَهُ رَايَةً سَوْدَاءَ وَبَعَثَهُ فِى سَرَاةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ - فِى ثَلاثِمِائَةِ - عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَصُهَيْبُ ابْنُ سِنَانٍ، وَأَبُو الأَعْوَرِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ. وَمِنْ الأَنْصَارِ: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَسَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمِنْ مَرّ بِهِ مِنْ الْعَرَبِ، وَهِىَ بِلادُ بَلِىّ وَعُذْرَةَ وَبَلْقَيْن، وَذَلِكَ أَنّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَانَ ذَا رَحِمٍ بِهِمْ. كَانَتْ أُمّ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ بَلَوِيّةً فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ ص يَتَأَلّفُهُمْ بِعَمْرٍو. فَسَارَ وَكَانَ يَكْمُنُ النّهَارَ وَيَسِيرُ اللّيْلَ وَكَانَتْ مَعَهُ ثَلاثُونَ فَرَسًا، فَلَمّا دَنَا مِنْ الْقَوْمِ بَلَغَهُ أَنّ لَهُمْ جَمْعًا كَثِيرًا، فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْهُمْ عِشَاءً وَهُمْ شَاتُونَ فَجَمَعَ أَصْحَابُهُ الْحَطْبَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصْطَلُوا - وَهِىَ أَرْضٌ بَارِدَةٌ - فَمَنَعَهُمْ فَشَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتّى كَلّمَهُ فِى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُهَاجِرِينَ فَغَالَظَهُ فَقَالَ عَمْرٌو: أُمِرْت أَنْ تَسْمَعَ لِى وَتُطِيعَ قَالَ فَافْعَلْ وَبَعَثَ رَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ الْجُهَنِىّ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص يُخْبِرُهُ أَنّ لَهُمْ جَمْعًا كَثِيرًا وَيَسْتَمِدّهُ بِالرّجَالِ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَبَعَثَ مَعَهُ سَرَاةَ الْمُهَاجِرِينَ - أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُمَا - وَالأَنْصَارَ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ يَلْحَقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِى مِائَتَيْنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا وَلا يَخْتَلِفَا.

 

وقصة ذات السلاسل رواها البيهقي في دلائل النبوة بإسناده إلى موسى بن عقبة عالم المغازي الثالث (غير ابن إسحاق والواقدي ورابعهم الزهري) بمثل حديث الواقدي هذا.

 

لو صح هذا فمحمد هو السبب في هذا بأفعاله، فلو صح أن كل هذه العداوات والتحركات نشأت منذ أن سيطر على حكم يثرب، فهذا نتاج سياسة خارجية سيئة وعداونية، وهو الذي شرع في العدوان على القبائل المسيحية في أطراف الشام كدومة الجندل التي نلاحظ من إلقائنا نظرة على خريطة توزع القبائل العربية في (أطلس السيرة النبوية_للدكتور شوقي خليل_ص37_دار الفكر_دمشق) أنها قريبة جدًا لمكان سكن قبيلة قضاعة، وذات أطلاح التي هجمت فيها سرية أصحاب محمد  على قضاعة نفسها، وباعتبار أن الهجوم خير وسيلة للدفاع كإستيراتيجية فلا يمكننا لومهم لو تحركوا لرد ودفع العدوان عليهم. أيضًا كشف لنا أحمد أن هدف الغارة كان بني بكر بن وائل وليس قضاعة، والكذب ليس له رجلان والتنقيب يكشف أمره.

أيضًا نلاحظ أن المسلمين عرب شبه الجزيرة كانوا يتحرقون للخروج من صحرائهم إلى جنات الشام حتى قبل اكتمال قوتهم وسيطرتهم على كامل قوة شبه جزيرتهم، لذلك كانوا يمنون بخسائر في تلك الغزوات المبكرة على الشام ونرى هنا أن عمرو بن العاص يجد الأمر خطيرًا وعدد القوة المضادة له كبيرًا بفارق عددي خطير وجوهري لدرجة منعه جيشه من إشعال النيران للطبخ والتدفئة لكي لا يعلم عرب الشام بمكانهم. قوة الجيش كله بعد الدعم الوارد هي خمسئة، وهذا عدد لقوات تصلح لغارة أو مغارة سريعة مفاجئة فقط، وليس مواجهة عسكرية معقولة مع قوات عرب الشام المسيحيين والروم البيزنطيين.

 

روى الحاكم النيسابوي في المستدرك على الصحيحين:

 

4357 - حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن المنذر بن ثعلبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما  قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو أن لا ينوروا نارا فغضب عمر وهم أن ينال منه فنهاه أبو بكر رضي الله عنه وأخبره أنه لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك إلا لعلمه بالحرب فهدأ عنه عمر رضي الله عنه

 هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. صحيح

 

وحسب الواقدي لم يكن هناك سوى مناوشات بين الفريقين، ويقول أن عمرو بن العاص فرق جموعهم أينما تجمعت:

 

فَآبَ إلَى عَمْرٍو جَمَعَ - فَصَارُوا خَمْسَمِائَةِ - فَسَارَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ حَتّى وَطِئَ بِلادَ بَلِىّ وَدَوّخَهَا، وَكُلّمَا انْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ بَلَغَهُ أَنّهُ كَانَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ جَمَعَ فَلَمّا سَمِعُوا بِهِ تَفَرّقُوا، حَتّى انْتَهَى إلَى أَقْصَى بِلادِ بَلِىّ وَعُذْرَةَ وَبَلْقَيْن، وَلَقِىَ فِى آخِرِ ذَلِكَ جَمْعًا لَيْسَ بِالْكَثِيرِ فَقَاتَلُوا سَاعَةً وَتَرَامَوْا بِالنّبْلِ وَرُمِىَ يَوْمئِذٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْمٍ فَأُصِيبَ ذِرَاعُهُ. وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَهَرَبُوا، وَأَعْجَزُوا هَرَبًا فِى الْبِلادِ وَتَفَرّقُوا، وَدَوّخَ عَمْرٌو مَا هُنَاكَ وَأَقَامَ أَيّامًا لا يَسْمَعُ لَهُمْ بِجَمْعٍ وَلا بِمَكَانٍ صَارُوا فِيهِ وَكَانَ يَبْعَثُ أَصْحَابَ الْخَيْلِ فَيَأْتُونَ بِالشّاءِ وَالنّعَمِ وَكَانُوا يَنْحَرُونَ وَيَذْبَحُونَ لَمْ يَكُنْ فِى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ تَكُنْ غَنَائِمُ تُقْسَمُ إلاّ مَا ذُكِرَ لَهُ.

 

ونلاحظ مجددًا أن الجيش الإسلامي كان يحوي الكثير من الخلعاء وقطاع الطرق المحترفين الذين انضموا له ليمارسوا عملًا مزدهرًا لهم، يقول ابن إسحاق:

 

قال: وكان من الحديث في هذه الغزاة، أن رافع بن أبي رافع الطائى، وهو رافع بن عُمَيرة، كان يحدث فيما بلغنى عن نفسه، قال: كنت امرأً نصرانياً، وسُميت سرجس، فكنت أدَلَّ الناس وأهداهم بهذا الرَّمل، كنت أدفن الماءَ في بيض النعام بنواحي الرمل في الجاهلية، ثم أغير على إبل الناس، فإذا أدخلتها الرملَ غَلبتُ عليها، فلم يستطع أحد أن يطلبني فيه، حتى أمرَّ بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه، فأشرب منه فلما أسلمتُ خرجتُ في تلك الغزوة التي بَعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو ابن العاص إلى ذات السلاسل....إلخ

 

ونفس القصة ذكرها الواقدي:

 

وَكَانَ رَافِعُ بْنُ أَبِى رَافِعٍ الطّائِىّ يَقُولُ كُنْت فِيمَنْ نَفَرَ مَعَ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَكُنْت رَجُلاً أُغِيرُ فِى الْجَاهِلِيّةِ عَلَى أَمْوَالِ النّاسِ فَكُنْت أَجْمَعُ الْمَاءَ فِى الْبَيْضِ - بَيْضِ النّعَامِ - فَأَجْعَلُهُ فِى أَمَاكِنَ أَعْرِفُهَا، فَإِذَا مَرَرْت بِهَا وَقَدْ ظَمِئْت اسْتَخْرَجْتهَا فَشَرِبْت مِنْهَا. فَلَمّا نَفَرْت فِى ذَلِكَ الْبَعْثِ....إلخ

 

وجاء في الإصابة في تمييز الصحابة:

 

رافع بن عمرو بن جابر بن حارثة بن عمرو بن مخضب أبو الحسن الطائي السنبسي ويقال بن عميرة وقد ينسب لجده وقيل هو رافع بن أبي رافع قال مسلم وأبو أحمد الحاكم له صحبة روى الطبراني من طريق الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن رافع بن أبي رافع الطائي قال لما كانت غزوة ذات السلاسل استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على جيش فيهم أبو بكر فذكر الحديث بطوله وأخرجه بن خزيمة من طريق طلحة بن مصرف عن سليمان عن طارق عن رافع الطائي قال وكان رافع لصا في الجاهلية وكان يعمد إلى بيض النعام فيجعل الماء فيه فيخبؤه في المفاوز فلما أسلم كان دليل المسلمين

 

ومما قال عنه ابن سعد في الطبقات الكبير 6 / 67 - 68:

 

 كان يقال له: رافع الخير توفي في آخر خلافة عمر، وقد غزا في ذات السلاسل ولم ير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو كان دليل خالد بن الوليد حين توجه من العراق إلى الشام فسلك بهم المفازة .

 

أنعم وأكرم! فهؤلاء هم أصحاب محمد وأتباعه لنعرف قدرهم وأخلاقهم!

 

شواهد لغزوة ذات السلال:

 

روى ابن أبي شيبة في مصنفه:

 

37792- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَمْرًا عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ إِلَى لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَمَسَايِفِ الشَّامِ ، قَالَ : وَكَانَ فِي أَصْحَابِهِ قِلَّةٌ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُمْ عَمْرُو : لاَ يُوقِدَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ نَارًا ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَكَلَّمُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُكَلِّمَ عَمْرًا فَكَلَّمَهُ ، فَقَالَ : لاَ يُوقِدُ أَحَدٌ نَارًا إِلاَّ أَلْقَيْتَهُ فِيهَا ، فَقَاتَلَ الْعَدُوَّ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ ، وَاسْتَبَاحَ عَسْكَرَهُمْ ، فَقَالَ النَّاسُ : أَلاَ نَتْبَعُهُمْ ؟ فَقَالَ : لاَ ، إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَرَاءَ هَذِهِ الْجِبَالِ مَادَّةٌ يَقْتَطِعُونَ الْمُسْلِمِينَ ، فَشَكَوْهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَجَعُوا ، فَقَالَ : صَدَقُوا يَا عَمْرُو ؟ قَالَ : كَانَ فِي أَصْحَابِي قِلَّةٌ فَخَشِيتُ أَنْ يَرْغَبَ الْعَدُوُّ فِي قَتْلِهِمْ ، فَلَمَّا أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، قَالُوا : اتْبَعْهُمْ ، قُلْتُ : أَخْشَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ وَرَاءَ هَذِهِ الْجِبَالِ مَادَّةٌ يَقْتَطِعُونَ بِهَا الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : فَكَأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَمِدَ أَمْرَهُ.

 

 

وروى البخاري:

 

بَاب غَزْوَةُ ذَاتِ السُّلَاسِلِ وَهِيَ غَزْوَةُ لَخْمٍ وَجُذَامَ قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عُرْوَةَ هِيَ بِلَادُ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَبَنِي الْقَيْنِ

4358 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قُلْتُ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالًا فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ

ورواه البخاري 3662 ومسلم 2384 وأحمد بن حنبل 17811

 

وروى البخاري معلَّقًا قبل حديث رقم 345

 

بَاب إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرَضَ أَوْ الْمَوْتَ أَوْ خَافَ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلَا{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ

وروى أحمد بن حنبل:

 

42 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قال: وَأَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذِي عَصْوَانَ الْعَنْسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّخْمِيِّ عَنْ رَافِعٍ الطَّائِيِّ رَفِيقِ أَبِي بَكْرٍ فِي غَزْوَةِ السُّلاسِلِ، قال: وَسَأَلْتُهُ عَمَّا قِيلَ مِنْ بَيْعَتِهِمْ، فَقَالَ - وَهُوَ يُحَدِّثُهُ عَمَّا تَكَلَّمَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ وَمَا كَلَّمَهُمْ بِهِ، وَمَا كَلَّمَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْأَنْصَارَ، وَمَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ مِنْ إِمَامَتِي إِيَّاهُمْ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ -: فَبَايَعُونِي لِذَلِكَ، وَقَبِلْتُهَا مِنْهُمْ، وَتَخَوَّفْتُ أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ، وتَكُونُ بَعْدَهَا رِدَّةٌ.

 

إسناده جيد وتفرد به الإمام أحمد

 

15952 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ الْبَكْرِيِّ، قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، " فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَبِلَالٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ، وَسَأَلْتُ مَا هَذِهِ الرَّايَاتُ ؟ فَقَالُوا: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ.

 

إسناده ضعيف لانقَطاعه، عاصم بن أبي النجود لم يدرك الحارث بن حسان، بينهما أبو وائل شقيق بن سلمة، كما في الإسناد الآتي. ونبه على انقطاعه ابنُ عبد البر في "الاستيعاب" 2/231، والمِزِّي في "تهذيب الكمال" في ترجمة الحارث بن حسان وابن كثير في "السيرة النبوية" 4/165. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3328) و (3329) من طريق الإمام أحمد.

 

3 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: مَرَرْتُ بِعَجُوزٍ بِالرَّبَذَةِ مُنْقَطِعٌ بِهَا، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، قَالَ: فَقَالَتْ: أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَاحْمِلُونِي مَعَكُمْ فَإِنَّ لِي إِلَيْهِ حَاجَةً . قَالَ: فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ غَاصٌّ بِالنَّاسِ، وَإِذَا رَايَةٌ سَوْدَاءُ تَخْفِقُ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ الْيَوْمَ ؟ قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَجْهًا....إلخ الحديث

 

إسناده حسن، وأخرجه ابنُ الأثير في "أسد الغابة" 1/386، 387 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. وسياقه أتم. وأخرجه مختصراً بذكر دخول مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنُ سعد في "الطبقات" 6/35، والنسائي في "الكبرى" (8607)، ومطولاً الطبراني في "الكبير" (3325) من طريق عفان، به. وأخرجه مطولاً ومختصراً الترمذي (3273)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1667)، والطبراني في "الكبير" (3325) و (3326)

 

وروى أبو داوود في سننه:

 

334 - حدثنا ابن المثنى أخبرنا وهب بن جرير أخبرنا أبي قال سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير [ المصري ] عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ " فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت الله يقول { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا

 [ قال أبو داود عبد الرحمن بن جبير مصري مولى خارجة بن حذافة وليس هو ابن جبير بن نفير ] . صحيح

 

335 - حدثنا محمد بن سلمة [ المرادي ] أخبرنا ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص أن عمرو بن العاص كان على سرية وذكر الحديث نحوه قال فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم فذكر نحوه ولم يذكر التيمم

 قال أبو داود وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال فيه " فتيمم " . صحيح

 

ورواه عبد الرزاق في "المصنف" (878) والحاكم في المستدرك 629 والدارقطني 1/178 وابن المنذر في "الأوسط" 2/27، وابن حبان (1315)، والدارقطني 1/179، والبيهقي 1/226، والمزي في ترجمة عبد الرحمن بن جبير من "التهذيب" 17/32-33، وفي ترجمة أبي قيس 34/208، وابن حجر في "التغليق" 2/188-191، وأحمد بن حنبل 17812.

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير عن اللص رافع الطائي:

 

 4469 - حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا إبراهيم بن أبي معاوية حدثني أبي عن الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن رافع بن أبي رافع الطائي قال: لما كانت غزوة ذات السلاسل استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على جيش فيهم أبو بكر رضي الله عنه

 

وهناك شاهد في مسند أحمد عن قصة أخرى (الجزور) في ابن هشام والواقدي في رقم 23978 إسناده جيد. وأخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/338، ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوة" 4/405، و6/308، وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/283، وأخرجه الطبراني 18/ (131)

 

 

 

 

 

غَزْوَةُ الْخَبَطِ  أو سيف البحر أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ

فِى رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ

 

روى الواقدي:

 

قَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنِى دَاوُد بْنُ قَيْسٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمّدٍ الأَنْصَارِىّ مِنْ وَلَدِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، وَخَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَبَعْضُهُمْ قَدْ زَادَ فِى الْحَدِيثِ قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِى سَرِيّةٍ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، وَهُمْ ثَلاثُمِائَةِ رَجُلٍ إلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى حَىّ مِنْ جُهَيْنَةَ؛ فَأَصَابَهُمْ جَوْعٌ شَدِيدٌ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالزّادِ فَجَمَعَ حَتّى إذَا كَانُوا لَيَقْتَسِمُونَ التّمْرَةَ فَقِيلَ لِجَابِرٍ: فَمَا يُغْنِى ثُلُثُ تَمْرَةٍ؟ قَالَ: لَقَدْ وَجَدُوا فَقْدَهَا. قَالَ: وَلَمْ تَكُنْ مَعَهُمْ حَمُولَةٌ إنّمَا كَانُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَبَاعِرَ يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا زَادَهُمْ، فَأَكَلُوا الْخَبَطَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ ذُو مَشْرَةٍ حَتّى إنّ شِدْقَ أَحَدِهِمْ بِمَنْزِلَةِ مِشْفَر الْبَعِيرِ الْعَضّة، فَمَكَثْنَا عَلَى ذَلِكَ حَتّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَوْ لَقِينَا عَدُوّا مَا كَانَ بِنَا حَرَكَةٌ إلَيْهِ لِمَا بِالنّاسِ مِنْ الْجَهْدِ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ: مَنْ يَشْتَرِى مِنّى تَمْرًا بِجُزُرٍ يُوَفّينِى الْجُزُرَ هَاهُنَا وَأُوَفّيهِ التّمْرَ بِالْمَدِينَةِ؟ فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاعَجَبَاهُ لِهَذَا الْغُلامِ لا مَالَ لَهُ يُدَانُ فِى مَالِ غَيْرِهِ فَوَجَدَ رَجُلاً مِنْ جُهَيْنَةَ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ: بِعْنِى جُزُرًا وَأُوَفّيك سِقَةً مِنْ تَمْرِ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ الْجُهَنِىّ: وَاَللّهِ مَا أَعْرِفُك، وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ. قَالَ الْجُهَنِىّ: مَا أَعَرَفْتنِى بِنَسَبِك أَمّا إنّ بَيْنِى وَبَيْنَ سَعْدٍ خُلّةً سَيّدُ أَهْلِ يَثْرِبَ، فَابْتَاعَ مِنْهُمْ خَمْسَ جُزُرٍ كُلّ جَزُورٍ بِوَسْقَيْنِ مِنْ تَمْرٍ يَشْرِطُ عَلَيْهِ الْبَدَوِىّ، تَمْرٍ ذَخِيرَةٍ مُصَلّبَةٍ مِنْ تَمْرِ آلِ دُلَيْمٍ، قَالَ: يَقُولُ قَيْسٌ: نَعَمْ. فَقَالَ الْجُهَنِىّ: فَأَشْهِدْ لِى. ...إلخ القصة

 

ووقع في لفظ ابن سعد في الطبقات:

 

قَالُوا: بَعَثَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا عُبَيدة بْن الجراح فِي ثلاثمائة رَجُل مِن المهاجرين والأنصار. وفيهم عُمَر بْن الْخَطَّاب. إلى حي مِن جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر. وبينها وبين المدينة خمس ليال.

 

وابن سيد الناس في عيون الأثر يتوافق مع رواية الواقدي ومحمد بن سعد.

 

هذه الغزوة كانت عدوانًا صرفًا، لا شك فيه، لأن جهينة لم يحاربوا المسلمين ولا تعرضوا لهم قط بأي موطن، بل وهي من نقض العهد، وهو شيمة أصيلة من شيم الأصوليين المسلمين، لأن أحمد بن حنبل روى أنهم وادعوا محمدًا منذ السنة الأولى لهجرته إلى يثرب:

 

 1539 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَاءَتْهُ جُهَيْنَةُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ قَدْ نَزَلْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَأَوْثِقْ لَنَا حَتَّى نَأْتِيَكَ وَتُؤْمِنَّا، فَأَوْثَقَ لَهُمْ فَأَسْلَمُوا، قَالَ: فَبَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجَبٍ، وَلا نَكُونُ مِائَةً، وَأَمَرَنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ إِلَى جَنْبِ جُهَيْنَةَ، فَأَغَرْنَا عَلَيْهِمْ وَكَانُوا كَثِيرًا، فَلَجَأْنَا إِلَى جُهَيْنَةَ فَمَنَعُونَا، وَقَالُوا: لِمَ تُقَاتِلُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقُلْنَا: إِنَّمَا نُقَاتِلُ مَنِ أخْرَجَنَا مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ...إلخ الحديث

 

إسناده ضعيف، المجالد- وهو ابن سعيد- ضعيف، وزياد بن عِلاقة ثم يسمع من سعد. وأخرجه ابن أبي شيبة 14/123 و351-352، والبيهقي في "دلائل النبوة" 3/15 من طريق حماد بن أسامة، والدورقي (131)، والبيهقي 3/14 من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والبزار (1757- كشف الأستار)

 

ورواه ابن أبي شيبة بإسناد مرسل وفيه ضعف برقم 37806 (37666)

 

 

وروى ابن أبي شيبة شهادة هامة:

 

36918- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ زَكَرِيَّا، قال: أَوَّلُ مَنْ أَلَّفَ من الْقَبَائِلِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُهَيْنَةُ.

 

36933- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُتْبَةَ، يَعْنِي الْمَسْعُودِيَّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قال: كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَى الْقُرْآنَ بمكة مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ مَسْعُودٍ، وَأَوَّلُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا صُلِّيَ فِيهِ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ , وَأَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ بِلاَلٌ، وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ سَعْدُ بْنُ مَالِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ، وَأَوَّلُ مَنْ عَدَا بِهِ فَرَسُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ الْمِقْدَادُ، وَأَوَّلُ حَيٍّ أَدَّوْا الصَّدَقَةَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ بَنُو عُذْرَةَ، وَأَوَّلُ حَيٍّ أَلَّفُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُهَيْنَةُ.

 

36947- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قال: إنَّ أَوَّلَ حَيٍّ أَلَّفُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُهَيْنَةُ.

 

37758- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قال: كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَى الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَوَّلُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَأَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ بِلاَلٌ، وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ سَعْدُ بْنُ مَالِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ، وَأَوَّلُ مَنْ عَدَا بِهِ فَرَسُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ الْمِقْدَادُ، وَأَوَّلُ حَيٍّ أَدَّى الصَّدَقَةَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ بَنُو عُذْرَةَ، وَأَوَّلُ حَيٍّ أُلِّفُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُهَيْنَةُ.

 

 ورواه الطبراني في المعجم الكبير9/ 8961

 

وذكر محمد بن سعد في الطبقات الكبير ج2/ وفادات العرب على رسول الله:

 

وَفْدُ جُهَيْنَةَ

قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيُّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَفَدَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ بَدْرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْجُهَنِيُّ مِنْ بَنِي الرَّبْعَةِ بْنِ رَشْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ. وَمَعَهُ أَخُوهُ لأُمِّهِ أَبُو رَوْعَةَ. وَهُوَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعَبْدِ الْعُزَّى: أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ. وَلأَبِي رَوْعَةَ: أَنْتَ رَعْتَ الْعَدُوَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: بَنُو غَيَّانَ. قَالَ: أَنْتُمْ بَنُو رَشْدَانَ. وَكَانَ اسْمُ وَادِيهِمْ غَوًى فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُشْدًا. ..إلخ وَأَعْطَى اللِّوَاءَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَدْرِ. وَخَطَّ لَهُمْ مَسْجِدَهُمْ...إلخ

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ مِنْ بَنِي دَهْمَانَ عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قال عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ: كَانَ لَنَا صَنَمٌ وَكُنَّا نُعَظِّمُهُ. وَكُنْتُ سَادِنَهُ. فَلَمَّا سَمِعْتُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَسَرْتُهُ وَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدَمَ الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ. وَآمَنْتُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ حَلالٍ وَحَرَامٍ. فَذَلِكَ حِينَ أقول:

شَهِدْتُ بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ. وَإِنَّنِي ... لآلِهَةِ الأَحْجَارِ أَوَّلُ تَارِكِ

وَشَمَّرْتُ عَنْ سَاقِي الإِزَارَ مُهَاجِرًا ... إِلَيْكَ أَجْوَبُ الْوَعْثَ بَعْدَ الدَّكَادِكِ

لأَصْحُبَ خَيْرَ النَّاسِ نَفْسًا وَوَالِدًا ... رَسُولَ مَلِيكِ النَّاسِ فَوْقَ الْحَبَائِكِ

قَالَ: ثُمَّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ. فَأَجَابُوهُ إِلا رَجُلا وَاحِدًا رَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ. فَدَعَا عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ.

 

 

وهناك خرق وانتهاك آخر، لأن الشريعة المحمدية الإسلامية أخذت بتشريع الوثنيين قبلهم فيما يتعلق بالأشهر الحرم، ورجب منها فهذا انتهاك لحرمة الشهر المقدس المحرم فيه القتال حسب تعاليمهم وهو من غدرهم ونقضهم المعهود.

 

أما البخاري فروى على نحو مختلف:

 

4360 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُ مِائَةٍ فَخَرَجْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الْجَيْشِ فَجُمِعَ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلٌ قَلِيلٌ حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ فَقَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهَا الْقَوْمُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا

 

4361 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِائَةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْنَا أَجْسَامُنَا فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ فَعَمَدَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ مَعَهُ قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ وَأَخَذَ رَجُلًا وَبَعِيرًا فَمَرَّ تَحْتَهُ قَالَ جَابِرٌ وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ وَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ لِأَبِيهِ كُنْتُ فِي الْجَيْشِ فَجَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ قَالَ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ قَالَ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نُهِيتُ

5494 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ بَعَثَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِائَةِ رَاكِبٍ وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّيَ جَيْشَ الْخَبَطِ وَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا بِوَدَكِهِ حَتَّى صَلَحَتْ أَجْسَامُنَا قَالَ فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوعُ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ

 

وهكذا مثله هي الروايات في كل كتب الحديث من مسلم 1935 وأحمد 14315 وابن أبي شيبة وغيرهم.

لاحظنا سابقًا في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى أرض فدك إلى بني مرة من غطفان، كما روى المؤرخان ابن إسحاق والواقدي، أن البخاري ومسلم وأحمد قالوا أنها إلى الحرقات من الجهينة، ووقعا في الغلط، ولا داعي لأن ننسى أنهما متخصصان في الحديث والشرائع والبخاري لقبوه بأمير المؤمنين في الحديث، لكن ابن إسحاق هو من لقب بأمير المؤمنين في السير والمغازي، وهنا في ذكر غزوة الخبط وقعوا في خطأ وخلط فظنوها سرية لرصد قافلة لقريش،  وهذا محال لأن البخاري في صحيحه في كتاب المغازي وابن كثير في السيرة النبوية والبيهقي في دلائل النبوة يجعلونها في فترة متأخرة بعد صلح الحديبية وبعد مؤتة، وهذا غير ممكن لوجود صلح وقتئذٍ بين المسلمين وقريش فلم تكن هناك وقتها تحركات كتلك، وهو ما لاحظه ابن كثير واستشكله:

 

قُلْتُ: وَمُقْتَضَى أَكْثَرِ هَذِهِ السِّيَاقَاتِ أَنَّ هَذِهِ السَرِيَّةِ كَانَتْ قَبْلَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَة، وَلَكِن أوردناها هَا هُنَا تَبَعًا لِلْحَافِظِ الْبَيْهَقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ أَوْرَدَهَا بَعْدَ مُؤْتَةَ وَقَبْلَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

فكان رأيه رد تاريخها بسبب ذلك إلى فترة ما قبل الصلح، وهو نفس ما فعله ابن حبيب في المحبَّر فعليًّا فجعلها في سنة 4 ه ربما ليحل المشكلة ويوفق بين نصوص كتب الحديث بغلطتها تلك والتاريخ، لكن الحقيقة أن ما قاله الواقدي ومحمد بن سعد هنا هو الصواب باعتبار تخصصهما وتكرسهما لهذا المجال التأريخي.

 

لم تسفر هذه الغزوة عن أي شيء، وكان هناك عدم إعداد جيد لمؤونة الجيش إما لضعف الموارد أو لسوء التخطيط، فجاع وأسغب حتى أكل أوراق شجر الخبط، وتقوت تمرة تمرة، وأحد كرمائهم لما كادوا يفنون بالمجاعة اشترى أربعة جمال من رجل صادفوه بالدين وبسعر مبالغ فيه هو أربعة حوائط أي بساتين نخل من مال أبيه لما يعود إلى يثرب، وفيها القصة المشهورة عندهم عن عثورهم على جثة حوت طازجة على البحر أكلوا منها لفترة وحين وملحوا بعضها للرحلة وعادوا.

 

 

 

سرية  الغابة أو خَضِرَةَ

أَمِيرُهَا أَبُو قَتَادَةَ فِى شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ

 

ذكرها أحمد بن حنبل في المسند والواقدي في المغازي وابن إسحاق في السيرة لابن هشام والبيهقي في دلائل النبوة عن ابن إسحاق، وقال الواقدي وَخَضِرَةُ نَاحِيَةُ نَجْدٍ عَلَى عِشْرِينَ مِيلاً عِنْدَ بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ.

 

قال الواقدي:

 

حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى حَدْرَدٍ الأَسْلَمِىّ: تَزَوّجْت ابْنَةَ سُرَاقَةَ بْنِ حَارِثَةَ النّجّارِىّ وَكَانَ قُتِلَ بِبَدْرٍ فَلَمْ أُصِبْ شَيْئًا مِنْ الدّنْيَا كَانَ أَحَبّ إلَىّ مِنْ مَكَانِهَا، فَأَصْدَقْتهَا مِائَتَىْ دِرْهَمٍ فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَسُوقُهُ إلَيْهَا فَقُلْت: عَلَى اللّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ الْمِعْوَلُ. فَجِئْت النّبِىّ ص فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: “كَمْ سُقْت إلَيْهَا”؟ قُلْت: مِائَتَىْ دِرْهَمٍ. فَقَالَ: “لَوْ كُنْتُمْ تَغْتَرِفُونَهُ مِنْ نَاحِيَةَ بَطِحَانَ مَا زِدْتُمْ”. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْنِى فِى صَدَاقِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَا وَافَقَتْ عِنْدَنَا شَيْئًا أُعِينُك بِهِ وَلَكِنّى قَدْ أَجَمَعْت أَنْ أَبَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ فِى أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فِى سَرِيّةٍ، فَهَلْ لَك أَنْ تَخْرُجَ فِيهَا؟ فَإِنّى أَرْجُو أَنْ يُغْنِمَك اللّهُ مَهْرَ امْرَأَتِك”. فَقُلْت: نَعَمْ فَخَرَجْنَا فَكُنّا سِتّةَ عَشَرَ رَجُلاً بِأَبِى قَتَادَةَ وَهُوَ أَمِيرُنَا، وَبَعَثَنَا إلَى غَطَفَان نَحْوَ نَجْدٍ، فَقَالَ: “سِيرُوا اللّيْلَ وَاكْمُنُوا النّهَارَ وَشُنّوا الْغَارَةَ وَلا تَقْتُلُوا النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ”. فَخَرَجْنَا حَتّى جِئْنَا نَاحِيَةَ غَطَفَان، فَهَجَمْنَا عَلَى حَاضِرٍ مِنْهُمْ عَظِيمٍ. قَالَ: وَخَطَبَنَا أَبُو قَتَادَةَ وَأَوْصَانَا بِتَقْوَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَأَلّفَ بَيْنَ كُلّ رَجُلَيْنِ وَقَالَ: لا يُفَارِقُ كُلّ رَجُلٍ زَمِيلَهُ حَتّى يُقْتَلَ أَوْ يَرْجِعَ إلَىّ فَيُخْبِرُنِى خَبَرَهُ وَلا يَأْتِنِى رَجُلٌ فَأَسْأَلُ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَقُولُ: لا عِلْمَ لِى بِهِ وَإِذَا كَبّرْت فَكَبّرُوا، وَإِذَا حَمَلْت فَاحْمِلُوا، وَلا تُمْعِنُوا فِى الطّلَبِ. فَأَحَطْنَا بِالْحَاضِرِ فَسَمِعْت رَجُلاً يَصْرُخُ: يَا خَضِرَةَ فَتَفَاءَلَتْ، وَقُلْت: لأُصِيبَنّ خَيْرًا وَلأَجْمَعَنّ إلَىّ امْرَأَتِى وَقَدْ أَتَيْنَاهُمْ لَيْلاً. قَالَ: فَجَرّدَ أَبُو قَتَادَةَ سَيْفَهُ وَجَرّدْنَا سُيُوفَنَا، وَكَبّرَ وَكَبّرْنَا مَعَهُ فَشَدَدْنَا عَلَى الْحَاضِرِ فَقَاتَلَ رِجَالٌ، وَإِذَا بِرَجُلٍ طَوِيلٍ قَدْ جَرّدَ سَيْفَهُ صَلْتًا، وَهُوَ يَمْشِى الْقَهْقَرَى وَيَقُولُ: يَا مُسْلِمُ هَلُمّ إلَى الْجَنّةِ فَاتّبَعْته، ثُمّ قَالَ: إنّ صَاحِبَكُمْ لَذُو مَكِيدَةٍ وَإِنّ أَمْرَهُ هُوَ الأَمْرُ، وَهُوَ يَقُولُ: الْجَنّةَ الْجَنّةَ يَتَهَكّمُ بِنَا، فَعَرَفْت أَنّهُ مُسْتَقْبِلٌ فَخَرَجْت فِى أَثْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ صَاحِبِى: لا تَبْعُدْ فَقَدْ نَهَانَا أَمِيرُنَا أَنْ نُمْعِنَ فِى الطّلَبِ، فَأَدْرَكْته فَرَمَيْته عَلَى جُرَيْدَاءِ مَتْنِهِ، ثُمّ قَالَ: اُدْنُ يَا مُسْلِمُ إلَى الْجَنّةِ فَرَمَيْته حَتّى قَتَلْته بِنَبْلِى، ثُمّ وَقَعَ مَيّتًا فَأَخَذْت سَيْفَهُ. وَجَعَلَ زَمِيلِى يُنَادِى: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ إنّى وَاَللّهِ إنْ ذَهَبْت إلَى أَبِى قَتَادَةَ فَسَأَلَنِى عَنْك أَخْبَرْته. قَالَ: فَلَقِيته قَبْلَ أَبِى قَتَادَةَ فَقُلْت: أَسَأَلَ أَمِيرِى عَنّي؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَقَدْ تَغَيّظَ عَلَىّ وَعَلَيْك.

وَأَخْبَرَنِى أَنّهُمْ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ - وَقَتَلُوا مَنْ أَشْرَفَ لَهُمْ - فَجِئْت أَبَا قَتَادَةَ فَلامَنِى فَقُلْت: قَتَلْت رَجُلاً كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخْبَرْته بِقَوْلِهِ كُلّهِ. ثُمّ اسْتَقْنَا النّعَمَ وَحَمَلْنَا النّسَاءَ وَجُفُونُ السّيُوفِ مُعَلّقَةٌ بِالأَقْتَابِ. فَأَصْبَحْت - وَبَعِيرِى مَقْطُورٌ - بِامْرَأَةٍ كَأَنّهَا ظَبْىٌ فَجَعَلَتْ تُكْثِرُ الالْتِفَاتَ خَلْفَهَا وَتَبْكِى، قُلْت: إلَى أَىّ شَيْءٍ تَنْظُرِينَ؟ قَالَتْ: أَنْظُرُ وَاَللّهِ إلَى رَجُلٍ لَئِنْ كَانَ حَيّا لِيَسْتَنْقِذَنَا مِنْكُمْ. فَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنّهُ الّذِى قَتَلْته فَقُلْت: قَدْ وَاَللّهِ قَتَلْته، وَهَذَا سَيْفُهُ مُعَلّقٌ بِالْقَتَبِ إلَى غِمْدِهِ. فَقَالَتْ: هَذَا وَاَللّهِ غِمْدُ سَيْفِهِ فَشِمْهُ إنْ كَانَ صَادِقًا. قَالَ: فَشِمْته فَطَبَقَ. قَالَ: فَبَكَتْ وَيَئِسَتْ. قَالَ ابْنُ أَبِى حَدْرَدٍ: فَقَدِمْنَا عَلَى النّبِىّ ص بِالنّعَمِ وَالشّاءِ.

فَحَدّثَنِى أَبُو مَوْدُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا رَجَعْت مِنْ غَزْوَةِ خَضِرَةَ وَقَدْ أَصَبْنَا فَيْئًا، سَهْمَ كُلّ رَجُلٍ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، دَخَلْت بِزَوْجَتِى فَرَزَقَنِى اللّهُ خَيْرًا.

وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: غَابُوا خَمْسَ عَشَرَةَ لَيْلَةً وَجَاءُوا بِمِائَتِى بَعِيرٍ وَأَلْفِ شَاةٍ وَسَبَوْا سَبْيًا كَثِيرًا. وَكَانَ الْخُمُسُ مَعْزُولاً، وَكَانَ سُهْمَانُهُمْ اثْنَىْ عَشَرَ بَعِيرًا، يَعْدِلُ الْبَعِيرَ بِعَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ.

حَدّثَنِى ابْن أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ أَبِى حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَصَبْنَا فِى وَجْهِنَا أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِيهِنّ فَتَاةٌ كَأَنّهَا ظَبْىٌ مِنْ الْحَدَاثَةِ وَالْحَلاوَةِ شَيْءٌ عَجَبٌ وَأَطْفَالٌ مِنْ غِلْمَانٍ وَجِوَارٍ فَاقْتَسَمُوا السّبْىَ وَصَارَتْ تِلْكَ الْجَارِيَةُ الْوَضِيئَةُ لأَبِى قَتَادَةَ. فَجَاءَ مَحْمِيَةُ بْنُ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبَا قَتَادَةَ قَدْ أَصَابَ فِى وَجْهِهِ هَذَا جَارِيَةً وَضِيئَةً وَقَدْ كُنْت وَعَدْتنِى جَارِيَةً مِنْ أَوّلِ فَيْءٍ يَفِيءُ اللّهُ عَلَيْك. قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى أَبِى قَتَادَةَ فَقَالَ: “مَا جَارِيَةٌ صَارَتْ فِى سَهْمِك”؟ قَالَ: جَارِيَةٌ مِنْ السّبْىِ هِىَ أَوْضَأُ ذَلِكَ السّبْىِ أَخَذْتهَا لِنَفْسِى بَعْدَ أَنْ أَخْرَجْنَا الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ. قَالَ: “هَبْهَا لِى”. فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ ص فَدَفَعَهَا إلَى مَحْمِيَةَ بْنِ جَزْءٍ الزّبَيْدِىّ.

 

كما نرى، أعمال نهب وسطو، وخطف واستعباد ونخاسة للنساء والأطفال وتهادي بهم، وقتل للناس،، فهذا هو  العصر الذي يروجونه على أنه العصر  الذهبي والنموذجي، فأي نموذج هذا، وقصة المرأة االمخطوفة المقيدة إلى جمل مقطور إلى جمل يركبه خاطفها وبكائها ولهفتها ورعبها مساقة للاستعباد والسبي والذل بالخدمة والاغتصاب والتفرقة عن أهلها وانهيار أملها بأن يأتي رجلها خطيبها أو زوجها أو حبيبها لينقذها ثم صدمتها المزدوجة بموته حزنًا عليه وعلى نفسها، صورة تراجيدية مأساوية لدرجة قاسية للمعاناة الإنسانية على يد بعض بني الإنسان. وهو النموذج الذي لا نرجو عودته قط، ونعمل كبشر متحضرين_أعني المتحضرين من البشر_على اختلاف عقائدنا على الحيلولة دونه بكل قوتنا. محمد كان المحرض على أفعال كهذه تحت رعياته وشرعنته الدينية لاستعباد وقسوة القرون الوسطى والقديمة عصور الظلام والعنف والتخلف وانحدار الأخلاق الحقيقية، وتوزيعه الغنائم والنساء السبايا على جنوده كان عامل الإغراء الكبير لانتشار واتباع هذا الدين في فترته الأولى، فمحمد لبث بمكة 13 عامًا ولم يحقق نجاحًا كالذي حققه لدعوته ودولته بعد هذه الأفعال الإجرامية، إن روما لو لم تكن تعطي جندها أجورًا وغنائم لما حازت توسعاتها كذلك، وهي سنة التاريخ الإجرامي للجنس البشري. أما حينما كان الأمر مجرد دعوة لدين جديد دون إغراآت بل عوامل اضطهاد وثني لم يكن الأمر مغريًا إلا للقليل من الأفراد فقط وكان الإسلام سينتشر ببطء شديد كالمسيحية والبودية ولم يكن سينتشر كثيرًا في الواقع دون السيف بسبب تمسكه بتقاليد وثنية شامانية خرافية غريبة عن باقي البشر كالقرابة من الرضاعة والحج وغيرها.

 

وروى أحمد بن حنبل:

23882 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ جَدَّتِهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ، أَنَّهُ ذَكَرَ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِينُهُ فِي صَدَاقِهَا، فَقَالَ: " كَمْ أَصْدَقْتَ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، قَالَ: " لَوْ كُنْتُمْ تَغْرِفُونَ الدَّرَاهِمَ مِنْ وَادِيكُمْ هَذَا مَا زِدْتُمْ، مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيكُمْ " قَالَ: فَمَكَثْتُ ثُمَّ دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَنِي فِي سَرِيَّةٍ بَعَثَهَا نَحْوَ نَجْدٍ، فَقَالَ: " اخْرُجْ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ لَعَلَّكَ أَنْ تُصِيبَ شَيْئًا فَأُنَفِّلَكَهُ " قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا الْحَاضِرَ مُمْسِينَ، قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبَتْ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، بَعَثَنَا أَمِيرُنَا رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ، قَالَ: فَأَحَطْنَا بِالْعَسْكَرِ، وَقَالَ: إِذَا كَبَّرْتُ وَحَمَلْتُ، فَكَبِّرُوا وَاحْمِلُوا، وَقَالَ: حِينَ بَعَثَنَا رَجُلَيْنِ رَجُلَيْنِ: لَا تَفْتَرِقَا، وَلَأَسْأَلَنَّ وَاحِدًا مِنْكُمَا عَنْ خَبَرِ صَاحِبِهِ فَلَا أَجِدُهُ عِنْدَهُ، وَلَا تُمْعِنُوا فِي الطَّلَبِ، قَالَ: فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَحْمِلَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْحَاضِرِ صَرَخَ: يَا خَضْرَةُ، فَتَفَاءَلْتُ بِأَنَّا سَنُصِيبُ مِنْهُمْ خَضْرَةً، قَالَ: فَلَمَّا أَعْتَمْنَا، كَبَّرَ أَمِيرُنَا وَحَمَلَ، وَكَبَّرْنَا وَحَمَلْنَا، قَالَ: فَمَرَّ بِي رَجُلٌ فِي يَدِهِ السَّيْفُ فَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ لِي صَاحِبِي: إِنَّ أَمِيرَنَا قَدْ عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نُمْعِنَ فِي الطَّلَبِ فَارْجِعْ، فَلَمَّا رَأَيْتُ إِلَّا أَنْ أَتَّبِعَهُ، قَالَ: وَاللهِ لَتَرْجِعَنَّ أَوْ لَأَرْجِعَنَّ إِلَيْهِ، وَلَأُخْبِرَنَّهُ أَنَّكَ أَبَيْتَ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ لَأَتَّبِعَنَّهُ، قَالَ: فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُ، رَمَيْتُهُ بِسَهْمٍ عَلَى جُرَيْدَاءِ مَتْنِهِ فَوَقَعَ، فَقَالَ: ادْنُ يَا مُسْلِمُ إِلَى الْجَنَّةِ، فَلَمَّا رَآنِي لَا أَدْنُو إِلَيْهِ وَرَمَيْتُهُ بِسَهْمٍ آخَرَ، فَأَثْخَنْتُهُ رَمَانِي بِالسَّيْفِ فَأَخْطَأَنِي، وَأَخَذْتُ السَّيْفَ فَقَتَلْتُهُ بِهِ، وَاحْتَزَزْتُ بِهِ رَأْسَهُ، وَشَدَدْنَا فَأَخَذْنَا نَعَمًا كَثِيرَةً وَغَنَمًا، قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفْنَا، قَالَ: فَأَصْبَحْتُ فَإِذَا بَعِيرِي مَقْطُورٌ بِهِ بَعِيرٌ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ شَابَّةٌ، قَالَ: فَجَعَلَتْ تَلْتَفِتُ خَلْفَهَا فَتُكَبِّرُ، فَقُلْتُ لَهَا: إِلَى أَيْنَ تَلْتَفِتِينَ ؟ قَالَتْ: إِلَى رَجُلٍ وَاللهِ إِنْ كَانَ حَيًّا خَالَطَكُمْ، قَالَ: قُلْتُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ صَاحِبِي الَّذِي قَتَلْتُ،: قَدْ وَاللهِ قَتَلْتُهُ، وَهَذَا سَيْفُهُ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ بِقَتَبِ الْبَعِيرِ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ، قَالَ: وَغِمْدُ السَّيْفِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُعَلَّقٌ بِقَتَبِ بَعِيرِهَا، فَلَمَّا قُلْتُ ذَلِكَ لَهَا، قَالَتْ: فَدُونَكَ هَذَا الْغِمْدَ فَشِمْهُ فِيهِ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، قَالَ: فَأَخَذْتُهُ فَشِمْتُهُ فِيهِ فَطَبَقَهُ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ بَكَتْ، قَالَ: فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي مِنْ ذَلِكَ النَّعَمِ الَّذِي قَدِمْنَا بِهِ.

 

وفي "أطراف المسند" 6/125: يستعينه بدل يستفتيه الوارد في نسخ "المسند" عندنا، قال السندي: قوله: يستفتيه، كذا في نسخ "المسند" من الاستفتاء، وفي غير "المسند": يستعينه من الاستعانة، وهو الأظهر.

 

 إسناده ضعيف لإبهام جَدَّةِ عبد الواحد بن أبي عون، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح غير عبد الواحد بن أبي عون فمن رجال ابن ماجه، وأخرج له البخاري تعليقاً. يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن جعفر: هو المَخْرَمي.

 

وله شواهد أخرى وأجزاء منه في أحمد 15706 و15707 وأخرجه ابن الأثير في "أسد الغابة" 6/70 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في "الكبير" 22/ (882) و (883) و(884) وفي في "الأوسط" (7559)، والطيالسي (1300)، وسعيد بن منصور في "السنن" (604)، وابن أبي شيبة 4/189، وابن سعد في "الطبقات" 4/310، والحاكم في المستدرك(2730) (2/178)، والبيهقي في "السنن" 7/235

 

ربما لا تختلف روايته عن الواقدي سوى في طريقة قتل الرجل الذي رماه المسلم بالسهام من بعيد.

 

أما ابن إسحاق فيورد هذا السياق التبريري المعتاد:

 

قال ابن إسحاق: وغزوة ابن أبي حدرد الاًسلمي الغابة. وكان من حديثها فيما بلغني، عمن لا أتهم، عن ابن أي حَدْرد، قال. تزوجْتُ امرأة من قومى؟ وأصدقتها مائتى درهمِ، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نكاحى فقال: وكم أصدقت؟ فقلت: مائتى درهم يا رسول الله، قال: سبحان الله، لو كنتم تأخذون الدراهم من بطن وادٍ ما زدتم. واللّه ما عندي ما أعينك به. قال: فلبثت أياما، وأقبل رجل من بني جُشَم، يقال له: رفاعة بن قَيْس، أو قَيْس بن رفاعة، في عظيم من بني جُشَم، حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة، يريد أن يجمع قيساً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذا اسم في جُشَم وشرف. قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين معي من المسلمين، فقال: اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعِلْم. قال: وقدَّم لنا شارفا (1) عجفاء فحمل عليها أحدَنا، فواللّه ما قامت به ضعفا حتى الحاضر عُشيْشِيةً (2) مع غروب الشمس. قال: كمنْت في ناحية، وأمرت صاحبىَّ، فكمنَا في ناحية أخرى من حاضر القوم؟ وقلت لهما: إذا سمعتمانى قد كبَّرت وشدَدْت في ناحية العسكر فكبرَّا وشُدا معى. قال: فواللّه إنا لكذلك ننتظر غِرَّةَ (3) القوم، أو أن نصيب منهم شيئا.

 

____________

(1) الشارف: الناقة المسنة. عجفاء: جمعها الأعجف وعجاف على غير قياس، وإنما جمع على جحاف إما حملا على نقيضه وهو سِمَان وإما حملا على نظيره وهو ضعاف.

(2) عشيشة: تصغير عشية على غير قياس.

(3) الغرة: الغفلة.

قال: وقد غشينا الليل حتى ذهبت فَحْمة العِشاء، وقد كان لهم راع قد سرَّح في هذا البلد، فأبطأ عليهم حتى تخوَّفوا عليه.

قال: فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قَيْس، فأخذ سيفه، فجعله في عنقه، ثم قال: واللّه لأتبعنَّ أثر راعينا هذا، ولقد أصابه شر، فقال له نفر ممن معه: واللّه لا تذهب نحن نَكْفيك؟ قال: واللّه لا يذهب إلا أنا، قالوا: فنحن معك، قال: واللّه لا يتبعني أحد منكم.

قال: وخرج حتى يمر بى. قال: فلما أمكننى نفحته بسهمى، فوضعته في فؤاده. قال: فواللّه ما تكلم، ووثبت إليه، فاحتززتُ رأسَه. قال: وشددت في ناحية العسكر، وكبَّرتُ، وشد صاحباي وكبَّرا. قال: فواللّه ما كان إلا النجاء ممن فيه، عندك، بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم، وما خف معهم من أموالهم.

قال: واستقنا إبلا عظيمة، وغنماً كثيرة، فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

قال: وجئت برأسه أحمله معى. قال: فأعاننى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثةَ عشَر بعيراً في صَداقي فجمعْتُ إلىَّ أهلى.

 

السياق كله مطعون فيه ومردود برأيي، وهو تبريري بحت فحتى اسم الزعيم الجشمي المذكور مبهم ولم يضبطه، ثم إن أحمد بن حنبل والواقدي كشفا لنا حدوث نهب لكثير من الشياه والأنعام

__________

قبائل قيس: يبدو أن مقصوده قيس عيلان، أنجب قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان: سعد، و خصفة، وعمرو، ومنهم تنحدر القبائل القيسية،

أما سعد بن قيس عيلان فانحدرت منه: قبائل غطفان والنسبة إليها الغطفاني، وأعصر، ومن غطفان عبس، وفزارة، وأشجع، وبنو عبد الله، ومن أعصر باهلة والنسبة إليها الباهلي، وغنى والنسبة إليها الغنوي.

أما عكرمة بن قيس عيلان فانحدرت منه: قبائل هوازن والنسبة إليها الهوازني، وسليم والنسبة إليها السلمي، ومازن والنسبة إليها المازني، ومحارب والنسبة إليها المحاربي. وهوازن أكثر قيس بطونا وفروعاً منهم: العوامر (بنو عامر بن صعصعة) ويندرج تحتهم ((بنو هلال، وبنو كلاب، وبنو عقيل، وبنو نمير))، وبنو مرة، وبنو سعد، وبنو جشم، وثقيف.

أما عمرو بن قيس عيلان فانحدرت منه:عدوان والنسبة إليها العدواني، وفهم والنسبة إليها الفهمي . ومتعان و النسبة إليها المتعاني .

وكانت قيس تستوطن الحجاز.

 

وسبي الكثير من النساء والأطفال، فهل الذي يذهب لحرب وقتال كان ليأخذ معه نساءه واطفاله وأملاكه من الأنعام ليعرضها للخطر، إن غريزة الرجال الذكور البشريين هي حماية النساء دومًا وزعم ابن إسحاق، وتختلف روايته عن الواقدي وأحمد في أنهما ذكرا أن قتيل ابن أبي الحدرد كان رجلًا عاديًّا، أم ابن إسحاق فيزعم أن المقتول هو الزعيم الجشمي المذكور، وبرأيي أنه مبهم ووهمي، كذلك ذكرا أن السرية كانت للغارة على غطفان وهو يذكر أنها على قبيلة جشم، إن السياق عنده تبريري يحاول تلطيف صورة محمد وأصحابه لذلك كثيرًا ما لا يذكر أشياء في حين يذكرها غيره كالواقدي والطبراني في معجميه الكبير والأوسط وأحمد بن حنبل، كقصة المرأة المؤثرة تلك وأعمال سبي النساء والأطفال، وتوزيع محمد للنساء المخطوفات كهدايا لجنوده وبرأيي أن أفعالًا كهذه القوادة أشرف منها مليون مرة، فالقوّاد لا يقوم بترتيب عمليات للاغتصاب والاستعباد على الأقل.

 

معاني كلمات:

 

قال السندي: "فأنفِّلكه" من التنفيل، أي: أُعطيكه.

"فَحْمة العشاء" بالفتح، أي: سواده الذي يظهر أولاً.

"ولا تُمعِنُوا" من الإمعان: وهو المبالغة في الطلب.

"خضرة" أي: مالاً، فإنه الحُلْو الخَضِر كما في الحديث، أو دماً وقتلاً، فإن الدم لسواده يمكن أن يوصف بالإخضار.

"فلما رأيت إلا أن أتبعه" أي: رأيت أن لا مصلحة إلا في اتباعه.

"على جُريداء مَتْنه" الجريداء بالمد: تصغير الجَرداء، والمتن: الظَّهر، والمراد: على وسطه، وهو موضع القفا المتجرِّد عن اللحم، والله تعالى أعلم.

"فتُكبر" أي: تستثقل عدم حضور زوجها لأجلها.

"خالَطكم" أي: قاتلكم.

"فشِمْه" من الشَيم: وهو الإغماد ويجيءُ بمعنى السَّل أيضاً، فهو من الأضداد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


صورة مشابهة للأعمال الهمجية التي كانت تحدث في تلك الغزوات كغزوة الغابة-خضرة من سبي للنساء وسوق ومتاجرة وامتلاك لهن كالمواشي والأنعام والممتلكات

 

 

لا يختلف ما تقوم به داعش الإرهابية من دناءة واغتصاب واستعباد وتخريب

وقتل وتعذيب اليوم عن أفعال محمد والمسلمين قديمًا

سرية إلى بني عبس

 

لم يذكرها كتبة كتب السيرة، وإنما ذكرها مسلم في صحيحه وأبو عوانة في مسنده والبيهقي في دلائل النبوة:

 

فروى مسلم:

 

[ 1424 ] وحدثني يحيى بن معين حدثنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني تزوجت امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئا قال قد نظرت إليها قال على كم تزوجتها قال على أربع أواق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه قال فبعث بعثا إلى بني عبس بعث ذلك الرجل فيهم

 

وفي مسند أبي عوانة:

 

4145- حدثنا حمدان بن علي الوراق والصغاني قالا ثنا زكريا بن عدي  قثنا مروان بن معاوية عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني تزوجت امرأة. قال ( أنظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئا قال نعم قد نظرت إليها. قال على كم تزوجتها؟ قال على أربع أواق. قال على أربع أواق؟! لو كنتم تنحتون الذهب والفضة من عرض هذه الجبال! ما عندنا شيء اليوم نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه. قال فبعث بعثا إلى بني عبس وبعث الفتى معهم )

 

بنو عبس لم يقوموا بأي فعل ضد المسلمين، وليس لهم أي ذكر في أي حروب مع محمد وأتباعه، وإنما هي تعاليم العنف القرآني التي ظهرت بأشد وضوح منذ السنة 4هجرية، حروب تكفيرية ضد الوثنيين لإجبارهم على ديانة الإسلام أو إبادتهم، حرب عنصرية إجرامية وحشية بكل المقاييس الإنسانية المتحضرة المتعقلة. وهذه الغزوة لا نعلم تاريخ حدوثها لكنها ما بين 4ه بدء تنامي العنف المحمدي و8ه ربما قبل فتح (اقتحام) مكة.

 

ملاحظة: وقد تكون هذه الغزوة هي نفسها الغزوة السابقة سرية الغابة أو خضرة مكررة، فبنو جشم وبنو عبس كلاهما من قبائل قيس عيلان، فلعل الرواة خلطوا ولم يضبطوا تحديدهم لاسم القبيلة.

 

 

                                                      

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في ذكر غارة إرهابية على بني سليم

 

وجدت في كتب الحديث غزوة لم يذكرها كتبة كتب السيرة، ولا نعلم وقت وقوعها بالضبط، لكنها تقع ما بين سنة أربعة هجرية حينما تنامى عنف محمد وبين سنة ثمانية هجرية قبل فتح أو اقتحام مكة.

 

فقد روى أحمد بن حنبل:

 

2462 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَخَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسُوقُ غَنَمًا لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمِ إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ، فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَتَوْا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] إِلَى آخِرِ الْآيَةَ

 

ورواه أحمد 2023 والترمذي 3030 وابن أبي شيبة 29544 و 33777 والطبراني في المعجم الكبير 11731

 

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه (من مشايخ البخاري وأساتذته الذين روى عنهم):

 

33776- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قال: خَرَجَ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ فِي سَرِيَّةٍ، قال: فَمَرُّوا بِرَجُلٍ فِي غَنِيمَةٍ لَهُ فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَقال: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, فَقَتَلَهُ مِقْدَادٌ, فَقِيلَ لَهُ: قَتَلْتَهُ وَهُوَ يَقُولُ: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَقال: الْمِقْدَادُ: وَدَّ لَوْ فَرَّ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، قال: فَلَمَّا قَدِمُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمَ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: الْغَنِيمَةُ {فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ}، قال: تَكْتُمُونَ إيمَانَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} فَأَظْهَرُوا الإِسْلاَمَ {فَتَبَيَّنُوا} وَعِيدَ اللهِ {إنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.

 

وانظر ابن أبي شيبة 29543

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير:

 

12379 - حدثنا أحمد بن علي بن الجارود الأصبهاني ثنا الحكم ابن ظبيان المازني ثنا جعفر بن سلمة الوراق ثنا أبوبكر بن علي بن عطاء ابن مقدم ثنا حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فأهوى إليه المقداد فقتله فقال له رجل من أصحابه: قتلت رجلا قال لاإله إلا الله والله ليذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يارسول الله إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد فقال: (ادعوا لي المقداد - فقال - يامقداد قتلت رجلا قال: لا إله إلا الله فكيف لك بلا إله إلا الله ؟) قال: فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان رجلا مؤمنا يخفي إيمانه مع قوم كفار فقتلته وكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة)

 

وروى أبو داوود:

 

3974 - حدثنا محمد بن عيسى ثنا سفيان ثنا عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال لحق المسلمون رجلًا في غنيمة له فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا تلك الغنيمة فنزلت {ولاتقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا} تلك الغنيمة

 

ولعل ما رواه البخاري شاهد على هذه الحادثة والجريمة، رغم أن ظاهره سؤال بريء وحوار نظري، لكن لعله جدال على خلفية الفعل المذكور:

 

6865 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيٍّ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ حَدَّثَهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَقِيتُ كَافِرًا فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ وَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ آقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ طَرَحَ إِحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا آقْتُلُهُ قَالَ لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمِقْدَادِ إِذَا كَانَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ يُخْفِي إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ فَقَتَلْتَهُ فَكَذَلِكَ كُنْتَ أَنْتَ تُخْفِي إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ

 

4019 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ ح حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ

 

ورواه مسلم 95  وابن أبي شيبة 29546 و 33779 وأحمد 23817 وأبو داوود 2644  والنسائي في سننه الكبرى 8591 والطبراني 20/ (594)

 

ورووا كذلك ما قد يكون عن نفس القصة أو عن غيرها، روى الطبراني في المعجم الكبير ج17:

 

980 - حدثنا فضيل بن محمد الملطي ثنا أبو نعيم ( ح ) وحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا هدبة بن خالد ( ح ) وحدثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقري ( ح ) وحدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ثنا القعنبي ( ح ) وحدثنا المقدام بن داود ثنا أسد بن موسى قالوا ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: أتاني أبو العالية أنا وصاحب لي فقال هلما وأنتما أشب مني وأوعى للحديث مني فانطلق بنا حتى أتى بنا إلى بشر بن عاصم الليثي فقال: حدث هذين حديثك

فقال بشر حدثنا عقبة بن مالك وكان من رهطه فقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على قوم فشذ رجل من القوم فتبعه رجل من أهل السرية معه السيف شاهره فقال الشاذ من القوم: إني مسلم فلم ينظر فيما قال. قال: فضربه فقتله فنما الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا فبلغ القاتل. قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القائل والله يا رسول الله ما قال الذي قاله إلا تعوذًا من القتل فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم و عمن قبله من الناس و أخذ في خطبته ثم قال الثانية : و الله ما قال هذي قال إلا تعوذًا من القتل فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته ثم لم يصبر أن قال الثالثة : والله ما قال الذي قال إلا تعوذًا من القتل فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة في وجهه ثم قال: "إن الله أبى علي فيمن قتل مؤمنًا". قالها ثلاثًا

 

981 - حدثنا علي بن عبد العزيز وأبو مسلم الكشي قالا ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال قال: جمع بيني وبين بشر بن عاصم رجل فحدثني عن عقبة بن مالك أن جيشا لرسول الله صلى الله عليه و سلم غشوا أهل ماء صبحا فثار رجل من الماء فحمل عليه رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مسلم فقتله، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم أُخبِر بذلك فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : "أما بعد فما بال المسلم يقتل المسلم و هو يقول اني مسلم" فقال يا رسول الله قالها تعوذا فقال هكذا وحول وجهه عنه فقال : "إن الله أبى علي فيمن قتل مسلمًا" قالها ثلاثا

 

وروى أحمد بن حنبل نحوه:

 

17009 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: جَمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ، رَجُلٌ فَحَدَّثَنِي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ سَرِيَّةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَشُوا أَهْلَ مَاءٍ صُبْحًا، فَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَخْبَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنِّي مُسْلِمٌ "، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا ، فَصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَهُ، وَمَدَّ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَقَالَ: " أَبَى الله عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

 

إسناده صحيح إن كان بشر بن عاصم الليثي هو الذي وثقه النسائي، فقد قال الحافظ في "التهذيب": لم ينسبه النسائي إذ وثقه، وزعم أن ابن القطان أن مراده بذلك الثقفي وأن الليثي مجهول الحال. قلنا: قد أطلق الذهبي في "الميزان" توثيقه عن النسائي، ومشى على توثيقه الحافظ في "التقريب"، فقال: صدوق يخطئ، وإن لم يكنه، فقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات" فهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح. ويبقى الحديث صحيحاً بشواهده. وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح.

 

17007 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْقَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَشْرُ بْنُ عَاصِمٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ مِنْ رَهْطِهِ -، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً ، فَسَلَّحْتُ رَجُلًا سَيْفًا . قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا لَامَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَعَجَزْتُمْ إِذْ بَعَثْتُ رَجُلًا، فَلَمْ يَمْضِ لِأَمْرِي أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لِأَمْرِي ؟ "

 

أن تقتل إنسانًا دون أن يكون له جريرة قتل نفس، بسبب معتقداته، أن تقاتل وتقتل لأجل أن أوهام وخرافات أخيك في الإنسانية مختلفة عن خرافاتك لهو شيء أحمق وخسيس وسخيف، أن تقتل رجلًا لم يرفع عليك سلاحًا وكان يسلّم عليك بمودة وأخوة إنسانية مزروعة في أغلب طباعنا فهذا عدوان وإجرام ووحشية.

 

يبدو أن صياغة محمد للآية سببها حدوث أكثر من حادثة قتل لشخص مسلم أو يُبدي نفسه كذلك، في حين يقتله أتباع محمد تبعًا لأوامره الإجرامية في القرآن بقتل الوثنيين ما لم يسلموا بالإجبار، وإذا حاكمت وقتلت الناس على أساس عقائدها وممارساتها التعبدية، فإن الخطوة المنطقية التالية التي لا مفر منها في سياق إرهاب تكفيري كهذا (وشبيه به محاكم التفتيش المسيحية القديمة) هو مراقبة الممارسات والخصوصيات وانتهاك حرمة الحياة الشخصية والحريات وانتهاء بقتل الناس دون جريرة بشكل إرهابي لأجل ما يعتقدون أو ما يظن واحد منهم أن الآخر يعتقده وفق عملية تفتيش وتمحيص للضمائر والأفكار. أما اعتراض محمد فلن يكون له أي نتيجة ونرى في كتابنا هذا كيف أن النهج التكفيري الإسلامي وهو أساس الإسلام أدى إلى سفك دماء المسلمين بأيدي مسلمين بسبب التفتيش في الضمائر ومحاربة الناس لأجل عقائد وخرافات، منذ عصر محمد نفسه كما في غزوة جذيمة وغزوة جذام وسرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني مرة بفدك وسرية إضم وغزوة أوطاس وهذه الغارة وغيرها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غارة على بني عبد الله بن كعب

 

ورد ذكرها في بعض كتب الحديث والتراجم ولم يذكرها كتاب السيرة المحمدية، ولا يُعرَف وقت حدوثها بالتحديد، ويقول محمد بن سعد في الطبقات بترجمة الصحابي راويها: أنس بن مالك: رجل من بني عبد الله بن كعب. ثم أحد بني الحريش من بني عامر بن صعصعة. و قال السندي في شرح مسند أحمد: أنس بن مالك الكعبي القشيري، أبو أمية، وقيل: أبو أميمة، وهذا غير الخادم المشهور، وهذا أيضاً نزل البصرة.

 

وروى أحمد بن محمد بن حنبل في مسنده:

 

19047 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: "ادْنُ فَكُلْ" قُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ . قَالَ: "اجْلِسْ أُحَدِّثْكَ عَنِ الصَّوْمِ أَوِ الصَّائِمِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ"، وَاللهِ لَقَدْ قَالَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، فَيَا لَهْفَ نَفْسِي، هَلَّا كُنْتُ طَعِمْتُ مِنْ طَعَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

حديث حسن، ورواه بأسانيده ابنُ سعد في الطبقات الكبير 7/45، والترمذي (715) ، وابن ماجه (1667) و (3299) ، وابن خزيمة (2044) وعبد بن حميد في "المنتخب" (431) ، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/471- 472، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1493) ، وابن خزيمة (2044) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/423، وابن قانع في "معجمه" 1/15-16، والطبراني في "الكبير" (765) و(766) ، وابن عدي في "الكامل" 6/2220، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (829) ، والبيهقي في "السنن" 3/154 و4/231 والنسائي في "المجتبى" 4/190، وفي "السنن الكبرى" (2624) وأحمد بن حنبل في مسنده  (19048) ، و5/29

 

 

 

20326 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، قَالَ: كَانَ أَبُو قِلَابَةَ حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ لِي: هَلْ لَكَ فِي الَّذِي حَدَّثَنِيهِ؟ قَالَ: فَدَلَّنِي عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي قَرِيبٌ لِي يُقَالُ لَهُ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبِلٍ لِجَارٍ لِي أُخِذَتْ، فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَدَعَانِي إِلَى طَعَامِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: "ادْنُ"، أَوْ قَالَ: "هَلُمَّ أُخْبِرْكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ، وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ"، قَالَ: كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَلَهَّفُ، وَيَقُولُ: "أَلَا أَكُونُ أَكَلْتُ مِنْ طَعَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَعَانِي إِلَيْهِ"

 

حديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرواي الذي حدَّث عن أنس بن مالك. وأخرجه النسائي 4/180- 181، وابن خزيمة (2042) و(2043)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/468-470، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/423، وفي "شرح مشكل الآثار" (4268) و(4265) و(4267)، والطبراني (762) و(763) و(764)، والبيهقي 4/231، وعبد الرزاق (7560) ، ومن طريقه البخاري في "تاريخه" 2/29،

 

وفي المعجم الكبير للطبراني ج1:

 

764 - حدثنا موسى بن هارون و الحسين بن إسحاق التستري قالا ثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر قال أيوب قال لي أبو قلابة هو حي فالقه واسمع منه الحديث. قال أيوب فلقيت العامري فحدثني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث خيلا فأغارت على إبل جار لنا فذهبت بها فانطلق في ذلك إما قال أبي وإما قال عمي أو قال قرابة قريبة منه فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذاك قال : فأتيته وهو يأكل فقال: "هلم الغداء" فقلت : إني صائم قال : "هلم أحدثك عن ذلك إن الله عز و جل وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة وعن الحبلى" أو قال : "المرضع" وأمر بالإبل فردت. فكان إذا حدث بهذا الحديث تلهف ويقول : ألا كنت أكلت من طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وفي بعض الروايات كما في السنن الكبرى للنسائي أنه قصد محمدًا في المدينة بأن سافر إليه، وكما نرى كانت هذه غارة إرهابية جهادية لإكراه إحدى القبائل على الإسلام بالعنف والغارات والنهب والقتال، حتى أن محمدًا الآمر بها لم يعلم بوجود مسلمين أتباع له بالقبيلة، ومنذ عصر محمد التأسيسي للإسلام بأفكاره الأساسية ونهجه التكفيري سُفِكَت الدماء المسلمة ونهبت أموال المسلمين ذات أنفسهم بأيدي المسلمين الآخرين، ناهيك عن قتل البشر الأبرياء تحت دعوى نشر دين إلهي خرافي مزعوم لتبرير القتل والنهب والسلب.

 

غارة على قُشَريين مسلمين

 

ورد ذكرها في مسند أحمد بن حنبل 20014 و20017 و20019 و20042 ومستدرك الحاكم وسنن أبي داود وغيره، والطبقات الكبير والإصابة في استيعاب الصحابة والاستيعاب في معرفة الصحابة في ترجمة معاوية بن حيدة بن معاوية بن قُشَيْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بن صعصعة. ولا نعلم وقت حدوثها بالضبط وإنما وضعتها هنا اعتباطًا ووفق أقرب تقدير زمني أمكنني.

 

ورغم أن معاوية بن حيدة كان قد وفد على محمد في وقتٍ ما ربما ما بين السنتين 6 و8 هجرية، وأخباره وسؤالاته الدينية ترد بمسند أحمد بمسند حديث حكيم بن معاوية البهزي عن أبيه معاوية بن حيدة، لكن كالعادة نتاج المنهج الديني الإسلامي الشمولي التوحيدي التكفيري الإرهابي تعرض المسلمون أنفسهم_وليس فقط الوثنيون_لسفك الدم والنهب والسبي والتشريد بأيدي المسلمين الآخرين أنفسهم من جنود محمد! فقام جنوده بغارة على قوم من بني قُشَير_ربما ما بين السنتين 7 و8 هجرية_ وأتى معاوية وأخوه مالك بن حيدة لتحرير قومهما جيرانهما عن طريق الشهادة بأنهم من المسلمين:

 

روى أحمد بن حنبل:

 

20014 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو قَزَعَةَ سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَخَاهُ مَالِكًا قَالَ: "يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ مُحَمَّدًا أَخَذَ جِيرَانِي فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ عَرَفَكَ وَكَلَّمَكَ". قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَقَالَ: "دَعْ لِي جِيرَانِي ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا أَسْلَمُوا". فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ مُتَمَعِّطًا فَقَالَ: "أَمْ وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتَ إِنَّ النَّاسَ لَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَأْمُرُ بِالْأَمْرِ، وَتُخَالِفُ إِلَى غَيْرِهِ"، وَجَعَلْتُ أَجُرُّهُ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يَقُولُ؟" فَقَالُوا: "إِنَّكَ وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ إِنَّ النَّاسَ لَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَتَأْمُرُ بِالْأَمْرِ وَتُخَالِفُ إِلَى غَيْرِهِ". قَالَ: فَقَالَ: "أَوَ قَدْ قَالُوهَا أَوْ قَائِلُهُمْ فَلَئِنْ فَعَلْتُ ذَاكَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا عَلَيَّ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ أَرْسِلُوا لَهُ جِيرَانَهُ"

 

إسناده حسن من أجل حكيم بن معاوية: وهو ابن حَيدة القُشَيْري. وأخرجه الحاكم 3/642

 

20017 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ أَبَاهُ أَوْ عَمَّهَ، قَامَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "جِيرَانِي بِمَ أُخِذُوا؟" فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَخْبِرْنِي بِمَ أُخِذُوا؟" فَأَعْرَضَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: "أَخْبِرْنِي بِمَ أُخِذُوا؟" فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَقَالَ: "لَئِنْ قُلْتُ ذَلِكَ إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْغَيِّ وَتَسْتَخْلِي بِهِ". فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا قَالَ؟" فَقَامَ أَخُوهُ أَوْ ابْنُ أَخِيهِ . فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ قَالَ". فَقَالَ: "لَقَدْ قُلْتُمُوهَا أَوْ قَائِلُكُمْ، وَلَئِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ إِنَّهُ لَعَلَيَّ وَمَا هُوَ عَلَيْكُمْ خَلُّوا لَهُ عَنْ جِيرَانِهِ".

 

إسناده حسن. وأخرجه أبو داود (3631) عن محمد بن قدامة، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي" (41)، والطبراني في "الكبير" 19/ (997)

 

معاني كلمات

قال السندي: "متمعَّطاً": متسخَّطاً متعصَّباً.

"لئن فعلتَ" بالخطاب، أي: حَبْسَ جيراني مع إسلامهم.

"أو قائلهم" اسم فاعل مبتدأ لتقدُّم الاستفهام، والضمير فاعلٌ سدَّ مسد الخبر، و"أو" للشك من الراوي، ويحتمل أن يكون بالإضافة إلى الضمير، أي: أَوَقائلهم يقول ذلك، ويؤيده ما يجيء بعده من الرواية.

"فلئن فعلتُ ذاك" الجزاء مقدَّر، أي: لكان قولُهم حقاً، قال ذلك حين اعتمد عَلى خبره وظهر له أنه حق.

وقوله: تستخلي به، أي: تستقل به وتنفرد.

 

20019- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ قَوْمِي فِي تُهْمَةٍ فَحَبَسَهُمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَلَامَ تَحْبِسُ جِيرَتِي ؟ فَصَمَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا لَيَقُولُونَ إِنَّكَ تَنْهَى عَنِ الشَّرِّ، وَتَسْتَخْلِي بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَقُولُ ؟ " قَالَ: فَجَعَلْتُ أَعْرِضُ بَيْنَهُمَا بِالْكَلَامِ مَخَافَةَ أَنْ يَسْمَعَهَا، فَيَدْعُوَ عَلَى قَوْمِي دَعْوَةً، لَا يُفْلِحُونَ بَعْدَهَا أَبَدًا، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ حَتَّى فَهِمَهَا فَقَالَ: " قَدْ قَالُوهَا أَوْ قَائِلُهَا مِنْهُمْ، وَاللهِ لَوْ فَعَلْتُ لَكَانَ عَلَيَّ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ خَلُّوا لَهُ عَنْ جِيرَانِهِ "

 

إسناده حسن، بهز بن حكيم وأبوه صدوقان.وهو في "مصنف" عبد الرزاق (18891) ، ومن طريقه أخرجه أبو داود (3630) ، والطبراني في "الكبير" 19/ (996) ، والحاكم 1/125 و4/102، وابن حزم في "المحلى" 11/131، والبيهقي 6/53، وأخرجه الترمذي (1417) ، والنسائي 8/66-67 و67، والطبراني في "الكبير" 19/ (998) ، وفي (الأوسط) (154) ، وابن عدي في "الكامل" 2/499 و500، وابن حزم في "المحلى" 11/131، وعن عراك بن مالك مرسلاً عند عبد الرزاق (18892) ، والعقيلي 1/54.

 

 

ووفق المنهج التكفيري الذي أسسه محمد لفصم الإخاء الإنساني ومبادئ الأخلاق فهؤلاء فقط_من أسلموا_ وفق الإسلام من لا يجوز العدوان عليهم بالقتل والنهب والسبي والاستعباد! أما الوثنيون عامة ومن يقاوم الاحتلال العربي الإسلامي _ولاحقًا الأفغاني والمغولي والتركي الإسلامي وغيره_من أتباع الكتاب المقدس فلا مانع من ممارسة كل أشكال العنف المذكورة معهم وفق النهج الإرهابي. وهكذا نكرر النهج الإرهابي منذ تأسس بيد محمد طال ضرره المسلمين أنفسهم كما سيحدث دومًا حتى انتهاء ذلك الدين واتباع الناس له ربما يومًا ما في المستقبل عندما تنضج البشرية وتتحرر من الخرافات والترهات.

 

 

 

 

 

 

الغارة على البحرين

 

ورد ذكرها في كتابي حديث هما مصنف عبد الرزاق وسنن البيهقي الكبرى

 

روى عبد الرزاق في مصنفه:

 

15317 - أخبرنا عبد الرزاق قال قال بن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه أن أبا أسيد جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم بسبي من البحرين فنظر النبي صلى الله عليه و سلم إلى امرأة منهن تبكي قال ما شأنك قالت باع ابني قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي أسيد أبعت ابنها قال نعم قال في من قال في بني عبس فقال النبي صلى الله عليه و سلم اركب أنت بنفسك فأت به

 

وروى البيهقي في السنن الكبرى:

 

18088 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري ثنا بن وهب أخبرني بن أبي ذئب وأنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه قال بن أبي ذئب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن أبا أسيد الأنصاري رضي الله عنه قدم بسبي من البحرين فصفوا فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر إليهم فإذا امرأة تبكي فقال ما يبكيك قالت بيع ابني في عبس فقال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي أسيد لتركبن فلتجيئن به كما بعت بالثمن فركب أبو أسيد فجاء به هذا وإن كان فيه إرسال فهو مرسل حسن شاهد لما تقدم

 

 

يعني كما نرى مزيد من الحروب والغارات الإرهابية للترويع والإكراه الديني واستعباد البشر وبيعهم والنهب والسلب.

 

ولا نعلم تحديدًا متى حدثت تلك الغارة الجريمة، لكن لدينا شواهد أنها قبل معركة حنين، لأن الواقدي يقول في سياق توزيع غنائم هوزان المنهوبة:

 

... وَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي شَيْءٍ مِنْ الدّنْيَا تَأَلّفْت بِهِ قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاءِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللهِ إلَى رِحَالِكُمْ؟ وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْت شِعْبَ الْأَنْصَارِ. أَكْتُبُ لَكُمْ بِالْبَحْرَيْنِ كِتَابًا مِنْ بَعْدِي تَكُونُ لَكُمْ خَاصّةً دُونَ النّاسِ! فَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْصَارِ.

قَالُوا: وَمَا حَاجَتُنَا بِالدّنْيَا بَعْدَك يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إمّا لَا فَسَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتّى تَلْقَوْا اللهَ وَرَسُولَهُ....

 

وروى البخاري ما يشهد بذلك:

 

2376 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطِعَ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: حَتَّى تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنَا، قَالَ: «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي»

 

2377 - وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَنْصَارَ لِيُقْطِعَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ فَعَلْتَ فَاكْتُبْ لِإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي»

 

3158 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ البَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ العَلاَءَ بْنَ الحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: «أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ؟»، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»

 

3165 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَقَالَ: «انْثُرُوهُ فِي المَسْجِدِ»، فَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ العَبَّاسُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي إِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا، قَالَ: «خُذْ»، فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ، قَالَ: «لاَ» قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: «لاَ»، فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَرْفَعْهُ، فَقَالَ: فَمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ، قَالَ: «لاَ»، قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: «لاَ»، فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَمَا زَالَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا، عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ

 

4383 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعَ ابْنُ المُنْكَدِرِ، جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، وَهَكَذَا». ثَلاَثًا، فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ البَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي، قَالَ: جَابِرٌ: فَجِئْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَخْبَرْتُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا» ثَلاَثًا، قَالَ: فَأَعْطَانِي، قَالَ جَابِرٌ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُعْطِنِي، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي، فَقَالَ: أَقُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي؟ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ البُخْلِ، قَالَهَا ثَلاَثًا، مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ، وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: " جِئْتُهُ، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا، فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ، فَقَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ "

 

ولا شك أن هذا الصلح واتباع الإسلام من جانب الوثنيين بالإكراه كان بعد الغارة الإرهابية المذكورة. ونرى توزيع محمد للثروات بصورة إقطاعية طبقية لصفوة وحلقة أقاربه وأتباعه المناصرين من الخاصة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سَرِيّةُ أَبِى قَتَادَةَ إلَى إِضَمَ فِى رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ

 

جاء في (الأماكن) للحازمي: إضم: اسم موضع شمال المدينة من أرض جُهَينة، يقع خلف جبل أُحد وهو مجتمع أودية المدينة، ومنه تنحدر سيول هذه الأودية إلى وادي الحمض حتى تصب في البحر الأحمر بين أم لُجٍّ والوجه. جاء في (معجم البلدان) لياقوت الحموي: وقال السيد علي: إضم واد بجبال تهامة وهو الوادي الذي فيه المدينة ويسمى من عند المدينة القناة ومن أعلا منها عند السد يسمى الشظاة ومن عند الشظاة إلى أسفل يسمى إضما إلى البحر.... قال ابن السكيت إضم واد يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر وأعلى إضم القناة التي تمر دون المدينة، وقيل إضم واد لأشجع وجهينة، وجاء في (معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع) للبكري الأندلسي: إضم بكسر أوله، وفتح ثانيه: وادٍ دون المدينة، قاله الطّوسيّ. وقال أبو عمرو الشّيبانيّ وابن الأعرابيّ: إضم: جبل لأشجع وجهينة، وقيل وادٍ لهم.

 

روى البخاري:

 

بَاب {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} السِّلْمُ وَالسَّلَمُ وَالسَّلَامُ وَاحِدٌ


4591 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} تِلْكَ الْغُنَيْمَةُ قَالَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ السَّلَامَ

 

ورواه مسلم برقم 3025 وأبو داوود 3974 وغيرهم

 

ويروي أحمد بن حنبل في مسنده مخرجًا عن ابن إسحاق:

 

23881 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ: " بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِضَمَ، فَخَرَجْتُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَمُحَلَّمُ بْنُ جَثَّامَةَ بْنِ قَيْسٍ "، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنِ إِضَمَ مَرَّ بِنَا عَامِرٌ الْأَشْجَعِيُّ عَلَى قَعُودٍ، لَهُ مَعَهُ مُتَيِّعٌ وَوَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ، فَلَمَّا مَرَّ بِنَا، سَلَّمَ عَلَيْنَا، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلَّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، فَقَتَلَهُ بِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ وَمُتَيِّعَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، نَزَلَ فِينَا الْقُرْآنُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 94]

 

معاني كلمات: قال السندي: "قَعُود" بفتح القاف: ما أمكن أن يُركَب عليه من البعير.

"مُتيِّع" بتشديد الياء: تصغير متاع.

و"وَطْب" بفتح فسكون: سِقاءُ اللبن يُتَّخذ من جلدٍ.

 

وهذا النص بعينه أصله في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق ج4، فلا داعي لتكراره، والكلمة الوحيدة المختلفة هي (فلما مرَّ بنا سلم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه) ويضيف ابن هشام: قرأ أبو عمرو بن العلاء: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} لهذا الحديث.

 

ومن طريق ابن إسحاق أخرجه ابن أبي شيبة 14/547، وابن الجارود (777)، والطبري في "تفسيره" 5/222-223، والبيهقي في "دلائل النبوة" 4/305 و306، و أخرج البخاري (4591)، ومسلم (3025) عن ابن عباس قال: لقي ناسٌ من المسلمين رجلاً في غُنيمةٍ له، فقال: السلام عليكم، فأخذوه فقتلوه وأخذوا تلك الغُنيَمة، فنزلت: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السَّلام لستَ مؤمناً)  

 

ويقول ابن سعد في الطبقات:

 

قالُوا: لما هُم رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغزو أهل مكّة بعث أَبَا قتادة بْن ربعي فِي ثمانية نفر سرية إلى بطن إضم. وهي فيما بين ذي خشب وذي المروة. وبينها وبين المدينة ثلاثة برد. ليظن ظان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توجه إلى تلك الناحية ولأن تذهب بذلك الأخبار. إلخ

 

وروى الواقدي عن هذه الخدعة الحربية كذلك:

 

....وَقَالَ لأَبِى بَكْرٍ: “اطْوِ مَا ذَكَرْت لَك”، فَظَانّ يَظُنّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص يُرِيدُ الشّامَ وَظَانّ يَظُنّ ثَقِيفًا، وَظَانّ يَظُنّ هَوَازِنَ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِىّ فِى ثَمَانِيّةِ نَفَرٍ إلَى بَطْنِ إِضَمَ لِيَظُنّ ظَانّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص تَوَجّهَ إلَى تِلْكَ النّاحِيَةِ وَلأَنْ تَذْهَبَ بِذَلِكَ الأَخْبَارُ.

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ أَبِى حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ ص إلَى بَطْنِ إِضَمَ أَمِيرُنَا أَبُو قَتَادَةَ فِى تِلْكَ السّرِيّةِ وَفِيهَا مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ اللّيْثِىّ، وَأَنَا فِيهِمْ فَبَيْنَا نَحْنُ بِبَعْضِ وَادِى إِضَمَ إذْ مَرّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الأَضْبَطِ الأَشْجَعِىّ فَسَلّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيّةِ الإِسْلامِ فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلّمُ ابْنُ جَثّامَةَ فَقَتَلَهُ وَسَلَبَهُ بَعِيرًا لَهُ وَمَتَاعًا وَوَطْبًا مِنْ لَبَنٍ كَانَ مَعَهُ، فَلَمّا لَحِقَنَا النّبِىّ ص نَزَلَ فِينَا الْقُرْآنُ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا} الآيَةَ. فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَلْقَوْا جَمْعًا حَتّى انْتَهَوْا إلَى ذِى خُشُبٍ فَبَلَغَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص قَدْ تَوَجّهَ إلَى مَكّةَ، فَأَخَذُوا عَلَى بِين حَتّى لَحِقُوا النّبِىّ ص بِالسّقْيَا.

 

مجرد رجل بسيط مسالم يسعى في معاشه وحياته، معه متاع بسيط (متيع) وسقاء حليب، مجرد مارّ يحييك، أن تقوم بقتل شخص كهذا لمجرد اختلافه معك في عقيدتك، تبعًا لأوامر القرآن، فهذا هو التعريف العملي للإرهاب والعنف باسم الدين والخرافة والهراء لتبرير أعمال وحشية كهذه، لكن ليس هذا هو ما عليه الأمر فحسب، فحينما أمر محمد بهذا التحرك العسكري كان غرضه إلهاء قريش وتغفيلها ليهجم على مكة، لكنه في فعله ذلك نقض عهدًا كان قام به معه قبيلة أشجع (وهي إحدى بطون غطفان) سنة 5ه، بينما نحن الآن نتحدث عن سنة8ه، جاء في الطبقات الكبير لمحمد بن سعد/ج1/عنوان: وفادات العرب على رسول الله:

 

وفد أشجع

قالوا: وقدمت أشجع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الخندق. وهم مائة رأسهم مسعود بن رُخَيْلة. فنزلوا شِعْب سِلْعٍ. فخرج إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر لهم بأحمال التمر. فقالوا: يا محمد لا نعلم أحدًا من قومنا أقرب دارًا منك منا. ولا أقل عددًا. وقد ضقنا بحربك وبحرب قومك. فجئنا نوادعك. فوادعهم. ويقال بل قدمت أشجع بعد ما فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بني قريظة. وهم سبعمائة. فوادعهم ثم أسلموا بعد ذلك.

 

وذكر كذلك نص الموادعة أو معاهدة السلام في ج1/ ذِكْرُ بِعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّسُلَ بِكُتُبِهِ إِلَى الملوك يدعوهم إلى الْإِسْلَام وما كتب بِهِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لناس مِن العرب وغيرهم، كالتالي:

 

قالوا: وكتب رسول الله. ص: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا حَالَفَ عَلَيْهِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ رُخَيْلَةَ الأَشْجَعِيُّ. حَالَفَهُ عَلَى النَّصْرِ وَالنَّصِيحَةِ مَا كَانَ أَحَدٌ مَكَانَهُ مَا بَلَّ بَحْرٌ صُوفَةً. وَكَتَبَ عَلِيٌّ.

 

وقد ذكر ابن كثير في السيرة النبوية له (وهي جزء من كتابه البداية والنهاية) في أحداث سنة خمسة هجرية وفد أشجع وهو يعزو خبره إلى الواقدي بقوله (وفد أشجع ذكر الواقدي...إلخ)، ولي ملحوظة هنا أن لا أحد قبلي حلّل ذلك التحليل وتبين ذلك الأمر فيما أعلم، وهو كما ترون واضح جلِيّ، والرواة غفلوا أو تغافلوا عنه لأنه يفضح تاريخ الإسلام ومحمد مؤسسه.

 

هذه الغزوة كلها غدر فهي على قوم لهم عهد معه، وعلى أرض لجهينة وذكرنا أيضًا في غزوة الخبط أنه قد كان لهم عهد معه ونقضه وغدرَه كالعادة، فمحمد وأتباعه من أكبر وأسوأ ناقضي العهود على مر التاريخ.

 

وقد صاغ محمد آية قرآنية بسبب هذه الحادثة وغيرها كذلك كغزوة أسامة للحرقات من أرض جهينة والغارة على بني سليم:

 

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)} النساء: 92-94

 

محمد لا يفهم المشكلة التي صنعها بتأسيسه للإكراه الديني الإسلامي، فالإكراه على النفاق أو الاتباع الظاهري، يتلوه مراقبة الأفعال والتصريحات، ويعقبه محاسبة وتفتيش الأفكار والضمائر، عندما ترفع السيف على شخص فيحمي نفسه صادقًا أو كاذبًا بالقول أنه مسلم، فلا يمكنك تبين حقيقة الأمر أبدًا، بل قد يكون عدوك وتحت جلدك وبجيشك وفي قياداتك، وهو ما صنع ظاهرة المنافقين في الإسلام، وقبلها في المسيحية كذلك في القرن الثالث الميلادي، ووصل الأمر لمحمد بالنهي في القرآن عن التناجي أي انفراد شخصين بالحديث مع بعضها، هذا أسوأ من دكتاتوريات الصين وكوريا الشمالية والسعودية والسوفييت، أصدقاء لنا كثيرون ممن عرفنا من أحسن ناقدي الإسلام ومبغضيه كدين رجعي وعنيف مكتوب في بطاقات هوياتهم العربية صفة مسلم وهذا شيء مضحك، ويدخل كاتب هذه السطور بنفس هذا الباب رغم أنفه!

 

يذكر لنا ابن إسحاق أن لاحقًا بعد غزوة حنين، طالب عيينة بن حصن الفزاري زعيم غطفان محمدًا بقتل قاتل الرجل الأشجعي (والغطفاني بالتالي)، وبعد مفاوضة طويلة رضي بصعوبة بالدية، وهي النظام الإسلامي المأخوذ من عادات عرب الجزيرة الغريبة ويكاد يكون لا مثيل له في كل باقي الكوكب، لا توجد سوى في كوريا واليابان، وقبل دخول المسيحية في ألمانيا عند قبائلها:

 

قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: سمعت زياد بن ضُمَيْرة بن سعد السُّلمى يحدث عن عُروة بن الزبير عن أبيه، عن جده، وكانا شهدا حُنَينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، ثم عمد إلى ظل شجرة، فجلس تحتها، وهو بحُنين، فقام إليه الأقرع بن حابس، وعيينة بن حِصن بن حذيفة بن بدر، يختصمان في عامر ابن الأضبط الأشْجَعى: عُيينة يطلب بدم عامر، وهو يومئذ رئيس غَطَفان، والأقرع بن حابس يدفع عن مُحلِّم بن جَثَّامة، لمكانه من خِنْدف، فتداولا الخصومة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نسمع، فسمعنا عيينة بن حصن وهو يقول: واللّه يا رسول الله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحُرْقة مثل ما أذاق نسائى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين إذا رجعنا، وهو يأبى عليه، إذ قام رجل من بني لَيْث، يقال له: مُكَيْثر، قصير مجموع - قال ابن هشام: مكيَل فقال: واللّه يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل شبهاً في غُرَّة الإسلام إلا كغنم وردت فرُميت أولاها، فنفَرَت أخراها، اسنُن اليومَ، وغيِّر غداً قال: فرفع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدَه. فقال: بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا، وخمسين إذا رجعنا. قال فقبلوا الدية.

قال: ثم قالوا: أين صاحبُكم هذا، يستغفر له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: قام رجل أدمُ(1) ضَرْب(2) طويل، عليه حُلة له، قد كان تهيأ للقتل فيها، حتى جلس بين يَدَيْ رسول الله

 

___________

(1) الأدم: الأسمر. (2) ضرب: خفيف اللحم.

صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما اسمُك؟ قال: أنا محلِّم بن جَثَّامة، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم قال: اللهم لا تغفر لمحلِّم بن جَثَّامة ثلاثا. فقام وهو يتلقى دمعَه بفضل ردائه. قال: فأما نحن فنقول فيما بيننا: إنا لنرجو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر له، وأما ما ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا.

فحدثني من لا أتهم عن الحسن البصري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس بين يديه: أمَّنْتَهُ باللّه ثم قتلتَه ثم قال له المقالة التي قال.

 

...... قال ابن إسحاق: وأخبرنا سالم أبو النَّضر أنه حُدث: أن عُيينة بن حِصْن وقيساً حين قال الأقرع بن حابس وخلا بهم: يا معشر قيس، منعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا يستصلح به الناس أفأمنتم أن يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلعنكم الله بلعنته، أو أن يغضب عليكم فيغضب الله عليكم بغضبه؟ واللّه الذي نفس الأقرع بيده لتُسْلِمنَّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصنعن فيه ما أراد، أو لآتين بخمسين رجلا من بني تميم يشهدون باللهّ كلهم، لقُتِل صاحبُكم كافراً ما صلى قط، فلاطُلَّنَّ دمه (1) فلما سمعوا ذلك، قبلوا الدية.

 

وأخرجه أحمد بن حنبل عن ابن إسحاق 21081 ومن لفظه (فَأَمَّا نَحْنُ بَيْنَنَا فَنَقُولُ: قَدْ اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَلَكِنَّهُ أَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ، لِيَدَعَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ) وفي 23879 لفظ مطابق لما في السيرة.

 

إسناده ضعيف لجهالة زياد بن ضمرة، لم يرو عنه غير محمد بن جعفر،وأخرجه الطبراني في "الكبير" (5457) من طريق سعيد بن يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو داود (4503)، وابن ماجه (2625)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (978)، وفي "الديات" ص 102، وابن الجارود في "المنتقى" (777)، والبيهقي 9/116 من طرق عن محمد بن إسحاق، به. والطبراني (5455)، والبيهقي 9/116 من طريق عبد الرحمن بن الحارث، عن محمد بن جعفر، به. وقال: عن أبيه، ولم يذكر جده.

 

وروى أبو داوود:

 

______________

(1) أطل دمه: جعل دمه باطلا فلا يؤخذ بثأره ولا تأخذ فيه الدية.

4503 - حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد قال ثنا محمد يعني ابن إسحاق فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال سمعت زياد بن ضميرة الضمري ح وثنا وهب بن بيان وأحمد بن سعيد الهمداني قالا ثنا ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي وهذا حديث وهب وهو أتم يحدث عروة بن الزبير عن أبيه قال موسى وجده وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ثم رجعنا إلى حديث وهب أن محلم بن جثامة الليثي قتل رجلا من أشجع في الإسلام ؟ وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم عيينة في قتل الأشجعي لأنه من غطفان وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم لأنه من خندف فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ياعيينة ألا تقبل الغِيِر؟" فقال عيينة لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي قال ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عيينة ألا تقبل الغير ؟ " فقال عيينة مثل ذلك أيضا إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل عليه شِكّة وفي يده درقة فقال يارسول الله إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلا إلا غنما وردت فرمي أولها فنفر آخرها اسنن اليوم وغير غدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خمسون في فورنا هذا وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة " وذلك في بعض أسفاره ومحلم رجل طويل آدم وهو في طرف الناس فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان فقال يارسول الله إني قد فعلت الذي [ قد ] بلغك وإني أتوب إلى الله تبارك وتعالى فاستغفر الله عز و جل لي يارسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام اللهم لا تغفر لمحلم " بصوت عال زاد أبو سلمة فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه قال ابن إسحاق فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه استغفر له بعد ذلك

 قال أبو داود قال النضر بن شميل الغير الدية . إسناده ضعيف

 

الغير: بكسر الغين وفتح الياء جمع غيرة وهي الدية. الحرب: نهب مال الإنسان وتركه لاشىء له. شِكّة:  بكسر الشين وتشديد الكاف السلاح. الدرقة: الترس من الجلد ليس بها خشب ولا عصب.

 

وعند الواقدي مما ذكره:

 

قَالُوا: وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ الظّهْرَ يَوْمًا بِحُنَيْنٍ، ثُمّ تَنَحّى إلَى شَجَرَةٍ فَجَلَسَ إلَيْهَا، فَقَامَ إلَيْهِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ يَطْلُبُ بِدَمِ عَامِرِ بْنِ الأَضْبَطِ الأَشْجَعِىّ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ قُرَيْشٍ - وَمَعَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، يَدْفَعُ عَنْ مُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ لِمَكَانِهِ مِنْ خِنْدِفَ، فَاخْتَصَمَا بَيْنَ يَدَىْ النّبِىّ ÷ وَعُيَيْنَةُ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، لا وَاَللّهِ لا أَدَعُهُ حَتّى أُدْخِلَ عَلَى نِسَائِهِ مِنْ الْحَرْبِ وَالْحَزَنِ مَا أَدْخَلَ عَلَى نِسَائِى، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “تَأْخُذُ الدّيَةَ”؟ وَيَأْبَى عُيَيْنَةُ، فَارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ وَكَثُرَ اللّغَطُ إلَى أَنْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ: مُكَيْتَلٌ قَصِيرٌ مُجْتَمِعٌ عَلَيْهِ شِكّةٌ كَامِلَةٌ، وَدَرَقَةٌ فِى يَدِهِ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إنّى لَمْ أَجِدْ لِمَا فَعَلَ هَذَا شَبَهًا فِى غُرّةِ الإِسْلامِ إلاّ غَنَمًا وَرَدَتْ، فَرُمِيَتْ أُولاهَا فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا، فَاسْنُنْ الْيَوْمَ وَغَيّرْ غَدًا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَدَهُ، فَقَالَ: “تَقْبَلُونَ الدّيَةَ خَمْسِينَ فِى فَوْرِنَا هَذَا وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالْقَوْمِ حَتّى قَبِلُوهَا”، وَمُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ الْقَاتِلُ فِى طَرَفِ النّاسِ فَلَمْ يَزَالُوا يَرَوْنَهُ وَيَقُولُونَ: رأيتِ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَسْتَغْفِرُ لَك، فَقَامَ مُحَلّمٌ فَقَامَ رَجُلٌ طَوِيلٌ آدَمُ مُحْمَرّ بِالْحِنّاءِ. عَلَيْهِ حُلّةٌ قَدْ كَانَ تَهَيّأَ فِيهَا لِلْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ حَتّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَىْ النّبِىّ ÷ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ كَانَ مِنْ الأَمْرِ الّذِى بَلَغَكُمْ فَإِنّى أَتُوبُ إلَى اللّهِ تَعَالَى فَاسْتَغْفِرْ لِى. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا اسْمُك”؟ قَالَ: أَنَا مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ، قَالَ: “قَتَلْته بِسِلاحِك فِى غُرّةِ الإِسْلامِ، اللّهُمّ لا تَغْفِرْ لِمُحَلّمٍ بِصَوْتٍ عَالٍ يَتَفَقّدُ بِهِ النّاسَ”، قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ كَانَ الّذِى بَلَغَك وَإِنّى أَتُوبُ إلَى اللّهِ تَعَالَى فَاسْتَغْفِرْ لِى، فَعَادَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِصَوْتٍ عَالٍ يَتَفَقّدُ بِهِ النّاسَ: “اللّهُمّ لا تَغْفِرْ لِمُحَلّمٍ حَتّى كَانَتْ الثّالِثَةُ”، قَالَ: فَعَادَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِمَقَالَتِهِ، ثُمّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قُمْ”، فَقَامَ مِنْ بَيْنِ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَهُوَ يَتَلَقّى دَمْعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ.

وَكَانَ ضَمْرَةُ السّلَمِىّ يُحَدّثُ وَكَانَ قَدْ حَضَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، قَالَ: كُنّا نَتَحَدّثُ فِيمَا بَيْنَنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ حَرّكَ شَفَتَيْهِ بِاسْتِغْفَارٍ لَهُ، وَلَكِنّهُ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَ قَدْرَ الدّمِ عِنْدَ اللّهِ.

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير 6/ 41:

 

5455 - حدثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا ابن أبي زياد حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه  أن محلم بن جثامة الليثي قتل رجلا من أشجع في الاسلام وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فتكلم عيينة بن بدر في قتل الأشجعي لأنه رجل من غطفان وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم بن جثامة لأنه رجل من خندف قال: فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا تقبل الغير يا عيينة ؟ ) قال: لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن مثل ما أدخل على نسائي قالها مرتين أو ثلالا إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل في يده درقة فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الاسلام إلا غنم وردت فرمي أولما فنفر آخرها فاسنن اليوم وغير غدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خمسون في فورنا هذا وخمسون إذا قدمنا ) وذلك في بعض أسفاره و محلم رجل ضرب طويل آدم في طرف الناس قال: فلم يزالوا به حتى قام فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان فقال: يا رسول الله قد كان من الشأن الذي بلغك وإني أتوب إلى الله عز وجل فاستغفر لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قتلته بسلاحك في غرة الاسلام ؟ اللهم لا تغفر لمحلم ) بصوت عال قال ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول: ( قتلته بسلاحك في غرة الاسلام ؟ اللهم لا تغفر لملحم )

ينبغي أن نعتبر من هذا: أحدهم ممن يشجع محمدًا على ألاعيبه ويعلمها اقترح عليه أن يسن ويشرع اليوم بإهدار دم القتيل ويقول أنه منسوخ ملغي الحكم بعد ذلك. محمد كان غاضبًا من فعل محلم لكنه لم يقتله، لأن محمدًا هو من أسّس أيديولجيا التفتيش في الضمائر والعقائد، وسفك الدم وإزهاق الحيوات باسم العقيدة والخرافة، فكيف يحاسبه على شيء هو من تسبب فيه نتيجة دعوته الإرهابية المشؤومة؟! ولننظر لقول الأقرع بن حابس (فلأُطِلَّنَّ دمَه) أي أجعله هدرًا بلا قيمة بدعوى أنه وثني، ولا ننسى كما سنقول في الجزء الثاني من كتابنا في باب التعاليم العنصرية أن نص معاهدة محمد في المدينة ومن وصايا محمد عدم قتل المسلم القاتل بمقتوله غير المسلم! (ألا يُقتَل مسلم بكافر)

 

جاء في السيرة لابن هشام في ذكره لمعاهدة المدينة:

 

....ولا يَقتلُ مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصرُ كافراً على مؤمن....

 

وروى البخاري:

 

6903 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ مَرَّةً مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ فَقَالَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قُلْتُ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ

 

ورواه أحمد 599، وأخرجه الشافعي 2/104، والحميدي (40)، والنسائي 8/23، وابن الجارود (794)، وأبو يعلى (451)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/192، والبيهقي 8/28 من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد. وأخرجه الطيالسي (91)، وعبد الرزاق (18508)، والدارمي (2356)، والبخاري (111) و(3046) و(6915)، وابن ماجه (2658)، والترمذي (1412)، والطحاوي 2/192، والبيهقي 8/28 من طرق عن مطرف، به. وأخرجه البزار (486) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، به  599 

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

6662 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهَاشِمٌ يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ الْخُزَاعِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ "

 

6690 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ، وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ: " لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ "

 

صحيح، وهذا إسناد حسن، وأخرجه أبو داود (4506) مسلم بن إبراهيم، عن محمد بن راشد، بهذا الإسناد. وأخرجه ابنُ أبي شيبة 9/294 من طريق محمد بن إسحاق، والترمذي (1413) من طريق أسامة بن زيد، وابن ماجه (2659) من طريق عبد الرحمن بن عياش، والبغوي (2532) من طريق المثنى بن الصباح، وابن عدي 7/2649 من طريق يحيي بن أبي أنيسة، كلهم عن عمرو بن شعيب، به، ولكنه عندهم حديث قولي. قال الترمذي: حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب حديث حسن. وأخرجه عبد الرزاق (9445) و (18504) عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا إسناد معضل. وهذا الحديث قطعة من حديث طويل هو خطبةُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح، ذكره الإمام أحمد مفرقاً في روايات عدة، سنذكر أرقامها في الرواية برقم (6681) . وانظر (6690) . وله شاهد صحيح من حديث علي بن أبي طالب سلف برقم (599) و (959) و (993) و(615) وآخر مطول من حديث عائشة عند أبي يعلى (4757)، والدارقطني 3/131، والبيهقي في "السنن" 8/29-30، ذكره الهيثمي في "المجمع" 6/292-293، ونسبه إلى أبي يعلى، وقال: ورجاله رجال الصحيح غير مالك بن أبي الرجال، وقد وثقه ابن حبان، ولم يضعفه أحد. وثالث من حديث ابن عباس عند عبد الرزاق (17787)، وابن ماجه (2660) . ورابع مطول من حديث ابن عمر عند ابن حبان (5996). وخامس بنحوه من حديث عمران بن الحصين عند البيهقي في "السنن" 8/29. وسادس من حديث معقل بن يسار عند البيهقي 8/30. وسابع مرسل من حديث عطاء بن أبي رباح عند ابن أبي شيبة 9/294. وثامن مرسل من حديث الحسن عند عبد الرزاق (18506) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اقتحام (فتح) محمدٍ مكةَ موطنَه

فِى ثَلاثَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ

 

ذكرنا ثلاثة حالات سابقًا تثبت أن محمدًا وأتباعه هم من نقضوا صلح الحديبية وليس مرة واحدة بل بشكل متكرر وبعدة طرق، فعمليًّا هم من نقضوه وليس المكيون من قريش وكنانة. إن القصة الإسلامية المشهورة هي أن باعث هذه الغزوة أن بني بكر حلفاء قريش الداخلين في عقدهم بصلح الحديبية هجموا على خزاعة حلفاء محمد وجد محمد قبله وساعدتهم قريش، سنكشف زيف هذه القصة وما حذفوه منها، نبدأ بما حكى ابن هشام عن ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَ بعثِه إلى مؤتة جُمادَى الآخرة ورجباً.

ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كِنَانة عدت على خزاعة، وهم على ماءٍ لهم بأسفل مكة يقال له: الوَتير

 

[ما هاج الحرب بين بني بكر وخزاعة قبل الإسلام]

 

وكان الذي هَاجَ ما بين بني بكرٍ وخُزاعة أن رجلا من بني الحَضْرمي، واسمه مالك بن عَبَّاد _وحِلف الحضرمى يومئذ إلى الأسْود بن رَزْنٍ _ خرج تاجراً، فلما توسط أرضَ خُزاعة، عَدَوْا عليه فقتلوه، وأخذوا مالَه، فعدت بنو بكر على رجل من خُزاعة فقتلوه، فعدت خُزاعة قُبيل الإسلام على بني الأسود بن رَزْنٍ الدِّيلي - وهم مَنْخَرُ بني كنانة وأشرافُهم - سلمى وكلثوم وذؤيب - فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم. قال ابن إسحاق: وحدثني رجل من بني الديل، قال: كان بنو الأسود بن رَزْن يُودَوْن في الجاهلية دِيتين ديتين، ونُودَي دية دية، لفضلهم فينا.

 

ولننقل القصة من الواقدي كذلك لعموم الفائدة:

 

كَانَتْ خُزَاعَةُ فِى الْجَاهِلِيّةِ قَدْ أَصَابُوا رَجُلاً مِنْ بَنِى بَكْرٍ أَخَذُوا مَالَهُ. فَمَرّ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ عَلَى بَنِى الدّيلِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلُوهُ فَوَقَعَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ فَمَرّ بَنُو الأَسْوَدِ بْنُ رِزْنٍ - ذُؤَيْبٌ، وَسَلْمَى، وَكُلْثُومٌ - عَلَى خُزَاعَةَ فَقَتَلُوهُمْ بِعَرَفَة عِنْدَ أَنْصَابِ الْحَرَمِ. وَكَانَ قَوْمُ الأَسْوَدِ يُؤَدّونَ فِى الْجَاهِلِيّةِ دِيَتَيْنِ بِفَضْلِهِمْ فِى بَنِى بَكْرٍ، فَتَجَاوَزُوا وَكَفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ مِنْ أَجْلِ الإِسْلامِ وَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِى أَنْفُسِهِمْ إلاّ أَنّهُ قَدْ دَخَلَ الإِسْلامُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَأَمْسَكُوا، فَلَمّا كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ دَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِى عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَعَهْدِهِ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَارِفًا، وَلَقَدْ جَاءَتْهُ يَوْمئِذٍ خُزَاعَةُ بِكِتَابٍ عَبْدَ الْمُطّلِبِ فَقَرَأَهُ. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَهُوَ: بِاسْمِك اللّهُمّ هَذَا حِلْفُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ لِخُزَاعَةَ إذْ قَدِمَ عَلَيْهِ سَرَاتُهُمْ وَأَهْلُ الرّأْىِ غَائِبُهُمْ مُقِرّ بِمَا قَضَى عَلَيْهِ شَاهِدُهُمْ. إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ عُهُودَ اللّهِ وَعُقُودَهُ مَا لا يَنْسَى أَبَدًا، وَلا يَأْتِى بِلَدّ الْيَدُ وَاحِدَةٌ وَالنّصْرُ وَاحِدٌ مَا أَشَرْق ثَبِيرٌ، وَثَبَتَ حِرَاءٌ، وَمَا بَلّ بَحْرٌ صُوفَةً لا يَزْدَادُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إلاّ تَجَدّدًا أَبَدًا أَبَدًا، الدّهْرَ سَرْمَدًا.

فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ أُبَىّ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: مَا أَعْرِفُنِى بِحِلْفِكُمْ، وَأَنْتُمْ عَلَى مَا أَسْلَمْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحِلْفِ فَكُلّ حِلْفٍ كَانَ فِى الْجَاهِلِيّةِ فَلا يَزِيدُهُ الإِسْلامُ إلاّ شِدّةً وَلا حِلْفَ فِى الإِسْلامِ.

 

ولنعد إلى ما نص عليه ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: فبينا بنو بكر وخُزاعة على ذلك حَجز بينَهم الإسلامُ، وتشاغل الناس به، فلما كان صلح الحُديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم، كما حدثني الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المِسْور بن مخرمة ومَرْوان بن الحكم، وغيرهم من علمائِنا: أنه من أحب أن يدخل في عَقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عَقْد قريش وعهدهم فليدخل فيه؛ فدخلت بنو بكر في عَقْد قريش وعهدهم، ودخلت خُزاعة في عَقْد رسول الله صلى الله عليه وسلم شذ وعهده.

قال ابن إسحاق: فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خُزاعة، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأراً بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رَزْن، فخرج نَوْفل بن معاوية الديلي في بني الديل، وهو يومئذ قائدهم، وليس كل بني بكر تابَعَهُ حتى بَيَّت خُزاعة وهم على الوَتير، ماءٍ لهم، فأصابوا منهم رجلاً، وتحاوزوا واقتتلوا، ورَفَدَتْ بني بكر قريشٌ بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مُسْتَخفيا، حتى حازوا خُزاعة إلى الحرم، فلما انتهوا إليه، قالت بنو بكر: يا نَوْفل، إنا قد دخلنا الحرم، إلهكَ إلهكَ، فقال كلمة عظيمة: لا إلهَ له اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأرَكم، فلعمري إنكم لتَسْرقون في الحرم، أفلا تصيبون ثأرَكم فيه؟ وقد أصابوا منهم ليلةَ بيتوهم بالوَتير رجلاً يقال له مُنبِّه وكان منبه رجلا مفئودًا خرج هو ورجل من قومه يقال له تميم بن أسد، لا وقال له منبه: يا تميم، انج بنفسك فأما أنا فواللّه إنى لميت، قتلونى أو تركونى، لقد انبَتَّ فؤادي، وانطلق تميم فأفلت، وأدركوا مُنَبها فقتلوه، فلما دخلت خزاعة مكة، لجئوا إلى دار بُدَيْل بن ورقاء، ودار مولى لهم يقال له رافع....إلخ

 

قال ابن إسحاق: فلما تظاهرت بنو بكر وقُريش على خزاعة وأصابوا منهم ما أصابوا، ونقضوا ما كان بينَهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خُزاعة، وكانوا في عَقده وعَهْده، خرج عَمْرو بن سالم الخُزاعى، ثم أحدُ بنيِ كعب، حتى قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان ذلك مما هاج فتْحَ مكة، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظَهْراني الناس، فقال:

يا ربِّ إني ناشدٌ محمدَا ... حلفَ أبينا وأبيه الأتْلَدَا

قد كنتُم وُلْداً وكنا وَالدَا ... ثُمَّتَ أسْلمنا فلم ننزعْ يدَا

فانصرْ هَداك الله نصراً اعتدَا ... وادْعُ عبادَ الله يأتوا مدَدَا

فيهم رسولُ الله قد تجرَّدَا ... إن سِيمَ خَسْفاً وجهُه تربَّدَا

في فَيْلَقٍ كالبحرِ يجري مُزْبِدَا ... إن قُريشا أخلفُوك الموْعِدَا

ونَقَضُوا ميثاقَك الموَكَّدَا ... وجعلوا لي في كَدَاءٍ رُصَّدَا

وزعموا أن لَست أدْعُو ... أحدَا وهُمْ أذَلُّ وأقَلُّ عَدَدَا

هُم بَيَّتونا بالوَتِيرِ هُجَّدَا ... وقتلونا رُكَّعاً وسُجَّدَا

يقول: قُتِلنا وقد أسلمنا.

قال ابن هشام: ويُروى أيضا: فانصرْ هداك الله نصراً أيدا

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نُصرْتَ يا عمرُو بن سالم، ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عَنان من السماء، فقال: إن هذه السحابة لتستهلّ بنصر بني كعب.

 

ثم خرج بُدَيْل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأخبروه بما أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد، ويزيد في المدة.

 

القصة والحديث رواه البيهقي في سننه الكبرى 18638 بإسناده إلى ابن إسحاق بنفس هذا النص وفي دلائل النبوة له بإسناده إلى ابن إسحاق بنفس اللفظ وإلى موسى بن عقبة بسياق آخر، والطبراني في المعجم الكبير 1052 والصغير 968، وإسناده حسن، حسنه ابن حجر في فتح الباري في الجزء 12 باب رؤيا الصالحين، والهيثمي في مجمع الزوائد.

 

لكن لنكتشف الخيانة التي قام بها ابن إسحاق بحذفه جزءً من القصة، وسنبرهن على ذلك الحذف من نص ابن إسحاق نفسه، ولنر أولًا ما حفظه لنا الواقدي بأمانة يتصف بها:

 

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ مِحْجَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: كَانَ آخِرُ مَا كَانَ بَيْنَ خُزَاعَةَ وَبَيْنَ كِنَانَةَ أَنّ أَنَسَ بْنَ زُنَيْمٍ الدّيلِىّ هَجَا رَسُولَ اللّهِ ÷ فَسَمِعَهُ غُلامٌ مِنْ خُزَاعَةَ فَوَقَعَ بِهِ فَشَجّهُ فَخَرَجَ إلَى قَوْمِهِ فَأَرَاهُمْ شَجّتَهُ فَثَارَ الشّرّ مَعَ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَمَا تَطْلُبُ بَنُو بَكْرٍ مِنْ خُزَاعَةَ مِنْ دِمَائِهَا. فَلَمّا دَخَلَ شَعْبَانُ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ تَكَلّمَتْ بَنُو نُفَاثَةَ مِنْ بَنِى بَكْرٍ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ - وَاعْتَزَلَتْ بَنُو مُدْلِجٍ فَلَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ - أَنْ يُعِينُوا بِالرّجَالِ وَالسّلاحِ عَلَى عَدُوّهِمْ مِنْ خُزَاعَةَ؛ وَذَكَرُوهُمْ الْقَتْلَى الّذِينَ أَصَابَتْ خُزَاعَةَ لَهُمْ وَضَرَبَهُمْ بِأَرْحَامِهِمْ وَأَخْبَرُوهُمْ بِدُخُولِهِمْ مَعَهُمْ فِى عَقْدِهِمْ وَعَهْدِهِمْ وَذَهَابِ خُزَاعَةَ إلَى مُحَمّدٍ فِى عَقْدِهِ وَعَهْدِهِ فَوَجَدُوا الْقَوْمَ إلَى ذَلِكَ سِرَاعًا إلاّ أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يُشَاوِرْ فِى ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ، وَيُقَالُ: إنّهُمْ ذَاكِرُوهُ فَأَبَى عَلَيْهِمْ. وَجَعَلَتْ بَنُو نُفَاثَةَ وَبَكْرٌ يَقُولُونَ: إنّمَا نَحْنُ فَأَعَانُوهُمْ بِالسّلاحِ وَالْكُرَاعِ وَالرّجَالِ وَدَسّوا ذَلِكَ سِرّا لِئَلاّ تَحْذَرُ خُزَاعَةُ، فَهُمْ آمِنُونَ غَارّونَ بِحَالِ الْمُوَادَعَةِ، وَمَا حَجَزَ الإِسْلامُ بَيْنَهُمْ.

ثُمّ اتّعَدَتْ قُرَيْشٌ الْوَتِيرَ مَوْضِعًا بِمَنْ مَعَهَا، فَوَافَوْا لِلْمِيعَادِ فِيهِمْ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ كِبَارِهِمْ مُتَنَكّرُونَ مُنْتَقِبُونَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الأَخْيَفِ، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، وَأَجْلَبُوا مَعَهُمْ أَرِقّاءَهُمْ وَرَأْسَ بَنِى بَكْرٍ نَوْفَلِ ابْنِ مُعَاوِيَةَ الدّؤَلِىّ فَبَيّتُوا خُزَاعَةُ لَيْلاً، وَهُمْ غَارّونَ آمِنُونَ مِنْ عَدُوّهِمْ وَلَوْ كَانُوا يَخَافُونَ هَذَا لَكَانُوا عَلَى حَذَرٍ وَعُدّةٍ، فَلَمْ يَزَالُوا يَقْتُلُونَهُمْ حَتّى انْتَهَوْا بِهِمْ إلَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ، فَقَالُوا: يَا نَوْفَلُ إلَهَك، إلَهَك قَدْ دَخَلْت الْحَرَمَ، قَالَ: لا إلَهَ لِى الْيَوْمَ يَا بَنِى بَكْرٍ قَدْ كُنْتُمْ تَسْرِقُونَ الْحَاجّ أَفَلا تُدْرِكُونَ ثَأْرَكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ؟ لا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ يَأْتِى امْرَأَتَهُ حَتّى يَسْتَأْذِنّى، لا يُؤَخّرُ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْيَوْمَ بَعْدَ يَوْمِهِ هَذَا مِنْ ثَأْرِهِ.

فَلَمّا انْتَهَتْ خُزَاعَةُ إلَى الْحَرَمِ، دَخَلَتْ دَارَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَدَارَ رَافِعٍ الْخُزاعِيّيْنِ، وَانْتَهَوْا بِهِمْ فِى عَمَايَةَ الصّبْحَ وَدَخَلَتْ رُؤَسَاءُ قُرَيْشٍ فِى مَنَازِلِهِمْ وَهُمْ يَظُنّونَ أَلا يَعْرِفُوا، وَأَلاّ يَبْلُغَ هَذَا مُحَمّدًا ÷.

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ الأَسْلَمِىّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَرْوَانَ، قَالَ: قَتَلُوا مِنْهُمْ عِشْرِينَ رَجُلاً، وَحَضَرُوا خُزَاعَةَ فِى دَارِ رَافِعٍ وَبُدَيْلٍ، وَأَصْبَحَتْ خُزَاعَة ُ مُقَتّلِينَ عَلَى بَابِ بُدَيْلٍ - وَرَافِعٌ مَوْلًى لِخُزَاعَةَ. وَتَنَحّتْ قُرَيْشٌ وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا، وَعَرَفُوا أَنّ هَذَا الّذِى صَنَعُوا نَقْضٌ لِلْمُدّةِ وَالْعَهْدِ الّذِى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ÷.

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ ابْنِ هِشَامٍ، قَالَ: وَجَاءَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَابْنُ أَبِى رَبِيعَةَ إلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ، وَإِلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِى جَهْلٍ، فَلامُوهُمْ فِيمَا صَنَعُوا مِنْ عَوْنِهِمْ بَنِى بَكْرٍ، وَأَنّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ مُدّةً وَهَذَا نَقْضٌ لَهَا، وَانْصَرَفَ ذَلِكَ الْقَوْمُ وَدَسّوا إلَى نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ الّذِى وَلّى كَلامَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْت الّذِى صَنَعْنَا بِك وَأَصْحَابِك وَمَا قَتَلْت مِنْ الْقَوْمِ، وَأَنْتَ قَدْ حَضَرْتهمْ تُرِيدُ قَتْلَ مَنْ بَقِىَ مِنْهُمْ وَهَذَا مَا لا نُطَاوِعُك عَلَيْهِ فَاتْرُكْهُمْ لَنَا، قَالَ: نَعَمْ. فَتَرَكَهُمْ فَخَرَجُوا. فَقَالَ ابْنُ قَيْسٍ الرّقَيّات يَذْكُرُ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو:

كَثَرَتْهُمْ بِمَكّـــــةَ الأَحْيَـــــــــاءُ

 

خَالَطَ أَخْوَالَهُ خُزَاعَـــــةَ لَمّـــــا

وَقَالَ فِى ذَلِكَ ابْنُ لُعْطٍ الدّيلِىّ

رَدَدْنَا بَنِى كَعْبٍ بِأَفْوَقَ نَاصِلِ 
وَعِنْدَ بُدَيْلٍ مَحْبِسًا غَيْرَ طَائِلِ
نَفَخْنَا لَهُمْ مِنْ كُلّ شِعْبٍ بِوَابِلِ
أُسُودٌ تَبَارَى فِيهِمْ بِالْقَوَاصِــــلِ

 

أَلا هَلْ أَتَى قُصْوَى الْعَشِيرَةِ أَنّنَا
حَبَسْنَاهُمْ فِى دَارَة الْعَبْدِ رَافِعٍ
حَبَسْنَاهُمْ حَتّى إذَا طَالَ يَوْمُهُمْ
ذَبَحْنَاهُمْ ذَبَحَ التّيُــــوسِ كَأَنّنَــــا

 

لنتأكد من صدق الواقدي، لنقرأ من ابن هشام عن ابن إسحاق نفسه شعر أنس بن زنيم معتذرًا من محمد ومنكرًا شعره ضده، لأن محمدًا كما سنرى كان يأمر بقتل كل من انتقده أو قال شعر هجاء يعيبه:

 

قال ابن إسحاق: وقال أنس بن زُنَيْم الدّيلى يعتذر إلى رسول اللّه صلي الله عليه وسلم مما كان قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعي:

 

أأنت الذي تُهْدَى مَعَدٌّ بأمرِه ... بل اللّه يَهديهم وقالَ لك اشْهَدِ

وما حَمَلَتْ من ناقةٍ فوقَ رحلِها ... أبرَّ وأوْفى ذِمةً من محمد

أحثَّ على خير وأسبغَ نائلاً ... إذا راحَ كالسيفِ الصقيل المهنَّدِ

وأكسى لبُرْدِ الخِالِ قبلَ ابتذالِه ... وأعطى لرأسِ السَّابق المتجرّدِ

تعلَّمْ رسولَ اللّه أنك مُدْرِكى ... وأن وعيداً منك كالأَخْذِ باليدِ

تعَلَّم رسولَ اللّه أنك قادرٌ ... على كلِّ صِرْمٍ مُتْهِمين ومُنْجِدِ

تَعَلَّمْ بأن الرَّكبَ ركْب عوَيْمر ... همُ الكاذبون المخلِفُو كُلَّ مَوْعِدِ

ونَبَّوْا رسولَ اللّه أني هجوْته ... فلا حملَتْ سُوْطِي إليّ إذن يَدِي

سِوى أننى قد قلتُ ويْلُ امِّ فِتيةٍ ... أصيبوا بنحسٍ لا بطلْق وأسْعَدِ

أصابهمُ مَن لم يكن لدمائِهم ... كِفاءً فعزَّتْ عبرتي وتَبَلّدِي

فإنك قد أخفرْتَ إن كنتَ ساعياً ... بعبدِ بنِ عبدِ اللّهِ وابنة مَهود

ذُوَيْب وكلثومٌ وسَلْمَى تتابعوا ... جميعاً فإلا تدمَع العينِ أكَمد

وسَلْمى، وسلْمى ليس حَيٌّ كمثلِه ... وإخوتِه وهل مُلوك كأعْبدِ؟!

فإني لا دِيناً فتقت ولا دَماً ... هَرقتُ تَبَيَّنْ عالم الحقِّ واقصِدِ

 

ما قاله بديل في الرد على ابن زنيم: فأجابه بُدَيْل بن عبد مناف ابن أم أصْرَم، فقال:

 

بكى أنسٌ رَزْناً فأعوَلَه البُكا ... فَألا عَديِّا إذ تُطَلُّ وتُبْعَدُ

بكيت أبا عَبْس لقُربِ دمائِها ... فتُعذِرَ إذ لا يُوقدُ الحربَ موقد

أصابهمُ يومَ الخَنادِمِ فِتْية ... كِرام فَسَلْ، مِنهمْ نُفيلٌ معْبَدُ

هنالك إن تُسفَحْ دموعك لا تُلَمْ ... عليهم وإن لم تدْمع العينُ فاكمدوا

 

ويقول الواقدي:

 

فَحَدّثَنِى حِزَامُ بْنُ هِشَامِ بْنِ خَالِدٍ الْكَعْبِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِىّ فِى أَرْبَعِينَ رَاكِبًا مِنْ خُزَاعَةَ يَسْتَنْصِرُونَ رَسُولَ اللّهِ ÷ وَيُخْبِرُونَهُ بِاَلّذِى أَصَابَهُمْ وَمَا ظَاهَرَتْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ - فَأَعَانُوهُمْ بِالرّجَالِ وَالسّلاحِ وَالْكُرَاعِ وَحَضَرَ ذَلِكَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِى رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِمْ مُتَنَكّرِينَ

 

 

معاني كلمات_المهند: السيف المصاغ من حديد الهند، الخال: ضرب من برود اليمن،السابق: الفرس، المتجرد: من يتجرد من الخيل فيسبقها، السكن: أهل الدار،الطلق: اليوم السعيد والذي ليس فيه حر ولا برد ولا شيء يؤذي، كفاء: نظير، تبلدي: حيرتي.

فَقَتَلُوا بِأَيْدِيهِمْ - وَرَسُولُ اللّهِ ÷ جَالِسٌ فِى الْمَسْجِدِ فِى أَصْحَابِهِ وَرَأْسُ خُزَاعَةَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ وَقَامَ يُنْشِدُ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَاسْتَمَعَ مِنْهُ، فَقَالَ:

حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيك الأَتْلَدَا
ثُمّتْ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكّدَا
وَادْعُ عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِى فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِى مُزْبِدَا
هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْت أَدْعُــــو أَحَــدَا

 

اللّهُمّ إنّى نَاشِدٌ مُحَمّدًا
قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدَا
إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا
فَانْصُرْ هَدَاك اللّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ قَدْ تَجَرّدَا
قُرْمٌ لَقُرْمٌ مِنْ قُرُومٍ أَصْيَدَا
نَتْلُو الْقُــــرْآنَ رُكّعًا وَسُجّــــــدَا

وَهُـــمْ أَذَلّ وَأَقَــــــلّ عَــــــدَدَا

فَلَمّا فَرَغَ الرّكْبُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَنَسَ بْنَ زُنَيْمٍ الدّيلِىّ قَدْ هَجَاك. فَهَدَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ دَمَهُ فَبَلَغَ أَنَسَ بْنَ زُنَيْمٍ فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مُعْتَذِرًا مِمّا بَلَغَهُ فَقَالَ:

أَأَنْت الّذِى تُهْدَى معد بأمره
فَمَا حَمَلْت مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا
أَحَثّ عَلَى خَيْرٍ وَأَوْسَعَ نَائِلاً
وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ اجْتِذَابِهِ
تَعَلّمْ رَسُولَ اللّهِ أَنّك مُدْرِكِى
تَعَلّمْ رَسُولَ اللّهِ أَنّك قَادِرٌ
وَنُبّى رَسُولَ اللّهِ أَنّى هَجَوْته
سِوَى أَنّنِى قَدْ قُلْت يَا وَيْحَ فِتْيَةٍ
أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ
ذُؤَيْبٌ وَكُلْثُومٌ وَسَلْمَى تَتَابَعُوا
عَلَى أَنّ سَلْمَى لَيْسَ فِيهِمْ كَمِثْلِهِ
وَإِنّى لاَ عِرْضًا خَرَقْتُ وَلاَ دَمًــــا

 

بَلْ اللّهُ يَهْدِيهِمْ وَقَالَ لَك اشْهَدْ
 أَبَرّ وَأَوْفَى ذِمّةً مِنْ مُحَمّدٍ
إذَا رَاحَ يَهْتَزّ اهْتِزَازَ الْمُهَنّدِ
وَأَعْطَى بِرَأْسِ السّابِقِ الْمُتَجَرّدِ
وَأَنّ وَعِيدًا مِنْك كَالأَخَذِ بِالْيَدِ
عَلَى كُلّ سَكْنٍ مِنْ تِهَامٍ وَمُنْجِدِ
فَلا رَفَعَتْ سَوْطِى إلَىّ إذْن يَدِى
أُصِيبُوا بِنَحِسِ يَوْمَ طَلْقٍ وَأَسْعَدِ
كِفَاءً فَعَزّتْ عَبْرَتِى وَتَبَلّدِى
جَمِيعًا فَإِلاّ تَدْمَعْ الْعَيْنُ أَكْمَدِ
وَإِخْوَتِهِ أَوْ هَلْ مُلُوكٌ كَأَعْبُدِ
هَرَقْتُ فَفَكّرْ عَالِمَ الْحَقّ وَاقْصِـــدِ

أَنْشَدَنِيهَا حِزَامٌ.

وَبَلَغَتْ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَصِيدَتُهُ وَاعْتِذَارُهُ وَكَلّمَهُ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِىّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْتَ أَوْلَى النّاسِ بِالْعَفْوِ وَمَنْ مِنّا لَمْ يُعَادِك وَيُؤْذِك، وَنَحْنُ فِى جَاهِلِيّةٍ لا نَدْرِى مَا نَأْخُذُ وَمَا نَدْعُ حَتّى هَدَانَا اللّهُ بِك مِنْ الْهَلَكَةِ وَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ الرّكْبُ وَكَثُرُوا عِنْدَك. فَقَالَ: “دَعْ الرّكْبَ فَإِنّا لَمْ نَجِدْ بِتِهَامَةَ أَحَدًا مِنْ ذِى رَحِمٍ وَلا بِعِيدِ الرّحِمِ كَانَ أَبَرّ بِنَا مِنْ خُزَاعَةَ”، فَأَسْكَتَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَلَمّا سَكَتَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَدْ عَفَوْت عَنْهُ”. قَالَ نَوْفَلٌ: فِدَاك أَبِى وَأُمّى.

 

وهكذا تتضح لنا خيانة ابن إسحاق وعدم أمانته في رواية أحداث الغزوة وسائر سيرة محمد وحروبه. إذن بناء على هذا، فإن خزاعة حلفاء محمد اعتدوا على رجل من بني بكر هو الشاعر أنس بن زنيم لمجرد قوله الشعر وتعبيره عن رأيه، والإسلام دومًا كان ولا زال يضيق من أي حرية تعبير تنتقده، هل صلح الحديبية ينص على تكميم الأفواه ومنع الكلام؟! طبعًا لا! ولو اتبعنا أسلوب المسلمين في هذا التاريخ والسيرة فإن حلفاء محمد هم البادؤون بالعدوان، وهم من نقضوا العهد فيكون هذا هو النقض الرابع من طريق حلفائه هذه المرة، ولو سعى بنو بكر للمطالبة بحق الرجل المعتدى عليه من بني بكر في عالم ومجتمع همجي كهذا كانوا على أي حال سيرفضون بحكم التكبر والغطرسة العربية القَبَليّة، وكانت ستنشب الحرب على أي حال، ومحمد بأي حال كانت هدنته كما نفهم من نصوصه فترة ليتقوى بها حتى يقتحم مكة تحت أي مبرر أو بلا ذريعة ومبرر حتى.

 

ورغم ذلك حاول أبو سفيان إعادة جبر الصلح مع المسلمين، يقول ابن إسحاق:

 

ومضى بُدَيْل بن ورقاء وأصحابه حتى لَقُوا أبا سفيان بن حرب بعُسفان، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليشد العقد، ويزيد في المدة، وقد رهبوا الذي صنعوا. فلما لقى أبو سفيان بُدَيْل بن ورقاء، قال: من أين أقبلت يا بُدَيْل؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: تسيرت في خزاعة في هذا الساحل، وفى بطن هذا الوادي؛ قال: أو ما جئتَ محمداً؟ قال: لا؛ فلما راح بُدَيْل إلى مكة؛ قال أبو سفيان: لئن جاء بديل المدينة لقد عَلف بها النَّوَى، فأتى مبرك راحلته، فأخذ من بعرها ففتَّه، فرأى فيه النوى، فقال: أحلف باللّه لقد جاء بديل محمداً.

 

ثم خرج أبو سفيان حتى قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طَوَتْه عنه، فقال: يا بُنيَّةُ، ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبتِ به عنى؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: واللّه لقد أصابك يا بُنية بعدي شرٌّ.

 

ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه، فلم يرد عليه شيئاً، ثم ذهب إلى أبي بكر، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمرَ بن الخطاب فكلَّمه، فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فواللّه لو لم أجد إلا الذَّرَّ لجاهدتكم به. ثم خرج فدخل على عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها، وعندها حَسَنُ بن علىٍّ، غلام يدبُّ بين يديها، فقال: يا علي، إنك أمَسُّ القوم بى رحما، وإني قد جئتُ في حاجة، فلا أرجعن كما جئتُ خائبا، فاشفعْ لي إلى رسول الله، فقال: ويحك يا أبا سفيان! واللّه لقد عَزَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلَّمه فيه. فالتفت إلى فاطمة فقال: يابْنَةَ محمد، هل لك أن تأمري بُنَيَّك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيدَ العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: واللّه ما بلغ بني ذلك أن يجيرَ بين الناس وما يُجير أحدٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا الحسن، إنى أرى الأمور قد اشتدت علىَّ، فانصحنى، قال: واللّه ما أعلم لك شيئا، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجِرْ بين الناس، ثم الحقْ بأرضِك، قال: أو ترى ذلك مُغنياً عني شيئاً؟ قال: لا واللّه، ما أظنه، ولكني لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس، إنى أجرتُ بينَ الناس. ثم ركب بعيرَه فانطلق، فلما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدا فكلمته، فواللّه ما ردَّ علىَّ شيئا، ثم جئت ابن أبي قحافة، فلم أجد فيه خيرا، ثم جئتُ ابن الخطاب، فوجدته أدْنَى العدوِّ. قال ابن إسحاق: ثم جئتُ عليا فوجدته ألين القوم، وقد أشار عليَّ بشيء صنعتُه، فواللهّ ما أدري هل يُغْنى ذلك شيئاً أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت، قالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال لا، قالوا. ويلك! واللّه إن زاد الرجل على أن لعب بك فما يُغْنى عنك ما قلت: قال: لا واللّه، ما وجدت غير ذلك.

 

ويروي الواقدي:

 

قَالَ: وَمَشَى الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ إلَى أَبِى سُفْيَانَ فَقَالا: هَذَا أَمْرٌ لا بُدّ لَهُ مِنْ أَنْ يُصْلَحَ وَاَللّهِ لَئِنْ لَمْ يُصْلَحْ هَذَا الأَمْرُ لا يَرُوعُكُمْ إلاّ مُحَمّدٌ فِى أَصْحَابِهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ رَأَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ رُؤْيَا كَرِهَتْهَا وَأَفْظَعَتْهَا وَخِفْت مِنْ شَرّهَا. فَقَالَ: الْقَوْمُ مَا هِيَ؟ قَالَ: رَأَتْ دَمًا أَقْبَلَ مِنْ الْحَجُونِ يَسِيلُ حَتّى وَقَفَ بِالْخَنْدَمَةِ مَلِيّا، ثُمّ كَانَ ذَلِكَ الدّمُ لَمْ يَكُنْ. فَكَرِهَ الْقَوْمُ هَذَا، وَقَالُوا: هَذَا شَرّ.

فَحَدّثَنِى مُجَمّعُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَا رَأَى مِنْ الشّرّ، قَالَ: هَذَا وَاَللّهِ أَمْرٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ أَغِبْ عَنْهُ لا حُمِلَ هَذَا إلاّ عَلَىّ وَلا وَاَللّهِ مَا شُووِرْت وَلا هُوِيت حَيْثُ بَلَغَنِى وَاَللّهِ لَيَغْزُونَا مُحَمّدٌ إنْ صَدَقَنِى ظَنّى وَهُوَ صَادِقِى، وَمَا لِى بُدّ أَنْ آتِىَ مُحَمّدًا فَأُكَلّمَهُ أَنْ يَزِيدَ فِى الْهُدْنَةِ وَيُجَدّدُ الْعَهْدَ قَبْل أَنْ يَبْلُغَهُ هَذَا الأَمْرُ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ وَاَللّهِ أَصَبْت الرّأْىَ وَنَدِمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى مَا صَنَعَتْ مِنْ عَوْنِ بَنِى بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ، وَعَرَفُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَنْ يَدْعُهُمْ حَتّى يَغْزُوَهُمْ، فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ وَخَرَجَ مَعَهُ مَوْلًى لَهُ عَلَى رَاحِلَتَيْنِ فَأَسْرَعَ السّيْرَ وَهُوَ يَرَى أَنّهُ أَوّلُ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكّةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷.

 

ويقول الواقدي:

 

وَحَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ أَبِى أَنَسٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَهُوَ يَجُرّ طَرَفَ رِدَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: “لا نَصَرْت إنْ لَمْ أَنْصُرْ بَنِى كَعْبٍ مِمّا أَنْصُرُ مِنْهُ نَفْسِى”.

وَحَدّثَنِى حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَكَأَنّكُمْ بِأَبِى سُفْيَانَ قَدْ جَاءَ يَقُولُ: جَدّدْ الْعَهْدَ وَزِدْ فِى الْهُدْنَةَ وَهُوَ رَاجِعٌ بِسَخَطِهِ” . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِعَمْرِو بْنِ سَالِمٍ وَأَصْحَابِهِ: “ارْجِعُوا وَتَفَرّقُوا فِى الأَوْدِيَةِ” وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَدَعَا بِمَاءٍ فَدَخَلَ يَغْتَسِلُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَسْمَعَهُ يَقُولُ وَهُوَ يَصُبّ الْمَاءَ عَلَيْهِ: “لا نَصَرَتْ إنْ لَمْ أَنْصُرْ بَنِى كَعْبٍ” وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ مَكّةَ وَهُوَ مُتَخَوّفٌ الّذِى صَنَعَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ وَأَصْحَابُهُ أَنْ يَكُونُوا جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ ÷. وَكَانَ الْقَوْمُ لَمّا أَتَوْا الأَبْوَاءَ رَاجِعِينَ تَفَرّقُوا، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى السّاحِلِ تُعَارِضُ الطّرِيقَ وَلَزِمَ بُدَيْلُ بْنُ أُمّ أَصْرَمَ فِى نَفِيرٍ مَعَهُ الطّرِيقَ فَلَقِيَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَأَشْفَقَ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ يَكُونَ بُدَيْلٌ جَاءَ مُحَمّدًا، بَلْ كَانَ الْيَقِينُ عِنْدَهُ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: أَخْبِرُونِى عَنْ يَثْرِبَ، مُنْذُ كَمْ عَهْدُكُمْ بِهَا؟ فَقَالُوا: لا عِلْمَ لَنَا بِهَا. فَعَرَفَ أَنّهُمْ كَتَمُوهُ فَقَالَ: أَمَا مَعَكُمْ مِنْ تَمْرِ يَثْرِبَ شَيْءٌ تُطْعِمُونَاهُ؟ فَإِنّ لِتَمْرِ يَثْرِبَ فَضْلاً عَلَى تَمْرِ تِهَامَةَ. قَالُوا: لا، قَالَ: ثُمّ أَبَتْ نَفْسُهُ أَنْ تُقِرّهُ حَتّى قَالَ: يَا بُدَيْلُ هَلْ جِئْت مُحَمّدًا؟ قَالَ: لا مَا فَعَلْت، وَلَكِنّى سِرْت فِى بِلادِ كَعْبٍ وَخُزَاعَة َ مِنْ هَذَا السّاحِلِ فِى قَتِيلٍ كَانَ بَيْنَهُمْ فَأَصْلَحْت بَيْنَهُمْ. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: إنّك وَاَللّهِ - مَا عَلِمْت - بَرّ وَاصِلٌ. ثُمّ قَايَلَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى رَاحَ بُدَيْلٌ وَأَصْحَابُهُ ثُمّ جَاءَ مَنْزِلَهُمْ فَفَتّ أَبْعَارَ أَبَاعِرِهِمْ فَوَجَدَ فِيهَا نَوًى، وَوَجَدَ فِى مَنْزِلِهِمْ نَوًى مِنْ تَمْرِ عَجْوَةٍ كَأَنّهَا أَلْسِنَةُ الطّيْرِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَ الْقَوْمُ مُحَمّدًا وَكَانَ الْقَوْمُ لَمّا كَانَتْ الْوَقْعَةُ خَرَجُوا مِنْ صُبْحِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَسَارُوا إلَى حَيْثُ لَقِيَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ ثَلاثًا.

وَكَانَتْ بَنُو بَكْرٍ قَدْ حَبَسَتْ خُزَاعَةَ فِى دَارِ بُدَيْلٍ وَرَافِعٍ ثَلاثَةَ أَيّامٍ لَمْ يُكَلّمُوا فِيهِمْ وَائْتَمَرَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَخْرُجَ أَبُو سُفْيَانَ، فَأَقَامَ يَوْمَيْنِ ثُمّ خَرَجَ فَهَذَا خَمْسٌ بَعْدَ مَقْتَلِ خُزَاعَةَ. وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ عَلَى النّبِىّ ÷ فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ إنّى كُنْت غَائِبًا فِى صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَاشْدُدْ الْعَهْدَ وَزِدْنَا فِى الْمُدّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هَلْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَدَثٌ”؟ قَالَ: مَعَاذَ اللّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَنَحْنُ عَلَى مُدّتِنَا وَصُلْحِنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، لا نُغِيرُ وَلا نُبَدّلُ”.

ثُمّ قَامَ مِنْ عِنْدِهِ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَة َ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ ÷ طَوَتْهُ دُونَهُ فَقَالَ أَرَغِبْت بِهَذَا الْفِرَاشِ عَنّى أَوْ بِى عَنْهُ؟ قَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَنْتَ امْرُؤٌ نَجَسٌ مُشْرِكٌ، قَالَ: يَا بُنَيّةُ لَقَدْ أَصَابَك بِعِلْمِك شَرّ، قَالَتْ: هَدَانِى اللّهُ لِلإِسْلامِ وَأَنْتَ يَا أَبَت سَيّدُ قُرَيْشٍ وَكَبِيرُهَا، كَيْفَ يَسْقُطُ عَنْك الدّخُولُ فِى الإِسْلامِ، وَأَنْتَ تَعْبُدُ حَجَرًا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ؟ قَالَ: يَا عَجَبَاه، وَهَذَا مِنْك أَيْضًا؟ أَأَتْرُكُ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَائِى وَأَتّبِعُ دِينَ مُحَمّدٍ؟ ثُمّ قَامَ مِنْ عِنْدِهَا فَلَقِىَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَكَلّمَهُ، وَقَالَ: تُكَلّمُ مُحَمّدًا وَتُجِيرُ أَنْتَ بَيْنَ النّاسِ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: جِوَارِى فِى جِوَارِ رَسُولِ اللّهِ ÷. ثُمّ لَقِىَ عُمَر َ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَكَلّمَهُ بِمِثْلِ مَا كَلّمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللّهِ لَوْ وَجَدْت الذّرّ تُقَاتِلُكُمْ لأَعَنْتهَا عَلَيْكُمْ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: جُزِيَتْ مِنْ ذِى رَحِمٍ شَرّا. ثُمّ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إنّهُ لَيْسَ فِى الْقَوْمِ أَحَدٌ أَقْرَبُ بِى رَحِمًا مِنْك، فَزِدْ فِى الْهُدْنَةِ وَجَدّدْ الْعَهْدَ فَإِنّ صَاحِبَك لَنْ يَرُدّهُ عَلَيْك أَبَدًا؛ وَاَللّهِ مَا رَأَيْت رَجُلاً قَطّ أَكْثَرَ إكْرَامًا لِصَاحِبٍ مِنْ مُحَمّدٍ لأَصْحَابِهِ قَالَ عُثْمَانُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: جِوَارِى فِى جِوَارِ رَسُولِ اللّهِ ÷.

وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ النّبِىّ ÷ فَكَلّمَهَا، فَقَالَ: أَجِيرِى بَيْنَ النّاسِ فَقَالَتْ: إنّمَا أَنَا امْرَأَةٌ. قَالَ: إنّ جِوَارَك جَائِزٌ قَدْ أَجَارَتْ أُخْتُك أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ، فَأَجَازَ ذَلِكَ مُحَمّدٌ. قَالَتْ فَاطِمَةُ: ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَبَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: مُرِى أَحَدَ بَنِيك يُجِيرُ بَيْنَ النّاسِ قَالَتْ: إنّهُمَا صَبِيَانِ وَلَيْسَ مِثْلُهُمَا يُجِيرُ. فَلَمّا أَبَت عَلَيْهِ أَتَى عَلِيّا رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ أَجِرْ بَيْنَ النّاسِ وَكَلّمْ مُحَمّدًا يُزِيدُ فِى الْمُدّةِ، قَالَ على: وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ عَزَمَ أَلا يَفْعَلَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فِى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَمَا الرّأْيُ؟ يَسّرْ لِى أَمْرِى، فَإِنّهُ قَدْ ضَاقَ عَلَىّ فَمَرّ لِى بِأَمْرٍ تَرَى أَنّهُ نَافِعِى فَقَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: مَا أَجِدُ لَك شَيْئًا أَمْثَلَ مِنْ أَنْ تَقُومَ فَتُجِيرُ بَيْنَ النّاسِ فَإِنّك سَيّدُ كِنَانَةَ، قَالَ: تَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنّى شَيْئًا؟ قَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: لا أَظُنّ ذَلِكَ وَاَللّهِ وَلَكِنّى لا أَجِدُ لَك غَيْرَهُ. فَقَامَ بَيْنَ ظَهْرَىْ النّاسِ فَصَاحَ أَلا أَنّى قَدْ أَجَرْت بَيْنَ النّاسِ وَلا أَظُنّ مُحَمّدًا يَخْفِرُنِى ثُمّ دَخَلَ عَلَى النّبِىّ ÷ فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ مَا أَظُنّ أَنْ تَرُدّ جِوَارِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ”.

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا ثَابِتٍ. قَدْ عَرَفْت الّذِى كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَك، وَأَنّى قَدْ كُنْت لَك فِى حَرَمِنَا جَارًا، وَكُنْت لِى بِيَثْرِبَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَنْتَ سَيّدُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ فَأَجِرْ بَيْنَ النّاسِ وَزِدْ فِى الْمُدّةِ. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا أَبَا سُفْيَانَ جِوَارِى فِى جِوَارِ رَسُولِ اللّهِ ÷ مَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷. وَيُقَالُ: خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى أَنّهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ” يُقَالُ: لَمّا صَاحَ لَمْ يَقْرَبْ النّبِىّ ÷ وَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَانْطَلَقَ إلَى مَكّةَ، وَكَانَ قَدْ حُبِسَ وَطَالَتْ غَيْبَتُهُ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اتّهَمَتْهُ حِينَ أَبْطَأَ أَشَدّ التّهْمَةِ وَقَالُوا: وَاَللّهِ إنّا نَرَاهُ قَدْ صَبَأَ وَاتّبَعَ مُحَمّدًا سِرّا وَكَتَمَ إسْلامَهُ فَلَمّا دَخَلَ عَلَى هِنْدٍ لَيْلاً قَالَتْ: لَقَدْ حُبِسْت حَتّى اتّهَمَك قَوْمُك، فَإِنْ كُنْت مَعَ طُولِ الإِقَامَةِ جِئْتهمْ بِنُجْحٍ فَأَنْتَ الرّجُلُ ثُمّ دَنَا مِنْهَا فَجَلَسَ مَجْلِسَ الرّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَجَعَلَتْ تَقُولُ: مَا صَنَعْت؟ فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ إلاّ مَا قَالَ لِى عَلِىّ. فَضَرَبَتْ بِرِجْلَيْهَا فِى صَدْرِهِ وَقَالَتْ: قُبّحْت مِنْ رَسُولِ قَوْمٍ.

حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: فَلَمّا أَصْبَحَ حَلَقَ رَأْسَهُ عِنْدَ الصّنَمَيْنِ إِسَافَ وَنَائِلَةَ وَذَبَحَ لَهُمَا، وَجَعَلَ يَمْسَحُ بِالدّمِ رُءُوسَهُمَا، وَيَقُولُ: لا أُفَارِقُ عِبَادَتَكُمَا حَتّى أَمُوتَ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَبِى أَبْرَأُ لِقُرَيْشٍ مِمّا اتّهَمُوهُ.

وَحَدّثَنِى حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَقَالَتْ لَه قُرَيْشٌ: مَا وَرَاءَك؟ هَلْ جِئْتنَا بِكِتَابٍ مِنْ مُحَمّدٍ أَوْ زِيَادَةٍ فِى مُدّةٍ؟ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَغْزُونَا فَقَالَ: وَاَللّهِ لَقَدْ أَبَى عَلَىّ وَلَقَدْ كَلّمْت عِلْيَةَ أَصْحَابِهِ فَمَا قَدَرْت عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمْ إلاّ أَنّهُمْ يَرْمُونَنِى بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ إلاّ أَنّ عَلِيّا قَدْ قَالَ لَمّا ضَاقَتْ بِى الأُمُورُ: أَنْتَ سَيّدُ كِنَانَةَ، فَأَجِرْ بَيْنَ النّاسِ فَنَادَيْت بِالْجِوَارِ، ثُمّ دَخَلْت عَلَى مُحَمّدٍ فَقُلْت: إنّى قَدْ أَجَرْت بَيْنَ النّاسِ وَمَا أَظُنّ أَنْ تَرُدّ جِوَارِى، فَقَالَ مُحَمّدٌ: “أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ” لَمْ يَزِدْنِى عَلَى ذَلِكَ. قَالُوا: مَا زَادَ عَلَى أَنْ تَلْعَبَ بِك تَلَعّبًا، قَالَ: وَاَللّهِ مَا وَجَدْت غَيْرَ ذَلِكَ.

 

ملاحظة: هذا السياق الذي رواه الواقدي صحيح تؤكده لنا شواهد في دلائل النبوة للبيهقي عن موسى بن عقبة (كتاب ابن عقبة في المغازي مفقود لكن لدينا روايات كثيرة منه  متفرقة جمعت في كتب لمؤلفين معاصرين):

 

أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان ببغداد قال أخبرنا أبو بكر محمد ابن عبد الله بن أحمد بن عتاب حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة قال حدثنا أبن أبي أويس قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة في فتح مكة قال ثم أن بني نفاثة من بني الدئل أغاروا على بني كعب وهم في المدة التي بين رسول الله وبين قريش وكانت بنو كعب في صلح رسول الله وكانت بنو نفاثة في صلح قريش فأعانت بنو بكر بني نفاثة وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق واعتزلتهم بنو مدلج ووفوا بالعهد الذي كانوا عاهدوا عليه رسول الله وفي بني الدئل رجلان هما سيداهم سلم بن الأسود وكلثوم بن الأسود ويذكرون إن ممن أعانهم صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهيل بن عمرو فأغارت بنو الدئل على بني عمرو وعامتهم - زعموا نساء وصبيان وضعفاء الرجال - فالجؤهم وقتلوهم حتى أدخلوهم دار بديل بن ورقاء بمكة فخرج ركب من بني كعب حتى أتوا رسول الله فذكروا له الذي أصابهم وما كان من قريش عليهم في ذلك فقال لهم رسول الله ارجعوا فتفرقوا في البلدان وخرج أبو سفيان من مكة إلى رسول الله وتخوف الذي كان فقال يا محمد أشدد العقد وزدنا في المدة فقال رسول الله ولذلك قدمت هل كان من حدث قبلكم ? قال معاذ الله نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل فخرج من عند رسول الله فأتى أبا بكر فقال جدد العقد وزدنا في المدة فقال أبو بكر جواري في جوار رسول الله والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم ثم خرج فأتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال عمر ما كان من حلفنا جديداً فأخلقه الله وما كان منه مثبتاً فقطعه الله وما - كان منه - مقطوعاً فلا وصله الله فقال له أبو سفيان جزيت من ذي رحم سوءا ثم دخل على عثمان فكلمه فقال عثمان جواري في جوار رسول الله ثم اتبع أشراف قريش والأنصار يكلمهم فكلهم يقول عقدنا في عقد رسول الله فلما يئس مما عندهم دخل على فاطمة بنت رسول الله فكلمها فقالت إنما أنا امرأة وإنما ذاك إلى رسول الله قال فأمري أحد إبنيك قالت إنما هما صبيان ليس مثلهما يجير قال فكلمي علياً قالت أنت فكلمه فكلم علياً فقال يا أبا سفيان إنه ليس أحد من أصحاب رسول الله يفتات على رسول الله بجوار وأنت سيد قريش وأكبرها وأمنعها فأجر بين عشيرتك قال صدقت وأنا كذلك فخرج فصاح ألا إني قد أجرت بين الناس ولا والله لا أظن أن يخفرني أحد ثم دخل على النبي فقال يا محمد قد أجرت بين الناس ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد ولا يرد جواري فقال أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة فخرج أبو سفيان على ذلك فزعموا والله أعلم أن رسول الله قال حين أدبر أبو سفيان اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلا بغتةً ولا يسمعون بنا إلا فجأة

 وقد [أتى] أبو سفيان مكة فقالت له قريش ما وراءك ? هل جئت بكتاب من محمد أو عهده ? قال لا والله لقد أبى عليّ وقد تتبعت أصحابه فما رأيت قوماً لملك عليهم أطوع منهم له غير أن علي بن أبي طالب قد قال لي لم تلتمس جوار الناس على محمد ولا تجير أنت عليه وعلى قومك وأنت سيد قريش وأكبرها وأحقها أن لا يخفر جواره فقمت بالجوار ثم دخلت على محمد فذكرت له أن قد أجرت بين الناس وقلت ما أظن أن تخفرني فقال أنت يا أبا حنظلة تقول ذلك ? فقالوا مجيبين له رضيت بغير رضاً وجئتنا بما لا يغني عنا ولا عنك شيئاً وانما لعب بك عليّ لعمر الله ما جوارك بجائر وإن أخفارك عليهم لهين ثم دخل على إمرأته فحدثها الحديث فقالت فتح الله من وافد قوم فما جئت بخير ورأى رسول الله سحاباً فقال إن هذا السحاب لينصب بنصر بني كعب

 

ولدينا شاهد آخر من حديث رواه ابن أبي شيبة:

 

38057- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَمَّا وَادَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ بَنُو بَكْرٍ حُلَفَاءَ قُرَيْشٍ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ، فَكَانَ بَيْنَ خُزَاعَةَ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ قِتَالٌ، فَأَمَدَّتْهُمْ قُرَيْشٌ بِسِلاَحٍ وَطَعَامٍ، وَظَلَّلُوا عَلَيْهِمْ، فَظَهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ، وَقَتَلُوا فِيهُمْ، فَخَافَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَكُونُوا قَدْ نَقَضُوا، فَقَالُوا لأَبِي سُفْيَانَ: اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ.

فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ جَاءَكُمْ أَبُو سُفْيَانَ، وَسَيَرْجِعُ رَاضِيًا بِغَيْرِ حَاجَتِهِ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، أَوَ قَالَ: بَيْنَ قَوْمِكَ، قَالَ: لَيْسَ الأَمْرُ إِلَيَّ، الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ ظَلَّلُوا عَلَى قَوْمٍ وَأَمَدُّوهُمْ بِسِلاَحٍ وَطَعَامٍ، أَنْ يَكُونُوا نَقَضُوا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ.

ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنَقَضْتُمْ ؟ فَمَا كَانَ مِنْهُ جَدِيدًا فَأَبْلاَهُ اللَّهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ شَدِيدًا، أَوْ مَتِينًا فَقَطَعَهُ اللَّهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ شَاهِدَ عَشِيرَةٍ، ثُمَّ أَتَى فَاطِمَةَ، فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ، هَلْ لَك فِي أَمْرٍ تَسُودِينَ فِيهِ نِسَاءَ قَوْمِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهَا نَحْوًا مِمَاْ ذَكَرَ لأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: لَيْسَ الأَمْرُ إِلَي، الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، ثُمَّ أَتَى عَلِيًّا، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلاً أَضَلَّ، أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ، فَأَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، وَقَالَ: قَدْ أَجْرَتُ النَّاسَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.

ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى مَكَّةَ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا صَنَعَ، فَقَالُوا: وَاللهِ مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ وَافِدَ قَوْمٍ، وَاللهِ مَا أَتَيْتَنَا بِحَرْبٍ فَنَحْذَرَ، وَلاَ أَتَيْتَنَا بِصُلْحٍ فَنَأْمَنَ، ارْجِعْ.

قَالَ: وَقَدِمَ وَافِدُ خُزَاعَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ الْقَوْمُ، وَدَعَا إِلَى النُّصْرَةِ، وَأَنْشَدَهُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا...إلخ الحديث الطويل

 

38055- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالاَ: كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ هُدْنَةٌ، فَكَانَ بَيْنَ بَنِي كَعْبٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ قِتَالٌ بِمَكَّةَ، فَقَدِمَ صَرِيخٌ لِبَنِي كَعْبٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:

اللهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا

فَانْصُرْ هَدَاك اللَّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا.

فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ فَرَعَدَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ هَذِهِ لَتَرْعَدُ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ، ثُمَّ قَالَ لِعَائِشَةَ: جَهِّزِينِي، وَلاَ تُعْلِمَنَّ بِذَلِكَ أَحَدًا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَنْكَرَ بَعْضَ شَأْنِهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا، قَالَتْ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُجَهِّزَهُ، قَالَ: إلَى أَيْنَ، قَالَتْ: إلَى مَكَّةَ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا انْقَضَتِ الْهُدْنَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بَعْدُ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ غَدَرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالطَّرِيقِ فَحُبِسَتْ، ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَغُمَّ لأَهْلِ مَكَّةَ لاَ يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: أَيْ حَكِيمُ، وَاللهِ لَقَدْ غَمَّنَا وَاغْتَمَمْنَا، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَرْكَبَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَرْوٍ، لَعَلَّنَا أَنْ نَلْقَى خَبَرًا، فَقَالَ لَهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْكَعْبِيُّ مِنْ خُزَاعَةَ: وَأَنَا مَعَكُمْ، قَالاَ: وَأَنْتَ إِنْ شِئْتَ...إلخ الحديث

 

ورواه عبد الرزاق في مصنفه بنحوه:

 

9739 - عبد الرزاق عن معمر عن عثمان الجزري عن مقسم قال معمر وكان يقال لعثمان الجزري المشاهد عن مقسم مولى بن عباس قال لما كانت المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش زمن الحديبية وكانت سنين ذكر أنها كانت حرب بين بني بكر وهم حلفاء قريش وبين خزاعة وهم حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعانت قريش حلفاءه على خزاعة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذي نفسي بيده لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي وأهل بيتي وأخذ في الجهاز إليهم فبلغ ذلك قريشا فقالوا لأبي سفيان ما تصنع وهذه الجيوش تجهز إلينا انطلق فجدد بيننا وبين محمد كتابا وذلك مقدمه من الشام فخرج أبو سفيان حتى قدم المدينة فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلم فلنجدد بيننا وبينك كتابا فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنحن على أمرنا الذي كان وهل أحدثتم ما حدث فقال أبو سفيان لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنحن على امرنا الذي كان وهل أحدثتم من حدث فقال أبو سفيان لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنحن على أمرنا الذي كان بيننا فجاء علي بن أبي طالب فقال هل لك على أن تسود العرب وتمن على قومك فتجيرهم وتجدد لهم كتابا فقال ما كنت لأفتات على رسول الله الله صلى الله عليه وسلم بأمر ثم دخل على فاطمة فقال هل لك أن تكوني خير سخلة في العرب أن تجيري بين الناس فقد أجارت أختك على رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أبا العاص بن الربيع فلم يغير ذلك فقالت فاطمة ما كنت لأفتات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ثم قال ذلك للحسن والحسين أجيرا بين الناس قولا نعم فلم يقولا شيئا ونظرا إلى أمهما وقالا نقول ما قالت أمنا فلم ينجح من واحد منهم ما طلب فخرج حتى قدم على قريش فقالوا ماذا جئت به قال جئتكم من عند قوم قلوبهم على قلب واحد والله ما تركت منهم صغيرا ولا كبيرا ولا أنثى ولا ذكرا إلا كلمته فلم أنجح منهم شيئا قالوا ما صنعت شيئا ارجع فرجع وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قريشا ..إلخ الحديث

 

 

 

كما نرى سعى الرجل لإبقاء الصلح، لكن محمدًا طبعًا لا يحب السلام ويسعى للحرب والإكراه الديني، لننظر إلى قول بنت أبي سفيان وهي أم حبيبة زوجة محمد واصفة إياه بالمشرك النجس، هل هناك عنصرية وحقارة وعداء للإخاء الإنساني وعقوق والدين أكثر من ذلك.

 

ثم شرع محمد في تجهيز الجيش للهجوم، يقول ابن إسحاق:

 

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأمر أهلَه أن يُجَهزوه، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضى الله عنها، وهي تحرك بعضَ جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: أي بُنَية: أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجهزْ؟ قال: فأين ترينه يريد؟ قالت: لا واللّه ما أدري. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمَ الناسَ أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجِدِّ والتهيُّؤ، وقال: اللهم خذِ العيونَ والأخبارَ عن قريش حتى نبغَتها في بلادِها. فتجهز الناس.

 

ويروي الواقدي عن خطة محمد المحكمة بتعمية خبر مسير الجيش عن قريش بتأمينه كل الطريق إليها برقباء لمنع وصول جواسيس أو أشخاصًا غير موثوقين لمكة:

 

حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمّا وَلّى أَبُو سُفْيَانَ رَاجِعًا قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِعَائِشَةَ: جَهّزِينَا وَأَخْفِى أَمْرَك، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اللّهُمّ خُذْ عَلَى قُرَيْشٍ الأَخْبَارَ وَالْعُيُونَ حَتّى نَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً”، وَيُقَالُ: قَالَ: “اللّهُمّ خُذْ عَلَى قُرَيْشٍ أَبْصَارَهُمْ فَلا يَرَوْنِى إلاّ بَغْتَةً وَلا يَسْمَعُونَ بِى إلاّ فَجْأَة”، قَالُوا: وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالأَنْقَابِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَطُوفُ عَلَى الأَنْقَابِ قَيّمًا بِهِمْ فَيَقُولُ: لا تَدْعُوا أَحَدًا يَمُرّ بِكُمْ تُنْكِرُونَهُ إلاّ رَدَدْتُمُوهُ - وَكَانَتْ الأَنْقَابُ مُسْلِمَةً - إلاّ مَنْ سَلَكَ إلَى مَكّةَ فَإِنّهُ يَتَحَفّظُ بِهِ وَيَسْأَلُ عَنْهُ أَوْ نَاحِيَةِ مَكّةَ. قَالُوا: فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِىَ تُجَهّزُ رَسُولَ اللّهِ ÷ تَعْمَلُ قَمْحًا سَوِيقًا وَدَقِيقًا وَتَمْرًا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْر ٍ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَهَمّ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِغَزْوٍ؟ قَالَتْ: مَا أَدْرِى. قَالَ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ هَمّ بِسَفَرٍ فَآذِنِينَا نَتَهَيّأْ لَهُ. قَالَتْ: مَا أَدْرِى، لَعَلّهُ يُرِيدُ بَنِى سُلَيْمٍ لَعَلّهُ يُرِيدُ ثَقِيفًا، لَعَلّهُ يُرِيدُ هَوَازِنَ فَاسْتَعْجَمَتْ عَلَيْهِ حَتّى دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَدْت سَفَرًا؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”. قَالَ: أَفَأَتَجَهّزُ؟ قَالَ: “نَعَمْ”. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَيْنَ تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “قُرَيْشًا، وَأَخْفِ ذَلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ”، وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ بِالْجَهَازِ، قَالَ: أَوَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُدّةٌ؟ قَالَ: “إنّهُمْ غَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ فَأَنَا غَازِيهِمْ”. وَقَالَ لأَبِى بَكْرٍ: “اطْوِ مَا ذَكَرْت لَك”، فَظَانّ يَظُنّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يُرِيدُ الشّامَ وَظَانّ يَظُنّ ثَقِيفًا، وَظَانّ يَظُنّ هَوَازِنَ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِىّ فِى ثَمَانِيّةِ نَفَرٍ إلَى بَطْنِ إِضَمَ لِيَظُنّ ظَانّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ تَوَجّهَ إلَى تِلْكَ النّاحِيَةِ وَلأَنْ تَذْهَبَ بِذَلِكَ الأَخْبَارُ.

 

وهنا تأتي قصة رسالة حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، روى البخاري:

 

بَاب الْجَاسُوسِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} التَّجَسُّسُ التَّبَحُّثُ

3007 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا حَاطِبُ مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ صَدَقَكُمْ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ سُفْيَانُ وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا

 

ومن لفظ ابن إسحاق:

 

وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عُروة بن الزبير وغيره من علمائنا، قالوا: لمما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قرش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمرِ في السيرِ إليهم، ثم أعطاه امرأةً، زعم محمدُ بن جعفر أنها من مُزَيْنة، وزعم لي غيره أنها سَارَة، مولاة لبعض بني عبد المطلب، وجعل لها جُعلاً على أن تبلِّغه قريشا، فجعلته في رأسها، ثم فَتلت عليه قرونَها، ثم خرجت به. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبرُ من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليّ بن أبي طالب، والزبير بن العوام رضى الله عنهما، فقال: أدركا امرأةً قد كتب معها حاطبٌ بن أبي بَلْتَعة بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم، فخرجا حتى أدركاها بالخليقة، خليقة بني أبي أحمد، فاستنزلاها، فالتمساه في رحلها، فلم يجدا شيئاً، فقال لها عليّ بن أبي طالب: إني أحلف باللّه ما كُذِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كُذِبْنا، ولتُخْرِجِنَّ لنا هذا الكتاب أو لنكشِفَنَّكِ، فلما رأت الجِدَّ منه، قالت: أعرض، فأعرض، فحلت قرونَ رأسِها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه، فأتَى به رسول الله صلى الله عليه وسلم...إلخ

 

فأنزل الله تعالى في حاطب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]. إلى قوله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4]

 

رواه البخاري 3007 و4890 ومسلم 1941 وأحمد 600 و827 وأبو داود (2650)، والترمذي (3305) والنسائي في "الكبرى" (11585)، وأبو يعلى (394) و(397) و(398)، والطبري 28/58 و59، وابن حبان (6499)، والبيهقي في "السنن" 9/146، وفي "الدلائل" 5/17، والواحدي في "أسباب النزول" ص 283، والبغوي في "معالم التنزيل" 4/328.

 

وحكى الواقدي نفس ما حكاه ابن إسحاق، وأضاف:

 

وحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَتَبَ حَاطِبٌ إلَى ثَلاثَةِ نَفَرٍ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِى جَهْلٍ: " إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَذّنَ فِى النّاسِ بِالْغَزْوِ وَلا أَرَاهُ يُرِيدُ غَيْرَكُمْ وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ تَكُونَ لِى عِنْدَكُمْ يَدٌ بِكِتَابِى إلَيْكُمْ. وَدَفَعَ الْكِتَابَ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ مُزَيْنَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَرْجِ، يُقَالُ لَهَا: كَنُودٌ وَجَعَلَ لَهَا دِينَارًا عَلَى أَنْ تُبَلّغَ الْكِتَابَ، وَقَالَ: أَخْفِيهِ مَا اسْتَطَعْت، وَلا تَمُرّى عَلَى الطّرِيقِ فَإِنّ عَلَيْهَا حَرَسًا. فَسَلَكَتْ عَلَى غَيْرِ نَقْبٍ عَنْ يَسَارِ الْمَحَجّةِ فِى الْفُلُوقِ حَتّى لَقِيَتْ الطّرِيقَ بِالْعَقِيقِ.

حَدّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ، عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرَةَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: هِىَ سَارَةُ. جَعَلَ لَهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ

 

هنا نرى تغلب الجانب الإنساني على التعصب الديني، فرغم إيمانه الأعمى المُعمِي بمحمد أراد حماية من يعرفهم من معارفه في مكة ومودتهم، وهذا مثل قصة أبي لبابة الذي خانه إيمانه وتغلب عليه الجانب الإنساني الطاهر فحاول تحذير يهود بني قريظة.

 

جمع محمد أخلاطًا من كل القبائل ودول شبه الجزيرة العربية وهجم على بلده وقومه:

 

قال ابن إسحاق: ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين، فسَبَّعت سُلَيم وبعضهم يقول ألَّفت سُلَيم، وألَّفت مُزَيْنة، وفى كل القبائل عَدَدٌ وإسلام، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف عنه منهم أحد، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه سلم مَرَّ الظهران، وقد عُمِّيَت الأخبارُ عن قريش، فلم يأتِهم خبرٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدرون ما هو فاعل.

سبَّعَتْ: أي كانت سبعمئة، وألَّفت أي كانت ألفًا. ورواه عن ابن إسحاق الحاكم في المستدرك 4359

 

ويقول في آخر سياقها:

 

قال ابن إسحاق: وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف. من بني سُلَيم سبعمائة. ويقول بعضهم: ألف، ومن بني غِفار أربعمائة، ومن أسْلَم أربعمائة؛ ومن مُزَيْنة ألف وثلاثة نفر، وسائرهم من قُريش والأنصار وحلفائهم، وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد.

 

ويقول الواقدي:

 

قَالُوا: فَلَمّا أَبَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْغَزْوَ أَرْسَلَ إلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَإِلَى مَنْ حَوْلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ لَهُمْ: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَحْضُرْ رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ”، وَبَعَثَ رَسُولاً فِى كُلّ نَاحِيَةٍ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ - أَسْلَمَ، وَغِفَارَ، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَأَشْجَعَ. وَبَعَثَ إلَى بَنِى سُلَيْمٍ فَأَمّا بَنُو سُلَيْمٍ فَلَقِيَتْهُ بِقُدَيْدٍ وَأَمّا سَائِرُ الْعَرَبِ فَخَرَجُوا مِنْ الْمَدِينَةِ.

قَالَ: وَحَدّثَنِى سَعِيدُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَرْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَسَمَاءَ بْنَ حَارِثَةَ، وَهِنْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى أَسْلَمَ يَقُولانِ لَهُمْ: “إنّ رَسُولَ اللّهِ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَحْضُرُوا رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ”. وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ جُنْدُبًا وَرَافِعًا ابْنَىْ مَكِيثٍ إلَى جُهَيْنَةَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَحْضُرُوا رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إيمَاءَ بْنَ رَحْضَةَ، وَأَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ الْحُصَيْنِ إلَى بَنِى الْحُصَيْنِ إلَى بَنِى غِفَارٍ وَضَمْرَةَ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أَشْجَعَ مَعْقِلَ بْنَ سِنَانٍ وَنُعَيْمَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَبَعَثَ إلَى مُزَيْنَةَ بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو الْمُزَنِىّ؛ وَبَعَثَ إلَى بَنِى سُلَيْمٍ الْحَجّاجَ بْنَ عِلاطٍ السّلَمِىّ، ثُمّ الْبَهْزِىّ وَعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، وَبَعَثَ إلَى بَنِى كَعْبٍ بَنِى عَمْرَةَ بِشْرَ بْنَ سُفْيَانَ وَبُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ، فَلَقِيَهُ بَنُو كَعْبٍ بِقُدَيْدٍ وَخَرَجَ مَعَهُ مِنْ بَنِى كَعْبٍ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ. وَعَسْكَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِبِئْرِ أَبِى عِنَبَةَ وَعَقَدَ الأَلْوِيَةَ وَالرّايَاتِ فَكَانَ فِى الْمُهَاجِرِينَ ثَلاثُ رَايَاتٍ رَايَةٌ مَعَ الزّبَيْرِ، وَرَايَةٌ مَعَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، وَرَايَةٌ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ. وَكَانَ فِى الأَوْسِ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ رَايَةٌ مَعَ أَبِى نَائِلَةَ، وَفِى بَنِى ظَفَرَ رَايَةٌ مَعَ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ، وَفِى بَنِى حَارِثَةَ رَايَةٌ مَعَ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، وَفِى بَنِى مُعَاوِيَةَ رَايَةٌ مَعَ جَبْرِ ابْنِ عَتِيكٍ، وَفِى بَنِى خَطْمَةَ رَايَةٌ مَعَ أَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَفِى بَنِى أُمَيّةَ رَايَةٌ مَعَ مُبَيّضٍ - قَالَ ابْنُ حَيّوَيْهِ نُبَيْضٌ فِى كِتَابِ أَبِى حَيّةَ: فَتَرَكْته أَنَا عَلَى مَا هُنَاكَ مُبَيّضٌ. وَفِى بَنِى سَاعِدَةَ رَايَةٌ مَعَ أَبِى أَسِيدٍ السّاعِدِىّ، وَفِى بَنِى الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ رَايَةٌ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَفِى بَنِى سَلَمَةَ رَايَةٌ مَعَ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ.

وَفِى بَنِى مَالِكِ بْنِ النّجّارِ رَايَةٌ مَعَ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ، وَفِى بَنِى مَازِنٍ رَايَةٌ مَعَ سَلِيطِ بْنِ قَيْسٍ، وَفِى بَنِى دِينَارٍ رَايَةٌ يَحْمِلُهَا [.....]. وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ سَبْعَمِائَةِ وَمَعَهُمْ مِنْ الْخَيْلِ ثَلاثُمِائَةِ فَرَسٍ وَكَانَتْ الأَنْصَارُ أَرْبَعَةَ آلافٍ مَعَهُمْ مِنْ الْخَيْلِ خَمْسَمِائَةِ وَكَانَتْ مُزَيْنَةُ أَلْفًا، فِيهَا مِنْ الْخَيْلِ مِائَةُ فَرَسٍ وَمِائَةُ دِرْعٍ وَفِيهَا ثَلاثَةُ أَلْوِيَةٍ لِوَاءٌ مَعَ النّعْمَانِ بْنِ مُقَرّنٍ، وَلِوَاءٌ مَعَ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ، وَلِوَاءٌ مَعَ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ عَمْرٍو. وَكَانَتْ أَسْلَمُ أَرْبَعَمِائَةِ فِيهَا ثَلاثُونَ فَرَسًا، وَلِوَاءَانِ يَحْمِلُ أَحَدَهُمَا بُرَيْدَة بْنُ الْحُصَيْبِ وَالآخَرُ نَاجِيَةُ بْنُ الأَعْجَمِ. وَكَانَتْ جُهَيْنَةُ ثَمَانَمِائَةِ مَعَهَا مِنْ الْخَيْلِ خَمْسُونَ فَرَسًا، فِيهَا أَرْبَعَةُ أَلْوِيَةٍ لِوَاءٌ مَعَ سُوَيْدِ بْنِ صَخْرٍ، وَلِوَاءٌ مَعَ ابْنِ مَكِيثٍ، وَلِوَاءٌ مَعَ أَبِى زُرْعَةَ، وَلِوَاءٌ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بَدْرٍ.

وَكَانَتْ بَنُو كَعْبٍ ابْنِ عَمْرٍو خَمْسَمِائَةٍ فِيهِمْ ثَلاثَةُ أَلْوِيَةٍ لِوَاءٌ مَعَ بِشْرِ بْنِ سُفْيَانَ، وَلِوَاءٌ مَعَ ابْنِ شُرَيْحٍ، وَلِوَاءٌ مَعَ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ، وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، لَقِيَهُ قَوْمُهُ بِقُدَيْدٍ.

قَالَ: حَدّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ، عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، قَالَ: لَمْ يَعْقِدْ رَسُولُ اللّهِ ÷ الأَلْوِيَةَ وَالرّايَاتِ حَتّى انْتَهَى إلَى قُدَيْدٍ، ثُمّ جَعَلَ رَايَاتِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ: كَانَتْ رَايَةُ أَشْجَعَ مَعَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ.

وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَمَا حَلّ عُقْدَةً حَتّى انْتَهَى إلَى الصّلْصُلِ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ وَقَادُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الإِبِلَ وَكَانُوا عَشَرَةَ آلافٍ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَمَامَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، فِى مِائَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

 

وكان محمد حريصًا على التكتم عن وجهة سير الجيش لإفشال أي خطط عسكرية لمواجهته، يروي الواقدي:

 

فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْعَرْجَ، وَالنّاسُ لا يَدْرُونَ أَيْنَ تَوَجّهَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى قُرَيْشٍ، أَوْ إلَى هَوَازِنَ، أَوْ إلَى ثَقِيفٍ فَهُمْ يُحِبّونَ أَنْ يَعْلَمُوا، فَجَلَسَ فِى أَصْحَابِهِ بِالْعَرْجِ وَهُوَ يَتَحَدّثُ فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: آتِى رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَعْلَمُ لَكُمْ عِلْمَ وَجْهِهِ. فَجَاءَ كَعْبُ فَبَرَكَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ÷ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمّ قَالَ:

قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلّ رَيْبٍ
نُسَائِلُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ
فَلَسْت لِحَاضِرِ إنْ لَمْ تَرَوْهَا
فَنَنْتَـــزِعُ الْخِيَــــامَ بِبَطْـــــنِ وَجّ

 

وَخَيْبَرَ ثُمّ أَجْمَمْنَا السّيُوفَا
قَوَاطِعُهُنّ دَوْسًا أَوْ ثَقِيفَا
بِسَاحَةِ دَارِكُمْ مِنْهَا أُلُوفَا
وَنَتْرُك دُورَهُــــمْ مِنْهُــمْ خُلُوفَــا


أَنْشَدَنِيهَا أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ. فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. فَجَعَلَ النّاسُ يَقُولُونَ وَاَللّهِ مَا بَيّنَ لَك رَسُولُ اللّهِ شَيْئًا، مَا نَدْرِى بِمَنْ يُبْدَى؛ بِقُرَيْشٍ أَوْ ثَقِيفٍ أَوْ هَوَازِنَ.

 

ويروي الواقدي أيضًا مقدم عيينة بن حصن الفزاري مع عشرة رجال دون قومه سريعًا وأنه حاول أن يعرف من محمد وجهة سيره فرد عليه: إلى ما يشاء الله

 

ولننظر لكم العنف والشر والحقد لكل أخ في الإنسانية وكل أجنبي في هذا الشعر الإسلامي لنعرف حقيقة الإسلام منذ أن نشأ وكان.

 

عندما خرج محمد وجيشه من المدينة يثرب مر على قرية ذي الحُلَيْفة وهي تبعد ستة أميال عن يثرب، فقام هناك أتباعه بنهب بعض الأغنام والجمال لتموين طعامهم، ربما من قبيلة أو قبائل وثنية ساكنة أو مارّة هناك:

 

روى أحمد بن حنبل:

 

17261 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى ؟ قَالَ: " أَعْجِلْ أَوْ أَرِنْ، مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشِ ". قَالَ: وَأَصْبَنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لَهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا.

 

17263 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ، فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا . قَالَ: فَعَجَّلَ الْقَوْمُ، فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهَا، فَأُكْفِئَتْ ، ثُمَّ قَالَ: " عَدْلُ عَشْرَةٍ مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ " . قَالَ: ثُمَّ إِنَّ بَعِيرًا نَدَّ وَلَيْسَ فِي الْقَوْمِ إِلَّا خَيْلٌ يَسِيرَةٌ ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا ". قَالَ: فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: إِنَّا لَنَرْجُو أوْ إِنَّا لَنَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى ، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ ؟ قَالَ: " أَعْجِلْ أَوْ أَرِنْ، مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ، فَمُدَى الْحَبَشَةِ "

 

ورواه البخاري 2488 و2507 و3075 و5498 ومسلم 1968 وأحمد 17283 و15806 وابن أبي شيبة 20155 وعبد الرزاق 8481

 

حاول أحدهم تحريض محمد على قبيلة مدلج في قديد التي لها معه صلة نسب، يقول الواقدي:

 

قَالَ: حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِقُدَيْدٍ قِيلَ: هَلْ لَك فِى بِيضِ النّسَاءِ وَأَدَمِ الإِبِلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ اللّهَ تَعَالَى حَرّمَهَا عَلَىّ بِصِلَةِ الرّحِمِ وَوَكَزَهُمْ فِى لَبّاتِ الإِبِلِ”.

قَالَ: حَدّثَنِى الزّبَيْرُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، عَنْ النّبِىّ ÷ أَنّهُ قَالَ: “إنّ اللّهَ حَرّمَهُمْ عَلَىّ بِبِرّ الْوَالِدِ وَوَكَزَهُمْ فِى لَبّاتِ الإِبِلِ”.

 

والمشار إليهم بنو مدلج، وللحديث شواهد وذكر في بعض كتب الحديث، فقد روى الطبراني في المعجم الكبير:

 

4130 - حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ثنا القعنبي ثنا سحبل بن محمد بن أبي يحيى ( ح ) وحدثنا الحسين التستري ثنا عمرو بن هشام أبو أمية الحراني ثنا عثمان بن عبد الرحمن عن سحبل بن محمد المدني عن خالد بن عبد الله بن حرملة المدلجي قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فقال رجل: هل لك في عقائل النساء وأدم الإبل من بني مدلج ؟ وفي القوم رجل من بني مدلج فعرف ذلك في وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير القوم المدافع عن قومه ما لم يأثم

 

قال الهيثمي في مجمع البحرين في زوائد المعجمين (مجمع الزوائد): رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.

 

وروى البيهقي في شعب الإيمان:

 

7975 - وأخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا يحيى بن منصور القاضي نا أبو علي الحسين بن محمد بن زياد نا محمد بن عباد المكي نا أبو سعيد مولى بني هاشم عن عبد الله بن محمد بن أبي يحيى سحبل عن أبيه عن خالد بن عبد الله المدلجي عن أبيه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم

 قال أبو علي: لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث عن خالد بن عبد الله عن أبيه عن أبي سعيد قال الإمام أحمد قد عد ابن أبي عاصم خالدا من الصحابة و لم يثبت له صحبة و الله أعلم

 

وورد في الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر:

 

خالد بن عبد الله بن حرملة المدلجي يقال له ولأبيه ولجده صحبة وقال البغوي لا أدري له صحبة أم لا وقال بن منده لا تصح صحبته وذكره بن أبي عاصم وجماعة وأورد له من طريق سحبل بن محمد الأسلمي حدثني أبي عن خالد بن عبد الله بن حرملة المدلجي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فقال له رجل هل لك في عقائل النساء وأدم الإبل من بني مدلج وفي القوم رجل من بني مدلج فعرف ذلك في وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم المدافع عن قومه ما لم يأثم كذا في رواية بن أبي عاصم من طريق بن أبي عاصم عن سحبل وأخرجه الطبراني وغيره من وجوه أخرى ليس فيها رأيت وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم عن سحبل فقال فيه عن خالد بن عبد الله عن أبيه قال حسين القباني أحد رواته لا أعلم أحدا قال فيه عن أبيه غير أبي سعيد انتهى ومن طريق أبي سعيد أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده مختصرا وأخرجه مطين في الوحدان من طريق أنس بن عياض عن سحبل قال العسكري حديث خالد مرسل ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم وذكره في التابعين البخاري وأبو حاتم الرازي وابن حبان وآخرون

 

وروى الخرائطي في مكارم الأخلاق:

 

276 (280) - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: " لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ النِّسَاءَ الْبِيضَ، وَالنُّوقَ الْأُدْمَ، فَعَلَيْكَ بِبَنِي مُدْلِجٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ مَنَعَ مِنِّي بَنِي مُدْلِجٍ بِصِلَتِهِمُ الرَّحِمَ، وَطَعْنِهِمْ فِي أَلِبَّاتِ الْإِبِلِ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: فِي لَبَّاتِ الْإِبِلِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي يُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِحْسَانَ وَالصِّلَةَ يَدْفَعَانِ مِيتَةَ السُّوءِ وَالْمَكَارِهَ

وعلق علماء عليه في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: 1863 - (قال زيد بن أسلم) [هو] أبو عبد الله العدوي مولى عمر ثقة عالم وكان يرسل مات سنة ست وثلاثين (لما خرج رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - إلى مكة ....إلخ قال العراقي: رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق وزاد وطعنهم في لبات الإبل وهو مرسل صحيح الإسناد اهـ.

 

وشرحه ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: .... أَلْبَاب الْإِبِلِ» ورُوي «لَبَّات الْإِبِلِ» الأَلْبَاب «1»: جَمْع لُبّ، ولُبُّ كُلِّ شَيْءٍ: خالِصُه، أَرَادَ خالِصُ إبلِهم وكَرائمها. وَقِيلَ: هُوَ جَمْع لَبَب، وَهُوَ المَنْحَر مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهِ سُمّي لَبَبُ السَّرْج. وأمَّا اللَّبَّات فَهِيَ جَمْع لَبَّة، وَهِيَ الهَزْمة الَّتِي فَوق الصَّدْر، وَفِيهَا تُنْحَر الْإِبِلُ.

 

 إذن حبذا لو كان هذا تعاملك مع كل البشر، فكل البشر أقارب أصلهم من أفريقيا، كلكم لأفريقيا من هوموسابينس العتيق وهوموسابينس من هوموإريكتوس وصولًا إلى أوسترالوبيثيكوس، فلماذا ارتضى أن يقوم بالنهب وخطف الأطفال والنساء للاستعباد مع غير قومه وأقاربهم، القاعدة الذهبية المؤسسة للحضارة والأخلاق والمجتمعات والعلاقات الدولية أن تحب للناس إخوتك في الإنسانية ما تحبه وترضاه لنفسك وقومك وبلدك.

 

كان المسلمون كما ذكرنا في غزوات سابقة قاموا بعدة هجمات عدوانية ضد قبيلة هوازن واكتسبوا عدواتهم بلا داعٍ، ولما علم هؤلاء هم وثقيف في الطائف بمسير محمد خشوا أن يكون الإرهابيّ يسعى إليهم، وأرسلوا جاسوسًا، يقول الواقدي:

 

قَالَ: حَدّثَنِى مُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: لَمّا رَاحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْعَرْجِ تَقَدّمَتْ أَمَامَهُ جَرِيدَةٌ مِنْ خَيْلٍ طَلِيعَةٍ تَكُونُ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمّا كَانَتْ بَيْنَ الْعَرْجِ وَالطّلُوبِ أَتَوْا بِعَيْنٍ مِنْ هَوَازِنَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، رَأَيْنَاهُ حِينَ طَلَعْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَتَغَيّبَ عَنّا فِى وَهْدَةٍ ثُمّ جَاءَ فَأَوْفَى عَلَى نَشَزٍ فَقَعَدَ عَلَيْهِ فَرَكَضْنَا إلَيْهِ فَأَرَادَ يَهْرُبَ مِنّا، وَإِذَا بَعِيرُهُ قَدْ عَقَلَهُ أَسْفَلَ مِنْ النّشَزِ وَهُوَ يُغَيّبُهُ فَقُلْنَا: مِمّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِى غِفَارٍ. فَقُلْنَا: هُمْ أَهْلُ هَذَا الْبَلَدِ. فَقُلْنَا: مِنْ أَىّ بَنِى غِفَارٍ أَنْتَ؟ فَعَيِىَ وَلَمْ يُنْفِذْ لَنَا نَسَبًا، فَازْدَدْنَا بِهِ رِيبَةً وَأَسَأْنَا بَهْ الظّنّ فَقُلْنَا: فَأَيْنَ أَهْلُك؟ قَالَ: قَرِيبًا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى نَاحِيَةٍ. قُلْنَا: عَلَى أَىّ مَاءٍ. وَمَنْ مَعَك هُنَالِكَ؟ فَلَمْ يُنْفِذْ لَنَا شَيْئًا، فَلَمّا رَأَيْنَا مَا خَلَطَ قُلْنَا: لَتُصْدِقَنّا أَوْ لَنَضْرِبَنّ عُنُقَك قَالَ: فَإِنْ صَدَقْتُكُمْ يَنْفَعُنِى ذَلِكَ عِنْدَكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنّى رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ مِنْ بَنِى نَضْرٍ بَعَثَتْنِى هَوَازِنُ عَيْنًا. وَقَالُوا: ائْتِ الْمَدِينَةَ حَتّى تَلْقَى مُحَمّدًا فَتَسْتَخْبِرَ لَنَا مَا يُرِيدُ فِى أَمْرِ حُلَفَائِهِ أَيَبْعَثُ إلَى قُرَيْشٍ بَعْثًا، أَوْ يَغْزُوهُمْ بِنَفْسِهِ وَلا نَرَاهُ إلاّ يَسْتَغْوِرَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَائِرًا أَوْ بَعَثَ بَعْثًا فَسِرْ مَعَهُ حَتّى تَنْتَهِىَ إلَى بَطْنِ سَرِفَ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُنَا أَوّلاً فَيَسْلُكُ فِى بَطْنِ سَرِفَ حَتّى يَخْرُجَ إلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ قُرَيْشًا فَسَيَلْزَمُ الطّرِيقَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَأَيْنَ هَوَازِنُ”؟ قَالَ: تَرَكْتهمْ بِبَقْعَاءَ وَقَدْ جَمَعُوا الْجُمُوعَ وَأَجْلَبُوا فِى الْعَرَبِ، وَبَعَثُوا إلَى ثَقِيفٍ فَأَجَابَتْهُمْ فَتَرَكَتْ ثَقِيفًا عَلَى سَاقٍ قَدْ جَمَعُوا الْجُمُوعَ وَبَعَثُوا إلَى الْجُرَشِ فِى عَمَلِ الدّبّابَاتِ وَالْمَنْجَنِيقِ وَهُمْ سَائِرُونَ إلَى جَمْعِ هَوَازِنَ فَيَكُونُونَ جَمْعًا. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَإِلَى مَنْ جَعَلُوا أَمْرَهُمْ”؟ قَالَ: إلَى فَتَاهُمْ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَكُلّ هَوَازِنَ قَدْ أَجَابَ إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ مَالِكٌ”؟ قَالَ: قَدْ أَبْطَأَ مِنْ بَنِى عَامِرٍ أَهْلُ الْجِدّ وَالْجَلْدِ. قَالَ: “مَنْ”؟ قَالَ: كَعْبٌ وَكِلابٌ. قَالَ: “مَا فَعَلَتْ هِلالٌ”؟ قَالَ: مَا أَقَلّ مِنْ ضَوَى إلَيْهِ مِنْهُمْ وَقَدْ مَرَرْت بِقَوْمِك أَمْسِ بِمَكّةَ وَقَدْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَرَأَيْتهمْ سَاخِطِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ وَهُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، مَا أَرَاهُ إلاّ صَدَقَنِى” قَالَ الرّجُلُ: فَلَيَنْفَعَنّى ذَلِكَ؟ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَحْبِسَهُ وَخَافُوا أَنْ يَتَقَدّمَ وَيُحَذّرَ النّاسَ فَلَمّا نَزَلَ الْعَسْكَرُ مَرّ الظّهْرَانِ أَفْلَتَ الرّجُلُ فَطَلَبَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَهُ عِنْدَ الأَرَاكِ، وَقَالَ: “لَوْلا وُلّيت عَهْدًا لَك لَضَرَبْت عُنُقَك”، وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَمَرَ بَهْ يُحْبَسُ حَتّى يَدْخُلَ مَكّةَ، فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَكّةَ وَفَتَحَهَا أُتِىَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَدَعَاهُ إلَى الإِسْلامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى هَوَازِنَ فَقُتِلَ بَأَوْطَاسٍ.

 

عملية الإكراه الديني لأبي سفيان بن حرب وهو ابن عم محمد

 

وطبعًا كان أبو سفيان من قادة كل حروب قريش مع محمد، وعلى طريقة الإسلام لم يكن له

 

 

 

 

 

 

 

 

الجرش من أقاليم اليمن من جهة مكة

مخرج ومهرب إلا بأن يسلم ولو عن غير اقتناع، وهذا الإجبار جرى على كل أهل مكة وليس المحاربون فقط مثل أبي سفيان على أي حال.

 

يقول ابن إسحاق:

 

وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق.

قال ابن هشام: لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله، وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته، ورسول صلى الله عليه وسلم عنه راضٍ، فيما ذكر ابن شهاب الزهري. إلخ

 

فلما نزل رسول اللّه صلي الله عليه وسلم مَرَّ الظَّهْران، قال العباس بن عبد المطلب: فقلت: واصباح قريش، واللّه لئن دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكة عَنْوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر. قال: فجلست على بغلة رسول اللّه صلي الله عليه وسلم البيضاء، فخرجت عليها. قال: حتى جئت الأراك، فقلت: لعلى أجدُ بعضَ الحطابة أو صاحبَ لبن أو ذا حاجة يأتي مكة، فيخبرهم بمكان رسول اللّه صلي الله عليه وسلم، ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عَنْوة.

قال: فوالله إني لأسير عليها، وألتمس ما خرجت له، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبُدَيل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا، قال: يقول بُدَيل: هذه واللّه خُزَاعة حَمشتها الحرب. قال: يقول أبو سفيان: خزاعة أذلُّ وأقلُّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.

قال: فعرفت صوتَه؛ فقلت: يا أبا حَنْظلة، فعرف صوتى، فقال: أبو الفضل؟ قال: قلت: نعم؛ قال: ما لك؟ فداك أبي وأمى؛ قال: قلت: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول اللّه صلي الله عليه وسلم في الناس، واصباحَ قريش واللّه. قال: فما الحيلة؟ فداك أبي وأمى؛ قال: قلت: واللّه لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول اللّه صلي الله عليه وسلم فاستأمنه لك؛ قال: فركب خلفى ورجع صاحباه. قال: فجئت به كلما مررت بنارٍ من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول اللّه صلي الله عليه وسلم وأنا عليها، قالوا: عم رسول اللّه صلي الله عليه وسلم على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه، فقال: من هذا؟ وقام إلىَّ! فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة، قال: أبو سفيان عدوُّ اللّه! الحمد للّه الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول اللّه صلي الله عليه وسلم، وركضت البغلة، فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطىء.

قال: فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول اللّه صلي الله عليه وسلم، ودخل عليه عمر، فقال: يا رسول اللّه، هذا أبو سفيان أمكن اللّه منه بغير عقد ولا عهد، فدعْنى فلأضربْ عنقه، قال: قلت: يا رسول اللهّ، إنى قد أجرته، ثم جلست إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأخذت برأسه، فقلت: واللّه لا يناجيه الليلة دونى رجل؛ فلما أكثر عمر من شأنه، قال: قلت: مهلا يا عمر، فواللّه أن لو كان من بني عَدِيِّ بن كَعْب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال: مهلا يا عباس، فواللّه لا سلامك يوم أسلمت كان أحب إلىَّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بى إلا أنى قد عرفت أن إسلامك كان أحبَّ إلى رسول اللّه صلي الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم

فقال رسول اللّه صلي الله عليه وسلم: اذهب به يا عباس إلى رَحْلك، فإذا أصبحت فأتني به، قال: فذهبت به إلى رحلى فبات عندي فلما أصبح غدوتُ به إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول اللّه صلي الله عليه وسلم، قال: ويْحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا اللّه؟ قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، واللّه قد ظننت أن لو كان مع اللّه إله غيره لقد أغنى عنى شيئا بعدُ، قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم، أنى رسول اللّه؟ قال: بأبى أنت وأمى، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أما هذه واللّه فإن في النفس منها حتى الان شيئاً.

فقال له العباس: ويحك! أسلم واشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه قبل أن تُضرب عنقُك. قال: فشهد شهادة الحق، فأسلم.

قال العباس: قلتُ: يا رسول اللّه، إن أبا سفيان رجلٌ يحب الفخر،. فاجعل له شيئا. قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابَه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.

 

ذكرناه في مواضع أخرى أدناه بأسانيد من مصنف ابن أبي شيبة 38057 ومصنف عبد الرزاق 9739

ويقول الواقدي:

 

وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ بِمَرّ الظّهْرَانِ، وَلَمْ يَبْلُغْ قُرَيْشًا حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنْ مَسِيرِ رَسُولِ اللّهِ ÷ إلَيْهِمْ فَقَدْ اغْتَمّوا وَهُمْ يَخَافُونَ يَغْزُوَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷. فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَرّ الظّهْرَانِ عِشَاءً أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُوقِدُوا النّيرَانَ فَأَوْقَدُوا عَشَرَةَ آلافِ نَارٍ فَأَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ بَعْثَةَ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ يَتَحَسّبُ الأَخْبَارَ، وَقَالُوا: إنْ لَقِيت مُحَمّدًا فَخُذْ لَنَا مِنْهُ جِوَارًا إلاّ أَنْ تَرَى رِقّةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَآذِنْهُ بِالْحَرْبِ، فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، فَلَقِيَا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ فَاسْتَتْبَعَاهُ فَخَرَجَ مَعَهُمَا، فَلَمّا بَلَغُوا الأَرَاكَ مِنْ مَرّ الظّهْرَانِ رَأَوْا الأَبْنِيَةَ وَالْعَسْكَرَ وَالنّيرَانَ وَسَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ وَرُغَاءَ الإِبِلِ فَأَفْزَعَهُمْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقَالُوا: هَؤُلاءِ بَنُو كَعْبٍ حَاشَتْهَا الْحَرْبُ، فَقَالَ بُدَيْلٌ: هَؤُلاءِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِى كَعْبٍ، قَالُوا: فَتَنَجّعَتْ هَوَازِنُ عَلَى أَرْضِنَا وَاَللّهِ مَا نَعْرِفُ هَذَا إنّ هَذَا الْعَسْكَرَ مِثْلُ حَاجّ النّاسِ، قَالُوا: وَقَدْ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى الْحَرَسِ عُمَرَ ابْنَ الْخَطّابِ. وَقَدْ رَكِبَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بَغْلَةَ رَسُولِ اللّهِ ÷ الدّلْدُلَ عَسَى أَنْ يُصِيبَ رَسُولاً إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ دَاخِلٌ عَلَيْهِمْ مَعَ عَشَرَةِ آلافٍ فَسَمِعَ صَوْتَ أَبِى سُفْيَانَ فَقَالَ: أَبَا حَنْظَلَةَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا لَبّيْكَ. أَبُو الْفَضْلِ، قَالَ الْعَبّاسُ: نَعَمْ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَمَا وَرَاءَك؟ قَالَ الْعَبّاسُ: هَذَا رَسُولُ اللّهِ فِى عَشَرَةِ آلافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَسْلِمْ ثَكِلَتْك أُمّك وَعَشِيرَتُك، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، فَقَالَ: أَسْلِمَا، فَإِنّى لَكُمَا جَارٌ حَتّى تَنْتَهُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ فَإِنّى أَخْشَى أَنْ تَقْتَطِعُوا دُونَ النّبِىّ ÷ قَالُوا: فَنَحْنُ مَعَك. قَالَ: فَخَرَجَ بِهِمْ الْعَبّاسُ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ ÷ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ قَدْ أَجَرْتهمْ وَهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَيْك. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَدْخِلْهُمْ”، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَمَكَثُوا عِنْدَهُ عَامّةَ اللّيْلِ يَسْتَخْبِرُهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَدَعَاهُمْ إلَى الإِسْلامِ، وَقَالَ: “تَشْهَدُونَ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّى رَسُولُ اللّهِ”، فَأَمّا حَكِيمٌ وَبُدَيْلٌ فَشَهِدَا، وَأَمّا أَبُو سُفْيَانَ فَشَهِدَ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ فَلَمّا قَالَ: “وَأَنّى رَسُولُ اللّهِ” قَالَ: وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ إنّ فِى النّفْسِ مِنْ هَذَا لَشَيْئًا يَسِيرًا بَعْدُ فَأَرْجِئْهَا، ثُمّ قَالَ لِلْعَبّاسِ: قَدْ أَجَرْنَاهُمْ اذْهَبْ بِهِمْ إلَى مَنْزِلِك، فَلَمّا أَذّنَ الصّبْحُ أَذّنَ الْعَسْكَرُ كُلّهُمْ فَفَزِعَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ أَذَانِهِمْ، وَقَالَ: مَا يَصْنَعُونَ؟ قَالَ الْعَبّاسُ: فَقُلْت: الصّلاةُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: كَمْ يُصَلّونَ فِى الْيَوْمِ وَاللّيْلَةِ؟ قَالَ الْعَبّاسُ: يُصَلّونَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: كَثِيرٌ وَاَللّهِ، قَالَ: ثُمّ رَآهُمْ يَبْتَدِرُونَ وُضُوءَ النّبِىّ ÷ فَقَالَ: مَا رَأَيْت يَا أَبَا الْفَضْلِ مُلْكًا هَكَذَا قَطّ، لا مُلْكَ كِسْرَى، وَلا مُلْكَ بَنِى الأَصْفَرِ، فَقَالَ الْعَبّاسُ: وَيْحَك، آمِنْ، قَالَ: أَدْخِلْنِى عَلَيْهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ فَأَدْخَلَهُ الْعَبّاسُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ اسْتَنْصَرْت إلَهِى وَاسْتَنْصَرْت إلَهَك، فَلا وَاَللّهِ مَا لَقِيتُك مِنْ مَرّةٍ إلاّ ظَفِرْت عَلَىّ فَلَوْ كَانَ إلَهِى مُحِقّا وَإِلَهُك مُبْطِلاً غَلَبْتُك، فَتَشَهّدَ أَبُو سُفْيَانَ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ.

ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مُحَمّدُ جِئْت بِأَوْبَاشِ النّاسِ مَنْ يَعْرِفُ وَمَنْ لا يَعْرِفُ إلَى عَشِيرَتِك وَأَصْلِك. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنْتَ أَظْلَمُ وَأَفْجَرُ غَدَرْتُمْ بِعَهْدِ الْحُدَيْبِيَةِ وَظَاهَرْتُمْ عَلَى بَنِى كَعْبٍ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فِى حَرَمِ اللّهِ وَأَمْنِهِ”، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَحَيّكُمْ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ كُنْت جَعَلْت حِدّتَك وَمَكِيدَتَك بِهَوَازِنَ فَهُمْ أَبْعَدُ رَحِمًا وَأَشَدّ لَك عَدَاوَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى لأَرْجُو مِنْ رَبّى أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ لِى كُلّهُ بِفَتْحِ مَكّةَ، وَإِعْزَازِ الإِسْلامِ بِهَا، وَهَزِيمَةِ هَوَازِنَ وَأَنْ يُغْنِمَنِى اللّهُ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيّهُمْ فَإِنّى رَاغِبٌ إلَى اللّهِ تَعَالَى فِى ذَلِكَ”.

قَالَ: وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْت يَعْقُوبَ بْنَ عُتْبَةَ يُخْبِرُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ بِمَرّ الظّهْرَانِ، قَالَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ، وَاَللّهِ لَئِنْ دَخَلَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَنْوَةً إنّهُ لَهَلاكُ قُرَيْشٍ آخِرَ الدّهْرِ، قَالَ: فَأَخَذْت بَغْلَةَ رَسُولِ اللّهِ ÷ الشّهْبَاءَ فَرَكِبْتهَا، وَقُلْت: أَلْتَمِسُ إنْسَانًا أَبْعَثُهُ إلَى قُرَيْشٍ؛ فَيَلْقَوْنَ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً. قَالَ: فَوَاَللّهِ إنّى لَفِى الأَرَاكِ أَبْتَغِى إنْسَانًا إذْ سَمِعْت كَلامًا يَقُولُ: وَاَللّهِ إنْ رَأَيْت كَاللّيْلَةِ مِنْ النّيرَانِ. قَالَ: يَقُولُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: هَذِهِ وَاَللّهِ خُزَاعَةُ حَاشَتْهَا الْحَرْبُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَقَلّ وَأَذَلّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانُهُمْ وَعَسْكَرُهُمْ. قَالَ: وَإِذَا بِأَبِى سُفْيَانَ، فَقُلْت: أَبَا حَنْظَلَةَ، فَقَالَ: يَا لَبّيْكَ أَبَا الْفَضْلِ - وَعَرَفَ صَوْتِى - مَا لَك، فِدَاك أَبِى وَأُمّي؟ فَقُلْت: وَيْلَك، هَذَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى عَشَرَةِ آلافٍ. فَقَالَ: بِأَبِى وَأُمّى مَا تَأْمُرُنِى، هَلْ مِنْ حِيلَةٍ؟ قُلْت: نَعَمْ تَرْكَبُ عَجُزَ هَذِهِ الْبَغْلَةِ فَأَذْهَبُ بِك إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَإِنّهُ وَاَللّهِ إنْ ظُفِرَ بِك دُونَ رَسُولِ اللّهِ لَتُقْتَلَن.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَأَنَا وَاَللّهِ أَرَى ذَلِكَ، قَالَ: وَرَجَعَ بُدَيْلٌ وَحَكِيمٌ ثُمّ رَكِبَ خَلْفِى، ثُمّ وَجّهْت بِهِ كُلّمَا مَرَرْت بِنَارِ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَإِذَا رَأَوْنِى قَالُوا: عَمّ رَسُولِ اللّهِ ÷ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتّى مَرَرْت بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَلَمّا رَآنِى قَامَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْت: الْعَبّاسُ. قَالَ: فَذَهَبَ يَنْظُرُ فَرَأَى أَبَا سُفْيَانَ خَلْفِى، فَقَالَ: أَبُو سُفْيَانَ، عَدُوّ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى أَمْكَنَ مِنْك بِلا عَهْدٍ، وَلا عَقْدٍ، ثُمّ خَرَجَ نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ ÷ يَشْتَدّ، وَرَكَضَتْ الْبَغْلَةُ حَتّى اجْتَمَعْنَا جَمِيعًا عَلَى بَابِ قُبّةِ النّبِىّ ÷، قَالَ: فَدَخَلْت عَلَى النّبِىّ ÷ وَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى إثْرِى، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ عَدُوّ اللّهِ قَدْ أَمْكَنَ اللّهُ مِنْهُ بِلا عَهْدٍ وَلا عَقْدٍ، فَدَعْنِى أَضْرِبُ عُنُقَهُ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى قَدْ أَجَرْته قَالَ: ثُمّ الْتَزَمْت رَسُولَ اللّهِ ÷، فَقُلْت: وَاَللّهِ لا يُنَاجِيهِ اللّيْلَةَ أَحَدٌ غَيْرِى - أَوْ دُونِى.

فَلَمّا أَكْثَرَ عُمَرُ فِيهِ، قُلْت: مَهْلاً يَا عُمَرُ فَإِنّهُ لَوْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْت هَذَا، وَلَكِنّهُ أَحَدُ بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ، فَقَالَ عُمَرُ: مَهْلاً، يَا أَبَا الْفَضْلِ فَوَاَللّهِ لإِسْلامُكَ كَانَ أَحَبّ إلَىّ مِنْ إسْلامِ رَجُلٍ مِنْ آلِ الْخَطّابِ لَوْ أَسْلَمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اذْهَبْ بِهِ فَقَدْ أَجَرْته لَك فَلِيَبِتْ عِنْدَك حَتّى تَغْدُو بِهِ عَلَيْنَا إذَا أَصْبَحْت”.

فَلَمّا أَصْبَحْت غَدَوْت بِهِ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَالَ: “وَيْحَك، يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ”؟ قَالَ: بِأَبِى أَنْتَ مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَك وَأَعْظَمَ عَفْوَك قَدْ كَانَ يَقَعُ فِى نَفْسِى أَنّهُ لَوْ كَانَ مَعَ اللّهِ إلَهٌ لَقَدْ أَغْنَى عَنّى شَيْئًا بَعْدُ، قَالَ: “يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنّى رَسُولُ اللّهِ”؟ قَالَ: بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَك وَأَعْظَمَ عَفْوَك، أَمّا هَذِهِ فَوَاَللّهِ إنّ فِى النّفْسِ مِنْهَا لَشَيْئًا بَعْدُ. فَقَالَ الْعَبّاسُ: فَقُلْت: وَيْحَك، اشْهَدْ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَاشْهَدْ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَبْلُ وَاَللّهِ أَنْ تُقْتَلَ فَقَالَ فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ الْعَبّاسُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّك عَرَفْت أَبَا سُفْيَانَ وَحُبّهُ الشّرَفَ وَالْفَخْرَ اجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: “نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِى سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ”،

 

هنا نكتشف من رواية الواقدي أن العباس كذلك على إيمانه كان سيفعل كحاطب بن أبي بلتعة! لكن هذا لو صح خبره، وإلا ففي مصنف ابن أبي شيبة يرد التالي من حديث رقم38057:

 

.....قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ، قَالَ: فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَذِنْتَ لِي فَأَتَيْتُهُمْ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَمَّنْتُهُمْ، وَجَعَلْتَ لأَبِي سُفْيَانَ شَيْئًا يُذْكَرُ بِهِ، فَانْطَلَقَ الْعَبَّاسُ، فَرَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الشَّهْبَاءَ وَانْطَلَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي، رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي، فَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَفْعَلَ بِهِ قُرَيْشٌ مَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ، دَعَاهُمْ إِلَى اللهِ فَقَتَلُوهُ، أَمَا وَاللهِ لَئِنْ رَكِبُوهَا مِنْهُ لأَضْرِمَنَّهَا عَلَيْهِمْ نَارًا......

 

ووقع في مصنف عبد الرزاق برقم 9739:

 

.... فجاء علي بن أبي طالب فقال هل لك على أن تسود العرب وتمن على قومك فتجيرهم وتجدد لهم كتابا فقال ما كنت لأفتات على رسول الله الله صلى الله عليه وسلم بأمر ثم دخل على فاطمة فقال هل لك أن تكوني خير سخلة في العرب أن تجيري بين الناس فقد أجارت أختك على رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أبا العاص بن الربيع فلم يغير ذلك فقالت فاطمة ما كنت لأفتات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ثم قال ذلك للحسن والحسين أجيرا بين الناس قولا نعم فلم يقولا شيئا ونظرا إلى أمهما وقالا نقول ما قالت أمنا فلم ينجح من واحد منهم ما طلب فخرج حتى قدم على قريش فقالوا ماذا جئت به قال جئتكم من عند قوم قلوبهم على قلب واحد والله ما تركت منهم صغيرا ولا كبيرا ولا أنثى ولا ذكرا إلا كلمته فلم أنجح منهم شيئا قالوا ما صنعت شيئا ارجع فرجع وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قريشا حتى إذا كان ببعض الطريق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لناس من الأنصار انظروا أبا سفيان فإنكم ستجدونه فنظروه فوجدوه فلما دخل العسكر جعل المسلمون يجأونه ويسرعون إليه فنادى يا محمد إني لمقتول فأمر بي إلى العباس وكان العباس له خدنا وصديقا في الجاهلية فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم إلى العباس فبات عنده فلما كان عند صلاة الصبح وأذن المؤذن تحرك الناس فظن أنهم يريدونه قال يا عباس ما شأن الناس قال تحركوا للمنادي للصلاة قال فكل هؤلاء إنما تحركوا لمنادي محمد صلى الله عليه وسلم قال نعم قال فقام العباس للصلاة وقام معه فلما فرغوا قال يا عباس ما يصنع محمد شيئا إلا صنعوا مثله قال نعم ولو أمرهم أن يتركوا الطعام والشراب حتى يموتوا جوعا لفعلوا وإني لأراهم سيهلكون قومك غدا قال يا عباس فادخل بنا عليه فدخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة من أدم وعمر بن الخطاب خلف القبة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه الإسلام فقال أبو سفيان كيف أصنع بالعزى فقال عمر من خلف القبة تخرأ عليها فقال وأبيك إبك لفاحش إني لم آتك يا بن الخطاب إنما جئت لابن عمي وإياه أكلم قال فقال العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل من أشراف قومنا وذوي أسنانهم وأنا أحب أن تجعل له شيئا يعرف ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن قال فقال أبو سفيان أداري أداري فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم ومن وضع سلاحه فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن فانطلق مع العباس حتى إذا كان ببعض الطريق فخاف منه العباس بعض الغدر فجلسه على أكمة حتى مرت به الجنود قال فمرت به كبكبة فقال من هؤلاء يا عباس فقال هذا الزبير بن العوام على المجنبة اليمنى قال ثم مرت كبكبة أخرى فقال من هؤلاء يا عباس قال هم قضاعة وعليهم أبو عبيدة بن الجراح قال ثم مرت به كبكبة أخرى فقال من هؤلاء يا عباس قال هذا خالد بن الوليد على المجنبة اليسرى قال ثم مرت به قوم يمشون في الحديد فقال من هؤلاء يا عباس التي كأنها حرة سوداء قال هذه الأنصار عندها الموت الأحمر فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنصار حوله فقال أبو سفيان سر يا عباس فلم أر كاليوم صباح قوم في ديارهم قال ثم انطلق فلما أشرف على مكة نادى وكان شعار قريش يا آل غالب أسلموا تسلموا فلقيته امرأته هند فأخذت بلحيته وقالت يا آل غالب اقتلوا الشيخ الأحمق فإنه قد صبأ فقال والذي نفسي بيده لتسلمن أو ليضربن عنقك قال فلما أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على مكة كف الناس أن يدخلوها حتى يأتيه رسول العباس فأبطأ عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلهم يصنعون بالعباس ما صنعت ثقيف بعروة بن مسعود فوالله إذا لا أستبقي منهم أحدا قال ثم جاءه رسول العباس فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أصحابه بالكف فقال كفوا السلاح إلا خزاعة عن بكر ساعة ثم أمرهم فكفوا فأمن الناس كلهم إلا بن أبي سرح وبن خطل ومقيس الكناني وامرأة أخرى ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم إني لم أحرم مكة ولكن حرمها الله وإنها لم تحلل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي إلى يوم القيامة وإنما أحلها الله لي في ساعة من نهار قال ثم جاءه عثمان بن عفان بابن أبي سرح فقال بايعه يا رسول الله فأعرض عنه ثم جاء من ناحية أخرى فأعرض عنه ثم جاءه أيضا فقال بايعه يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أعرضت عنه وإني لأظن بعضكم سيقتله فقال رجل من الأنصار فهلا أومضت إلي يا رسول الله قال إن النبي لا يومض وكأنه رآه غدرا قال الزهري فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة حتى هزمهم الله ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع عنهم فدخلوا في الدين فأنزل الله إذا جاء نصر الله والفتح حتى ختمها قال معمر قال الزهري ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من قريش وهي كنانة ومن أسلم يوم الفتح قبل حنين وحنين واد في قبل الطائف ذو مياه وبه من المشركين يومئذ عجز هوازن ومعهم ثقيف ورأس المشركين يومئذ مالك بن عوف النضري فاقتتلوا بحنين فنصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين وكان يوما شديدا...إلخ

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

38057- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَمَّا وَادَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ بَنُو بَكْرٍ حُلَفَاءَ قُرَيْشٍ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ، فَكَانَ بَيْنَ خُزَاعَةَ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ قِتَالٌ، فَأَمَدَّتْهُمْ قُرَيْشٌ بِسِلاَحٍ وَطَعَامٍ، وَظَلَّلُوا عَلَيْهِمْ، فَظَهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ، وَقَتَلُوا فِيهُمْ، فَخَافَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَكُونُوا قَدْ نَقَضُوا، فَقَالُوا لأَبِي سُفْيَانَ: اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ.

فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ جَاءَكُمْ أَبُو سُفْيَانَ، وَسَيَرْجِعُ رَاضِيًا بِغَيْرِ حَاجَتِهِ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، أَوَ قَالَ: بَيْنَ قَوْمِكَ، قَالَ: لَيْسَ الأَمْرُ إِلَيَّ، الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ ظَلَّلُوا عَلَى قَوْمٍ وَأَمَدُّوهُمْ بِسِلاَحٍ وَطَعَامٍ، أَنْ يَكُونُوا نَقَضُوا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ.

ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنَقَضْتُمْ ؟ فَمَا كَانَ مِنْهُ جَدِيدًا فَأَبْلاَهُ اللَّهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ شَدِيدًا، أَوْ مَتِينًا فَقَطَعَهُ اللَّهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ شَاهِدَ عَشِيرَةٍ، ثُمَّ أَتَى فَاطِمَةَ، فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ، هَلْ لَك فِي أَمْرٍ تَسُودِينَ فِيهِ نِسَاءَ قَوْمِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهَا نَحْوًا مِمَاْ ذَكَرَ لأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: لَيْسَ الأَمْرُ إِلَي، الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، ثُمَّ أَتَى عَلِيًّا، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلاً أَضَلَّ، أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ، فَأَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، وَقَالَ: قَدْ أَجْرَتُ النَّاسَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.

ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى مَكَّةَ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا صَنَعَ، فَقَالُوا: وَاللهِ مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ وَافِدَ قَوْمٍ، وَاللهِ مَا أَتَيْتَنَا بِحَرْبٍ فَنَحْذَرَ، وَلاَ أَتَيْتَنَا بِصُلْحٍ فَنَأْمَنَ، ارْجِعْ.

قَالَ: وَقَدِمَ وَافِدُ خُزَاعَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ الْقَوْمُ، وَدَعَا إِلَى النُّصْرَةِ، وَأَنْشَدَهُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا:

لاَهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا.

وَوَالِدًا كُنْتَ وَكُنَّا وَلَدًا ... إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا.

وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكَّدَا ... وَجَعَلُوا لِي بِكَدَاءٍ رُصَّدَا.

وَزَعَمْتْ أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدًا

... فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا.

وَهُمْ أَتَوْنَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدًا ... نَتْلُو الْقُرْآنَ رُكَّعًا وَسُجَّدًا.

ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدًا ... فَانْصُرْ رَسُولَ اللهِ نَصْرًا أَعْتَدَا.

وَابْعَثْ جُنُودَ اللهِ تَأْتِي مَدَدًا ... فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَأْتِي مُزْبِدَا

فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا.

قالَ حَمَّادٌ: هَذَا الشِّعْرُ بَعْضُهُ عَنْ أَيُّوبَ، وَبَعْضُهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ، وَأَكْثَرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أسْحَاقَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ.

قَالَ: قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

أَتَانِي وَلَمْ أَشْهَدْ بِبَطْحَاءِ مَكَّة ... رِجَالُ بَنِي كَعْبٍ تُحَزَّ رِقَابُهَا.

وَصَفْوَانُ عُودٌ حُزَّ مِنْ وَدَقٍ اسْتِهِ

... فَذَاكَ أَوَانُ الْحَرْبِ شُدَّ عِصَابُهَا.

فَلاَ تَجْزَعَنْ يَابْنَ أَمِّ مُجَالِدٍ ... فَقَدْ صَرَّحَتْ صِرْفًا وأََعَصل نَابهَا.

فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَنَالَنَّ مَرَّةً ... سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو حَوْبَهَا وَعِقَابَهَا.

قالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلُوا، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا مَرًّا، قَالَ: وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى نَزَلَ مَرًّا لَيْلاً، قَالَ: فَرَأَى الْعَسْكَرَ وَالنِّيرَانَ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ فَقِيلَ: هَذِهِ تَمِيمٌ، مَحَّلَتْ بِلاَدَهَا فَانْتَجَعَتْ بِلاَدَكُمْ، قَالَ: وَاللهِ، لَهَؤُلاَءِ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ مِنًى، أَوْ قَالَ: مِثُلُ أَهْلِ مِنًى، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: دُلُّونِي عَلَى الْعَبَّاسِ، فَأَتَى الْعَبَّاسَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِاللاَتِ وَالْعُزَّى ؟.

قَالَ أَيُّوبُ: فَحَدَّثَنِي أَبُو الْخَلِيلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْقُبَّةِ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ: إِخْرَ عَلَيْهَا، أَمَّا وَاللهِ أَنْ لَوْ كُنْت خَارِجًا مِنَ الْقُبَّةِ مَا قُلْتهَا أَبَدًا.

قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.

ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ.

فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، وَذَهَبَ بِهِ الْعَبَّاسُ إلَى مَنْزِلِهِ....إلخ الحديث

 

استعراض محمد لقوته ليخيف أبا سفيان والمكيين من قريش وكنانة وغيرهم

 

روى البخاري:

 

4280 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ مَا هَذِهِ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْخَيْلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ فَجَعَلَتْ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ قَالَ يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ قَالَ هَذِهِ غِفَارُ قَالَ مَا لِي وَلِغِفَارَ ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَمَرَّتْ سُلَيْمُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَرَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ مَا قَالَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ قَالَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ قَالَ عُرْوَةُ وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ قَالَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدَا فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ حُبَيْشُ بْنُ الْأَشْعَرِ وَكُرْزُ بْنُ جابِرٍ الْفِهْرِيُّ

 

وهذا ذكره ابن إسحاق بألفاظ مقاربة:

 

فلما ذهب لينصرف قال رسول اللّه صلي الله عليه وسلم: يا عباس، احبسه بمضِيق الوادي عند خَطْم الجبل، حتى تمر به جنود اللّه فيراها قال: فخرجت حتى حبسته بمضِيق الوادي، أمرنى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أحبسه.

 

قال: ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: يا عباس، من هذه؟ فأقول: سُليم، فيقول: ما لي ولسُلَيم، ثم تمر القبيلة فيقول يا عباس، من هؤلاء؟ فأقول: مُزَيْنة، فيقول: ما لي ولمزينة، حتى نفدت القبائلُ، ما تمر به قبيلة إلا يسألنى عنها؛ فإذا أخبرته بهم، قال: ما لي ولبنى فلان؛ حتى مر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء.

قال ابن هشام: وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها.

قال ابن إسحاق: فيها المهاجرون والأنصار، رضي اللّه عنهم، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال: سبحان اللّه، يا عباسُ، من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة، واللّه يا أبا الفضل، لقد أصبح مُلك ابن أخيك الغداةَ عظيما، قال: قلت: يا أبا سفيان، إنها النبوة. قال: فنعم إذن.

 

يبدو أن كثيرين عابوا على محمد أن يسفك دم قومه، مما دعاه ألا يكثر في القتل إلا من واجهوه ووقفوا أمام اقتحامه لمكة، ويبدو أن مشاعره كانت أقرب إلى البغض لقريش وثقيف لو اطلعنا على آرائه فيهم في الأحاديث، ويروي ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: فزعم بعض أهل العلم أن سعداً حين وُجّه داخلاً، قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحل الحرمةُ، فسمعها رجل من المهاجرين - قال ابن هشام: هو عمر بن الخطاب - فقال: يا رسول اللّه، اسمع ما قال سعد بن عبادة، ما نأمن أن يكون له في قريش صَوْلة. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لعليّ بن أبي طالب: أدركْه، فخذ الراية منه فكن أنت الذي تدخل بها.

 

وروى البزار في مسنده:

 

7316- وحَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنَ الْمُثَنَّى، حَدَّثنا مُحَمد بن عَبد الله حدثني أبي عن ثمامة، عَن أَنَسٍ، قال: لما قدم رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم مكة كان قيس في مقدمته فكلم سَعْد النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم أن يصرفه عن الموضع الذي هو فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذاك.

 

ويقول ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري:

 

وَقَدْ رَوَى الْأُمَوِيُّ فِي الْمَغَازِي أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاذَاهُ أُمِرْتُ بِقَتْلِ قَوْمِكَ قَالَ لَا فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ثُمَّ نَاشَدَهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ الْيَوْمُ يَعِزُّ اللَّهُ قُرَيْشًا وَأَرْسَلَ إِلَى سَعْدٍ فَأَخَذَ الرَّايَةَ مِنْهُ فَدَفعهَا إِلَى ابْنه قيس..... لَكِنْ جَزَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ دَفَعَهَا إِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِيمَنْ دُفِعَتْ إِلَيْهِ الرَّايَةُ الَّتِي نُزِعَتْ مِنْ سَعْدٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي الْجَمْعِ أَنَّ عَلِيَّا أُرْسِلَ بِنَزْعِهَا وَأَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ خَشِيَ تَغَيُّرَ خَاطِرِ سَعْدٍ فَأَمَرَ بِدَفْعِهَا لِابْنِهِ قَيْسٍ ثُمَّ إِنَّ سَعْدًا خَشِيَ أَنْ يَقَعَ مِنَ ابْنِهِ شَيْءٌ يُنْكِرُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ أَخَذَهَا الزُّبَيْرُ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ الْأَخِيرَةُ قَدْ ذَكَرَهَا الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ

 

هنا رواية الواقدي مهمة وألفاظها أكثر اكتمالًا وأمانة:

 

ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِلْعَبّاسِ بَعْدَ مَا خَرَجَ: “احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِى إلَى خَطْمِ الْجَبَلِ حَتّى تَمُرّ بِهِ جُنُودُ اللّهِ فَيَرَاهَا”. قَالَ الْعَبّاسُ: فَعَدَلْت بِهِ فِى مَضِيقِ الْوَادِى إلَى خَطْمِ الْجَبَلِ، فَلَمّا حَبَسْت أَبَا سُفْيَانَ قَالَ: غَدْرًا بَنِى هَاشِمٍ؟ فَقَالَ الْعَبّاسُ: إنّ أَهْلَ النّبُوّةِ لا يَغْدِرُونَ وَلَكِنْ لِى إلَيْك حَاجَةٌ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَهَلاّ بَدَأْت بِهَا أَوّلاً، فَقُلْت: إنّ لِى إلَيْك حَاجَةً فَكَانَ أَفْرَخَ لِرَوْعِى، قَالَ الْعَبّاسُ: لَمْ أَكُنْ أَرَاك تَذْهَبُ هَذَا الْمَذْهَبَ، وَعَبّا رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ وَمَرّتْ الْقَبَائِلُ عَلَى قَادَتِهَا وَالْكَتَائِبُ عَلَى رَايَاتِهَا، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ رَسُولَ اللّهِ ÷ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِى بَنِى سُلَيْمٍ، وَهُمْ أَلْفٌ فِيهِمْ لِوَاءٌ يَحْمِلُهُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِىّ، وَلِوَاءٌ يَحْمِلُهُ خُفَافُ بْنُ نُدْبَةَ وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا الْحَجّاجُ ابْنُ عِلاطٍ، قَال َ أَبُو سُفْيَانَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ الْعَبّاسُ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: الْغُلامُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمّا حَاذَى خَالِدٌ الْعَبّاسَ وَإِلَى جَنْبِهِ أَبُو سُفْيَانَ، كَبّرَ ثَلاثًا، ثُمّ مَضَوْا. ثُمّ مَرّ عَلَى إثْرِهِ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ فِى خَمْسِمِائَةٍ - مِنْهُمْ مُهَاجِرُونَ وَأَفْنَاءُ الْعَرَبِ - وَمَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فَلَمّا حَاذَى أَبَا سُفْيَانَ كَبّرَ ثَلاثًا وَكَبّرَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ. قَالَ: ابْنُ أُخْتِك؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمَرّ بَنُو غِفَارٍ فِى ثَلاثِمِائَةٍ يَحْمِلُ رَايَتَهُمْ أَبُو ذَرّ الْغِفَارِىّ - وَيُقَالُ: إيمَاءُ بْنُ رَحْضَةَ - فَلَمّا حَاذَوْهُ كَبّرُوا ثَلاثًا. قَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: بَنُو غِفَارٍ. قَالَ: مَالِى وَلِبَنِى غِفَارٍ ثُمّ مَضَتْ أَسْلَمُ فِى أَرْبَعِمِائَةٍ فِيهَا لِوَاءَانِ أَنْ يَحْمِلَ أَحَدَهُمَا بُرَيْدَةُ بْنُ الْحَصِيبِ وَالآخَرُ نَاجِيَةُ بْنُ الأَعْجَمِ فَلَمّا حَاذَوْهُ كَبّرُوا ثَلاثًا. قَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: أَسْلَمُ. قَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ مَالِى وَلأَسْلَمَ مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مَرّةٌ قَطّ.

قَالَ الْعَبّاسُ: هُمْ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ دَخَلُوا فِى الإِسْلامِ. ثُمّ مَرّتْ بَنُو عَمْرِو بْنُ كَعْبٍ فِى خَمْسِمِائَةٍ يَحْمِلُ رَايَتَهُمْ بُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ. قَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: بَنُو كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ: نَعَمْ هَؤُلاءِ حُلَفَاءُ مُحَمّدٍ فَلَمّا حَاذَوْهُ كَبّرُوا ثَلاثًا. ثُمّ مَرّتْ مُزَيْنَةُ فِى أَلْفٍ فِيهَا ثَلاثَةُ أَلْوِيَةٍ وَفِيهَا مِائَةُ فَرَسٍ يَحْمِلُ أَلْوِيَتَهَا النّعْمَانُ بْنُ مُقَرّنٍ، وَبِلالُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو؛ فَلَمّا حَاذَوْهُ كَبّرُوا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: مُزَيْنَةُ، قَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ مَالِى وَلِمُزَيْنَةَ قَدْ جَاءَتْنِى تُقَعْقِعُ مِنْ شَوَاهِقِهَا. ثُمّ مَرّتْ جُهَيْنَةُ فِى ثَمَانِمِائَةٍ مَعَ قَادَتِهَا، فِيهَا أَرْبَعَةُ أَلْوِيَةٍ لِوَاءٌ مَعَ أَبِى رَوْعَةَ مَعْبَدَ بْنِ خَالِدٍ، وَلِوَاءٌ مَعَ سُوَيْدِ بْنِ صَخْرٍ، وَلِوَاءٌ مَعَ رَافِعِ بْنِ مَكِيثٍ، وَلِوَاءٌ مَعَ عَبْدِاللّهِ بْنِ بَدْرٍ، قَالَ: فَلَمّا حَاذَوْهُ كَبّرُوا ثَلاثًا. ثُمّ مَرّتْ كِنَانَةُ، بَنُو لَيْثٍ، وَضَمْرَةُ وَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ فِى مِائَتَيْنِ يَحْمِلُ لِوَاءَهُمْ أَبُو وَاقِدٍ اللّيْثِىّ، فَلَمّا حَاذَوْهُ كَبّرُوا ثَلاثًا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: بَنُو بَكْرٍ، قَالَ: نَعَمْ أَهْلُ شُؤْمٍ وَاَللّهِ الّذِينَ غَزَانَا مُحَمّدٌ بِسَبَبِهِمْ أَمَا وَاَللّهِ مَا شُووِرْت فِيهِ وَلا عَلِمْته، وَلَقَدْ كُنْت لَهُ كَارِهًا حَيْثُ بَلَغَنِى، وَلَكِنّهُ أَمْرٌ حُمّ قَالَ الْعَبّاسُ: قَدْ خَارَ اللّهُ لَك فِى غَزْوِ مُحَمّدٍ ÷ وَدَخَلْتُمْ فِى الإِسْلامِ كَافّةً.

قَالَ: وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَبِى عَمْرَةَ بْنِ حَمَاسٍ قَالَ مَرّتْ بَنُو لَيْثٍ وَحْدَهَا، وَهُمْ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ يَحْمِلُ لِوَاءَهَا الصّعْبُ بْنُ جَثّامَةَ، فَلَمّا مَرّ كَبّرُوا ثَلاثًا فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: بَنُو لَيْثٍ. ثُمّ مَرّتْ أَشْجَعُ - وَهُمْ آخِرُ مَنْ مَرّ وَهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ مَعَهُمْ لِوَاءَانِ لِوَاءٌ يَحْمِلُهُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ وَلِوَاءٌ مَعَ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هَؤُلاءِ كَانُوا أَشَدّ الْعَرَبِ عَلَى مُحَمّدٍ. فَقَالَ الْعَبّاسُ: أَدْخَلَ اللّهُ الإِسْلامَ فِى قُلُوبِهِمْ فَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَسَكَتَ، ثُمّ قَالَ: مَا مَضَى بَعْدُ مُحَمّدٌ، قَالَ الْعَبّاسُ: لَمْ يَمْضِ بَعْدُ لَوْ رَأَيْت الْكَتِيبَةَ الّتِى فِيهَا مُحَمّدٌ ÷ رَأَيْت الْحَدِيدَ وَالْخَيْلَ وَالرّجَالَ وَمَا لَيْسَ لأَحَدِ بِهِ طَاقَةٌ قَالَ: أَظُنّ وَاَللّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ وَمَنْ لَهُ بِهَؤُلاءِ طَاقَةٌ؟ فَلَمّا طَلَعَتْ كَتِيبَةُ رَسُولِ اللّهِ ÷ الْخَضْرَاءُ طَلَعَ سَوَادٌ وَغَبَرَةٌ مِنْ سَنَابِكِ الْخَيْلِ، وَجَعَلَ النّاسُ يَمُرّونَ كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ: مَا مَرّ مُحَمّدٌ، فَيَقُولُ الْعَبّاسُ: لا، حَتّى مَرّ يَسِيرُ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ بَيْنَ أَبِى بَكْرٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَهُوَ يُحَدّثُهُمَا، قَالَ الْعَبّاسُ: هَذَا رَسُولُ اللّهِ فِى كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، فِيهَا الرّايَاتُ وَالأَلْوِيَةُ مَعَ كُلّ بَطْنٍ مِنْ الأَنْصَارِ رَايَةٌ وَلِوَاءٌ فِى الْحَدِيدِ لا يُرَى مِنْهُمْ إلاّ الْحَدَقُ وَلِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ، رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فِيهَا زَجَلٌ - وَعَلَيْهِ الْحَدِيدُ - بِصَوْتِ عَالٍ وَهُوَ يُزْعِجُهَا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ مَنْ هَذَا الْمُتَكَلّمُ؟ قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، قَالَ: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ بَنِى عَدِىّ بَعْدُ وَاَللّهِ قِلّةٍ وَذِلّةٍ، فَقَالَ الْعَبّاسُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ إنّ اللّهَ يَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ بِمَا يَشَاءُ، وَإِنّ عُمَرَ مِمّنْ رَفَعَهُ الإِسْلامُ، وَيُقَالُ: كَانَ فِى الْكَتِيبَةِ أَلْفُ دَارِعٍ، وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ رَايَتَهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُوَ أَمَامَ الْكَتِيبَةِ، فَلَمّا مَرّ سَعْدٌ بِرَايَةِ النّبِىّ ÷ نَادَى: يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ الْيَوْمَ أَذَلّ اللّهُ قُرَيْشًا فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى إذَا حَاذَى أَبَا سُفْيَانَ نَادَاهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أُمِرْت بِقَتْلِ قَوْمِك؟ زَعَمَ سَعْدٌ وَمَنْ مَعَهُ حِينَ مَرّ بِنَا قَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ الْيَوْمَ أَذَلّ اللّهُ قُرَيْشًا، وَإِنّى أَنْشُدُك اللّهَ فِى قَوْمِك، فَأَنْتَ أَبَرّ النّاسِ وَأَرْحَمُ النّاسِ وَأَوْصَلُ النّاس.

قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا نَأْمَنُ سَعْدًا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فِى قُرَيْشٍ صَوْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ الْيَوْمَ أَعَزّ اللّهُ فِيهِ قُرَيْشًا”، قَالَ: وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى سَعْدٍ فَعَزَلَهُ وَجَعَلَ اللّوَاءَ إلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنّ اللّوَاءَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ سَعْدٍ حِينَ صَارَ لابْنِهِ، فَأَبَى سَعْدٌ أَنْ يُسَلّمَ اللّوَاءَ إلاّ بِأَمَارَةِ مِنْ النّبِىّ ÷ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِعِمَامَتِهِ فَعَرَفَهَا سَعْدٌ فَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى ابْنِهِ قَيْسٍ.

قَالَ: فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَهْلِهِ قَالُوا: دَخَلَ وَاَللّهِ سَعْدٌ بِلِوَائِهِ حَتّى غَرَزَهُ بِالْحَجُونِ.

وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِىّ: وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَمَرَ عَلِيّا، رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَأَخَذَ اللّوَاءَ فَذَهَبَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، بِهَا حَتّى دَخَلَ بِهَا مَكّةَ فَغَرَزَهَا عِنْدَ الرّكْنِ. وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْت مِثْلَ هَذِهِ الْكَتِيبَةِ قَطّ، وَلا خَبّرَنِيهِ مُخَبّرٌ سُبْحَانَ اللّهِ مَا لأَحَدِ بِهَذِهِ طَاقَةٌ وَلا يَدَانِ، ثُمّ قَالَ: لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيك الْغَدَاةَ عَظِيمًا، قَالَ: قُلْت: وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ لَيْسَ بِمُلْكِ وَلَكِنّهَا نُبُوّةٌ، قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَاعِدَةَ، قَالَ: قَالَ لَهُ الْعَبّاسُ: فَانْجُ وَيْحَك فَأَدْرِكْ قَوْمَك قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فَتَقَدّمَ النّاسُ كُلّهُمْ حَتّى دَخَلَ مِنْ كَدَاءٍ وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ حَتّى انْتَهَى إلَى هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ، فَأَخَذَتْ بِرَأْسِهِ، فَقَالَتْ: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: هَذَا مُحَمّدٌ فِى عَشَرَةِ آلافٍ عَلَيْهِمْ الْحَدِيدُ وَقَدْ جَعَلَ لِى: مَنْ دَخَلَ دَارِى فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ طَرَحَ السّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ، قَالَتْ: قَبّحَك اللّهُ رَسُولَ قَوْمٍ قَالَ: وَجَعَلَ يَصْرُخُ بِمَكّةَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَيْحَكُمْ إنّهُ قَدْ جَاءَ مَا لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ هَذَا مُحَمّدٌ فِى عَشَرَةِ آلافٍ عَلَيْهِمْ الْحَدِيدُ فَأَسْلِمُوا قَالُوا: قَبّحَك اللّهُ وَافِدَ قَوْمٍ وَجَعَلَتْ هِنْدُ تَقُولُ: اُقْتُلُوا وَافِدَكُمْ هَذَا، قَبّحَك اللّهُ وَافِدَ قَوْمٍ. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: وَيْلَكُمْ لا تَغُرّنكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ رَأَيْت مَا لَمْ تَرَوْا رَأَيْت الرّجَالَ وَالْكُرَاعَ وَالسّلاحَ فَلا لأَحَدِ بِهَذَا طَاقَةٌ، قَالُوا: وَانْتَهَى الْمُسْلِمُونَ إلَى ذِى طُوًى، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ حَتّى تَلاحَقَ النّاسُ.

 

إذن فأبو سفيان كان يتعجب وله كل الحق، لأنه لم ير ظاهرة التعصب والأصولية الدينية والإرهاب من قبل، من أن قبائل ليس لها أي عداوة سابقة أو احتكاكات مع قريش والمكيين تهاجم المكيين بلا سبب، فهذا من الأساس ضد الحس الإنساني المشترك السليم.

 

مواجهات حربية محدودة بين المكيين وأتباع محمد يموت فيها قتلى

 

روى مسلم في صحيحه:

 

[ 1780 ] حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة قال وفدت وفود إلى معاوية وذلك في رمضان فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله فقلت ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي فأمرت بطعام يصنع ثم لقيت أبا هريرة من العشي فقلت الدعوة عندي الليلة فقال سبقتني قلت نعم فدعوتهم فقال أبو هريرة ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار ثم ذكر فتح مكة فقال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة فبعث الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة قال فنظر فرآني فقال أبو هريرة قلت لبيك يا رسول الله فقال لا يأتيني إلا أنصاري زاد غير شيبان فقال اهتف لي بالأنصار قال فأطافوا به ووبشت قريش أوباشا لها وأتباعا فقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى ثم قال حتى توافوني بالصفا قال فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا قال فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم ثم قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقالت الأنصار بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قال أبو هريرة وجاء الوحي وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي فلما انقضى الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله قال قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته قالوا قد كان ذاك قال كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم والمحيا محياكم والممات مماتكم فأقبلوا إليه يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم قال فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان وأغلق الناس أبوابهم قال وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت قال فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه قال وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس وهو آخذ بسية القوس فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو

 

 [ 1780 ] وحدثنيه عبد الله بن هاشم حدثنا بهز حدثنا سليمان بن المغيرة بهذا الإسناد وزاد في الحديث ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى احصدوهم حصدا وقال في الحديث قالوا قلنا ذاك يا رسول الله قال فما اسمي إذًا كلا إني عبد الله ورسوله

 

 [ 1780 ] حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي حدثنا يحيى بن حسان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت بن عبد الله بن رباح قال وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان وفينا أبو هريرة فكان كل رجل منا يصنع طعاما يوما لأصحابه فكانت نوبتي فقلت يا أبا هريرة اليوم نوبتي فجاؤوا إلى المنزل ولم يدرك طعامنا فقلت يا أبا هريرة لو حدثتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدرك طعامنا فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وجعل الزبير على المجنبة اليسرى وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي فقال يا أبا هريرة ادع لي الأنصار فدعوتهم فجاءوا يهرولون فقال يا معشر الأنصار هل ترون أوباش قريش قالوا نعم قال انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله وقال موعدكم الصفا قال فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه قال وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم قال أبو سفيان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن فقالت الأنصار أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلتم أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته ألا فما اسمى إذا ثلاث مرات أنا محمد عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم قالوا والله ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله قال فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم

 

وروى البخاري:

 

من حديث 4280 -..... قَالَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ قَالَ عُرْوَةُ وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ قَالَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدَا فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ حُبَيْشُ بْنُ الْأَشْعَرِ وَكُرْزُ بْنُ جابِرٍ الْفِهْرِيُّ

 

4291 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ

 

وروى الواقدي:

 

وَقَدْ كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ دَعَوْا إلَى قِتَالِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَضَوَى إلَيْهِمْ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَنَاسٌ مِنْ بَنِى بَكْرٍ وَهُذَيْلٍ، وَتَلَبّسُوا السّلاحَ وَيُقْسِمُونَ بِاَللّهِ لا يَدْخُلُهَا مُحَمّدٌ عَنْوَةً أَبَدًا. فَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى الدّيلِ يُقَالُ لَهُ: حِمَاسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ الدّيلِىّ، لَمّا سَمِعَ بِرَسُولِ اللّهِ جَلَسَ يُصْلِحُ سِلاحَهُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لِمَنْ تُعِدّ هَذَا؟ قَالَ: لِمُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ - فَإِنّى أَرْجُو أَنْ أَخْدُمَك مِنْهُمْ خَادِمًا فَإِنّك إلَيْهِ مُحْتَاجَةٌ، قَالَتْ: وَيْحَك، لا تَفْعَلْ وَلا تُقَاتِلْ مُحَمّدًا وَاَللّهِ لَيَضِلّن هَذَا عَنْك لَوْ رَأَيْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ: سَتَرَيْنَ. قَالَ: وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ مُعْتَجِرًا بِشُقّةِ بُرْدٍ حِبَرَةٍ.

....إلخ

 

قَالَ: حَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبّادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ، قَالَتْ: وَصَعِدَ أَبُو قُحَافَةَ يَوْمَئِذٍ بِصُغْرَى بَنَاتِهِ قُرَيْبَةَ بِنْتِ أَبِى قُحَافَةَ تَقُودُهُ حَتّى ظَهَرَتْ بِهِ إلَى أَبِى قُبَيْسٍ - وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ - فَلَمّا أَشْرَفَتْ بِهِ عَلَى أَبِى قُبَيْسٍ، قَالَ: يَا بُنَيّةُ مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرَى رَجُلاً يَسْعَى بَيْنَ ذَلِكَ السّوَادِ مُقْبِلاً وَمُدْبِرًا، قَالَ: ذَلِكَ الْوَازِعُ يَا بُنَيّةُ اُنْظُرِى مَا تَرَيْنَ، قَالَتْ: تَفَرّقَ السّوَادُ. قَالَ: قَدْ تَفَرّقَتْ الْجُيُوشُ الْبَيْتَ الْبَيْتَ، قَالَتْ: فَنَزَلْت بِهِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ الْجَارِيَةُ تَرْعَبُ لِمَا تَرَى، فَيَقُولُ: يَا بُنَيّةُ لا تَخَافِى فَوَاَللّهِ إنّ أَخَاك عَتِيقًا لآثُرُ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ عِنْدَ مُحَمّدٍ، قَالَ: وَعَلَيْهَا طَوْقٌ مِنْ فِضّةٍ فَاخْتَلَسَهُ بَعْضُ مَنْ دَخَلَ، قَالُوا: فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: أَنْشُدُ بِاَللّهِ طَوْقَ أُخْتِى ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمّ قَالَ: “يَا أُخَيّةُ احْتَسِبِى طَوْقَك، فَإِنّ الأَمَانَةَ فِى النّاسِ قَلِيلٌ”. قَالُوا: ثُمّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ إلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: “كَيْفَ قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ”؟ فَقَالَ:

عَدِمْنَا خَيْلَنَــا إنْ لَـــمْ تَرَوْهَـــــا

 

تُثِيـــرُ النّقْــــعَ مِنْ كَتِفَىْ كَـــدَاءِ

ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كُدًى، وَأَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ اللّيطِ، وَأَمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ، وَالرّايَةُ مَعَ ابْنِهِ قَيْسٍ، وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ فَدَخَلَ مِنْ أَذَاخِرَ.

وَنَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ عَنْ الْقِتَالِ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ سِتّةِ نَفَرٍ وَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِى جَهْلٍ، وَهَبّارِ بْنِ الأَسْوَدِ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ، وَمِقْيَسِ بْنِ صُبَابَةَ اللّيْثِىّ، وَالْحُوَيْرِثِ بْنِ نُقَيْذٍ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ هِلالِ بْنِ خَطَلٍ الأَدْرَمِىّ، وَهِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَارَةَ مَوْلاةَ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ، وَقَيْنَتَيْنِ لأَبِى خَطَلٍ قُرَيْنَا وَقُرَيْبَةَ وَيُقَالُ: فَرْتَنَا وَأَرْنَبَةَ. فَكُلّ الْجُنُودِ دَخَلَ فَلَمْ يَلْقَ جَمْعًا، فَلَمّا دَخَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَجَدَ جَمْعًا مِنْ قُرَيْشٍ وَأَحَابِيشِهَا قَدْ جَمَعُوا لَهُ، فِيهِمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَمَنَعُوهُ الدّخُولَ وَشَهَرُوا السّلاحَ وَرَمَوْا بِالنّبْلِ وَقَالُوا: لا تَدْخُلُهَا عَنْوَةً أَبَدًا فَصَاحَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِى أَصْحَابِهِ وَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَرْبَعَةً مِنْ هُذَيْلٍ، وَانْهَزَمُوا أَقْبَحَ الانْهِزَامِ حَتّى قُتِلُوا بِالْحَزْوَرَةِ وَهُمْ مُوَلّونَ فِى كُلّ وَجْهٍ، وَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَوْقَ رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَاتّبَعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَصِيحَانِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، عَلامَ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ؟ مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ وَضَعَ السّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ، فَجَعَلَ النّاسُ يَقْتَحِمُونَ الدّورَ وَيُغَلّقُونَ عَلَيْهِمْ وَيَطْرَحُونَ السّلاحَ فِى الطّرُقِ حَتّى يَأْخُذَهَا الْمُسْلِمُونَ. وَلَمّا ظَهَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى ثَنِيّةِ أَذَاخِرَ نَظَرَ إلَى الْبَارِقَةِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْبَارِقَةُ. أَلَمْ أَنْهَ عَنْ الْقِتَالِ؟ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ÷ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قُوتِلَ، وَلَوْ لَمْ يُقَاتَلْ مَا قَاتَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَضَى اللّهُ خَيْرًا”، قَالَ: وَجَعَلَ يَتَمَثّلُ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ. وَهُوَ يُقَاتِلُ خَارِجَةَ ابْنَ خُوَيْلِدٍ الْكَعْبِىّ أَنْشَدَنِيهَا عَنْ أَبِيهِ:

إذَا مَا رَسُولُ اللّهِ فِينَا رَأَيْتنَا
إذَا مَا ارْتَدَيْنَا الْفَارِسِيّةَ فَوْقَهَا
وَإِنّ مُحَمّـــدًا لَهَــــا نَاصِـــــــرٌ

 

كَلُجّةِ بَحْرٍ نَالَ فِيهَا سَرِيرُهَا
رُدَيْنِيّةٌ يَهْدِى الأَصَمّ خَرِيرُهَا
عَــــزّتْ وَعَــــــزّ نَصِيرُهَــــــا

وَأَقْبَلَ ابْنُ خَطَلٍ جَائِيًا مِنْ مَكّةَ، مُدَجّجًا فِى الْحَدِيدِ عَلَى فَرَسٍ ذَنُوبٍ بِيَدِهِ قَنَاةٌ. وَبَنَاتُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَدْ ذُكِرَ لَهُنّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ دَخَلَ فَخَرَجْنَ قَدْ نَشَرْنَ رُءُوسَهُنّ يَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ وُجُوهَ الْخَيْلِ فَضَرَبَهُنّ ابْنُ خَطَلٍ جَائِيًا مِنْ أَعْلَى مَكّةَ، فَقَالَ لَهُنّ: أَمَا وَاَللّهِ لا يَدْخُلُهَا حَتّى تَرَيْنَ ضَرْبًا كَأَفْوَاهِ الْمَزَادِ، ثُمّ خَرَجَ حَتّى انْتَهَى إلَى الْخَنْدَمَةِ فَرَأَى خَيْلَ الْمُسْلِمِينَ وَرَأَى الْقِتَالَ وَدَخَلَهُ الرّعْبُ حَتّى مَا يَسْتَمْسِكُ مِنْ الرّعْدَةِ، حَتّى انْتَهَى إلَى الْكَعْبَةِ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَطَرَحَ سِلاحَهُ فَأَتَى الْبَيْتَ فَدَخَلَ بَيْنَ أَسْتَارِهِ.

قَالَ: وَحَدّثَنِى حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخَذَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى كَعْبٍ دِرْعَهُ وَصَفَفَهُ وَمِغْفَرَهُ وَبَيْضَتَهُ وَسَيْفَهُ وَأَدْرَكَ فَرَسَهُ غَائِرًا فَأَدْرَكَهُ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ وَلَحِقَ النّبِىّ ÷ بِالْحَجُونِ، قَالُوا: وَأَقْبَلَ حِمَاسُ بْنُ خَالِدٍ مُنْهَزِمًا حَتّى أَتَى بَيْتَهُ فَدَقّهُ فَفَتَحَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ فَدَخَلَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رُوحُهُ، فَقَالَتْ: أَيْنَ الْخَادِمُ الّذِى وَعَدْتنِي؟ مَا زِلْت مُنْتَظِرَتُك مُنْذُ الْيَوْمِ تُسَخّرُ بِهِ، قَالَ: دَعِى عَنْك، أَغْلِقِى بَابِى فَإِنّهُ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، قَالَتْ: وَيْحَك أَلَمْ أَنْهَك عَنْ قِتَالِ مُحَمّدٍ؟ وَقُلْت لَك: مَا رَأَيْته يُقَاتِلُكُمْ مِنْ مَرّةٍ إلاّ ظَهَرَ عَلَيْكُمْ، وَمَا بَابُنَا؟ قَالَ: إنّهُ لا يُفْتَحُ عَلَى أَحَدٍ بَابُهُ، ثُمّ قَالَ - أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِى الزّنَادِ:

وَأَنْتَ لَوْ شَهِدْتنَا بِالْخَنْدَمَهْ
وَأَبُو يَزِيدَ كَالْعَجُوزِ الْمُؤْتِمَهْ
وَضَرَبَتْنَــــا بِالسّيُـــوفِ الْمِسْلِمَهْ

 

إذْ فَرّ صَفْوَانُ وَفَرّ عِكْرَمَهْ
 لَمْ تَنْطِقِى فِى اللّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ
لَهُـــمْ زَئِيرٌ خَلْفَنـَــا وَغَمْغَمَـــــهْ

قَالَ: وَأَقْبَلَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتّى انْتَهَى بِهِمْ إلَى الْحَجُونِ، فَغَرّزَ الرّايَةَ عِنْدَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ إلاّ رَجُلانِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَخْطَآ طَرِيقَهُ فَسَلَكَا غَيْرَهَا فَقُتِلا؛ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِىّ، فَقَامَ عَلَيْهِ خَالِدٌ الأَشْقَرُ، وَهُوَ جَدّ حِزَامِ بْنِ خَالِدٍ حَتّى قُتِلَ، وَكَانَ الّذِى قَتَلَ خَالِدًا ابْنُ أَبِى الْجِذْعِ الْجُمَحِيّ.

قَالَ: فَحَدّثَنِى قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ بَشِيرٍ مَوْلَى الْمَازِنِيّينَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: كُنْت مِمّنْ لَزِمَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَدَخَلْت مَعَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَذَاخِرَ، فَلَمّا أَشْرَفَ عَلَى أَذَاخِرَ نَظَرَ إلَى بُيُوتِ مَكّةَ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَنَظَرَ إلَى مَوْضِعِ قُبّتِهِ، فَقَالَ: “هَذَا مَنْزِلُنَا يَا جَابِرُ حَيْثُ تَقَاسَمَتْ عَلَيْنَا قُرَيْشٌ فِى كُفْرِهَا”. قَالَ جَابِرٌ: فَذَكَرْت حَدِيثًا كُنْت أَسْمَعُهُ مِنْهُ ÷ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ: “مَنْزِلُنَا غَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ إذَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا مَكّةَ فِى الْخَيْفِ حِينَ تَقَاسَمُوا عَلَىّ الْكُفْر”، وَكُنّا بِالأَبْطَحِ وِجَاهَ شِعْبِ أَبِى طَالِبٍ حَيْثُ حُصِرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَبَنُو هَاشِمٍ ثَلاثَ سِنِينَ.

 

وروى البخاري (وأنا أتعمد الإطالة بذكر الشواهد لنفي التهم الباطلة عن الواقدي):

 

1589 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ

 

1590 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ يَعْنِي ذَلِكَ الْمُحَصَّبَ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * وَقَالَ سَلَامَةُ عَنْ عُقَيْلٍ وَيَحْيَى بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ وَقَالَا بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ * قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَشْبَهُ

وروى ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: وقد حدثني عبدُ اللّه بن أبي نَجيح في حديثه: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر خالد بن الوليد، فدخل من اللِّيط، أسفل مكة، في بعض الناس، وكان خالد على المُجَنَّبة اليمنى، وفيها أسلم وسُلَيم وغِفَار ومُزَيْنة وجُهَيْنة وقبائل من قبائل العرب. وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين يَنصبُّ لمكة بين يديْ رسول اللهْ صلي الله عليه وسلم، ودخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أذاخِر، حتى نزل بأعلى مكة، ضُربت له هنالك قبتُه.

قال ابن إسحاق:، وحدثني عبد اللّه بن أبي نَجيح وعبد اللّه بن أبي بكر: أن صفوانَ بن أمية. وعِكرمة بن أي جهل وسهُيل بن عَمرو كانوا قد جمعوا ناسا بالخَنْدمة ليقاتلوا، وقد كان حِماس بن قَيْس بن خالد أخو بني بكر، يُعِدُّ سلاحا قبل دخول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويصلح منه، فقالت له امرأته: لماذا تُعد ما أرى؟ قال: لمحمد وأصحابه، قالت: واللّه ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شىء، قال: واللّه إنى لأرجو أن أخدمك بعضَهم، ثم قال:

إن يُقبِلوا اليومَ فما لي عِلَّهْ ... هذا سلاحٌ كامل وألَهْ

وذو غِراريْن سريعُ السَّلَّهْ

ثم شهد الخَندمة مع صفوان وسُهَيل وعِكْرمة، فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ناوشوهم شيئا من ققال، فقُتل كرز بن جابر، أحد بني محارب بن فهر، وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم، حليف بني مُنْقَذ، وكانا في خيل خالد ابن الوليد فشذا عنه فسلكا طريقا غير طريقه فقُتلا جميعا، قُتل خنيس بن خالد قبل كُرز بن جابر، فجعله كرز بن جابر بين رجليه، ثم قاتل عنه حتى قُتل، وهو يرتجز ويقول:

قد علمت صفراءمن بني فِهْر ... نقيَّة الوجه نقية الصدر

لأضربن اليومَ عن أبي صخرْ

 

قال ابن هشام: وكان خنيس يكنى أبا صخر، قال ابن هشام: خنيس بن خالد، من خزاعة.

 

ما قاله حِماس من الشعر يوم الفتح: قال ابن إسحاق: حدثني عبداللّه بن أبي نَجيح وعبد اللّه بن أبي بكر، قالا: وأصيب من جُهينة سلمة ابن الميْلاء، من خيل خالد بن الوليد، وأصيب من المشركين ناس قريب من اثني عشر رجلا، أو ثلاثة عشر رجلا، ثم انهزموا، فخرج ... حِماسٌ منهزما حتى دخل بيته، ثم قال لامرأته: أغلقى عليَّ بابي،

قالت فأين ما كنت تقول: فقال:

إنكِ لو شَهدْتِ يومَ الخَنْدَمَهْ ... إذ فر صفوانُ وفرَّ عِكْرمهْ

وأبو يزيدَ قائمٌ كالمُوتَمهْ ... واستقبلهُم بالسيوفِ المسْلمَهْ

يقطعْنَ كلَّ ساعدٍ وجُمْجمهْ ... ضربا ًفلايُسْمع إلا غَمغَمهْ

لهم نَهِيتٌ خَلفَنا وهَمْهمه ... لم تنطِقى في اللَّومِ أدنَى كَلِمهْ

 

إن كلمة أصيب في لغة القدماء تعني قُتِل كذلك، اثنا عشر رجلًا (أو ثمانية وعشرون حسب رواية الواقدي: فَقَتَلَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَرْبَعَةً مِنْ هُذَيْلٍ) قتلوا دفاعًا عن وطنهم ضد اقتحام محمد وضد مصادرة حقهم في حرية الاعتقاد. هذا شيء ينبغي أن نحترمه.

 

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه:

 

38054- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَفِينَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَصْنَعُ لِبَعْضٍ الطَّعَامَ، قَالَ: فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّنْ يَصْنَعُ لَنَا فَيُكْثِرُ فَيَدْعُونَا إِلَى رَحْلِهِ، قَالَ: قُلْتُ: أَلاَ أَصْنَعُ لأَصْحَابِنَا فَأَدْعُوهُمْ إِلَى رَحْلِي، قَالَ: فَأَمَرْت بِطَعَامٍ فَصُنِعَ، وَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَةَ مِنَ الْعَشِّي، فَقُلْتُ: الدَّعْوَةُ عِنْدِي اللَّيْلَةَ، قَالَ: أَسَبَقَتْنِي ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ فَهُمْ عِنْدِي، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلاَ أُعَلِّلْكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ.

قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، وَبَعَثَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ، فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي، قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَتِيبَةٍ، قَالَ: فَنَادَانِي، قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: اهْتِفْ لِي بِالأَنْصَارِ، وَلاَ يَأْتِنِي إِلاَّ أَنْصَارِيٌّ، قَالَ: فَهَتَفْتُ بِهِمْ، قَالَ: فَجَاؤُوا حَتَّى أَطَافُوا بِهِ.

قَالَ: وَقَدْ وَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا وَأَتْبَاعًا، قَالُوا: نُقدِّمَ هَؤُلاَءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيءٌ كُنَا مَعَهُمْ، وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِي سُئِلْنَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَنْصَارِ حِينَ أَطَافُوا بِهِ: أَتَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ ؟ ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى: اُحْصُدُوهُمْ، ثُمَّ ضَرَبَ سُلَيْمَانَ بِحَرْفِ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى بَطْنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى: اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَمَا أَحَدٌ مِنَّا يَشَاءُ أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ أَحَدًا إِلاَّ قَتَلَهُ، وَأَمَّا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لاَ قُرَيْشَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، قَالَ: فَغَلَّقَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ.

قَالَ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ، فَأَتَى عَلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَعْبُدُونَهُ، وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ، فَجَعَلَ يَطْعُنْ بِهَا فِي عَيْنِهِ وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}....إلخ الحديث

 

أما قصة سرقة طوق أو عقد أخت أبي بكر على يد أحد جنود المسلمين، فترينا طبيعة الجيوش الغازية للنهب والسلب، وتوقظ العقول المسلمة من أوهامها وأحلامها الساذجة عن العصر الإسلامي الأول، والقصة ذكرها ابن إسحاق ولفظه:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد اللّه بن الزبير، عن أبيه، عن جَدَّته أسماء بنت أبي بكر، قالت: لما وقف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بذي طُوَى قال أبو قحافة لابنة من أصغر ولده: أي بُنَية، أظْهَرِي بي على أبي قَبيس، قالت وقد كُفَّ بصره، قالت: فأشرفت به عليه، فقال أي بُنَية، ماذا ترين؟ قالت: أرى سواداً مجتمعاً، قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلا يسعى بين يديْ ذلك مُقبلا ومدبراً، قال: أي بُنية، ذلك الوازع يعني الذي يأمر الخيل، ويتقدم إليها، ثم قالت: قد واللّه انتشر السواد، قالت: فقال: قد واللّه إذن دُفعت الخيل، فأسرعى بى إلى بيتى، فانحطت به، وتلقاه الخيلُ قبل أن يصل إلى بيته، قالت: وفى عُنق الجارية طَوْقٌ من وَرِق فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها. قالت: فلما دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكة، ودخل المسجد أتى أبو بكر بأبيه يقودُه، فلما رآه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: هلا تركتَ الشيخَ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟ قال أبو بكر، يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشى إليه أنت. قال: قالت: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدرَه، ثم قال له: أسْلمْ، فأسْلَمَ، قالت: فدخل به أبو بكر وكأن رأسَه ثَغامة، فقال رسول اللّه صلي الله عليه وسلم: غيروا هذا من شعره.

ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته، وقال: أنشد اللّه والاسلام طوقَ أختى، فلم يجبه أحد، قالت: فقال: أي أخية، احتسبي طوقك فواللّه إن الأمانةَ في الناسَ اليوم لقليلٌ.

 

الثغامة: شجرة بيضاء الثمر والزهر تنبت في الجبال.

 

ورواه أحمد بن حنبل بإسناده إلى ابن إسحاق برقم 26956 والحاكم في المستدرك عن ابن إسحاق 4363، وابن حبان في صحيحه  7208 (7164)، والطبراني في "الكبير" 24/ (236) و(237)، وأخرجه ابن سعد 5/451-452، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3684)، والبيهقي في "السنن" 9/121-122، وفي "دلائل النبوة" 5/95-96، وابن الأثير في "أسد الغابة" 3/582 من طرق عن ابن إسحاق، به. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

 

محمد يرسل أبا سفيان ليأمر السكان بلزوم منازلهم ليتمم سيطرته على مكة بلا مواجهات وبلا سفك دم لقومه قدر الإمكان:

 

ذكرناه في أحاديث صحيح مسلم السابقة، وقاله ابن إسحاق:

 

قال: قلت: النجاء إلى قومك، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد جاءكم فيما لا قِبَلَ لكم به، فمن دخل دار أي سفيان فهو آمن، فقامت إليه هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه، فقالت: اقتلوا الحَميتَ اللهسِم الأحْمَس قُبِّحَ من طليعة قوم. قال: ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قِبَل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: قاتلك اللّه! وما تُغنى عنا دارُك، قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجدَ فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

7922 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: " مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ "

 

إسناده صحيح على شرط مسلم

 

10948 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، وَهَاشِمٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ هَاشِمٌ: قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبَاحٍ، قَالَ: وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَا فِيهِمْ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي رَمَضَانَ، فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَصْنَعُ لِبَعْضٍ الطَّعَامَ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ مَا يَدْعُونَا - قَالَ هَاشِمٌ: يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَنَا إِلَى رَحْلِهِ - قَالَ: فَقُلْتُ: أَلَا أَصْنَعُ طَعَامًا فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى رَحْلِي، قَالَ: فَأَمَرْتُ بِطَعَامٍ يُصْنَعُ، وَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنَ الْعِشَاءِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ الدَّعْوَةُ عِنْدِي اللَّيْلَةَ، قَالَ: أَسَبَقْتَنِي ؟ قَالَ هَاشِمٌ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ فَهُمْ عِنْدِي، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلَا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ يَا مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ مَكَّةَ، قَالَ: فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ، فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَتِهِ، قَالَ: " وَقَدْ وَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا " قَالَ: فَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ، وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِي سُئِلْنَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَنَظَرَ فَرَآنِي، فَقَالَ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ " فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَقَالَ: " اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ، وَلَا يَأْتِينِي إِلَّا أَنْصَارِيٌّ "، فَهَتَفْتُ بِهِمْ فَجَاءُوا، فَأَطَافُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ "، ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ: إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى احْصُدُوهُمْ حَصْدًا حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ مَا شَاءَ، وَمَا أَحَدٌ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا مِنْهُمْ شَيْئًا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ " قَالَ: فَغَلَّقَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ، قَالَ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، قَالَ: وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ آخَذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ، قَالَ: فَأَتَى فِي طَوَافِهِ عَلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَعْبُدُونَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِهَا فِي عَيْنِهِ، وَيَقُولُ: " جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ "، قَالَ: ثُمَّ أَتَى الصَّفَا فَعَلَاهُ حَيْثُ يُنْظَرُ إِلَى الْبَيْتِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ اللهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَذْكُرَهُ وَيَدْعُوهُ، قَالَ: وَالْأَنْصَارُ تَحْتَهُ، قَالَ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ....إلخ الحديث

 

محمد يأمر بقتل من قال الشعر ضده:

 

روى ابن أبي شيبة:

 

38068- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: حدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ خَطَلٍ، وَمِقْيَسَ بْنَ صُبَابَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ.

فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارٌ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا، وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ، وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ. ...إلخ الحديث

 

وروى أبو داوود:

 

2683 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال ثنا أحمد بن المفضل قال ثنا أسباط بن نصر قال زعم السدي عن مصعب بن سعد عن سعد قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وسماهم وابن أبي سرح فذكر الحديث قال وأما ابن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال " أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ؟ "فقالوا ما ندري يارسول الله ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك قال "إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين"

 قال أبو داود كان عبد الله أخا عثمان من الرضاعة وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمه وضربه عثمان الحد إذ شرب الخمر . صحيح

 

وفي مصنف عبد الرزاق برقم 9739، من حديث طويل مهم:

 

...... فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أصحابه بالكف فقال كفوا السلاح إلا خزاعة عن بكر ساعة ثم أمرهم فكفوا فأمن الناس كلهم إلا بن أبي سرح وبن خطل ومقيس الكناني وامرأة أخرى....

 

ورواه النسائي 4067 في سننه الصغرى، وفي سننه الكبرى برقم 3530، وابن أبي شيبة 38068، والحاكم النيسابوري في المستدرك 4360

 

روى الواقدي:

 

وَأَمَرَ بِقَتْلِ سِتّةِ نَفَرٍ وَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِى جَهْلٍ، وَهَبّارِ بْنِ الأَسْوَدِ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ، وَمِقْيَسِ بْنِ صُبَابَةَ اللّيْثِىّ، وَالْحُوَيْرِثِ بْنِ نُقَيْذٍ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ هِلالِ بْنِ خَطَلٍ الأَدْرَمِىّ، وَهِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَارَةَ مَوْلاةَ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ، وَقَيْنَتَيْنِ لأَبِى خَطَلٍ قُرَيْنَا وَقُرَيْبَةَ وَيُقَالُ: فَرْتَنَا وَأَرْنَبَةَ.

 

وروى ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد عَهِد إلى أمرائه من المسلمين، حين أمرهم أن يدخلوا مكة، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه قد عَهِد في - نفر سمَّاهم أمر بقتلهم وإن وُجدوا تحت أستار الكعبة، منهم عبد اللّه بن سعد، أخو بني عامر بن لؤي.

وإنما أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قد كان أسلم، وكان يكتب - لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم الوحى، فارتدَّ مُشركا راجعاً إلى قريش، ففر إلى عثمان ابن عفان، وكان أخاه للرضاعة، فغيَّبه حتى أتى به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة، فاستأمن له. فزعموا أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صمت طويلا، ثم قال: نعم، فلما انصرف عنه عثمان، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمن حوله من أصحابه؛ لقد صمت ليقوم إليه بعضُكم فيضرب عنقه. فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأتَ إلىَّ يا رسول اللّه؟ قال: إن النبي لا يقتل بالإشارة.

قال ابن هشام: ثم أسلم بعدُ، فولاه عمر بن الخطاب، بعضَ أعماله، ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر.

 

قال ابن إسحاق: وعبد اللّه بن خطل، رجل من بني تَيْم بن غالب: إنما أمر بقتله أنه كان مسلما فبعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مُصدِّقا، وبعث معه لا رجلا من الأنصار، وكان معه مولى له يخدمه، وكان مسلماً، فنزل منزلا،، وأمر المولى أن يذبح له تَيْساً، فيصنع له طعاما، فنام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئا، فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركا. وكانت له قَيْنتان: فَرْتَنى وصاحبتُها، وكانتا تغنيان بهجاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقتلهما معه.

والحُوَيْرث بن نُقَيْذ بن وهب بن عَبد بن قُصىَ، وكان ممن يؤذيه بمكة.

 

وسارة، مولاة لبعض بني عبد المطلب. وعكرمة بن أبي جهل. وكانت سارة ممن يؤذيه بمكة...إلخ

 

وأما قينتا ابن خَطَل فَقُتِلت إحداهما، وهربت الأخرى، حتى استؤمن لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعدُ، فأمَّنها. وأما سارة فاستُؤمن لها فأمَّنها، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرساً في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها.

وأما الحُوَيْرث بن نُقَيذ فقتله علي بن أبي طالب.

 

ويقول الواقدي عن قينتي ابن الأخطل:

 

وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ إحْدَاهُمَا فَرْتَنَا، وَالأُخْرَى أَرْنَبُ وَكَانَتَا فَاسِقَتَيْنِ وَكَانَ يَقُولُ الشّعْرَ يَهْجُو رَسُولَ اللّهِ ÷، وَيَأْمُرُهُمَا تُغَنّيَانِ بِهِ، وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَيْنَتَيْهِ الْمُشْرِكُونَ فَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَتُغَنّى الْقَيْنَتَانِ بِذَلِكَ الْهِجَاءِ، وَكَانَتْ سَارَةُ مَوْلاةُ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ مُغَنّيَةً نَوّاحَةً بِمَكّةَ فَيُلْقَى عَلَيْهَا هِجَاءُ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَتُغَنّى بِهِ، وَكَانَتْ قَدْ قَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ تَطْلُبُ أَنْ يَصِلَهَا وَشَكَتْ الْحَاجَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا كَانَ لَك فِى غِنَائِك وَنِيَاحِك مَا يُغْنِيك”، فَقَالَتْ: يَا مُحَمّدُ، إنّ قُرَيْشًا مُنْذُ قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ تَرَكُوا سَمَاعَ الْغِنَاءِ، فَوَصَلَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَوْقَرَ لَهَا بَعِيرًا طَعَامًا، فَرَجَعَتْ إلَى قُرَيْشٍ وَهِىَ عَلَى دِينِهَا، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَ الْفَتْحِ أَنْ تُقْتَلَ فَقُتِلَتْ يَوْمَئِذٍ، وَأَمّا الْقَيْنَتَانِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِقَتْلِهِمَا، فَقُتِلَتْ إحْدَاهُمَا؛ أَرْنَبُ أَوْ فَرْتَنَا، وَأَمّا فَرْتَنَا فَاسْتُؤْمِنَ لَهَا حَتّى آمَنَتْ وَعَاشَتْ حَتّى كُسِرَ ضِلَعٌ مِنْ أَضْلاعِهَا زَمَنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَمَاتَتْ مِنْهُ فَقَضَى فِيهَا عُثْمَانُ ثَمَانِيَةَ آلافِ دِرْهَمٍ سِتّةَ آلافٍ دِيَتُهَا، وَأَلْفَيْنِ تَغْلِيظًا لِلْجُرْمِ.

 

من هذا النص نفهم أن قتلها كان فعلًا مقصودًا رغم إعلانها الإسلام، وكما قلت وسأقول دومًا هذه هي عقيدة القتل وتفتيش الضمائر والأفكار والشمولية ومنع حرية التعبير والاعتقاد. ولو اختلف صاحبا السيرتين في زمن قتلها.

 

وقصة قتل القينتين قينتي عبد الله بن خطل رواها البيهقي بسنده إلى ابن إسحاق في السنن الكبرى 16657

وروى الطبراني في المعجم الكبير:

 

5529 - حدثنا معاذ بن المثنى ثنا علي بن المديني ( ح ) وحدثنا موسى بن هارون ثنا علي بن حرب الموصلي قالا ثنا زيد بن الحباب حدثني عمرو بن عثمان بن عبدالرحمن بن سعيد المخزومي حدثني جدي عن أبيه سعيد وكان يسمى الضرم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: أربعة لا أومنهم في حل ولا حرم الحويرث بن نفيل و مقيس بن ضبابة و هلال بن خطل و عبدالله بن سعد بن أبي سرح فأما حويرث فقتله علي رضي الله عنه وأما مقيس بن ضبابة فقتله ابن عم له لحاء وأما هلال بن خطل فقتله الزبير وأما عبدالله بن سعد بن أبي سرح فاستامن له عثمان بن عفان وكان أخاه من الرضاعة وقينتين كانتا لمقيس تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلت إحداهما وأفلتت الأخرى فأسلمت

 

قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني ورجاله ثقات، وأخرج أبو دواد طرفًا منه 2667، وعمرو بن عثمان لم يوثقه الا بن حبان فلذلك قال الحافظ مقبول.

 

لو كان رسول الإله الخرافي حقًّا لما كان خشي من سلاح الكلمة والتعبير بهذه الصورة، لدرجة قتل نساء وفتيات لمجرد غنائهن الشعر ضده، وحشية وهمجية إسلامية متجذرة في أساس دينهم، فهم لا يقبلون بأي انتقاد أو تعبير ضد أوهامهم وخرافاتهم وإرهابهم وتشريعاتهم الشاذة، لهذا يشعلون الكوكب حرائق وعنف لمجرد رسم كاريكاتير قد يتخذه أهل أديان أخرى صاروا اليوم أكثر تحضرًا كاليهود ومسيحيي الغرب كدعابة موفقة بروح رياضية. إن قتل إنسان لأنه عبر عن رأيه وفكره ومحاسبة الكلمة والفكر هو جريمة همجية وتعصبية بحق الإنسانية وحرية التعبير وحقوق البشر. من حق الإنسان ألا يُقتل ما دام لم يَقتل إنسانًا آخر، أول حقوق الإنسان هي حق الحياة ولا يجوز هدره لأسباب متخلفة كهذه.

 

أما قصة عبد الله بن أبي السرح، فوقع في تفسير الطبري:

 

القول في تأويل قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ اللَّهُ...} سورة الأنعام: 93

...إلخ


وهذا تسفيهٌ من الله لمشركي العرب، وتجهيلٌ منه لهم، في معارضة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، والحنفيِّ مسيلمة، لنبي الله صلى الله عليه وسلم، بدعوى أحدهما النبوّة، ودعوى الآخر أنه قد جاء بمثل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفْيٌ منه عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اختلاقَ الكذب عليه ودعوى الباطل.

* * *
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا فيه

 ذكر من قال ذلك:

13555 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء "، قال: نزلت في مسيلمة أخي بني عدي بن حنيفة، فيما كان يسجع ويتكهن به " ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله "، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أخي بني عامر بن لؤي، كان كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيما يملي " عزيز حكيم "، فيكتب " غفور رحيم "، فيغيره، ثم يقرأ عليه " كذا وكذا "، لما حوَّل، فيقول: " نعم، سواءٌ " . فرجع عن الإسلام ولحق بقريش وقال لهم: لقد كان ينزل عليه " عزيز حكيم " فأحوِّله، ثم أقرأ ما كتبت، فيقول: " نعم سواء " ! ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة، إذ نزل النبي صلى الله عليه وسلم بمرّ

* * *
وقال بعضهم: بل نزل ذلك في عبد الله بن سعد خاصة.

* ذكر من قال ذلك:


13556 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوحَ إليه شيء " إلى قوله: " تجزون عذاب الهون " . قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أسلم، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أملى عليه: " سميعًا عليمًا "، كتب هو: " عليمًا حكيمًا "، وإذا قال: " عليمًا حكيمًا " كتب: " سميعًا عليمًا "، فشكّ وكفر، وقال: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إليّ، وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله ! قال محمد: " سميعًا عليمًا " فقلت أنا: " عليمًا حكيمًا " ! فلحق بالمشركين، ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي، أو لبني عبد الدار. فأخذوهم فعُذِّبوا حتى كفروا، وجُدِعت أذن عمار يومئذ.

 

وفي مقدمة تفسير الطبري/عنوان في بيان اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب يقول:

 

57- حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: حدثنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيّب: أن الذي ذكر الله تعالى ذكره [أنه قال] {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [سورة النحل:103] إنما افتُتِن أنه كان يكتب الوحيَ، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سميعٌ عليمٌ، أو عزيزٌ حكيمٌ، أو غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو عَلى الوحي، فيستفهمُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أعزيز حكيمٌ، أو سميعٌ عليم أو عزيز عليم؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ ذلك كتبت فهو كذلك. ففتنه ذلك، فقال: إن محمدًا وكَلَ ذلك إليّ، فأكتبُ ما شئتُ. وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة.

 

وفي مغازي الواقدي نقرأ تفاصيل الحدث كاملة:

 

قَالُوا: وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ الْوَحْىَ فَرُبّمَا أَمْلَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَيُكْتَبُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، فَيَقْرَأُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَيَقُولُ: “كَذَلِكَ اللّهُ” وَيُقِرّهُ، وَافْتُتِنَ، وَقَالَ: مَا يَدْرِى مُحَمّدٌ مَا يَقُولُ إنّى لأَكْتُبُ لَهُ مَا شِئْت، هَذَا الّذِى كَتَبْت يُوحَى إلَىّ كَمَا يُوحَى إلَى مُحَمّدٍ، وَخَرَجَ هَارِبًا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ مُرْتَدّا، فَأَهْدَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ دَمَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَلَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ جَاءَ ابْنُ أَبِى سَرْحٍ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، وَكَانَ أَخَاهُ مِنْ الرّضَاعَةِ، فَقَالَ: يَا أَخِى، إنّى وَاَللّهِ اخْتَرْتُك فَاحْتَبِسْنِى هَاهُنَا، وَاذْهَبْ إلَى مُحَمّدٍ فَكَلّمْهُ فِى، فَإِنّ مُحَمّدًا إنْ رَآنِى ضَرَبَ الّذِى فِيهِ عَيْنَاىَ إنّ جُرْمِى أَعْظَمُ الْجُرْمِ وَقَدْ جِئْت تَائِبًا، فَقَالَ: بَلْ اذْهَبْ مَعِى، قَالَ عَبْدُ اللّهِ: وَاَللّهِ لَئِنْ رَآنِى لَيَضْرِبَن عُنُقِى وَلا يُنَاظِرُنِى، قَدْ أَهْدَرَ دَمِى، وَأَصْحَابُهُ يُطْلِبُونَنِى فِى كُلّ مَوْضِعٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: انْطَلِقْ مَعِى، فَلا يَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللّهُ، فَلَمْ يُرَعْ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلاّ بِعُثْمَانَ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ وَاقِفَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى النّبِىّ ÷، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أُمّهُ كَانَتْ تَحْمِلُنِى وَتُمْشِيهِ وَتُرْضِعُنِى وَتَقْطَعُهُ، وَكَانَتْ تُلْطِفُنِى، وَتَتْرُكُهُ فَهَبْهُ لِى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَجَعَلَ عُثْمَانُ كُلّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ النّبِىّ ÷ بِوَجْهِهِ اسْتَقْبَلَهُ فَيُعِيدُ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلامَ، فَإِنّمَا أَعْرَضَ النّبِىّ ÷ عَنْهُ إرَادَةَ أَنْ يَقُومَ رَجُلٌ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، لأَنّهُ لَمْ يُؤَمّنْهُ، فَلَمّا رَأَى أَلاّ يُقْدَمَ أَحَدٌ، وَعُثْمَانُ قَدْ أَكَبّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ يُقَبّلُ رَأْسَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، تُبَايِعُهُ فِدَاك أَبِى وَأُمّى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”، ثُمّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: “مَا مَنَعَكُمْ أَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مِنْكُمْ إلَى هَذَا الْكَلْبِ فَيَقْتُلَهُ”؟ أَوْ قَالَ: “الْفَاسِقِ”، فَقَالَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ: أَلا أَوْمَأْت إلَىّ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ فَوَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ إنّى لأَتّبِعُ طَرَفَك مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ رَجَاءَ أَنْ تُشِيرَ إلَىّ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَيُقَالُ: قَالَ هَذَا أَبُو الْيُسْرِ، وَيُقَالُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى لا أَقْتُلُ بِالإِشَارَةِ”. وَقَائِلٌ يَقُولُ: إنّ النّبِىّ ÷ قَالَ يَوْمَئِذٍ: “إنّ النّبِىّ ÷ لا تَكُونُ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ” فَبَايَعَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَجَعَلَ يَفِرّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ كُلّمَا رَآهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِرَسُولِ اللّهِ ÷: بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى، لَوْ تَرَى ابْنَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ يَفِرّ مِنْك كُلّمَا رَآك فَتَبَسّمَ النّبِىّ ÷ فَقَالَ: “أَوَ لَمْ أُبَايِعْهُ وَأُؤَمّنْهُ”؟ قَالَ: بَلَى، أَىْ رَسُولَ اللّهِ، وَلَكِنّهُ يَتَذَكّرُ عَظِيمَ جُرْمِهِ فِى الإِسْلامِ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “الإِسْلامُ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ”، فَرَجَعَ عُثْمَانُ إلَى ابْنِ أَبِى سَرْحٍ فَأَخْبَرَهُ فَكَانَ يَأْتِى فَيُسَلّمُ عَلَى النّبِىّ مَعَ النّاسِ.

 

هذا رجل اقترب كثيرًا من محمد حتى وصل لمنصب ومسؤولية كتابة وحيه المزعوم، فوجد أنه يمكنه أن يعدّل على كلامه ويكتب شيئًا شبيهًا به ومحمد باستهتار لا يبالي، وقربه من محمد كشف له حقيقة كذبه، فقد وجد نفسه يكتب قرآنًا بكلماته! يكتب كإله لو استعملنا أسلوبًا ساخرًا لوصف الأمر، فترك ديانة الإسلام ووهمها، وهو لم يسلم بعد ذلك إلا بالإكراه وحماية لحياته ثم انضم كسائر عرب الجزيرة للفتوحات وسفك الدم لاحقًا. ونسأل لو كان هذا نبيًّا ورسولًا وما يقوله وحي أفلم يكن الله الخرافي المزعوم كفيلًا بألا يسمح بأن يتولى شخص كهذا بهذا الذكاء والتلاعب والقدرة على كشف الاكذوبة مسؤولية كهذه، ألم يكن قادرًا على حماية تصريحاته ونصوصه المقدّسة، وهذا ما هاج محمد أكثر شيء على قتله غضبًا منه لأنه افتضح أمره ومحمد كان  لا يترك من يعارضه أو يفسد خططه حيًّا أبدًا.

 

ووقع في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر:

 

وذكر محمد بن سعد عن الواقدي عن أشياخه قال أول من كتب لرسول الله الوحي مقدمه المدينة ابي بن كعب وهو أول من كتب في آخر الكتاب وكتب فلان قال وكان ابي إذا لم يحضر دعا رسول الله زيد بن ثابت فيكتب وكان ابي وزيد بن ثابت يكتبان الوحي بين يديه ويكتبان كتبه إلى الناس وما يقطع وغير ذلك قال الواقدي وأول من كتب له من قريش عبدالله بن سعد أبي سرح ثم ارتد ورجع إلى مكة وفيه نزلت {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء}

 

أما الحويرث بن نقيذ قتله أكثر ظلمًا، فتهمته عجيبة وهو أنه كان يضايق محمد في بداية دعوته في مكة، ثم يحدثك المسلمون عن سماحة الإسلام وجماله؟!

 

يقول ابن إسحاق في عداد من أمر محمد بقتلهم:

 

والحُوَيْرث بن نُقَيْذ بن وهب بن عَبد بن قُصَي، وكان ممن يؤذيه بمكة.

 

ويقول الواقدي:

 

وَأَمّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ مِنْ وَلَدِ قُصَىّ، فَإِنّهُ كَانَ يُؤْذِى النّبِىّ ÷ فَأَهْدَرَ دَمَهُ فَبَيْنَا هُوَ فِى مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ قَدْ أَغْلَقَ بَابَهُ عَلَيْهِ وَأَقْبَلَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يَسْأَلُ عَنْهُ؟ فَقِيلَ: هُوَ فِى الْبَادِيَةِ، فَأُخْبِرَ الْحُوَيْرِثُ أَنّهُ يُطْلَبُ وَتَنَحّى عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ عَنْ بَابِهِ، فَخَرَجَ الْحُوَيْرِثُ يُرِيدُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ آخَرَ فَتَلَقّاهُ عَلِىّ فَضَرَبَ عُنُقَهُ.

 

وكثر نوح نساء القتلى في مكة فجاء أبو سفيان مستعطفًا محمد ليتوقف باسم القرابة والصلة، يقول الواقدي:

 

قَالَ: وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِىّ، عَنْ أَبِى حُصَيْنٍ الْهُذَلِىّ، قَالَ: لَمّا قُتِلَ النّفَرُ الّذِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِقَتْلِهِمْ سَمِعَ النّوْحَ عَلَيْهِمْ بِمَكّةَ، وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ: فِدَاك أَبِى وَأُمّى، الْبَقِيّةُ فِى قَوْمِك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا تُقْتَلُ قُرَيْشٌ صَبْرًا بَعْدَ الْيَوْمِ”، يَعْنِى عَلَى الْكُفْرِ.

 

وهذا روى مسلم جزءً منه:

 

[ 1782 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر ووكيع عن زكريا عن الشعبي قال أخبرني عبد الله بن مطيع عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة لا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة

 

ورواه أحمد (15406) و (15407) و (15408) و(15409) وغيرها، وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (826)، وابن حبان (3718)، والطبراني في "الكبير" 20/ (693) و20/ (694)، والحاكم في المستدرك 4/275، وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (9399)، والحميدي (568)، ومسلم (1782) (89)، وابن أبي شيبة 38067

 

محمد كقاتل للأقارب والأصهار وحماية أم هانئ لبعض الوثنيين

 

روى البخاري:

 

357 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَاكَ ضُحًى

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

26892 - حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ فَاخِتَةَ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، أَجَرْتُ حَمْوَيْنِ لِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِذْ طَلَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ رَهْجَةُ الْغُبَارِ فِي مِلْحَفَةٍ مُتَوَشِّحًا بِهَا، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: " مَرْحَبًا بِفَاخِتَةَ أُمِّ هَانِئٍ " . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَجَرْتُ حَمْوَيْنِ لِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: " قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ ". ثُمَّ أَمَرَ فَاطِمَةَ، فَسَكَبَتْ لَهُ مَاءً، فَتَغَسَّلَ بِهِ، فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي الثَّوْبِ مُتَلَبِّبًا بِهِ، وَذَلِكَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ضُحًى

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير زيد بن الحُباب، فمن رجال مسلم.

ورواه مسلم 498 وأبو داوود 2763 و داود (1290) (2763) والترمذي 1579 وأخرجه عبد الرزاق (9438) والبيهقي في السنن الكبرى والطيالسي (1615)، والنسائي في "الكبرى" (8684) و" (8685)، وابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (3148)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/380 و3/323، والطبراني في "الكبير" 24/ (1013) و24/ (1019- 1024) و" 24/ (1016)، وفي "الأوسط" (9086)، والحاكم 4/52-53، والبيهقي في "السنن" 9/95، وأخرجه ابن سعد 2/144، وابن أبي شيبة 2/409 و12/452 و453 و14/498، ووأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (2610)، وابنُ سعد 2/144- 145، ومسلم (336) (71) و1/498 و (336) (81)، وابن ماجه (465)، وأبو عوانة 1/282-283 و2/269، والبيهقي في "السنن" 1/198 و3/157، وفي "دلائل النبوة" 5/80- 81 وسعيد بن منصور (2612)، وابن ماجه (1323)، وابن خزيمة (1234)، وفي مسند أحمد بالأرقام (26896) و (26903) و (26906) و (26907) و (26908) و (27379) و (27380) و (27388) و (27392) .

 

وروى الواقدي:

قَالَ: وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ مُضْطَرِبًا بِالْحَجُونِ فِى الْفَتْحِ وَيَأْتِى لِكُلّ صَلاةٍ، قَالُوا: وَكَانَتْ أُمّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِى طَالِبٍ تَحْتَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِى وَهْبٍ الْمَخْزُومِىّ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ دَخَلَ عَلَيْهَا حَمَوَانِ لَهَا - عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِىّ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ - فَاسْتَجَارَا بِهَا وَقَالا: نَحْنُ فِى جِوَارِك، فَقَالَتْ: نَعَمْ أَنْتُمَا فِى جِوَارِى. قَالَتْ أُمّ هَانِئٍ: فَهُمَا عِنْدِى إذْ دَخَلَ عَلِىّ فَارِسًا، مُدَجّجًا فِى الْحَدِيدِ وَلا أَعْرِفُهُ فَقُلْت لَهُ: أَنَا بِنْتُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ ÷، قَالَتْ: فَكَفّ عَنّى وَأَسْفَرَ عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ فَقُلْت: أَخِى فَاعْتَنَقْته وَسَلّمْت عَلَيْهِ، وَنَظَرَ إلَيْهِمَا فَشَهَرَ السّيْفَ عَلَيْهِمَا، قُلْت: أَخِى مِنْ بَيْنِ النّاسِ يَصْنَعُ بِى هَذَا، قَالَتْ: وَأَلْقَيْت عَلَيْهِمَا ثَوْبًا، وَقَالَ: تُجِيرِينَ الْمُشْرِكِينَ؟ وَحُلْت دُونَهُمَا، فَقُلْت: وَاَللّهِ لَتَبْدَأَن بِى قَبْلَهُمَا، قَالَتْ: فَخَرَجَ وَلَمْ يَكَدْ فَأَغْلَقْت عَلَيْهِمَا بَيْتًا، وَقُلْت: لا تَخَافَا.

 

وروى ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني سعيد بن أبي هِند، عن أبي مُرَّة، مولى عقيل ابن أي طالب، أن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: لما نزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، فر إلىَّ رجلان من أحمائى، من بني مخزوم، وكانت عند هُبَيْرة بن أبي وهب المخزومي، قالت: فدخل علىَّ على بن أبي طالب أخى، فقال: واللّه لأقتلنَّهما، فأغلَقْتُ عليهما باب بيتى، ثم جئت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة، فوجدته يغتسل من جَفْنَة إن فيها لأثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوبه، فلما اغتسل أخذ ثوبَه فتوشِّح به ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف إلي فقال: مرحباَ وأهلا يا أم هانئ، مما جاء بك؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علىٍّ؛ فقال: قد. أجرنا من أجرتِ، وأمنَّا من أمَّنت، فلا يقتلهما.

 

ونترك للقارئ العزيز أن يطالع باقي القصة من كتب السيرة، ترك محمد المكيين ولم يقتلهم لأنهم قومه وهم قلب مشروعه، وهو محتاج لقوتهم ليهزم القوى المنافسة ويخضعها كهوزان وثقيف وغيرهم، على شرط أن يتبعوا الإسلام الإكراه ولا خيار لهم في ذلك.

 

ولم ينس محمد أن يرد على بني بكر بالسماح بمجزرة مماثلة لما قامت به هي أولًا ضد خزاعة، روى أحمد بن حنبل:

 

6681 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُفُّوا السِّلَاحَ إِلَّا خُزَاعَةَ عَنْ بَنِي بَكْرٍ" فَأَذِنَ لَهُمْ، حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ قَالَ: "كُفُّوا السِّلَاحَ"، فَلَقِيَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرٍ، مِنْ غَدٍ، بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ، وَرَأَيْتُهُ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَ: " إِنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّةِ "

 

إسناده حسن، ولبعضه شواهدُ يصح بها. يحيى: هو ابن سعيد للقطان، وحسين: هو ابن ذكوان المعلم.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 6/177-178. وقال: ورجاله ثقات.

 

لكن يا محمد ألست أنت من سمح بالثأر القبلي القديم قبلها بساعة؟!

 

ويروي ابن أبي شيبة (ولنذكر حديثين له أحدهما طويل نورده بطوله لما فيه من نص مفيد للشواهد، وفيه تفصيلة مهمة عن قصة إجبار أبي سفيان على الإسلام لم يوردها غيره):

 

38059- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حدَّثَنَا حُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: كُفُّوا السِّلاَحَ، إِلاَّ خُزَاعَةَ عَنْ بَنِي بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ حَتَّى صَلَّوْا الْعَصْرَ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: كُفُّوا السِّلاَحَ، فَلَقِيَ مِنَ الْغَدِ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ رَجُلاً مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقَتَلَهُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، وَمَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، وَمَنْ قَتَلَ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّةِ.

 

38057- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَمَّا وَادَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ بَنُو بَكْرٍ حُلَفَاءَ قُرَيْشٍ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ، فَكَانَ بَيْنَ خُزَاعَةَ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ قِتَالٌ، فَأَمَدَّتْهُمْ قُرَيْشٌ بِسِلاَحٍ وَطَعَامٍ، وَظَلَّلُوا عَلَيْهِمْ، فَظَهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ، وَقَتَلُوا فِيهُمْ، فَخَافَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَكُونُوا قَدْ نَقَضُوا، فَقَالُوا لأَبِي سُفْيَانَ: اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ.

فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ جَاءَكُمْ أَبُو سُفْيَانَ، وَسَيَرْجِعُ رَاضِيًا بِغَيْرِ حَاجَتِهِ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، أَوَ قَالَ: بَيْنَ قَوْمِكَ، قَالَ: لَيْسَ الأَمْرُ إِلَيَّ، الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ ظَلَّلُوا عَلَى قَوْمٍ وَأَمَدُّوهُمْ بِسِلاَحٍ وَطَعَامٍ، أَنْ يَكُونُوا نَقَضُوا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ.

ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنَقَضْتُمْ ؟ فَمَا كَانَ مِنْهُ جَدِيدًا فَأَبْلاَهُ اللَّهُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ شَدِيدًا، أَوْ مَتِينًا فَقَطَعَهُ اللَّهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ شَاهِدَ عَشِيرَةٍ، ثُمَّ أَتَى فَاطِمَةَ، فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ، هَلْ لَك فِي أَمْرٍ تَسُودِينَ فِيهِ نِسَاءَ قَوْمِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهَا نَحْوًا مِمَاْ ذَكَرَ لأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: لَيْسَ الأَمْرُ إِلَي، الأَمْرُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، ثُمَّ أَتَى عَلِيًّا، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَا قَالَ لأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلاً أَضَلَّ، أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ، فَأَجِزْ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، وَقَالَ: قَدْ أَجْرَتُ النَّاسَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.

ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى مَكَّةَ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا صَنَعَ، فَقَالُوا: وَاللهِ مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ وَافِدَ قَوْمٍ، وَاللهِ مَا أَتَيْتَنَا بِحَرْبٍ فَنَحْذَرَ، وَلاَ أَتَيْتَنَا بِصُلْحٍ فَنَأْمَنَ، ارْجِعْ.

قَالَ: وَقَدِمَ وَافِدُ خُزَاعَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ الْقَوْمُ، وَدَعَا إِلَى النُّصْرَةِ، وَأَنْشَدَهُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا:

لاَهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا.

وَوَالِدًا كُنْتَ وَكُنَّا وَلَدًا ... إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا.

وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكَّدَا ... وَجَعَلُوا لِي بِكَدَاءٍ رُصَّدَا.

وَزَعَمْتْ أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدًا

... فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا.

وَهُمْ أَتَوْنَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدًا ... نَتْلُو الْقُرْآنَ رُكَّعًا وَسُجَّدًا.

ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدًا ... فَانْصُرْ رَسُولَ اللهِ نَصْرًا أَعْتَدَا.

وَابْعَثْ جُنُودَ اللهِ تَأْتِي مَدَدًا ... فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَأْتِي مُزْبِدَا

فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا.

قالَ حَمَّادٌ: هَذَا الشِّعْرُ بَعْضُهُ عَنْ أَيُّوبَ، وَبَعْضُهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ، وَأَكْثَرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أسْحَاقَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ.

قَالَ: قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

أَتَانِي وَلَمْ أَشْهَدْ بِبَطْحَاءِ مَكَّة ... رِجَالُ بَنِي كَعْبٍ تُحَزَّ رِقَابُهَا.

وَصَفْوَانُ عُودٌ حُزَّ مِنْ وَدَقٍ اسْتِهِ

... فَذَاكَ أَوَانُ الْحَرْبِ شُدَّ عِصَابُهَا.

فَلاَ تَجْزَعَنْ يَابْنَ أَمِّ مُجَالِدٍ ... فَقَدْ صَرَّحَتْ صِرْفًا وأََعَصل نَابهَا.

فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَنَالَنَّ مَرَّةً ... سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو حَوْبَهَا وَعِقَابَهَا.

قالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلُوا، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا مَرًّا، قَالَ: وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى نَزَلَ مَرًّا لَيْلاً، قَالَ: فَرَأَى الْعَسْكَرَ وَالنِّيرَانَ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ فَقِيلَ: هَذِهِ تَمِيمٌ، مَحَّلَتْ بِلاَدَهَا فَانْتَجَعَتْ بِلاَدَكُمْ، قَالَ: وَاللهِ، لَهَؤُلاَءِ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ مِنًى، أَوْ قَالَ: مِثُلُ أَهْلِ مِنًى، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: دُلُّونِي عَلَى الْعَبَّاسِ، فَأَتَى الْعَبَّاسَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِاللاَتِ وَالْعُزَّى ؟.

قَالَ أَيُّوبُ: فَحَدَّثَنِي أَبُو الْخَلِيلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْقُبَّةِ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ: إِخْرَ عَلَيْهَا، أَمَّا وَاللهِ أَنْ لَوْ كُنْت خَارِجًا مِنَ الْقُبَّةِ مَا قُلْتهَا أَبَدًا.

قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.

ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ.

فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، وَذَهَبَ بِهِ الْعَبَّاسُ إلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارَ النَّاسُ لِطَهُورِهِمْ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، مَا لِلنَّاسِ ؟ أُمِرُوا بِشَيْءٍ ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُمْ قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: فَأَمَرَهُ الْعَبَّاسُ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ كَبَّرَ، فَكَبَّرَ النَّاسُ، ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعُوا، ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعُوا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ طَاعَةَ قَوْمٍ جَمَعَهُمْ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَلاَ فَارِسَ الأَكارِمَ، وَلاَ الرُّومَ ذَاتَ الْقُرُونِ، بِأَطْوَعَ مِنْهُمْ لَهُ.

قَالَ حَمَّادٌ: وَزَعَمَ يَزِيدُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، أَصْبَحَ ابْنُ أَخِيك وَاللهِ عَظِيمَ الْمُلْكِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِمُلْكٍ وَلَكِنَّهَا النُّبُوَّةُ، قَالَ: أَوْ ذَاكَ، أَوْ ذَاكَ.

ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ.

قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ، قَالَ: فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَذِنْتَ لِي فَأَتَيْتُهُمْ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَمَّنْتُهُمْ، وَجَعَلْتَ لأَبِي سُفْيَانَ شَيْئًا يُذْكَرُ بِهِ، فَانْطَلَقَ الْعَبَّاسُ، فَرَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الشَّهْبَاءَ وَانْطَلَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي، رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي، فَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَفْعَلَ بِهِ قُرَيْشٌ مَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ، دَعَاهُمْ إِلَى اللهِ فَقَتَلُوهُ، أَمَا وَاللهِ لَئِنْ رَكِبُوهَا مِنْهُ لأَضْرِمَنَّهَا عَلَيْهِمْ نَارًا.

فَانْطَلَقَ الْعَبَّاسُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، قَدَ اسْتَبْطِنْتُمْ بِأَشْهَبَ بَاذِلٍ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ الزُّبَيْرَ مِنْ قِبَلِ أَعْلَى مَكَّةَ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مِنْ قِبَلِ أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُمَ الْعَبَّاسُ: هَذَا الزُّبَيْرُ مِنْ قِبَلِ أَعْلَى مَكَّةَ، وَهَذَا خَالِدٌ مِنْ قِبَلِ أَسْفَلِ مَكَّةَ، وَخَالِدٌ مَا خَالِدٌ ؟ وَخُزَاعَةُ الْمُجَدَّعَةُ الأُنُوفِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَرَامَوْا بِشَيْءٍ مِنَ النَّبْلِ.

ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَأَمَّنَ النَّاسَ إِلاَّ خُزَاعَةَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ أَرْبَعَةً: مِقْيَسَ بْنَ صَبَابَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي سَرْحٍ، وَابْنَ خَطَلٍ، وَسَارَةَ مَوْلاَةَ بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ حَمَّادٌ: سَارَةُ، فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ، وَفِي حَدِيثِ غَيْرِهِ: قَالَ: فَقَتَلَهُمْ خُزَاعَةُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، أَتَخْشَوْنَهُمْ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمَ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ، وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ، وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} قَالَ: خُزَاعَةُ، {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} قَالَ: خُزَاعَةُ، {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}قَالَ: خُزَاعَةُ.

 

وروى نحوه عبد الرزاق في مصنفه 9739

 

ويقول الواقدي:

 

قَالَ: وَجَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ: “لِمَ قَاتَلْت وَقَدْ نَهَيْت عَنْ الْقِتَالِ”؟ فَقَالَ: هُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ بَدَءُونَا بِالْقِتَالِ وَرَشَقُونَا بِالنّبْلِ، وَوَضَعُوا فِينَا السّلاحَ وَقَدْ كَفَفْت مَا اسْتَطَعْت، وَدَعَوْتهمْ إلَى الإِسْلامِ، وَأَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النّاسُ فَأَبَوْا، حَتّى إذَا لَمْ أَجِدْ بُدّا قَاتَلْتهمْ فَظَفّرَنَا اللّهُ عَلَيْهِمْ وَهَرَبُوا فِى كُلّ وَجْهٍ يَا رَسُولَ اللّهِ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَضَى اللّهُ خَيْرًا”، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كُفّوا السّلاحَ إلاّ خُزَاعَةَ عَنْ بَنِى بَكْرٍ إلَى صَلاةِ الْعَصْرِ”. فَخَبّطُوهُمْ سَاعَةً وَهِىَ السّاعَةُ الّتِى أُحِلّتْ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ لَمْ تَحِلّ لأَحَدٍ قَبْلَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ نَهَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْ خُزَاعَةَ أَحَدٌ.

 

ألم يكن الأصلح لو تم إيقاف حمامات الدم ومعارضة أساليب الحرب والثأر العربي القبلي القديم؟!

وعن إكراه وثنيي مكة على الإسلام، روى أحمد بن حنبل:

 

15431 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ الْأَسْوَدَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ، قَالَ: جَلَسَ عِنْدَ قَرْنِ مَسْقَلَةَ، فَبَايَعَ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالشَّهَادَةِ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الشَّهَادَةُ ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ " أَنَّهُ بَايَعَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ "

 

إسناده محتمل للتحسين، محمد بن الأسود بن خلف، من رجال "التعجيل" روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في "الثقات" وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح.وهو عند عبد الرزاق في "المصنف" (9820) و (19222)، ومن طريقه ابن سعد في "الطبقات" 5/459، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 866) و (2721)، والحاكم 3/296. وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 1/444، والفاكهي في "أخبار مكة" (2467)، والطبراني في "الكبير" (815)، وفي "الأوسط" (2439)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابه" (895)، والبيهقي في "الدلائل" 5/94، وقال الطبراني في "الأوسط": لا يروى هذا الحديث عن الأسود إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن جريج. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 6/37، وقال: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وأحمد باختصار، ورجاله ثقات.

 

وروى البخاري:

 

4305-4306 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مُجَاشِعٌ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَخِي بَعْدَ الْفَتْحِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا فَقُلْتُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ قَالَ أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ فَلَقِيتُ مَعْبَدًا بَعْدُ وَكَانَ أَكْبَرَهُمَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ صَدَقَ مُجَاشِعٌ

 

ورواه مسلم 1863

 

وقام محمد بتحطيم أصنام الكعبة التي هي معبد وثني في الأصل، وحولها إلى مكان مقدَّس لديانته الجديدة

روى البخاري:

 

4287 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ { جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ } { جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }

 

وروى مسلم:

 

[ 1781 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وابن أبي عمر واللفظ لابن أبي شيبة قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود كان بيده ويقول { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا }  { جاء الحق وما يبدي الباطل وما يعيد } زاد بن أبي عمر يوم الفتح

 

من حديث  [ 1780 ] .....فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان وأغلق الناس أبوابهم قال وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت قال فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه قال وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس وهو آخذ بسية القوس فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو

 

ورواه أحمد بن حنبل 3584 والترمذي 3138 والحميدي (86)، وابن أبي شيبة (38061) و(38064)، والبخاري (2478) و (4287) و (4720)، ومسلم (1781) (87)، والنسائي في "الكبرى" (11297) و (11428) -وهو في "التفسير" (317) و (448) - وأبو يعلى (4967)، وابن حبان (5862)، والبيهقي في "السنن" 6/101، والبغوي (3813)

وروى بن أبي شيبة:

 

38060- حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: حدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، وَفِي الْبَيْتِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا، تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكُبَّتْ كُلُّهَا لِوُجُوهِهَا، ثُمَّ قَالَ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} ...إلخ الحديث

 

وتحطيم الأصنام ذكره مؤلفو كتب السيرة كابن إسحاق، ويقول الواقدي:

 

وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْكَعْبَةِ فَرَآهَا، وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ تَقَدّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَاسْتَلَمَ الرّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، وَكَبّرَ فَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ لِتَكْبِيرِهِ فَرَجَعُوا التّكْبِيرَ حَتّى ارْتَجّتْ مَكّةُ تَكْبِيرًا حَتّى جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُشِيرُ إلَيْهِمْ اُسْكُتُوا وَالْمُشْرِكُونَ فَوْقَ الْجِبَالِ يَنْظُرُونَ، ثُمّ طَافَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ آخِذٌ بِزِمَامِهَا مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاثُمِائَةِ صَنَمٍ وَسِتّونَ صَنَمًا مُرَصّصَةٌ بِالرّصَاصِ، وَكَانَ هُبَلُ أَعْظَمُهَا، وَهُوَ وِجَاهَ الْكَعْبَةِ عَلَى بَابِهَا، وَإِسَافُ وَنَائِلَةُ حَيْثُ يَنْحَرُونَ وَيَذْبَحُونَ الذّبَائِحَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كُلّمَا مَرّ بِصَنَمِ مِنْهَا يُشِيرُ بِقَضِيبِ فِى يَدِهِ وَيَقُولُ: “جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا فَيَقَعُ الصّنَمُ لِوَجْهِهِ”.

.... وَأَمَرَ بِهُبَلَ فَكُسِرَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ لأَبِى سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ: يَا أَبَا سُفْيَانَ قَدْ كُسِرَ هُبَلُ أَمَا إنّك قَدْ كُنْت مِنْهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِى غُرُورٍ حِينَ تَزْعُمُ أَنّهُ قَدْ أَنْعَمَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: دَعْ هَذَا عَنْك يَا ابْنَ الْعَوّامِ، فَقَدْ أَرَى لَوْ كَانَ مَعَ إلَهِ مُحَمّدٍ غَيْرُهُ لَكَانَ غَيْرَ مَا كَانَ.

 

لقد استمر بعد موت محمد العنف بصورة أبشع، وكانت بحور من الدماء، بسبب اتباع بعض القبائل العربية لمدّعي نبوة آخرين كمسلمة والأسود العنسي والنبية سجاح، وعودة آخرين إلى الوثنية، وحتى بعد انتهاء كل هذا راقبوا وطاردوا بقايا الوثنيين العرب أو بمعنى أصح المؤمنين بتعدد الآلهة polytheists، حتى في عصر خلافة علي بن أبي طالب، الذي يروي عنه ابن أبي شيبة قتله لمؤمنين بتعدد الآلهة بطرق بشعة وتعذيبية:

 

29611- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أُنَاسٌ يَأْخُذُونَ الْعَطَاءَ وَالرِّزْقَ وَيُصَلُّونَ مَعَ النَّاسِ كَانُوا يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ فِي السِّرِّ، فَأُتِيَ بِهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَوَضَعَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ قَالَ: فِي السِّجْنِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا تَرَوْنَ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَأْخُذُونَ مَعَكُم الْعَطَاءَ وَالرِّزْقَ، وَيَعْبُدُونَ هَذِهِ الأَصْنَامَ ؟ قَالَ النَّاسُ: اقْتُلْهُمْ، قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أَصْنَعُ بِهِمْ كَمَا صُنِعَ بِأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ صلوات الله عليه، فَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ.

 

29612- حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُعْمَانَ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا فِي الرَّحْبَةِ، وَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَاهُنَا أَهْلَ بَيْتٍ لَهُمْ وَثَنٌ فِي دَارِهِمْ يَعْبُدُونَهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ يَمْشِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى الدَّارِ، فَأَمَرَهُمْ فَدَخَلُوا، فَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ تِمْثَالَ رُخَامٍ، فَأَلْهَبَ عَلِيٌّ الدَّارَ.

 

ونلاحظ أن كلًّا من ابن إسحاق والواقدي يذكران هرب أعيان قرشيين من مكة كصفوان بن أمية وابن الزبعري وعكرمة بن عمرو بن هشام (يسمون أباه أبا جهل)، وانفرد الواقدي فذكر كذلك حويطب بن عبد العُزَّى، ولم يمكنهم العودة إلى أزواجهم وأولادهم وبيوتهم وأن يكونوا بمأمن من قتل محمد لهم سوى بإعلان إسلامهم ومتابعتهم له. والحجة الإسلامية الشهيرة في ذلك أن هؤلاء قاتلونا فليس لهم إلا الإسلام أو القتل لأنهم قتلوا منا فهذا من باب العفو الإسلامي عنهم. وهذا كلام واهي الحجة فالمسلمون هم من بدؤوا في العلاقة الدولية الجديدة بإساءة الجيرة وقطع الطرق ونهب القوافل، كذلك فإن أحكام القانون المدني ليست كأحكام الوضع الحربي، فعندما دخل الروس ألمانيا النازية لم يحكموا مثلًا بقتل كل الجنود الألمان، بل فقط حاكموا بعض قادتهم المسؤولين عن تحركات العنف والاحتلال العسكري، فقاعدة أن من قتل يجب قتله هي حقيقة في القانون المدني فقط، ولم يجرِ عرف البشر على أنها تسير على حرب جنود مع جنود، نعم هي تنطبق على قتل الجنود لمدنيين أو قتلهم لأسراهم الذي لا حول لهم، وهذا كما نرى عادل نوعًا ما فهي حرب رجل لرجل وجيش لجيش، بصرف النظر عن الطرف المعتدي والطرف الذي على حق. بالتالي فالإكراه الديني أو قتل سكان مدينة بمبرر ما كما فعل محمد مع اليهود وأبو بكر مع كثير من بني حنيفة أتباع مسلمة الحنفي المتنبئ كمحمد، كلها أمور إجرامية بصورة دموية مغالى فيها.

 

ويذكر لنا الواقدي وابن إسحاق أن ابن الزبعري هرب إلى نجران ولم يعد إلا عندما وجد أن جيش محمد على وشك الهجوم على بني الحارث بن كعب في نجران، وأن حسان بن ثابت ألمح له بشعر:

 

وَهَرَبَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِى وَهْبٍ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ زَوْجُ أُمّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ - هُوَ وَابْنُ الزّبَعْرَى جَمِيعًا حَتّى انْتَهَى إلَى نَجْرَانَ، فَلَمْ يَأْمَنّا مِنْ الْخَوْفِ حَتّى دَخَلا حِصْنَ نَجْرَانَ، فَقِيلَ لَهُمَا: مَا وَرَاءَكُمَا؟ قَالا: أَمّا قُرَيْشٌ فَقَدْ قُتِلَتْ وَدَخَلَ مُحَمّدٌ مَكّةَ، وَنَحْنُ وَاَللّهِ نَرَى أَنّ مُحَمّدًا سَائِرٌ إلَى حِصْنِكُمْ هَذَا فَجَعَلَتْ بَلْحَارِثٍ وَكَعْبٌ يُصْلِحُونَ مَا رَثّ مِنْ حِصْنِهِمْ وَجَمَعُوا مَاشِيَتَهُمْ فَأَرْسَلَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَبْيَاتًا يُرِيدُ بِهَا ابْنَ الزّبَعْرَى، أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِى الزّنَادِ:

      لا تَعْدَمْنَّ رَجُلاً أَحَلّك بُغْضُهُ
     بَلِيَتْ قَنَاتُك فِى الْحُرُوبِ فَأُلْقِيَتْ
     غَضِبَ الإِلَهُ عَلَى الزّبَعْــرَى وَابْنِـهِ

 

نَجْرَانَ فِى عَيْشٍ أَحَذّ لَئِيمِ
خَمّانَةً خَوْفَاءَ ذَاتَ وُصُومِ1
وَعَذَابُ سُـــوءٍ فِى الْحَيَاةِ مُقِيــمِ

 

فَلَمّا جَاءَ ابْنَ الزّبَعْرَى شِعْرُ حَسّانَ تَهَيّأَ لِلْخُرُوجِ، فَقَالَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِى وَهْبٍ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا ابْنَ عَمّ؟ قَالَ: أَرَدْت وَاَللّهِ مُحَمّدًا، قَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تَتْبَعَهُ؟ قَالَ: إىِ وَاَللّهِ، قَالَ: يَقُولُ هُبَيْرَةُ: يَا لَيْتَ أَنّى رَافَقْت غَيْرَك وَاَللّهِ مَا ظَنَنْت أَنّك تَتْبَعُ مُحَمّدًا أَبَدًا، قَالَ ابْنُ الزّبَعْرَى: هُوَ ذَاكَ فَعَلَى أَىّ شَيْءٍ نُقِيمُ مَعَ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَأَتْرُكُ ابْنَ عَمّى، وَخَيْرَ النّاسِ وَأَبَرّهُمْ وَمَعَ قَوْمِى وَدَارِى، فَانْحَدَرَ ابْنُ الزّبَعْرَى حَتّى جَاءَ رَسُولَ اللّهِ ÷ وَهُوَ جَالِسٌ فِى أَصْحَابِهِ فَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَيْهِ قَالَ:

 

 

_____________________

 

 

 

 

 

 

 

 

(1) قناة خمانة: ضعيفة، والوصوم: جمع وصم وهو العيب في النسب

 “هَذَا ابْنُ الزّبَعْرَى، وَمَعَهُ وَجْهٌ فِيهِ نُورُ الإِسْلامِ”... إلخ

 

ويذكر لنا أن هبيرة بن أبي وهب زوج أم هانئ بنت أبي طالب بنت عم محمد ظل وثنيًا مؤمنًا بتعدد الآلهة ومات بنجران على ذلك. وقد غضب وحزن لإسلام زوجته وقال شعرًا غضبًا عليها راجعه في المرجعين المذكورين.

 

أما حويطب فحكى عنه الواقدي (وهو الوحيد الذي لم يذكر ابن إسحاق تفاصيل إسلامه):

 

قَالَ: حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ، قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكّة هَرَبَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى حَتّى انْتَهَى إلَى حَائِطِ عَوْفٍ فَدَخَلَ هُنَاكَ، وَخَرَجَ أَبُو ذَرّ لِحَاجَتِهِ، وَكَانَ دَاخِلَهُ فَلَمّا رَآهُ هَرَبَ حُوَيْطِبٌ فَنَادَاهُ أَبُو ذَرّ: تَعَالَ أَنْتَ آمِنٌ، فَرَجَعَ إلَيْهِ فَسَلّمَ عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: أَنْتَ آمِنٌ فَإِنْ شِئْت أَدْخَلْتُك عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، وَإِنْ شِئْت فَاذْهَبْ إلَى مَنْزِلِك، قَالَ: وَهَلْ لِى سَبِيلٌ إلَى مَنْزِلِى؟ أُلْقَى فَأُقْتَلُ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إلَى مَنْزِلِى، أَوْ يَدْخُلَ عَلَىّ مَنْزِلِى فَأُقْتَلَ. قَالَ: فَأَنَا أَبْلُغُ مَعَك مَنْزِلَك، فَبَلَغَ مَعَهُ مَنْزِلَهُ، ثُمّ جَعَلَ يُنَادِى عَلَى بَابِهِ: إنّ حُوَيْطِبًا آمِنٌ فَلا يُهْجَمُ عَلَيْهِ، ثُمّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرّ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: “أَوَ لَيْسَ قَدْ أَمّنّا كُلّ النّاسِ إلاّ مَنْ أَمَرْت بِقَتْلِهِ”؟.

 

كما نرى الرجل لم يكن آمنًا على حياته وخائف أن يدخل بيته، فهذا اتباع لدين بغير اقتناع دون اختيار بل بالإكراه.

 

وبالنسبة لعكرمة قال عنه الواقدي:

 

ثُمّ قَالَتْ أُمّ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِى جَهْلٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ هَرَبَ عِكْرِمَةُ مِنْك إلَى الْيَمَنِ، وَخَافَ أَنْ تَقْتُلَهُ فَأَمّنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “هُوَ آمِنٌ”. فَخَرَجَتْ أُمّ حَكِيمٍ فِى طَلَبِهِ وَمَعَهَا غُلامٌ لَهَا رُومِىّ، فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَجَعَلَتْ تُمَنّيهِ حَتّى قَدِمَتْ عَلَى حَىّ مِنْ عَكّ، فَاسْتَغَاثَتْهُمْ عَلَيْهِ، فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا، وَأَدْرَكَتْ عِكْرِمَةَ وَقَدْ انْتَهَى إلَى سَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ تِهَامَةَ، فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَجَعَلَ نُوَتِى السّفِينَةَ يَقُولُ لَهُ: أَخْلِصْ، فَقَالَ: أَىّ شَيْءٍ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ: مَا هَرَبْت إلاّ مِنْ هَذَا، فَجَاءَتْ أُمّ حَكِيمٍ عَلَى هَذَا الْكَلامِ، فَجَعَلَتْ تُلِحّ إلَيْهِ، وَتَقُولُ: يَا ابْنَ عَمّ، جِئْتُك مِنْ عِنْدِ أَوْصَلِ النّاسِ وَأَبَرّ النّاسِ، وَخَيْرِ النّاسِ، لا تُهْلِكْ نَفْسَك، فَوَقَفَ لَهَا حَتّى أَدْرَكَتْهُ، فَقَالَتْ: إنّى قَدْ اسْتَأْمَنْت لَك مُحَمّدًا رَسُولَ اللّهِ ÷، قَالَ: أَنْتِ فَعَلْت؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَنَا كَلّمْته فَأَمّنَك، فَرَجَعَ مَعَهَا، وَقَالَ: مَا لَقِيت مِنْ غُلامِك الرّومِىّ؟ فَخَبّرَتْهُ خَبَرَهُ فَقَتَلَهُ عِكْرِمَةُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يُسْلِمْ، فَلَمّا دَنَا مِنْ مَكّةَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأَصْحَابِهِ: “يَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا، فَلا تَسُبّوا أَبَاهُ، فَإِنّ سَبّ الْمَيّتِ يُؤْذِى الْحَىّ، وَلا يَبْلُغُ الْمَيّت”، قَالَ: وَجَعَلَ عِكْرِمَةُ يَطْلُبُ امْرَأَتَهُ يُجَامِعَهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، وَتَقُولُ: إنّك كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمَةٌ، فَيَقُولُ: إنّ أَمْرًا مَنَعَك مِنّى لأَمْرٌ كَبِيرٌ، فَلَمّا رَأَى النّبِىّ ÷ عِكْرِمَةَ وَثَبَ إلَيْهِ - وَمَا عَلَى النّبِىّ ÷ رِدَاءٌ - فَرَحًا بِعِكْرِمَةَ، ثُمّ جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَزَوْجَتُهُ مُنْتَقِبَةٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، إنّ هَذِهِ أَخْبَرَتْنِى أَنّك أَمّنْتنِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “صَدَقَتْ فَأَنْتَ آمِنٌ” فَقَالَ عِكْرِمَةُ: فَإِلَى مَا تَدْعُو يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ: أَدْعُوك إلَى أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّى رَسُولُ اللّهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصّلاةَ، وَتُؤْتِىَ الزّكَاةَ” - وَتَفْعَلَ وَتَفْعَلَ حَتّى عَدّ خِصَالَ الإِسْلامِ.

فَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَاَللّهِ مَا دَعَوْت إلاّ إلَى الْحَقّ، وَأَمْرٍ حَسَنٍ جَمِيلٍ...إلخ

 

ملاحظة: نفس التفاصيل عند ابن إسحاق لكن مع اختصار فقط.

 

وعن صفوان بن أمية، ذكر الواقدي:

 

وَأَمّا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، فَهَرَبَ حَتّى أَتَى الشّعَيْبَةَ، وَجَعَلَ يَقُولُ لِغُلامِهِ يَسَارٍ، وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ: وَيْحَك، اُنْظُرْ مَنْ تَرَى، قَالَ: هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ صَفْوَانُ: مَا أَصْنَعُ بِعُمَيْرِ؟ وَاَللّهِ مَا جَاءَ إلاّ يُرِيدُ قَتْلِى، قَدْ ظَاهَرَ مُحَمّدًا عَلَىّ، فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: يَا عُمَيْرُ مَا كَفَاك مَا صَنَعْت بِى؟ حَمّلْتنِى دَيْنَك وَعِيَالَك، ثُمّ جِئْت تُرِيدُ قَتْلِى، قَالَ أَبَا وَهْبٍ: جُعِلْت فِدَاك، جِئْتُك مِنْ عِنْدِ أَبَرّ النّاسِ وَأَوْصَلِ النّاسِ، وَقَدْ كَانَ عُمَيْرٌ، قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷: يَا رَسُولَ اللّهِ سَيّدُ قَوْمِى خَرَجَ هَارِبًا لِيَقْذِفَ نَفْسَهُ فِى الْبَحْرِ وَخَافَ أَلاّ تُؤَمّنَهُ، فَأَمّنْهُ فِدَاك أَبِى وَأُمّى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَدْ أَمّنْته”، فَخَرَجَ فِى أَثَرِهِ، فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ أَمّنَك، فَقَالَ صَفْوَانُ: لا وَاَللّهِ لا أَرْجِعُ مَعَك حَتّى تَأْتِيَنِى بِعَلامَةِ أَعْرِفُهَا، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْت صَفْوَانَ هَارِبًا يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ فَأَخْبَرْته بِمَا أَمّنْته، فَقَالَ: لا أَرْجِعُ حَتّى تَأْتِىَ بِعَلامَةِ أَعْرِفُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “خُذْ عِمَامَتِى”، قَالَ: فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إلَيْهِ بِهَا، وَهُوَ الْبُرْدُ الّذِى دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ مُعْتَجِرًا بِهِ بُرْدَ حِبَرَةٍ، فَخَرَجَ عُمَيْرٌ فِى طَلَبِهِ الثّانِيَةِ حَتّى جَاءَ بِالْبُرْدِ، فَقَالَ: أَبَا وَهْبٍ جِئْتُك مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النّاسِ وَأَوْصَلِ النّاسِ وَأَبَرّ النّاسِ، وَأَحْلَمِ النّاسِ مَجْدُهُ مَجْدُك، وَعِزّهُ عِزّك، وَمُلْكُهُ مُلْكُك، ابْنُ أُمّك وَأَبِيك، أُذَكّرُك اللّهَ فِى نَفْسِك، قَالَ لَهُ: أَخَافُ أَنْ أُقْتَلَ، قَالَ: قَدْ دَعَاك إلَى أَنْ تَدْخُلَ فِى الإِسْلامِ، فَإِذَا رَضِيت وَإِلاّ سَيّرَك شَهْرَيْنِ فَهُوَ أَوْفَى النّاسِ، وَأَبَرّهُمْ وَقَدْ بَعَثَ إلَيْك بِبُرْدِهِ الّذِى دَخَلَ بِهِ مُعْتَجِرًا، تَعْرِفُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَهُ، فَقَالَ: نَعَمْ هُوَ هُوَ، فَرَجَعَ صَفْوَانُ حَتّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يُصَلّى بِالْمُسْلِمِينَ الْعَصْرَ فِى الْمَسْجِدِ فَوَقَفَا، فَقَالَ صَفْوَانُ: كَمْ تُصَلّونَ فِى الْيَوْمِ وَاللّيْلَةِ؟ قَالَ: خَمْسَ صَلَوَاتٍ، قَالَ: يُصَلّى بِهِمْ مُحَمّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمّا سَلّمَ صَاحَ صَفْوَانُ: يَا مُحَمّدُ، إنّ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ جَاءَنِى بِبُرْدِك، وَزَعَمَ أَنّك دَعَوْتنِى إلَى الْقُدُومِ عَلَيْك، فَإِنْ رَضِيت أَمْرًا وَإِلاّ سَيّرْتنِى شَهْرَيْنِ، قَالَ: “انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ”، قَالَ: لا وَاَللّهِ حَتّى تُبَيّنَ لِى، قَالَ: “بَلْ تَسِيرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ”.

 

نفس التفاصيل عند ابن إسحاق

 

كما نرى أعطاه محمد "مهلة" ليتبع دينه أو يخرج هاربًا من الجزيرة العربية، وبعد ذلك ليس له إلا القتل، فهذا كله إكراه في إكراه بلا شك. وسنذكر طريقة إسلامه و"اقتنناعه" بنبوة محمد وأنه نبي لما أهداه مئات المواشي! هذا برهان مقنع فعلًا كما نرى، أوه إني أسمعك...تحدث أكثر بعد (يعني أعطني أكثر)....نعم بدأت أقتنع استمر أكثر، لا أنا أخطأت انت نبي حقًّا، وسأحارب معك وأدعمك، فالربح من ورائك كثير!

وتفاصيل هذه الأحداث كلها ذكرها ابن إسحاق بنفس النقاط المهمة الأساسية التي انتقدناها وإن كان بسياقات أكثر اختصارًا وإجمالًا، عدا قصة إسلام حويطب.

 

يشهد لهذه الأخبار التي هي كذلك عند ابن إسحاق، البيهقي في السنن الكبرى:

 

13840 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم أنبأ الربيع أنبأ الشافعي أنبأ جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد قبلهم أن أبا سفيان بن حرب أسلم بمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر عليها فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار إسلام وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة ومكة يومئذ دار حرب ثم قدم عليها يدعوها إلى الإسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال وأقامت أياما قبل أن تسلم ثم أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم فثبتا على النكاح وأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وأسلم أكثر أهلها وصارت دار إسلام وأسلمت امرأة عكرمة بن أبي جهل وامرأة صفوان بن أمية وهرب زوجاهما ناحية اليمن من طريق اليمن كافرين إلى بلد كفر ثم جاءا فأسلما بعد مدة وشهد صفوان حنينا كافرا فدخل دار الإسلام بعد هربه منها وخرج منها كافرا فاستقرا على النكاح وكان ذلك كله ونساؤهم مدخول بهن لم تنقض عددهن

 

13842 - وبهذا الإسناد عن بن شهاب أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل أسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب عليه فرحا وما عليه رداء حتى بايعه فثبتا على نكاحهما

 

 وفي دلائل النبوة للبيهقي عن الزهري وعن موسى بن عقبة مرويات مشابهة مرسلة كبلاغات في هذه الغزوة، فليرجع القارئ لها.

 

وروى عبد الرزاق في مصنفه:

 

12646 - عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه بلغه أن نساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن أسلمن بأرضهن غير مهاجرات وأزواجهن حين أسلمن كفار منهن عاتكة ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فركب البحر فبعث رسولا إليه بن عمه وهب بن عمير بن وهب بن خلف برداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لصفوان فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام و أن يقدم عليه فإن أحب أن يسلم أسلم وإلا سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرين فلما قدم صفوان بن أمية على النبي صلى الله عليه وسلم بردائه ناداه على رؤوس الناس وهو على فرسه فقال يا محمد هذا وهب بن عمير أتاني بردائك يزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك إن رضيت مني أمرا قبلتة وإلا سيرتني شهرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل أبا وهب قال لا والله لا أنزل حتى تبين لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل لك سير أربعة قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن بجيش فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحا عنده فقال صفوان أطوعا أو كرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بل طوعا فأعاره صفوان الأداة والسلاح التي عنده وسار صفوان وهو كافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت امرأته عنده بذلك النكاح فأسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم بنت الحارث حتى قدمت اليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم فقدمت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحا وما عليه رداء حتى بايعه ثم لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بينهما واستقرت عنده على ذلك النكاح ولكنه لم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرق هجرتها بينها وبين زوجها الكافر إلا أن يقدم مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها فإنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم عليها مهاجرا وهي في عدتها

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير:

 

1020 - حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني حدثني أبي ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة في قصة الفتح قال: وفر عكرمة بن أبي جهل عامدا الى اليمن و أقبلت أم الحكيم بنت الحارث بن هشام و هي يومئذ مسلمة و هي تحت عكرمة بن أبي جهل فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب زوجها فأذن لها و أمنه فخرجت بعبد بها رومي فراودها عن نفسها فلم تزل تمنيه و تقرب له حتى قدمت على أناس من عك فاستعانتهم عليه فأوقفوه فأدركت زوجها ببعض تهامه و قد كان ركب في سفينة فلما جلس فيها نادى باللات و العزى فقال أصحاب السفينة لا يجوز ههنا أحد يدعو شيئا الا الله وحده مخلصا فقال عكرمة: و الله لئن كان في البحر انه لفي البر وحده فاقسم بالله لأرجعن الى محمد صلى الله عليه وسلم فرجع عكرمة مع امرأته فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعه و قبل منه و دخل رجل من هزيل حين هزمت بنو بكر على امرأته فارا فلامته و عجزته و عيرته بالفرار فقال:

 ( و أنت لو رأيتنا بالجندمة ... اذ فر صفوان و فر عكرمة )

 ( و لحقتنا بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد و جمجمة )

 ( لم تنطقي باللوم أدنى كلمة )

 

إسناده ضعيف، حسب طريقة علماء الحديث

 

وقصة إسلام حويطب في المستدرك للحاكم بحديث رقم 6084  لكنها عن محمد بن عمر الواقدي:

 

....قال ابن عمر: وأخبرني إبراهيم بن جعفر بن محمود عن أبيه وحدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن المنذر بن جهم قال: قال حويطب بن عبد العزى: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح خفت خوفا شديا فخرجت من بيتي وفرقت عيالي في مواضع يأمنون فيها فانتهيت إلى حائط عوف فكنت فيه فإذا أنا بأبي ذر الغفاري وكانت بيني وبينه خلة والخلة أبدا مانعة فلما رأيته هربت منه فقال: أبا محمد فقلت: لبيك قال: ما لك ؟ قلت: الخوف قال لا خوف عليك أنت آمن بأمان الله عز وجل فرجعت إليه فسلمت عليه فقال: اذهب إلى منزلك قلت: هل لي سبيل إلى منزلي والله ما أراني أصل إلى بيتي حيا حتى ألفي فأقتل أو يدخل عليَّ منزلي فأقتل وإن عيالي لفي مواضع شتى قال فاجمع عيالك في موضع وأنا أبلغ معك إلى منزلك فبلغ معي وجعل ينادس على أن حويطبا أمن فلا يهج ثم انصرف أبو ذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: أو ليس قد أمن الناس كلهم إلا من أمرت بقتلهم قال: فاطمأننت ورددت عيالي إلى منازلهم وعاد أبو ذر فقال لي: يا أبا محمد حتى متى وإلى متى سبقت في المواطن كلها وفاتك خير كثير وبقي خير كثير فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم تسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبر الناس وأوصل وأحلم الناس شرفه وعزه عزك قال: قلت: فأما أخرج معك فآتيه فخرجت معه حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وعنده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فوقفت على رأسه وسألت أبا ذر كيف يقال إذا سلم عليه ؟ قال: قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فقلتها فقال: وعليك السلام حويطب فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد الله الذي هداك قال: وسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي واستقرضي مالا فأقرضته أربعين ألف درهم وشهدت معه حنينا والطائف وأعطاني من غنائم حنين مائة بعير...إلخ الحديث

 

ويبدو أن قريشًا لم تستقبل الاقتحام الإسلامي بفتح الذراعين للترحيب، فقد استاؤوا من الشعائر الإسلامية عند الكعبة المعبد والمزار الوثني في الأصل كما في قصة صعود بلال على الكعبة ليؤذن وتعليق الوثنيين عند ابن إسحاق والواقدي ومصنف ابن أبي شيبة 38080، وقد كانت حالة النساء سيئة فيقول الواقدي:

 

قَالَ: حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَإِبْرَاهِيمَ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالا: لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَكّةَ جَلَسَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِى مَجْلِسٍ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَمَرّ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: قَدْ كَانَ يُذْكَرُ لَنَا مِنْ نِسَاءِ قُرَيْشٍ حُسْنٌ وَجَمَالٌ مَا رَأَيْنَا هُنّ كَذَلِكَ قَالَ: فَغَضِبَ عَبْدُ الرّحْمَنِ حَتّى كَادَ أَنْ يَقَعَ بِسَعْدٍ وَأَغْلَظَ عَلَيْهِ فَفَرّ مِنْهُ سَعْدٌ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَاذَا لَقِيت مِنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَمَا لَهُ”؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ. قَالَ: فَغَضِبَ النّبِىّ ÷ حَتّى كَانَ وَجْهُهُ لَيُتَوَقّدُ، ثُمّ قَالَ: “رَأَيْتهنّ وَقَدْ أُصِبْنَ بِآبَائِهِنّ وَأَبْنَائِهِنّ وَإِخْوَانِهِنّ وَأَزْوَاجِهِنّ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ وَأَبْذَلُهُ لِزَوْجٍ بِمَا مَلَكَتْ يَدٌ”.

 

وهذا الحديث رواه البخاري:

 

5082 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ

3434 - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ تَابَعَهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ

وقد رواه سائر أصحاب كتب الحديث كمسلم 2527 وأحمد 7650  و2923 وغيرهم، ولو أنه للأمانة يذكر سياق ومناسبة أخرى للحديث ولا يمنع أن يكون قيل مرتين رغم ذلك، روى مسلم:

 

[ 2527 ] حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد قال عبد أخبرنا وقال بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت يا رسول الله إني قد كبرت ولي عيال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساء ركبن ثم ذكر بمثل حديث يونس غير أنه قال أحناه على ولد في صغره

 

وصححه ابن حبان (6268)، وروي نحو حديث أبي هريرة عن أم هانئ نفسها في "المعجم الكبير" للطبراني 24/ (1067) من طريق الشعبي عن أم هانئ، وسنده حسن. والطبراني 19/ (792)

 

 

نلاحظ أن محمدًا خاف أن تحدث اعتداآت جنسية على قريش قبيلته على يد رجال جيشه، لذلك سمح يومها بزواج المتعة مقابل مال، بعدما كان حرمه سابقًا في غزوة خيبر، وبعدما سمح به ثلاثة أيام عاد فنهى عنه، روى مسلم:

 

[ 1406 ] حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يحيى بن آدم حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها

 

 [ 1406 ] وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد قال سمعت أبي الربيع بن سبرة يحدث عن أبيه سبرة بن معبد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة أمر أصحابه بالتمتع من النساء قال فخرجت أنا وصاحب لي من بني سليم حتى وجدنا جارية من بني عامر كأنها بكرة عيطاء فخطبناها إلى نفسها وعرضنا عليها بردينا فجعلت تنظر فتراني أجمل من صاحبي وترى برد صاحبي أحسن من بردي فآمرت نفسها ساعة ثم اختارتني على صاحبي فكن معنا ثلاثا ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن

 [ 1405 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها

 

 [ 1406 ] وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه سبرة أنه قال أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت ما تعطي فقلت ردائي وقال صاحبي ردائي وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشب منه فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها وإذا نظرت الي أعجبتها ثم قالت أنت ورداؤك يكفيني فمكثت معها ثلاثا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها

 

 [ 1406 ] حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري حدثنا بشر يعني بن مفضل حدثنا عمارة بن غزية عن الربيع بن سبرة أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمس عشرة ثلاثين بين ليلة ويوم فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو قريب من الدمامة مع كل واحد منا برد فبردي خلق وأما برد بن عمي فبرد جديد غض حتى إذا كنا بأسفل مكة أو بأعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة فقلنا هل لك أن يستمتع منك أحدنا قالت وماذا تبذلان فنشر كل واحد منا برده فجعلت تنظر إلى الرجلين ويراها صاحبي تنظر إلى عطفها فقال إن برد هذا خلق وبردي جديد غض فتقول برد هذا لا بأس به ثلاث مرار أو مرتين ثم استمتعت منها فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

يقول ابن كثير في السيرة النبوية له:

 

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَامُ أَوَطَاسٍ هُوَ عَامُ الْفَتْحِ. فَهُوَ وَحَدِيثُ سَبْرَةَ سَوَاءٌ.

قُلْتُ: مَنْ أَثْبَتَ النَّهْيَ عَنْهَا فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ قَالَ: إِنَّهَا أُبِيحَتْ مَرَّتَيْنِ، وَحُرِّمَتْ مَرَّتَيْنِ.

 

 

 

 

 

 

هَدْمُ الْعُزّى لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ

هَدَمَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيد

 

بث محمد السرايا لتهديد القبائل ليسلموا وإلا يحاربهم ويبيدهم بجيشه، وأمر خالدًا بن الوليد أن يقاتل من يرفض أو يقاومه.

 

يقول الواقدي:

 

قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْهُذَلِىّ، قَالَ: لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَكّةَ بَثّ السّرَايَا، فَبَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى الْعُزّى....

 

قَالَ: حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْهُذَلِىّ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَكّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَبَثّ السّرَايَا فِى كُلّ وَجْهٍ أَمَرَهُمْ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الإِسْلامِ، فَخَرَجَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ فِى مِائَتَيْنِ قَبْلَ يَلَمْلَمَ، وَخَرَجَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فِى ثَلَثِمِائَةٍ قَبْلَ عُرَنَةَ. وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى الْعُزّى يَهْدِمُهَا، فَخَرَجَ خَالِدٌ فِى ثَلاثِينَ فَارِسًا مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى انْتَهَى إلَيْهَا وَهَدَمَهَا. ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِىّ ÷ فَقَالَ: “هَدَمْت”؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ

 

وروى البيهقي في دلائل النبوة:

 

أخبرنا محمد بن أبي بكر الفقيه قال أخبرنا محمد بن أبي جعفر قال أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا محمد ابن فضيل قال حدثنا الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال لما فتح رسول الله مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى فأتاها خالد ابن الوليد وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها ثم أتى النبي فأخبره...إلخ

 

وروى ابن إسحاق في السيرة:

 

ثم بعث رسول اللّه صلي الله عليه وسلم خالدَ بنَ الوليد إلى العُزَّى وكانت بنَخْلَة، وكانت بيتاً يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومُضر كلها، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سُلَيم حلفاء بني هاشم، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها، علق عليها سيفه، وأسْنَد في الجبل الذي هى فيه وهو يقول:

أيا عُزُّ شُدِّي لا شَوَى لها ... على خالدٍ ألقي القِناعَ وشمِّري

يا عُزُّ إن لم تَقتُلي المرءَ خالداً فبوئي بإثمٍ عاجلٍ أو تنصَّري

فلما انتهى إليها خالد هدمها، ثم رجع إلى رسول اللّه صلي الله عليه وسلم.

 

وروى الكلبي في كتاب (الأصنام) بعدما حكى نفس القصة:

 

فلما كان عام الفتح دعا النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏ خالد بن الوليد فقال‏:‏ انطلق إلى شجرةٍ ببطن نخلة فاعضدها‏.‏ فانطلق فأخذ دبية فقتله وكان سادنها‏.‏

 

فقال أبو خراش الهذلي في دبية يرثيه‏:‏

 

ما لدبية منذ اليوم لم أره                وسط الشروب ولم يلمم ولم يطف

 لو كان حياً لغاداهم بمترعةٍ             من الرواويق من شيزى بني الهطف‏.‏

ضخم الرماد عظيم القدر جفنته        حين الشتاء كحوض المنهل اللقف‏.‏

أمسى سقام خلاءً لا أنيس به          إلا السباع ومر الريح بالغرف‏.‏

 

قال أبو المنذر‏:‏ بطيف من الطوفان من طاف يطيف والهطف بطن من بني عمرو بن أسدٍ

 

....وخلفها دبية بن حرى الشيباني ثم السلمي....ثم عضد الشجرة، وقتل دبية السادن.

 

من وصف البيهقي نعلم أن معبد العزى كان على طريقة السواري أو المرتفعات الكنعانية والبابلية المعروفة لقراء التوراة، ولا شك أؤمن بحق كل إنسان في اعتناق ما شاء من عقيدة أو دين، وإن هدم عزى والأصنام كان اعتداء على حرية العقيدة واحترام معابد ومقدسات الأديان الأخرى. أيضًا قاموا بقتل رجل دين وثني، قتلوا إنسانًا بريئًا بلا ذنب ولا جريرة لأجل عقيدته فقط. ولتبرير جريمة العدوان على أتباع الأديان الأخرى حكوا في هذه القصة وغيرها خرافات عن خروج الشياطين أو الجن من أصنام الآلهة الوثنية على شكل نساء عرايا سود. وكان المسلمون الأوائل يزعمون أن بالأصنام شياطين تسكنها، وهي عقيدة شعبية مسيحية قديمة وجدتها ببعض كتب الأبوكريفا كما في إنجيل الطفولة 4 ورؤيا بطرس النسخة الأثيوبية،، وقد ذكرت ذلك ببحث مصادر الإسلام من الأبوكريفا المسيحية.

 

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه:

 

37788- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى، فَجَعَلَ يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، وَيَقُولُ :

يَا عُزًّ كُفْرَانَكِ لاَ سُبْحَانَكِ      إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ

 

روى الطبراني في المعجم الكبير:

 

12106 - حدثنا محمد بن جعفر الرازي ثنا علي بن الجعد ثنا أبو شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: إن العزى كانت ببطن النخلة وإن اللات كانت بالطائف وإن مناة كانت بقديد قال قال علي بن الجعد: [ بطن ] نخلة هو بستان بني عامر

هَدْمُ سُوَاعَ هَدَمَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِى رَمَضَانَ

ثُمّ هَدْمُ مَنَاةَ، هَدَمَهَا سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِىّ فِى رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ

 

يقول الواقدي:

 

وَبَعَثَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الأَشْهَلِىّ إلَى مَنَاةَ بِالْمُشَلّلِ فَهَدَمَهُ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى صَنَمِ هُذَيْلٍ - سُوَاعٍ - فَهَدَمَهُ فَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ انْتَهَيْت إلَيْهِ وَعِنْدَهُ السّادِنُ فَقَالَ: مَا تُرِيدُ؟ فَقُلْت: هَدْمُ سُوَاعٍ. فَقَالَ: مَا لَك وَلَهُ؟ فَقُلْت: أَمَرَنِى رَسُولُ اللّهِ ÷ قَالَ: لا تَقْدِرُ عَلَى هَدْمِهِ. قُلْت: لِمَ؟ قَالَ: يَمْتَنِعُ. قَالَ عَمْرٌو: حَتّى الآنَ أَنْتَ فِى الْبَاطِلِ وَيْحَك هَلْ يَسْمَعُ أَوْ يُبْصِرُ؟ قَالَ عَمْرٌو: فَدَنَوْت إلَيْهِ فَكَسَرْته، وَأَمَرْت أَصْحَابِى فَهَدَمُوا بَيْتَ خِزَانَتِهِ وَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا شَيْئًا، ثُمّ قَالَ: لِلسّادِنِ كَيْفَ رَأَيْت؟ قَالَ: أَسْلَمْت لِلّهِ. ثُمّ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷ بِمَكّةَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ فَلا يَدَعَن فِى بَيْتِهِ صَنَمًا إلاّ كَسَرَهُ. قَالَ: فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَكْسِرُونَ تِلْكَ الأَصْنَامَ وَكَانَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ حِينَ أَسْلَمَ لا يَسْمَعُ بِصَنَمٍ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ قُرَيْشٍ إلاّ مَشَى إلَيْهِ حَتّى يَكْسِرَهُ، وَكَانَ أَبُو تِجْرَاةَ يَعْمَلُهَا فِى الْجَاهِلِيّةِ وَيَبِيعُهَا.

قَالَ سَعْدُ بْنُ عَمْرٍو: أَخْبَرَنِى أَنّهُ كَانَ يَرَاهُ يَعْمَلُهَا وَيَبِيعُهَا. وَلَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِمَكّةَ إلاّ وَفِى بَيْتِهِ صَنَمٌ.

قَالَ: وَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ بَعْضِ آلِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ فَلا يَتْرُكَن فِى بَيْتِهِ صَنَمًا إلاّ كَسَرَهُ، أَوْ حَرَقَهُ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ، قَالَ جُبَيْرٌ: وَقَدْ كُنْت أَرَى قَبْلَ ذَلِكَ الأَصْنَامَ يُطَافُ بِهَا مَكّةَ، فَيَشْتَرِيهَا أَهْلُ الْبَدْوِ فَيَخْرُجُونَ بِهَا إلَى بُيُوتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلاّ وَفِى بَيْتِهِ صَنَمٌ إذَا دَخَلَ مَسَحَهُ وَإِذَا خَرَجَ مَسَحَهُ تَبَرّكًا بِهِ.

قَالَ: وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِى الزّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، قَالَ: لَمّا أَسْلَمَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ جَعَلَتْ تَضْرِبُ صَنَمًا فِى بَيْتِهَا بِالْقَدُومِ فِلْذَةً فِلْذَةً وَهِىَ تَقُولُ: كُنّا مِنْك فِى غُرُورٍ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غَزْوَةُ بَنِى جَذِيمَةَ، غَزَاهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ

فِى شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ

 

روى البخاري:

بَاب بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ

4339 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ح و حَدَّثَنِي نُعَيْمٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَاهُ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ

7189 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدًا ح و حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فَقَالُوا صَبَأْنَا صَبَأْنَا فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ فَأَمَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَرَّتَيْنِ

ورواه أحمد بن حنبل 6382 و مصنف عبد الرزاق" (9434) و (18721)، ومن طريقه أخرجه البخاري (4339) و (7189) ، والنسائي في"المجتبى" 8/237، وفي"الكبرى" (5961) و (8596) ، والطحاوي في "شرح مشكل الاثار" (3231) ، والبيهقي فىِ"السنن" 9/115. وأخرجه البخاري (4339) و (7189) ، والنسائي في"المجتبى"، 8/237، وفي "الكبرى" (5961) ، والطحاوي في"شرح مشكل الآثار" (3230) من طريقين، عن معمر، به.

 

ويقول ابن إسحاق عن تفاصيل تلك الغارة العدوانية، (وعنده أنها قبل هدم العزى عكس الترتيب عند الواقدي):

 

قال ابن إسحاق: وقد بَعث رسول اللّه صلي الله عليه وسلم فيما حول مكة السَرّاَيا تدعو إلى اللّه عز وجل، ولم يأمرهم بقتال، وكان ممن بُعث خالدُ بنُ الوليد، وأمره أن يسير بأسفل تِهامة داعياً، ولم يبعثه مُقاتلا، فوطِىء بني جَذِيمة، فأصاب منهم.

قال ابن هشام: وقال عباس بن مرداس السلمي في ذلك:

فإن تكُ قد أمَّرتَ في القوم خالداً ... وقَدَّمته فإنه قد تَقدَّما

بجندٍ هَداهُ اللّه أنت أميرُه ... نُصِيبُ به في الحقِّ من كان أظْلمَا

 

قال ابن إسحاق: فحدثني حَكيم بن حَكيم بن عباد بن حُنَيْف، عن أبي جعفر محمد بن على، قال: بعث رسول اللّه صلي الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً، ولم يبعثْه مقاتلاً، ومعه قبائلُ من العرب: سُلَيم بن منصور، ومُدْلج بن مُرة، فوطئوا بني جَذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح، فإن الناس قد أسلموا.

قال ابن إسحاق: فحدثني بعضُ أصحابنا من أهل العلم من بني جَذيمة، قال: لما أمرنا خالد أن نضع السلاحَ قال رجل منا يقال له جَحْدَم: ويلكم يا بني جَذيمة! إنه خالد واللّه ما بَعْدَ وَضْعِ السلاح إلا الإسار، وما بَعْدَ الإسارِ إلا ضَرْبُ الأعناق، واللّه لا أضع سلاحي أبداً. قال: فأخذه رجال من قومه، فقالوا: يا جَحْدَم، أتريد أن تسفك دماءَنا؟ إن الناس أسلموا ووضعوا السلاحَ، ووُضعت الحربُ، وأمن الناس. فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحَه، ووضع القومُ السلاحَ لقول خالد، قال ابن إسحاق: فحدثني حكيم بن حكيم، عن أبي جعفر محمد

ابن على، قال: فلما وضعوا السلاحَ أمر بهم خالد عند ذلك، فكُتفوا، ثم عرضهم على السيف، فقَتل من قَتل منهم؛ فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، رفع يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالدُ بن الوليد.

قال ابن إسحاق: وقد كان حَجْدَم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جَذِيمة: يا بني جَذيمة، ضاع الضربُ، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه

 

قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، عن الزهري، عن ابن أبي حَدْرد الأسلمي، قال: كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد، فقال لي فتى من بني جَذيمة، وهو في سني، وقد جُمعت يداه إلى عنقه برُمَّة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه: يا فتى؛ فقلت: ما تشاء؟ ... قال: هل أنت اخذ بهذه الرُّمَّة، فقائدي إلى هؤلاء النسوةِ حتى أقضى إليهن حاجةً، ثم تردنى بعدُ، فتصنعوا بي ما بدا لكم؟ قال: قلت: والله لَيَسِير ما طلبت. فأخذت برُمته فقدته بها، حتى وقف عليهن، فقال:

اسلمى حُبَيْش، على نَفَدٍ من العيْشِ

أريتُكِ إذ طالبتُكم فوجدْتُكم ... بحَلْيَة أو ألْفَيْتُكم بالخوانِقِ

ألم يكُ أهلاً أن يُنَوَّلَ عاشق ... تكلف إدلاجَ السُرّىَ والودائقَ

فلا ذنبَ لي قد قلتُ إذ أهلُنا معاً ... أثيبى بِوُدّ قبلَ إحدى الصفائقِ

أثيبى بودّ قبلَ أن تَشْحَطَ النَّوَى ... وينأى الأميرُ بالحبيبِ المفارق

فإني لا ضيعتُ سِرَّ أمانةٍ ... ولا راقَ عيني عنكِ بَعدَكِ رائق

سوى أنَّ ما نال العشيرةَ شاغل عن الوُدِّ إلا أن يكونَ التَّوامُقِ

قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عُتبة بن المغيرة بن الأخْنَس، عن الزُّهْري عن ابن أبي حَدْرد الأسلمى قال. قالت: وأنت فحُييتَ سبعاً وعشراً، وِتْراً وثمانيا تَتْرَى. قال. ثم انصرفتُ به. فضُربت عنقه.

قال ابن إسحاق: فحدثني أبو فِراس بن أبي سُنبلة الأسلمي، عن أشياخ منهم، عمن كان حضرها منهم، قالوا: فقامت إليه حين ضُربت عنقه، فأكبَتْ عليه، فما زالت تقبله حتى ماتت عنده.

 

ما قاله الغلام الجذامي الهارب: وقال غلام من بني جَذيمة، وهو يسوق بأمه وأختين له وهو هارب بهن من جيش خالد:

رَخِّينَ أذيالَ المروطِ وأرْبِعْنْ    مَشْىَ حَيِيَّاتٍ كأنْ لم يُفْزَعَنْ

إن تُمنَعِ اليومَ نساءٌ تُمْنَعَنْ

 

[ما كان بين قريش بين جذيمة في الجاهلية]

 

 وكان الفاكه بن المغيرة بن عبد اللّه بن عُمر بن مخزوم، وعوف بن عبد مناف بن عبد الحارث بن زُهرة، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجاراً إلى اليمن، ومع عفان ابنه عثمان، ومع عوف ابنه عبد الرحمن. فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جَذِيمة ابن عامر، كان هلك باليمن، إلى ورثته، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام، ولقيهم بأرض بني جَذِيمة قبل أن يصلوا إلى أهلِ الميت، فأبوا عليه، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه، وقاتلوه، فقُتل عوف، والفاكه بن المغيرة، ونجا عفان بن أبي العاص وابنه عثمان، وأصابوا مالَ الفاكه بن المغيرة، ومال عوف بن عبد عوف، فانطلقوا به، وقَتل عبدُ الرحمن بن عوف خالدَ بن هشام قاتل أبيه، فهمت قريش بغزو بني جَذِيمة، فقالت بنو جذيمة: ما كان مُصاب أصحابكم عن ملا منا، إنما عدا عليهم قوم بجهالة، فأصابوهم ولم نعلمْ، فنحن نَعْقِل لكم ما كان لكم قِبَلنا من دم أو مال، فقبلت قريش، ذلك، ووضعوا الحرب.

 

قال ابن هشام: وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: هل أنكر عليه أحدٌ؟ فقال:نعم، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة، فنهمه خالد، فسكت عنه، وأنكر عليه رجل آخر طويل مُضْطًرب، فراجعه، فاشتدت مراجعتهما، فقال عمر بن الخطاب: أمَّا الأول يا رسول اللّه فابني عبد اللّه، وأما الآخر فسالم، مولى أبي حذيفة.

 

قال ابن إسحاق: فحدثني حَكيم بن حكيم، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ثم دعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه، فقال: يا عليّ، اخرج إلى هؤلاء القوم، فانظر في أمرهم، واجعل، أمر الجاهلية تحتَ قدَميْك. فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول اللّه صلي الله عليه وسلم، فوَدَى لهم الدماءَ وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه ليَدِي لهم ميلَغَةَ الكَلْب، حتى إذا لم يَبقَ شىءٌ من دم ولا مال إلا ودَاه، بقيت معه بقيةٌ من المال، فقال لهم عليٌّ رضوان اللّه عليه حين فرغ منهم: هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يُودَ لكم؟ قالوا: لا. قال: فإنى أعطيكم هذه البقية من هذا المال، احتياطا لرسول اللّه صلي الله عليه وسلم، مما يعلم ولا تعلمون، ففعل. ثم رجع إلى رسول اللّه صلي الله عليه وسلم فأخبره الخبر: فقال: أصبْتَ وأحسنت! قال: ثم قام رسول اللّه صلي الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائما شاهراً يديه، حتى إنه ليُرى مما تحت مَنْكِبيه، يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالدُ بنً الوليد، ثلاثَ مَرَّات.

 

وقد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عَوْف، فيما بلغني، كلام في ذلك، فقال له عبد الرحمن بن عَوْف: عملتَ بأمر الجاهلية في الِإسلام. فقال: إنما ثارتٌ بأبيك فقال عبد الرحمن: كذبتَ، قد قتلتُ قاتل أبي، ولكنك ثأرتَ بعمك الفاكه بن المغيرة، حتى كان بينهما شر. فبلغ ذلك رسول اللّه صلي الله عليه وسلم، فقال: مهلا يا خالد، دع عنك أصحابي، فواللّه لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل اللّه ما أدركت غَدْوَةَ رجل من أصحابي ولا رَوْحَته.

 

قال ابن إسحاق: وقد قال بعضُ من يَعذر خالداً إنه قال: ما قاتلت حتى أمرنى بذلك عبدُ اللّه بن حُذافة السَّهْمي، وقال: إن رسول اللّه صلي الله عليه وسلم، قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الِإسلام. قال ابن هشام: قال أبو عَمرو المدني: لما أتاهم خالد، قالوا: صَبَأنا صَبَأ

 

وروى البخاري شاهدًا على قصة النزاع بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد:

 

3673 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَاضِرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ

 

ورواه مسلم 2540 و2541 وأحمد 11079 و11516 و11517 و11518، وابن ماجه (161)، وابن حبان (7253)  و(7255)، والبيهقي في "السنن" 10/209، والبغوي في "شرح السنة" (3859)، والطيالسي (2183)، والبخاري (3673)، والترمذي (3861)، والنسائي في "الكبرى" (8308)، وابن أبي عاصم في "السنة" (989)

 

ويقول الواقدي بسياق واضح:

 

قَالَ: حَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ، قَالَ: لَمّا رَجَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ هَدْمِ الْعُزّى إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ مُقِيمٌ بِمَكّةَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى بَنِى جَذِيمَةَ وَبَعَثَهُ دَاعِيًا لَهُمْ إلَى الإِسْلامِ وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلاً، فَخَرَجَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَبَنِى سُلَيْمٍ؛ فَكَانُوا ثَلَثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلاً، فَانْتَهَى إلَيْهِمْ بِأَسْفَلَ مَكّةَ، فَقِيلَ لِبَنِى جَذِيمَةَ: هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، قَالُوا: وَنَحْنُ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ قَدْ صَلّيْنَا وَصَدّقْنَا بِمُحَمّدٍ وَبَنَيْنَا الْمَسَاجِدَ وَأَذّنّا فِيهَا، فَانْتَهَى إلَيْهِمْ خَالِدٌ فَقَالَ: الإِسْلامُ، قَالُوا: نَحْنُ مُسْلِمُونَ، قَالَ: فَمَا بَالُ السّلاحِ عَلَيْكُمْ؟ قَالُوا: إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ عَدَاوَةً فَخِفْنَا أَنْ تَكُونُوا هُمْ فَأَخَذْنَا السّلاحَ لأَنْ نَدْفَعَ عَنْ أَنْفُسِنَا مَنْ خَالَفَ دِينَ الإِسْلامِ، قَالَ: فَضَعُوا السّلاحَ، فَقَالَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ: جَحْدَمُ: يَا بَنِى جَذِيمَةَ إنّهُ وَاَللّهِ خَالِدٌ، وَمَا يَطْلُبُ مُحَمّدٌ مِنْ أَحَدٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُقِرّ بِالإِسْلامِ، وَنَحْنُ مُقِرّونَ بِالإِسْلامِ، وَهُوَ خَالِدٌ لا يُرِيدُ بِنَا مَا يُرَادُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَإِنّهُ مَا يَقْدِرُ مَعَ السّلاحِ إلاّ الإِسَارَ، ثُمّ بَعْدَ الإِسَارِ السّيْفُ، قَالُوا: نُذَكّرُك اللّهَ تَسُومَنَا، فَأَبَى يُلْقِى سَيْفَهُ حَتّى كَلّمُوهُ جَمِيعًا فَأَلْقَى سَيْفَهُ، وَقَالُوا: إنّا مُسْلِمُونَ وَالنّاسُ قَدْ أَسْلَمُوا، وَفَتَحَ مُحَمّدٌ مَكّةَ، فَمَا نَخَافُ مِنْ خَالِدٍ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاَللّهِ لَيَأْخُذَنكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الأَحْقَادِ الْقَدِيمَةِ، فَوَضَعَ الْقَوْمُ السّلاحَ، ثُمّ قَالَ لَهُمْ خَالِدٌ: اسْتَأْسِرُوا، فَقَالَ جَحْدَمٌ: يَا قَوْمُ مَا يُرِيدُ مِنْ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ يَسْتَأْسِرُونَ إنّمَا يُرِيدُ مَا يُرِيدُ فَقَدْ خَالَفْتُمُونِى وَعَصَيْتُمْ أَمْرِى، وَهُوَ وَاَللّهِ السّيْفُ، فَاسْتَأْسَرَ الْقَوْمُ فَأُمِرَ بَعْضُهُمْ يَكْتِفُ بَعْضًا، فَلَمّا كُتِفُوا دَفَعَ إلَى كُلّ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الرّجُلَ وَالرّجُلَيْنِ وَبَاتُوا فِى وَثَاقٍ فَكَانُوا إذَا جَاءَ وَقْتُ الصّلاةِ يُكَلّمُونَ الْمُسْلِمِينَ فَيُصَلّونَ ثُمّ يَرْبِطُونَ، فَلَمّا كَانَ فِى السّحَرِ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ فَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا نُرِيدُ بِأَسْرِهِمْ نَذْهَبُ بِهِمْ إلَى النّبِىّ ÷، وَقَائِلٌ يَقُولُ: نَنْظُرُ هَلْ يَسْمَعُونَ أَوْ يُطِيعُونَ وَنَبْلُوهُمْ وَنُخْبِرُهُمْ، وَالنّاسُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَلَمّا كَانَ فِى السّحَرِ نَادَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فَلْيُذَافّهِ - وَالْمُذَافّةُ الإِجْهَازُ عَلَيْهِ بِالسّيْفِ، فَأَمّا بَنُو سُلَيْمٍ فَقَتَلُوا كُلّ مَنْ كَانَ فِى أَيْدِيهِمْ، وَأَمّا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فَأَرْسَلُوا أُسَارَاهُمْ.

قَالَ: فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَانَ فِى يَدِى أَسِيرٌ فَأَرْسَلْته، وَقُلْت: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت وَكَانَ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ الأَنْصَارِ أُسَارَى فَأَرْسَلُوهُمْ.

قَالَ: وَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَأَرْسَلْت أَسِيرِى، وَمَا أُحِبّ أَنّى قَتَلْته وَأَنّ لِى مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ شَمْسٌ، أَوْ غَرَبَتْ وَأَرْسَلَ قَوْمِى مَعِى مِنْ الأَنْصَارِ أَسْرَاهُمْ.

قَالَ: حَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمّا نَادَى خَالِدٌ مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فَلْيُذَافّهِ أَرْسَلْت أَسِيرِى.

قَالَ: حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَشِيرٍ الْمَازِنِىّ يَقُولُ: كَانَ مَعِى أَسِيرٌ مِنْهُمْ، قَالَ: فَلَمّا نَادَى خَالِدٌ مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فَلْيُذَافّهِ، أَخْرَجْت سَيْفِى لأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ لِى الأَسِيرُ: يَا أَخَا الأَنْصَارِ، إنّ هَذَا لا يَفُوتُك، اُنْظُرْ إلَى قَوْمِك، قَالَ: فَنَظَرْت فَإِذَا الأَنْصَارُ طُرّا قَدْ أَرْسَلُوا أُسَارَاهُمْ، قَالَ: قُلْت: انْطَلِقْ حَيْثُ شِئْت، فَقَالَ: بَارَكَ اللّهُ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ رَحِمًا مِنْكُمْ قَدْ قَتَلُونَا بَنُو سُلَيْمٍ.

قَالَ: فَحَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَمّا نَادَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِى الأَسْرَى يُذَافّونَ وَثَبَتَ بَنُو سُلَيْمٍ عَلَى أَسْرَاهُمْ فَذَافّوهُمْ - وَأَمّا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فَأَرْسَلُوا أَسْرَاهُمْ - غَضِبَ خَالِدٌ عَلَى مَنْ أَرْسَلَ مِنْ الأَنْصَارِ، فَكَلّمَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِىّ، وَقَالَ: اتّقِ اللّهَ يَا خَالِدُ، وَاَللّهِ مَا كُنّا لِنَقْتُلَ قَوْمًا مُسْلِمِينَ، قَالَ: وَمَا يُدْرِيك؟ قَالَ: نَسْمَعُ إقْرَارَهُمْ بِالإِسْلامِ وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ بِسَاحَتِهِمْ.

قَالَ: حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إنّا فِى الْجَيْشِ وَقَدْ كُتّفَتْ بَنُو جَذِيمَةَ، أُمِرَ بَعْضُهُمْ فَكَتَفَ بَعْضًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَسْرَى: يَا فَتًى، فَقُلْت: مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِرُمّتِى هَذِهِ فَمُقَدّمِى إلَى النّسَيّاتِ ثُمّ رَادّى فَفَاعِلٍ بِى مَا فُعِلَ بِأَصْحَابِى؟ قَالَ: قَدْ سَأَلْت يَسِيرًا، قَالَ: وَأَخَذْت بِرُمّتِهِ فَانْتَهَيْت بِهِ إلَى النّسْوَةِ، فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِنّ كَلّمَ امْرَأَةً مِنْهُنّ بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، قَالَ: ثُمّ رَجَعْت بِهِ حَتّى رَدَدْته فِى الأَسْرَى، فَقَامَ بَعْضُهُمْ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَيُقَالُ: إنّ فَتًى مِنْ بَنِى جَذِيمَةَ أَدْرَكَهُ الْجَيْشُ عَشِيّةً فَنَادَى فِى الْقَوْمِ فَكَفّ عَنْهُ وَكَانَ الّذِينَ يَطْلُبُونَهُ بَنُو سُلَيْمٍ، وَكَانُوا عَلَيْهِ مُتَغَيّظِينَ فِى حُرُوبٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ بِبَرْزَةَ وَغَيْرِهَا، وَكَانَتْ بَنُو جَذِيمَةَ قَدْ أَصَابُوهُمْ بِبَرْزَةَ وَهُمْ مَوْتُورُونَ يُرِيدُونَ الْقَوَدَ مِنْهُمْ فَشَجُعُوا عَلَيْهِ فَلَمّا لَمْ يَرَ إلاّ أَنّهُمْ يَقْتُلُونَهُ شَدّ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلاً، ثُمّ شَدّ عَلَيْهِمْ ثَانِيَةً فَقَتَلَ مِنْهُمْ آخَرُ، ثُمّ جَاءَ الظّلامُ فَحَالَ بَيْنَهُمْ وَوَجَدَ الْفَتَى فُرْجَةً حَتّى إذَا كَانَ الْغَدَاةُ جَاءَ وَقَدْ قَتَلَ مِنْ الْقَوْمِ رَجُلَيْنِ وَالنّسَاءُ وَالذّرّيّةُ فِى يَدِ خَالِدٍ فَاسْتَأْمَنَ فَعَرَضَ فَرَسَهُ فَلَمّا نَظَرُوا إلَيْهِ قَالُوا: هَذَا الّذِى صَنَعَ بِالأَمْسِ مَا صَنَعَ فَنَاوَشُوهُ عَامّةَ النّهَارِ ثُمّ أَعْجَزَهُمْ وَكَرّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَنْزِلَ عَلَى أَنْ تُعْطُونِى عَهْدًا وَمِيثَاقًا لِتَصْنَعُنّ لِى مَا تَصْنَعُونَ بِالظّعُنِ إنْ استحييتموهن اسْتَحْيَيْت، وَإِنْ قَتَلْتُمُوهُنّ قَتَلْت؟ قَالُوا: لَك ذَلِكَ، فَنَزَلَ بِعَهْدِ اللّهِ وَمِيثَاقِهِ فَلَمّا نَزَلَ قَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: هَذَا صَاحِبُنَا الّذِى فَعَلَ بِالأَمْسِ مَا فَعَلَ، قَالُوا: انْطَلِقُوا بِهِ إلَى الأَسْرَى مِنْ الرّجَالِ فَإِنْ قَتَلَهُ خَالِدٌ فَهُوَ إمَامٌ وَنَحْنُ لَهُ تَبَعٌ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ كَانَ كَأَحَدِهِمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنّمَا جَعَلْنَا لَهُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الظّعُنِ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنّ خَالِدًا لا يَقْتُلُ الظّعُنَ إمّا يَقْسِمُهُنّ، وَإِمّا يَعْفُو عَنْهُنّ، قَالَ الْفَتَى: فَإِذَا فَعَلْتُمْ بِى مَا فَعَلْتُمْ فَانْطَلِقُوا بِى إلَى نُسَيّاتٍ هُنَاكَ ثُمّ اصْنَعُوا بِى مَا بَدَا لَكُمْ، قَالَ: فَفَعَلُوا، وَهُوَ مَكْتُوفٌ بِرُمّةٍ حَتّى وَقَفَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْهُنّ فَأَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ، وَقَالَ أَسْلِمِى: حُبَيْشٌ عَلَى نَفَدِ الْعَيْشِ لا ذَنْبَ لِى قَدْ قُلْت شِعْرًا:

 

أَثِيبِى بِوُدّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النّوَى
أَلَمْ يَكُ حَقّا أَنْ يُنَوّلَ عَاشِقٌ
أَلَمْ أَكُ قَدْ طَالَبْتُكُمْ فَلَقِيتُكُمْ
فَإِنّى لا ضَيّعْت سِرّ أَمَانَةٍ
سِوَى أَنّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِـــلٌ

 

 

وَيَنْأَى الأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ
 تَكَلّفَ إدْلاجَ السّرَى وَالْوَدَائِقِ
بِحَلْيَةَ أَوْ أَدْرَكْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ
وَلا رَاقٍ عَيْنِى بَعْدَك الْيَوْمَ رَائِقُ
لَنَا عَنْك إلاّ أَنْ يَكُونَ التّوَاثُـــقُ

أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ قُسَيْطٍ وَابْنُ أَبِى الزّنَادِ.

قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى حُرّةَ، عَنْ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِىّ، قَالَ: أَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ أَنْ ضَرَبْت عُنُقَهُ، يَقُولُ: ثُمّ وَضَعَتْ فَاهَا عَلَى فِيهِ فَالْتَقَمَتْهُ فَلَمْ تَزَلْ تُقَبّلُهُ حَتّى مَاتَتْ.

 

معاني كلمات: على نفد من العيش: يريد على تمام ونهاية حياته، تشحط: تبعد، الإدلاج: سير الليل كله، الودائق: جمع وديقة وهي شدة الحر، حلية: وادٍ بتهامة، الخوانق: بلد في ديار فهم

 

قَالَ: حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا قَدِمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى النّبِىّ ÷ عَابَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى خَالِدٍ مَا صَنَعَ قَالَ: يَا خَالِدُ أَخَذْت بِأَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ قَتَلْتهمْ بِعَمّك الْفَاكِهِ قَاتَلَك اللّهُ، قَالَ: وَأَعَانَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ عَلَى خَالِدٍ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَخَذْتهمْ بِقَتْلِ أَبِيك، فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: كَذَبْت وَاَللّهِ لَقَدْ قَتَلْت قَاتِلَ أَبِى بِيَدِى وَأَشْهَدْت عَلَى قَتْلِهِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، ثُمّ الْتَفَتَ إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَنْشُدُك اللّهَ هَلْ عَلِمْت أَنّى قَتَلْت قَاتِلَ أَبِى؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: اللّهُمّ نَعَمْ، ثُمّ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: وَيْحَك يَا خَالِدُ، وَلَوْ لَمْ أَقْتُلْ قَاتِلَ أَبِى كُنْت تَقْتُلُ قَوْمًا مُسْلِمِينَ بِأَبِى فِى الْجَاهِلِيّةِ؟ قَالَ خَالِدٌ: وَمَنْ أَخْبَرَك أَنّهُمْ أَسْلَمُوا؟ فَقَالَ: أَهْلُ السّرِيّةِ كُلّهُمْ يُخْبِرُونَنَا أَنّك وَجَدْتهمْ قَدْ بَنَوْا الْمَسَاجِدَ وَأَقَرّوا بِالإِسْلامِ، ثُمّ حَمَلْتهمْ عَلَى السّيْفِ، قَالَ: جَاءَنِى رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ ÷ أَنْ أُغِيرَ عَلَيْهِمْ فَأَغَرْت بِأَمْرِ النّبِىّ ÷، فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: كَذَبْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَغَالَظَ عَبْدُ الرّحْمَنِ وَأَعْرَضَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَنْ خَالِدٍ وَغَضِبَ عَلَيْهِ، وَبَلَغَهُ مَا صَنَعَ بِعَبْدِ الرّحْمَنِ، فَقَالَ: “يَا خَالِدُ ذَرُوا لِى أَصْحَابِى مَتَى يُنْكَ أَنْفُ الْمَرْءِ يُنْكَ لَوْ كَانَ أُحُدٌ ذَهَبًا تُنْفِقُهُ قِيرَاطًا قِيرَاطًا فِى سَبِيلِ اللّهِ لَمْ تُدْرِكْ غَدْوَةً أَوْ رَوْحَةً مِنْ غَدَوَاتِ أَوْ رَوْحَاتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ” .

قَالَ: حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِخَالِدٍ: وَيْحَك يَا خَالِدُ، أَخَذْت بَنِى جَذِيمَةَ بِاَلّذِى كَانَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ، أَوَ لَيْسَ الإِسْلامُ قَدْ مَحَا مَا كَانَ قَبْلَهُ فِى الْجَاهِلِيّةِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا حَفْصٍ، وَاَللّهِ مَا أَخَذْتهمْ إلاّ بِالْحَقّ أَغَرْت عَلَى قَوْمٍ مُشْرِكِينَ وَامْتَنَعُوا، فَلَمْ يَكُنْ لِى بُدّ - إذْ امْتَنَعُوا - مِنْ قِتَالِهِمْ فَأَسَرْتهمْ ثُمّ حَمَلْتهمْ عَلَى السّيْفِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَىّ رَجُلٍ تَعْلَمُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: أَعْلَمُهُ وَاَللّهِ رَجُلاً صَالِحًا، قَالَ: فَهُوَ أَخْبَرَنِى غَيْرَ الّذِى أَخْبَرْتنِى، وَكَانَ مَعَك فِى ذَلِكَ الْجَيْشِ، قَالَ خَالِدٌ: فَإِنّى أَسَتَغْفِرُ اللّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ، قَالَ: فَانْكَسَرَ عَنْهُ عُمَرُ وَقَالَ: وَيْحَك، رأيتِ رَسُولَ اللّهِ يَسْتَغْفِرْ لَك.

قَالَ: حَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْن أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَهْلِهِ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ، وَكَانَ فِى الْقَوْمِ، قَالَ: لَمّا نَادَى خَالِدٌ فِى السّحَرِ مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فَلْيُذَافّهِ أَرْسَلْت أَسِيرِى وَقُلْت لِخَالِدٍ: اتّقِ اللّهَ، فَإِنّك مَيّتٌ وَإِنّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، إنّهُ لا عِلْمَ لَك بِهَؤُلاءِ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَإِنّمَا يُكَلّمُنِى خَالِدٌ عَلَى مَا فِى نَفْسِهِ مِنْ التّرَةِ عَلَيْهِمْ، قَالُوا: فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتّى رُئِىَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ، وَيَقُولُ: “اللّهُمّ إنّى أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِد”، وَقَدِمَ خَالِدٌ وَالنّبِىّ ÷ عَاتِبٌ.

قَالَ: حَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَالِدٍ كَلامٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَمَشَى خَالِدٌ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ إلَى عَبْدِ الرّحْمَنِ فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ حَتّى رَضِىَ عَنْهُ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِى يَا أَبَا مُحَمّدٍ، قَالُوا: وَدَخَلَ عَمّارٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدْ حَمَشَ قَوْمًا قَدْ صَلّوْا وَأَسْلَمُوا. ثُمّ وَقَعَ بِخَالِدٍ عِنْدَ النّبِىّ ÷ وَخَالِدٌ جَالِسٌ لا يَتَكَلّمُ فَلَمّا قَامَ عَمّارٌ وَقَعَ بِهِ خَالِدٌ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “مَهْ يَا خَالِدُ لا تَقَعْ بِأَبِى الْيَقْظَانِ فَإِنّهُ مَنْ يُعَادِهِ يُعَادِهِ اللّهُ، وَمَنْ يُبْغِضْهُ يُبْغِضْهُ اللّهُ، وَمَنْ يُسَفّهْهُ يُسَفّهْهُ اللّهُ”.

قَالُوا: فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَكّةَ اسْتَقْرَضَ مَالاً بِمَكّةَ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلامُ فَأَعْطَاهُ مَالاً، فَقَالَ: “انْطَلِقْ إلَى بَنِى جَذِيمَةَ وَاجْعَلْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ تَحْتَ قَدَمَيْك، فَدِ لَهُمْ مَا أَصَابَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ”، فَخَرَجَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ بِذَلِكَ الْمَالِ حَتّى جَاءَهُمْ فَوَدَى لَهُمْ مَا أَصَابَ خَالِدٌ، وَدَفَعَ إلَيْهِمْ مَالَهُمْ وَبَقِىَ لَهُمْ بَقِيّةُ الْمَالِ، فَبَعَثَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ أَبَا رَافِعٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ لِيَسْتَزِيدَهُ فَزَادَهُ مَالاً، فَوَدَى لَهُمْ كُلّ مَا أَصَابَ حَتّى إنّهُ لَيَدِى لَهُمْ مِيلَغَةَ الْكَلْبِ حَتّى إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ يَطْلُبُونَهُ بَقِىَ مَعَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ بَقِيّةٌ مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: هَذِهِ الْبَقِيّةُ مِنْ هَذَا الْمَالِ لَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِمّا أَصَابَ خَالِدٌ مِمّا لا يَعْلَمُهُ وَلا تَعْلَمُونَهُ، فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ الْمَالَ، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ.

وَيُقَالُ: إنّمَا الْمَالُ الّذِى بَعَثَ بِهِ مَعَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ كَانَ اسْتَقْرَضَهُ النّبِىّ ÷ مِنْ ابْنِ أَبِى رَبِيعَةَ، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ، وَحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، فَبَعَثَ مَعَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ فَلَمّا رَجَعَ عَلِىّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “مَا صَنَعْت يَا عَلِىّ”؟ فَأَخْبَرَهُ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ مُسْلِمِينَ قَدْ بَنَوْا الْمَسَاجِدَ بِسَاحَتِهِمْ فَوَدَيْت لَهُمْ كُلّ مَنْ قَتَلَ خَالِدٌ حَتّى مِيلَغَةَ الْكِلابِ ثُمّ بَقِىَ مَعِى بَقِيّةٌ مِنْ الْمَالِ فَقُلْت: هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِمّا لا يَعْلَمُهُ وَلا تَعْلَمُونَهُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَصَبْت مَا أَمَرْت خَالِدًا بِالْقَتْلِ، إنّمَا أَمَرْته بِالدّعَاءِ”، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لا يُقْبِلُ عَلَى خَالِدٍ وَيَعْرِضُ عَنْهُ وَخَالِدٌ يَتَعَرّضُ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ وَيَحْلِفُ مَا قَتَلَهُمْ عَلَى تِرَةٍ وَلا عَدَاوَةٍ، فَلَمّا قَدِمَ عَلِىّ وَوَدَاهُمْ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى خَالِدٍ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِهِ حَتّى تُوُفّىَ رَسُولُ اللّهِ ÷.

قَالَ: حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمّدٍ الأَخْنَسِىّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا تَسُبّوا خَالِدَ ابْنَ الْوَلِيدِ، فَإِنّمَا هُوَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ سَلّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ”.

قَالَ: وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ، عَنْ النّبِىّ ÷، قَالَ: “نِعْمَ عَبْدُ اللّهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَخُو الْعَشِيرَةِ وَسَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ سَلّهُ عَلَى الْكُفّارِ وَالْمُنَافِقِين”.

 

ثم يعود الواقدي ليناقص القصة الحقيقية المذكورة عنده وعند البخاري وابن إسحاق، فيقول مبررًا لخالد ولتاريخ الإسلام الدموي:

 

قَالَ: وَحَدّثَنِى يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمّدٍ الأَخْنَسِىّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يُغِيرَ عَلَى بَنِى كِنَانَةَ، إلاّ أَنْ يَسْمَعَ أَذَانًا أَوْ يَعْلَمَ إسْلامًا، فَخَرَجَ حَتّى انْتَهَى إلَى بَنِى جَذِيمَةَ فَامْتَنَعُوا أَشَدّ الامْتِنَاعِ، وَقَاتَلُوا وَتَلَبّسُوا السّلاحَ فَانْتَظَرَ بِهِمْ صَلاةَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لا يَسْمَعُ أَذَانًا، ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ فَادّعَوْا بَعْدُ الإِسْلامَ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَا عَتَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى ذَلِكَ عَلَى خَالِدٍ، وَلَقَدْ كَانَ الْمُقَدّمَ حَتّى مَاتَ.

وَلَقَدْ خَرَجَ مَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُنَيْنٍ عَلَى مُقَدّمَتِهِ. وَإِلَى تَبُوكَ، وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أُكَيْدِرٍ وَدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ. فَسَبَى مَنْ سَبَى ثُمّ صَالَحَهُمْ وَلَقَدْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى بَلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ إلَى نَجْرَانَ أَمِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللّهِ وَلَقَدْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى حَجّةِ الْوَدَاعِ، فَلَمّا حَلَقَ رَسُولُ اللّهِ ÷ رَأْسَهُ أَعْطَاهُ نَاصِيَتَهُ فَكَانَتْ فِى مُقَدّمِ قَلَنْسُوَتِهِ فَكَانَ لا يَلْقَى أَحَدًا إلاّ هَزَمَهُ اللّهُ تَعَالَى

 

وهذا الادعاء مكذوب وبعضه عند ابن إسحاق وزعم الأخير أن صحابيًا ذكّره بأمر مزعوم من محمد: قال ابن إسحاق: وقد قال بعضُ من يَعذر خالداً إنه قال: ما قاتلت حتى أمرنى بذلك عبدُ اللّه بن حُذافة السَّهْمي، وقال: إن رسول اللّه صلي الله عليه وسلم، قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الِإسلام.

 

وحقيقة الأمر أن محمدًا ليس فقط عتب عليه، بل في الصحيح أنه تبرأ من فعلته!

 

ووردت القصة عينها في المعجم الكبير للطبراني17/ 467 :

 

467 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ( ح )

 وحدثنا محمد بن الفضل السقطي ثنا حامد بن يحيى قالا ثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق سمع ابن عصام المزني يحدث عن أبيه وكانت له صحبة قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم : ( إذا رأيتم مسجدًا أو سمعتم مؤذنًا فلا تقتلوا أحدًا ) فبعثنا النبي صلى الله عليه و سلم في سرية وأمرنا بذلك فخرجنا نسير بأرض تهامة فأدركنا رجل يسوق ظعائن فعرضنا عليه الإسلام فقلنا أمسلم أنت؟ قال: وما الاسلام؟ فأخبرناه فإذا هو لا يعرفه قال: فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ فقلنا نقتلك. قال: فهل أنتم منتظري حتى أدرك الظعائن؟ فقلنا نعم ونحن مدركوه فخرج فإذا امرأة في هودجها فقال : اسلمي حبيش قبل انقطاع العيش فقالت اسلم عشرًا أو تسعًا تترًا ثم قال :

 ( أتذكر إذا ما طلبتكم فوجدتكم ... بحيلة أو أدركتكم بالخرانق )

 ( فلم يك حقًا أن ينول عاشق ... تطف إدلاج السرى والودائق )

 ( فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معًا ... أتتني بود قبل احدى المضائق )

 ( أتتني بود قبل أن يشحط النوى ... وما الأمير طلب المفارق )

 ثم أتانا فقال : شأنكم فقربناه فضربنا عنقه و نزلت الأخرى من هودجها فجثت عليه حتى ماتت.

 

وله شاهد من أحمد15714 والترمذي1589 وأبو داوود1618 وسعيد بن منصور2385 والحميدي 820 حيث أخرجوا أوله فقط، وفي الحديث نفس المزاعم من أن خالدًا لم يسمع أذانًا كما أخبره محمد أن يتسمع،عكس الخبر أنهم أسلموا، وفيه وأنهم دعوا الفتى العاشق للإسلام فقال أنه لم يسمع به من الأصل وهو أمر غير ممكن مع الخبر عن شيوع الإسلام في قومه، وهو حديث ظاهر التلفيق والوضع وعلى طريقتهم إسناده ضعيف كذلك.

 

والآن لنحلل كل هذا الكلام ونعلق عليه، كان لخالد ثأر لمقتل أبيه على يد بعض رجال بني جذيمة قبل عصر الإسلام في حادث سرقة وقطع طريق أثناء قيامه بمهمة نبيلة لتسليم إرث ورثة رجل مات، وكذلك كما يقول الواقدي كان بين بني سليم وبين بني جذيمة حرب قبل الإسلام، لذلك فلاكهما استغلا التذرع بالجهاد الإسلامي لإجبار الوثنيين على الإسلام وإفناء من لا يتبعه منهم، رغم معرفتهم باتباع بني جذيمة للإسلام، وكما نرى منذ عصر محمد وقد تأسّس دين يعتبر وباء فكريًّا وشمولية إرهابية يسهل استغلالها لتصفية الحسابات والثارات، فما الذي نتوقعه من ديانة وخرافة تدعو لإجبار المؤمنين بتعدد الآلهة على الإسلام والعدوان عليهم، متبعة نهج التكفير وتبرير الأعمال البشعة المنحطة باسم إله مزعوم بصورة متهوسة؟! ومنذ عصر محمد سُفِكَت الدماء الإسلامية بأيدي وسيوف إسلامية، وهو برهان أبصره محمد منذ عهده على الثمرة السامة للمنظومة الفكرية التي أنشأها. وبعد، تقول بعض النصوص والروايات أنهم تعجلوا بأن قالوا صبأنا، القواميس العربية تزعم أن الكلمة من معانيها الخروج من دين إلى آخر، وبرأيي هذه أكذوبة وليس هذا من معاني الكلمة فليذكروا لنا شعرًا قديمًا ورد فيه هذا المعنى للكلمة، بل هذا وصف وصف به الوثنيون المسلمين لأنهم يتوضؤون نفس وضوء أتباع دين الصابئة مقتبَسًا منه. وبعد فلماذا مع خالد بالذات تبرر كتب التاريخ جرائم خالد المخالفة حتى للإسلام بدعوى التباس لغوي ما لكلمة لها معنيان وأكثر من مرة عند كل حدث، ألا يبدو الأمر أكثر من صدفة؟!

 

ويحكي الطبري بعد موت محمد، عندما أرسل أبو بكر خالدًا ليحارب المسلمين الذين امتنعوا عن دفع الزكاة للسلطة في يثرب المدينة، وآثروا اقتصار جمعها وتوزيعها على النطاقات المحلية القبلية:

 

....قدم خالد ابن الْوَلِيدِ الْبِطَاحَ فَلَمْ يَجِدْ عَلَيْهِ أَحْدًا، وَوَجَدَ مَالِكًا قَدْ فَرَّقَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الاجْتِمَاعِ حِينَ تَرَدَّدَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَقَالَ: يَا بَنِي يَرْبُوعٍ، إِنَّا قَدْ كُنَّا عَصَيْنَا أُمَرَاءَنَا إِذْ دَعَوْنَا إِلَى هَذَا الدِّينِ، وَبَطَّأْنَا النَّاسَ عنه فَلَمْ نُفْلِحْ وَلَمْ نَنْجَحْ، وَإِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي هَذَا الأَمْرِ، فَوَجَدْتُ الأَمْرَ يَتَأَتَّى لَهُمْ بِغَيْرِ سِيَاسَةٍ، وَإِذَا الأَمْرُ لا يَسُوسُهُ النَّاسُ، فَإِيَّاكُمْ وَمُنَاوَأَةَ قَوْمٍ صُنِعَ لَهُمْ، فَتَفَرَّقُوا إِلَى دِيَارِكُمْ وَادْخُلُوا فِي هَذَا الأَمْرِ فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَمْوَالِهِمْ، وَخَرَجَ مَالِكٌ حَتَّى رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ الْبِطَاحَ بَثَّ السَّرَايَا وَأَمَرَهُمْ بِدَاعِيَةِ الإِسْلامِ أَنْ يَأْتُوهُ بِكُلِّ مَنْ لَمْ يُجِبْ، وَإِنِ امْتَنَعَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَكَانَ مِمَّا أَوْصَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا نَزَلْتُمْ مَنْزِلا فَأَذِّنُوا وَأَقِيمُوا، فَإِنْ أَذَّنَ الْقَوْمُ وَأَقَامُوا فَكُفُّوا عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَلا شيء الا الغارة، ثم اقتلوهم كُلَّ قِتْلَةٍ، الْحَرْقَ فَمَا سِوَاهُ، وَإِنْ أَجَابُوكُمْ إِلَى دَاعِيَةِ الإِسْلامِ فَسَائِلُوهُمْ، فَإِنْ أَقَرُّوا بِالزَّكَاةِ فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْهَا فَلا شَيْءٌ إِلا الْغَارَةُ وَلا كَلِمَةٌ فَجَاءَتْهُ الْخَيْلُ بِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ فِي نَفَرٍ مَعَهُ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ، مِنْ عَاصِمٍ وَعُبَيْدٍ وَعُرَيْنٍ وَجَعْفَرٍ، فَاخْتَلَفَتِ السَّرِيَّةُ فِيهِمْ، وَفِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، فَكَانَ فِيمَنْ شَهِدَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذَّنُوا وَأَقَامُوا وَصَلَّوْا فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِمْ أَمَرَ بِهِمْ فَحُبِسُوا فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ لا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، وَجَعَلَتْ تَزْدَادُ بَرْدًا، فَأَمَرَ خَالِدٌ مُنَادِيًا فَنَادَى: ادفئوا اسراكم، وكانت في لغة كنانه إذا قَالُوا: دَثِّرُوا الرَّجُلَ فَأَدْفِئُوهُ، دِفْئُهُ قَتْلُهُ وَفِي لُغَةِ غَيْرِهِمْ: أَدْفِهِ فَاقْتُلْهُ، فَظَنَّ الْقَوْمُ- وَهِيَ فِي لُغَتِهِمِ الْقَتْلُ- أَنَّهُ أَرَادَ الْقَتْلَ، فَقَتَلُوهُمْ، فَقَتَلَ ضِرَارُ بْنُ الأَزْوَرِ مَالِكًا، وَسِمَع خَالِدٌ الْوَاعِيَةَ، فَخَرَجَ وَقَدْ فَرَغُوا مِنْهُمْ، فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا أَصَابَهُ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَوْمُ فِيهِمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هَذَا عَمَلُكَ، فَزَبَرَهُ خَالِدٌ فَغَضِبَ وَمَضَى، حَتَّى أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَغَضِبَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، حَتَّى كَلَّمَهُ عُمَرُ فِيهِ، فَلَمْ يَرْضَ إِلا أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ حَتَّى قَدِمَ مَعَهُ الْمَدِينَةَ، وَتَزَوَّجَ خَالِدٌ أُمَّ تَمِيمِ ابْنَةَ الْمِنْهَالِ، وَتَرَكَهَا لِيَنْقَضِيَ طُهْرُهَا، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَكْرَهُ النِّسَاءَ فِي الْحَرْبِ وَتُعَايِرُهُ، وَقَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ إِنَّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَقًّا، حَقَّ عَلَيْهِ أَنْ تُقِيدَهُ، وَأَكَثَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ- وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لا يُقِيدُ مِنْ عُمَّالِهِ وَلا وَزَعَتِهِ- فَقَالَ: هَيْهٍ يَا عُمَرُ! تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ، فَارْفَعْ لِسَانَكَ عَنْ خَالِدٍ وَوَدي مَالِكًا وَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، فَعَذَرَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ، وَعَنَّفَهُ فِي التَّزْوِيجِ الَّذِي كَانَتْ تَعِيبُ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ ذَلِكَ وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدَ قَوْمٌ مِنَ السَّرِيَّةِ أَنَّهُمْ أَذَّنُوا وَأَقَامُوا وَصَلَّوْا، فَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ.

وَشَهِدَ آخَرُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقُتِلُوا وَقَدِمَ أَخُوهُ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ يُنْشِدُ أَبَا بَكْرٍ دَمَهُ، وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ فِي سَبْيِهِمْ، فَكَتَبَ لَهُ بِرَدِّ السَّبْيِ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي خَالِدٍ أَنْ يَعْزِلَهُ، وَقَالَ: إِنَّ فِي سَيْفِهِ رَهَقًا فَقَالَ: لا يَا عُمَرُ، لَمْ أَكُنْ لأُشِيمَ سَيْفًا سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ.

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ خُزَيْمَةَ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ سُوَيْدٍ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ شَعْرًا، وَإِنَّ أَهْلَ الْعَسْكَرِ أَثَفُّوا بِرُءُوسِهِمْ الْقُدُورَ، فَمَا مِنْهُمْ رَأْسٌ إِلا وَصَلَتِ النَّارُ إِلَى بَشْرَتِهِ مَا خَلا مَالِكًا، فَإِنَّ الْقِدْرَ نَضَجَتْ وَمَا نَضَجَ رَأْسُهُ مِنْ كَثْرَةِ شَعْرِهِ، وَقَى الشَّعْرُ الْبَشْرَةَ حَرَّهَا أَنْ يَبْلُغَ مِنْهُ ذَلِكَ.

وَأَنْشَدَهُ مُتَمِّمٌ، وَذَكَرَ خَمْصَهُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَآهُ مَقْدَمَهُ عَلَى النبي ص، فَقَالَ: أَكَذَاكَ يَا مُتَمِّمُ كَانَ! قَالَ: أَمَّا ما أَعْنِي فَنَعَمْ.

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مِنْ عَهْدِهِ إِلَى جُيُوشِهِ: أَنْ إِذَا غَشِيتُمْ دَارًا مِنْ دُورِ النَّاسِ فَسَمِعْتُمْ فِيهَا أَذَانًا لِلصَّلاةِ، فَأَمْسِكُوا عَنْ أَهْلِهَا حَتَّى تَسْأَلُوهُمْ مَا الَّذِي نَقَمُوا! وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا أَذَانًا، فَشِنُّوا الْغَارَةَ، فَاقْتُلُوا، وَحَرِّقُوا وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ لِمَالِكٍ بِالإِسْلامِ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، وَقَدْ كَانَ عَاهَدَ اللَّهَ أَلا يَشْهَدَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حَرْبًا أَبَدًا بَعْدَهَا، وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُمْ لَمَّا غَشُوا الْقَوْمَ رَاعُوهُمْ تَحْتَ اللَّيْلِ، فَأَخَذَ الْقَوْمُ السِّلاحَ قَالَ: فَقُلْنَا: إِنَّا الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: وَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، قُلْنَا: فَمَا بَالُ السِّلاحُ مَعَكُمْ! قَالُوا لَنَا: فَمَا بَالُ السِّلاحُ مَعَكُمْ! قُلْنَا: فَإِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ فَضَعُوا السِّلاحَ، قَالَ: فَوَضَعُوهَا، ثُمَّ صَلَّيْنَا وَصَلُوا وَكَانَ خَالِدٌ يَعْتَذِرُ فِي قَتْلِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ وَهُوَ يُرَاجِعُهُ: مَا أَخَالُ صَاحِبَكُمْ إِلا وَقَدْ كَانَ يقول كذا وكذا قال: او ما تَعُدُّهُ لَكَ صَاحِبًا! ثُمَّ قَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَأَعْنَاقَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ قَتْلَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، تَكَلَّمَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ فَأَكْثَرَ، وقال: عدو الله عدا عَلَى امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ نَزَا عَلَى امْرَأَتِهِ! وَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَافِلا حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَلَيْهِ قِبَاءٌ لَهُ عَلَيْهِ صَدَأُ الْحَدِيدِ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ لَهُ، قَدْ غَرَزَ فِي عِمَامَتِهِ أَسْهُمًا، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَانْتَزَعَ الأَسْهُمَ مِنْ رَأْسِهِ فَحَطَّمَهَا، ثم قال:

ارثاء! قتلت امْرَأً مُسْلِمًا، ثُمَّ نَزَوْتَ عَلَى امْرَأَتِهِ! وَاللَّهِ لأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ- وَلا يُكَلِّمُهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَلا يَظُنُّ إِلا أَنَّ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مِثْلِ رَأْيِ عُمَرَ فِيهِ- حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَعَذَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَتَجَاوَزَ عَنْهُ مَا كَانَ فِي حَرْبِهِ تِلْكَ قَالَ: فَخَرَجَ خَالِدٌ حِينَ رَضِيَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: هَلُمَّ الى يا بن أُمِّ شَمْلَةَ! قَالَ: فَعَرَفَ عُمَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ رَضِيَ عَنْهُ فَلَمْ يُكَلِّمْهُ، وَدَخَلَ بَيْتَهُ.

 

وكما نرى من سيقرأ تاريخ الإسلام بعد موت محمد، فسيعلم مدى وحشية ما أسسه محمد وسار أتباعه على خطاه فيه، كما نرى فإنها قصص مقززة عن سفك الدم والدموية لدرجة وضع رؤوس الناس بدل حجارة الأثافي تحت مواقد النار بعد قتلهم، وقد سفك المسلمون دماء بعضهم، وسبى بعضهم نساء بعض، وتزوج أو بالأحرى اغتصب خالد زوجة مالك بن نويرة وهو رجل مسلم بعدما قتله. ثم يقولون لك أنه عصر ذهبي يلبس فيه الصالحون ثيابًا بيضاء....سذاجة وبلاهة لقوم لا يقرؤون ولا يفقهون!

 

وبعد، فحسب الإسلام فإن عدم إسلام المؤمن بتعدد الآلهة أي الوثني أو المشرك مبرر لقتله، محاسبة الناس وسلب أرواحها على أساس ما تعتقده، هل أنتم مقتنعون بهذا، هل يصلح هذا لبناء أي أمم متحضرة في القرن الحادي والعشرين. الغرب شهد نور العلم والحرية والعلمانية، أما العرب والمشرق فغائص بتلك البركة النتنة.

 

وبعد فبالإضافة إلى هذه الجريمة فخالد متورط في غزوة حنين بقتل امرأة، والإسلام ومحمد ينهى عن ذلك، ومحمد لم يقم بمحاكمة خالد على جرائم الحرب التي قام بها، حتى بتوصيف الإسلام نفسه، لذا لما وجدنا منه إيثاره الإبقاء على قائده العسكري الناجح الماهر ليهبه انتصارات وتوسع، ولم يبالِ قط بفكرة العدالة، علمنا أن هذا ليس بنبي أو رجل صالح مكلف من إله مزعوم كما يدعي. وملاحظة أخيرة من خلال القصة في الواقدي فإن الشاب الذي قاومهم بشدة وأعجزهم استسلم كتعبير عن حسن النية وكونه مسلمًا، وأعطوه الأمان، ثم نقضوا العهد وقتلوه، صدق الباحث الذي قال في سلسلة مقالات بالإنجليزية في نقد التاريخ الإسلامي وحروبه الإجرامية بعنوان History of Jihad across the world عن تاريخ الإسلام أنه تاريخ من الغدر والخيانات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غزو محمدٍ حُنَيْنًا وأوطاس فِى شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ

وغزوة الطّائِفَ وحصارها فِى شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ

 

ينبغي أن نفهم أولًا طبيعة مشروع محمد الديني والسلطوي، محمد خطط لإنشاء دين للعرب والشرق يجمع منظومة من أفكار عدة أديان، ويحكم العرب قبيلته قريش، وهو ما نرى أنه نجح لفترة طويلة جدًّا: الخلافة المسماة الراشدة، ثم الأمويون، ثم العباسيون، بناء على فكرة الحق المقدّس لنسبهم فقط للحكم. كانت خطته استقرت على أن يضم قريش لدينه وجيشه، ثم يتوجه لهوازن وقيس عيلان عمومًا، ذكرنا أن محمدًا قام بإرسال عدة سرايا للإغارة والنهب ضد هوازن في غزوات محمد بن مسلمة إلى القرطاء وعمر بن الخطاب إلى تربة وشجاع بن وهب إلى السي ويحتمل غزوة أبي بكر سنةسبع إلى نجد، قد نرى هذا في ظل الإكراه الديني والعنف الإسلامي ضد الوثنيين، لكن هناك وجهة نظر أخرى وهو أن هذه الغزوات الصغيرة (السرايا) وغزوة حنين والطائف ينبغي أن تفهم كسياسة قرشية اتبعها محمد لكسر منافسي قريش، وكسر قوة من أكبر القوى الوثنية. فقد كانت هناك حربان كبيرتان قبل الإسلام بين قريش وقيس عيلان هما حربا الفِجَار الأولى والثانية، وكانت شديدة لدرجة حدوثها في الأشهر المحرَّم فيها القتال عند عرب شبه الجزيرة وهي أشهر الحج، وقصتها مذكورة في السيرة لابن هشام والكامل في التاريخ لابن الأثير وغيرهما، ولنذكرها من هذا الأخير:

 

[ذِكْرُ الْفِجَارِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي]

 

أَمَّا الْفِجَارُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَثِيرُ أَمْرٍ لِيُذْكَرَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِئَلَّا يُرَى ذِكْرُ الْفِجَارِ الثَّانِي وَمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ فَيُظَنُّ أَنَّ الْأَوَّلَ مِثْلُهُ وَقَدْ أَهْمَلْنَاهُ، فَلِهَذَا ذَكَرْنَاهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ الْفِجَارُ الْأَوَّلُ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَمَنْ مَعَهَا مِنْ كِنَانَةَ كُلِّهَا وَبَيْنَ قَيْسِ عَيْلَانَ. وَسَبَبُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِنَانَةَ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، فَأُعْدِمَ الْكِنَانِيُّ، فَوَافَى النَّصْرِيُّ سُوقَ عُكَاظَ بِقِرْدٍ وَقَالَ: مَنْ يَبِيعُنِي مِثْلَ هَذَا بِمَا لِي عَلَى فُلَانٍ الْكِنَانِيِّ؟ فَعَلَ ذَلِكَ تَعْيِيرًا لِلْكِنَانِيِّ وَقَوْمِهِ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ فَضَرَبَ الْقِرْدَ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ أَنَفَةً مِمَّا قَالَ النَّصْرِيُّ، فَصَرَخَ النَّصْرِيُّ فِي قَيْسٍ، وَصَرَخَ الْكِنَانِيُّ فِي كِنَانَةَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَتَحَاوَرُوا حَتَّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَهُمُ الْقِتَالُ ثُمَّ اصْطَلَحُوا.

وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُهُ أَنَّ فِتْيَةً مِنْ قُرَيْشٍ قَعَدُوا إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَهِيَ وَضِيئَةٌ عَلَيْهَا بُرْقُعٌ، فَقَالُوا لَهَا: اسْفِرِي لِنَنْظُرَ إِلَى وَجْهِكِ، فَلَمْ تَفْعَلْ. فَقَامَ غُلَامٌ مِنْهُمْ فَشَكَّ ذَيْلَ دِرْعِهَا إِلَى ظَهْرِهَا وَلَمْ تَشْعُرْ، فَلَمَّا قَامَتِ انْكَشَفَتْ دُبُرُهَا، فَضَحِكُوا وَقَالُوا: مَنَعْتِنَا النَّظَرَ إِلَى وَجْهِكِ فَقَدْ نَظَرْنَا إِلَى دُبُرِكِ. فَصَاحَتِ الْمَرْأَةُ: يَا بَنِي عَامِرٍ فُضِحْتُ! فَأَتَاهَا النَّاسُ وَاشْتَجَرُوا حَتَّى كَادَ يَكُونُ قِتَالٌ، ثُمَّ رَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ يَسِيرٌ فَاصْطَلَحُوا. وَقِيلَ: بَلْ قَعَدَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَعْشَرِ بْنُ مِكْرِزٍ، وَكَانَ عَازِمًا مَنِيعًا فِي نَفْسِهِ، وَكَانَ بِسُوقِ عُكَاظَ، فَمَدَّ رِجْلَهُ ثُمَّ قَالَ: نَحْنُ بَنُو مُدْرِكَةَ بْنِ خِنْدِفْ مَنْ يَطْعَنُوا فِي عَيْنِهِ لَا يَطْرِفْ

وَمَنْ يَكُونُوا قَوْمَهُ يُغَطْرَفْ كَأَنَّهُ لُجَّةُ بَحْرٍ مُسْدِفْ

أَنَا وَاللَّهِ أَعَزُّ الْعَرَبِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَعَزُّ مِنِّي فَلْيَضْرِبْهَا بِالسَّيْفِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ بْنُ مَازِنٍ فَضَرَبَهَا بِالسَّيْفِ فَخَرَشَهَا خَرْشًا غَيْرَ كَثِيرٍ، فَاخْتَصَمَ النَّاسُ ثُمَّ اصْطَلَحُوا. - بَنُو نَصْرٍ بِالنُّونِ -.

 

وَأَمَّا الْفِجَارُ الثَّانِي، وَكَانَ بَعْدَ الْفِيلِ بِعِشْرِينَ سَنَةً، وَبَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَيَّامِ الْعَرَبِ أَشْهَرُ مِنْهُ وَلَا أَعْظَمُ، فَإِنَّمَا سُمِّيَ الْفِجَارَ لِمَا اسْتَحَلَّ الْحَيَّانِ كِنَانَةُ وَقَيْسٌ فِيهِ مِنَ الْمَحَارِمِ، وَكَانَ قَبْلَهُ يَوْمُ جَبَلَةَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي أَيَّامِ الْعَرَبِ، وَالْفِجَارُ أَعْظَمُ مِنْهُ.

وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ الْبَرَّاضَ بْنَ قَيْسِ بْنِ رَافِعٍ الْكِنَانِيَّ ثُمَّ الضَّمْرِيَّ كَانَ رَجُلًا فَاتِكًا خَلِيعًا قَدْ خَلَعَهُ قَوْمُهُ لِكَثْرَةِ شَرِّهِ، وَكَانَ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِفَتْكِهِ فَيُقَالُ: أَفْتَكُ مِنَ الْبَرَّاضِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْفَتَى مَنْ تَعَرَّفَتْهُ اللَّيَالِي فَهْوَ فِيهَا كَالْحَيَّةِ النَّضْنَاضِ

كُلَّ يَوْمٍ لَهُ بِصِرْفِ اللَّيَالِي فَتْكَةٌ مِثْلُ فَتْكَةِ الْبَرَّاضِ

فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَ النُّعْمَانُ يَبْعَثُ كُلَّ عَامٍ بِلَطِيمَةٍ لِلتِّجَارَةِ إِلَى عُكَاظَ تُبَاعُ لَهُ هُنَاكَ، وَكَانَ عُكَاظُ وَذُو الْمَجَازِ وَمَجَنَّةُ أَسْوَاقًا تَجْتَمِعُ بِهَا الْعَرَبُ كُلَّ عَامٍ إِذَا حَضَرَ الْمَوْسِمُ، فَيَأْمَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُهَا، وَكَانَتْ مَجَنَّةُ بِالظَّهْرَانِ، وَكَانَتْ عُكَاظُ بَيْنَ نَخْلَةَ وَالطَّائِفِ، وَكَانَ ذُو الْمَجَازِ بِالْجَانِبِ الْأَيْسَرِ إِذَا وَقَفْتَ عَلَى الْمَوْقِفِ، فَقَالَ النُّعْمَانُ، وَعِنْدَهُ الْبَرَّاضُ وَعُرْوَةُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ الْمَعْرُوفُ بِالرَّحَّالِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ رِحْلَتِهِ إِلَى الْمُلُوكِ -: مَنْ يُجِيزُ لِي لَطِيمَتِي هَذِهِ حَتَّى يُبْلِغَهَا عُكَاظَ؟ فَقَالَ الْبَرَّاضُ: أَنَا أُجِيزُهَا، أَبَيْتَ اللَّعْنَ، عَلَى كِنَانَةَ. فَقَالَ النُّعْمَانُ: إِنَّمَا أُرِيدُ مَنْ يُجِيزُهَا عَلَى كِنَانَةَ وَقَيْسٍ! فَقَالَ عُرْوَةُ: أَكَلْبٌ خَلِيعٌ يُجِيزُهَا لَكَ، أَبَيْتَ اللَّعْنَ! أَنَا أُجِيزُهَا عَلَى أَهْلِ الشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ وَأَهْلِ نَجْدٍ. فَقَالَ الْبَرَّاضُ، وَغَضِبَ: وَعَلَى كِنَانَةَ تُجِيزُهَا يَا عُرْوَةُ؟ قَالَ عُرْوَةُ: وَعَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ.

فَدَفَعَ النُّعْمَانُ اللَّطِيمَةَ إِلَى عُرْوَةَ الرَّحَّالِ وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ بِهَا، وَخَرَجَ الْبَرَّاضُ يَتْبَعُ أَثَرَهُ، وَعُرْوَةُ يَرَى مَكَانَهُ وَلَا يَخْشَى مِنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ عُرْوَةُ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ تَيْمَنُ بِنَوَاحِي فَدَكَ أَدْرَكَهُ الْبَرَّاضُ بْنُ قَيْسٍ فَأَخْرَجَ قِدَاحَهُ يَسْتَقْسِمُ بِهَا فِي قَتْلِ عُرْوَةَ، فَمَرَّ بِهِ عُرْوَةُ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ يَا بَرَّاضُ؟ فَقَالَ: أَسْتَقْسِمُ فِي قَتْلِكَ أَيُؤْذَنُ لِي أَمْ لَا. فَقَالَ عُرْوَةُ: اسْتُكَ أَضْيَقُ مِنْ ذَلِكَ! فَوَثَبَ إِلَيْهِ الْبَرَّاضُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ. فَلَمَّا رَآهُ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى الْعِيرِ وَالْأَحْمَالِ قَتِيلًا انْهَزَمُوا، فَاسْتَاقَ الْبَرَّاضُ الْعِيرَ وَسَارَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى خَيْبَرَ، وَتَبِعَهُ رَجُلَانِ مِنْ قَيْسٍ لِيَأْخُذَاهُ، أَحَدُهُمَا غَنَوِيٌّ وَالْآخَرُ غَطْفَانِيٌّ، وَاسْمُ الْغَنَوِيِّ أَسَدُ بْنُ جُوَيْنٍ، وَاسْمُ الْغَطَفَانِيِّ مُسَاوِرُ بْنُ مَالِكٍ، فَلَقِيَهُمَا الْبَرَّاضُ بِخَيْبَرَ أَوَّلَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُمَا: مَنِ الرَّجُلَانِ؟ قَالَا: مِنْ قَيْسٍ قَدِمْنَا لِنَقْتُلَ الْبَرَّاضَ. فَأَنْزَلَهُمَا وَعَقَلَ رَاحِلَتَيْهِمَا، ثُمَّ قَالَ أَيُّكُمَا أَجْرَأُ عَلَيْهِ وَأَجْوَدُ سَيْفًا؟ قَالَ الْغَطَفَانِيُّ: أَنَا. فَأَخَذَهُ وَمَشَى مَعَهُ لِيَدُلَّهُ بِزَعْمِهِ عَلَى الْبَرَّاضِ، فَقَالَ لِلْغَنَوِيِّ: احْفَظْ رَاحِلَتَيْكُمَا، فَفَعَلَ، وَانْطَلَقَ الْبَرَّاضُ بِالْغَطَفَانِيِّ حَتَّى أَخْرَجَهُ إِلَى خَرِبَةٍ فِي جَانِبِ خَيْبَرَ خَارِجًا مِنَ الْبُيُوتِ، فَقَالَ لِلْغَطَفَانِيِّ: هُوَ فِي هَذِهِ الْخَرِبَةِ إِلَيْهَا يَأْوِي فَأَمْهِلْنِي حَتَّى أَنْظُرَ أَهُوَ فِيهَا. فَوَقَفَ وَدَخَلَ الْبَرَّاضُ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: هُوَ فِيهَا وَهُوَ نَائِمٌ، فَأَرِنِي سَيْفَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ أَضَارِبٌ هُوَ أَمْ لَا، فَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ، فَضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ ثُمَّ أَخْفَى السَّيْفَ، وَعَادَ إِلَى الْغَنَوِيِّ فَقَالَ لَهُ: لَمْ أَرَ رَجُلًا أَجْبَنَ مِنْ صَاحِبِكَ، تَرَكْتُهُ فِي الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الْبَرَّاضُ وَهُوَ نَائِمٌ فَلَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ: انْظُرْ لِي مَنْ يَحْفَظُ الرَّاحِلَتَيْنِ حَتَّى أَمْضِيَ إِلَيْهِ فَأَقْتُلَهُ، فَقَالَ: دَعْهُمَا وَهُمَا عَلَيَّ، ثُمَّ انْطَلَقَا إِلَى الْخَرِبَةِ، فَقَتَلَهُ وَسَارَ بِالْعِيرِ إِلَى مَكَّةَ، فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، فَقَالَ لَهُ الْبَرَّاضُ: هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ أَجْعَلَ لَكَ جَعْلًا عَلَى أَنْ تَنْطَلِقَ إِلَى حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ وَقَوْمِي فَإِنَّهُمْ قَوْمِي وَقَوْمُكَ، لِأَنَّ أَسَدَ بْنَ خُزَيْمَةَ مِنْ خِنْدِفٍ أَيْضًا، فَتُخْبِرَهُمْ أَنَّ الْبَرَّاضَ بْنَ قَيْسٍ قَتَلَ عُرْوَةَ الرَّحَّالَ، فَلْيَحْذَرُوا قَيْسًا! وَجَعَلَ لَهُ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ. فَخَرَجَ الْأَسَدِيُّ حَتَّى أَتَى عُكَاظَ وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَأَتَى حَرْبَ بْنَ أُمَيَّةَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ التَّيْمِيِّ وَإِلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، وَهُوَ وَالِدُ أَبِي جَهْلٍ، وَهُمَا مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ وَذَوِي السِّنِّ مِنْهُمْ، وَإِلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَحْضَرَ مِنْهَا رَجُلًا، وَإِلَى الْحُلَيْسِ بْنِ يَزِيدَ الْحَارِثِيِّ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَحَابِيشِ، فَأَخْبَرَهُمْ أَيْضًا. فَتَشَاوَرُوا وَقَالُوا: نَخْشَى مِنْ قَيْسٍ أَنْ يَطْلُبُوا ثَأْرَ صَاحِبِهِمْ مِنَّا فَإِنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَ أَنْ يَقْتُلُوا بِهِ خَلِيعًا مِنْ بَنِي ضِمْرَةَ. فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوا أَبَا بَرَاءٍ عَامِرَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ قَيْسٍ وَشَرِيفُهَا، فَيَقُولُوا لَهُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ حَدَثٌ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ وَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِنَا عِلْمُهُ فَأَجُزُّ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى تَعْلَمَ وَتُعْلِمَ.

فَأَتَوْهُ وَقَالُوا لَهُ ذَلِكَ، فَأَجَازَ بَيْنَ النَّاسِ وَأَعْلَمَ قَوْمَهُ مَا قِيلَ لَهُ، ثُمَّ قَامَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا: يَا أَهْلَ عُكَاظَ إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِي قَوْمِنَا بِمَكَّةَ حَدَثٌ أَتَانَا خَبَرُهُ، وَنَخْشَى إِنْ تَخَلَّفْنَا عَنْهُمْ أَنْ يَتَفَاقَمَ الشَّرُّ، فَلَا يُرَوِّعَنَّكُمْ تَحَمُّلُنَا. ثُمَّ رَكِبُوا عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ إِلَى مَكَّةَ. فَلَمَّا كَانَ آخِرَ الْيَوْمِ أَتَى عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ الْخَبَرُ فَقَالَ: غَدَرَتْ قُرَيْشٌ وَخَدَعَنِي حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَاللَّهِ لَا تَنْزِلُ كِنَانَةُ عُكَاظَ أَبَدًا. ثُمَّ رَكِبُوا فِي طَلَبِهِمْ حَتَّى أَدْرَكُوهُمْ بِنَخْلَةَ فَاقْتَتَلَ الْقَوْمُ، فَاشْتَعَلَتْ قُرَيْشٌ فَكَادَتْ قُرَيْشٌ تَنْهَزِمُ إِلَّا أَنَّهَا عَلَى حَامِيَتِهَا تُبَادِرُ دُخُولَ الْحَرَمِ لِيَأْمَنُوا بِهِ. فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى دَخَلُوا الْحَرَمَ مَعَ اللَّيْلِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُمْ، وَعُمْرُهُ عِشْرُونَ سَنَةً.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ لَمْ يَنْهَزِمُوا، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بَعْدَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ يَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ وَيُقْتَلُونَ، وَإِذَا كَانَ فِي جَمْعٍ قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَانْهَزَمُوا فَغَيْرُ بَعِيدٍ.

وَلَمَّا دَخَلَتْ قُرَيْشٌ الْحَرَمَ عَادَتْ عَنْهُمْ قَيْسٌ وَقَالُوا لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّا لَا نَتْرُكُ دَمَ عُرْوَةَ وَمِيعَادُنَا عُكَاظُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَانْصَرَفَتْ إِلَى بِلَادِهَا يُحَرِّضُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيَبْكُونَ عُرْوَةَ الرَّحَّالَ.

ثُمَّ إِنَّ قَيْسًا جَمَعَتْ جُمُوعَهَا، وَمَعَهَا ثَقِيفٌ وَغَيْرُهَا، وَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ جُمُوعَهَا، مِنْهُمْ كِنَانَةُ جَمِيعُهَا وَالْأَحَابِيشُ وَأَسَدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، وَفَرَّقَتْ قُرَيْشٌ السِّلَاحَ فِي النَّاسِ، فَأَعْطَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ مِائَةَ رَجُلٍ سِلَاحًا تَامًّا، وَفَعَلَ الْبَاقُونَ مِثْلَهُ.

وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ لِلْمَوْعِدِ، عَلَى كُلِّ بَطْنٍ مِنْهَا رَئِيسٌ، فَكَانَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ: الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِخْوَتُهُ أَبُو طَالِبٍ وَحَمْزَةُ وَالْعَبَّاسُ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَعَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَأَحْلَافِهَا: حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ. وَعَلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: عِكْرِمَةُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ. وَعَلَى بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ. وَعَلَى بَنِي مَخْزُومٍ: هِشَامُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَبُو أَبِي جَهْلٍ. وَعَلَى بَنِي تَيْمٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ. وَعَلَى بَنِي جُمَحَ: مَعْمَرُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ وَهْبٍ. وَعَلَى بَنِي سَهْمٍ: الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ. وَعَلَى بَنِي عَدِيٍّ: زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَالِدُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ. وَعَلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ وَالِدُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو. وَعَلَى بَنِي فِهْرٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَرَّاحِ وَالِدُ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَعَلَى الْأَحَابِيشِ: الْحُلَيْسُ بْنُ يَزِيدَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُوَيْفٍ هُمَا قَائِدَاهُمْ، وَالْأَحَابِيشُ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ: كِنَانَةُ وَعَضَلُ وَالْقَارَةُ وَالدِّيشُ مِنْ بَنِي الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَالْمُصْطَلِقِ بْنِ خُزَاعَةَ، وَسُمُّوا بِذَلِكَ لِحَلِفِهِمْ بَنِي الْحَارِثِ، وَالتَّحَبُّشُ التَّجَمُّعُ. وَعَلَى بَنِي بَكْرٍ: بَلْعَاءُ بْنُ قَيْسٍ. وَعَلَى بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ مِنْ كِنَانَةَ: عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ جِذْلُ الطِّعَانِ. وَعَلَى بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: بِشْرُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. وَكَانَ عَلَى جَمَاعَةِ النَّاسِ حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ لِمَكَانِهِ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ سِنًّا وَمَنْزِلَةً.

وَكَانَتْ قَيْسٌ قَدْ تَقَدَّمَتْ إِلَى عُكَاظَ قَبْلَ قُرَيْشٍ، فَعَلَى بَنِي عَامِرٍ مُلَاعِبُ الْأَسِنَّةِ: أَبُو بَرَاءٍ. وَعَلَى بَنِي نَصْرٍ سَعْدٍ وَثَقِيفٍ: سُبَيْعُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ. وَعَلَى بَنِي جُشَمَ: الصِّمَّةُ وَالِدُ دُرَيْدٍ. وَعَلَى غَطَفَانَ: عَوْفُ بْنُ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيُّ. وَعَلَى بَنِي سُلَيْمٍ: عَبَّاسُ بْنُ زَعْلِ بْنِ هَنِيِّ بْنِ أَنَسٍ. وَعَلَى فَهْمٍ وَعَدْوَانَ: كِدَامُ بْنُ عَمْرٍو.

وَسَارَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلَتْ عُكَاظَ وَبِهَا قَيْسٌ. وَكَانَ مَعَ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ إِخْوَتُهُ: سُفْيَانُ وَأَبُو سُفْيَانَ وَالْعَاصُ وَأَبُو الْعَاصِ بَنُو أُمَيَّةَ، فَعَقَلَ حَرْبٌ نَفْسَهُ وَقَيَّدَ سُفْيَانُ وَأَبُو الْعَاصِ نَفْسَيْهِمَا وَقَالُوا: لَنْ يَبْرَحَ رَجُلٌ مِنَّا مَكَانَهُ حَتَّى نَمُوتَ أَوْ نَظْفَرَ، فَيَوْمَئِذٍ سُمُّوا الْعَنَابِسَ، وَالْعَنْبَسُ الْأَسَدُ.

وَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَكَانَ الظَّفَرُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِقَيْسٍ، وَانْهَزَمَ كَثِيرٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَقُرَيْشٍ. فَانْهَزَمَ بَنُو زُهْرَةَ وَبَنُو عَدِيٍّ، وَقُتِلَ مَعْمَرُ بْنُ حَبِيبٍ الْجُمَحِيُّ، وَانْهَزَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي فِرَاسٍ، وَثَبَتَ حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ وَسَائِرُ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَزَلِ الظَّفَرُ لِقَيْسٍ عَلَى قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ إِلَى أَنِ انْتَصَفَ النَّهَارُ. ثُمَّ عَادَ الظَّفَرُ لِقُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ فَقَتَلُوا مِنْ قَيْسٍ فَأَكْثَرُوا، وَحَمِيَ الْقِتَالُ وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ تَحْتَ رَايَةِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ مِائَةُ رَجُلٍ وَهُمْ صَابِرُونَ، فَانْهَزَمَتْ قَيْسٌ، وَقُتِلَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ عَبَّاسُ بْنُ زَعْلٍ السُّلَمِيُّ وَغَيْرُهُ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو السَّيِّدِ عَمُّ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ مَا تَصْنَعُ كِنَانَةُ مِنَ الْقَتْلِ نَادَى: يَا مَعْشَرَ بَنِي كِنَانَةَ أَسْرَفْتُمْ فِي الْقَتْلِ. فَقَالَ ابْنُ جُدْعَانَ: إِنَّا مَعْشَرٌ يُسْرِفُ.

وَلَمَّا رَأَى سُبَيْعُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ هَزِيمَةَ قَبَائِلِ قَيْسٍ عَقَلَ نَفْسَهُ وَاضْطَجَعَ وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِي نَصْرٍ قَاتِلُوا عَنِّي أَوْ ذَرُوا. فَعَطَفَتْ عَلَيْهِ بَنُو نَصْرٍ، وَجُشَمَ، وَسَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَفَهْمٍ، وَعَدْوَانَ، وَانْهَزَمَ بَاقِي قَبَائِلِ قَيْسٍ، فَقَاتَلَ هَؤُلَاءِ أَشَدَّ قِتَالٍ رَآهُ النَّاسُ. ثُمَّ إِنَّهُمْ تَدَاعَوْا إِلَى الصُّلْحِ فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَعُدُّوا الْقَتْلَى فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ فَضَلَ لَهُ قَتْلَى أَخَذَ دِيَتَهُ مِنَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ، فَتَعَادُّوا الْقَتْلَى فَوَجَدُوا قُرَيْشًا وَبَنِي كِنَانَةَ قَدْ أَفْضَلُوا عَلَى قَيْسٍ عِشْرِينَ رَجُلًا، فَرَهَنَ حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ يَوْمَئِذٍ ابْنَهُ أَبَا سُفْيَانَ فِي دِيَاتِ الْقَوْمِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، وَرَهَنَ غَيْرُهُ مِنَ الرُّؤَسَاءِ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَوَضَعُوا الْحَرْبَ وَهَدَمُوا مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ، وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لَا يُؤْذِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْبَرَّاضِ وَعُرْوَةَ.

 

ونجد أن قريشًا كانوا يبتهجون بهجوم محمد على هوازن (وهي أكبر بطون قيس عيلان)، ففي غزوة مكة قال أبو سفيان لمحمد، حكى الواقدي:

 

ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مُحَمّدُ جِئْت بِأَوْبَاشِ النّاسِ مَنْ يَعْرِفُ وَمَنْ لا يَعْرِفُ إلَى عَشِيرَتِك وَأَصْلِك. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنْتَ أَظْلَمُ وَأَفْجَرُ غَدَرْتُمْ بِعَهْدِ الْحُدَيْبِيَةِ وَظَاهَرْتُمْ عَلَى بَنِى كَعْبٍ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فِى حَرَمِ اللّهِ وَأَمْنِهِ”، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَحَيّكُمْ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ كُنْت جَعَلْت حِدّتَك وَمَكِيدَتَك بِهَوَازِنَ فَهُمْ أَبْعَدُ رَحِمًا وَأَشَدّ لَك عَدَاوَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّى لأَرْجُو مِنْ رَبّى أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ لِى كُلّهُ بِفَتْحِ مَكّةَ، وَإِعْزَازِ الإِسْلامِ بِهَا، وَهَزِيمَةِ هَوَازِنَ وَأَنْ يُغْنِمَنِى اللّهُ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيّهُمْ فَإِنّى رَاغِبٌ إلَى اللّهِ تَعَالَى فِى ذَلِكَ”.

 

وفي أول المعركة لما انهزم المسلمون في بدايتها يحكي ابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول اللّه صلي الله عليه وسلم من جُفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضَّغْن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتُهم دونَ البحر، وإن الأزلام لمعه في كنانته. وصرخ جَبَلة بن الحنبل -قال. ابن هشام، كَلَدَة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مُشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلي الله عليه وسلم: ألا بطل السحرُ اليومَ، فقال له صفوان: اسكت فضَّ اللّه فاك، فواللّه لأن يربَّنى رجل من قريش أحبُّ إلى من أن يَرُبَّني رجل من هَوَازن.

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

38151- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدَةَ ؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ خَرَجُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ يَنْظُرُونَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ، فَمَرَّ بِهِمْ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ اللهِ، مَا فَعَلَ النَّاسُ ؟ قَالَ: لاَ يَسْتَقْبِلُهَا مُحَمَّدٌ أَبَدًا، قَالَ: وَذَلِكَ حِينَ تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَبٍّ مِنِ الأَعْرَابِ، يَا فُلاَنُ، اذْهَبْ فَأْتِنَا بِالْخَبَرِ، لِصَاحِبٍ لَهُمْ، قَالَ: فَذَهَبَ حَتَّى كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْقَوْمِ، فَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ: يَا لِلأَوْس، ِ يَا لِلْخَزْرَجِ، وَقَدْ عَلَوْا الْقَوْمَ، وَكَانَ شِعَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

 

ويقول الواقدي:

 

فَلَمّا كَانَتْ الْهَزِيمَةُ حَيْثُ كَانَتْ وَالدّائِرَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَتَكَلّمُوا بِمَا فِى أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْكُفْرِ وَالضّغْنِ وَالْغِشّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: لا تَنْتَهِى هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبَحْرِ، قَالَ: يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو مَقِيتٍ، أَمَا وَاَللّهِ لَوْلا أَنّى سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَنْهَى عَنْ قَتْلِك لَقَتَلْتُك، وَقَالَ صَرَخَ كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ وَهُوَ كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ أَخُو صَفْوَانَ لأُمّهِ أَسْوَدُ مِنْ سُودَانِ مَكّةَ: أَلا بَطَلَ السّحْرُ الْيَوْمَ، فَقَالَ صَفْوَانُ: اُسْكُتْ فَضّ اللّهُ فَاك، لأَنْ يَرُبّنِى رَبّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ يَرُبّنِى رَبّ مِنْ هَوَازِنَ.

قَالَ: وَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لا يَجْتَبِرُهَا مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ يَقُولُ لَهُ عِكْرِمَةُ: هَذَا لَيْسَ بِقَوْلٍ، وَإِنّمَا الأَمْرُ بِيَدِ اللّهِ وَلَيْسَ إلَى مُحَمّدٍ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ إنْ أُدِيلَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فَإِنّ لَهُ الْعَاقِبَةَ غَدًا. قَالَ: يَقُول سُهَيْلٌ: إنّ عَهْدَك بِخِلافِهِ لَحَدِيثٌ قَالَ: يَا أَبَا يَزِيدَ إنّا كُنّا وَاَللّهِ نُوضِعُ فِى غَيْرِ شَىْءٍ وَعُقُولُنَا عُقُولُنَا. نَعْبُدُ الْحَجَرَ لا يَنْفَعُ وَلا يَضُرّ.

 

وبموضع آخر يقول:

 

قَالُوا: وَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ نَاسٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَثِيرٌ. مِنْهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ اسْتَعَارَ مِنْهُ مِائَةَ دِرْعٍ بِأَدّاتِهَا كَامِلَةً. فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ. طَوْعًا أَوْ كَرْهًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “عَارِيَةً مُؤَدّاةً” وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِصَفْوَانَ: “اكْفِنَا حَمْلَهَا”، فَحَمَلَهَا صَفْوَانُ عَلَى إبِلِهِ حَتّى انْتَهَوْا إلَى أَوْطَاسٍ، فَدَفَعَهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷.

..... قَالُوا: وَخَرَجَ رِجَالٌ مِنْ مَكّةَ مَعَ النّبِىّ ÷ فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا - عَلَى غَيْرِ دِينٍ - رُكْبَانًا وَمُشَاةً يَنْظُرُونَ لِمَنْ تَكُونُ الدّائِرَةُ فَيُصِيبُونَ مِنْ الْغَنَائِمِ وَلا يَكْرَهُونَ أَنْ تَكُونَ الصّدْمَةُ لِمُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَخَرَج أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِى أَثَرِ الْعَسْكَرِ كُلّمَا مَرّ بِتُرْسٍ سَاقِطٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ مَتَاعٍ مِنْ مَتَاعِ النّبِىّ ÷ حَمَلَهُ وَالأَزْلامُ فِى كِنَانَتِهِ، حَتّى أَوْقَرَ جَمَلَهُ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ وَلَمْ يُسْلِمْ وَهُوَ فِى الْمُدّةِ الّتِى جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَاضْطَرَبَ خَلْفَ النّاسِ وَمَعَهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ، يَنْظُرُونَ لِمَنْ تَكُونُ الدّائِرَةُ وَاضْطَرَبُوا خَلْفَ النّاسِ، وَالنّاسُ يَقْتَتِلُونَ فَمَرّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَبْشِرْ أَبَا وَهْبٍ هُزِمَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: إنّ رَبّا مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبّ إلَىّ مِنْ رَبّ مِنْ هَوَازِنَ إنْ كُنْت مَرْبُوبًا.

 

ولنذكر أن محمدًا استعار مالًا ومئة درع من صفوان بن أمية كما ذكر ابن إسحاق والواقدي، وهو ما زال بعد وثنيًّا، ما يدلك على دعم قريش ورضاها، حتى أن بعض وثنييهم خرجوا معه، ونلاحظ أنه لم يقل لهم كما سبق وقال لليهود: لا نستعين بالمشركين على المشركين!

 

روى أبو داوود:

 

3562 - حدثنا الحسن بن محمد وسلمة بن شبيب قالا ثنا يزيد بن هارون ثنا شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين فقال أغصب يا محمد ؟ فقال " لا بل عارية مضمونة "

 قال أبو داود هذه رواية يزيد ببغداد وفي روايته بواسط تغير على غير هذا. صحيح

 

3563 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن أناس من آل عبد الله بن صفوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ياصفوان هل عندك من سلاح ؟ " قال عارية أم غصبا ؟ قال لا بل عارية " فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها أدراعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان " إنا قد فقدنا من أدراعك أدراعا فهل نغرم لك ؟ " قال لا يارسول الله لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ

 قال أبو داود وكان أعاره قبل أن يسلم ثم أسلم . صحيح

 

وروى عبد الرزاق في مصنفه:

 

12646 - عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه بلغه أن نساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن أسلمن بأرضهن غير مهاجرات وأزواجهن حين أسلمن كفار منهن عاتكة ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فركب البحر فبعث رسولا إليه بن عمه وهب بن عمير بن وهب بن خلف برداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لصفوان فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام و أن يقدم عليه فإن أحب أن يسلم أسلم وإلا سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرين فلما قدم صفوان بن أمية على النبي صلى الله عليه وسلم بردائه ناداه على رؤوس الناس وهو على فرسه فقال يا محمد هذا وهب بن عمير أتاني بردائك يزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك إن رضيت مني أمرا قبلتة وإلا سيرتني شهرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل أبا وهب قال لا والله لا أنزل حتى تبين لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل لك سير أربعة قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن بجيش فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحا عنده فقال صفوان أطوعا أو كرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بل طوعا فأعاره صفوان الأداة والسلاح التي عنده وسار صفوان وهو كافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت امرأته عنده بذلك النكاح..إلخ الحديث

 

وروى القصة أحمد 15302 وابن أبي شيبة 20935 والمستدرك للحاكم 2300 و2301 و4369، و3564، والنسائي في "الكبرى" (5778) و(5779) و(5780)، والدارقطني في "السنن" 3/39،، والبيهقي في "السنن الكبرى"  11255و11257 و11258، والدارقطني في "السنن" 3/40، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(4454) و(4455) و(4457) و(4459)

 

ونعود إلى موضوعنا فنقول إذن أن هوازن استعدت لمواجهة محمد والتحرك إليه، قبل أن يهجم عليهم للأسباب التي ذكرناها فإضافة لصراعه ضد الوثنية فهو رجل قرشي أولًا وأخيرًا. وقد ذكر الواقدي في سياق فتح مكة عن الجاسوس الهوازني الذي أمسكه جيش محمد:

 

فَلَمْ يُنْفِذْ لَنَا شَيْئًا، فَلَمّا رَأَيْنَا مَا خَلَطَ قُلْنَا: لَتُصْدِقَنّا أَوْ لَنَضْرِبَنّ عُنُقَك قَالَ: فَإِنْ صَدَقْتُكُمْ يَنْفَعُنِى ذَلِكَ عِنْدَكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنّى رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ مِنْ بَنِى نَضْرٍ بَعَثَتْنِى هَوَازِنُ عَيْنًا. وَقَالُوا: ائْتِ الْمَدِينَةَ حَتّى تَلْقَى مُحَمّدًا فَتَسْتَخْبِرَ لَنَا مَا يُرِيدُ فِى أَمْرِ حُلَفَائِهِ أَيَبْعَثُ إلَى قُرَيْشٍ بَعْثًا، أَوْ يَغْزُوهُمْ بِنَفْسِهِ وَلا نَرَاهُ إلاّ يَسْتَغْوِرَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَائِرًا أَوْ بَعَثَ بَعْثًا فَسِرْ مَعَهُ حَتّى تَنْتَهِىَ إلَى بَطْنِ سَرِفَ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُنَا أَوّلاً فَيَسْلُكُ فِى بَطْنِ سَرِفَ حَتّى يَخْرُجَ إلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ قُرَيْشًا فَسَيَلْزَمُ الطّرِيقَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَأَيْنَ هَوَازِنُ”؟ قَالَ: تَرَكْتهمْ بِبَقْعَاءَ وَقَدْ جَمَعُوا الْجُمُوعَ وَأَجْلَبُوا فِى الْعَرَبِ، وَبَعَثُوا إلَى ثَقِيفٍ فَأَجَابَتْهُمْ فَتَرَكَتْ ثَقِيفًا عَلَى سَاقٍ قَدْ جَمَعُوا الْجُمُوعَ وَبَعَثُوا إلَى الْجُرَشِ فِى عَمَلِ الدّبّابَاتِ وَالْمَنْجَنِيقِ وَهُمْ سَائِرُونَ إلَى جَمْعِ هَوَازِنَ فَيَكُونُونَ جَمْعًا. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَإِلَى مَنْ جَعَلُوا أَمْرَهُمْ”؟ قَالَ: إلَى فَتَاهُمْ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَكُلّ هَوَازِنَ قَدْ أَجَابَ إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ مَالِكٌ”؟ قَالَ: قَدْ أَبْطَأَ مِنْ بَنِى عَامِرٍ أَهْلُ الْجِدّ وَالْجَلْدِ. قَالَ: “مَنْ”؟ قَالَ: كَعْبٌ وَكِلابٌ. قَالَ: “مَا فَعَلَتْ هِلالٌ”؟ قَالَ: مَا أَقَلّ مِنْ ضَوَى إلَيْهِ مِنْهُمْ وَقَدْ مَرَرْت بِقَوْمِك أَمْسِ بِمَكّةَ وَقَدْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَرَأَيْتهمْ سَاخِطِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ وَهُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، مَا أَرَاهُ إلاّ صَدَقَنِى”

 

وحسب الواقدي فقد تم غسل دماغ الرجل حتى قاتل قومه، وأسلوب غسل الدماغ أسلوب معروف اتبعته فيتنام وكوريا الشمالية وإيران ولاية الفقيه الشيعي وغيرها:

 

قَالَ الرّجُلُ: فَلَيَنْفَعَنّى ذَلِكَ؟ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَحْبِسَهُ وَخَافُوا أَنْ يَتَقَدّمَ وَيُحَذّرَ النّاسَ فَلَمّا نَزَلَ الْعَسْكَرُ مَرّ الظّهْرَانِ أَفْلَتَ الرّجُلُ فَطَلَبَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَهُ عِنْدَ الأَرَاكِ، وَقَالَ: “لَوْلا وُلّيت عَهْدًا لَك لَضَرَبْت عُنُقَك”، وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَمَرَ بَهْ يُحْبَسُ حَتّى يَدْخُلَ مَكّةَ، فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَكّةَ وَفَتَحَهَا أُتِىَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَدَعَاهُ إلَى الإِسْلامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى هَوَازِنَ فَقُتِلَ بَأَوْطَاسٍ.

 

ولدينا خبر عن جاسوس آخر لهوازن في المهمة الشريفة للدفاع عن قومه بنقل أخبار جيش محمد تم قتله، روى مسلم:

 

[ 1754 ] حدثنا زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا عكرمة بن عمار حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي سلمة بن الأكوع قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة في الظهر وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل فاتبعه رجل على ناقة ورقاء قال سلمة وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال من قتل الرجل قالوا بن الأكوع قال له سلبه أجمع

 

ورواه أحمد 16523 و16536 و16519 والنسائي في "الكبرى" (8677) ، وأبو عوانة 4/119 -122 وابن أبي شيبة 14/532، وأبو داود (2654)، وأخرجه الشافعي في "السنن" (631) مختصراً، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3011) ، وفي "شرح معاني الآثار" 3/227، وابن حبان (4843) ، والطبراني في "الكبير" (6241) ، والبيهقي في "السنن" 6/307

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

16531 - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ عَيْنٌ لِلْمُشْرِكِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا طَعِمَ انْسَلَّ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَيَّ الرَّجُلَ، اقْتُلُوا "، قَالَ: فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ، قَالَ: وَكَانَ أَبِي يَسْبِقُ الْفَرَسَ شَدًّا، قَالَ: فَسَبَقَهُمْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِخِطَامِهَا ، قَالَ: ثُمَّ قَتَلَهُ، قَالَ: فَنَفَّلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَبَهُ

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (8844) ، وأبو عوانة 4/122-123، والبخاري (3051)، وأبو داود (2653)، وأبو عوانة 4/122، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3012) ، وفي "شرح معاني الآثار" 3/227 ، وابن حبان (4839) ، والطبراني في "الكبير" (6272) ، والبيهقي في "السنن" 6/307 و9/147، والبغوي في "شرح السنة" (2709). وبنحوه ابن سعد في "الطبقات" 4/306

 

وروى البخاري:

 

بَاب الْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَان

3051 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ انْفَتَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ فَقَتَلَهُ فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ

 

ويقول الواقدي بسياق غزوة حنين:

 

قَالُوا: لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَكّةَ مَشَتْ أَشْرَافُ هَوَازِنَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَثَقِيفٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَحَشَدُوا وَبَغَوْا وَأَظْهَرُوا أَنْ قَالُوا: وَاَللّهِ مَا لاقَى مُحَمّدٌ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ، فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فَسِيرُوا إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ إلَيْكُمْ. فَأَجْمَعَتْ هَوَازِنُ أَمْرَهَا وَجَمَعَهَا مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلاثِينَ سَنَةً - وَكَانَ سَيّدًا فِيهَا، وَكَانَ مُسَبّلاً، يَفْعَلُ فِى مَالِهِ وَيُحْمَدُ، فَاجْتَمَعَتْ هَوَازِنُ كُلّهَا، وَكَانَ فِى ثَقِيفٍ سَيّدَانِ لَهَا يَوْمَئِذٍ قَارِبُ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ فِى الأَحْلافِ، هُوَ الّذِى قَادَهَا؛ وَفِى بَنِى مَالِكٍ ذُو الْخِمَارِ سُبَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ - وَيُقَالُ: الأَحْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ - وَهُوَ الّذِى قَادَهَا مُوَالِيًا ثَقِيفًا؛ فَأَوْعَبَتْ كُلّهَا مَعَ هَوَازِنَ، وَقَدْ أَجْمَعُوا الْمَسِيرَ إلَى مُحَمّدٍ فَوَجَدَ ثَقِيفًا إلَى ذَلِكَ سِرَاعًا، فَقَالُوا: قَدْ كُنّا نَهُمّ بِالْمَسِيرِ إلَيْهِ وَنَكْرَهُ أَنْ يَسِيرَ إلَيْنَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ سَارَ إلَيْنَا لَوَجَدَ حِصْنًا حَصِينًا نُقَاتِلُ دُونَهُ وَطَعَامًا كَثِيرًا، حَتّى نُصِيبَهُ أَوْ يَنْصَرِفَ، وَلَكِنّا لا نُرِيدُ ذَلِكَ وَنَسِيرُ مَعَكُمْ وَنَكُونُ يَدًا وَاحِدَةً، فَخَرَجُوا مَعَهُمْ. قَالَ غَيْلانُ بْنُ سَلَمَةَ الثّقَفِىّ: لَبَنِيهِ وَهُمْ عَشَرَةٌ إنّى أُرِيدُ أَمْرًا كَائِنَةً لَهُ أُمُورٌ لا يَشْهَدُهَا رَجُلٌ مِنْكُمْ إلاّ عَلَى فَرَسِهِ، فَشَهِدَهَا عَشَرَةٌ مِنْ وَلَدِهِ عَلَى عَشَرَةِ أَفْرَاسٍ فَلَمّا انْهَزَمُوا بَأَوْطَاسٍ هَرَبُوا، فَدَخَلُوا حِصْنَ الطّائِفِ فَغَلّقُوهُ، وَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل: يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ، إنّكُمْ تَخْرُجُونَ مِنْ حِصْنِكُمْ وَتَسِيرُونَ إلَى رَجُلٍ لا تَدْرُونَ أَيَكُونُ لَكُمْ أَمْ عَلَيْكُمْ فَمُرُوا بِحِصْنِكُمْ أَنْ يُرَمّ مَا رَثّ مِنْهُ، فَإِنّكُمْ لا تَدْرُونَ لَعَلّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلَيْهِ، فَأَمَرُوا بِهِ أَنْ يُصْلَحَ، وَخَلّفُوا عَلَى مَرَمّتِهِ رَجُلاً وَسَارُوا، وَشَهِدَهَا نَاسٌ مِنْ بَنِى هِلالٍ لَيْسُوا بِكَثِيرٍ مَا يَبْلُغُونَ مِائَةً، وَلَمْ يَحْضُرْهَا مِنْ هَوَازِنَ كَعْبٌ وَلا كِلابٌ، وَلَقَدْ كَانَتْ كِلابٌ قَرِيبَةً فَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: لِمَ تَرَكَتْهَا كِلابٌ فَلَمْ تَحْضُرْهَا؟ فَقَالَ: أَمَا وَاَللّهِ إنْ كَانَتْ لَقَرِيبَةٌ وَلَكِنّ ابْنَ أَبِى الْبَرَاءِ مَشَى فَنَهَاهَا عَنْ الْحُضُورِ فَأَطَاعَتْهُ...إلخ

 

ويقول ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: ولما سمعت هَوازنُ برسول اللّه صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة، جمعها مالكُ بن عَوْف النَّصْري، فاجتمع إليه مع هوازن ثَقيف كلّها، واجتمعت نَصْر وجُشَم كلُّها، وسعد بن بكر، وناس من بني هلال، وهم قليل، ولم يشهدها من قيس عَيْلان إلا هؤلاء،. وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، ولم يشهدها منهم أحد له اسم، وفى بني جُشَم دُرَيْد بن الصِّمة شيخ كبير،ليس فيه شىء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب وكان شيخا مُجرِّبا، وفي ثقيف سَيِّدَان لهم، في الأحلاف: قارب بن الأسود بن مسعود بن مُعَتِّب، وفى بني مالك: ذو الخمار سُبَيْع بن الحارث بن مالك، وأخوه أحمر بن الحارث، وجِماعُ أمر الناس إلى مالك بن عَوْف النصري، فلما أجمع السير إلى رسول اللّه صلي الله عليه وسلم حط مع الناس أموالَهم ونساءَهم وأبناءهم، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس، وفيهم دُرَيد بن الصّمة في شجار له يُقاد به فلما نزل قال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس قال: نِعْم مجالُ الخيلِ، لا حَزْنٌ ضِرْس؛ ولا سَهْلٌ دَهْس، ما لي أسمع رُغاء البعير، ونُهاق الحمير، وبُكاء الصغير، ويُعار الشاء؟ قالوا: ساق مالكُ بنُ عَوْف مع الناس أموالَهم ونساءَهم وأبناءهم. قال: أين مالك؟ قيل هذا مالك ودُعي له فقال: يا مالك، إنك قد أصبحت رئيسَ قومِك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام. ما لي أسمع رُغاء البعير، ونُهاق الحمير، وبُكاء الصغير، ويُعار الشاء؟ قال: سُقْتُ مع الناس أموالَهم وأبناءهم ونساءَهم، قال: ولم ذاك؟ قال: أردت أن أجعل خلفَ كل رجل منهم أهلَه ومالَه، ليقاتل عنهم، قال: فأنْقَضَ به. ثم قال: راعِيَ ضأنٍ، واللّه! وهل يَرُدُّ المنهزمَ شىء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورُمحه، وإن كانت عليك فُضِحْتَ في أهلك ومالك. ذانك الجَذَعان من عامر، لا ينفعان ولا يضران؟ يا مالك، إنك لم تصنع بتقديم البَيْضة بَيْضة هوازن إلى نحورِ الخيل شيئاً، ارفعهم إلى مُتَمنَّع بلادِهم وعُلْيا قومِهم ثم الق الصُبَّاء على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك مَنْ وراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك: قال: واللّه لا أفعل ذلك، إنك قد كَبِرْت وكبر عقلك. واللّه لَتُطِيعُنَّنى يا معشرَ هوازن أو لأتكئنَّ على. هذا السيف حتى يخرج من ظهري. وكره أن يكون لدُرَيْد بن الصمة فيها ذكر أو رأي، فقالوا: أطعناك؛ فقال دريد بن الصمة: هذا يوم لم أشهده ولم يفتنى:

 

يا ليتنى فيها جَذَعْ ... أخُبُّ فيها وأضَعْ

أقودُ وطْفَاء الزَّمَعْ ... وكأنها شاةٌ صَدَعْ

قال ابن هشام: أنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر قوله:

"يا ليتني فيها جَذَعْ "

قال ابن إسحاق: ثم قال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفونَ سيوفِكم، ثم شُدوا شَدَّة رجل واحد.

 

الشجار: مركب مكشوف دون الهودج. أنقض به: زجره. الوطفاء: المرأة كثيرة شعر الحاجبين والأهداب مع استرخاء وطول. جذع: شابّ.

 

ومن لفظ الواقدي:

 

فَغَضِبَ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَالَ: وَاَللّهِ لا أَفْعَلُ، وَلا أُغَيّرُ أَمْرًا صَنَعْته، إنّك قَدْ كَبِرْت وَكَبُرَ عِلْمُك، وَحَدَثَ بَعْدَك مَنْ هُوَ أَبْصَرُ بِالْحَرْبِ مِنْك، قَالَ دُرَيْدٌ: يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ، وَاَللّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْىٍ هَذَا فَاضِحُكُمْ فِى عَوْرَتِكُمْ وَمُمَكّنٌ مِنْكُمْ عَدُوّكُمْ، وَلاحِقٌ بِحِصْنِ ثَقِيفٍ وَتَارِكُكُمْ فَانْصَرِفُوا وَاتْرُكُوهُ فَسَلّ مَالِكٌ سَيْفَهُ، ثُمّ نَكّسَهُ، ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ، وَاَللّهِ لَتُطِيعُنّنِى أَوْ لأَتّكِئَن عَلَى السّيْفِ حَتّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِى وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدٍ فِيهَا ذِكْرٌ، وَرَأْيٌ فَمَشَى بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: وَاَللّهِ لَئِنْ عَصَيْنَا مَالِكًا، وَهُوَ شَابّ، لَيَقْتُلَن نَفْسَهُ وَنَبْقَى مَعَ دُرَيْدٍ، شَيْخٌ كَبِيرٌ لا قِتَالَ فِيهِ، ابْنُ سِتّينَ وَمِائَةِ سَنَةً، وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ مَعَ مَالِكٍ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ دُرَيْدٌ وَأَنّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ. قَالَ هَذَا يَوْمٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ أَغِبْ عَنْهُ

 

وكما نلاحظ هنا هناك تخاذل من كثير من بطون قيس عيلان لم تحضر المعركة الحاسمة وتقاعست ككعب وكلاب وهلال، وهناك سوء تخطيط بإحضار النساء والأطفال والممتلكات ظنًا من قائدهم أن هذا يجعل الجنود يستميتون دفاعًا عن نسائهم وذريتهم ومواشيهم وأملاكهم وهو ظن خطأ بل هذا أثقلهم وكان نقطة ضعفٍ لهم.

 

أما محمد فكما يقول ابن إسحاق:

 

ثم خرج رسول اللّه، صلي الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه، ففتح اللّه بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، واستعمل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عَتَّاب بن أسِيد بن أبي العِيص بن أمية بن عبد شمس على مكة، أميراً على من تخلف عنه من الناس، ثم مضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن.

 

ويقول الواقدي كذلك:

 

قَالُوا: وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى اثْنَىْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةِ آلافٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - وَأَلْفَيْنِ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَلَمّا فَصَلَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: لَوْ لَقِينَا بَنِى شَيْبَانَ مَا بَالَيْنَا، وَلا يَغْلِبُنَا الْيَوْمَ أَحَدٌ مِنْ قِلّةٍ. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِى ذَلِكَ: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} الآيَةَ.

 

ويخبرنا ابن إسحاق أن هوازن ومن معها اتخذوا مواقع في الشعب قبل قدوم المسلمين لذلك هزموهم في البداية:

 

قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عُمر بن قَتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد اللّه، قال: لما استقبلنا وادي حُنَين انحدرنا في وادٍ من أودية تِهامة أجْوَف حَطُوط، إنما ننحدر فيه انحداراً، قال: وفى عَمايةِ الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكَمنُوا لنا في شِعابِه، وأحنائِه ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فواللّه ما راعنا ونحن، مُنحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شَدَّةَ رجل واحد، وانشمَرَ الناس راجعين، لا يَلْوِي أحدٌ على أحد.

وانحاز رسول اللّه صلي الله عليه وسلم ذات اليمين، ثم قال: أين أيها الناس؟ هلُمُّوا إلىَّ، أنا رسولُ اللّه، أنا محمدُ بنُ عبد اللّه، قال: فلا شىء، حَملَت الإبلُ بعضُها على بعض، فانطلق الناس إلا أنه قد بقى مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نفرٌ من المهاجرين والأنصار وأهل بيته.

من ثبت معه صلى الله عليه وسلم: وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه، والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عُبَيد، قُتل يومئذ.

 

ونفس الكلام ذكره الواقدي، ومنه:

 

قَالَ: وَلَمّا كَانَ مِنْ اللّيْلِ عَمَدَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ إلَى أَصْحَابِهِ فَعَبّأَهُمْ فِى وَادِى حُنَيْنٍ - وَهُوَ وَادٍ أَجْوَفَ ذُو شِعَابٍ وَمَضَايِقَ - وَفَرّقَ النّاسُ فِيهِ وَأَوْعَزَ إلَى النّاسِ أَنْ يَحْمِلُوا عَلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ حَمْلَةً وَاحِدَةً

 

لا داعي للإطالة بذكر تفاصيل عسكرية يمكن للقارئ العودة لها في المرجعين ابن إسحاق والواقدي، وإنما سنهتم هنا بالأعمال الإجرامية الإسلامية. وقد لاحظت أن الواقدي ذكر أن أبا سفيان ممن صمدوا دفاعًا عن محمد حينما تقهقر الجيش ويقول عنه أنه ممن تكفل الله برزقهم ورزق عيالهم في الجنة، مما ينفي عن الواقدي تهمة التشيع التي يتهمه بها بعض السنة لأن من المعروف كره ولعن الشيعة _في كتبهم كالكافي للكليني وبحار الأنوار للمجلسي_ لأبي سفيان أبي معاوية مؤسس الدولة الأموية وعدو عليّ بن أبي طالب. وفي رواية الواقدي يصفه محمد بلفظة "أخي"! ويعقب ذكر أبي بكر وعمر وغيرهم بلفظة عليهم السلام!

 

....وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ إلَى أَبِى سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ مُقَنّعٌ فِى الْحَدِيدِ، وَكَانَ مِمّنْ صَبَرَ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ آخِذٌ بِثَفَرِ بَغْلَةِ النّبِىّ ÷ قَالَ: “مَنْ هَذَا”؟ قَالَ: ابْنُ أُمّك يَا رَسُولَ اللّهِ، وَيُقَالُ: إنّهُ قَالَ: “مَنْ أَنْتَ”؟ قَالَ: أَخُوك - فِدَاك أَبِى وَأُمّى - أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ أَخِى، نَاوِلْنِى حَصًى مِنْ الأَرْضِ”......

 

....وَبَقِىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى نَفَرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْعَبّاسُ وَعَلِىّ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبّاسٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَرَبِيعَةُ ابْنُ الْحَارِثِ، وَأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ الْخَزْرَجِىّ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ عَلَيْهِمْ السّلامُ.

 

....وَيُقَالُ: إنّ الْمِائَةَ الصّابِرَةَ يَوْمَئِذٍ ثَلاثَةٌ وَثَلاثُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَسَبْعَةٌ وَسِتّونَ مِنْ الأَنْصَارِ وَالْعَبّاسُ وَأَبُو سُفْيَانَ والْعَبّاسُ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ. وَأَبُو سُفْيَانَ عَنْ يَمِينِهِ وَحَفّ بِهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ.

وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يُحَدّثُ قَالَ: مَرّ جِبْرِيلُ وَحَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ مَعَ النّبِىّ ÷ وَاقِفٌ فَقَالَ: “مَنْ هَذَا يَا مُحَمّدُ”؟ فَقَالَ: “حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ”. فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ: “هَذَا أَحَدُ الثّمَانِينَ الصّابِرَةِ، وَقَدْ تَكَفّلَ اللّهُ لَهُمْ بِأَرْزَاقِهِمْ وَأَرْزَاقِ عِيَالِهِمْ فِى الْجَنّةِ”.

وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ الّذِينَ تَكَفّلَ اللّهُ بِأَرْزَاقِهِمْ وَأَرْزَاقِ عِيَالِهِمْ فِى الْجَنّةِ.

 

ونعود لسياق الجرائم الإسلامية من ابن هشام:

قال ابن إسحاق: وحدثني عبدُ اللّه بن أبي بكر، أنه حُدث عن أبي قَتادة الأنصاري قال: وحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن نافع مولى بني غفار عن أبي محمد عن أبي قتادة،، قالا: قال أبو قتادة: رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان: مسلما ومشركا، قال: وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم، قال: فأتيته، فضربت يده فقطعتها. واعتنقنى بيده الأخرى، فواللّه ما أرسلني حتى وجدت ريح الدم - ويروى: ريح الموت، فيما قال ابن هشام - وكاد يقتلني، فلولا أن الدم نزفه لقتلني، فسقط؛ فضربته فقتلته. وأجهضني عنه القتال، ومر به رجل من أهل مكة فسلبه. فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلا فله سَلبُه، فقلت: يا رسول اللّه، واللّه لقد قتلت قتيلا ذا سَلَب، فأجهضني عنه القتال، فما أدري من استلبه؟ فقال رجل من أهل مكة: صدق يا رسول اللّه، وسَلَب ذلك القتيل عندي، فأرْضه عني من سَلَبه.فقال أبو بكر الصديق رضى اللّه عنه: لا واللّه، لا يرضيه منه، تَعْمِد إلى أسد من أسْد اللّه، يقاتل عن دين اللّه، تقاسمه سَلَبه؟! اردد عليه سلب قتيله، فقال رسول اللّه صلي الله عليه وسلم: صدق فاردد عليه سَلَبه. فقال أبو قَتادة: فأخذته منه، فبعته، فاشتريت بثمنه مَخْرَفاً فإنه لأولُ مال اعتقدْتُه.

 

مخرفًا: بستاناً، والحديث رواه البخاري 3142 و7170 ومسلم1751 وأحمد 22981

 

ويقول الواقدي:

 

وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُحَدّثُ قَالَ: لَمّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْت رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ مُسْلِمًا وَمُشْرِكًا، قَدْ عَلاهُ الْمُشْرِكُ، فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتّى أَتَيْته مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْته عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَىّ فَضَمّنِى ضَمّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، وَكَادَ أَنْ يَقْتُلَنِى لَوْلا أَنّ الدّمَ نَزَفَهُ فَسَقَطَ، وَذَفّفْتُ عَلَيْهِ وَمَضَيْت وَتَرَكْت عَلَيْهِ سَلَبَهُ فَلَحِقْت عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ، فَقُلْت: مَا بَالُ النّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللّهِ، ثُمّ إنّ النّاسَ رَجَعُوا، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ”، قَالَ: فَقُمْت، فَقُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِى؟ ثُمّ جَلَسْت، ثُمّ قَالَ: “مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ”. فَقُمْت، فَقُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِى؟ ثُمّ جَلَسْت، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ”. فَقَامَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فَشَهِدَ لِى، ثُمّ لَقِيت الأَسْوَدَ ابْنَ الْخُزَاعِىّ فَشَهِدَ لِى، وَإِذَا صَاحِبِى الّذِى أَخَذَ السّلَبَ لا يُنْكِرُ أَنّى قَتَلْته - وَقَدْ قَصَصْت عَلَى النّبِىّ ÷ الْقِصّةَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِى فَأَرْضِهِ مِنّى، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: لاهَا اللّهِ إذًا، لا تَعْمِدْ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللّهِ، وَعَنْ رَسُولِهِ يُعْطِيك سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيّاهُ”. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَأَعْطَانِيهِ.

فَقَالَ لِى حَاطِبُ بْنُ أَبِى بَلْتَعَةَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَتَبِيعُ السّلاحَ؟ فَبِعْته مِنْهُ بِسَبْعِ أَوَاقٍ فَأَتَيْت الْمَدِينَةَ فَاشْتَرَيْت بِهِ مَخْرَفًا فِى بَنِى سَلِمَةَ يُقَالُ لَهُ الرّدَيْنِىّ، فَإِنّهُ لأَوّلُ مَالٍ لِى نِلْته فِى الإِسْلامِ. فَلَمْ نَزَلْ نَعِيشُ مِنْهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا.

 

.....قَالُوا: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فِى رَأْسِ رُمْحٍ لَهُ طَوِيلٍ أَمَامَ النّاسِ، إذَا أَدْرَكَ طَعَنَ، قَدْ أَكْثَرَ فِى الْمُسْلِمِينَ الْقَتْلَ فَيَصْمُدُ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَعَرْقَبَ جَمَلَهُ، فَسَمِعَ خَرْخَرَةَ جَمَلِهِ وَاكْتَسَعَ الْجَمَلُ وَيَشُدّ عَلِىّ وَأَبُو دُجَانَةَ عَلَيْهِ، فَيَقْطَعُ عَلِىّ يَدَهُ الْيُمْنَى، وَيَقْطَعُ أَبُو دُجَانَةَ يَدَهُ الأُخْرَى - وَأَقْبَلا يَضْرِبَانِهِ بِسَيْفَيْهِمَا جَمِيعًا حَتّى تَثَلّمَ سَيْفَاهُمَا، فَكَفّ أَحَدُهُمَا وَأَجْهَزَ الآخَرُ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: امْضِ لا تُعَرّجْ عَلَى سَلَبِهِ فَمَضَيَا يَضْرِبَانِ أَمَامَ النّبِىّ ÷ وَيَعْتَرِضُ لَهُمَا فَارِسٌ مِنْ هَوَازِنَ بِيَدِهِ رَايَةٌ حَمْرَاءُ فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا يَدَ الْفَرَسِ وَوَقَعَ لِوَجْهِهِ، ثُمّ ضَرَبَاهُ بِأَسْيَافِهِمَا فَمَضَيَا عَلَى سَلَبِهِ، وَيَمُرّ أَبُو طَلْحَة فَسَلَبَ الأَوّلَ وَمَرّ بِالآخَرِ فَسَلَبَهُ،

 

وذكر هذا ابن هشام عن ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عُمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد اللّه، قال: ورجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء، في رأس رمح له طويل، أمام هوازن، وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحَه لمن وراءَه فاتبعوه.

 

... قال ابن إسحاق: وحدثني عاصمُ بن عُمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبدالله قال: بَيْنا ذلك الرجل من هوزان صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع إذ هَوَى له على بن أي طالب رضوان اللّه عليه، ورجل من الأنصار يريدانه، قال: فيأتيه على بن أبي طالب من خلفه، فضرب عُرْقُوبَي الجمل، فوقع على عَجِزِه، ووثب الأنصاري على الرجل، فضربه ضربة أطَنَّ قدمَه بنصف ساقه، فانجعف عن رَحْله، قال: واجتلد الناسُ، فواللهِ ما رَجَعَتْ راجعةُ الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارَى مكتَّفين عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.

 

ولكي لا يتخيل أو يزعم المسلمون أمورًا غير واقعية، فهاكم طريقة تعاملهم مع الأسرى، يقول الواقدي:

 

قَالَ: حَدّثَنِى سُلَيْمَان بْنُ بِلالٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ قَالَ قَالَتْ أُمّ عُمَارَةَ لَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ وَالنّاسُ مُنْهَزِمُونَ فِى كُلّ وَجْهٍ وَأَنَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ....إلخ قَالَ: حَدّثَنِى سُلَيْمَان بْنُ بِلالٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ قَالَ قَالَتْ أُمّ عُمَارَةَ لَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ وَالنّاسُ مُنْهَزِمُونَ فِى كُلّ وَجْهٍ وَأَنَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ فِى يَدِى سَيْفٌ لِى صَارِمٌ وَأُمّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خَنْجَرٌ قَدْ حَزَمَتْهُ عَلَى وَسَطِهَا - وَهِىَ يَوْمَئِذٍ حَامِلٌ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ - وَأُمّ سَلِيطٍ وَأُمّ الْحَارِثِ. قَالُوا: فَجَعَلَتْ تُسِلّهُ وَتَصِيحُ بِالأَنْصَارِ أَيّةُ عَادَةٍ هَذِهِ مَا لَكُمْ وَلِلْفِرَارِ، قَالَتْ: وَأَنْظُرُ إلَى رَجُلٍ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ مَعَهُ لِوَاءٌ يُوضِعُ جَمَلَهُ فِى أَثَرِ الْمُسْلِمِينَ فَأَعْتَرِضُ لَهُ فَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ الْجَمَلِ. وَكَانَ جَمَلاً مُشْرِفًا، فَوَقَعَ عَلَى عَجُزِهِ وَأَشُدّ عَلَيْهِ، فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ حَتّى أَثْبَتّه، وَأَخَذْت سَيْفًا لَهُ وَتَرَكْت الْجَمَلَ يُخَرْخِرُ يَتَصَفّقُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ قَائِمٌ مُصْلِتٌ السّيْفَ بِيَدِهِ قَدْ طَرَحَ غِمْدَهُ يُنَادِى: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قَالَ: وَكَرّ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا بَنِى عَبْدِ الرّحْمَنِ، يَا بَنِى عُبَيْدِ اللّهِ، يَا خَيْلَ اللّهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ سَمّى خَيْلَهُ خَيْلَ اللّهِ، وَجَعَلَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ بَنِى عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَجَعَلَ شِعَارَ الأَوْسِ بَنِى عُبَيْدِ اللّهِ، فَكَرّتْ الأَنْصَارُ، وَوَقَفَتْ هَوَازِنُ حَلْبَ نَاقَةٍ فَتُوحٍ ثُمّ كَانَتْ إيّاهَا، فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت هَزِيمَةً كَانَتْ مِثْلَهَا، ذَهَبُوا فِى كُلّ وَجْهٍ فَرَجَعَ ابْنَاىَ إلَىّ - حَبِيبٌ وَعَبْدُ اللّهِ ابْنَا زَيْدٍ - بِأُسَارَى مُكَتّفِينَ فَأَقُومُ إلَيْهِمْ مِنْ الْغَيْظِ. فَأَضْرِبُ عُنُقَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَجَعَلَ النّاسُ يَأْتُونَ بِالأُسَارَى، فَرَأَيْت فِى بَنِى مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ثَلاثِينَ أَسِيرًا.

 

ويذكر ابن إسحاق التالي:

 

قال ابن إسحاق: فلما انهزمت هوازن استحر القتلُ من ثقيف في بني مالك، فقُتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم، فيهم عثمان بن عبد اللّه بن ربيعة بن الحارث بن حبيب، وكانت رايتهم مع ذي الخمار، لم فلما قتل أخذها عثمان بن عبد اللّه، فقاتل بها حتى قُتل.

قال ابن إسحاق: وأخبرني عامر بن وهب بن الأسود، قال: لما بلغ - رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قتلُه، قال: أبعده اللّه، فإنه كان يبغض قريشاً.

 

وهذا رواه عبد الرزاق في مصنفه:

 

19904 - أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن رجلا من ثقيف قتل يوم أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبعده الله فإنه كان يبغض قريشا

 

وروى الواقدي:

 

وَكَانَ الّذِى قَتَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى أُمَيّةَ، فَبَلَغَ النّبِىّ ÷ فَقَالَ: “يَرْحَمُ اللّهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِى أُمَيّةَ، وَأَبْعَدَ اللّهُ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَبِيعَةَ، فَإِنّهُ كَانَ يُبْغِضُ قُرَيْشًا” .

 

كما نرى لعنه ليس لأنه وثنيًّا، بل لكونه يكره قريشًا قبيلة محمد وقلب ومركز مشروعه لدين ودولة.

 

الإكراه الديني للأسرى على اتباع الإسلام وإلا قُتِلوا، وانتواء محمد السماح بقتل أحد محاربيهم رغم إعلانه اعتناق الإسلام لينجو:

روى أحمد بن حنبل:

 

12529 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ، شَهِدَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: فَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ الْعَدَوِيُّ: يَا أَبَا حَمْزَةَ بِسِنِّ أَيِّ الرِّجَالِ كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ بُعِثَ ؟ قَالَ: " ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً "، قَالَ: ثُمَّ كَانَ مَاذَا ؟ قَالَ: " كَانَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَمَّتْ لَهُ سِتُّونَ سَنَةً، ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ " . قَالَ: سِنُّ أَيِّ الرِّجَالِ هُوَ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: " كَأَشَبِّ الرِّجَالِ، وَأَحْسَنِهِ، وَأَجْمَلِهِ، وَأَلْحَمِهِ "

قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ: هَلْ غَزَوْتَ مَعَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْتُ مَعَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ بِكَثْرَةٍ، فَحَمَلُوا عَلَيْنَا حَتَّى رَأَيْنَا خَيْلَنَا وَرَاءَ ظُهُورِنَا، وَفِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ يَحْمِلُ عَلَيْنَا، فَيَدُقُّنَا ، وَيُحَطِّمُنَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ فَهَزَمَهُمُ اللهُ فَوَلَّوْا، فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ حِينَ رَأَى الْفَتْحَ، فَجَعَلَ يُجَاءُ بِهِمْ أُسَارَى رَجُلًا رَجُلًا، فَيُبَايِعُونَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا لَئِنْ جِيءَ بِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مُنْذُ الْيَوْمِ يُحَطِّمُنَا، لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ، قَالَ: فَسَكَتَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجِيءَ بِالرَّجُلِ، فَلَمَّا رَأَى نَبِيَّ اللهِ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، تُبْتُ إِلَى اللهِ، يَا نَبِيَّ اللهِ، تُبْتُ إِلَى اللهِ، قَالَ: فَأَمْسَكَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُبَايِعْهُ لِيُوفِيَ الْآخَرُ نَذْرَهُ . قَالَ: فَجَعَلَ يَنْظُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْمُرَهُ بِقَتْلِهِ، وَجَعَلَ يَهَابُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَلَمَّا رَأَى نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا بَايَعَهُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ نَذْرِي، قَالَ: " لمْ أُمْسِكْ عَنْهُ مُنْذُ الْيَوْمِ، إِلَّا لِتُوفِيَ نَذْرَكَ" . فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَلَا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ ؟ فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ"

 

إسناده صحيح، عبد الصمد وأبوه من رجال الشيخين، ونافع أبو غالب -ويقال في اسمه أيضاً: رافع- من رجال أبي داود والترمذي وابن ماجه. وأخرجه ابن سعد 2/308، والبيهقي في "الدلائل" 7/237 من طريق عبد الله بن عمرو أبو معمر المِنْقري، وأبو داود (3194) عن داود بن معاذ، كلاهما عن عبد الوارث بن سعيد، بهذا الإسناد -واقتصر ابن سعد والبيهقي على الشطر الأول، بينما خرَّج أبو داود الشطر الثاني منه، وزاد فيه صفة القيام في صلاة الجنازة على الرجل والمرأة السالفة برقم (12180) .

 

قوله "أومضْت" ، قال السندي: أي: أشرت إليَّ بالعين.

 

 

غزوة أوطاس

 

يقول ابن كثير في السيرة:

 

غَزْوَة أَوْطَاسٍ وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ هَوَازِنَ لَمَّا انْهَزَمَتْ ذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ فِيهِمُ الرَّئِيسُ مَالِكُ بْنُ عَوْف النصرى فلجأوا إِلَى الطَّائِفِ فَتَحَصَّنُوا بِهَا، وَسَارَتْ فِرْقَةٌ فَعَسْكَرُوا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ أَوَطَاسٌ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِمْ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ فَقَاتَلُوهُمْ فَغَلَبُوهُمْ، ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ "الْكَرِيمَةِ" فَحَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ.كَمَا سَيَأْتِي.

 

ونرى قصة قتل أحد المسلمين لدريد بن الصمة وهي جريمة حرب لكونه شيخًا عجوزًا جدًّا معمرًا فقد القدرة على القتال وحمل السلاح:

 

قال ابن إسحاق: ولما انهزم المشركون، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عَوْف، وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم نحوَ نَخْلة، ولم يكن فيمن توجَّه نحو نخلة إلا بنو غِيرَة من ثقيف، وتبعت خيلُ رسول اللّه صلي الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس، ولم تتبع من سلك الثنايا.

فأدرك ربيعة بن رُفَيْع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سَمَّال ابن عَوْف بن امرئ القيس، وكان يقال له ابن الدّغُنَّة وهى أمه، فغلبت على اسمه، ويقال: ابن لذْعَة فيما قال ابن هشام - دُرَيْد بنَ الضمة، فأخذ بخطام جمله وهو يظّن أنه امرأة، وذلك أنه في شجار له، فإذا برجل، فأناخ به، فإذا شيخ كبير. وإذا هو دُرَيْد بن الصمَّة ولا يعرفه الغلام، فقال له دُرَيْد: ماذا تريد بي؟ قال: قال: أنا ربيعة بن رُفَيْع السُّلَمى، ثم ضربه بسيفه؛ فلم يُغْن شيئا، فقال: بئس ما سلَّحتك أمك! خذ سيفي هذا من مؤخر الرَّحْل، وكان الرَّحْل في الشِّجار، ثم اضربْ به، وارفع عن العِظام، واخفضْ عن الدماغ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال، ثم إذا أتيتَ أمَّك فأخبرها أنك قتلت دُرَيْد بن الصمة، فرُبَّ واللّه يوم قد منعتُ فيه نساءَك. فزعم بنو سُلَيم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشَّفَ، فإذا عِجانُه وبطون فَخِذَيه مثل القِرْطاس، من ركوب الخيل أعراء؛ فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه، فقالت:، أما واللّه لقد أعتق أمهاتٍ لك ثلاثاً.

 

فقالت عمرة بنت دُرَيْد في قتل ربيعة دريدا:

 

لعَمْرُك ما خَشيتُ على دُرَيْدٍ ... ببطنِ سُمَيْرةٍ جيشَ العناقِ

جزى عنه الالهُ بني سُلَيْمٍ ... وعقتْهمْ بما فعلوا عَقاقِ

وأسْقانا إذا قُدْنا إليهم دماءَ ... خيارِهم عندَ التلاقي

فرُبَّ عظيمةٍ دافعتَ عنهم ... وقد بلغتْ نفوسُهم التراقي

وربَّ كريمةٍ أعتقت منهم ... وأخرى قد فككْتَ من الوَثاقِ

وربَّ مُنَوَّهٍ بك من سُلَيْم ... أجبتَ وقد دعاك بلا رَماقِ

فكان جزاؤنا منهم عُقوقا ... وهَمًّا ماع منه مُخُّ ساقي

عَفَتْ اثارُ خيلِك بعدَ أيْنٍ ... بذي بَقَر إلى فَيْفِ النُّهاقِ

 

حسن الإسناد كما ذكر الحافظ بن حجر في فتح الباري (7/ 638) وعزاه إلى البزار في مسنده 6518، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة 5/ 154 والطبري في تاريخه.

 

أما أعمال القتل والحرب والقتال للإجبار على الإسلام فكثيرة جدًّا، روى البخاري:

 

بَاب غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ

 

 

 

 

 

4323 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ قَالَ أَبُو مُوسَى وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ أَلَا تَسْتَحْيِي أَلَا تَثْبُتُ فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ قَالَ فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا قَالَ أَبُو بُرْدَةَ إِحْدَاهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ وَالْأُخْرَى لِأَبِي مُوسَى

 

وروى ابن إسحاق:

 

قال ابن هشام: ٍ وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر، وحديثه: أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرةَ إخوة من المشركين، فحمل عليه أحدُهم، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهدْ عليه، فقتله أبو عامر؛ ثم حمل عليه آخر، فحمل عليه أبو عامر، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهدْ عليه، فقتله أبو عامر. ثم جعلوا يحملون عليه رجلاً رجلاً، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك، حتى قتل تسعة، وبقى العاشر؛ فحمل على أبي عامر، وحمل عليه أبو عامر، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه؛ فقال الرجل: اللهم لا تشهد علىَّ فكف عنه أبو عامر، فأفلت؛ ثم أسلم بعدُ فحسن إسلامه. فكان رسول اللّه صلي الله عليه وسلم إذ رآه قال: هذا شريدُ أبي عامر. ورمى أبا عامر أخوان: العلاءُ وأوفى ابنا الحارث، من بني جُشَم بن معاوية، فأصاب أحدُهما قلبَه، والآخر ركبتَه، فقتلاه. ووَلِيَ الناسَ أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما.

 

قام خالد بن الوليد بجريمة حرب حيث قتل امرأة، مما يعكس دمويته وشره واضطرابه النفسي، ولم يقم محمد بمحاكمته وعقابه، روى ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني بعضُ أصحابنا: أن رسول اللّه صلي الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأةٍ وقد قتلها خالدُ بن الوليد والناس متقصِّفون عليها، فقال: ما هذا؟ فقالوا: امرأة قتلها خالد بن الوليد: فقال رسول اللّه صلي الله عليه وسلم لبعضِ من معه: أدركْ خالداً، فقل له: إن رسول اللّه ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عَسيفاً.

 

ورواه أحمد:

 

15992 - حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُرَقِّعُ بْنُ صَيْفِيٍّ، عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ، أَخِي حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَمَرَّ رَبَاحٌ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ، مِمَّا أَصَابَتِ الْمُقَدِّمَةُ، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ خَلْقِهَا، حَتَّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَانْفَرَجُوا عَنْهَا، فَوَقَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ " فَقَالَ لِأَحَدِهِمْ: " الْحَقْ خَالِدًا فَقُلْ لَهُ: لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا"

 

وأخرجه النسائي في "الكبرى"" (8625) و(8628)، وابنُ ماجه (2842)، وأبو يعلى (1546)، والطحاوي في "شرح المعاني" 3/221، وابنُ حبان (4789)، والطبراني في "الكبير" (4619) (4620) و(4621) و(4622)، والبيهقي في "السنن" 9/91، و9/ 82، وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/314، وأبو داود (2669)، وابن أبي حاتم في "العلل" 1/345، وابنُ عبد البر في"التمهيد"16/140، وأحمد بن حنبل (15993) و(15994) و(15995)

 

4739 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ "

 

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/381، والدارمي 2/222-223، والبخاري (3015) ، ومسلم (1744) (25) ، وأبو عوانة 4/93، والطحاوى 3/220، والبيهقي 9/77 من طرق، عن عبيد الله بن عمر، به. وأخرجه الطحاوي 3/221 من طريق جويرية بن أسماء، عن نافع، به. وأحمد ن حنبل بالأرقام (4746) و (5458) و (5658) و (5753) و (5959) و (6037) و (6055) وفي الباب عن ابن عباس برقم (2316) و (2728) .

 

15588 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ، فَأَفْضَى بِهِمُ الْقَتْلُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ ، فَلَمَّا جَاءُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِ الذُّرِّيَّةِ ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانُوا أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: " أَوَهَلْ خِيَارُكُمْ إِلَّا أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ نَسَمَةٍ تُولَدُ، إِلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا"

 

وأورده البخاري في "تاريخه الكبير" 1/445 من طريق السري بن يحيى عن الحسن، قال: حدثنا الأسود بن سريع، فذكر الحديث. وسيأتي من طريق السري برقم (16303)

15589 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَزَوْتُ مَعَهُ فَأَصَبْتُ ظَهْرًا ، فَقَتَلَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى قَتَلُوا الْوِلْدَانَ - وَقَالَ مَرَّةً: الذُّرِّيَّةَ - فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا بَالُ أَقْوَامٍ جَاوَزَهُمُ الْقَتْلُ الْيَوْمَ حَتَّى قَتَلُوا الذُّرِّيَّةَ " فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا هُمْ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: " أَلَا إِنَّ خِيَارَكُمْ أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ " ثُمَّ قَالَ: " أَلَا لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، أَلَا لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً " قَالَ: " كُلُّ نَسَمَةٍ تُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا، فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا وَيُنَصِّرَانِهَا "

 

رجاله ثقات رجال الشيخين لكن سماع الحسن من الأسود بن سريع لا يثبت عند بعضهم. إسماعيل: هو ابن عُلَيَّة، ويونس: هو ابن عبيد العبدي. وأخرجه الحازمي في "الاعتبار" ص213 من طريق إسماعيل، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1160) ، والنسائي في "الكبرى" (8616) ، والدارمي 2/223، والطبراني في "الكبير" (829) و (832) ، والحاكم 2/123، والبيهقي في "السنن" 9/77 من طرق عن يونس ابن عبيد، وصححه الحاكم

 

ويذكر الواقدي:

 

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ قَدّمَ سُلَيْمًا فِى مُقَدّمَتِهِ عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَمَرّ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ، وَالنّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: “مَا هَذَا”؟ قَالُوا: امْرَأَةٌ قَتَلَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ رَجُلاً يُدْرِكُ خَالِدًا فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَنْهَاك أَنْ تَقْتُلَ امْرَأَةً أَوْ عَسِيفًا.

وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ امْرَأَةً أُخْرَى فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا قَتَلْتهَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَرْدَفْتهَا وَرَائِى فَأَرَادَتْ قَتْلِى فَقَتَلْتهَا. فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فَدُفِنَتْ.

 

طبعًا تلك التي حاولت قتله كان يريد سبيها وحاولت الدفاع عن حريتها ضد الاستعباد والخطف، والحَدَث له شاهد من مراسيل أبي داوود:

 

311 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن عكرمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال: «ألم أنه عن قتل النساء، من صاحب هذه المرأة المقتولة ؟» فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توارى.

 

وفي مسند أحمد بن حنبل:

 

2316 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْهُ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ امْرَأَةً، أَوْ سَبَاهَا، فَنَازَعَتْهُ قَائِمَ سَيْفِهِ، فَقَتَلَهَا، فَمَرَّ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرَ بِأَمْرِهَا، فَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ.

 

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، الحجاج -وهو ابن أرطاة- مدلس وقد عنعن. أبو خالد الأحمر: هو سليمان بن حيان. وهو في "مصنف ابن أبي شيبة" 12/381 مختصراً. وأخرجه بنحوه ابن أبي شيبة 14/470 عن عبد الرحيم بن سليمان، ويشهد له حديث ابن عمر عند أحمد 2/22، وهو في "الصحيحين"، وحديث عكرمة مرسلاً عند أبي داود في "المراسيل" (333) .

 

 وبموضع آخر يذكر:

 

حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، قَالَ: حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ أَنّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ يَصِيحُ يَوْمَئِذٍ بِالْخَزْرَجِ يَا لَلْخَزْرَجِ يَا لَلْخَزْرَجِ، وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَا لَلأَوْسِ ثَلاثًا، فَثَابُوا وَاَللّهِ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ كَأَنّهُمْ النّحْلُ تَأْوِى إلَى يَعْسُوبِهَا. قَالَ: فَحَنِقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُمْ حَتّى أَسْرَعَ الْمُسْلِمُونَ فِى قَتْلِ الذّرّيّةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَقَالَ: “مَا بَالُ أَقْوَامٍ ذَهَبَ بِهِمْ الْقَتْلُ حَتّى بَلَغَ الذّرّيّةَ أَلا لا تُقْتَلُ الذّرّيّةُ ثَلاثًا”. قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَيْسَ إنّمَا هُمْ أَوْلادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَوَلَيْسَ خِيَارُكُمْ أَوْلادَ الْمُشْرِكِينَ؟ كُلّ نَسَمَةٍ تُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا، فَأَبَوَاهَا يُهَوّدَانِهَا أَوْ يُنَصّرَانِهَا”.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

15588 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ، فَأَفْضَى بِهِمُ الْقَتْلُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ، فَلَمَّا جَاءُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِ الذُّرِّيَّةِ ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانُوا أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: "أَوَهَلْ خِيَارُكُمْ إِلَّا أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ نَسَمَةٍ تُولَدُ، إِلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا "

 

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (833) ، والحاكم 2/123، والبيهقي في "السنن" 9/130 من طريق يونس بن محمد، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1162) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1397) من طريق شيبان، عن قتادة، به. وأخرجه مطولاً ومختصراً عبد الرزاق في "المصنف" (20090) ، وابن أبي شيبة 12/386، وأبو يعلى (942) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1396) ، والطبراني في "الكبير" (826) و (828) و (830) و (831) و (832) و (834) و (835) ، وفي "الأوسط" (2005) من طرق عن الحسن، به. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/216، وقال: رواه أحمد بأسانيد، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح. ورواه أحمد بن حنبل بالأرقام (15589) و (16299) و (16303) . ونهيه عن قتل الذرية يشهد له حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب السالف رواه حمد (4739) ،وقوله: "ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها" يشهد له حديث أبي هريرة عند البخاري (1358) ، ومسلم (2658) ، وسلف 2/393، ولفظه عند البخاري: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".

 

رجال حديث أحمد بن حنبل ثقات رجال الشيخين إلا أن الحسن- وهو البصري- لم يسمع من الأسود بن سريع فيما ذكره علي ابن المديني في "العلل" ص59، فقد سئل عن هذا الحديث فقال: إسناده منقطع... والحسن عندنا لم يسمع من الأسود لأن الأسود خرج من البصرة أيام علي، وكان الحسن بالمدينة. قلنا: وقد تابعه على ذلك البزار كما في "نصب الراية" 1/90، وابن أبي حاتم في "المراسيل"- فقد ذكره في جملة الصحابة الذين لم يسمع منهم الحسن-، وابن منده فيما ذكره المزي في "تهذيب الكمال"، وهو ما رجحه الحافظ في "تهذيب التهذيب" كما سيأتي. وقد اختلف في سنة وفاة الأسود بن سريع، فقد ذكر علي ابن المديني أنه قتل أيام الجمل يعني سنة (36 هـ) ، وتابعه على ذلك ابن السكن، وأبو داود وأبو حاتم وأبو سليمان بن زبر وابن حبان، قال بعضهم: قتل، وقال بعضهم: فُقد فيما ذكر الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب". ونقل عن أحمد وابن معين أنه توقي سنة (42 هـ) ، وإليه ذهب البخاري في "التاريخ الكبير"، لكن قال: قال علي: قتل أيام الجمل. وقد نقل الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" عن الباوردي قوله في "معرفة الصحابة" عن الحسن، قال: لما قتل عثمان ركب الأسود سفينة، وحمل معه أهله وعياله، فما رئي بعد. ثم عقب الحافظ بقوله: وكل هذا يدل على أن الحسن وأقرانه لم يلحقوه.

قلنا: ويعكر على هذا أن الحسن قد صرح في بعض الأسانيد بسماعه من الأسود بن سريع، فقد أخرج النسائي في "الكبرى" (8616) ، والحاكم 2/123 من طريق هشيم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: حدثنا الأسود بن سريع، فذكر الحديث.  وأخرج الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" الحديث من طريق السري بن يحيى، عن الحسن، قال: حدث الأسود بن سريع وذلك برقم (1394) و (1395) ، ومن طريق الأشعث بن عبد الملك، عن الحسن أن الأسود بن سريع حدثهم... فذكر الحديث، وذلك برقم (1396) وهو ما مال إليه الطحاوي في تصحيح سماع الحسن من الأسود. وأورده البخاري في "تاريخه الكبير" 1/445 من طريق السري بن يحيى عن الحسن، قال: حدثنا الأسود بن سريع، فذكر الحديث. ورواه أحمد بن حنبل من طريق السري برقم (16303) .

 

وروى البخاري:

 

3014 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ


3015 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ

ورواه مسلم 1744

 

وهكذا لم يقم محمد سوى بنهيهم، ولم يحاكم أو يعدم أحدًا على قتل الأطفال والنساء، الدين له تأثير سلبي حقًّا، إن كنت ستحتاج من يقول لك أن قتل طفل أو امرأة أو شيخ وعجوز هو فعل إجرامي مقزز، هذا افتقاد لكل حس إنساني وحتى حيواني.

 

ولنلاحظ أن ما رواه الواقدي:

قَالَ: حَدّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ، قَالَ: رَأَيْت النّبِىّ ÷ بِحُنَيْنٍ يَتَخَلّلُ الرّجَالَ يَسْأَلُ عَنْ مَنْزِلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَأَنَا مَعَهُ فَأُتِىَ يَوْمَئِذٍ بِشَابّ فَأَمَرَ مَنْ عِنْدَهُ فَضَرَبُوهُ بِمَا كَانَ فِى أَيْدِيهِمْ وَحَثَا عَلَيْهِ التّرَابَ.

 

الكلام هنا ليس عن خالد، بل عن شخص طبقوا عليه حد الخمر وفق طريقة محمد التي لم يكن فيها الجلد، الذي ابتكره لاحقًا عمر بن الخطاب، روى أحمد بن حنبل:

 

16809 - حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ النَّاسَ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَسْأَلُ عَنْ مَنْزِلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، " فَأُتِيَ بِسَكْرَانَ، فَأَمَرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَضْرِبُوهُ بِمَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ "

 

إن المسؤولية الإجرامية لقتل هؤلاء الأطفال يتحملها محمد كمحرض إجرامي، وكل قتلى لا نعلمهم قتلوا في غارات المسلمين الأوائل الإرهابية اللصوصية الدموية، لأن أحد أصحابه سأله سابقًا_في رحلته لمحاولة القيام بعمرة وقصة صلح الحديبية_عن قتل النساء والأطفال فلم يمانع ذلك وشجّع عليه بمنتهى الهمجية والوحشية:

 

روى البخاري:

 

بَاب أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ الْوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ

٣٠١٢ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثنَا سُفْيَانُ حَدَّثنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قاَلَ مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باِلْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يبُيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ هُمْ مِنْهُمْ وَسمِعْتُهُ يقَولُ لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

3013 - وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا الصَّعْبُ فِي الذَّرَارِيِّ كَانَ عَمْرٌو يُحَدِّثُنَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ قَالَ هُمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ عَمْرٌو هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

16422 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، فَأَهْدَيْتُ لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ ، فَرَدَّهُ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى فِي وَجْهِي الْكَرَاهَةَ قَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ بِنَا رَدٌّ عَلَيْكَ وَلَكِنَّا حُرُمٌ "

وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ "

وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ ، فَقَالَ: " هُمْ مِنْهُمْ "، ثُمَّ يَقُولُ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ نَهَى عَنْ ذَلِكَ بَعْدُ

 

16426 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا نُصِيبُ فِي الْبَيَاتِ مِنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: "هُمْ مِنْهُمْ"

 

الحديثان صحيحان رجالهما رجال الصحيحين، ورواه أحمد بأسانيد عديدة ٦٤٢٤ و ١٦٤٢٦ و ١٦٦٥٧ و ١٦٦٥٨ و ١٦٦٦٤ و ١٦٦٦٨ و ١٦٦٦٩ و ١٦٦٧ ولرؤية الحديث في كتب الحديث الأخرى راجع هوامش الأرقام المذكورة في طبعة دار الرسالة لمسند أحمد. ورواه مسلم في صحیحه ١٧٤٥

 

بل وفي زوائد عبد الله على أبيه أحمد بن حنبل في مسنده لفظ أسوأ وأبشع:

 

16679 - قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ يَعْنِي النَّضْرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ" 16680 - قَالَ: وَأَهْدَيْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ ، فَرَدَّهُ عَلَيَّ، فَعَرَفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ"

16681 - وَسَأَلْتُهُ: عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: " اقْتُلْهُمْ مَعَهُمْ "، قَالَ: وَقَدْ نَهَى عَنْهُمْ يَوْمَ خَيْبَرَ

 

حديث صحيح، وإسناده إسناد سابقه برقم (16679) ، والقائل: وقد نهى عنهم يوم خيبر: هو الزهري كما هو مبين في الرواية السالفة برقم (16422) إلا أن في لفظ: خيبر تحريف قديم إذ جاء في رواية ابن حبان (137) يوم حنين، وهو الصواب، قال الحافظ في "الفتح" 6/147: ويؤيد كون النهي في غزوة حنين ما سيأتي من حديث رَبَاح بن الربيع الآتي: فقال لأحدهم: "الحق خالداً فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفاً".. وخالد أول مشاهده مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة الفتح، وفي ذلك العام كانت غزوة حنين. قلنا: وقد سلف حديث رَباح بن الربيع برقم (15992) وإسناده قوي.

 

وفي كتاب المغازي للواقدي:

 

وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ الصّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ، أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّهُ جَاءَ رَسُولَ اللّهِ ÷ بِالأَبْوَاءِ يَوْمَئِذٍ بِحِمَارٍ وَحْشِىّ فَأَهْدَاهُ لَهُ فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ ÷، قَالَ الصّعْبُ: فَلَمّا رَآنِى وَمَا بِوَجْهِى مِنْ كَرَاهِيَةِ رَدّ هَدِيّتِى، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص:  “إنّا لَمْ نَرُدّهُ إلاّ أَنّا حُرُمٌ”. قَالَ: فَسَأَلْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا نُصَبّحُ الْعَدُوّ وَالْغَارَةَ فِى غَلَسِ الصّبْحِ فَنُصِيبُ الْوِلْدَانَ تَحْتَ بُطُونِ الْخَيْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “هُمْ مَعَ الآبَاءِ”. وَقَالَ: سَمِعْته يَوْمَئِذٍ يَقُولُ: “لا حِمَى إلاّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ”، وَيُقَالُ: إنّ الْحِمَارَ يَوْمَئِذٍ كَانَ حَيّا.

 

لقد قام محمد بحروبه بهدف فرض دينه المخترَع الجديد على وثنيي شبه جزيرة العرب بقوة السلاح وتهديد القتل بالسيوف، فهل يُنتظَر من مُهدَّد بالقتل أن يقتنع ويؤمن طواعية وبصدق، وكيف مع هذا الإجبار سيمكنهم معرفة المؤمن من المتظاهر المنافق ليحمي حياته؟! وحدث في معركة أوطاس نفس ما حدث في سرية غالب بن عبد الله إلى فدك على يد أسامة بن زيد وسرية أبي قتادة إلى بني سليم، وسرية إضم، شخص وسط القتال من طرف ثقيف قال أنه مسلم فقتله أحد الجنود المسلمون:

 

17165 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ قُتِلَ مِنْهُمْ بِأَوْطَاسٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا عَامِرٍ أَلَا غَيَّرْتَ ؟" فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "أَيْنَ ذَهَبْتُمْ ؟ إِنَّمَا هِيَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ"

 

شرح من حاشیة السندي: قوله: قَتَلَ: على بناء الفاعل، أي إن رجلاً من المؤمنین قَتَلَ رجلاً بلا وجه. ألا غیَّرَت: من التغییر، أي: ألا غیَّرتَ المنكر، ونهیتَ عنه.

 

وأخرجه الطبراني في "الكبير" 22/799 من طريق مسلم بن إبراهيم، عن مالك بن مغول، بهذا الإسناد ولفظه عن أبي عامر أنه كان فيهم شيء، فاحتبس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما حبسك؟" قال: قرأت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلَّ إذا اهتديتم) ، قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يضركم من ضلَّ من الكفار إذا اهتديتم"، ويظهر من سياق لفظه أن في روايته سقطاً.

إسناده ضعيف لانقطاعه، عليُّ بنُ مُدْرِك ذكره كلُّ من ترجمه في أتباع التابعين، فلم يذكروا له روايةً عن أحد من الصحابة، وانفرد ابنُ حبان بذكره في التابعين، وذكرَ له سماعاً من أبي مسعود البدري، ولم يتابعه على ذلك أحد، والذي يترجَّح من ترجمته أن حديثه عن الصحابة منقطع. وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير أبي عامر الأشعري، فلم يرو له إلا البخاري تعليقاً والترمذي. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/19، وقال: رجالهما ثقات، إلا أني لم أجد لعليِّ بن مُدْرِك سماعاً من أحد من الصحابة.

لنر عدد من قتل فقط من ثقيف وهم يقودون الراية، لنعرف كم العنف والدماء المسفوكة بسبب الإسلام، يقول الواقدي:

 

وَكَانَتْ رَايَةُ بَنِى مَالِكٍ مَعَ ذِى الْخِمَارِ فَلَمّا انْهَزَمَتْ هَوَازِنُ تَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَيُسْتَحْصَى الْقَتْلَى مِنْ ثَقِيفٍ بِبَنِى مَالِكٍ فَقُتِلَ مِنْهُمْ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ تَحْتَ رَايَتِهِمْ فِيهِمْ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، فَقَاتَلَ بِهَا مَلِيّا، وَجَعَلَ يَحُثّ ثَقِيفًا وَهَوَازِنَ عَلَى الْقِتَالِ حَتّى قُتِلَ

 

تذكر بنو سُلَيم أن هوازن لهم بهم قرابة فتوقفوا عن القتل والإبادة وتغلب عليهم الجانب الإنساني السليم والحس السويّ، مما أغضب محمدًا، يقول الواقدي:

 

قَالُوا: لَمّا هَزَمَ اللّهُ تَعَالَى هَوَازِنَ اتّبَعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ. فَنَادَتْ بَنُو سُلَيْمٍ بَيْنَهَا: ارْفَعُوا عَنْ بَنِى أُمّكُمْ الْقَتْلَ فَرَفَعُوا الرّمَاحَ وَكَفّوا عَنْ الْقَتْلِ - وَأُمّ سُلَيْمٍ؛ بُكْمَةُ ابْنَةُ مُرّةَ أُخْتُ تَمِيمِ بْنِ مُرّةَ - فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ الّذِى صَنَعُوا قَالَ اللّهُمّ: “عَلَيْك بِبَنِى بُكْمَةَ” - وَلا يَشْعُرُونَ أَنّ لَهُمْ أُمّا اسْمُهَا بُكْمَةُ - أَمّا فِى قَوْمِى فَوَضَعُوا السّلاحَ وَضْعًا، وَأَمّا عَنْ قَوْمِهِمْ فَرَفَعُوا رَفْعًا وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِطَلَبِ الْقَوْمِ

 

سبايا معركة أوطاس

 

وأسر المسلمون بعض النساء كسبايا، وكان ممن خطفوه نساء متزوجات، وظنوا أن الإسلام سيفعل شيئًا أفضل من التقاليد العربية القديمة، تحسينًا لأخلاق البشر وجفاء القدماء واستعبادهم واغتصابهم للنساء على الأقل المتزوجات منهن، وتحرجوا من معاشرة تلك النساء المتزوجات بالاغتصاب، فأعلن محمد أنه لا مانع من اغتصاب النساء المتزوجات المسبيات المستعبدات بعد حيضة الواحدة منهم حيضة واحدة كعدة، وروى مسلم:

 

باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبي

 

 [ 1456 ] حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل في ذلك {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}  أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن

 

 [ 1456 ] وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أبي الخليل أن أبا علقمة الهاشمي حدث أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية بمعنى حديث يزيد بن زريع غير أنه قال إلا ما ملكت أيمانكم منهن فحلال لكم ولم يذكر إذا انقضت عدتهن

   

 [ 1456 ] وحدثنيه يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد قال أصابوا سبيا يوم أوطاس لهن أزواج فتخوفوا فأنزلت هذه الآية {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} 

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

11691 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا نِسَاءً مِنْ سَبْيِ أَوْطَاسٍ، وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَقَعَ عَلَيْهِنَّ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] قَالَ: " فَاسْتَحْلَلْنَا بِهَا فُرُوجَهُنَّ "

 

11596 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، وَأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَيْسُ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ: "لَا تُوطَأُ حَامِلٌ، - قَالَ أَسْوَدُ: حَتَّى تَضَعَ - وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً" قَالَ يَحْيَى: "أَوْ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ"

 

ورواه أحمد (11797) و (11798) و(11228) وأخرجه النسائي في "الكبرى" (5491)، وأبو يعلى (1148)، والترمذي (1132) و(3017)، والنسائي فى "الكبرى" (11097)  و(11098) والطبراني في "الكبير" (12637) و والواحدي في "أسباب النزول" ص141

 

والنص في القرآن من سورة النساء بتمامه كالتالي:

 

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)} النساء: 23-24

 

كما نرى، القرآن يشرع وينظم ويقنن لأعمال سبي واغتصاب النساء.

 

ويقول الواقدي:

 

قَالُوا: وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ سَبَايَا يَوْمَئِذٍ فَكَانُوا يَكْرَهُونَ يَقَعُوا عَلَيْهِنّ وَلَهُنّ أَزْوَاجٌ فَسَأَلُوا النّبِىّ ÷ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللّهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ: ‘‘لا تُوطَأُ حَامِلٌ مِنْ السّبْىِ حَتّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَلا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتّى تَحِيضَ حَيْضَةً”،

 

يقول ابن كثير في السيرة:

 

وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا.

رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ حَيْثُ بِيعَتْ ثُمَّ خُيِّرَتْ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا أَوْ إِبْقَائِهِ، فَلَوْ كَانَ بَيْعُهَا طَلَاقًا لَهَا لَمَا خُيِّرَتْ.

وَقَدْ تَقَصَّيْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.

وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ عَلَى إِبَاحَةِ الْأَمَةِ الْمُشْرِكَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ.

وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ وَقَالُوا: هَذِهِ قَضِيَّةُ عَيْنٍ، فَلَعَلَّهُنَّ أَسْلَمْنَ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ.

وَمَوْضِعُ تَقْرِيرِ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

 

هنا نرى تناقضًا، رغم تحريم الفقهاء لامتلاك النساء الوثنيات المستعبدات، خشية من شدة اختلاف الدينين الإسلام والاعتقاد بتعدد الآلهة، فإن المسلمين الأوائل كما رأينا طوال هذا الكتاب كانوا يقومون بخطف واغتصاب واستعباد (سبي) النساء الوثنيات، وبعد موت محمد كان هناك سبايا بني حنيفة أتباع مدعي النبوة مسلمة الحنفي، وسبايا الوثنيين في ما يسمونه حروب الرِدّة. وقد روي عن طائفة من التابعين منهم عمرو بن دينار إباحة وطء المجوسية والوثنية بملك.

 

 

 

 

 

 

حصار الطائف والانصراف عنها

 

قال ابن إسحاق في السيرة:

 

ذكر غزوة الطائف بعد حنين في سنة ثمان

ولما قَدِم فلُّ ثقيف الطائفَ أغلقوا عليهم أبوابَ مدينتها، وصنعوا الصنائعَ للقتال.

ولم يشهد حُنينا ولا حصارَ الطائف عُروة بن مسعود، ولا غَيْدن بن سلمة، كانا بجُرَش، يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور.

ثم سار رسول اللّه صلي الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حُنين...إلخ

 

.... وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بلية، بحصن مالك بن عوف فهُدم، ثم سلك في طريق يقال لها الضّيقة فلما توجه فيها رسول اللّه صلي الله عليه وسأل عن اسمها، فقال: ما اسم هذه الطريق؟ فقيل له الضيقة، فقال: بل هي اليُسْرى، ثم خرج منها على نَخْب، حتى نزل تحتَ سِدْرَة يقال لها الصَّادرة، قريبا من مال رجل من ثقيف، فأرسل إليه رسول اللّه صلي الله عليه وسلم: إما أن تخرج، وإما أن نُخْرب عليك حائطك؛ فأبى أن يخرج، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بإخرابه.

 

كما نرى: قام بتخريب بستان مزارع لأنه عارض الخروج من ملكه، إفساد وعدوان وإيذاء للناس.

 

ويقول الواقدي عن إعدادات محمد:

 

قَالُوا: لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حُنَيْنًا وَأَرَادَ الْمَسِيرَ إلَى الطّائِفِ، بَعَثَ الطّفَيْلَ ابْنَ عَمْرٍو إلَى ذِى الْكَفّيْنِ - صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ - يَهْدِمُهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَمِدّ قَوْمَهُ وَيُوَافِيَهُ بِالطّائِفِ، فَقَالَ الطّفَيْلُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْصِنِى، قَالَ: “أَفْشِ السّلامَ، وَابْذُلْ الطّعَامَ، وَاسْتَحْىِ مِنْ اللّهِ كَمَا يَسْتَحْيِى الرّجُلُ ذُو الْهَيْئَةِ مِنْ أَهْلِهِ، إذَا أَسَأْت فَأَحْسِنْ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذّاكِرِينَ”، قَالَ: فَخَرَجَ الطّفَيْلُ سَرِيعًا إلَى قَوْمِهِ فَهَدَمَ ذَا الْكَفّيْنِ وَجَعَلَ يَحْشُو النّارَ فِى جَوْفِهِ وَيَقُولُ:

يَا ذَا الْكَفّيْنِ لَسْـــت مِــنْ عُبّادِكَا

 

مِيلادُنَــــا أَقْدَمُ مِــنْ مِيلادِكَـــــا

أَنَا حَشَـــوْت النّارَ فِـــى فُؤَادِكَــــا

وَأَسْرَعَ مَعَهُ قَوْمُهُ انْحَدَرَ مَعَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ قَوْمِهِ فَوَافَوْا النّبِىّ ÷ بِالطّائِفِ بَعْدَ مُقَامِهِ بِأَرْبَعَةِ أَيّامٍ فَقَدِمَ بِدَبّابَةٍ وَمَنْجَنِيقٍ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَزْدِ، مَنْ يَحْمِلُ رَايَتَكُمْ؟ قَالَ الطّفَيْلُ: مَنْ كَانَ يَحْمِلُهَا فِى الْجَاهِلِيّةِ، قَالَ: أَصَبْتُمْ وَهُوَ النّعْمَانُ بْنُ الزّرَافَةِ اللّهْبِىّ.

وَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مِنْ حُنَيْنٍ عَلَى مُقَدّمَتِهِ، وَأَخَذَ مَنْ يَسْلُكُ بِهِ مِنْ الأَدِلاّءِ إلَى الطّائِفِ، فَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الطّائِفِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ أَمَرَ بِالسّبْىِ أَنْ يُوَجّهُوا إلَى الْجِعِرّانَةِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِىّ، وَأَمَرَ بِالْغَنَائِمِ فَسِيقَتْ إلَى الْجِعِرّانَةِ وَالرّثّةِ.

وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الطّائِفِ وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ رَمّوا حِصْنَهُمْ وَدَخَلُوا فِيهِ مُنْهَزِمِينَ مِنْ أَوْطَاسٍ وَأَغْلَقُوهُ عَلَيْهِمْ - وَهُوَ حِصْنٌ عَلَى مَدِينَتِهِمْ لَهُ بَابَانِ - وَصَنَعُوا الصّنَائِعَ لِلْقِتَالِ وَتَهَيّئُوا، وَأَدْخَلُوا حِصْنَهُمْ مَا يُصْلِحُهُمْ لِسَنَةٍ لَوْ حُصِرُوا وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْلانُ بْنُ سَلَمَةَ بِجُرَشَ يَتَعَلّمَانِ عَمَلَ الدّبّابَاتِ وَالْمَنْجَنِيقِ يُرِيدَانِ أَنْ يَنْصِبَاهُ عَلَى حِصْنِ الطّائِفِ، وَكَانَا لَمْ يَحْضُرَا حُنَيْنًا وَلا حِصَارَ الطّائِفِ.

وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ أَوْطَاسٍ، فَسَلَكَ عَلَى نَخْلَةَ الْيَمَانِيّةِ، ثُمّ عَلَى قَرْنٍ، ثُمّ عَلَى الْمُلَيْحِ، ثُمّ عَلَى بَحْرَةِ الرّغَاءِ مِنْ لِيّةَ،...إلخ

 

.... وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ الظّهْرَ بِلِيّةَ، وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ قَصْرًا، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: هَذَا قَصْرُ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ. فَقَالَ: “أَيْنَ مَالِكٌ”؟ قَالُوا: هُوَ يَرَاك الآنَ فِى حِصْنِ ثَقِيفٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ فِى قَصْرِهِ”؟ قَالُوا: مَا فِيهِ أَحَدٌ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “حَرّقُوهُ”، فَحُرّقَ مِنْ حِينِ الْعَصْرِ إلَى أَنْ غَابَتْ الشّمْسُ.

 

.... ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ لِيّةَ فَسَلَكَ طَرِيقًا يُقَالُ لَهَا: الضّيْقَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بَلْ هِىَ الْيُسْرَى”، ثُمّ خَرَجَ عَلَى نَخِبٍ حَتّى نَزَلَ تَحْتَ سِدْرَةِ الصّادِرَةِ عِنْدَ مَالِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ النّبِىّ ÷ إمّا أَنْ تَخْرُجَ وَإِمّا أَنْ نُحَرّقَ عَلَيْك حَائِطَك فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِإِحْرَاقِ حَائِطِهِ وَمَا فِيهِ.

 

يستأنف ابن إسحاق:

 

ثم مضى رسول اللّه صلي الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف، فضرب به عسكرَه، فقُتل به ناس من أصحابه بالنَّبْل، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف، وكانت النَبل تنالهم، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطَهم، أغلقوه دونَهم؛ فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم، فحصرهم بضعاً وعشرين ليلة.

 

ويقول الواقدي:

 

وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ حِصْنِ الطّائِفِ، فَيَضْرِبُ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ فَسَاعَةَ حَلّ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابُهُ جَاءَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إنّا قَدْ دَنَوْنَا مِنْ الْحِصْنِ فَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ سَلّمْنَا، وَإِنْ كَانَ عَنْ الرّأْىِ فَالتّأَخّرُ عَنْ حِصْنِهِمْ. قَالَ: فَأَسْكَتَ رَسُولُ اللّهِ ÷.

فَكَانَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِىّ يُحَدّثُ يَقُولُ: لَقَدْ طَلَعَ عَلَيْنَا مِنْ نَبْلِهِمْ سَاعَةَ نَزَلْنَا شَيْءٌ اللّهُ بِهِ عَلِيمٌ كَأَنّهُ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ - وَتَرّسْنَا لَهُمْ - حَتّى أُصِيبَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِجِرَاحَةٍ، وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷ الْحُبَابَ فَقَالَ: “اُنْظُرْ مَكَانًا مُرْتَفِعًا مُسْتَأْخِرًا عَنْ الْقَوْمِ”، فَخَرَجَ الْحُبَابُ حَتّى انْتَهَى إلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِ الطّائِفِ خَارِجٍ مِنْ الْقَرْيَةِ فَجَاءَ إلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَحَوّلُوا.

 

هنا ارتكب محمد نفس الغلطة التي ارتكبها في غزوة خيبر، وهي الاقتراب من حصن أكثر من اللزوم، ولم يتعلم من الخبرة السابقة شيئًا وتسبب في موت جنوده المجرمين.

 

يستكمل ابن هشام وعن ابن إسحاق متحدثًا عن الفشل في اقتحام حصن الطائف:

 

قال ابن هشام: ورماهم رسول اللّه صلي الله عليه وسلم بالمنجنيق حدثني من أثق به أن رسول اللّه صلي الله عليه وسلم أول من رمى في الِإسلام بالمنجنيق، قال ابن إسحاق: حتى إذا كان يوم الشَّدْخَة عند جدار الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول اللّه صلي الله عليه وسلم تحت دبابة، ثم زحفوا إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سِكَك الحديد مُحماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثَقيف بالنَبل، فقتلوا منهم رجالاً، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابِ ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون.

 

ويقول الواقدي:

 

فَنَصَبَ النّبِىّ ÷ الْمَنْجَنِيقَ، قَالَ: وَشَاوَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ الْفَارِسِىّ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَى أَنْ تَنْصِبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى حِصْنِهِمْ، فَإِنّا كُنّا بِأَرْضِ فَارِسَ نَنْصِبُ الْمَنْجَنِيقَاتِ عَلَى الْحُصُونِ وَتُنْصَبُ عَلَيْنَا، فَنُصِيبُ مِنْ عَدُوّنَا وَيُصِيبُ مِنّا بِالْمَنْجَنِيقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَنْجَنِيقُ طَالَ الثّوَاءُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَعَمِلَ مَنْجَنِيقًا بِيَدِهِ، فَنَصَبَهُ عَلَى حِصْنِ الطّائِفِ، وَيُقَالُ: قَدِمَ بِالْمَنْجَنِيقِ يَزِيدُ بْنُ زَمْعَةَ وَدَبّابَتَيْنِ، وَيُقَالُ: الطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو؛ وَيُقَالُ: خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَدِمَ مِنْ جُرَشَ بِمَنْجَنِيقٍ وَدَبّابَتَيْنِ، وَنَثَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْحَسَكَ شِقّتَيْنِ - حَسَكٌ مِنْ عَيْدَانَ - حَوْلَ حِصْنِهِمْ وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ تَحْتَ الدّبّابَةِ وَهِىَ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ - وَذَلِكَ يَوْمٌ يُقَالُ لَهُ: الشّدْخَةُ. قِيلَ: وَمَا الشّدْخَةُ؟ قَالَ: مَا قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ - دَخَلُوا تَحْتَهَا، ثُمّ زَحَفُوا بِهَا إلَى جِدَارِ الْحِصْنِ لِيَحْفِرُوهُ فَأَرْسَلَتْ عَلَيْهِمْ ثَقِيفٌ سِكَكَ الْحَدِيدِ مُحْمَاةً بِالنّارِ فَحَرَقَتْ الدّبّابَةَ فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ تَحْتِهَا وَقَدْ أُصِيبَ مِنْهُمْ مَنْ أُصِيبَ فَرَمَتْهُمْ ثَقِيفٌ بِالنّبْلِ فَقُتِلَ مِنْهُمْ رِجَالٌ.

قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِقَطْعِ أَعْنَابِهِمْ وَتَحْرِيقِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ قَطَعَ حَبَلَةً فَلَهُ حَبَلَةٌ فِى الْجَنّةِ”. فَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ لِيَعْلَى بْنِ مُرّةَ الثّقَفِىّ: أَقَطْعُ ذَلِكَ أَجْرِي؟ فَفَعَلَ يَعْلَى بْنُ مُرّةَ ثُمّ جَاءَهُ، فَقَالَ يَعْلَى: نَعَمْ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَك النّارُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَقَالَ عُيَيْنَةُ أَوْلَى بِالنّارِ مِنْ يَعْلَى، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقْطَعُونَ قَطْعًا ذَرِيعًا.

قَالَ: وَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ الثّقَفِىّ وَاَللّهِ لَنُقَطّعَنّ أَبَا عِيَالِك، فَقَالَ سُفْيَانُ: إذًا لا تَذْهَبُونَ بِالْمَاءِ وَالتّرَابِ فَلَمّا رَأَى الْقَطْعَ نَادَى سُفْيَانُ يَا مُحَمّدُ لِمَ تَقْطَعُ أَمْوَالَنَا؟ إمّا أَنْ تَأْخُذَهَا إنْ ظَهَرْت عَلَيْنَا، وَإِمّا أَنْ تَدَعَهَا لِلّهِ وَلِلرّحِمِ كَمَا زَعَمْت، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَإِنّى أَدَعُهَا لِلّهِ وَلِلرّحِمِ”، فَتَرَكَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷.

وَحَدّثَ أَبُو وَجْزَةَ السّعْدِىّ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يَقْطَعُ كُلّ رَجُلٍ مِنْ أَعْنَابِهِمْ خَمْسَ حَبَلاتٍ، فَأَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ إلَى النّبِىّ ÷ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ عُمّ لَمْ يُؤْكَلْ ثَمَرُهُ، فَأَمَرَ أَنْ يَقْطَعُوا مَا أَكَلُوا ثَمَرَهُ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ الأَوّلَ فَالأَوّلَ

 

لا يستطيع أتباع هذا الدين من الأصوليين عدم عشق أذية الناس وإضرارهم، هذه خصلة أساسية فيهم متجذرة بنفسياتهم.

 

وروى البيهقي في دلائل النبوة:

 

وأنبأنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد قال حدثنا أبو عتاب العبدي قال حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة قال حدثنا ابن أبي أويس قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة قالا ثم سار رسول الله إلى الطائف وترك السبي بالجعرانة وملئت عرش مكة منهم ونزل رسول الله بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلةً يقاتلهم رسول الله وأصحابه وتقاتلهم ثقيف من وراء الحصن بالحجارة والنبل ولم يخرج إليه أحد منهم غير أبي بكرة بن مسروح أخي زياد لأمه فأعتقه رسول الله وكثرت الجراح وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها فقالت ثقيف لا تفسدوا الأموال فإنها لنا أو لكم واستأذنه المسلمون في مناهضة الحصن فقال رسول الله ما أرى أن نفتحه وما أذن لنا فيه الآن

 هذا لفظ حديث موسى وحديث عروة بمعناه قال موسى وزعموا أن رسول الله حين انصرف إلى الطائف أمر بقصر مالك بن عوف فحرق وأقاد بها رجلاً من رجل قتله ويقال أنه أول قتيل أقيد في الاسلام

 وزاد عروة في روايته قال وأمر رسول الله المسلمين حين حاصروا ثقيفاً أن يقطع كل رجل من المسلمين خمس نخلات أو حبلات من كرومهم فأتاه عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله انها عفاء لم تؤكل ثمارها فأمرهم أن يقطعوا ما أكلت ثمرته الأول فالأول وبعث منادياً ينادي من خرج إلينا فهو حر فاقتحم إليهم نفر منهم أبو بكرة بن مسروح أخو زياد بن أبي سفيان لأمه فأعتقهم رسول الله ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يعوله ويحمله

 

ولننظر إلى هذه الرواية عند ابن أبي شيبة:

 

38119- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ ؛ أَنَّهُ مَلَكَ يَوْمَ الطَّائِفِ خَالاَتٍ لَهُ، فَأُعْتِقْنَ بِمِلْكِهِ إِيَّاهُنَّ.

 

ويستأنف ابن إسحاق:

 

وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف، فناديا ثقيفاً: أن أمنونا حتى نكلمكم فأمنوهما، فدعوا نساءً من نساءٍ من قريش وبنى كنانة ليخرجن إليهما، وهما يخافان عليهن السباء، فأبين، منهن آمنة بنت أبي سفيان، كانت عند عروة بن مسعود، له منها داود بن عروة.

قال ابن هشام: ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان، وكانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود، فولدت له داود بن مرة.

قال ابن إسحاق: والفِرَاسِيَّة بنت سُوَيد بن عمرو بن ثعلبة، لها عبد الرحمن بن قارب، والفُقَيمية أمَيمة بنت الناسئ أمَية بن قَلْع؛ فلما أبيْن عليهما، قال لهما ابن الأسود بن مسعود: يا أبا سفيان ويا مغيرة، ألا أدلكما على خير مما جئتما له، إن مال بني الأسود بن مسعود حيث قد علمتما، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف، نازلا بواد يقال له العقيق، ليس بالطائف مال أبعد رِشاءً، ولا أشد مُؤْنة، ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود، وإن محمدا إن قطعه لم يُعْمَر أبداً، فكلَّماه فليأخذ لنفسه، أو ليدَعْه للّه والرَّحِم، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يُجهل فزعموا أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تركه لهم.

 

هنا نرى أن هناك علاقات قرابة ومصاهرة وزواج بين قريش وثقيف، محمد بأفعاله هذه كان يقوم بإيذاء أقارب له كذلك، لقد فاوضا ثقيفًا لكي لا تتعرض قريباتهم القرشيات هم أنفسهم للسبي والخطف على أيدي الجيش المسلم نفسه! ولنرَ مدى قوة وسمو النفسية عند المرأتين فقد رفضتا الخروج وآثرتا البقاء مع زوجيهما، والقصة رواها الواقدي كذلك. ومن لفظ الواقدي: فكلماه فتركه رسول الله.

 

نلاحظ تغلب الجانب الإنساني السليم السويّ على الجانب الإرهابيّ الإسلاميّ عند بعض أصحاب وأتباع محمد، فلننظر إلى القصة التالية من الواقدي:

 

قَالُوا: وَكَانَ أَبُو مِحْجَنٍ عَلَى رَأْسِ الْحِصْنِ يَرْمِى بِمَعَابِلَ، وَالْمُسْلِمُونَ يُرَامُونَهُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ لِصَاحِبِهِ: إنْ افْتَتَحْنَا الطّائِفَ فَعَلَيْك بِنِسَاءِ بَنِى قَارِبٍ فَإِنّهُنّ أَجْمَلُ إنْ أَمْسَكْت، وَأَكْثَرُ فِدَاءً إنْ فَادَيْتَ، فَسَمِعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ: يَا أَخَا مُزَيْنَةَ، قَالَ: لَبّيْكَ، قَالَ: ارْمِ ذَلِكَ الرّجُلَ، يَعْنِى أَبَا مِحْجَنٍ وَإِنّمَا غَارَ الْمُغِيرَةُ حِينَ ذَكَرَ الْمُزَنِىّ النّسَاءَ، وَعَرَفَ أَنّ أَبَا مِحْجَنٍ رَجُلٌ رَامٍ لا يَسْقُطُ لَهُ سَهْمٌ، فَرَمَاهُ الْمُزَنِىُّ فَلَمْ يَصْنَعْ سَهْمُهُ شَيْئًا. وَفَوّقَ لَهُ أَبُو مِحْجَنٍ - بِمِعْتَلَةٍ فَتَقَعُ فِى نَحْرِهِ فَقَتَلَتْهُ. قَالَ: يَقُولُ الْمُغِيرَةُ: مَنّى الرّجَالَ بِنِسَاءِ بَنِى قَارِبٍ. قَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ الْمُزَنِىّ، وَهُوَ يَسْمَعُ كَلامَهُ أَوّلَهُ وَآخِرَهُ: قَاتَلَك اللّهُ يَا مُغِيرَةُ، أَنْتَ وَاَللّهِ عَرّضْته لِهَذَا. وَإِنْ كَانَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ سَاقَ لَهُ الشّهَادَةَ. أَنْتَ وَاَللّهِ مُنَافِقٌ، وَاَللّهِ لَوْلا الإِسْلامُ مَا تَرَكْتُك حَتّى أَغْتَالَك وَجَعَلَ الْمُزَنِىّ يَقُولُ: إنّ مَعَنَا الدّاهِيَةَ وَمَا نَشْعُرُ وَاَللّهِ لا أُكَلّمُك أَبَدًا قَالَ: طَلَبَ الْمُغِيرَةُ إلَى الْمُزَنِىّ أَنْ يَكْتُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، قَالَ: لا وَاَللّهِ أَبَدًا، قَالَ: فَبَلَغَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ - وَهُوَ فِى عَمَلِ عُمَرَ بِالْكُوفَةِ - فَقَالَ: وَاَللّهِ. مَا كَانَ الْمُغِيرَةُ بِأَهْلٍ أَنْ يُوَلّى وَهَذَا فِعْلُهُ، قَالَ: وَرَمَى أَبُو مِحْجَنٍ يَوْمَ الطّائِفِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِى بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ بِسَهْمٍ فَدَمِلَ الْجُرْحُ حَتّى بَغَى، وَخَرَجَ السّهْمُ مِنْ الْجُرْحِ فَأَمْسَكَهُ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ.

 

إنه سلوك حميد أن يغار المرء على كرامة نساء بلده وقومه، وسلوك المغيرة بن شعبة الثقفي، الذي هو من ثقيف، مبرَّر وواضح، وللمغيرة قصص وأمور تطول بعضها حميد والآخر ليس بذلك أوردها من كتب التاريخ شهيد الكلمة فرج فودة بكتابه (الحقيقة الغائبة).

 

أيضًا من طرق محمد لزيادة جيشه أن يحرر من هرب إليه من المستعبَدين من استعباد مستعبديهم، في حين أنه ما كان ليحرر الكثير من مستعبدي المسلمين أو يلغي كامل نظام الاستعباد، يقول ابن إسحاق:

 

ونزل على رسول الله في إقامته ممن كان محاصَرًا بالطائف عبيد فأسلموا، فأعتقهم رسول الله ص. قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن عبد اللّه بن مُكدَّم، عن رجال من ثقيف، قالوا: لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: لا، أولئك عتقاءُ اللّه؛ وكان ممن تكلم فيهم الحارث ابن كَلَدَة.

قال ابن هشام: وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد.

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

38110- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ، قَالَ: أَعْتَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الطَّائِفِ كُلَّ مَنْ خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ رَقِيقِ الْمُشْرِكِينَ.

 

38111- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ غُلاَمَانِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الطَّائِفِ فَأَعْتَقَهُمَا، أَحَدُهُمَا أَبُو بَكْرَةَ، فَكَانَا مَوْلَيَيْهِ.

                           

ورواه أحمد بن حنبل 3415 و1959 و (2111) و (2176) و (2229) و (3267) و (3415)، حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، حجاج- وهو ابن أرطاة- مدلس وقد عنعنه، والحكم- وهو ابن عتيبة- لم يسمعه من مقسم، وإنما هو كتاب. وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير مقسم، فقد روى له البخاري حديثاً واحداَ، وهو ثقة. وأخرجه أبو يعلي (2564)، والطبراني (12079)، والبيهقي 9/229 من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة 12/511، والدارمي (2508)، والطحاوي 3/278، والطبراني (12092)، والبيهقي 9/229-230 و230 من طرق عن الحجاج، به. ويشهد له مرسل عبد الله بن المكرم الثقفي عند البيهقي 9/229 (في المطبوع: عبد الله بن المكدم)، وحديث رجل من ثقيف عند أحمد في "المسند" 4/168.

 

وروى الواقدي:

 

وَنَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللّهِ ÷: أَيّمَا عَبْدٍ نَزَلَ مِنْ الْحِصْنِ وَخَرَجَ إلَيْنَا فَهُوَ حُرّ، فَخَرَجَ مِنْ الْحِصْنِ رِجَالٌ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً: أَبُو بَكَرَةَ، وَالْمُنْبَعِثُ، وَكَانَ اسْمُهُ الْمُضْطَجِعَ، فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمُنْبَعِثَ حِينَ أَسْلَمَ، وَكَانَ عَبْدًا لِعُثْمَانَ بْنِ عَمّارِ بْنِ مُعَتّبٍ، وَالأَزْرَقُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ الأَزْرَقِ، وَكَانَ عَبْدًا لِلْكَلَدَةِ الثّقَفِىّ مِنْ بَنِى مَالِكٍ، ثُمّ صَارَ حَلِيفًا فِى بَنِى أُمَيّةَ فَنَكَحُوا إلَيْهِ وَأَنْكَحُوهُ، وَوَرْدَانُ عَبْدٌ لِعَبْدِ اللّهِ ابْنِ رَبِيعَةَ الثّقَفِىّ جَدّ الْفُرَاتِ بْنِ زَيْدِ بْنِ وَرْدَانَ، وَيُحَنّسُ النّبّالُ وَكَانَ عَبْدًا لِيَسَارِ ابْنِ مَالِكٍ فَأَسْلَمَ سَيّدُهُ بَعْدُ فَرَدّ النّبِىّ ÷ إلَيْهِ وَلاءَهُ - فَهُمْ أَعْبُدُ الطّائِفِ - وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ - كَانَ عَبْدًا لِخَرَشَةَ الثّقَفِىّ، وَيَسَارٌ عَبْدٌ لِعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ لَمْ يُعْقِبْ، وَأَبُو بَكَرَةَ نُفَيْعُ بْنُ مَسْرُوحٍ، وَكَانَ لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، وَإِنّمَا كُنّىَ بِأَبِى بَكَرَةَ أَنّهُ نَزَلَ فِى بَكَرَةٍ مِنْ الْحِصْنِ، وَنَافِعٌ أَبُو السّائِبِ عَبْدٌ لِغَيْلانَ بْنِ سَلَمَةَ، فَأَسْلَمَ غَيْلانُ بَعْدُ فَرَدّ النّبِىّ ÷ إلَيْهِ وَلاءَهُ وَمَرْزُوقٌ غُلامٌ لِعُثْمَانَ لا عَقِبَ لَهُ، كُلّ هَؤُلاءِ أَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَمُونُهُ، وَيَحْمِلُهُ فَكَانَ أَبُو بَكَرَةَ إلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.

وَكَانَ الأَزْرَقُ إلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَكَانَ وَرْدَانُ إلَى أَبَانَ بْنِ سَعِيدٍ، وَكَانَ يُحَنّسُ النّبّالُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، وَكَانَ يَسَارُ بْنُ مَالِكٍ إلَى سَعْدِ ابْنِ عُبَادَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ إلَى أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ، وَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنْ يُقْرِئُوهُمْ الْقُرْآنَ وَيُعَلّمُوهُمْ السّنَنَ”. فَلَمّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ تَكَلّمَتْ أَشْرَافُهُمْ فِى هَؤُلاءِ الْمُعْتَقِينَ فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ، يَرُدّوهُمْ فِى الرّقّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللّهِ لا سَبِيلَ إلَيْهِمْ”، وَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الطّائِفِ مَشَقّةً شَدِيدَةً وَاغْتَاظُوا عَلَى غِلْمَانِهِمْ.

 

ثم تحدثت خولة بنت حكيم بطمع قائلة، كما في السيرة لابن هشام:

 

ثم إن خُوَيلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوْقَص السَّلَمية، وهى امرأة عثمان، قالت: يا رسول اللّه، أعطني إن فتح اللّه عليك الطائف حُلِىَّ بادية بنت غَيْلان بن مظعون ابن سَلَمة، أو حُلِىَّ الفارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثَقيف. فذُكر لي أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لها: وإن كان لم يُؤْذنْ لي في ثقيف يا خُويلة؟ فخرجت خُوَيلة، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه، ما حديث حَدَّثَتْنيه خُوَيلة، زعمت. أنك قلتَه؟ قال: قد قلتُه؛ قال: أو ما أذن لك فيهم يا رسول اللّه؟ قال: لا، قال: أفلا أؤذِّن بالرحيل؟ قال: بلى. قال فأذَّن عمر بالرحيل.

وروى ابن أبي شيبة:

 

38109- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ، فَجَاءَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحَرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَ اهْدِ ثَقِيفًا، مَرَّتَيْنِ.

قَالَ: وَجَاءَتْهُ خَوْلَةُ، فَقَالَ: إِنِّي نُبِّئْتُ أَنَّ بِنْتَ خُزَاعَةَ ذَاتُ حُلِيٍّ، فَنَفِّلَنِّي حُلِيَّهَا إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْك الطَّائِفَ غَدًا، قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَنَا فِي قِتَالِهِمْ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ، نُرَاهُ عُمَرَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا مُقَامُك عَلَى قَوْمٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَك فِي قِتَالِهِمْ ؟ قَالَ: فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ، فَنَزَلَ الْجِعْرَانَةَ، فَقَسَّمَ بِهَا غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، ثُمَّ دَخَلَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

 

ومما ورد من ابن إسحاق نكتشف الأطماع الحقيقية البسيطة للأعراب وأخلاط القبائل الذين استعملهم محمد في جيشه المعتدي الإرهابي:

 

فلما استقام الناسُ نادى سعيدُ بن عُبَيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج: ألا إن الحيَّ مقيم. قال: يقول عُيينة بن حِصْن: أجل، واللّه مجدةً كراماً؛ فقال له رجل من المسلمين: قاتلك اللّه يا عُيينة، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وقد جئت تنصر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم! فقال: إني وِاللّه ما جئت لأقاتل ثقيفاً معكم، ولكنى أردت أن يفتح محمدٌ الطائف، فأصيب من ثقيفٍ جاريةً أتطِئُها، لعلها تلد لي رجلا، فإن ثقيفاً قوم مناكير.

 

ويحكي الواقدي قصة يزعمها عن عيينة أثناء حصار الطائف:

 

قَالُوا: وَقَالَ عُيَيْنَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ اِيذَنْ لِى حَتّى آتِىَ حِصْنَ الطّائِفِ فَأُكَلّمَهُمْ، فَأَذِنَ لَهُ فَجَاءَهُ، فَقَالَ: أَدْنُو مِنْكُمْ وَأَنَا آمِنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَعَرَفَهُ أَبُو مِحْجَنٍ فَقَالَ: اُدْنُ، فَدَنَا، فَقَالَ: اُدْخُلْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْحِصْنَ، فَقَالَ: فِدَاؤُكُمْ أَبِى وَأُمّى وَاَللّهِ لَقَدْ سَرّنِى مَا رَأَيْت مِنْكُمْ، وَاَللّهِ لَوْ أَنّ فِى الْعَرَبِ أَحَدًا غَيْرَكُمْ وَاَللّهِ مَا لاقَى مُحَمّدٌ مِثْلَكُمْ قَطّ، وَلَقَدْ مَلّ الْمُقَامَ فَاثْبُتُوا فِى حِصْنِكُمْ فَإِنّ حِصْنَكُمْ حَصِينٌ وَسِلاحَكُمْ كَثِيرٌ، وَمَاءَكُمْ وَاتِنٌ لا تَخَافُونَ قَطْعَهُ، قَالَ: فَلَمّا خَرَجَ قَالَتْ ثَقِيفٌ لأَبِى مِحْجَنٍ: فَإِنّا كَرِهْنَا دُخُولَهُ وَخَشِينَا أَنْ يُخْبِرَ مُحَمّدًا بِخَلَلٍ إنْ رَآهُ فِينَا أَوْ فِى حِصْنِنَا. قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ: أَنَا كُنْت أَعْرَفَ لَهُ لَيْسَ مِنّا أَحَدٌ أَشَدّ عَلَى مُحَمّدٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ، فَلَمّا رَجَعَ إلَى النّبِىّ ÷ قَالَ لَهُ: “مَا قُلْت لَهُمْ”؟ قَالَ: قُلْت: اُدْخُلُوا فِى الإِسْلامِ وَاَللّهِ لا يَبْرَحُ مُحَمّدٌ عُقْرَ دَارِكُمْ حَتّى تَنْزِلُوا، فَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ أَمَانًا، قَدْ نَزَلَ بِسَاحَةِ أَهْلِ الْحُصُونِ قَبْلَكُمْ قَيْنُقَاعَ وَالنّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ أَهْلِ الْحَلْقَةِ وَالْعُدّةِ وَالآطَامِ، فَخَذّلْتُهُمْ مَا اسْتَطَعْت، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ سَاكِتٌ عَنْهُ حَتّى إذَا فَرَغَ مِنْ حَدِيثِهِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷: “كَذَبْت، قُلْت لَهُمْ: كَذَا وَكَذَا” لِلّذِى قَالَ. قَالَ عُيَيْنَةُ: أَسَتَغْفِرُ اللّهَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِى أُقَدّمُهُ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا يَتَحَدّثُ النّاسُ أَنّى أَقْتُلُ أَصْحَابِى”، وَيُقَالُ: إنّ أَبَا بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ أَغْلَظَ لَهُ يَوْمَئِذٍ، وَقَالَ: وَيْحَك يَا عُيَيْنَةُ، إنّمَا أَنْتَ أَبَدًا تُوضِعُ فِى الْبَاطِلِ كَمْ لَنَا مِنْك مِنْ يَوْمٍ بَنِى النّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ، تَجْلِبُ عَلَيْنَا وَتُقَاتِلُنَا بِسَيْفِك، ثُمّ أَسْلَمْت كَمَا زَعَمْت فَتُحَرّضُ عَلَيْنَا عَدُوّنَا قَالَ: أَسَتَغْفِرُ اللّهَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَأَتُوبُ إلَيْهِ، لا أَعُودُ أَبَدًا.

 

ثم انسحب محمد عن حصار حصون ثقيف بالطائف، يقول ابن إسحاق:

 

فلما انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار، قال بُجَير بن زُهَير بن أبي سلمى يذكر حنينا والطائف...إلخ شعر

 

ثم خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دَحْنا حتى نزل الجعْرَانة فيمنَ معه من الناس، ومعه من هوازن سَبْىٌ كثير وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظَعَن في ثقيف: يا رسول اللّه، ادعُ عليهم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد ثقيفا وأتِ بهم.

 

ولو أن هناك رواية مناقضة لذلك عند ابن أبي شيبة:

 

38113- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن سِنَانٍ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، يَدْعُو عَلَيْهِمْ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ.

وروى ابن أبي شيبة من مزاعم محمد الغريبة وإلا فهو حالة هوس:

 

38116- حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُحَاصِرٌ ثَقِيفًا: مَا رَأَيْتُ الْمَلَكَ مُنْذُ نَزَلْتُ مَنْزِلِي هَذَا، قَالَ: فَانْطَلَقَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةُ، فَحَدَّثَتْ ذَلِكَ عُمَرَ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ، فَأَشَارَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالرَّحِيلِ، فَارْتَحَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

 

روى البخاري:

 

4325 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الْأَعْمَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا قَالَ إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا نَذْهَبُ وَلَا نَفْتَحُهُ وَقَالَ مَرَّةً نَقْفُلُ فَقَالَ اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَعْجَبَهُمْ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً فَتَبَسَّمَ قَالَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْخَبَرَ كُلَّهُ

 

6086 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّائِفِ قَالَ إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ قَالَ فَغَدَوْا فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا وَكَثُرَ فِيهِمْ الْجِرَاحَاتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ فَسَكَتُوا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِالْخَبَرِ كُلِّهِ

وروى ابن أبي شيبة:

 

38107- حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَالَ مُرَّةُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَرْجِعُ وَلَمْ نَفْتَتِحْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اُغْدُوَا عَلَى الْقِتَالِ، فَغَدَوْا، فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

 

ورواه أحمد 4588 والحميدي (706)، وسعيد بن منصور (2863)، والبخاري (4325) و (6086) و(7480)، ومسلم (1878) (82)، والبيهقي في "الدلائل " 5/165 إلى 5/ 168، وأبو يعلى (5773)، والبيهقي في "السنن" 9/43، والنسائي في "الكبرى" (8599) و (8872)

 

والسياق بتمامه من الواقدي _على طوله_هكذا:

 

قَالُوا: قَالَ أَبُو مِحْجَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِىّ، وَهُوَ عَلَى حِصْنِ الطّائِفِ: يَا عَبِيدَ مُحَمّدٍ إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا لاقَيْتُمْ أَحَدًا يُحْسِنُ قِتَالَكُمْ غَيْرَنَا؛ تُقِيمُونَ مَا أَقَمْتُمْ بِشَرّ مَحْبِسٍ، ثُمّ تَنْصَرِفُونَ لَمْ تُدْرِكُوا شَيْئًا مِمّا تُرِيدُونَ نَحْنُ قَسِىّ وَأَبُونَا قَسَا، وَاَللّهِ لا نُسَلّمُ مَا حَيِينَا، وَقَدْ بَنَيْنَا طَائِفًا حَصِينًا فَنَادَاهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ حَبِيبٍ، وَاَللّهِ لَنَقْطَعَنّ عَلَيْك مَعَاشَك حَتّى تَخْرُجَ مِنْ جُحْرِك هَذَا، إنّمَا أَنْتَ ثَعْلَبٌ فِى جُحْرٍ يُوشِكُ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ أَبُو مِحْجَنٍ: إنْ قَطَعْتُمْ يَا ابْنَ الْخَطّابِ حَبَلاتِ عِنَبٍ فَإِنّ فِى الْمَاءِ وَالتّرَابِ مَا يُعِيدُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: لا تَقْدِرُ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَاءٍ وَلا تُرَابٍ لَنْ نَبْرَحَ عَنْ بَابِ جُحْرِك حَتّى تَمُوتَ، قَالَ: يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ لا تَقُلْ هَذَا، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِى فَتْحِ الطّائِفِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَهَلْ قَالَ لَك هَذَا رَسُولُ اللّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَجَاءَ عُمَرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَقَالَ: لَمْ يُؤْذَنْ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ فِى فَتْحِهَا؟ قَالَ: “لا”.

وَجَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الأَوْقَصِ السّلَمِيّةُ، وَهِىَ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطِنِى إنْ فَتَحَ اللّهُ عَلَيْك حُلِىّ الْفَارِعَةِ بِنْتِ الْخُزَاعِىّ أَوْ بَادِيَةَ بِنْتِ غَيْلانَ - وَكَانَتَا مِنْ أَجْمَلِ نِسَاءِ ثَقِيفٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا فِى ثَقِيفٍ يَا خَوْلَةُ”؟ قَالَ: فَخَرَجَتْ خَوْلَةُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ حَدّثَتْ خَوْلَةُ مَا حَدّثَتْنِى أَنّك قُلْته؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَدْ قُلْته”، قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوَلَمْ يُؤْذَنْ لَك فِيهِمْ؟ قَالَ: “لا”، قَالَ: أَفَلا أُؤَذّنُ فِى النّاسِ بِالرّحِيلِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “بَلَى”، فَأَذّنَ عُمَرُ بِالرّحِيلِ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَتَكَلّمُونَ يَمْشِى بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ. فَقَالُوا: نَنْصَرِفُ وَلا نَفْتَحُ الطّائِفَ لا نَبْرَحُ حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا. وَاَللّهِ إنّهُمْ لأَذَلّ وَأَقَلّ مَنْ لاقَيْنَا؛ قَدْ لَقِينَا جَمْعَ مَكّةَ وَجَمْعَ هَوَازِنَ، فَفَرّقَ اللّهُ تِلْكَ الْجَمُوعَ وَإِنّمَا هَؤُلاءِ ثَعْلَبٌ فِى جُحْرٍ، لَوْ حَصَرْنَاهُمْ لَمَاتُوا فِى حِصْنِهِمْ هَذَا وَكَثُرَ الْقَوْلُ بَيْنَهُمْ وَالاخْتِلافُ، فَمَشَوْا إلَى أَبِى بَكْرٍ فَتَكَلّمُوا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَالأَمْرُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْ السّمَاءِ. فَكَلّمُوا عُمَرَ فَأَبَى، وَقَالَ: قَدْ رَأَيْنَا الْحُدَيْبِيَةَ، وَدَخَلَنِى فِى الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الشّكّ مَا لا يَعْلَمُهُ إلاّ اللّهُ. وَرَاجَعْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ بِكَلامٍ لَيْتَ أَنّى لَمْ أَفْعَلْ، وَأَنّ أَهْلِى وَمَالِى ذَهَبَا، ثُمّ كَانَتْ الْخِيَرَةُ لَنَا مِنْ اللّهِ فِيمَا صَنَعَ فَلَمْ يَكُنْ فَتْحٌ كَانَ خَيْرًا لِلنّاسِ مِنْ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ - بِلا سَيْفٍ دَخَلَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ مِثْلُ مَنْ كَانَ دَخَلَ - مِنْ يَوْمِ بُعِثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى يَوْمِ كُتِبَ الْكِتَابُ، فَاتّهِمُوا الرّأْىَ وَالْخِيَرَةُ فِيمَا صَنَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَلَنْ أُرَاجِعَهُ فِى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الأَمْرِ أَبَدًا، وَالأَمْرُ أَمْرُ اللّهِ وَهُوَ يُوحِى إلَى نَبِيّهِ مَا يَشَاءُ.

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ قَالَ لأَبِى بَكْرٍ: “إنّى رَأَيْت أَنّى أُهْدِيَتْ لِى قَعْبَةٌ مَمْلُوءَةٌ زُبْدًا، فَنَقَرَهَا دِيكٌ فَأُهْرَاقَ مَا فِيهَا”. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: مَا أَظُنّ أَنْ تُدْرِكَ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ يَوْمَك هَذَا مَا تُرِيدُ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَأَنَا لا أَرَى ذَلِكَ”.

قَالَ: حَدّثَنِى كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمّا مَضَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْ حِصَارِهِمْ اسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الدّيلِىّ، فَقَالَ: “يَا نَوْفَلُ مَا تَقُولُ”؟ أَوْ تَرَى، فَقَالَ نَوْفَلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ ثَعْلَبٌ فِى جُحْرٍ إنْ أَقَمْت عَلَيْهِ أَخَذْته، وَإِنْ تَرَكْته لَمْ يَضُرّك شَيْئًا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وَلَمْ يُؤْذَنْ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ فِى فَتْحِهَا، قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عُمَرَ وَأَذّنَ فِى النّاسِ بِالرّحِيلِ. قَالَ: فَجَعَلَ النّاسُ يَضِجّونَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ”، فَغَدَوْا فَأَصَابَتْ الْمُسْلِمِينَ جِرَاحَاتٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّا قَافِلُونَ إنْ شَاءَ اللّهُ”، فَسُرّوا بِذَلِكَ وَأَذْعَنُوا، وَجَعَلُوا يَرْحَلُونَ وَالنّبِىّ ÷ يَضْحَكُ، فَلَمّا اسْتَقَلّ النّاسُ لِوَجْهِهِمْ نَادَى سَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِلاجٍ الثّقَفِىّ قَالَ: أَلا إنّ الْحَىّ مُقِيمٌ. قَالَ: يَقُولُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَجَلْ وَاَللّهِ مَجَدَةٌ كِرَامٌ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: قَاتَلَك اللّهُ تَمْدَحُ قَوْمًا مُشْرِكِينَ بِالامْتِنَاعِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَقَدْ جِئْت تَنْصُرُهُ؟ فَقَالَ: إنّى وَاَللّهِ مَا جِئْت مَعَكُمْ أُقَاتِلُ ثَقِيفًا، وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ يَفْتَحَ مُحَمّدٌ الطّائِفَ فَأُصِيبَ جَارِيَةً مِنْ ثَقِيفٍ فَأَطَأهَا لَعَلّهَا تَلِدُ لِى رَجُلاً، فَإِنّ ثَقِيفًا قَوْمٌ مُبَارَكُونَ.

فَأَخْبَرَ عُمَرُ النّبِىّ ÷ بِمَقَالَتِهِ فَتَبَسّمَ ÷، ثُمّ قَالَ: “هَذَا الْحُمْقُ الْمُطَاعُ”،

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أمر سبايا وغنائم هوازن

 

كالعادة مثل غزوة بني المصطلق وغيرها، يرتجل محمد القرارات، فهو هنا يقوم بتوزيع النساء المخطوفات السبايا على جنوده وأصحابه، فبعضهم يكون قد قام بمعاشرة واغتصاب تلك النساء والفتيات بتلك الصورة البشعة، وبعضهم يكون على وشك ذلك، ثم يأتيه وفد قبيلة هوازن معلنين إسلامهم بالإكراه لينقذوا نساءهم وأطفالهم، وهم يذكرون محمد بصورة تحرجه بما بينهم من المصاهرات والقرابات والعشرة، وأن حليمة السعدية مرضعته من هوازن، يقول ابن إسحاق:

 

ثم خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دَحْنا حتى نزل الجعْرَانة فيمنَ معه من الناس، ومعه من هوازن سَبْىٌ كثير وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظَعَن في ثقيف: يا رسول اللّه، ادعُ عليهم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد ثقيفا وأتِ بهم.

ثم أتاه وفد هَوَازن بالجعْرانة، وكان مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلمّ من سبى هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء، ومن الإِبل والشاء ما لا يُدرى ما عدته.

قال ابن إسحاق: فحدثني عَمْرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جَدِّه عبد اللّه بن عمرو، أن وفد هَوازن أتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا، قالوِا: يا رسول اللّه، إنا أصلٌ وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يَخْف عليك، فامْنُنْ علينا، مَنَّ اللّه عليك. قال: وقام رجل من هوازن، ثم أحد بني سعد بن بكر، يقال له زُهير، يُكنى أبا صُرَد، فقال: يا رسول اللّه، إنّما في الحظائر عماتُك وخالاتك وحواضنك اللاتي كنّ يكفلْنك، ولو أنّا مَلَحْنا للحارث بن أبي شَمِر، أو للنُّعمان بن المنذر، ثم نزل منّا بمثل الذي نزلت به، رجَوْنا عطفَه وعائدته - علينا، وأنت خيرُ المكفولين. قال ابن هشام: ويُروى ولو أنّا مالَحْنا الحارثَ بن أبي شَمِر، أو النُّعمان بن المنذر.

قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جَدّه عبد الله بن عمرو، قال: فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أبناؤكم ونساؤكم أحبُّ إليكم من أموالكم؟ فقالوا: يا رسول اللّه، خيَّرتنا بين أموالنا وأحسابنا، بل تردّ إلينا نساءنا وأبناءنا، فهو أحبُّ إلينا. فقال لهم: أما ما كان لي ولبنى عبد المطّلب فهو لكم، وإذا ما أنا صلّيت الظهر بالناس، فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول اللّه إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول اللّه في أبنائنا ونسائنا فسأعطيكم عند ذلك، وأسأل لكم. فلمّا صلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالناس الظّهر قاموا فتكلّموا بالذي أمرهم به، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " وأما ما كان لي ولبنى عبد المطّلب فهو لكم " فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عُيينة بن حِصْن -: أما أنا وبنو فزارة فلا، وقال عباس بن مِرداس: أما أنا وبنو سُليم فلا، فقالت بنو سُلَيم. بَلَى، ما كان لنا فهو لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم.

قال. يقول عباس بن مِرَداس لبنى سُلَيْم: وهَّنْتُموني. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ستُّ فرائض، من أول سَبْى أصيبه. فردّوا إلى الناس أبناءهم ونساءَهم.

قال ابن إسحاق: وحدثني أبو وَجْزَة يزيد بن عُبيد السَّعديّ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أعطى علىّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه جارية، يقال لها رَيْطة بنت هلال بن حَيَّان بن عُميرة بن هلال بن ناصرة بن قُصَيَّة بن نصر، ابن سعد بن بكر، وأعطى عثمان بن عفّان جارية، يقال لها زينب بنت حَيّان بن عمرو بن حَيَّان، وأعطى عمر بن الخطّاب جارية، فوهبها لعبد اللّه بن عمر ابنه.

قال ابن إسحاق: فحدثني نافع مولى عبد اللّه بن عمر، عن عبد اللّه ابن عمر، قال: بعثت بها إلى أخوالي من بني جُمَح، ليُصْلحوا لي منها، ويهيّئوها، حتى أطوف بالبيت، ثم آتيهم، وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها. قال: فخرجتُ من المسجد حين فرغت، فإذا الناس يشتدَّون؛ فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: رَدَّ علينا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم نساءَنا وأبناءَنا، فقلت: تلكم صاحبتكم في بني جُمَح، فاذهبوا فخذوها، فذهبوا إليها، فأخذوها.

 

قال ابن إسحاق: وأما عُيينة بن حِصْن، فأخذ عجوزاً من عجائز هوازن، وقال حين أخذها: أرى عجوزاً إنّي لأحسب لها في الحي نسباً، وعسى أن يعظُم فداؤها فلما ردَّ رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم السبايا بستّ فرائض، أبي أن يردَّها، فقال له زُهَيْر أبو صُرَد: خذها عنك، فواللّه ما فوها ببارد، ولا ثديُها بناهد، ولا بطنُها بوالد، ولا زوجها بواجد، ولا دَرُّها بماكد. فردّها بستّ فرائض حين قال له زُهير ما قال، فزعموا أنّ عُيينة لقي الأقرع بن حابس، فشكا إليه ذلك، فقال: إنك واللّه ما أخذتها بيضاء غزيرة، ولا نَصَفا وثيرة.

 

معاني كلمات: ملحنا: أرضعنا، دَحْنَا: بفتح أوله وسكون ثانيه. من مخاليف الطائف، الواجد: الحزين. الماكد: ويقال أيضا بناكد، يريد ليست بغزيرة الدر، والنوق النكد: الغزيرات اللبن، وأحسبه من الأضداد، لأنه قد يقال أيضاً نكد لبنها إذا نقص، قاله صاحب العين، والصحيح عند أكثرهم أن النكد هي القليلات اللبن من قوله {لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدا}، الغريرة: متوسطة السن، وكذلك النصف أيضا. والوثيرة: السمينة.

 

ويقول الواقدي بسياق كامل:

 

قَالَ: حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ الْمَقْبُرِىّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: اعْتَرَضَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ غَنَمٌ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذِهِ هَدِيّةٌ قَدْ أَهْدَيْتهَا لَك، قَالَ: “وَمِمّنْ أَنْتَ”؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، قَالَ: “إنّى لا أَقْبَلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ”، قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى مُؤْمِنٌ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ قَدْ سُقْت الصّدَقَةَ إلَى بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ لِمَالِى بِعَيْنِهِ مُصَدّقًا، قَالَ: وَأَقْبَلَ بُرَيْدَةُ فَلَحِقَ النّبِىّ ÷ فَقَالَ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا مِنْ قَوْمِى، شَرِيفٌ يَنْزِلُ بِالصّفَاحِ، قَالَ: “فَمَا أَقْدَمَك إلَى نَخْلَةَ”؟ قَالَ: هِىَ أَمْرَعُ مِنْ الصّفَاحِ الْيَوْمَ. ثُمّ قَالَ: “نَحْنُ عَلَى ظَهْرٍ كَمَا تَرَى”، فَالْحَقْنَا بِالْجِعِرّانَةِ، قَالَ: فَخَرَجَ يَعْدُو عِرَاضَ نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَأَسُوقُ الْغَنَمَ مَعِى إلَى الْجِعِرّانَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا تَسُقْهَا، وَلَكِنْ تَقْدَمُ عَلَيْنَا الْجِعِرّانَةَ فَنُعْطِيك غَنَمًا أُخْرَى إنْ شَاءَ اللّهُ”، قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ تُدْرِكُنِى الصّلاةُ وَأَنَا فِى عَطَنِ الإِبِلِ أَفَأُصَلّى فِيهِ؟ قَالَ: “لا”، قَالَ: فَتُدْرِكُنِى وَأَنَا فِى مَرَاحِ الْغَنَمِ أَفَأُصَلّى فِيهِ؟ قَالَ: “نَعَمْ”. قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ رُبّمَا تَبَاعَدَ مِنّا الْمَاءُ وَمَعَ الرّجُلِ زَوْجَتُهُ فَيَدْنُو مِنْهَا؟ قَالَ: “نَعَمْ وَيَتَيَمّمُ”. قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَتَكُونُ فِينَا الْحَائِضُ قَالَ: “تَتَيَمّمُ”. قَالَ: فَلَحِقَ النّبِىّ ÷ بِالْجِعِرّانَةِ فَأَعْطَاهُ مِائَةَ شَاةٍ.

قَالُوا: وَجَعَلَتْ الأَعْرَابُ فِى طَرِيقِهِ يَسْأَلُونَهُ وَكَثُرُوا عَلَيْهِ حَتّى اضْطَرّوهُ إلَى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ فَنَزَعَتْهُ عَنْ مِثْلِ شِقّةِ الْقَمَرِ فَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَهُوَ يَقُولُ: “أَعْطُونِى رِدَائِى أَعْطُونِى رِدَائِى لَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْته بَيْنَكُمْ ثُمّ لا تَجِدُونِى بَخِيلاً وَلا جَبَانًا وَلا كَذّابًا”، ثُمّ لَمّا كَانَ عِنْدَ الْقَسْمِ قَالَ: “أَدّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ وَإِيّاكُمْ وَالْغُلُولَ فَإِنّهُ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، ثُمّ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ بَعِيرٍ، فَقَالَ: “وَاَللّهِ مَا يَحِلّ لِى مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْكُمْ وَلا مِثْلُ هَذِهِ الْوَبَرَةِ إلاّ الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُم”.

قَالُوا: وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْجِعِرّانَةِ، وَالسّبْىُ وَالْغَنَائِمُ بِهَا مَحْبُوسَةٌ وَقَدْ اتّخَذَ السّبْىُ حَظَائِرَ يَسْتَظِلّونَ بِهَا مِنْ الشّمْسِ فَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى تِلْكَ الْحَظَائِرِ سَأَلَ عَنْهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا سَبْىُ هَوَازِنَ اسْتَظَلّوا مِنْ الشّمْسِ. وَكَانَ السّبْىُ سِتّةَ آلافٍ وَكَانَتْ الإِبِلُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ بَعِيرٍ وَكَانَتْ الْغَنَمُ لا يُدْرَى عَدَدُهَا، قَدْ قَالُوا: أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَأَقَلّ وَأَكْثَرَ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَمَرَ بُسْرَ ابْنَ سُفْيَانَ الْخُزَاعِىّ يَقْدَمُ مَكّةَ فَيَشْتَرِى لِلسّبْىِ ثِيَابًا يَكْسُوهَا، ثِيَابَ الْمَعْقِدِ فَلا يَخْرُجُ الْمَرْءُ مِنْهُمْ إلاّ كَاسِيًا، فَاشْتَرَى بُسْرٌ كُسْوَةً فَكَسَا السّبْىَ كُلّهُمْ وَاسْتَأْذَنَا رَسُولَ اللّهِ ÷ بِالسّبْىِ، وَقَدْ كَانَ فَرّقَ مِنْهُ وَأَعْطَى رِجَالاً؛ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنّ قَدْ وَطِئَهَا بِالْمِلْكِ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ وَهَبَهَا لَهُ بِحُنَيْنٍ فَرَدّهَا إلَى الْجِعِرّانَةِ حَتّى حَاضَتْ فَوَطِئَهَا، وَأَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ أُخْرَى، وَأَعْطَى عَلِىّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: رَيْطَةُ بِنْتُ هِلالِ بْنِ حَيّانَ بْنِ عُمَيْرَةَ وَأَعْطَى عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ بِنْتُ حَيّانَ بْنِ عَمْرٍو، فَوَطِئَهَا عُثْمَانُ فَكَرِهَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلِىّ وَطِئَ. وَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ جَارِيَةً فَأَعْطَاهَا عُمَرُ ابْنَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ، فَبَعَثَ بِهَا ابْنُ عُمَرَ إلَى أَخْوَالِهِ بِمَكّةَ بَنِى جُمَحَ لِيُصْلِحُوا مِنْهَا حَتّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمّ يَأْتِيَهُمْ. وَكَانَتْ جَارِيَةً وَضِيئَةً مُعْجِبَةً. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ: فَقَدِمْت مكة فَطُفْت بِالْبَيْتِ، فَخَرَجْت مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَنَا أُرِيدُ الْجَارِيَةَ أَنْ أُصِيبَهَا، وَأَرَى النّاسَ يَشْتَدّونَ، فَقُلْت: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: رَدّ رَسُولُ اللّهِ ÷ نِسَاءَ هَوَازِنَ وَأَبْنَاءَهَا.

قَالَ قُلْت: تِلْكَ صَاحِبَتُكُمْ فِى بَنِى جُمَحَ فَاذْهَبُوا فَخُذُوهَا فَذَهَبُوا فَأَخَذُوهَا. وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ جَارِيَةً مِنْ سَبْىِ هَوَازِنَ فَلَمْ تُوطَأْ. وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا طَلْحَةُ. وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ جَارِيَةً وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا، وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ جَارِيَةً وَهَذَا كُلّهُ بِحُنَيْنٍ.

فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْجِعِرّانَةِ أَقَامَ يَتَرَبّصُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ وَفْدُهُمْ وَبَدَأَ بِالأَمْوَالِ فَقَسَمَهَا، وَأَعْطَى الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ أَوّلَ النّاسِ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ غَنِمَ فِضّةً كَثِيرَةً أَرْبَعَةَ آلافِ أُوقِيّةٍ فَجُمِعَتْ الْغَنَائِمُ بَيْنَ يَدَىْ النّبِىّ ÷ فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْفِضّةُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَصْبَحْت أَكْثَرَ قُرَيْشٍ مَالاً فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَقَالَ: أَعْطِنِى مِنْ هَذَا الْمَالِ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: “يَا بِلالُ زِنْ لأَبِى سُفْيَانَ أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً وَأَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ”. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ابْنِى يَزِيدُ أَعْطِهِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “زِنُوا يَزِيدَ أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً وَأَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ”. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ابْنِى مُعَاوِيَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: “زِنْ لَهُ يَا بِلالُ أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً وَأَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ”. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إنّك الْكَرِيمُ فِدَاك أَبِى وَأُمّى وَلَقَدْ حَارَبْتُك فَنِعْمَ الْمُحَارَبُ كُنْت، ثُمّ سَالَمْتُك فَنِعْمَ الْمُسَالَمُ أَنْتَ، جَزَاك اللّهُ خَيْرًا وَأَعْطَى فِى بَنِى أَسَدٍ.

قَالَ: حَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالا: حَدّثَنَا حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللّهِ ÷ بِحُنَيْنٍ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ فَأَعْطَانِيهَا، ثُمّ سَأَلْته مِائَةً فَأَعْطَانِيهَا، ثُمّ سَأَلْته مِائَةً فَأَعْطَانِيهَا، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا حَكِيمُ بْنَ حِزَامٍ، إنّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَاَلّذِى يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ السّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ”، قَالَ: فَكَانَ حَكِيمٌ يَقُولُ: وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ لا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَك شَيْئًا، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَدْعُوهُ إلَى عَطَائِهِ فَيَأْبَى يَأْخُذُهُ فَيَقُولُ: عُمَرُ أَيّهَا النّاسُ إنّى أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكِيمٍ أَنّى أَدْعُوهُ إلَى عَطَائِهِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَه.

قَالَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِى الزّنَادِ، قَالَ: أَخَذَ حَكِيمٌ الْمِائَةَ الأُولَى ثُمّ تَرَكَ. وَفِى بَنِى عَبْدِ الدّارِ النّضَيْرُ وَهُوَ أَخُو النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، مِائَةً مِنْ الإِبِلِ. وَفِى بَنِى زُهْرَةَ أُسَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ. وَأَعْطَى الْعَلاءَ بْنَ جَارِيَةَ خَمْسِينَ بَعِيرًا، وَأَعْطَى مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ خَمْسِينَ بَعِيرًا.

وَقَدْ رَأَيْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ مَخْرَمَةُ فِى ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا سَمِعْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِى يَذْكُرُ أَنّهُ أُعْطِىَ شَيْئًا. وَمِنْ بَنِى مَخْزُومٍ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ، وَأَعْطَى سَعِيدَ بْنَ يَرْبُوعٍ خَمْسِينَ مِنْ الإِبِلِ. وَأَعْطَى فِى بَنِى جُمَحَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَيُقَالُ: إنّهُ طَافَ مَعَ النّبِىّ ÷ وَالنّبِىّ ÷ يَتَصَفّحُ الْغَنَائِمَ إذْ مَرّ بِشِعْبٍ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ فِيهِ غَنَمٌ وَإِبِلٌ وَرِعَاؤُهَا مَمْلُوءٌ. فَأَعْجَبَ صَفْوَانَ وَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَعْجَبَك يَا أَبَا وَهْبٍ هَذَا الشّعْبُ”؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: “هُوَ لَك وَمَا فِيهِ”. فَقَالَ صَفْوَانُ: أَشْهَدُ مَا طَابَتْ بِهَذَا نَفْسُ أَحَدٍ قَطّ إلاّ نَبِىّ، وَأَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ.

وَأَعْطَى قَيْسَ بْنَ عَدِىّ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُثْمَانَ بْنَ وَهْبٍ خَمْسِينَ مِنْ الإِبِلِ. وَفِى بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىّ أَعْطَى سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو مِائَةً مِنْ الإِبِلِ وَأَعْطَى حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى مِائَةً مِنْ الإِبِلِ وَأَعْطَى هِشَامَ بْنَ عُمَرَ خَمْسِينَ مِنْ الإِبِلِ. وَأَعْطَى فِى الْعَرَبِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ التّمِيمِىّ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ الْفَزَارِىّ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ وَأَعْطَى مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ. وَأَعْطَى الْعَبّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ السّلَمِىّ أَرْبَعًا مِنْ الإِبِلِ فَعَاتَبَ النّبِىّ ÷ فِى شِعْرٍ قَالَهُ:

كَانَتْ نِهَابًا تَلافَيْتهَا
وَحَثّى الْجُنُودَ لِكَىْ يُدْلِجُوا
فَأَصْبَحَ نَهْبِى وَنَهْبُ الْعَبِيـ
إلاّ أَفَائِلَ أُعْطِيتهَا
وَقَدْ كُنْت فِى الْحَرْبِ ذَا تُدْرَإٍ
وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلا حَابِسٌ
وَمَا كُنْـــت دُونَ امْــرِئٍ مِنْهُمَـــا

 

بِكَرّى عَلَى الْقَوْمِ فِى الأَجْرَعِ
إذَا هَجَعَ الْقَوْمُ لَمْ أَهْجَعِ
ـدِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ
عَدِيدَ قَوَائِمِهَا الأَرْبَعِ
فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا وَلَمْ أُمْنَعِ
يَفْوَقَانِ مِرْدَاسَ فِى الْمَجْمَعِ
وَمَــنْ تَضَـــعِ الْيَوْمَ لا يُرْفَــــــعِ

 

فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ أَبْيَاتَهُ إلَى النّبِىّ ÷، فَقَالَ النّبِىّ ÷ لِلْعَبّاسِ: “أَنْتَ الّذِى تَقُولُ: أَصْبَحَ نَهْبِى وَنَهْبُ الْعَبِيدِ بَيْنَ الأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: بِأَبِى وَأُمّى يَا رَسُولَ اللّهِ لَيْسَ

 

معاني كلمات:

كانت: يعنى الإبل والماشية. والنهاب: جمع نهب، وهو ما ينهب ويغنم.

الأجرع: المكان السهل.

العبيد: فرس عباس بن مرداس.

أفائل: جمع أفيل، وهي الصغار من الإبل.

ذا تدرإ: أى ذا دفع، من قولك، درأه إذا دفعه.

 

هَكَذَا قَالَ: قَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ كَمَا قَالَ عَبّاسٌ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “سَوَاءٌ مَا يَضُرّك بَدَأْت بِالأَقْرَعِ أَمْ عُيَيْنَةَ”، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى، مَا أَنْتَ بِشَاعِرٍ وَلا رَاوِيَةٍ وَلا يَنْبَغِى لَك، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “اقْطَعُوا لِسَانَهُ عَنّى، فَأَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ”، وَيُقَالُ: خَمْسِينَ مِنْ الإِبِلِ فَفَزِعَ مِنْهَا أُنَاسٌ وَقَالُوا: أَمَرَ بِعَبّاسٍ يُمَثّلُ بِهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْنَا فِيمَا أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ النّاسَ.

فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِى عَوْنٍ عَنْ سَعْدٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَيَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَالا: كَانَتْ الْعَطَايَا فَارِعَةً مِنْ الْغَنَائِمِ.

 

قَالَ: حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ مِنْ الْخُمُسِ، فَأَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ أَنّهَا مِنْ الْخُمُسِ.

قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطَيْت عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِائَةً وَتَرَكْت جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ الضّمْرِىّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَمَا وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَجُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ خَيْرٌ مِنْ طِلاعِ الأَرْضِ كُلّهَا مِثْلَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ وَلَكِنّى تَأَلّفْتهمَا لِيُسْلِمَا، وَوَكَلْت جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ إلَى إسْلامِهِ”.

وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَفِى ثَوْبِ بِلالٍ فِضّةٌ يَقْبِضُهَا لِلنّاسِ عَلَى مَا أَرَاهُ اللّهُ فَأَتَاهُ ذُو الْحُوَيْصِرَةِ التّمِيمِىّ، فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “وَيْلَك فَمَنْ يَعْدِلْ إذَا لَمْ أَعْدِلْ”؟ قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّهِ اِيذَنْ لِى أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَالَ: “دَعْهُ إنّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدّينِ كَمَا يَمْرُقُ السّهْمُ مِنْ الرّمِيّةِ يَنْظُرُ الرّامِى فِى قُذَذِهِ فَلا يَرَى شَيْئًا، ثُمّ يَنْظُرُ فِى نَصْلِهِ فَلا يَرَى شَيْئًا، ثُمّ يَنْظُرُ فِى رِصَافِهِ فَلا يَرَى شَيْئًا، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدّمَ يَخْرُجُونَ عَلَى فِرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَأَيْتهمْ إنّ فِيهِمْ رَجُلاً أَسْوَدَ إحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْىِ الْمَرْأَةِ، أَوْ كَبَضْعَةٍ تَدَرْدَر”، فَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَقُولُ: أَشْهَدُ لَسَمِعْت عَلِيّا يُحَدّثُ هَذَا الْحَدِيثَ.

قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: سَمِعْت رَجُلاً مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَوْمَئِذٍ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يُعْطِى تِلْكَ الْعَطَايَا، وَهُوَ يَقُولُ: إنّهَا الْعَطَايَا مَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللّهِ، قُلْت: أَمَا وَاَللّهِ لأُبَلّغَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ مَا قُلْت، فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرْته، فَتَغَيّرَ لَوْنُهُ حَتّى نَدِمْت عَلَى مَا صَنَعْته، فَوَدِدْت أَنّى لَمْ أُخْبِرْهُ، ثُمّ قَالَ: “يَرْحَمُ اللّهُ أَخِى مُوسَى قَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ”. وَكَانَ الْمُتَكَلّمُ بِهَذَا مُعَتّبَ بْنَ قُشَيْرٍ الْعَمْرِىّ.

ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِإِحْصَاءِ النّاسِ وَالْغَنَائِمِ ثُمّ فَضّهَا عَلَى النّاسِ فَكَانَتْ سِهَامَهُمْ لِكُلّ رَجُلٍ أَرْبَعٌ مِنْ الإِبِلِ أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً فَإِنْ كَانَ فَارِسًا أَخَذَ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ مِنْ الإِبِلِ أَوْ عِشْرِينَ وَمِائَةَ شَاةٍ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ.

 

نلاحظ هنا أن حتى الأشراف كبار القوم اختلفوا واحتجوا على اختلاف حجم أعطياتهم لدى محمد، والربط بين المعترض والخوراج الشراة في الأحاديث ربط أسطوري غير منطقي، ويستأنف الواقدي:

 

ذِكْرُ وَفْدِ هَوَازِنَ

قَالُوا: فَقَدِمَ وَفْدُ هَوَازِنَ. وَكَانَ فِى الْوَفْدِ عَمّ النّبِىّ ÷ مِنْ الرّضَاعَةِ قَالَ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّمَا فِى هَذِهِ الْحَظَائِرِ مَنْ كَانَ يَكْفُلُك مِنْ عَمّاتِك وَخَالاتِك وَحَوَاضِنِك، وَقَدْ حَضَنّاك فِى حُجُورِنَا، وَأَرْضَعْنَاك بِثُدِيّنَا، وَلَقَدْ رَأَيْتُك مُرْضَعًا فَمَا رَأَيْت مُرْضَعًا خَيْرًا مِنْك، وَرَأَيْتُك فَطِيمًا فَمَا رَأَيْت فَطِيمًا خَيْرًا مِنْك، ثُمّ رَأَيْتُك شَابّا فَمَا رَأَيْت شَابّا خَيْرًا مِنْك، وَقَدْ تَكَامَلَتْ فِيك خِلالُ الْخَيْرِ وَنَحْنُ مَعَ ذَلِكَ أَهْلُك وَعَشِيرَتُك، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنّ اللّهُ عَلَيْك فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “قَدْ اسْتَأْنَيْت بِكُمْ حَتّى ظَنَنْت أَنّكُمْ لا تَقْدَمُونَ”، وَقَدْ قُسِمَ السّبْىُ وَجَرَتْ فِيهِمْ السّهْمَانُ.

وَقَدِمَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ وَجَاءُوا بِإِسْلامِ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ فَكَانَ رَأْسَ الْقَوْمِ وَالْمُتَكَلّمَ أَبُو صُرَدٍ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا أَهْلُك وَعَشِيرَتُك، وَقَدْ أَصَابَنَا مِنْ الْبَلاءِ مَا لا يَخْفَى عَلَيْك. يَا رَسُولَ اللّهِ إنّمَا فِى هَذِهِ الْحَظَائِرِ عَمّاتُك وَخَالاتُك وَحَوَاضِنُك اللاّتِى كُنّ يَكْفُلْنَك، وَلَوْ أَنّا مَلَحْنَا لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِى شِمْرٍ وَلِلنّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ثُمّ نَزَلا مِنّا بِمِثْلِ الّذِى نَزَلْت بِهِ رَجَوْنَا عَطْفَهُمَا وَعَائِدَتَهُمَا، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ. وَيُقَالُ: إنّهُ قَالَ يَوْمَئِذٍ - أَبُو صُرَدٍ: إنّمَا فِى هَذِهِ الْحَظَائِرِ أَخَوَاتُك وَعَمّاتُك وَبَنَاتُ عَمّاتِك وَخَالاتُك وَبَنَاتُ خَالاتِك، وَأَبْعَدُهُنّ قَرِيبٌ مِنْك، يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى، إنّهُنّ حَضَنّك فِى حُجُورِهِنّ وَأَرْضَعْنَك بِثُدِيّهِنّ وَتَوَرّكْنَك عَلَى أَوْرَاكِهِنّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ وَقَالَ:

أُمْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللّهِ فِى كَرَمٍ
أُمْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ عَاقَهَا قَدَرٌ
أُمْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْت تَرْضَعُهَا
اللآئِى إذْ كُنْت طِفْلاً كُنْت تَرْضَعُهَا
أَلا تَدَارَكَهَا نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا
لا تَجْعَلَنّا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ
إنّا لَنَشْكُــــرُ آلاءً وَإِنْ قَدُمَــــــتْ

 

فَإِنّك الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَدّخِرُ
مُمَزّقٌ شَمْلَهَا فِى دَهْرِهَا غِيَرُ
إذْ فُوك مَمْلُوءَةٌ مِنْ مَحْضِهَا الدّرَرُ
وَإِذْ يَزِينُك مَا تَأْتِى وَمَا تَذَرُ
يَا أَرْجَحَ النّاسِ حَتّى حِينَ يُخْتَبَرُ
وَاسْتَبْقِ مِنّا فَإِنّا مَعْشَرٌ زُهُرُ
وَعِنْدَنَـــا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدّخَـــــرُ

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ أَصْدَقُهُ وَعِنْدِى مَنْ تَرَوْنَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبّ إلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ”؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ خَيّرْتنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَبَيْنَ أَمْوَالِنَا، وَمَا كُنّا نَعْدِلُ بِالأَحْسَابِ شَيْئًا، فَرُدّ عَلَيْنَا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “أَمّا مَا لِى وَلِبَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، وَأَسْأَلُ لَكُمْ النّاسَ”، وَإِذَا صَلّيْت الظّهْرَ بِالنّاسِ فَقُولُوا: “إنّا لَنَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللّهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِالْمُسْلِمِينَ إلَى رَسُولِ اللّهِ، فَإِنّى سَأَقُولُ لَكُمْ: مَا كَانَ لِى وَلِبَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ وَسَأَطْلُبُ لَكُمْ إلَى النّاسِ”.

فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ ÷ الظّهْرَ بِالنّاسِ قَامُوا فَتَكَلّمُوا بِاَلّذِى أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَقَالُوا: إنّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللّهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِالْمُسْلِمِينَ إلَى رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَمّا مَا كَانَ لِى وَلِبَنِى عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ”. فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: فَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ، قَالَتْ الأَنْصَارُ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ، قَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلا، وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَمّا أَنَا وَفَزَارَةُ فَلا، وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِىّ: أَمّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلا، قَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ، فَقَالَ الْعَبّاسُ: وَهّنْتُمُونِى ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى النّاسِ خَطِيبًا، فَقَالَ: “إنّ كُلّ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ جَاءُوا مُسْلِمِينَ، وَقَدْ كُنْت اسْتَأْنَيْت بِهِمْ فَخَيّرْتهمْ بَيْنَ النّسَاءِ وَالأَبْنَاءِ وَالأَمْوَالِ، فَلَمْ يَعْدِلُوا بِالنّسَاءِ وَالأَبْنَاءِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنّ شَيْءٌ فَطَابَتْ نَفْسُهُ أَنْ يَرُدّهُ فَلْيُرْسِلْ - وَمَنْ أَبَى مِنْكُمْ وَتَمَسّكَ بِحَقّهِ فَلْيَرُدّ عَلَيْهِمْ، وَلْيَكُنْ فَرْضًا عَلَيْنَا سِتّ فَرَائِضَ مِنْ أَوّلِ مَا يَفِيءُ اللّهُ بِهِ عَلَيْنَا”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ رَضِينَا وَسَلّمْنَا، قَالَ: “فَمُرُوا عُرَفَاءَكُمْ أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ إلَيْنَا حَتّى نَعْلَمَ”.

 فَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَطُوفُ عَلَى الأَنْصَارِ يَسْأَلُهُمْ هَلْ سَلّمُوا وَرَضُوا؟ فَخَبّرُوهُ أَنّهُمْ سَلّمُوا وَرَضُوا، وَلَمْ يَتَخَلّفْ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ إلَى الْمُهَاجِرِينَ يَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَتَخَلّفْ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ. وَكَانَ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِىّ يَطُوفُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ. ثُمّ جَمَعُوا الْعُرَفَاءَ وَاجْتَمَعَ الأُمَنَاءُ الّذِينَ أَرْسَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَاتّفَقُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ تَسْلِيمِهِمْ وَرِضَاهُمْ وَدَفَعَ مَا كَانَ فِى أَيْدِيهِمْ مِنْ السّبْىِ. فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ الّتِى عِنْدَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَدْ خُيّرَتْ تُقِيمُ أَوْ تَرْجِعُ إلَى قَوْمِهَا، فَاخْتَارَتْ قَوْمَهَا فَرُدّتْ إلَيْهِمْ. وَاَلّتِى عِنْدَ عَلِىّ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ وَابْنِ عُمَرَ رَجَعْنَ إلَى قَوْمِهِنّ. وَأَمّا الّتِى عِنْدَ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ فَاخْتَارَتْ سَعْدًا وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ.

وَكَانَ عُيَيْنَةُ قَدْ خَيّرُوهُ فِى السّبْىِ فَأَخَذَ رَأْسًا مِنْهُمْ نَظَرَ إلَى عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ، فَقَالَ: هَذِهِ أُمّ الْحَىّ لَعَلّهُمْ أَنْ يُغْلُوا بِفِدَائِهَا، فَإِنّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ لَهَا فِى الْحَىّ نَسَبٌ فَجَاءَ ابْنُهَا إلَى عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: هَلْ لَك فِى مِائَةٍ مِنْ الإِبِلِ؟ قَالَ: لا، فَرَجَعَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ سَاعَةً فَجَعَلَتْ الْعَجُوزُ تَقُولُ لابْنِهَا: مَا أَرَبُك فِى نَقْدِ مِائَةِ نَاقَةٍ؟ اُتْرُكْهُ فَمَا أَسْرَعَ مَا يَتْرُكُنِى بِغَيْرِ فِدَاءٍ فَلَمّا سَمِعَهَا عُيَيْنَةُ، قَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ خُدْعَةً، وَاَللّهِ مَا أَنَا مِنْ هَذِهِ إلاّ فِى غُرُورٍ، وَلا جَرَمَ وَاَللّهِ لأُبَاعِدَنّ أَثَرَك مِنّى، قَالَ: ثُمّ مَرّ بِهِ ابْنُهَا فَقَالَ: هَلْ لَك فِى الْعَجُوزِ فِيمَا دَعَوْتنِى إلَيْهِ؟ قَالَ ابْنُهَا: لا أَزِيدُك عَلَى خَمْسِينَ، قَالَ عُيَيْنَةُ: لا أَفْعَلُ، قَالَ: فَلَبِثَ سَاعَةً فَمَرّ بِهِ مَرّةً أُخْرَى وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ، قَالَ عُيَيْنَةُ: هَلْ لَك فِى الْعَجُوزِ فِى الّذِى بَذَلْت لِي؟ قَالَ الْفَتَى: لا أَزِيدُك عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَرِيضَةً هَذَا الّذِى أَقْوَى عَلَيْهِ. قَالَ عُيَيْنَةُ: وَاَللّهِ لا أَفْعَلُ بَعْدَ مِائَةِ فَرِيضَةٍ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَلَمّا تَخَوّفَ عُيَيْنَةُ أَنْ يَتَفَرّقَ النّاسُ وَيَرْتَحِلُوا جَاءَهُ عُيَيْنَةُ، فَقَالَ: هَلْ لَك إلَى مَا دَعَوْتنِى إلَيْهِ؟ قَالَ الْفَتَى: هَلْ لَك إلَى عَشْرِ فَرَائِضَ أُعْطِيكهَا؟ قَالَ عُيَيْنَةُ: وَاَللّهِ لا أَفْعَلُ فَلَمّا رَحَلَ النّاسُ نَادَاهُ عُيَيْنَةُ هَلْ لَك إلَى مَا دَعَوْتنِى إلَيْهِ إنْ شِئْت؟ قَالَ الْفَتَى: أَرْسِلْهَا وَأَحْمِلُك، قَالَ: لا وَاَللّهِ مَا لِى بِحَمْلِك حَاجَةٌ، قَالَ: وَأَقْبَلَ عُيَيْنَةُ عَلَى نَفْسِهِ لائِمًا لَهَا، وَيَقُولُ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ أَمْرًا. قَالَ الْفَتَى: أَنْتَ صَنَعْت هَذَا بِنَفْسِك، عَمَدْت إلَى عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ وَاَللّهِ مَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ وَلا بَطْنُهَا بِوَالِدٍ، وَلا فُوهَا بِبَارِدٍ، وَلا صَاحِبُهَا بِوَاجِدٍ، فَأَخَذْتهَا مِنْ بَيْنِ مَنْ تَرَى. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: خُذْهَا لا بَارَكَ اللّهُ لَك فِيهَا، وَلا حَاجَةَ لِى فِيهَا، قَالَ: يَقُولُ الْفَتَى: يَا عُيَيْنَةُ إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ كَسَا السّبْىَ فَأَخْطَأَهَا مِنْ بَيْنِهِمْ بِالْكُسْوَةِ، فَمَا أَنْتَ كَاسِيهَا ثَوْبًا؟ قَالَ: لا وَاَللّهِ مَا ذَلِكَ لَهَا عِنْدِى، قَالَ: لا تَفْعَلْ فَمَا فَارَقَهُ حَتّى أَخَذَ مِنْهُ شَمْلَ ثَوْبٍ، ثُمّ وَلّى الْفَتَى وَهُوَ يَقُولُ: إنّك لَغَيْرُ بَصِيرٍ بِالْفُرَصِ، وَشَكَا عُيَيْنَةُ إلَى الأَقْرَعِ مَا لَقِىَ فَقَالَ الأَقْرَعُ: إنّك وَاَللّهِ مَا أَخَذْتهَا بِكْرًا غَرِيرَةً وَلا نَصَفًا وَثِيرَةً، وَلا عَجُوزًا أَصِيلَةً عَمَدْت إلَى أَحْوَجِ شَيْخٍ فِى هَوَازِنَ فَسَبَيْت امْرَأَتَهُ. قَالَ عُيَيْنَةُ: هُوَ ذَاكَ.

وَتَمَسّكَتْ بَنُو تَمِيمٍ مَعَ الأَقْرَعِ بِالسّبْىِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْفِدَاءَ سِتّ فَرَائِضَ ثَلاثَ حِقَاقٍ وَثَلاثَ جِذَاعٍ. وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ: “لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ وَلاءٌ أَوْ رِقّ لَثَبَتَ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ إنّمَا هُوَ إسَارٌ وَفِدْيَةٌ”.

 

سنذكر كل هذه الأخبار من كتب الحديث في آخر الموضوع، وروى البيهقي في دلائل النبوة:

 

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس عن ابن إسحاق قال حدثنا أبو وجزة أن عثمان كان قد أصاب جاريته فخطبت إلى ابن عم لها كان زوجها وكان ساقطاً لا خير فيه فلما ردت السبايا ساقها فقدم المدينة بها في زمان عمر أو عثمان فلقيها عثمان فأعطاها شيئاً بما كان أصاب منها فلما رأى عثمان زوجها قال لها ويحك هذا كان أحب إليك مني ? قالت نعم زوجي وابن عمي

 وأما علي فأعف صاحبته وعلمها شيئاً من القرآن

 

كما نرى لكي لا نظن أن محمدًا قام بفعل إنساني، فلقد وعد كل من رد امرأة مسبية لهوازن أقاربه، أن يعوضه بست نساء أو أفراد سبي من نساء وأطفال للاستعباد والتملك بدل الواحدة! ديانة تشجع وتزيد من عمليات الاستعباد والعبودية. وكالعادة بعض النساء اللاتي تم إرجاعهن لأسرهن أو أزواجهن كن قد تعرضن للاغتصاب والمعاشرة. وقد اضطرت قبيلة هوازن للإسلام ليستردوا نساءهم وأولادهم من الاستعباد، ولم يكن عن اختيار أو رغبة وقناعة، بل مكرهين.

 

لقد ذكرنا شواهد كل هذه الأخبار ومطابقاتها من كتب الحديث في آخر الموضوع من البخاري ومسلم وأحمد وابن أبي شيبة وغيرهم، وقصة الست فرائض من السبي، عند الطبراني في المعجم الكبير رواية عن ابن إسحاق 5/ 5304 أنه عوضها بـ(أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله ست قلائص من أول فيء نصيبه)، وهذه نفس رواية الواقدي، ويظل هذا أمرًا سيئًا كذلك فهو تعويض من مال منهوب مسروق في غزواته وحروبه الإجرامية التالية، ووقع في روايته شعر هو الذي أثار عاطفة محمد وأحرجه:

 

...وقام رجل من هوازن ثم أحد بني سعد بن بكر يقال له زهير يكنى بأبي صرد فقال: يا رسول الله نساؤنا عماتك وخلاتك وحواضنك اللاتي كفلنك ولو أنا لحقنا الحارث بن أبي شمر والنعمان بن المنذر ثم نزل بنا منه الذي أنزلت بنا لرجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين ثم أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرا قاله وذكر فيه قرابتهم وما كفلوا منه فقال:

  امنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وندخر 

  امنن على بيضة قد عاقها قدر ... مفرق شملها في دهرها غير 

  أبقت لنا الحرب هتافا على حزن ... على قلوبهم الغماء والغمر 

  إن لم تداركهم نعماء تنشرها ... يا أعظم الناس حلما حين يختبر 

  امنن على نسوة من كنت ترضعها ... إذ فوك يملأه من محضها درر 

  إذ كنت طفلا صفيرا كنت ترصفها ... وإذ يزينك ما تأتي وما تذر 

  لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منه فإنا معشر زهر

 

وروى البيهقي في دلائل النبوة بإسناد صحيح:

 

قال ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير أن سبي هوازن الذين رد رسول الله كانوا ستة آلاف من الرجال والنساء والصبيان وأنه خير نساء كن عند رجال من قريش منهم عبد الرحمن بن عوف وصفوان بن أمية كانا قد استسرا المرأتين اللتين كانتا عندهما فاختارتا قومهما

 وزعموا أن عيينة بن بدر أبى عليهم وحض على منعهم فقال رجل من هوازن لا تألوا أن تحض علينا ما بقينا فقد قتلنا بكرك وابنيك وشفعنا أمك نسيكة فقال رسول الله أوكان ذلك ? قالوا قد كان بعض ذلك يا رسول الله زعموا أن رسول الله أمر رجلاً أن يقدم مكة فيشتري للسبي ثياب المعقد فلا يخرج الحر منهم إلا كاسياً وقال احبس أهل مالك بن عوف بمكة عند عمتهم أم عبد الله بن أمية فقال الوفد يا رسول الله اولئك سادتنا وأحبنا إلينا فقال رسول الله إنما أريد بهم الخير وأرسل رسول الله إلى مالك ابن عوف وكان قد فرّ إلى حصن الطائف فقال إن جئتني مسلماً رددت إليك أهلك ولك عندي ماية ناقة

 قال ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب فرض في كل سبي فدي من العرب ست فرائض فإنه كان يقضي بذلك فيمن تزوج الولائد من العرب

 

محمد يشتري ذمة وضمير مالك بن عوف بالإغراآت المادية

 

كان مالك قائدًا قويًّا فذًّا أتعب محمدًا، قاد هوازن وثقيف التي جمعها إليه، وهو من هوازن، ولما حال هو وحصون الطائف محمدًا دون اقتحامها، لجأ إلى شراء ذمته وإخلاصه وجعله خائنًا وقسم قوة الطائف الداخلية بذلك، يقول ابن هشام عن ابن إسحاق:

 

وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لوفد هَوَازن، وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل؟ فقالوا: هو بالطائف مع ثقيف، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أخبروا مالكاً. أنه إن أتاني مسلماً رددت عليه أهلَه ومالَه، وأعطيته مائةً من الإبل، فأتى مالك بذلك،. فخرج إليه من الطائف وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن يَعلموا أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ّ قال له ما قال، فيحبسوه، فأمر براحلته فهُيئت له، وأمر بفرس له، فأتى به إلى الطائف، فخرج ليلا، فجلس على فرسه، فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تُحبس، فركبها، فلحق برسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأدركه بالجِعْرانة أو بمكة، فرد عليه أهلَه ومالَه، وأعطاه مائةً من الإبل، وأسلم فحسُنَ إسلامه، فقال مالك بن عوف حين أسلم:

ما إن رأيتُ ولا سمعتُ بمثلِه ... في الناسِ كلِّهم بمثلِ محمد

أوْفَى وأعطى للجزيلِ إذا اجْتُدى ... ومتى تشأ يخبرْكَ عمَّا في غدِ

وإذا الكتيبةُ عَرَّدَتْ أنيابُها ... بالسَّمْهَريِّ وضرب كل مُهنَّدِ

فكأنَّه ليثٌ على أشبالِه وسْطَ ... الهَباءةِ خادرٌ في مَرْصَدِ

فاستعمله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه. وتلك القبائل: ثُمالة، وسَلَمة، وفَهْم فكان. يقاتل بهم ثقيفا، لا يخرج لهم سَرْح إلا أغار عليه، حتى ضيق عليم فقال، أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عُمير الثقفي:

هابت الأعداءُ جانبَنا ... ثم تغزونا بنو سَلمهْ

وأتانا مالكٌ بهم ... ناقضاً للعهد والحرمهْ

وأتونا في منازلنا ... ولقد كنا أولِي نِقْمَهْ

 

وقال الواقدي:

 

وَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ الْعَدَوِىّ عَلَى مَقَاسِمِ الْمَغْنَمِ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِلْوَفْدِ: “مَا فَعَلَ مَالِكٌ”؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَرَبَ فَلَحِقَ بِحِصْنِ الطّائِفِ مَعَ ثَقِيفٍ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَخْبِرُوهُ أَنّهُ إنْ كَانَ يَأْتِى مُسْلِمًا رَدَدْت عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَأَعْطَيْته مِائَةً مِنْ الإِبِلِ”، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَمَرَ بِحَبْسِ أَهْلِ مَالِكٍ بِمَكّةَ عِنْدَ عَمّتِهِمْ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بِنْتِ أَبِى أُمَيّةَ. فَقَالَ الْوَفْدُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُولَئِكَ سَادَتُنَا وَأَحِبّتُنَا إلَيْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّمَا أُرِيدُ بِهِمْ الْخَيْر”، فَوَقَفَ مَالَ مَالِكٍ فَلَمْ يُجْرِ فِيهِ السّهْمَ، فَلَمّا بَلَغَ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ الْخَبَرُ، وَمَا صَنَعَ فِى قَوْمِهِ، وَمَا وَعَدَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَنّ أَهْلَهُ وَمَالَهُ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ خَافَ مَالِكٌ ثَقِيفًا عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَالَ لَهُ مَا قَالَ، فَيَحْبِسُونَهُ، أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَقُدّمَتْ حَتّى وُضِعَتْ بِدَحْنَا، وَأَمَرَ بِفَرَسٍ لَهُ فَأُتِىَ بِهِ لَيْلاً، فَخَرَجَ مِنْ الْحِصْنِ فَجَلَسَ عَلَى فَرَسِهِ لَيْلاً فَرَكَضَهُ حَتّى أَتَى دَحْنَا، فَرَكِبَ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَحِقَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَيُدْرِكُهُ قَدْ رَكِبَ مِنْ الْجِعِرّانَةِ، فَرَدّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَأَعْطَاهُ مِائَةً مِنْ الإِبِلِ وَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلامُهُ.

وَيُقَالُ: لَحِقَهُ بِمَكّةَ، وَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ وَمِنْ تِلْكَ الْقَبَائِلِ حَوْلَ الطّائِفِ مِنْ هَوَازِنَ وَفَهْمٍ فَكَانَ قَدْ ضَوَى إلَيْهِ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً فَكَانَ يُقَاتِلُ بِهِمْ مَنْ كَانَ عَلَى الشّرْكِ وَيُغِيرُ بِهِمْ عَلَى ثَقِيفٍ، يُقَاتِلُهُمْ بِهِمْ وَلا يَخْرُجُ لِثَقِيفٍ سَرْحٌ إلاّ أَغَارَ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَجَعَ حِينَ رَجَعَ وَقَدْ سَرّحَ النّاسُ مَوَاشِيَهُمْ وَأَمِنُوا فِيمَا يَرَوْنَ حَيْثُ انْصَرَفَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَكَانَ لا يَقْدِرُ عَلَى سَرْحٍ إلاّ أَخَذَهُ وَلا عَلَى رَجُلٍ إلاّ قَتَلَهُ، فَكَانَ قَدْ بَعَثَ إلَى النّبِىّ ÷ بِالْخُمُسِ مِمّا يُغِيرُ بِهِ مَرّةً مِائَةَ بَعِيرٍ وَمَرّةً أَلْفَ شَاةٍ، وَلَقَدْ أَغَارَ عَلَى سَرْحٍ لأَهْلِ الطّائِفِ فَاسْتَاقَ لَهُمْ أَلْفَ شَاةٍ فِى غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ فِى ذَلِكَ أَبُو مِحْجَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ الثّقَفِىّ:

تَهَابُ الأَعْدَاءُ جَانِبَنَا
وَأَتَانَا مَالِكٌ بِهِمُ
وَأَتَوْنَـــــا فِـــــى مَنَازِلِنــــــــَا

 

ثُمّ تَغْزُونَا بَنُو سَلِمَهْ
نَاقِضًا لِلْعَهْدِ وَالْحُرُمَهْ
وَلَقَــــدْ كَانُــــــوا أُولِى نَقِمَـــهْ

فَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ:

مَا إنْ رَأَيْت وَلا سَمِعْت بِمِثْلِهِ
أَوْفَى وَأَعْطَى لِلْجَزِيلِ إذَا اجْتُدِى
وَإِذَا الْكَتِيبَةُ عَرّدَتْ أَنْيَابَهَا
فَكَأَنّهُ لَيْــــثٌ عَلَــــى أَشْبَالِــــهِ

 

فِى النّاسِ كُلّهِمُ بِمِثْلِ مُحَمّدِ
وَمَتَى تَشَاءُ يُخْبِرْك عَمّا فِى غَدِ
بِالْمَشْرَفِىّ وَضَرْبِ كُلّ مُهَنّدِ
وَسْطَ الْهَبَاءَةِ خَـــادِرٌ فِى مَرْصَــدِ

 

يمكننا أن نرى درجات القرابة بين قريش وثقيف، والموقف الذي تسبب به محمد.

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير 19/ 672:

 

672 - حدثنا ابو خليفة الفضل بن الحباب قال ثنا محمد بن سلام الجمحي: مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن قال ابن سلام: وكان مالك بن عوف النصري رئيسا مقداما كان أول ذكره وما شهر من بلائه يوم الفجار مع قومه كثر صنيعه يومئذ وهو على هوازن حين لقيهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  وساق مع الناس أموالهم وذراريهم فخالفه دريد بن الصمة فلجَّ وأبى فصاروا إلى أمره فلم يحمدوا رأيه وكان يومئذ رئيسهم فلما رأى هزيمة أصحابه قصد النبي صلى الله عليه وسلم وكان شديد الاقدام ليصيبه زعم فوافاه مرثد بن أبي مرثد الغنوي فقتله وحمل فرسه محاج فلم يقدم ثم أراده وصاح به فلم يقدم فقال:

  أقدم محاج أنه يوم نكر ... مثلي على مثلك يحمي ويكر 

  ويطعن الطعنة تعوي وتهر لها من البطن نجيع منهمر 

  وثعلب العامل فيها منكسر ... إذا احزألت زمر بعد زمر 

 ثم شهد بعد ما اسلم القادسية فقال:

  أقدم محاج أنها الأساورة ... ولا يهولنك رجل نادرة 

 ثم انهزم من حنين فصار إلى الطائف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  لو أتاني لأمنته واعطيته مائة فجاء ففعل به ذلك ووجهه إلى قتال أهل الطائف وكتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر رضي الله عنه يستمده فكتب إليه: أتسمدني وأنت في عشرة آلاف ومعك مالك بن عوف و حنظلة بن ربيعة وهو الذي كان يقال له حنظلة الكاتب قال ابن سلام: فحدثني بعض قومه أنه قال لعمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني يتألفني على الإسلام فلم أحب أن آخذ على الإسلام أجر فأنا أردها قال: أنه لم يعطها إلا وهو يرى أنها لك حقا

وفي النهاية ستستسلم وتعلن قبيلة ثقيف إسلامها كما سنذكر بعام الوفود بفعل الهجمات والغارات والعنف والإكراه والإرهاب.

 

تقسيم محمد للغنائم تقسيمًا إقطاعيًّا غير مُساوٍ أو "عادل"

 

روى أحمد بن حنبل:

 

17154 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ الْعِرْبَاضِ، عَنْ أَبِيهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ الْوَبَرَةَ مِنْ فَيْءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: " مَا لِي مِنْ هَذَا إِلَّا مِثْلَ مَا لِأَحَدِكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ فِيكُمْ، فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُولَ، فَإِنَّهُ عَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "

 

حديث حسن لغيره، وأخرجه البزار (1734) "زوائد"، والطبراني في "الكبير" 18/ (649)، وفي "الأوسط" (2443) من طريق أبي عاصم، بهذا الإسناد. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/337، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني، وفيه أم حبيبة بنت العرباض، ولم أجد من وثقها ولا جرحها، وبقية رجاله ثقات. ورواه أحمد 6729 و17154 و22699 و22714 وغيرها

 

لكن رغم هذه الموعظة، قام محمد بإعطاء زعماء القبائل من قريش والأعراب وغيرها أموالًا ومواشي أكثر بكثير جدًّا من باقي عموم أفراد أتباعه، مما أثار اعتراض الكثيرين، ومنهم الأنصار اليثاربة:

 

قال ابن إسحاق: وأعطى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم، وكانوا أشرافاً من أشراف الناس، يتألفهم ويتألف بهم قومَهم، فأعلى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، وأعلى ابنَه معاوية مائة بعير، وأعطى حَكيم بن حزام مائة بعير وأعطى الحارث بن الحارث بن كَلَدة، أخا بني عبد الدار مائة بعير.

قال ابن هشام: نَصير بن الحارث بن كَلَدة، ويجوز أن يكون اسمه الحارث أيضاً.

قال ابن إسحاق: وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير، وأعطى سُهَيل ابن عمرو مائة بعير، وأعطى حُوَيْطب بن عبد العُزَّى بن أبي قيس مائة بعير، وأعطى العلاء بن جارية الثقفي، حليف بني زُهرة مائة بعير، وأعطى عُيَيْنة بن حِصْن بن حذيفة بن بدر مائة بعير، وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير، وأعطى مالك بن عَوْف النَّصري مائة بعير، وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير، فهؤلاء أصحاب المئين.

وأعطى دونَ المائة رجالاً من قريش، منهم مَخْرمة بن نَوْفل الزهري، وعُمير بن وَهَبْ الجُمحي وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي، لا أحفظ ما أعطاهم، وقد عرفت أنها دون المائة، وأعطى سعيد بن يربوع ابن عَنْكَشَةَ بن عامر بن مخزوم خمسينَ من الإبل، وأعطى السَّهْميَّ خمسين من الإبل.

قال ابن هشام: واسمه عَدِي بن قَيْس.

شعر عباس بن مرداس يستصغر- ما أعطىَ: قال ابن هشام: وأعطىَ عباس بن مِرْداس أباعر فسخطها، فعاتب فيها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال عباسُ بن مرداس يعاتبُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:

كانت نِهَاباً تلافيتُها بِكَرِّي ... على المهرِ في الأجْرَعِ (1)

وإيقاظيَ القومَ أن يرقدوا ... إذا هجعَ الناسُ لم أهْجَعِ (2)

فأصبح نهبى ونهبُ العبيدِ ... بينَ عُيَيْنَةَ والأقرعِ (3)

وقد كنتُ في الحرب ذا تَدْرُا ... فلم أعْطَ شيئاً ولم أمنَعِ

إلا أفائِلَ أعطيتُها ... عَديدَ قوائِمها الأربعِ (4)

وما كان حِصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقان شَيْخِيَ في المجمَعِ (5)

________________________

(1) الأجرع: أجرع وهو الابتلاع والجرعة من الماء كاللقمة من الطعام.

(2) هجع: نام بالليل قال ابن السكيت ولا يطلق الهجوع إلاَ على نوم الليل تقول جاء بعد هَجْعة اًي بعد نَوْمة من الليل.

(3) العبيد: فرس عباس بن مرداس.

(4) الأفائل: أصاغر الإبل.

(5) شيخي: أبي.

 

وما كنتُ دونَ امرئ منهما ... ومن تَضَعِ اليومَ لا يرْفعِ

قال ابن هشام: أنشدني يونس النحوي:

فما كان حِصْن ولا حابسٌ ... يفوقان مِرداسَ في المجْمع

 

قال ابن إسحاق: فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به، فاقطعوا عني لسانه، فأعطوه حتى رَضِىَ، فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.

قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم: أن عباس بن مِرْداس أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أنت القائل:

" فأصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة 

فقال أبو بكر الصديق: بين عيينة والأقرع فقال رسول صلى الله عليه وسلم: هما واحد، فقال أبو بكر: أشهد أنك كما قال اللَه {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}[يس: 69].

 

قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: أن قائلا قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أصحابه: يا رسول اللّه، أعطيت عُيينة بن حِصْن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جُعَيل بنَ سراقة الضَّمْري؟! فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفس محمد بيده لجُعَيل بن سُراقة خير من طِلاع الأرض (1)، كُلهم مثل عُيينة بن حِصْن والأقرع بن حابس ولكنى تألفتهما، ووَكَلْتُ جُعَيل بن سراقة إلى إسلامه.

 

قال ابن إسحاق: وحدثني أبو عُبيدة بن محمد بن عَمَّار بن ياسر، عن مِقْسَم أبي القاسم، مولى عبد اللّه بن الحارث بن نوفل، قال: خرجت أنا وتَليد بن كلاب الليثى، حتى أتينا عبد اللّه بن

عمرو بن العاص، وهو يطوف بالبيت، معلقاً نعله بيده، فقلنا له: هل حضرت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حُنين؟ قال: نعم، جاء رجل من بني تميم، يقال له ذو الخوَيْصرة، فوقف عليه وهو يعطى الناس، فقال: يا محمد، قد رأيتُ ما صنعتَ في هذا اليوم.

 

(1) طلاع الأرض: ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أجل، فكيف رأيتَ؟ فقال: لم أرك عدلت. قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ويحك، إذا لم يكن العدل عندي، فعند من يكون؟! فقال عمر بن الخطاب: يا رسول اللّه، ألا أقتله؟ فقال: لا، دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرَّمِيَّة يُنظر في النَّصل (1)، فلا يوجد شىء، ثم في القِدْح (2)، فلا يوجد شىء، ثم في الفَوْق (3)، فلا يوجد شىء. سبق الفَرْثَ (4)، والدمَ.

 

قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن على بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة، وسماه ذا الخويصرة.

 

 

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد اللّه بن أبي نجيح، عن أبيه بمثل ذلك شعر حسان بن ثابت في

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حرمان الأنصار: قال ابن هشام:

ولما أعطى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما أعطى في قريش وقبائل العرب ولم يعط الأنصار شيئاً، قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك:

...إلخ شعر ومقدمة غزلية

وأتِ الرسولَ فقلْ يا خيرَ مُؤتَمنٍ ... للمؤمنين إذا ما عُدِّد البشرُ

علامَ تُدْعَى سُلَيْمٌ وهْيَ نازحةٌ ... قُدَّامَ قومٍ هُم آوَوْا وهُمْ نصروا؟

سماهم اللّهُ أنصاراً بنصرِهم دينَ الهدَى وعَوان الحربِ تستَعرُ (5)

وسارعوا في سبيلِ اللّه واعترفوا للنائباتِ وما خاموا وما ضَجِرُوا (6)

والناسُ ألْبٌ علينا فيك ليس لنا إلا السيوفَ وأطرافَ القنا وَزَرُ (7)

 

(1) النصل: حديد السهم.

(2) القدح: السهم.

(3) الفوق: طرف السهم.

(4) الفرث: ما يوجد في الكرش.

(5) تستعر: تلتهب.

(6) اعترفوا: صبروا. ما خاموا: ما جبنوا.

(7) ألب: مجتمعون. الوزر: الملجأ.

نجالدُ الناسَ لا نُبقى على أحدٍ ... ولا نُضَيِّع ما تُوحِى به السِّوَرُ

ولا تَهِرُّ جُنَاةُ الحربِ نادينا ... ونحن حين تَلَظَّى نارُها سُعُرُ

كما رددنا ببدرٍ دونَ ما طَلبوا ... أهلَ النفاقِ وفينا يُنزَلُ الظَّفَرُ

ونحن جندُك يومَ النَّعْفِ من أحُدِ ... إذْ حَزَّبتْ بَطراً أحزابَها مُضَرُ

فما وَنِينا وما خِمْنَا وما خَبَروا ... مِنا عِثاراً وكلُّ الناسِ قد عَثرُوا

 

قال ابن هشام: حدثني زياد بن عبد اللّه، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لَبيد، عن أبي سعيد الخدْري، قال: لما أعلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا، في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وَجد هذا الحي من الأنصار في أنفسِهم، حتى كثرت منهم القالَةُ حتى قال قائلهم: لقد لقى واللّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قومَه.

 

فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول اللّه، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء. قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول اللّه، ما أنا إلا من قومي. قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة. فجاء رجال من المهاجرين فتركهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردهم.

فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحيُّ من الأنصار، فأتاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: يا معشر الأنصار، ما قالَة بلغتني عنكم وجِدَةٌ (1) وجدتموها علىَّ في أنفسكم؟ ألم آتكم ضُلالا فهداكم اللّه، وعالة فأغناكم اللّه، وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم؟

(1) الجِدَة: مصدر وجد، أي وجدتم في أنفسكم شيئا. وقال الطبري " موجدة " أيضاً قاله أهل اللغة وذلك إذا أردت الغضب، وإنما الجدة في المال.

قالوا: بلى، اللّه ورسوله أمن وأفضل.

ثم قال: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟

قالوا: بماذا نجيبك يا رسول اللّه؟ للّه ولرسولِه المنُّ والفضلُ.

قال صلى الله عليه وسلم: أما واللّه لو شئتم لقلتم، فلصَدَقْتم ولصُدِّقْتم: أتيتنا مُكذَّبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فأويناك، وعائلا فآسيناك، أوجَدْتم يا معشر الأنصار في أنفسكم، في لُعَاعَة(1) من الدنيا تألفْتُ بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب الناس بالشاةِ والبعير، وترجعوا برسول اللّه إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيدِه، لولا الهجرة لكنت امرَءاً من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْباً وسلكت الأنصار شِعْباً، لسلكت شِعْب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار.

قال فبكى القوم حتى أخْضَلُوا لحاهم، وقالوا: رضينا. برسول اللّه قَسَما وحَظًّا. ثم انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وتفرقوا.

 

وكما ذكرنا طريقة إقناع صفوان بن أمية المضحكة بالإسلام، قال الواقدي:

 

فَنَزَلَ صَفْوَانُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قِبَلَ هَوَازِنَ، وَخَرَجَ مَعَهُ صَفْوَانُ وَهُوَ كَافِرٌ وَأَرْسَلَ إلَيْهِ يَسْتَعِيرُهُ سِلاحَهُ فَأَعَارَهُ سِلاحَهُ مِائَةَ دِرْعٍ بِأَدَاتِهَا، فَقَالَ: طَوْعًا أَوْ كَرْهًا؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “عَارِيَةً مُؤَدّاةً”. فَأَعَارَهُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَحَمَلَهَا إلَى حُنَيْنٍ، فَشَهِدَ حُنَيْنًا، وَالطّائِفَ، ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْجِعِرّانَةِ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ يَسِيرُ فِى الْغَنَائِمِ يَنْظُرُ إلَيْهَا، وَمَعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، جَعَلَ صَفْوَانُ يَنْظُرُ إلَى شِعْبٍ مُلِئَ نَعَمًا وَشَاءً وَرِعَاءً فَأَدَامَ إلَيْهِ النّظَرَ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَرْمُقُهُ فَقَالَ: “أَبَا

وَهْبٍ يُعْجِبُك هَذَا الشّعْبُ”؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: “هُوَ لَك وَمَا فِيهِ”. فَقَالَ صَفْوَانُ عِنْدَ ذَلِكَ: مَا طَابَتْ نَفْسُ أَحَدٍ بِمِثْلِ هَذَا إلاّ نَفْسُ نَبِىّ أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ.

(1) اللعاعة: الخصْب: أو شجرة خضراء شبّه بها نعيم الدنيا. ويقال اللعاعة بقلة ناعمة، وهذا نحو من قوله: "المال حلوة خضرة" واللعة من هذا المعنى، وهى المرأة المليحة العفيفة، واللعلع: السراب، ولعاعه: بصيصه.

 

 ويشهد لصحته قول الإمام مسلم في صحيحه:

 

[ 2312 ] وحدثنا عاصم بن النضر التيمي حدثنا خالد يعني بن الحارث حدثنا حميد عن موسى بن أنس عن أبيه قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة

 

 [ 2312 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين فأعطاه إياه فأتى قومه فقال أي قوم أسلموا فوالله إن محمدا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر فقال أنس إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها

 

 [ 2313 ] وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح فتح مكة ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه المسلمين فاقتتلوا بحنين فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم مائة قال بن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي

 

شواهد أخبار غزوة حنين من كتب الحديث

 

روى ابن أبي شيبة:

 

38138- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ: هَلْ كُنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، يَا أَبَا عُمَارَةَ ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا وَلَّى، وَلَكِنَّ انْطَلَقَ جُفَاءٌ مِنَ النَّاسِ وَحُسَّرٌ إلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ هَوَازِنَ، وَهُمْ قَوْمٌ رُمَاةٌ، فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، قَالَ: فَانْكَشَفُوا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ هُنَالِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بَغْلَتَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنْصَرَ، وَهُوَ يَقُولُ:

أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ

أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبَ.

اللَّهُمَّ نَزِّل نَصْرُك، قَالَ: وَكُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ لِلَّذِي يُحَاذِي بِهِ.

 

38141- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ جَمَعَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَمْعًا كَثِيرًا، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ فِي عَشَرَةِ آلاَفٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلاَفٍ، قَالَ: وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ، قَالَ: فَجَاؤُوا بِالنَّعَمِ وَالذُّرِّيَّةِ، فَجُعِلُوا خَلْفَ ظُهُورِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا الْتَقَوْا وَلَّى النَّاسُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، قَالَ: فَنَزَلَ، فَقَالَ: إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، قَالَ: وَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ، لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا كَلاَمُا، فَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: أَيْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، نَحْنُ مَعَك، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: أَيْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، نَحْنُ مَعَك.

ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ فَالْتَقَوْا، فَهَزَمُوا وَأَصَابُوا مِنَ الْغَنَائِمِ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الطُّلَقَاءَ وَقَسَمَ فِيهَا، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: نُدْعَى عِنْدَ الشِّدَّةِ وَتُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ لِغَيْرِنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَجَمَعَهُمْ، وَقَعَدَ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: أَيْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ ؟ فَسَكَتُوا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ سَلَكُوا وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لأَخَذْت شِعْبَ الأَنْصَارِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ ؟ فَقَالُوا: رَضِينَا، رَضِينَا يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: قَالَ هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ: قُلْتُ لأَنَسٍ: وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَلِكَ ؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ ذَلِكَ ؟.

38143- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبَهُ، فَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ أَبُو طَلْحَةَ عِشْرِينَ رَجُلاً، فَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ.

 

38145- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ انْكَشَفَ النَّاسُ عَنْهُ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلاَّ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: زَيْدٌ، آخِذٌ بِعَنْانِ بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ، وَهِيَ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَيْحَك يَا زَيْدُ، اُدْعُ النَّاسَ، فَنَادَى: أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا رَسُولُ اللهِ يَدْعُوكُمْ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَيْحَك، حُضَّ الأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، هَذَا رَسُولُ اللهِ يَدْعُوكُمْ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَيْحَك، اُدْعُ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنَّ لِلَّهِ فِي أَعَنْاقِهِمْ بَيْعَةً، قَالَ: فَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ، أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْهُمْ أَلْفٌ، قَدْ طَرَحُوا الْجُفُونَ وَكَسَرُوهَا، ثُمَّ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى فُتِحَ عَلَيْهِمْ.

 

38148- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدَةَ ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنْ هَوَازِنَ جَاؤُوا بَعْدَ الْوَقْعَةِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَرْغَبُ فِي رَسُولِ اللهِ، قَالَ: فِي أَيِّ ذَلِكَ تَرْغَبُونَ، أَفِي الْحَسَبِ، أَمْ فِي الْمَالِ ؟ قَالَوا: بَلْ فِي الْحَسَبِ، وَالأُمَّهَاتِ، وَالْبَنَاتِ، وَأَمَّا الْمَالُ فَسَيَرْزُقُنَا اللَّهُ، قَالَ: أَمَّا أَنَا، فَأَرُدَّ مَا فِي يَدِي وَأَيْدِي بَنِي هَاشِمٍ مِنْ عَوْرَتِكُمْ، وَأَمَّا النَّاسُ فَسَأَشْفَعُ لَكُمْ إِلَيْهِمْ إِذَا صَلَّيْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُومُوا فَقُولُوا كَذَا وَكَذَا، فَعَلَّمَهُمْ مَا يَقُولُونَ، فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَشَفَعَ لَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ رَدَّ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِمْ، غَيْرَ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، أَمْسَكَا امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا فِي أَيْدِيهِمَا.

 

38150- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِئَةً مِنَ الإِبِلِ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ مِئَةً مِنَ الإِبِلِ، فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يُعْطِي رَسُولُ اللهِ غَنَائِمَنَا نَاسًا تَقْطُرُ سُيُوفُنَا مِنْ دِمَائِهِمْ، أَوْ سُيُوفُهُمْ مِنْ دِمَائِنَا ؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَجَاؤُوا، فَقَالَ لَهُمْ: فِيكُمْ غَيْرُكُمْ ؟ قَالَوا: لاَ، إِلاَّ ابْنُ أُخْتِنَا، قَالَ: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ إِلَى دِيَارِكُمْ ؟ قَالَوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّه، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: النَّاسُ دِثَارٌ، وَالأَنْصَارُ شِعَارٌ، الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَلَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ الأَنْصَارِ.

 

38151- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدَةَ ؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ خَرَجُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ يَنْظُرُونَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ، فَمَرَّ بِهِمْ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ اللهِ، مَا فَعَلَ النَّاسُ ؟ قَالَ: لاَ يَسْتَقْبِلُهَا مُحَمَّدٌ أَبَدًا، قَالَ: وَذَلِكَ حِينَ تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَبٍّ مِنِ الأَعْرَابِ، يَا فُلاَنُ، اذْهَبْ فَأْتِنَا بِالْخَبَرِ، لِصَاحِبٍ لَهُمْ، قَالَ: فَذَهَبَ حَتَّى كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْقَوْمِ، فَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ: يَا لِلأَوْس، ِ يَا لِلْخَزْرَجِ، وَقَدْ عَلَوْا الْقَوْمَ، وَكَانَ شِعَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

 

38154- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛ أَنَّ هَوَازِنَ جَاءَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَالإِبِلِ وَالْغَنَمِ، فَجَعَلُوهَا صُفُوفًا، يَكْثُرُونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا الْتَقَوْا، وَلَّى الْمُسْلِمُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عِبَادَ اللهِ، أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يُضْرَبْ بِسَيْفٍ، وَلَمْ يُطْعَنْ بِرُمْحٍ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ: مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَ: فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلا، فَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ.

وَقَالَ أَبُو قَتَادَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي ضَرَبْت رَجُلاً عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ فَأُجْهِضْتُ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ حَمَّادٌ: فَأَعْجَلْت عَنْهُ، قَالَ: فَانْظُرْ مَنْ أَخَذَهَا، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنَا أَخَذْتُهَا، فَأَرْضِهِ مِنْهَا وَأَعْطِنِيهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُسْأَلُ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ، أَوْ سَكَتَ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: لاَ، وَاللهِ لاَ يَفِيئُهَا اللَّهُ عَلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِهِ وَيُعْطِيكَهَا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: صَدَقَ عُمَرُ.

وَلَقِيَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا مَعَك ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ دَنَا مِنِّي بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ أَنْ أَبْعَجَ بِهِ بَطْنَهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلاَ تَسْمَعُ مَا تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُتِلَ مَنْ بَعْدَنَا مِنَ الطُّلَقَاءِ، انْهَزَمُوا بِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَى وَأَحْسَنَ.

 

38155- حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَوَازِنَ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَتَضَحَّى، وَعَامَّتُنَا مُشَاةٌ، فِينَا ضَعَفَةٌ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، فَانْتَزَعَ طَلَقًا مِنْ حَقَبِهِ، فَقَيَّدَ بِهِ جَمَلَهُ رَجُلٌ شَابٌّ، ثُمَّ جَاءَ يَتَغَدَّى مَعَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا رَأَى ضَعْفَهُمْ وَقِلَّةَ ظَهْرِهِمْ خَرَجَ يَعْدُو إِلَى جَمَلِهِ فَأَطْلَقَهُ، ثُمَّ أَنَاخَهُ فَقَعَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُهُ، وَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَةٍ وَرْقَاءَ، هِيَ أَمْثَلُ ظَهْرِ الْقَوْمِ، فَقَعَدَ فَاتَّبَعَهُ، فَخَرَجْتُ أَعْدُو فَأَدْرَكْتُهُ وَرَأْسُ النَّاقَةِ عِنْدَ وَرِكِ الْجَمَلِ، وَكُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ النَّاقَةِ، وَكُنْتُ تَقَدَّمْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِخِطَامِ الْجَمَلِ، فَأَنَخْتُهُ، فَلَمَّا وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ بِالأَرْضِ، اخْتَرَطْتُ سَيْفِي فَأَضْرِبُ رَأْسَهُ، فَنَدَرَ فَجِئْتُ بِرَاحِلَتِهِ، وَمَا عَلَيْهَا أَقُودُهُ، فَأَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلاً، فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ ؟ فَقَالُوا: ابْنُ الأَكْوَعِ، فَنَفَلَهُ سَلَبَهُ.

 

38156- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَا أَفَاءَ، قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يَقْسِمْ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمَ اللَّهُ بِي ؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمَ اللَّهُ بِي ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمَ اللَّهُ بِي، قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالَوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا؟ قَالَوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ: قَالَ: لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى رِحَالِكُمْ ؟ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ الأَنْصَارِ، لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْت وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَإِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ.

 

3144 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِيَ بِهِ قَالَ وَأَصَابَ عُمَرُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ فَوَضَعَهُمَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ قَالَ فَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ فَجَعَلُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فَقَالَ عُمَرُ يَا عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا هَذَا فَقَالَ مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّبْيِ قَالَ اذْهَبْ فَأَرْسِلْ الْجَارِيَتَيْنِ قَالَ نَافِعٌ وَلَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَلَوْ اعْتَمَرَ لَمْ يَخْفَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَزَادَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مِنْ الْخُمُسِ وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّذْرِ وَلَمْ يَقُلْ يَوْمٍ

 

1778 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ وَعُمْرَةُ الْجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ أُرَاهُ حُنَيْنٍ قُلْتُ كَمْ حَجَّ قَالَ وَاحِدَةً

 

1780 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ وَقَالَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَتَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ

 

3142 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ مَا بَالُ النَّاسِ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَأَعْطَاهُ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ

 

7170 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ لِأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ سِلَاحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي قَالَ فَأَرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ كَلَّا لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدَّاهُ إِلَيَّ فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ اللَّيْثِ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدَّاهُ إِلَيَّ....إلخ

 

2100 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَأَعْطَاهُ يَعْنِي دِرْعًا فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ

 

2821 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْطُونِي رِدَائِي لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا

 

3148 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ النَّاسُ مُقْبِلًا مِنْ حُنَيْنٍ عَلِقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْطُونِي رِدَائِي فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا

 

3149 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ


3150 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ قَالَ رَجُلٌ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ

 

4318-4319 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ح و حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ وَزَعَمَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ وَكَانَ أَنْظَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ

 

2308 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا

 

2874 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عُمَارَةَ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا وَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ فَلَقِيَهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ


2930 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَا أَبَا عُمَارَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ بِسِلَاحٍ فَأَتَوْا قَوْمًا رُمَاةً جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ فَأَقْبَلُوا هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ

 

4316 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عُمَارَةَ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَقُولُ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ

 

4317 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ لَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفِرَّ كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ انْكَشَفُوا فَأَكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ فَاسْتُقْبِلْنَا بِالسِّهَامِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ آخِذٌ بِزِمَامِهَا وَهُوَ يَقُولُ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ قَالَ إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَغْلَتِهِ

 

وروى مسلم:

 

[ 1059 ] حدثنا عبيد الله بن معاذ وحامد بن عمر ومحمد بن عبد الأعلى قال بن معاذ حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه قال حدثني السميط عن أنس بن مالك قال افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت قال فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة ثم صفت النساء من وراء ذلك ثم صفت الغنم ثم صفت النعم قال ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد قال فجعلت خيلنا تلوي خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب ومن نعلم من الناس قال فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يال المهاجرين يال المهاجرين ثم قال يال الأنصار يال الأنصار قال قال أنس هذا حديث عميه قال قلنا لبيك يا رسول الله قال فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله قال فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة ثم رجعنا إلى مكة فنزلنا قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة من الإبل ثم ذكر باقي الحديث كنحو حديث قتادة وأبي التياح وهشام بن زيد

 

[ 1059 ] حدثني حرملة بن يحيى التجيبي أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب أخبرني أنس بن مالك أن أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس بن مالك فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من آدم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما حديث بلغني عنكم فقال له فقهاء الأنصار أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به فقالوا بلى يا رسول الله قد رضينا قال فإنكم ستجدون أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض قالوا سنصبر

 

 [ 1059 ] حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فقال أفيكم أحد من غيركم فقالوا لا إلا بن أخت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بن أخت القوم منهم فقال إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم لو سلك الناس واديا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار

 

 [ 1059 ] حدثنا محمد بن الوليد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أنس بن مالك قال لما فتحت مكة قسم الغنائم في قريش فقالت الأنصار إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دمائهم وإن غنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم فقال ما الذي بلغني عنكم قالوا هو الذي بلغك وكانوا لا يكذبون قال أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم وترجعون برسول الله إلى بيوتكم لو سلك الناس واديا أو شعبا وسلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار

 

 [ 1059 ] حدثنا محمد بن المثنى وإبراهيم بن محمد بن عرعرة يزيد أحدهما على الآخر الحرف بعد الحرف قالا حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا بن عون عن هشام بن زيد بن أنس عن أنس بن مالك قال لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان بذراريهم ونعمهم ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف ومعه الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده قال فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما شيئا قال فالتفت عن يمينه فقال يا معشر الأنصار فقالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك قال ثم التفت عن يساره فقال يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك قال وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة فقسم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا فقالت الأنصار إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم فسكتوا فقال يا معشر الأنصار أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد تحوزونه إلى بيوتكم قالوا بلى يا رسول الله رضينا قال فقال لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار قال هشام فقلت يا أبا حمزة أنت شاهد ذاك قال وأين أغيب عنه

   

 [ 1060 ] حدثنا محمد بن أبي عمر المكي حدثنا سفيان عن عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال عباس بن مرداس

 أتجعل نهبي ونهب العبيد

 بين عيينة والأقرع

 فما كان بدر ولا حابس

 يفوقان مرداس في المجمع

 وما كنت دون امرئ منهما

 ومن تخفض اليوم لا يرفع  قال فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة

 

 [ 1060 ] وحدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا بن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم حنين فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل وساق الحديث بنحوه وزاد وأعطى علقمة بن علاثة مائة

 

 [ 1060 ] وحدثنا مخلد بن خالد الشعيري حدثنا سفيان حدثني عمر بن سعيد بهذا الإسناد ولم يذكر في الحديث علقمة بن علاثة ولا صفوان بن أمية ولم يذكر الشعر في حديثه

 

 [ 1061 ] حدثنا سريج بن يونس حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح حنينا قسم الغنائم فأعطى المؤلفة قلوبهم فبلغه أن الأنصار يحبون أن يصيبوا ما أصاب الناس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي ومتفرقين فجمعكم الله بي ويقولون الله ورسوله أمن فقال ألا تجيبوني فقالوا الله ورسوله أمن فقال أما إنكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا وكان من الأمر كذا وكذا لأشياء عددها زعم عمرو أن لا يحفظها فقال ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل وتذهبون برسول الله إلى رحالكم الأنصار شعار والناس دثار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض

 

 [ 1062 ] حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة فقال رجل والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله قال فقلت والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيته فأخبرته بما قال قال فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله قال ثم قال يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر قال قلت لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا

 

[ 1062 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقال رجل إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته فغضب من ذلك غضبا شديدا واحمر وجهه حتى تمنيت أني لم أذكره له قال ثم قال قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر

   

[ 1063 ] حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس فقال يا محمد اعدل قال ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل فقال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية

 

[ 1792 ] حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون

 

 [ 1035 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد قالا حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد عن حكيم بن حزام قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى

 

 [ 1036 ] حدثنا نصر بن علي الجهضمي وزهير بن حرب وعبد بن حميد قالوا حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا شداد قال سمعت أبا أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك وأن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

4057 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ ابْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ بِالْجِعِرَّانَةِ، قَالَ: فَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللهِ بَعَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى قَوْمِهِ، فَكَذَّبُوهُ وَشَجُّوهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ جَبِينِهِ، وَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " . قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ جَبْهَتَهُ، يَحْكِي الرَّجُلَ

 

4922 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَفَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ سَأَلَ عُمَرُ عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، اعْتِكَافُ يَوْمٍ ؟ " فَأَمَرَ بِهِ " . فَانْطَلَقَ ابْنُ عُمَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: وَبَعَثَ مَعِي بِجَارِيَةٍ كَانَ أَصَابَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَالَ: فَجَعَلْتُهَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ الْأَعْرَابِ حِينَ نَزَلْتُ، فَإِذَا أَنَا بِسَبْيِ حُنَيْنٍ قَدْ خَرَجُوا يَسْعَوْنَ، يَقُولُونَ: " أَعْتَقَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللهِ اذْهَبْ فَأَرْسِلْهَا، قَالَ: فَذَهَبْتُ فَأَرْسَلْتُهَا

 

18914 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ مَرْوَانَ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوا أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيُ وَإِمَّا الْمَالُ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ " وَكَانَ أَنْظَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا . فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُوا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا، فَلْيَفْعَلْ " فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ، مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ " فَجَمَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ

 

ورواه البخاري (4318) (4319) و(2307) و (2308) و(2539) و(2540) و(2583) و(2584) و (2607) و (2608) و(3131) و(3132) و(4318) (4319) (7176) (7177) - ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (2715)، وأبو داود (2693)، والبيهقي في "السنن" 6/360، وفي "دلائل النبوة" 5/190-192، والنسائي في "الكبرى" (8876)، والبيهقي 6/ 360، وأحمد بن حنبل (6729). وانظر أحمد 6729 و 7037 وهو عن ابن إسحاق وأخرجه بتمامه النسائي في "المجتبى" 6/262-264، وأخرجه مختصراً أبو داود 2694، والطبري في "التاريخ" 3/86، 87 و89، 90، والبيهقي في "السنن" 6/336، 337 كلاهما عن محمد بن إسحاق. وبرواية يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، به، أورده ابن كثير في "البداية والنهاية" 4/352-354

 

وروى البزار:

6518- حَدَّثنا علي بن شعيب وعبد الله بن أيوب المخرمي، حَدَّثنا علي بن عَاصِم، حَدَّثنا سليمان التيمي، عَن أَنَسٍ، قال: قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لن نهزم اليوم من قلة فما هو إلاَّ أن لقينا عدونا فانهزم القوم، وَكان رسول الله صلي الله عليه وسلم علي بغلة له، وَأبُو سُفيان بن الحارث آخذ بلجامها والعباس عمه آخذ بغرزها وكنا في واد دهس فارتفع النقع فما منا من أحد يبصر كفه إذا شخص قد أقبل فقال له: إليك من أنت ؟ قال: أنا أَبُو بكر فداك أبي وأمي وبه بضعة عشر ضربة، ثُمَّ إذا شخص قد أقبل فقال: إليك من أنت ؟ فقال: عُمَر بن الخطاب فداك أبي وأمي وبه بضعة عشر ضربة. وإذا شخص قد أقبل وبه بضعة وعشرون ضربة فقال: إليك من أنت ؟ فقال: عُثمَان بن عفان فداك أبي وأمي، ثُمَّ إذا شخص قد أقبل وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت ؟ فقال: علي بن أبي طالب فداك أبي وأمي، ثُمَّ أقبل الناس فقال النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم: ألا رجل صيت ينطلق فينادي في القوم ؟ فانطلق رجل فصاح فما هو إلاَّ أن وقع صوته في أسماعهم فأقبلوا راجعين فحمل النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم وحمل المسلمون معه فانهزم المشركون وانحاز دريد بن الصمة علي جبيل، أو قال علي أكمة في زهاء ستمِئَة. فقال له بعض القوم: أري والله كتيبة قد أقبلت قال: خلوهم لي قال: سيماهم كذا من هيئتهم كذا قال: لا بأس عليكم قضاعة منطلقة في آثار القوم قالوا: نري والله كتيبة خشناء قد أقبلت قال: خلوهم لي قال: سيماهم كذا من هيئتهم كذا قال: لا بأس عليكم هذه سليم، ثُمَّ قالوا: نري فارسًا قد أقبل قال: ويلكم ! وحده ؟ قالوا: وحده قال: خلوه لي قالوا: معتجرًا بعمامة سوداء قال دريد: ذاك والله الزبير بن العوام، وهُو والله قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا قال: فالتفت إليهم فقال: علام يترك هؤلاء هاهنا فمضي ومن اتبعه فقتل زهاء ثلاثمِئَة وجز رأس دريد بن الصمة فجعله بين يديه.  وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه بهذا اللفظ إلاَّ سليمان التيمي، عَن أَنَس، ولاَ نعلمُ رواه عَن سُليمان إلاَّ علي بن عَاصِم.

 

وانظر أحمد 4057 و4336 و3611 و 6729 و7037 ومصنف عبد الرزاق " (8030)، ومسلم (1656) (28)، والنسائي في "الكبرى" (3352)، وابن حبان (4381) وغيرها.

 

 

ملاحظة: الربط بين الشخص المعترض على تقسيم محمد غير العادل والإقطاعي للمنهوبات والغنائم هو ربط غير منطقي وأسطوري، لإدانة الخوارج وإثبات حجة دينية ضدهم، لما كان السنة قومًا نصوصيين وليسوا أتباع حس إنساني سليم كمبدأ ومنطلق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هَدْمُ ذِى الْكَفّيْنِ  صَنَمُ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدّوْسِىّ

 

يقول الواقدي بسياق حصار الطائف:

 

قَالُوا: لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حُنَيْنًا وَأَرَادَ الْمَسِيرَ إلَى الطّائِفِ، بَعَثَ الطّفَيْلَ ابْنَ عَمْرٍو إلَى ذِى الْكَفّيْنِ - صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ - يَهْدِمُهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَمِدّ قَوْمَهُ وَيُوَافِيَهُ بِالطّائِفِ، فَقَالَ الطّفَيْلُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْصِنِى، قَالَ: “أَفْشِ السّلامَ، وَابْذُلْ الطّعَامَ، وَاسْتَحْىِ مِنْ اللّهِ كَمَا يَسْتَحْيِى الرّجُلُ ذُو الْهَيْئَةِ مِنْ أَهْلِهِ، إذَا أَسَأْت فَأَحْسِنْ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذّاكِرِينَ”، قَالَ: فَخَرَجَ الطّفَيْلُ سَرِيعًا إلَى قَوْمِهِ فَهَدَمَ ذَا الْكَفّيْنِ وَجَعَلَ يَحْشُو النّارَ فِى جَوْفِهِ وَيَقُولُ:

يَا ذَا الْكَفّيْنِ لَسْـــت مِــنْ عُبّادِكَا

 

مِيلادُنَــــا أَقْدَمُ مِــنْ مِيلادِكَـــــا

أَنَا حَشَـــوْت النّارَ فِـــى فُؤَادِكَــــا

وَأَسْرَعَ مَعَهُ قَوْمُهُ انْحَدَرَ مَعَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ قَوْمِهِ فَوَافَوْا النّبِىّ ÷ بِالطّائِفِ بَعْدَ مُقَامِهِ بِأَرْبَعَةِ أَيّامٍ فَقَدِمَ بِدَبّابَةٍ وَمَنْجَنِيقٍ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَزْدِ، مَنْ يَحْمِلُ رَايَتَكُمْ؟ قَالَ الطّفَيْلُ: مَنْ كَانَ يَحْمِلُهَا فِى الْجَاهِلِيّةِ، قَالَ: أَصَبْتُمْ وَهُوَ النّعْمَانُ بْنُ الزّرَافَةِ اللّهْبِىّ.

 

إلا أنه ذكر القصة كذلك في سياق فتح مكة. ومثله قال ابن إسحاق:

 

.... ثم لم أزل مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، حتى إذا فتح اللّه عليه مكة،

قال: قلت يا رسول اللّه، ابعثني إلى ذي الكفين، صنم عَمرو بن حُمَمة حتى أحرقه. إلخ

 

نموذج للعدوان على مقدسات الأديان الأخرى من المؤمنين بتعدد الآلهة الوهمية.

 

عَمْرو بن أمية الضمري يحاول سرقة أموال أرسلها محمد إلى فقراء قريش

 

ذكرت في كتابي هذا من مجرمي صحابة محمد المجرمين الإرهابيين عمرًا بن أمية الضمري، وسردت له عدة سرايا إرهابية دموية كقتله عجوزًا من بني بكر أعور ومحاولة اغتيال أبي سفيان، وقبل ذلك شارك في سرية بئر معونة التي أخفقت ومات كل إرهابييها، وقتل رجلين من بني عامر بعدها، ولقد ذكرنا بالنصوص أن عدة أتباع لمحمد من مجاهديه كانت وظيفتهم قبل الإسلام هي (قاطع طريق) ومجرم هارب مطارد، ووجدوا في الإسلام ملجأ ورعاية لإجرامهم و"مواهبهم الإجرامية"وميولهم الدموية واللصوصية، إن شر الكثير من أصحاب محمد أتباعه وطمعهم كان يتعدى غير المسلمين إلى خيانة المسلمين ومحمدٍ نفسه، روى أحمد بن حنبل:

 

22492 - حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْفَغْوَاءِ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَنِي بِمَالٍ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ يَقْسِمُهُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَ: فَقَالَ:"الْتَمِسْ صَاحِبًا". قَالَ: فَجَاءَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ الْخُرُوجَ وَتَلْتَمِسُ صَاحِبًا. قَالَ: قُلْتُ: أَجَلْ. قَالَ: فَأَنَا لَكَ صَاحِبٌ. قَالَ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: قَدْ وَجَدْتُ صَاحِبًا وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِذَا وَجَدْتَ صَاحِبًا فَآذِنِّي". قَالَ: فَقَالَ:"مَنْ ؟" قُلْتُ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ. قَالَ: فَقَالَ:"إِذَا هَبَطْتَ بِلَادَ قَوْمِهِ فَاحْذَرْهُ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ الْقَائِلُ: أَخُوكَ الْبَكْرِيُّ وَلَا تَأْمَنْهُ" قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا جِئْتُ الْأَبْوَاءَ فَقَالَ لِي: إِنِّي أُرِيدُ حَاجَةً إِلَى قَوْمِي بِوَدَّانَ فَتَلَبَّثْ لِي: قَالَ: قُلْتُ: رَاشِدًا فَلَمَّا وَلَّى ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَدَدْتُ عَلَى بَعِيرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُوضِعُهُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بَالْأَصَافِرِ إِذَا هُوَ يُعَارِضُنِي فِي رَهْطِهِ قَالَ: وَأَوْضَعْتُ فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي قَدْ فُتُّهُ انْصَرَفُوا وَجَاءَنِي قَالَ: كَانَتْ لِي إِلَى قَوْمِي حَاجَةٌ. قَالَ: قُلْتُ: أَجَلْ. فَمَضَيْنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَدَفَعْتُ الْمَالَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ.

 

من المنطقي والسهل تصور أنه كان ينتوي قتل زميل رحلته بمساعدة بعض قومه لكي لا يتمكن من تبليغ محمد بأشخاص سارقي الأموال التي أرسلها، وسارع علماء الإسناد الخزعبلي لتضعيف الإسناد بطبيعة الحال، لكن كما نرى فعليه علامة المصداقية التاريخية والمحتوى السليم الصادق عن فضائح صحابة محمد، وكثير من أساتذتنا العلمانيين واللادينيين الراحلين كفرج فودة في (الحقيقة الغائبة) وخليل عبد الكريم في (شدو الربابة بأحوال دولة الصحابة) والمستشار العشماوي في (الخلافة الإسلامية) وغيرهم فضحوا الكثير من إجرام وعدم أمانة الكثير من أصحاب محمد وقتالهم وقتلهم لبعضهم البعض وحشيتهم بعد موته كذلك.

 

معاني كلمات:

"البكري": منسوب إلى بني بكر، فضمرة بن بكر بن عبد مناة بن عليّ بن كنانة.

"ولا تأمنه": عطف على مقدَّر، أي: احذره ولا تأمنه.

"أوضَعتُ": من الإيضاع، وهو الإسراع في السير.

الأبواء ووَدَّان والأصافر: مواضع بين مكة والمدينة.

 

وأخرجه الطبراني في"المعجم الكبير" 17/ (73) من طريق أحمد بن محمد بن أيوب، عن إبراهيم بن سعد، به.  وابن سعد في الطبقات الكبير 4/296، وأبو داود (4861) ، وابن قانع في"معجم الصحابة"2/214، وأبو الشيخ الأصبهاني في"الأمثال"(119) ، والبيهقي في السنن الكبرى 10/129 (20204)، وابن عبد البر في"الاستيعاب في معرفة الأصحاب"2/523، وابن الأثير في"أسد الغابة"4/262 من طريق نوح بن يزيد، به، وبعضهم يختصره. وأورده الحافظ ابن حجر في"الإصابة في تمييز الصحابة" 4/558 في ترجمة علقمة بن الفغواء، وعزاه لعمر بن شبة والبغوي.

 

وقالوا عن الإسناد: إسناده ضعيف، عبد الله بن عمرو بن الفغواء روى عنه عيسى بن معمر، وذكره البخاري في"تاريخه"5/155، وقال: قال زيد بن أسلم ومسلم ابن نبهان: عن عبد الله بن علقمة بن الفغواء، يعني أنه راو واحد قيل في اسمه: عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن علقمة، وبذلك يكون الرواة عنه ثلاثة، وذكره ابن حبان في"الثقات"، وقال الذهبي في"الميزان": لا يعرف، تفرد عنه عيسى بن معمر. وقال ابن حجر في"تقريب التهذيب": مستور. وعيسى بن معمر روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في"الثقات"، وقيل: إنَّ الأزدي ضعَّفَه، وقال الذهبي في"الميزان": صالح الرواية، وقال الحافظ ابن حجر في"تقريب التهذيب": لين الحديث. وابن إسحاق -وهو محمد صاحب المغازي- مدلس وقد عنعنه، لكن أورد البخاري هذا الإسناد في"تاريخه"7/39، وذكر فيه تصريح ابن إسحاق بسماعه من عيسى بن معمر.

 

ولتمثل محمد بالمثل"أخوك البكري ولا تأمنه" شاهد من حديث عمر بن الخطاب عند العقيلي في"الضعفاء" 2/72، والطبراني في"الأوسط"(3786) ، وابن عدي في"الكامل" 1/318 و3/1065، وأبي الشيخ في"الأمثال"(118). وفيه زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو متفق على ضعفه، وقال البخاري: منكر الحديث. وأبوه ضعيف جداً. وثان من حديث المسور بن مخرمة عند أبي الشيخ في"الأمثال"(120) ، وفيه من لم نتبينه.

 

في المعجم الأوسط للطبراني:

 

3774 - حدثنا علي بن المبارك الصنعاني قال نا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابيه عن جده عن أسلم قال خرجت في سفر فلما رجعت قال لي عمر من صحبت قلت صحبت رجلا من بني بكر بن وائل فقال عمر أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخوك البكري ولا تأمنه.

 

وأتساءل وماذا يمنع أن نقول بطريقة علماء الإسناد والجرح والتعديل الخزعبلي عندما يحتاجون أو يعجبهم حديث ضعيف الأسانيد وفق خزعبلاتهم وعلمهم المزيف في معظمه: أن الحديث يتقوى بالشواهد فيعتبر حسنًا أو صحيحًا لغيره بطرقه وشواهده.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سَرِيّةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ إلَى بَنِي تمِيمٍ فِي المُحَرّمِ سَنَةَ تِسْعٍ

 

ذكرها ابن هشام عن ابن إسحاق في ج4، لكن سياقه عن أحداثها ناقص، وعنه اقتبس البخاري في صحيحه عنوان باب:

 

بَاب قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأَغَارَ وَأَصَابَ مِنْهُمْ نَاسًا وَسَبَى مِنْهُمْ نِسَاءً


4366 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهَا فِيهِمْ هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمٍ أَوْ قَوْمِي

 

والأحداث بكاملها من الواقدي كالتالي:

 

قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الزّهْرِىّ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالا: لَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْجِعِرّانَةِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَلاثِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِى الْقَعْدَةِ فَأَقَامَ بَقِيّةَ ذِى الْقَعْدَةِ، وَذِى الْحِجّةِ، فَلَمّا رَأَى هِلالَ الْمُحَرّمِ بَعَثَ الْمُصَدّقِينَ، فَبَعَثَ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ إلَى أَسْلَمَ وَغِفَارٍ بِصَدَقَتِهِمْ....إلخ وَبَعَثَ رَجُلاً مِنْ بَنِى سَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ. فَخَرَجَ بُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِى كَعْبٍ.

وَيُقَالُ: إنّمَا سَعَى عَلَيْهِمْ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ النّحّامُ الْعَدَوِىّ، فَجَاءَ وَقَدْ حَلّ بِنَوَاحِيهِمْ بَنُو جُهَيْمٍ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ، وَبَنُو عَمْرِو بْنِ جُنْدُبِ بْنِ الْعُتَيْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ فَهُمْ يَشْرَبُونَ مَعَهُمْ عَلَى غَدِيرٍ لَهُمْ بِذَاتِ الأَشْطَاطِ، وَيُقَالُ: وَجَدَهُمْ عَلَى عُسْفَانَ. ثُمّ أَمَرَ بِجَمْعِ مَوَاشِى خُزَاعَةَ لِيَأْخُذَ مِنْهَا الصّدَقَةَ. قَالَ: فَحَشَرَتْ خُزَاعَةُ الصّدَقَةَ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ، فَاسْتَنْكَرَتْ ذَلِكَ بَنُو تَمِيمٍ، وَقَالُوا: مَا هَذَا؟ تُؤْخَذُ أَمْوَالُكُمْ مِنْكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتَجَيّشُوا، وَتَقَلّدُوا الْقِسِىّ وَشَهَرُوا السّيُوفَ فَقَالَ الْخُزَاعِيّونَ: نَحْنُ قَوْمٌ نَدِينُ بِدِينِ الإِسْلامِ وَهَذَا مِنْ دِينِنَا. قَالَ التّمِيمِيّونَ: وَاَللّهِ لا يَصِلُ إلَى بَعِيرٍ مِنْهَا أَبَدًا، فَلَمّا رَآهُمْ الْمُصَدّقُ هَرَبَ مِنْهُمْ وَانْطَلَقَ مُوَلّيًا وَهُوَ يَخَافُهُمْ وَالإِسْلامُ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَعُمّ الْعَرَبَ، قَدْ بَقِيَتْ بَقَايَا مِنْ الْعَرَبِ وَهُمْ يَخَافُونَ السّيْفَ لِمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِمَكّةَ وَحُنَيْنٍ.

وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ أَمَرَ مُصَدّقِيهِ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَفْوَ مِنْهُمْ وَيَتَوَقّوْا كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ فَقَدِمَ الْمُصَدّقُ عَلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّمَا كُنْت فِى ثَلاثَةِ نَفَرٍ فَوَثَبَتْ خُزَاعَةُ عَلَى التّمِيمِيّينَ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ مَحَالّهِمْ وَقَالُوا: لَوْلا قَرَابَتُكُمْ مَا وَصَلْتُمْ إلَى بِلادِكُمْ لَيَدْخُلَنّ عَلَيْنَا بَلاءٌ مِنْ عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ ÷ وَعَلَى أَنْفُسِكُمْ حَيْثُ تَعْرِضُونَ لِرُسُلِ رَسُولِ اللّهِ تَرُدّونَهُمْ عَنْ صَدَقَاتِ أَمْوَالِنَا، فَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلادِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَنْ لِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ الّذِينَ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا”؟ فَانْتَدَبَ أَوّلُ النّاسِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِىّ، فَقَالَ: أَنَا وَاَللّهِ لَهُمْ أَتْبَعُ آثَارَهُمْ وَلَوْ بَلَغُوا يَبْرِينَ حَتّى آتِيَك بِهِمْ إنْ شَاءَ اللّهُ فَتَرَى فِيهِمْ رَأْيَك أَوْ يُسْلِمُوا، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى خَمْسِينَ فَارِسًا مِنْ الْعَرَبِ، لَيْسَ فِيهَا مُهَاجِرٌ وَاحِدٌ وَلا أَنْصَارِىّ، فَكَانَ يَسِيرُ بِاللّيْلِ، وَيَكْمُنُ لَهُمْ بِالنّهَارِ، خَرَجَ عَلَى رَكُوبَةٍ حَتّى انْتَهَى إلَى الْعَرْجِ، فَوَجَدَ خَبَرَهُمْ أَنّهُمْ قَدْ عَارَضُوا إلَى أَرْضِ بَنِى سُلَيْمٍ، فَخَرَجَ فِى أَثَرِهِمْ حَتّى وَجَدَهُمْ قَدْ عَدَلُوا مِنْ السّقْيَا يَؤُمّونَ أَرْضَ بَنِى سُلَيْمٍ فِى صَحْرَاءَ قَدْ حَلّوا وَسَرّحُوا مَوَاشِيَهُمْ وَالْبُيُوتُ خُلُوفٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ إلاّ النّسَاءُ وَنُفَيْرٌ فَلَمّا رَأَوْا الْجَمْعَ وَلّوْا وَأَخَذُوا مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً، وَوَجَدُوا فِى الْمَحَلّةِ مِنْ النّسَاءِ إحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً وَثَلاثِينَ صَبِيّا، فَحَمَلَهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ بِهِمْ النّبِىّ ÷ فَحُبِسُوا فِى دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ

 فَقَدِمَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ الْعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ، وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنُعَيْمُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ، وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَرِيَاحُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُجَاشِعٍ، فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ قَبْلَ الظّهْرِ فَلَمّا دَخَلُوا سَأَلُوا عَنْ سَبْيِهِمْ، فَأُخْبِرُوا بِهِمْ فَجَاءُوهُمْ فَبَكَى الذّرَارِىّ، وَالنّسَاءُ فَرَجَعُوا، حَتّى دَخَلُوا الْمَسْجِدَ ثَانِيَةً، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ فِى بَيْتِ عَائِشَةَ، وَقَدْ أَذّنَ بِلالٌ بِالظّهْرِ بِالأَذَانِ الأَوّلِ، وَالنّاسُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ رَسُولِ اللّهِ ÷، فَعَجّلُوا خُرُوجَهُ فَنَادَوْا: يَا مُحَمّدُ اُخْرُجْ إلَيْنَا فَقَامَ إلَيْهِمْ بِلالٌ، فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَخْرُجُ الآنَ، فَاشْتَهَرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَصْوَاتَهُمْ فَجَعَلُوا يَخْفِقُونَ بِأَيْدِيهِمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَأَقَامَ بِلالٌ الصّلاةَ، وَتَعَلّقُوا بِهِ يُكَلّمُونَهُ فَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مَعَهُمْ بَعْدَ إقَامَةِ بِلالٍ الصّلاةَ مَلِيّا، وَهُمْ يَقُولُونَ: أَتَيْنَاك بِخَطِيبِنَا وَشَاعِرِنَا فَاسْمَعْ مِنّا، فَتَبَسّمَ النّبِىّ ÷، ثُمّ مَضَى فَصَلّى بِالنّاسِ الظّهْرَ، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى بَيْتِهِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، تَمّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِى صَحْنِ الْمَسْجِدِ، وَقَدِمُوا عَلَيْهِ، وَقَدّمُوا عُطَارِدَ بْنَ حَاجِبِ التّمِيمِىّ فَخَطَبَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى لَهُ الْفَضْلُ عَلَيْنَا، وَاَلّذِى جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَأَعْطَانَا الأَمْوَالَ نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ وَجَعَلَنَا أَعَزّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُمْ مَالاً وَأَكْثَرَهُمْ عَدَدًا، فَمَنْ مِثْلُنَا فِى النّاسِ؟ أَلَسْنَا بِرُءُوسِ النّاسِ وَذَوِى فَضْلِهِمْ؟ فَمَنْ يُفَاخِرُ فَلْيَعْدُدْ مِثْلَ مَا عَدَدْنَا وَلَوْ شِئْنَا لأَكْثَرْنَا مِنْ الْكَلامِ وَلَكِنّا نَسْتَحْيِى مِنْ الإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا اللّهُ، أَقُولُ قَوْلِى هَذَا لأَنْ يُؤْتَى بِقَوْلٍ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ قَوْلِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: “قُمْ فَأَجِبْ خَطِيبَهُمْ”، فَقَامَ ثَابِتٌ - وَمَا كَانَ دَرَى مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَمَا هَيّأَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَقُولُ - فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى السّمَوَاتُ وَالأَرْضُ خَلْقُهُ، قَضَى فِيهَا أَمْرَهُ، وَوَسِعَ كُلّ شَيْءٍ عِلْمُهُ، فَلَمْ يَكُ شَيْءٌ إلاّ مِنْ فَضْلِهِ، ثُمّ كَانَ مِمّا قَدّرَ اللّهُ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَاصْطَفَى لَنَا مِنْ خَلْقِهِ رَسُولاً، أَكْرَمَهُمْ نَسَبًا، وَأَحْسَنَهُمْ زِيّا، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ، وَائْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَكَانَ خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ فَدَعَا إلَى الإِيمَانِ فَآمَنَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِى رَحِمِهِ أَصْبَحُ النّاسِ وَجْهًا، وَأَفْضَلُ النّاسِ فِعَالاً، ثُمّ كُنّا أَوّلَ النّاسِ إجَابَةً حِينَ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ÷، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ وَرَسُولِهِ نُقَاتِلُ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، فَمَنْ آمَنَ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ مُنِعَ مِنّا مَالُهُ وَدَمُهُ، وَمَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ جَاهَدْنَاهُ فِى ذَلِكَ، وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا، أَقُولُ قَوْلِى هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللّه لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، ثُمّ جَلَسَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِشَاعِرِنَا، فَأَذِنَ لَهُ فَأَقَامُوا الزّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ فَقَالَ:

نَحْنُ الْمُلُوكُ فَلا حَىّ يُقَارِبُنَا
وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الأَحْيَاءِ كُلّهِمُ
وَنَحْنُ نُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مَا أَكَلُوا
وَنَنْحَرُ الْكُــومَ عَبْطًا فِــى أَرُومَتِنَـا

 

فِينَا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ
عِنْدَ النّهَابِ وَفَضْلُ الْخَيْرِ يُتّبَعُ
مِنْ السّدِيفِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ
لِلنّازِلِينَ إذَا مَـــا أُنْزِلُوا شَبِعُـوا

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَجِبْهُمْ يَا حَسّانُ بْنَ ثَابِتٍ”، فَقَامَ فَقَالَ:

إنّ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ
يَرْضَى بِهِمْ كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرّوا عَدُوّهُمُ
سَجِيّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ
لا يَرْقَعُ النّاسُ مَا أَوْهَتْ أَكُفّهُمُ
وَلا يَضِنّونَ عَنْ جَارٍ بِفَضْلِهِمُ
إنْ كَانَ فِى النّاسِ سَبّاقُونَ بَعْدَهُمُ
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللّهِ شِيعَتُهُمْ
أَعِفّةٌ ذُكِرَتْ فِى الْوَحْىِ عِفّتُهُمْ
كَأَنّهُمْ فِى الْوَغَى وَالْمَوْتُ مُكْتَنِعٌ
لا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوّهُمُ
إذَا نَصَبْنَا لِحَىّ لَمْ نَدِبّ لَهُمْ
نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا
خُذْ مِنْهُمُ مَا أَتَى عَفْوًا إذَا غَضِبُوا
فَإِنّ فِى حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ
أَهْدَى لَهُمْ مَدْحَهُ قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ
وَأَنّهُـــمْ أَفْضَـــلُ الأَحْيَاءِ كُلّهِـــمُ

 

قَدْ شَرّعُوا سُنّةً لِلنّاسِ تُتّبَعُ
تَقْوَى الإِلَهِ وَبِالأَمْرِ الّذِى شَرَعُوا
أَوْ حَاوَلُوا النّفْعَ فِى أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
إنّ الْخَلائِقَ فَاعْلَمْ شَرّهَا الْبِدَعُ
عِنْدَ الدّفَاعِ وَلا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا
وَلا يَنَالُهُمُ فِى مَطْمَعٍ طَبَعُ
فَكُلّ سَبْقٍ لأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
إذَا تَفَرّقَتْ الأَهْوَاءُ وَالشّيَعُ
لا يَطْمَعُونَ وَلا يُرْدِيهِمُ طَمَعُ
أُسْدٌ بِبِيشَةَ فِى أَرْسَاغِهَا فَدَعُ
وَإِنْ أُصِيبُوا فَلا خُورٌ وَلا جُزُعُ
كَمَا يَدِبّ إلَى الْوَحْشِيّةِ الذّرَعُ
إذَا الزّعَانِفُ مِنْ أَطْرَافِهَا خَشَعُوا
وَلا يَكُنْ هَمّك الأَمْرَ الّذِى مَنَعُوا
سُمّا غَرِيضًا عَلَيْهِ الصّابُ وَالسّلَعُ
فِيمَا أَحَبّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ
إنْ جَدّ بِالنّاسِ جِدّ الْقَوْلِ أَوْ شَمَعُوا

وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ أَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ فِى الْمَسْجِدِ يُنْشِدُ عَلَيْهِ حَسّانُ، وَقَالَ: “إنّ اللّهَ لَيُؤَيّدُ حَسّانَ بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا دَافَعَ عَنْ نَبِيّهِ”، وَسُرّ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَوْمَئِذٍ وَالْمُسْلِمُونَ بِمَقَامِ ثَابِتٍ وَشِعْرِ حَسّانَ. وَخَلا الْوَفْدُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَالَ قَائِلٌ: تَعْلَمُنّ وَاَللّهِ أَنّ هَذَا الرّجُلَ مُؤَيّدٌ مَصْنُوعٌ لَهُ، وَاَللّهِ لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُمْ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلَهُمْ أَحْلَمُ مِنّا، وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ أَجْهَرِ النّاسِ صَوْتًا. وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيّهِ فِى رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ - التّمِيمِيّينَ - وَيُذْكَرُ أَنّهُمْ نَادَوْا النّبِىّ ÷ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ، فَقَالَ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ} إلَى قَوْلِهِ: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} يَعْنِى تَمِيمًا حِينَ نَادَوْا النّبِىّ ÷.

وَكَانَ ثَابِتٌ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ لا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عِنْدَ النّبِىّ ÷ فَرَدّ رَسُولُ اللّهِ السّبْىَ وَالأَسْرَى، وَقَامَ عَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ يَوْمَئِذٍ يَهْجُو قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ، كَانَا جَمِيعًا فِى الْوَفْدِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ أَمَرَ لَهُمْ بِجَوَائِزَ. وَكَانَ يُجِيزُ الْوَفْدَ إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ وَيُفَضّلُ بَيْنَهُمْ فِى الْعَطِيّةِ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى...إلخ

 

قَالَ: حَدّثَنِى رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ شَيْخٍ أَخْبَرَهُ أَنّ امْرَأَةً مِنْ بَنِى النّجّارِ، قَالَتْ: أَنَا أَنْظُرُ إلَى الْوَفْدِ يَوْمَئِذٍ يَأْخُذُونَ جَوَائِزَهُمْ عِنْدَ بِلالٍ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أُوقِيّةً وَنَشّ. قَالَتْ: وَقَدْ رَأَيْت غُلامًا أَعْطَاهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ أَعْطَى خَمْسَ أَوَاقِىّ. قُلْت: وَمَا النّشّ؟ قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيّةٍ.

 

شواهد من كتب الحديث

 

روى الترمذي في سننه:

 

3267 - حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب في قوله { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } قال فقام رجل فقال يا رسول الله إن حمدي زين وإن ذمي شين فقال النبي صلى الله عليه و سلم ذاك الله قال هذا حديث حسن غريب

 

إسناده صحيح، ورواه النسائي في "الكبرى" (11515)

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

27203 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، أَنَّهُ نَادَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ فَقَالَ: " يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ، فَقَالَ: ذَاكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ "، كَمَا حَدَّثَ أَبُو سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

 

15991 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، أَنَّهُ نَادَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ ، وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمَا حَدَّثَ أَبُو سَلَمَةَ: " ذَاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ "

 

إسناده ضعيف، لانقطاعه، أبو سلمة بن عبد الرحمن- وهو ابن عوف القرشي- لم يثبت سماعه من الأقرع بن حابس، فقد نقل الحافظ في "الإصابة" - في ترجمة الأقرع- عن ابن منده قوله: رُوي عن أبي سلمة أن الأقرع بن حابس نادى، فذكره مرسلاً، وهو الأصح، قال الحافظ: وكذا رواه الروياني من طريق عمرر بن أبي سلمة، عن أبيه، قال: نادى الأقرع. فذكره مرسلاً، ووقع في رواية جرير التصريح بسماع أبي سلمة من الأقرع، فهذا يدل على أنه تأخر. قلنا: وسيأتي مرسلاً أيضاً في الرواية 6/394. وقال الحافظ في "التعجيل": ورواية أبي سلمة عن الأقرع منقطعة، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين. عفان: هو ابن مسلم، ووهيب: هو ابن خالد.

وأخرجه ابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1178) ، والطبراني في "الكبير" (878) ، وأبو نعيم في "المعرفة" (1033) ، وابن الأثير في "أسد الغابة" 1/130 من طريق عفان، بهذا الإسناد.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 7/108، وقال: رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي أحمد رجال الصحيح إن كان أبو سلمة سمع من الأقرع، وإلا فهو مرسل كإسناد أحمد الآخر.

وله شاهد من حديث البراء بن عازب عند الترمذي (3267) ، والنسائي في "الكبرى" (11515) ، وابن جرير 26/121، وأبي نعيم في "أخبار أصبهان" 2/296 وفيه عن البراء بن عازب في قوله: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) [الحجرات: 4] ، قال: فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إن حمدي زين، وإن ذمي شين. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذاك الله". قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

ما يمكننا التعليق به هو تعاطف بني تميم الأقارب أو الأصهار لبني كعب من خزاعة، تعاطفًا غريزيًّا بديهيًّا، لما وجدوا من يأتي ليأخذ مواشيهم وأغنامهم من بلادهم كزكاة كاملة مصادرة كضريبة تذهب كلها للمدينة يثرب، بدلًا من توزيع تلك الخيرات والصدقات على الأولى بها من فقراء خزاعة نفسها، الأمر كان بحسن نية منهم فقط، ونلاحظ أن خزاعة فعلت فعل من لا يكره فعل المدافع عنهم في قرارة نفسه، وإن تظاهروا بالرفض خوفًا من قوة محمد العسكرية، ما قام به محمد هو الرد بجريمة وغارة من غاراته للنهب والسبي، ولما جاءه وفد بني تميم ووجدوا النساء والأطفال في الأقفاص يبكون ويستغيثون بقومهم ضجوا وصاحوا منادين محمدًا في رد فعل إنساني متعاطف طيب، لكن كأنما لا يدرك ولا يشعر ولا يهتم بالظرف الإنساني المأساوي الذي تسبب به باستعباد وخطف النساء والأطفال، كل ما اهتم به هو كيف يصيحون بصوت عالٍ منادين لي من خارج حجرات نسائي؟! أنا ذو المقام الرفيع المعتبر عند أتباعي الكثيرين المخدوعين نبيًّا؟! وصاغ لذلك آية في سورة الحجرات تقول:

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}

 

حقيقة لدي في جزئي القادم باب اسمه (سخافة بعض أسباب الصياغة أو "النزول") وهذا مما يصلح لوضعه هناك، كل هذا التكبر والغطرسة، لدرجة وضع نص ديني يوافق أناه المتضخمة وعنجهيته. ويوضع كذلك في باب بعنوان (هل هو خير البشر حقًّا؟!).

 

ولما كانت قبيلة تميم كبيرة وإغراؤها وجذبها أقضل بقوته  وكونه منتصرًا مما يجعل البدائيين ذوي الفكر البدائي المتبعين لدين الغالب والأقوى يعتقدون أنه منصور من قوة عليا غيبية، اتبع أسلوب العفو ليضم قوة قبيلة تميم الكبيرة كثيرة العدد إليه، يكفي لنعلم مقدار تلك القوة العددية أن نقرأ المثل الدارج (الناس بنو تميم) يعني أكثرهم، ولاحقًا نرى في العصر الحديث سيادة شيء من لهجة تميم في الكثير من لهجات شبه الجزيرة العربية والعراق وهي لغة الكشكشة، أي إبدالهم الكاف شينًا، كقولك سمش بدلًا من سمك. وذكر الواقدي أنه ترك ورد لهم نساهم وأطفالهم، أما ابن إسحاق فقال أنه دفَّع بعضهم فدية مادية وعفى عن آخرين منهم:

 

فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، فأعتق بعضاً، وأفدَى بعضا

 

في النهاية نلاحظ فخر وتباهي خطيب وشاعر المسلمين بأنهم يكرهون الناس على دين محمد ويقتلون من لا يتبعه بأسلوب الإجبار والإكراه والإرهاب.

 

وما أحسن قول الأقرع بن حابس لمحمد حسب البخاري:

 

3516 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الحَجِيجِ، مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ، - وَأَحْسِبُهُ - وَجُهَيْنَةَ - ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ شَكَّ - قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ، وَغِفَارُ، وَمُزَيْنَةُ، - وَأَحْسِبُهُ - وَجُهَيْنَةُ، خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَبَنِي عَامِرٍ، وَأَسَدٍ، وَغَطَفَانَ خَابُوا وَخَسِرُوا» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَخَيْرٌ مِنْهُمْ»

 

ورواه مسلم 2522 وابن أبي شيبة 33145 وأحمد بن حنبل 20423 والطيالسي (861) ، والبخاري (6635)، وأبو عوانة في المناقب كما في "إتحاف المهرة" 5/ورقة 52، وابن حبان (7290) ، والبغوي (3854)

 

لقد أصاب الرجل قلب الحقيقة ولبها، فقد استقوى محمد وصنع جيوشًا من الغوغاء والجهّال وقادهم للنهب والاقتحام والاحتلال والتقتيل، بدلًا من حركة تنويرية عظيمة كسقراط أو ﭬولتير أو روسو أو توماس باين أو سيد القمني ونصر حامد أبو زيد.

 

شواهد أخرى من كتب الحديث على وفد بني تميم:

 

روى البخاري:

 

4367 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُمْ: «أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ القَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلاَفِي، قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ، فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا} [الحجرات: 1] حَتَّى انْقَضَتْ

 

4845 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: " كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ - قَالَ نَافِعٌ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلاَفِي، قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2] " الآيَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: «فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ»

 

7302 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ، أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ الحَنْظَلِيِّ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلاَفِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إِلَى قَوْلِهِ {عَظِيمٌ} [الحجرات: 3]، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ، وَلَمْ يَذْكُرْ [ص:98] ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ

 

4365 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي صَخْرَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ المَازِنِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَرُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَجَاءَ نَفَرٌ مِنَ اليَمَنِ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا البُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ

 

4366 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلاَثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهَا فِيهِمْ: «هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ» وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: «أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ»، وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ: " هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمٍ، أَوْ: قَوْمِي "

 

 

سَرِيّةُ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إلَى خَثْعَمَ فِى صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ

 

جاء في الواقدي:

 

قَالَ إسْحَاقُ: حَدّثَنِى ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص بَعَثَ قُطْبَةَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ فِى عِشْرِينَ رَجُلاً إلَى حَىّ مِنْ خَثْعَمَ بِنَاحِيَةِ تَبَالَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَةَ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يَسِيرَ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُغَذّ السّيْرَ. فَخَرَجُوا عَلَى عَشَرَةِ أَبْعِرَةً يَعْتَقِبُونَهَا، قَدْ غَيّبُوا السّلاحَ فَأَخَذُوا عَلَى الْفَتْقِ حَتّى انْتَهَوْا إلَى بَطْنِ مَسْحَبٍ فَأَخَذُوا رَجُلاً فَسَأَلُوهُ فَاسْتَعْجَمَ عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ يَصِيحُ بِالْحَاضِرِ فَقَدّمَهُ قُطْبَةُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. ثُمّ أَقَامُوا حَتّى كَانَ سَاعَةٌ مِنْ اللّيْلِ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ طَلِيعَةً فَيَجِدُ حَاضِرَ نَعَمٍ فِيهِ النّعَمُ وَالشّاءُ فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ يَدِبّونَ دَبِيبًا يَخَافُونَ الْحَرَسَ حَتّى انْتَهَوْا إلَى الْحَاضِرِ وَقَدْ نَامُوا وَهَدَءُوا؛ فَكَبّرُوا وَشَنّوا الْغَارَةَ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ رِجَالُ الْحَاضِرِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيدًا حَتّى كَثُرَتْ الْجِرَاحُ فِى الْفَرِيقَيْنِ. وَأَصْبَحَ وَجَاءَ الْخَثْعَمِيّونَ الدّهْمَ فَحَالَ بَيْنَهُمْ سَيْلٌ أَتِىّ، فَمَا قَدَرَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَمْضِى حَتّى أَتَى قُطْبَةُ عَلَى أَهْلِ الْحَاضِرِ فَأَقْبَلَ بِالنّعَمِ وَالشّاءِ وَالنّسَاءِ إلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانَ سِهَامُهُمْ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً وَالْبَعِيرُ بِعَشَرَةٍ مِنْ الْغَنَمِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ الْخُمُسُ. وَكَانَ فِى صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ.

 

وفي موضع آخر قال الواقدي:

 

وَخَبَرُ هَذِهِ السّرِيّةِ دَاخِلٌ فِى سَرِيّةِ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ.

 

هل هناك أي تعريف عمليّ للإرهاب والتقتيل والشر أكثر من ذلك؟! تسلل بالليل وهجوم على ناس في سِلم لنهبهم وخطف واستعباد نسائهم وأطفالهم وقتل من وقع تحت قدرتهم؟! ألسنا محقّين حينما نقول أنه دين إرهاب منذ نشأته وحتى زواله يومًا ما؟!

وروى ابن أبي شيبة ما يدل على أثر الإرهاب الإسلامي في مقتل مسلمين خثعميين، بسبب الهجوم على الشعوب والقبائل بأسلوبهم الهمجي المعروف للإبادة والعدوان الوحشي:

 

37785- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَثْعَمَ، لِقَوْمٍ كَانُوا فِيهِمْ، فَلَمَّا غَشِيَهُمَ الْمُسْلِمُونَ اسْتَعْصَمُوا بِالسُّجُودِ، قَالَ: فَسَجَدُوا، قَالَ: فَقُتِلَ بَعْضُهُمْ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أَعْطُوهُمْ نِصْفَ الْعَقْلِ لِصَلاَتِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَلاَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ.

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير ج2:

 

2264 - حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج ثنا عبد الله بن عمر بن أبان ثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فأمر لهم بنصف العقل وقال : ( إني بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ) قالوا : يا رسول الله ولم ؟ قال : ( لا تراءى ناراهما )

 

2265 - حدثنا القاسم بن محمد الدلال الكوفي ثنا إبراهيم بن محمد ابن ميمون ثنا صالح بن عمر عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشا إلى خثعم فلما غشيتهم الخيل اعتصموا بالصلاة فقتل رجل منهم فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم نصف العقل بصلاتهم وقال : ( إني بريء من كل مسلم مع مشرك )

 

وذكر هذا الحدث أبو داوود 2645 والترمذي 1604 والنسائي في الكبرى 6982 والبيهقي في الكبرى 16247 وانظر تعليق الشافعي عند الأخير: قال الشافعي إن كان هذا ثبت فأحسب النبي ص أعلم أعطى من أعطى منهم متطوعا وأعلمهم أنه بريء من كل مسلم مع مشرك والله أعلم في دار شرك ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قود

 

وقد تكون هذه هي ذات الغزوة التي ذكرها الواقدي وابن سعد، وقد تكون غارة إرهابية أخرى. لقد تسبب منهج التكفير كأيديولوجي في سفك دماء البشر بما فيهم المسلمون بيد المحاربين المسلمين الحمس المتعصبين الإرهابيين. قول محمد هنا بإمكانية وأخلاقية قتل مسلمين لأنهم مقيمون ببلاد غير مسلمة، هل يختلف عن نهج تنظيم القاعدة، أليسوا مقتدين ممتازين لمرشدهم وملهمهم في علوم الإجرام والانحطاط والعنصرية؟!

سَرِيّةُ بَنِي كِلابٍ فِي رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ تِسْعٍ أَمِيرُهَا الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الكلابيّ

 

ذكرها الواقدي وأحمد بن حنبل وابن أبي شيبة والطبراني في المعجم الكبير.

 

روى الواقدي:

 

سَرِيّةُ بَنِي كِلَابٍ أَمِيرُهَا الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيّ

 

قَالَ: حَدّثَنِي رَشِيدٌ أَبُو مَوْهُوبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُلْمَى قَالَا: كَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم إلى، حارثة بن عمرو ابن قُرَيْطٍ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَخَذُوا صَحِيفَتَهُ فَغَسَلُوهَا وَرَقَعُوا بِهَا اسْتَ دَلْوِهِمْ، وَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا. فَقَالَتْ أُمّ حَبِيبِ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ خَالِدِ ابن عَمْرِو بْنِ قُرَيْطِ بْنِ عَبْدِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَخَاصَمَتْهُمْ فِي بَيْتٍ لَهَا فَقَالَتْ:

أَيَا ابْنَ سَعِيدٍ لَا تَكُونَنّ ضُحْكَةً... وَإِيّاكَ وَاسْتَمْرِرْ لَهُمْ بِمَرِيرِ

أَيَا ابْنَ سَعِيدٍ إنّمَا الْقَوْمُ مَعْشَرٌ... عَصَوْا مُنْذُ قَامَ الدّينُ كُلّ أَمِيرِ

إذَا مَا أَتَتْهُمْ آيَةٌ مِنْ مُحَمّدٍ... مَحَوْهَا بماء البئر فهي عصير

قالوا: فلمّا بِالْكِتَابِ مَا فَعَلُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

مَا لَهُمْ؟ أَذَهَبَ اللهُ بِعُقُولِهِمْ؟ فَهُمْ أَهْلُ رِعْدَةٍ. وَعَجَلَةٍ وَكَلَامٍ مُخْتَلِطٍ، وَأَهْلُ سَفَهٍ!

وَكَانَ الّذِي جَاءَهُمْ بِالْكِتَابِ رَجُلٌ من عرينة يقال له: عبد الله ابن عَوْسَجَةَ، لِمُسْتَهَلّ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ تِسْعٍ....إلخ

 

قَالَ: حَدّثَنِي رَشِيدٌ أَبُو مَوْهُوبٍ الْكِلَابِيّ، عَنْ حَيّانَ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعَنْبَسَةَ بْنِ أبى سُلْمَى، وَحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا إلَى الْقُرَطَاءِ، فِيهِمْ الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْكِلَابِيّ، وَالْأَصْيَدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ قُرْطِ بْنِ عَبْدٍ، حَتّى لَقُوهُمْ بِالزّجّ زَجّ لَاوَةَ، فَدَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا، فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمُوهُمْ، فَلَحِقَ الْأَصْيَدُ أَبَاهُ سَلَمَةَ بْنَ قُرْطٍ، وَسَلَمَةُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ عَلَى غَدِيرِ زَجّ، فَدَعَا أَبَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَعْطَاهُ الْأَمَانَ، فَسَبّهُ وَسَبّ دِينَهُ، فَضَرَبَ الْأَصْيَدُ عُرْقُوبَيْ فَرَسِهِ، فَلَمّا وَقَعَ عَلَى عُرْقُوبَيْهِ ارْتَكَزَ سَلَمَةُ عَلَى رُمْحِهِ فِي الْمَاءِ، ثُمّ اسْتَمْسَكَ بِهِ حَتّى جَاءَهُ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ ابْنُهُ. وَهَذِهِ السّرِيّةُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ تِسْعٍ.

 

معاني كلمات:

 

القرطاء: بطن من بنى بكر. (شرح على المواهب اللدنية، ج 3، ص 57).

الزج: موضع بناحية ضرية. (وفاء الوفا، ج 2، ص 317).

 

شواهد كتب الحديث المطابقة:

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

37794- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى رِعْيَةَ السُّحَيْمِيِّ بِكِتَابٍ ، فَأَخَذَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَقَّعَ بِهِ دَلْوَهُ ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً ، فَأَخَذُوا أَهْلَهُ وَمَالَهُ ، وَأَفْلَتَ رِعْيَةُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ عُرْيَانًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، فَأَتَى ابْنَتَهُ وَكَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فِي بَنِي هِلاَلٍ.

قَالَ : وَكَانُوا أَسْلَمُوا فَأَسْلَمَتْ مَعَهُمْ ، وَكَانُوا دَعُوهُ إِلَى الإِسْلاَمِ.

قَالَ : فَأَتَى ابْنَتَهُ ، وَكَانَ مَجْلِسُ الْقَوْمُ بِفِنَاءِ بَيْتِهَا ، فَأَتَى الْبَيْتَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ ابْنَتُهُ عُرْيَانًا أَلْقَتْ عَلَيْهِ ثَوْبًا ، قَالَتْ : مَالَكَ ؟ ، قَالَ : كُلُّ الشَّرِ، مَا تُرِكَ لِي أَهْلٌ ، وَلاَ مَالٌ ، قَالَ : أَيْنَ بَعْلُكِ ؟ قَالَتْ : فِي الإِبِلِ ، قَالَ : فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ ، قَالَ : خُذْ رَاحِلَتِي بِرَحْلِهَا ، وَنُزَوِّدُك مِنَ اللَّبَنِ ، قَالَ : لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ ، وَلَكِنْ أَعْطِنِي قَعُودَ الرَّاعِي وَإِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ ، فَإِنِّي أُبَادِرُ مُحَمَّدًا لاَ يَقْسِمُ أَهْلِي وَمَالِي ، فَانْطَلَقَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ إِذَا غَطَّى بِهِ رَأْسَهُ خَرَجَتْ اسْتُهُ ، وَإِذَا غَطَّى بِهِ اسْتَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ.

فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ لَيْلا ً، فَكَانَ بِحِذَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ ، قَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اُبْسُطْ يَدَك فَلأُبَايِعْك ، فَبَسَطَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ ، فَلَمَّا ذَهَبَ رِعْيَةُ لِيَمْسَحَ عَلَيْهَا ، قَبَضَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رِعْيَةُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اُبْسُطْ يَدَك ، قَالَ : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ ، قَالَ : فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَضُدِهِ فَرَفَعَهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، هَذَا رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ الَّذِي كَتَبْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذَ كِتَابِي فَرَقَّعَ بِهِ دَلْوَهُ ، فَأَسْلَمَ.

ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَهْلِي وَمَالِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَمَّا مَالُك فَقَدْ قُسِّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَّا أَهْلُك فَانْظُرْ مَنْ قَدَرْت عَلَيْهِ مِنْهُمْ ، قَالَ : فَخَرَجْتُ فَإِذَا ابْنٌ لِي قَدْ عَرَفَ الرَّاحِلَةَ ، وَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عِنْدَهَا ، فَأَتَيْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ : هَذَا ابْنِي، فَأَرْسَلَ مَعِي بِلاَلاً ، فَقَالَ : انْطَلِقْ مَعَهُ فَسَلْهُ : أَبُوكَ هُوَ ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ ، قَالَ : فَأَتَاهُ بِلاَلٌ ، فَقَالَ : أَبُوك هُوَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ ، قَالَ : فَأَتَى بِلاَلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : وَاللهِ ، مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمَا مُسْتَعْبِرًا إِلَى صَاحِبِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ذَلِكَ جَفَاءُ الأْعَرَابِ.

 

إسناده حسن، لكنه مرسل فالشعبي من التابعين.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

22466 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ رِعْيَةَ السُّحَيْمِيِّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَدِيمٍ أَحْمَرَ، فَأَخَذَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَقَعَ بِهِ دَلْوَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، فَلَمْ يَدَعُوا لَهُ رَائِحَةً وَلَا سَارِحَةً وَلَا أَهْلًا وَلَا مَالًا إِلَّا أَخَذُوهُ، وَانْفَلَتَ عُرْيَانًا عَلَى فَرَسٍ لَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرَةٌ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى ابْنَتِهِ، وَهِيَ مُتَزَوِّجَةٌ فِي بَنِي هِلَالٍ، وَقَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ أَهْلُهَا، وَكَانَ مَجْلِسُ الْقَوْمِ بِفِنَاءِ بَيْتِهَا، فَدَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ وَرَاءِ الْبَيْتِ قَالَ: فَلَمَّا رَأَتْهُ أَلْقَتْ عَلَيْهِ ثَوْبًا. قَالَتْ: مَا لَكَ ؟ قَالَ: كُلُّ الشَّرِّ نَزَلَ بِأَبِيكِ مَا تُرِكَ لَهُ رَائِحَةٌ وَلَا سَارِحَةٌ وَلَا أَهْلٌ وَلَا مَالٌ إِلَّا وَقَدْ أُخِذَ. قَالَتْ: دُعِيتَ إِلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ: أَيْنَ بَعْلُكِ ؟ قَالَتْ: فِي الْإِبِلِ قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: مَا لَكَ ؟ قَالَ: كُلُّ الشَّرِّ قَدْ نَزَلَ بِهِ مَا تُرِكَتْ لَهُ رَائِحَةٌ وَلَا سَارِحَةٌ وَلَا أَهْلٌ وَلَا مَالٌ إِلَّا وَقَدْ أُخِذَ، وَأَنَا أُرِيدُ مُحَمَّدًا أُبَادِرُهُ قَبْلَ أَنْ يُقَسِّمَ أَهْلِي وَمَالِي. قَالَ: فَخُذْ رَاحِلَتِي بِرَحْلِهَا. قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا. قَالَ: فَأَخَذَ قَعُودَ الرَّاعِي، وَزَوَّدَهُ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ. قَالَ: وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ إِذَا غَطَّى بِهِ وَجْهَهُ خَرَجَتْ اسْتُهُ، وَإِذَا غَطَّى اسْتَهُ خَرَجَ وَجْهُهُ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يُعْرَفَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَدِينَةِ، فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ بِحِذَائِهِ حَيْثُ يُقْبِلُ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْسُطْ يَدَيْكَ فَلْأُبَايِعْكَ قَالَ: فَبَسَطَهَا. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهَا قَبَضَهَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَفَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ثَلَاثًا قَبَضَهَا إِلَيْهِ وَيَفْعَلُهُ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ قَالَ: " مَنْ أَنْتَ ؟ " قَالَ: أَنَا رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ. قَالَ: فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَضُدَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ الَّذِي كَتَبْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذَ كِتَابِي، فَرَقَعَ بِهِ دَلْوَهُ ". فَأَخَذَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهْلِي وَمَالِي. قَالَ: " أَمَّا مَالُكَ فَقَدْ قُسِّمَ، وَأَمَّا أَهْلُكَ فَمَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ ". فَخَرَجَ فَإِذَا ابْنُهُ قَدْ عَرَفَ الرَّاحِلَةَ وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَهَا، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَذَا ابْنِي. فَقَالَ: " يَا بِلَالُ اخْرُجْ مَعَهُ، فَسَلْهُ أَبُوكَ هَذَا ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ ". فَخَرَجَ بِلَالٌ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَبُوكَ هَذَا ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا اسْتَعْبَرَ إِلَى صَاحِبِهِ. فَقَالَ: " ذَاكَ جَفَاءُ الْأَعْرَابِ "

 

رجاله ثقات رجال الشيخين لكنه منقطع، لم يصرح الشعبي بالسماع من رِعْية. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (4635) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة (37794) 14/344-346، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/215-216، والطبراني (4635) من طرق عن إسرائيل، به. ولم يسق ابن قانع لفظه. وأخرجه بنحوه الطبراني (4636) مختصراً جداً من طريق حجاج بن أرطاة، عن أبي إسحاق، عن رِعْية. وحجاج مدلِّس، وأبو إسحاق لم يدرك رعية.  والطبراني (2201)، وابن سعد في الطبقات الكبير.

 

 

هل تختلف هذه الممارسات عن أفعال الحركات الإرهابية كطالبان وداعش وبوكو حرام وغيرها من تنظيمات إرهابية تقتدي بالسيرة الزنخة الإجرامية لمؤسس الإسلام وأتباعه المجرمين الأوائل المقدسين عندهم بظنهم؟! هل هناك خسة أكثر من أن قائد السرية كما يتبدى لي كان رجلًا من نفس القبيلة يقود جيشًا من أخلاط وأوشاب القوم وقطاع الطرق ليهجم على قبيلته لينهبوها ويخطفوا نساءها وأطفالها ويقتِّلوا رجالها، هل هناك خسة وسفالة وانعدام للحس السليم والشعور ووفرة من السيكوباتية أكثر من أن يساعد شخص على قتل أبيه الذي أنجبه وربّاه وغذاه، فيمسك به مكتّفًا له متحرّجًا فقط من أن يقتله بنفسه! ولماذا...لمجرد اختلاف العقيدة ومحاولةً لإكراهه على الدين الإسلامي؟! وخطف للأطفال والنساء وبيع لهم ثم رده ببرود على الرجل المجبَر على اتباع دينه الخرافة الجديدة بأن بعضًا من المخطوفين تم بيعهم في البلدان والأقطار وأن يسترد ما قدر عليه منهم بيثرب فقط! أليست تلك سيرة وتاريخًا إرهابيًّا بغيضًا يكافح كل شريف لمنع تكرر أحداثه الدموية الإجرامية المشؤومة؟ سنعرض في الجزء الثاني من كتابنا عن نقد النصوص الإسلامية كيف بدأ الإسلام في مكة دين تسامح بلا إكراه {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)} الغاشية، ثم تحوله إلى دين إكراه وإرهاب وعنف {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) } التوبة/ براءة، وهو تناقض لشخص_وليس لإله_ يغير مبادءه ومنطلقاته وأخلاقه 360 درجة. لقد أصاب يوسف زيدان فيما  قاله بكتابه (اللاهوت الشرقي وأصول العنف الديني) وسلسلة مقالاته بالمصري اليوم (أصول الداعشية المعاصرة) فمنبع كل ما نحن فيه هو الإسلام نفسه بنصوصه وسيرة مؤسسه وتاريخه وتعاليمه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سَرِيّةُ عَلِيّ بن أبي طالب إلَى صنم الْفُلْسِ لهدمه وللإغارة على قبيلة طيء، فِى رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ

 

سياق ابن إسحاق والواقدي هنا تقريبًا واحد، بيد أن الواقدي أكثر غزارة في أسلوبه ومعلوماته وتفاصيله، فنورده من الواقدي، ثم نذكر شاهدًا من مسند أحمد.

 

روى الواقدي:

 

قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْم ٍ يَقُولُ لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَنّاحٍ وَهُمَا جَالِسَانِ بِالْبَقِيعِ: تَعْرِفُ سَرِيّةَ الْفَلْسِ؟ قَالَ مُوسَى: مَا سَمِعْت بِهَذِهِ السّرِيّةِ. قَالَ: فَضَحِكَ ابْنُ حَزْمٍ، ثُمّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلامُ فِى خَمْسِينَ وَمِائَةِ رَجُلٍ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ وَخَمْسِينَ فَرَسًا؛ وَلَيْسَ فِى السّرِيّةِ إلاّ أَنْصَارِىّ، فِيهَا وُجُوهُ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَاجْتَنَبُوا الْخَيْلَ وَاعْتَقَبُوا عَلَى الإِبِلِ حَتّى أَغَارُوا عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ. وَسَأَلَ عَنْ مَحَلّةِ آلِ حَاتِمٍ، ثُمّ نَزَلَ عَلَيْهَا، فَشَنّوا الْغَارَةَ مَعَ الْفَجْرِ. فَسَبَوْا حَتّى مَلَئُوا أَيْدِيَهُمْ مِنْ السّبْىِ وَالنّعَمِ وَالشّاءِ، وَهَدَمُوا الْفَلْسَ وَخَرّبُوهُ، وَكَانَ صَنَمًا لِطَيّئٍ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَذَكَرْت هَذِهِ السّرِيّةَ لِمُحَمّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِىّ، فَقَالَ: مَا أَرَى ابْنَ حَزْمٍ زَادَ عَلَى أَنْ يَنْقُلَ مِنْ هَذِهِ السّرِيّةِ وَلَمْ يَأْتِك بِهَا.

قُلْت: فَأْتِ بِهَا أَنْتَ، فَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلِىّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلامُ إلَى الْفَلْسِ لِيَهْدِمَهُ فِى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْ الأَنْصَارِ، لَيْسَ فِيهَا مُهَاجِرٌ وَاحِدٌ وَمَعَهُمْ خَمْسُونَ فَرَسًا وَظَهْرًا، فَامْتَطَوْا الإِبِلَ وَجَنّبُوا الْخَيْلَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَاتِ فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ مَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ وَلِوَاءٌ أَبْيَضُ مَعَهُمْ الْقَنَا وَالسّلاحُ الظّاهِرُ وَقَدْ دَفَعَ رَايَتَهُ إلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَلِوَاءَهُ إلَى جَبّارِ بْنِ صَخْرٍ السّلَمِىّ وَخَرَجَ بِدَلِيلٍ مِنْ بَنِى أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ: حُرَيْثٌ، فَسَلَكَ بِهِمْ عَلَى طَرِيقِ فَيْدٍ، فَلَمّا انْتَهَى بِهِمْ إلَى مَوْضِعٍ، قَالَ: بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْحَىّ الّذِى تُرِيدُونَ يَوْمٌ تَامّ، وَإِنْ سِرْنَاهُ بِالنّهَارِ وَطِئْنَا أَطْرَافَهُمْ وَرِعَاءَهُمْ. فَأَنْذِرُوا الْحَىّ فَتَفَرّقُوا، فَلَمْ تُصِيبُوا مِنْهُمْ حَاجَتَكُمْ وَلَكِنْ نُقِيمُ يَوْمَنَا هَذَا فِى مَوْضِعِنَا حَتّى نُمْسِىَ، ثُمّ نَسْرِى لَيْلَتَنَا عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ فَنَجْعَلُهَا غَارَةً حَتّى نُصَبّحَهُمْ فِى عَمَايَةِ الصّبْحِ، قَالُوا: هَذَا الرّأْىُ فَعَسْكَرُوا وَسَرّحُوا الإِبِلَ، وَاصْطَنَعُوا، وَبَعَثُوا نَفَرًا مِنْهُمْ يَتَقَصّوْنَ مَا حَوْلَهُمْ، فَبَعَثُوا أَبَا قَتَادَةَ، وَالْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ، وَأَبَا نَائِلَةَ فَخَرَجُوا عَلَى مُتُونِ خَيْلٍ لَهُمْ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْمُعَسْكَرِ فَأَصَابُوا غُلامًا أَسْوَدَ، فَقَالُوا: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: أَطْلُبُ بُغْيَتِى، فَأَتَوْا بِهِ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلامُ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: بَاغٍ، قَالَ: فَشُدّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنَا غُلامٌ لِرَجُلٍ مِنْ طَيّئٍ مِنْ بَنِى نَبْهَانَ أَمَرُونِى بِهَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَالُوا: إنْ رَأَيْت خَيْلَ مُحَمّدٍ فَطِرْ إلَيْنَا فَأَخْبِرْنَا، وَأَنَا لا أُدْرِكُ أَسْرًا، فَلَمّا رَأَيْتُكُمْ أَرَدْت الذّهَابَ إلَيْهِمْ، ثُمّ قُلْت: لا أَعْجَلُ حَتّى آتِىَ أَصْحَابِى بِخَبَرٍ بَيّنٍ مِنْ عَدَدِكُمْ وَعَدَدِ خَيْلِكُمْ وَرِكَابِكُمْ وَلا أَخْشَى مَا أَصَابَنِى، فَلَكَأَنّى كُنْت مُقَيّدًا حَتّى أَخَذَتْنِى طَلائِعُكُمْ، قَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: اُصْدُقْنَا مَا وَرَاءَك، قَالَ: أَوَائِلُ الْحَىّ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ طَرّادَةٍ تُصَبّحُهُمْ الْخَيْلَ وَمَغَارُهَا حِينَ غَدَوْا، قَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ لأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ؟ قَالَ جَبّارُ ابْنُ صَخْرٍ: نَرَى أَنْ نَنْطَلِقَ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ لَيْلَتَنَا حَتّى نُصَبّحَ الْقَوْمَ وَهُمْ غَارّونَ فَنُغِيرَ عَلَيْهِمْ وَنَخْرُجَ بِالْعَبْدِ الأَسْوَدِ لَيْلاً، وَنُخَلّفَ حُرَيْثًا مَعَ الْعَسْكَرِ حَتّى يَلْحَقُوا إنْ شَاءَ اللّهُ.

قَالَ عَلِىّ: هَذَا الرّأْىُ فَخَرَجُوا بِالْعَبْدِ الأَسْوَدِ وَالْخَيْلُ تَعَادَا، وَهُوَ رِدْفُ بَعْضِهِمْ عُقْبَةً ثُمّ يَنْزِلُ فَيُرْدِفُ آخَرَ عُقْبَةً وَهُوَ مَكْتُوفٌ فَلَمّا انْهَارَ اللّيْلُ كَذَبَ الْعَبْدُ، وَقَالَ: قَدْ أَخْطَأْت الطّرِيقَ وَتَرَكْتهَا وَرَائِى، قَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: فَارْجِعْ إلَى حَيْثُ أَخْطَأْت فَرَجَعَ مِيلاً أَوْ أَكْثَرَ، ثُمّ قَالَ: أَنَا عَلَى خَطَأٍ، فَقَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: إنّا مِنْك عَلَى خُدْعَةٍ مَا تُرِيدُ إلاّ أَنْ تُثْنِيَنَا عَنْ الْحَىّ قَدّمُوهُ لِتَصْدُقْنَا أَوْ لَنَضْرِبَنّ عُنُقَك، قَالَ: فَقُدّمَ وَسُلّ السّيْفُ عَلَى رَأْسِهِ فَلَمّا رَأَى الشّرّ، قَالَ: أَرَأَيْت إنْ صَدَقْتُكُمْ أَيَنْفَعُنِى؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنّى صَنَعْت مَا رَأَيْتُمْ إنّهُ أَدْرَكَنِى مَا يُدْرِكُ النّاسَ مِنْ الْحَيَاءِ، فَقُلْت: أَقْبَلْت بِالْقَوْمِ أَدُلّهُمْ عَلَى الْحَىّ مِنْ غَيْرِ مِحْنَةٍ وَلا حَقّ فَآمَنُهُمْ، فَلَمّا رَأَيْت مِنْكُمْ مَا رَأَيْت وَخِفْت أَنْ تَقْتُلُونِى كَانَ لِى عُذْرٌ، فَأَنَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى الطّرِيقِ، قَالُوا: اُصْدُقْنَا، قَالَ: الْحَىّ مِنْكُمْ قَرِيبٌ.

فَخَرَجَ مَعَهُمْ حَتّى انْتَهَى إلَى أَدْنَى الْحَىّ فَسَمِعُوا نُبَاحَ الْكِلابِ وَحَرَكَةَ النّعَمِ فِى الْمَرَاحِ وَالشّاءِ فَقَالَ: هَذِهِ الأَصْرَامُ وَهِىَ عَلَى فَرْسَخٍ، فَيَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: فَأَيْنَ آلُ حَاتِمٍ؟ قَالَ: هُمْ مُتَوَسّطُو الأَصْرَامِ، قَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إنْ أَفْزَعْنَا الْحَىّ تَصَايَحُوا وَأَفْزَعُوا بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَتَغَيّبَ عَنّا أَحْزَابُهُمْ فِى سَوَادِ اللّيْلِ، وَلَكِنْ نُمْهِلُ الْقَوْمَ حَتّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مُعْتَرِضًا فَقَدْ قَرُبَ طُلُوعُهُ فَنُغِيرُ فَإِنْ أَنْذَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا أَيْنَ يَأْخُذُونَ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْقَوْمِ خَيْلٌ يَهْرُبُونَ عَلَيْهَا، وَنَحْنُ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، قَالُوا: الرّأْىُ مَا أَشَرْت بِهِ، قَالَ: فَلَمّا اعْتَرَضُوا الْفَجْرَ أَغَارُوا عَلَيْهَا فَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا وَأَسَرُوا مَنْ أَسَرُوا، وَاسْتَاقُوا الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ وَجَمَعُوا النّعَمَ وَالشّاءَ وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ تَغَيّبَ فَمَلَئُوا أَيْدِيَهُمْ، قَالَ: تَقُولُ جَارِيَةٌ مِنْ الْحَىّ تَرَى الْعَبْدَ الأَسْوَدَ - وَكَانَ اسْمُهُ أَسْلَمَ - وَهُوَ مُوثَقٌ: مَالَهُ هَبِلَ هَذَا عَمَلُ رَسُولِكُمْ أَسْلَمَ، لا سَلِمَ وَهُوَ جَلَبَهُمْ عَلَيْكُمْ وَدَلّهُمْ عَلَى عَوْرَتِكُمْ قَالَ: يَقُولُ الأَسْوَدُ: أَقْصِرِى يَا ابْنَةَ الأَكَارِمِ مَا دَلَلْتهمْ حَتّى قُدّمْت لِيُضْرَبَ عُنُقِى، قَالَ: فَعَسْكَرَ الْقَوْمُ وَعَزَلُوا الأَسْرَى وَهُمْ نَاحِيَةَ نُفَيْرٍ وَعَزَلُوا الذّرّيّةَ وَأَصَابُوا مِنْ آلِ حَاتِمٍ أُخْتَ عَدِىّ وَنُسَيّاتٍ مَعَهَا، فَعَزَلُوهُنّ عَلَى حِدَةٍ، فَقَالَ أَسْلَمُ لِعَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: مَا تَنْتَظِرُ بِإِطْلاقِى؟ فَقَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ، قَالَ: أَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِى هَؤُلاءِ الأَسْرَى، مَا صَنَعُوا صَنَعْت، قَالَ: أَلا تَرَاهُمْ مُوثَقِينَ فَنَجْعَلُك مَعَهُمْ فِى رِبَاطِك؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا مَعَ هَؤُلاءِ مُوثَقًا أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ أَكُونَ مَعَ غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا، يُصِيبُنِى مَا أَصَابَهُمْ، فَضَحِكَ أَهْلُ السّرِيّةِ مِنْهُ فَأُوثِقَ وَطُرِحَ مَعَ الأَسْرَى، وَقَالَ: أَنَا مَعَهُمْ حَتّى تَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا أَنْتُمْ رَاءُونَ، فَقَائِلٌ: يَقُولُ لَهُ مِنْ الأَسْرَى: لا مَرْحَبًا بِك، أَنْتَ جِئْتنَا بِهِمْ، وَقَائِلٌ يَقُول: مَرْحَبًا بِك وَأَهْلاً، مَا كَانَ عَلَيْك أَكْثَرُ مِمّا صَنَعْت لَوْ أَصَابَنَا الّذِى أَصَابَك لَفَعَلْنَا الّذِى فَعَلْت وَأَشَدّ مِنْهُ، ثُمّ آسَيْت بِنَفْسِك وَجَاءَ الْعَسْكَرُ وَاجْتَمَعُوا، فَقَرّبُوا الأَسْرَى فَعَرَضُوا عَلَيْهِمْ الإِسْلامَ، فَمَنْ أَسْلَمَ تُرِكَ وَمَنْ أَبَى ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، حَتّى أَتَوْا عَلَى الأَسْوَدِ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ الإِسْلامَ، فَقَالَ: وَاَللّهِ إنّ الْجَزَعَ مِنْ السّيْفِ لَلُؤْمٌ وَمَا مِنْ خُلُودٍ، قَالَ: يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ الْحَىّ مِمّنْ أَسْلَمَ: يَا عَجَبًا مِنْك، أَلا كَانَ هَذَا حَيْثُ أُخِذْت فَلَمّا قُتِلَ مَنْ قُتِلَ وَسُبِىَ مَنْ سُبِىَ مِنّا، وَأَسْلَمَ مِنّا مَنْ أَسْلَمَ رَاغِبًا فِى الإِسْلامِ، تَقُولُ مَا تَقُولُ وَيْحَك، أَسْلِمْ وَاتّبِعْ دِينَ مُحَمّدٍ، قَالَ: فَإِنّى أُسْلِمُ وَأَتّبِعُ دِينَ مُحَمّدٍ، فَأَسْلَمَ وَتُرِكَ وَكَانَ يَعِدُ فَلا يَفِى حَتّى كَانَتْ الرّدّةُ - فَشَهِدَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْيَمَامَةَ فَأُبْلِىَ بَلاءً حَسَنًا.

قَالَ: وَسَارَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ إلَى الْفَلْسِ فَهَدَمَهُ وَخَرّبَهُ وَوَجَدَ فِى بَيْتِهِ ثَلاثَةَ أَسْيَافٍ: رُسُوبَ، وَالْمِخْذَمَ، وَسَيْفًا يُقَالُ لَهُ: الْيَمَانِىّ، وَثَلاثَةَ أَدْرَاعٍ، وَكَانَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ يُلْبِسُونَهُ إيّاهَا، وَجَمَعُوا السّبْىَ فَاسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، وَاسْتُعْمِلَ عَبْدُ اللّهِ ابْنُ عَتِيكٍ السّلَمِىّ عَلَى الْمَاشِيَةِ وَالرّثّةِ ثُمّ سَارُوا حَتّى نَزَلُوا رَكَكَ فَاقْتَسَمُوا السّبْىَ وَالْغَنَائِمَ وَعَزَلَ النّبِىّ ÷ صَفِيّا رَسُوبًا وَالْمِخْذَمَ، ثُمّ صَارَ لَهُ بَعْدُ السّيْفُ الآخَرُ وَعَزَلَ الْخُمُسَ، وَعَزَلَ آلَ حَاتِمٍ، فَلَمْ يَقْسِمْهُمْ حَتّى قَدِمَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ.

قَالَ الْوَاقِدِىّ: فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَعْفَر الزّهْرِىّ، فَقَالَ: حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ فِى السّبْىِ أُخْتُ عَدِىّ بْنِ حَاتِمٍ لَمْ تُقْسَمْ فَأُنْزِلَتْ دَارَ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ.

وَكَانَ عَدِىّ بْنُ حَاتِمٍ قَدْ هَرَبَ حِينَ سَمِعَ بِحَرَكَةِ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، وَكَانَ لَهُ عَيْنٌ بِالْمَدِينَةِ فَحَذّرَهُ فَخَرَجَ إلَى الشّامِ. وَكَانَتْ أُخْتُ عَدِىّ إذَا مَرّ النّبِىّ ÷ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنّ اللّهُ عَلَيْك كُلّ ذَلِكَ يَسْأَلُهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ مَنْ وَافِدُك؟ فَتَقُولُ: عَدِىّ بْنُ حَاتِمٍ، فَيَقُولُ: “الْفَارّ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ”؟ حَتّى يَئِسَتْ.

فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الرّابِعِ مَرّ النّبِىّ ÷، فَلَمْ تَكَلّمْ فَأَشَارَ إلَيْهَا رَجُلٌ قُومِى فَكَلّمِيهِ فَكَلّمَتْهُ فَأَذِنَ لَهَا وَوَصَلَهَا، وَسَأَلَتْ عَنْ الرّجُلِ الّذِى أَشَارَ إلَيْهَا فَقِيلَ عَلِىّ، وَهُوَ الّذِى سَبَاكُمْ أَمَا تَعْرِفِينَهُ؟ فَقَالَتْ: لا وَاَللّهِ مَا زِلْت مُدْنِيَةً طَرَفَ ثَوْبِى عَلَى وَجْهِى وَطَرَفَ رِدَائِى عَلَى بُرْقُعِى مِنْ يَوْمِ أُسِرْت حَتّى دَخَلْت هَذِهِ الدّارَ وَلا رَأَيْت وَجْهَهُ وَلا وَجْهَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.

 

لا نخطئ حينما نقول أن الحركات الإرهابية كطالبان وداعش هي التي تفهم وتدرك الإسلام فهمًا صحيحًا، وليس كما يقول معتدلو وطيبو المسلمين المتمدنين كغالب أهل مصر أن الإرهابيين لا يمثلون صحيح الإسلام، فهذه حقيقة وجوهر الإسلام وتعاليمه وتاريخه، غارة على اليمن على قبيلة طيء نهبوها فيها وقتلوا من رفض اتباع دينهم بأسلوب الإرهاب المعتاد والإكراه والحرب الدينية الهمجية، ثم توزيع النساء على الجنود فيما يسمّى بالسبي، وترك محمد آل حاتم الطائي لأنه كان مبدؤه حكمة عربية تقول (ارحموا عزيزَ قومٍ ذُلَّ) ولأن حاتم الطائي عند كل العرب كان مضرب المثل في ثقافتهم للكرم فقيل كرم حاتميّ، ولأن هذا من شأنه إذا جعل عدي بن حاتم الطائي يتبع دينه وهو من قدتهم وكبارهم أن يسهّل عملية أسلمة طيء.

سنورد أدناه بعض شواهد وألفاظ الحدث للتوثيق:

 

قال ابن هشام عن ابن إسحاق في السيرة النبوية ج4:

 

وَأَمَّا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ فَكَانَ يَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي: مَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ كَانَ أَشَدَّ كَرَاهَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ مِنِّي، أما أَنا فَكنت امْرَءًا شريفا وَكنت نصراينا، وَكُنْتُ أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ وَكُنْتُ فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ، وَكُنْتُ مَلِكًا فِي قَوْمِي لِمَا كَانَ يُصْنَعُ بِي.

فَلَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهْتُهُ، فَقُلْتُ لِغُلَامٍ كَانَ لِي عَرَبِيٍّ وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي: لَا أَبًا لَكَ، أُعْدُدْ لِي مِنْ إِبِلِي أَجْمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا فَاحْتَبِسْهَا قَرِيبًا مِنِّي، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشٍ لِمُحَمَّدٍ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنِّي.

فَفَعَلَ.

ثُمَّ أَنَّهُ أَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، مَا كُنْتَ صَانِعًا إِذَا غَشِيَتْكَ خَيْلُ مُحَمَّدٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَايَاتٍ فَسَأَلْتُ عَنْهَا فَقَالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمَّدٍ.

قَالَ: قُلْتُ: فَقَرِّبْ إِلَى أَجْمَالِي.

فَقَرَّبَهَا.

قَالَ: فَجُعِلَتِ ابْنَةُ حَاتِمٍ فِي حَظِيرَةٍ بِبَابِ الْمَسْجِدِ كَانَتِ السَّبَايَا تُحْبَسُ بِهَا، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَتْ إِلَيْهِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَزْلَةً، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.

قَالَ: وَمَنْ وَافِدُكِ؟ قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ.

قَالَ، الْفَارُّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى وَتَرَكَنِي، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ مَرَّ بِي فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ بِالْأَمْسِ.

قَالَتْ: حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ مَرَّ بِي وَقَدْ يَئِسْتُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ رَجُلٌ خَلْفَهُ أَنْ قُومِي فَكَلِّمِيهِ.

قَالَتْ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.

فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ " فَعَلْتُ، فَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجٍ حَتَّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِكَ مَنْ يَكُونُ لَكِ ثِقَةً حَتَّى يُبَلِّغَكِ إِلَى بِلَادِكِ. ثُمَّ آذِنِينِي " فَسَأَلَتْ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيَّ أَنْ كَلِّمِيهِ، فَقِيلَ لى: على بن أَبى طَالب.

قَالَت: وأقمت حَتَّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَلِيٍّ أَوْ قُضَاعَةَ، قَالَتْ وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشَّامِ، فَجِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِي لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ.

قَالَت: فَكَسَانِي وَحَمَلَنِي وَأَعْطَانِي نَفَقَةً، فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قدمت الشَّام.

قَالَ عدى، فو الله إنى لقاعد فِي أهلى فَنَظَرت إِلَى ظَعِينَةٍ تُصَوِّبُ تؤمنا. قَالَ: فَقُلْتُ ابْنَةُ حَاتِمٍ.

قَالَ: فَإِذَا هِيَ هِيَ.

فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيَّ انْسَحَلَتْ تَقُولُ: الْقَاطِعُ الظَّالِمُ! احْتَمَلْتَ بِأَهْلِكَ وَوَلَدِكَ وَتَرَكْتَ بَقِيَّةَ وَالِدِكَ عَوْرَتَكَ؟ ! قَالَ: قُلْتُ: أَيْ أُخَيَّةُ لَا تَقُولِي إِلَّا خَيْرًا، فو الله مالى مِنْ عُذْرٍ، لَقَدْ صَنَعْتُ مَا ذَكَرْتِ.

قَالَ: ثُمَّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي، فَقُلْتُ لَهَا وَكَانَتِ امْرَأَةً حَازِمَةً: مَاذَا تَرَيْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَتْ: أَرَى وَاللَّهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا، فَإِنْ يَكُنِ الرَّجُلُ نَبِيًّا فَلِلسَّابِقِ إِلَيْهِ فَضله، وَإِن يكن ملكا فَلَنْ تذل فِي عز الْيمن وَأَنت أَنْت.

قَالَ: فَقلت: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الرَّأْيُ.

قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ، عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ.

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْطَلَقَ بِي إِلَى بَيْتِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَامِدٌ بِي إِلَيْهِ إِذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ فَاسْتَوْقَفَتْهُ، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلِّمُهُ فِي حَاجَتِهَا.

قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِمَلِكٍ! قَالَ: ثُمَّ مَضَى بِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ تَنَاوَلَ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةً لِيفًا، فَقَذَفَهَا إِلَيَّ فَقَالَ: " اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ " قَالَ قُلْتُ: بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا.

قَالَ: " بل أَنْت ".

فَجَلَسْتُ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَرْضِ، قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ.

ثُمَّ قَالَ: " إِيهِ يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ؟ أَلَمْ تَكُ رَكُوسِيًّا؟ " قَالَ قلت: بلَى.

قَالَ: " أَو لم تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِكَ بِالْمِرْبَاعِ؟ " قَالَ قُلْتُ: بَلَى.

قَالَ: " فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ " قَالَ: قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ.

قَالَ: وَعَرَفْتُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ يَعْلَمُ مَا يُجْهَلُ. إلخ

 

هذه القصة عن حوار محمد مع عدي بن حاتم دليل على دراسة محمد المتوسعة للأديان في المنطقة، لدرجة الدراية بمذاهبها الهرطقية كالمذاهب الغنوصية، فالركوسية قالوا عنها أنها دين بين المسيحية والصابئة. ومن السذاجة الظن والاستدلال على أن معرفته بتفاصيل هذه دليل على نبوة، فلا شيء سيكون مجهولًا لمن يطلب معرفته والاطلاع عليه بطبيعة الحال، وذكرت نحو ذلك في دراستي عن مصادر الإسلام من الأبوكريفا المسيحية والهرطقات

 

وفي ج1 قال كذلك:

 

قال ابن إسحاق: وكانت فِلْس لطيّى ومن يليها بجبلىْ طيى، يعنى سَلْمى وأجأ.

قال ابن هشام: فحدثنى بعضُ أهل العلم أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بعث إليها عليُّ بن أبى طالب فهدمها، فوجد فيها سيفيْن، يقال لأحدهما: الرَّسُوب، وللآخر: المِخْذَم. فأتى بهما رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم- فوهبهما له، فهما سيفا علي رضى اللّه عنه.

 

الجوشية: مَوضِع بَين نجد وَالشَّام.

الجزلة: الْعَاقِلَة الاصيلة الرأى.

المرباع: أخذ ربع الغنيمة وكذلك كان يفعل الرؤساء في الجاهلية.

الذلل: السهلة.

الظعينة: المرأة في الهودج.

انسحلت: جرت بالْكلَام

أخت عدي: يقول السهيلي في الروض الآنف: اسمها سفانة، فقد وجد في خبر عن امرأة حاتم تذكر فيه سخاءه، قالت: فأخذ حاتم عديا يعلله من الجوع، وأخذت أنا سفانة

وروى أحمد بن حنبل:

 

19381 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ حُبَيْشٍ، يُحَدِّثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ، قَالَ: رُسُلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا بِعَقْرَبٍ، فَأَخَذُوا عَمَّتِي وَنَاسًا، قَالَ: فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَصَفُّوا لَهُ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَأَى الْوَافِدُ، وَانْقَطَعَ الْوَلَدُ، وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ، فَمُنَّ عَلَيَّ، مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ. قَالَ: " مَنْ وَافِدُكِ ؟ " قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: " الَّذِي فَرَّ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ؟ ". قَالَتْ: فَمَنَّ عَلَيَّ. قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ نَرَى أَنَّهُ عَلِيٌّ، قَالَ: " سَلِيهِ حِمْلَانًا ". قَالَ: فَسَأَلَتْهُ، فَأَمَرَ لَهَا. قَالَتْ: فَأَتَانِي، فَقَالَتْ: لَقَدْ فَعَلْتَ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوكَ يَفْعَلُهَا. قَالَتْ: ائْتِهِ رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا، فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ، فَأَصَابَ مِنْهُ، وَأَتَاهُ فُلَانٌ، فَأَصَابَ مِنْهُ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَصِبْيَانٌ، أَوْ صَبِيٌّ، فَذَكَرَ قُرْبَهُمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مُلْكُ كِسْرَى وَلَا قَيْصَرَ، فَقَالَ لَهُ: " يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ؟ فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ ؟ مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ ؟ فَهَلْ شَيْءٌ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ " قَالَ: فَأَسْلَمْتُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ، وَقَالَ: " إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وإنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى "....إلخ

 

بعضه صحيح، وفي هذا الإسناد عبَّاد بن حُبَيْش، لم يرو عنه غيرُ سماك بن حرب، ولم يوثقه غير ابن حبان، وقال الذهبي في "الميزان": لا يعرف. قلنا: وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين، غير سماك بن حرب، فمن رجال مسلم، وهو صدوق في غير روايته عن عكرمة.

وأخرجه مطوَّلاً ومختصراً ابنُ أبي حاتم في "التفسير" (40) ، وابن حبان (6246) ، والطبراني في "الكبير" 17/ (237) ، وأبو نعيم في "الحلية" 7/170، والبيهقي في "دلائل النبوة" 5/339-340، والمزي في "تهذيب الكمال" (في ترجمة عبّاد بن حُبيش) من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. وأخرجه مطولاً ومختصراً أيضاً الترمذي (2954) ، والطبري (194) و (208) ، وابن حبان (7206) و (7365) ، والطبراني في "الكبير" 17/ (237) من طريق محمد بن جعفر، به. قال الترمذي: هذا حديث حسنٌ غريب، ولا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب. وأخرجه مطولاً ومختصراً كذلك الترمذي (2953) ، وابن أبي حاتم في "التفسير" (41) من طريق عمرو بن أبي قيس، والطبراني في "الكبير" 17/ (236) من طريق قيس بن الربيع، كلاهما عن سِماك بن حرب، به. ولم يرد في رواية الترمذي- وقد رواه مطولاً- قصة عمة عدي بن حاتم. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه 37761 القطعة الثانية منه، وقطعة من في البخاري 3595

 

وقال الكلبي في كتاب الأصنام:

 

...فكان فيما أخذ سيفان كان الحارث بن أبي شمرٍ الغساني ملك غسان أهداهما لها‏:‏ أحدهما يسمى مخذماً والآخر رسوباً‏.‏ وهما سيفا الحارث اللذان ذكرهما علقمة في شعره فقال‏:‏

مظاهر سِرْبالَيْ حديدٍ        عليهما عقيلا سيوفٍ‏:‏ مخذم ورسوب‏

فوهبهما النبي ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏ لعليٍّ ‏‏ رضي الله عنه ‏‏‏

 

وهو من غريب الأخبار، ونعلق عليه بأن إنسان الخرافة والجهالة_كالحارث المسيحي المعتبر من قديسي الكنيسة الكاثوليكية_ما بين الأديان بخزعبلاتها وترهاتها وأوهامها كأعمى يسير بلا بصر ولا أمل ولا نور من العلم والمعرفة.

 

هنا وقع خلاف بين ما ذكره مؤلفو كتب السير أنها أخت عدي، فأصحاب الحديث عندهم أنها عمته العجوز، فهو اختلاف بسيط، وجوهر نقدنا واحد، ويحتمل إلى حد ما أن القصتين للمرأتين، لأن كل آل حاتم من نساء وأطفال كانوا مخطوفين من المسلمين.

 

 

 

 

 

 

 

غَزْوَ محمدٍ تَبُوكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ

 

يقول الواقدي عن تبرير هذا التحرك العسكري:

 

قَالُوا: كَانَتْ السّاقِطَةُ - وَهُمْ الأَنْبَاطُ - يَقْدَمُونَ الْمَدِينَة بِالدّرْمَكِ وَالزّيْتِ فِى الْجَاهِلِيّةِ، وَبَعْدَ أَنْ دَخَلَ الإِسْلامُ، فَإِنّمَا كَانَتْ أَخْبَارُ الشّامِ عِنْد الْمُسْلِمِينَ كُلّ يَوْمٍ لِكَثْرَةِ مَنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ مِنْ الأَنْبَاطِ، فَقَدِمَتْ قَادِمَةٌ فَذَكَرُوا أَنّ الرّومَ قَدْ جَمَعَتْ جَمُوعًا كَثِيرَةً بِالشّامِ، وَأَنّ هِرَقْلَ قَدْ رَزَقَ أَصْحَابَهُ لِسَنَةٍ وَأَجْلَبَتْ مَعَهُ لَخْمٌ، وَجُذَامُ، وَغَسّانُ، وَعَامِلَةُ، وَزَحَفُوا وَقَدّمُوا مُقَدّمَاتِهِمْ إلَى الْبَلْقَاءِ، وَعَسْكَرُوا بِهَا، وَتَخَلّفَ هِرَقْلُ بِحِمْصٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إنّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ قِيلَ لَهُمْ فَقَالُوهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَدُوّ أَخْوَفَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وَذَلِكَ لِمَا عَايَنُوا مِنْهُمْ - إذْ كَانُوا يَقْدَمُونَ عَلَيْهِمْ تُجّارًا - مِنْ الْعَدَدِ وَالْعُدّةِ وَالْكُرَاعِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لا يَغْزُو غَزْوَةً إلاّ وَرّى بِغَيْرِهَا، لِئَلاّ تَذْهَبَ الأَخْبَارُ بِأَنّهُ يُرِيدُ كَذَا وَكَذَا، حَتّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى حَرّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَاسْتَقْبَلَ غُزّى وَعَدَدًا كَثِيرًا، فَجَلّى لِلنّاسِ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهّبُوا لِذَلِكَ أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، وَأَخْبَرَ بِالْوَجْهِ الّذِى يُرِيدُ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْقَبَائِلِ، وَإِلَى مَكّةَ يَسْتَنْفِرُهُمْ إلَى غَزْوِهِمْ، فَبَعَثَ إلَى أَسْلَمَ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحُصَيْبِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَبْلُغَ الْفُرْعَ، وَبَعَثَ أَبَا رُهْمٍ الْغِفَارِىّ إلَى قَوْمِهِ أَنْ يَطْلُبَهُمْ بِبِلادِهِمْ، وَخَرَجَ أَبُو وَاقِدٍ اللّيْثِىّ فِى قَوْمِهِ، وَخَرَجَ أَبُو الْجَعْدِ الضّمْرِىّ فِى قَوْمِهِ بِالسّاحِلِ، وَبَعَثَ رَافِعَ بْنَ مَكِيثٍ، وَجُنْدُبَ بْنَ مَكِيثٍ فِى جُهَيْنَةَ؛ وَبَعَثَ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ فِى أَشْجَعَ، وَبَعَثَ فِى بَنِى كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ وَعَمْرَو ابْنَ سَالِمٍ وَبِشْرَ بْنَ سُفْيَانَ؛ وَبَعَثَ فِى سُلَيْمٍ عِدّةً مِنْهُمْ الْعَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَحَضّ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ بِالصّدَقَةِ، فَحَمَلُوا صَدَقَاتٍ كَثِيرَةً

 

الدرمك: دقيق الحوارى

 

وهذا يشهد له مسند أحمد وصحيح مسلم، واللفظ للأخير:

 

من حديث رقم 1479-...... وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ ، وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ ، وَنَحْنُ حِينَئِذٍ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا ، فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ ، فَأَتَى صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ ، وَقَالَ : افْتَحِ افْتَحْ ، فَقُلْتُ : جَاءَ الْغَسَّانِيُّ ؟ فَقَالَ : أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ ، اعْتَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ ، فَقُلْتُ : رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ....إلخ

 

ولفظ أحمد 222 فيه:...كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا ، فَنَزَلَ صَاحِبِي يَوْمًا ، ثُمَّ أَتَانِي عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ، ثُمَّ نَادَانِي فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ . فقُلْتُ : وَمَا ذَا ، أَجَاءَتْ غَسَّانُ ؟...

 

لكن الحروب والعدوان لا يبرر ولا يشرع به على أساس الإشاعات دون تثبت من الأخبار، ولقد كان الغرض الحقيقي والعملي لهذا التحرك العسكري الكبير العدد والعتاد هو فرض السيطرة على أطراف الشام المتاخمة لحدود شبه الجزيرة العربية، تحديدًا حدود الشام خاصة الأردن في تلك المرحلة مع الحجاز، تمهيدًا لاقتحام الشام نفسها والتوسع والأسلمة والنهب، كذلك كان محمد بذلك يضع الأساس والانطلاقة وأول الطريق لحروب التوسعات الإجرامية المتسمة بسفك الدماء والعنف والنهب والسلب والاستعباد المسماة الفتوحات الإسلامية.

 

يحكي لنا ابن إسحاق والواقدي وأصحاب الحديث عن مدى تضحية واجتهاد المسلمين الأوائل لأجل تجهيز الجيش المزمع تحركه للعدوان على أهالي الشام المسالمين، فعثمان يجهز معظم الجيش بثروته، وعبد الرحمن بن عوف يتبرع بالكثير، وعمر بنصف ماله، وتبرع نساء بذهبهن، ومن لا يقدر تبرع بأشياء بسيطة في إمكانه كأبي عقيل الذي تبرع بنصف صاع تمر كما في كتب السيرة والبخاري كتاب المناقب/ باب مناقب عثمان، وأحمد 420 و511 و16696 و20630، الترمذي 3700  والبخاري 4668 ومسلم 1018، وله إشارة في سورة التوبة: 79

 

فمن مرويات أحمد:

20630 - حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَوْذَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ كَثِيرٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ، حِينَ جَهَّزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ ، قَالَ: فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: " مَا ضَرَّ ابْنُ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ " يُرَدِّدُهَا مِرَارًا

 

إسناده حسن من أجل كثير- وهو ابن أبي كثير- مولى عبد الرحمن بن سمرة. ضَمْرَة: هو ابن ربيعة الفلسطيني.وهو في "فضائل الصحابة" (738) من طريق هارون بن معروف، بهذا الإسناد، من رواية عبد الله بن أحمد. ومن طريق الإمام أحمد وابنه عبد الله أخرجه المزي في ترجمة عبد الله بن القاسم من "التهذيب" 15/440. وأخرجه ابن هانئ في "مسائل أحمد" 2/172، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/283، والترمذي (3701) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (1279) ، وفي "الجهاد" (82) ، والطبراني في "الأوسط" (9222) ، والحاكم 3/102، والبيهقي في "دلائل النبوة" 5/215 من طرق عن ضمرة، به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو نعيم فى "الحلية" 1/59 من طريق عمر بن هارون البلخي، عن عبد الله بن شوذب، به. وفي الباب عن عبد الرحمن بن خباب السلمي، سلف في "المسند" برقم (16696) من زيادات عبد الله بن أحمد.

 

ويقول الواقدي:

 

فَكَانَ أَوّلَ مَنْ حَمَلَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، جَاءَ بِمَالِهِ كُلّهِ أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أَبْقَيْت شَيْئًا؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! وَجَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِنِصْفِ مَالِهِ، فَقَالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَبْقَيْت شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، نِصْفَ مَا جِئْت بِهِ. وَبَلَغَ عُمَرَ مَا جَاءَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَا اسْتَبَقْنَا إلَى الْخَيْرِ قطّ إلّا سَبَقَنِي إلَيْهِ. وَحَمَلَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالًا، وَحَمَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالًا، وَحَمَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إلَيْهِ مَالًا، مِائَتَيْ أُوقِيّةٍ، وَحَمَلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إلَيْهِ مَالًا، وَحَمَلَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إليه مالا. وتصدّق عاصم ابن عَدِيّ بِتِسْعِينَ وَسْقًا تَمْرًا. وَجَهّزَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثُلُثَ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَكَانَ مِنْ أَكْثَرِهِمْ نَفَقَةً، حَتّى كَفَى ذَلِكَ الجيش مؤونتهم، حَتّى إنْ كَانَ لَيُقَالُ: مَا بَقِيَتْ لَهُمْ حَاجَةٌ! حَتّى كَفَاهُمْ شُنُقَ أَسْقِيَتِهِمْ.

فَيُقَالُ: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يَوْمَئِذٍ: مَا يَضُرّ عُثْمَانَ مَا فَعَلَ بَعْدَ هَذَا!

وَرَغِبَ أَهْلُ الْغِنَى فِي الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ، وَاحْتَسَبُوا فِي ذَلِكَ الْخَيْرَ، وَقَوّوْا أُنَاسٌ دُونَ هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُمْ، حَتّى إنّ الرّجُلَ لَيَأْتِي بِالْبَعِيرِ إلَى الرّجُلِ وَالرّجُلَيْنِ فَيَقُولُ: هَذَا الْبَعِيرُ بَيْنَكُمَا تَتَعَاقَبَانِهِ، وَيَأْتِي الرّجُلُ بِالنّفَقَةِ فَيُعْطِيهَا بَعْضَ مَنْ يَخْرُجُ، حَتّى إنْ كُنّ النساء ليعنّ بكلّ ما قدرن عليه

 

وروى البخاري في باب مناقب عثمان حديثًا معلَّقاً بعد رقم 3692:

 

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ». فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ، وَقَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ» فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ

 

إن هذا يذكرنا بحكمة عالم الفيزياء ستيفن وينبرج الذي قال أن الدين هو الوسيلة الوحيدة التي يمكنك جعل شخص طيب بها يفعل أفعالًا شريرة وإجرامية، فنحن نرى هنا عواطف جياشة لناس سذج، وهنا نعود لسؤال يوثيرو الفيلسوف اليوناني الشهير قبل الميلاد: فهل لو زعم البعض أن فعلًا ما أمر به إله مزعوم مع أن هذا الفعل في جوهره وموضوعيته غير أخلاقي وشرير، فهل هذا سيجعل منه فعلًا أخلاقيًّا طيبًا، الرأي السليم أن الأخلاق لها مقياس موضوعي واضح بالحس المشترك في الحالات الأهم، أنت لا تحتاج مرشدًا أو كتاب وصايا إذا كان حسك سليمًا ليقول لك أن قتلك إنسانًا أو نهبه أو خطف النساء وفرض الإتاوات بدعوى اختلاف الديانة وأن قومًا لا يتبعون الدين الخرافي المعين المزعوم أنه منزل من إله خرافي خزعبلي ما هي أمور شريرة ملوثة للنفس وعدوان على الإنسانية. إن هؤلاء قوم فقدوا البوصلة الأخلاقية البيولوجية الغريزية الموجودة في الحيوانات الأقل عقلًا بسبب التضليل وغسيل المخ وعدم التفكير والتفكر.

 

نفس هذا التعليق ينسحب على قصة البكائين الذي ذكرهم القرآن وكتب السيرة والحديث كالبخاري 4415 ومسلم 1649، ولهم ذكر في سورة التوبة 91-92 الذين لم يجدوا لفقرهم ما يركبون عليه من دواب للسفر، ولم يتمكنوا من نيل عطاء من أحد للركوب، إذ كان غيرهم أخذ عطاآت مماثلة، مؤثر جدًّا هذا الحماس الديني لدرجة أن تفيض عيونهم دموعًا، ويعكس رغبات طيبة، لكنها ببساطة تحولت بفعل غسيل الأدمغة من خير ونيات طيبة ورغبة في العطاء إلى شر مطلق وعدوان كالذي نقرؤه في كل تاريخ الإسلام وحروبه المسماة فتوحات أي الاحتلال الإسلامي العربي.

 

يقول الواقدي:

 

قَالَ: وَجَاءَ الْبَكّاءُونَ- وَهُمْ سَبْعَةٌ- يَسْتَحْمِلُونَهُ، وَكَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ الْآيَةَ. وَهُمْ سَبْعَةٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بن عوف....إلخ

 وَلَمّا خَرَجَ الْبَكّاءُونَ مِنْ عِنْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أَعْلَمَهُمْ أَنّهُ لَا يَجِدُ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنّمَا يُرِيدُونَ ظَهْرًا، لَقِيَ يَامِينَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ شِبْلِ النّضْرِيّ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِيّ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفّل الْمُزَنِيّ، وَهُمَا يَبْكِيَانِ فَقَالَ: وَمَا يَبْكِيكُمَا؟ قَالَا: جِئْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْمِلَنَا، فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُنْفِقُ بِهِ عَلَى الْخُرُوجِ، وَنَحْنُ نَكْرَهُ أَنْ تَفُوتَنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَعْطَاهُمَا نَاضِحًا لَهُ، فَارْتَحَلَاهُ، وَزَوّدَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمَا صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، فَخَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَمَلَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رضى الله عنه مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ، وَحَمَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْهُمْ ثَلَاثَةً، بَعْدَ الّذِي كَانَ جَهّزَ مِنْ الْجَيْشِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: لا يخرج معنا إلّا مقوٍ

 

نفس السياق عن ابن إسحاق مختصرًا فقط

 

وروى البخاري:

4415 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ الحُمْلاَنَ لَهُمْ، إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ العُسْرَةِ، وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، فَقَالَ «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ وَوَافَقْتُهُ، وَهُوَ غَضْبَانُ وَلاَ أَشْعُرُ» وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً، إِذْ سَمِعْتُ بِلاَلًا يُنَادِي: أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكَ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ: " خُذْ هَذَيْنِ القَرِينَيْنِ، وَهَذَيْنِ القَرِينَيْنِ - لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ -، فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ، فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ، أَوْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلاَءِ فَارْكَبُوهُنَّ ". فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِمْ بِهِنَّ، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلاَءِ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاَ تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ، وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ، فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ، حَتَّى أَتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْعَهُ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى

 

وفي القرآن:

 

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)} سورة التوبة

 

نفس الأمر ينسحب كذلك على الثلاثة الذين تقاعسوا عن المشاركة في الجيش، حتى رحل الجيش، وهي مذكورة في البخاري 4418 وغيره من كتب الحديث، والقرآن بسورة التوبة، وابن هشام والواقدي، وهي قصة طويلة عريضة لا داعي لإضجار القارئ بنسخ نصها كله هنا، وملخصها أن ثلاثة رجال صادقي الإيمان بمحمد ودعوه تخلفوا وتقاعسوا دون عذر، ولما عاد محمد اعترفوا له بذلك ولم يختلقوا الأعذار كما فعل الأعراب ومنافقي يثرب المتظاهرين بالإسلام، عاقبهم محمد لفترة بمنع تحدث الناس معهم ومنعهم من السكنى مع زوجاتهم وغيرها، لكن كل هذا ليس ما أثار حزنهم، بل أثار مشاعرهم وشجاهم أن يطردوا من حظيرة وظل الوهم الوارف خارج الوعود الإسلامية الوهمية، عندما نقرأ القصة وكيف يبكي أحدهم حزنًا وندمًا حتى يكاد يصاب بمرض الكتاراكت (تبيض عيناه) ويكاد يموت من الفرح ويخشى عليه لما يعلن محمد في قرآنه توبة الله المزعوم وبالأحرى عفو محمد عنهم، نقول هذه نفوس طيبة ينطبق عليها قول وينبرج، وملاحظتنا على معضلة أو مسألة يوثيرو، فهم يعتقدون أن الفعل إذا جاءهم زعم أنه بأمر إله مزعوم فهو أخلاقي حتى لو كان فعلًا إجراميًّا دمويًّا سافلًا، وهذا يدل على عقل مضللة تائهة نست وغفلت عن أن الأخلاق موضوعية وليست ذاتية في معظمها وفي القواعد الأخطر والأجل كالمسالمة المتبادلة بين البشر وبني الجنس الواحد. إن الثلاثة لم يستطيعوا تفسير سبب تقاعسهم أو تهربوا من مواجهة الفكرة، إن طبيعة النفس البشرية السوية هي حب السلام والسلامة وكره العدوان والقتل والشر، ولهذا هم لم ينشطوا لمشاركة محمد أو هذا أحد أهم الأسباب إضافة إلى الحر والجهد والنفقات.

 

ويزعم الواقدي أن عدد الجيش كان ثلاثين ألفًا:

 

قَالَ: حَدّثَنِى رِفَاعَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِى مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: جَلَسْت مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَذَكَرْنَا غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَذَكَرَ أَنّهُ حَمَلَ لِوَاءَ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ فِى تَبُوكَ فَقُلْت: يَا أَبَا سَعِيدٍ كَمْ تَرَى كَانَ الْمُسْلِمُونَ؟ قَالَ: ثَلاثُونَ أَلْفًا، لَقَدْ كَانَ النّاسُ يَرْحَلُونَ عِنْدَ مَيْلِ الشّمْسِ فَمَا يَزَالُونَ يَرْحَلُونَ وَالسّاقَةُ مُقِيمُونَ حَتّى يَرْحَلَ الْعَسْكَرُ، فَسَأَلْت بَعْضَ مَنْ كَانَ بِالسّاقَةِ، فَقَالَ: مَا يَرْحَلُ آخِرُهُمْ إلاّ مَسَاءً تَمّ نَرْحَلُ عَلَى أَثَرِهِمْ فَمَا نَنْتَهِى إلَى الْعَسْكَرِ إلاّ مُصْبِحِينَ مِنْ كَثْرَةِ النّاسِ.

 

وفي موضع آخر يقول بتفاصيل:

 

قَالَ: وَكَانَ النّاسُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ثَلاثِينَ أَلْفًا، وَمِنْ الْخَيْلِ عَشْرَةُ آلافٍ فَرَسٌ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كُلّ بَطْنٍ مِنْ الأَنْصَارِ أَنْ يَتّخِذُوا لِوَاءً وَرَايَةً وَالْقَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ فِيهَا الرّايَاتُ وَالأَلْوِيَةُ.

 

ويحكي لنا القرآن بسورة التوبة وابن إسحاق والواقدي عن تخلف الكثيرين من المنافقين، والأعراب، وهذا تعليله بسيط واضح هؤلاء قوم تظاهروا نتيجة الإرهاب الإسلامي والتقتيل بأنهم أسلموا ليحموا أنفسهم وحيواتهم منهم الوثني المؤمن بالتعدد ومنهم اليهودي ومنهم من لا مبدأ له في حقيقة الأمر، وبعضهم تهرب من جيش محمد والبعض الآخر دخله مجبورًا أو كما يقول القرآن فرقًا وخوفًا {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)} وبعضهم طمعًا في  الغنائم والسبايا.

 

فيقول الواقدي:

 

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجَدّ بْنِ قَيْسٍ: أَبَا وَهْبٍ، هَلْ لَك الْعَامَ تَخْرُجُ مَعَنَا لَعَلّك تَحْتَقِبُ مِنْ بَنَاتِ الْأَصْفَرِ؟ فَقَالَ الْجَدّ:

أوَ تَأْذَنُ لِي ولا تفتنّى؟ فو الله، لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي مَا أَحَدٌ أَشَدّ عُجْبًا بِالنّسَاءِ مِنّي، وَإِنّي لَأَخْشَى إنْ رَأَيْت نِسَاءَ بَنِي الْأَصْفَرِ لَا أَصْبِرُ عَنْهُنّ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قَدْ أَذِنْت لَك!

فَجَاءَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْجَدّ- وَكَانَ بَدْرِيّا، وَهُوَ أَخُو مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ لِأُمّهِ- فَقَالَ لِأَبِيهِ:

لِمَ تَرُدّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته؟ فو الله مَا فِي بَنِي سَلِمَةَ أَكْثَرُ مَالًا مِنْك، وَلَا تَخْرُجُ وَلَا تَحْمِلُ أَحَدًا! قَالَ: يَا بنىّ، ما لى وللخروج فِي الرّيحِ وَالْحَرّ وَالْعُسْرَةِ إلَى بَنِي الْأَصْفَرِ؟ وَاَللهِ، مَا آمَنُ خَوْفًا مِنْ بَنِي الْأَصْفَرِ وَإِنّي فِي مَنْزِلِي بِخُرْبَى، فَأَذْهَبُ إلَيْهِمْ فَأَغْزُوهُمْ، إنّي وَاَللهِ يَا بُنَيّ عَالِمٌ بِالدّوَائِرِ! فَأَغْلَظَ لَهُ ابْنُهُ، فَقَالَ: لَا وَاَللهِ، وَلَكِنّهُ النّفَاقُ! وَاَللهِ، لَيَنْزِلَنّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فيك قرآن يقرأونه. قَالَ: فَرَفَعَ نَعْلَهُ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَهُ، فَانْصَرَفَ ابْنُهُ وَلَمْ يُكَلّمْهُ. وَجَعَلَ الْخَبِيثُ يُثَبّطُ قَوْمَهُ، وَقَالَ لِجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ وَنَفَرٍ مَعَهُ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا بَنِي سَلِمَةَ، لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ: يَقُولُ: لَا تَخْرُجُوا فِي الْحَرّ زَهَادَةً فِي الْجِهَادِ، وَشَكّا فِي الْحَقّ، وَإِرْجَافًا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ: وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ إلَى قَوْلِهِ: جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. وَفِيهِ نَزَلَتْ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي..الْآيَةَ، أَيْ كَأَنّهُ إنّمَا يَخْشَى الْفِتْنَةَ مِنْ نِسَاءِ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِهِ، إنّمَا تَعَذّرَ بِالْبَاطِلِ،...إلخ

فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَاءَ ابْنُهُ إلَى أَبِيهِ فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَك إنّهُ سَوْفَ يَنْزِلُ فِيك قُرْآنٌ يَقْرَأهُ الْمُسْلِمُونَ؟ قَالَ: يَقُولُ أَبُوهُ: اُسْكُتْ عَنّي يَا لُكَعُ! وَاَللهِ، لَا أَنْفَعُك بِنَافِعَةٍ أَبَدًا! وَاَللهِ لَأَنْتَ أَشَدّ عَلَيّ مِنْ مُحَمّدٍ!

 

ويقول ابن إسحاق:

 

فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجَدِّ بن قَيْس أحد بني سَلَمة: يا جَدُّ، هل لك العام في جلاد بني الأصْفَر؟ فقال: يا رسول اللّه، أو تأذن لي ولا تفتنىِ؟ فواللّه لقد عَرَف قومي أنه ما من رجل بأشد عُجْباً بالنساء منى، وإنى أخشى إن رأيتُ نساء بني الأصفر أن لا أصبر، فأعرض عنه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذِنتُ لك. ففي الجَدِّ بن قيس نزلت هذه الاية:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا في الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49]. أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر، بتخلفه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه، يقول تعالى: وإن جهنم لمن ورائه.

 

وقال قوم من المنافقين بعضُهم لبعض: لا تَنفِروا في الحر، زهادة في الجهاد وشكاً في الحق، وإرجافا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأنزل اللّه تبارك وتعالى فيهم: {وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا في الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)}. [التوبة: 81،82]

 

قال ابن هشام: وحدثني الثقةُ عمن حدثه، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن، عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد اللّه بن حارثة، عن أبيه، عن، جَدِّه، قال: بلغ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم،

 

معاني كلمات:

 

احتقب: أي احتمل. (لسان العرب، ج 1، ص 315).

لُكَع: أحمق

أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سُوَيْلم اليهودي، وكان بيته عند جاسوم، يثبطون الناس عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبُوك، فبعث إليهم الني صلى الله عليه وسلم طلحة بن عُبَيْد اللّه في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرِّقَ عليهم بيت سُوَيْلم، ففعل طلحة. فاقتحم الضحاك بن خلفة من ظهر البيت، فانكسرت رجلُه، واقتحم أصحابه، فأفلتوا، فقال الضحاك في ذلك:

كادت وبيت اللّه نارُ محمدٍ يَشيطُ بها الضحَّاكُ وابن أبَيْرِقِ

وظَلَلْتُ وقد طبقتُ كِبْسَ سُوَيْلم... أنوءُ على رِجلى كسيراً ومرفقي

سلامٌ عليكم لا أعودُ لمثلِهَا... أخاف ومن تَشْمل به النار يُحْرق

 

وقد تخلف كثير من الأعراب التابعين لمحمد كما تحكي سورة التوبة، ما يدلك على حقيقة إسلام معظم الناس، إسلام للمصالح وليس للتضحيات، لحماية النفس والقبيلة من عدوان الإرهابيين بالانضمام لهم او طمعًا في النهب، وروى أحمد بن حنبل:

 

19072 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَخِي أَبِي رُهْمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا رُهْمٍ الْغِفَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَلَمَّا فَصَلَ ، سَرَى لَيْلَةً، فَسِرْتُ قَرِيبًا مِنْهُ، وَأُلْقِيَ عَلَيَّ النُّعَاسُ، فَطَفِقْتُ أَسْتَيْقِظُ وَقَدْ دَنَتْ رَاحِلَتِي مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَيُفْزِعُنِي دُنُوُّهَا خَشْيَةَ أَنْ أُصِيبَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ ، فَأُؤَخِّرُ رَاحِلَتِي حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي نِصْفَ اللَّيْلِ، فَرَكِبَتْ رَاحِلَتِي رَاحِلَتَهُ، وَرِجْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَرْزِ، فَأَصَابَتْ رِجْلَهُ، فَلَمْ أَسْتَيْقِظْ إِلَّا بِقَوْلِهِ: " حَسِّ ". فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: " سَلْ " فَقَالَ: فَطَفِقَ يَسْأَلُنِي عَمَّنْ تَخَلَّفَ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَأُخْبِرُهُ، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُنِي: " مَا فَعَلَ النَّفَرُ الْحُمْرُ الطُّوَالُ الْقِطَاطُ " أَوْ قَالَ: " الْقِصَارُ "، عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَشُكُّ، " الَّذِينَ لَهُمْ نَعَمٌ بِشَظِيَّةِ شَرْخٍ ؟ " قَالَ: فَذَكَرْتُهُمْ فِي بَنِي غِفَارٍ، فَلَمْ أَذْكُرْهُمْ حَتَّى ذَكَرْتُ رَهْطًا مِنْ أَسْلَمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُولَئِكَ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ وَقَدْ تَخَلَّوْا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَا يَمْنَعُ أَحَدَ أُولَئِكَ حِينَ يَتَخَلَّفُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِهِ امْرَأً نَشِيطًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّ أَعَزَّ أَهْلِي عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنّيِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَغِفَارٍ وَأَسْلَم

           

وقد حكى هذا الحوار ابن إسحاق والواقدي، ورواية الواقدي كالتالي:

 

وَكَانَ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِىّ - وَهُوَ كُلْثُومُ بْنُ الْحُصَيْنِ قَدْ بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ ÷ تَحْتَ الشّجَرَةِ - فَقَالَ: غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ ÷ تَبُوكَ، قَالَ: فَسِرْت ذَاتَ لَيْلَةٍ مَعَهُ وَنَحْنُ بِالأَخْضَرِ، وَأَنَا قَرِيبٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷، وَأُلْقِىَ عَلَىّ النّعَاسُ فَطَفِقْت أَسْتَيْقِظُ، وَقَدْ دَنَتْ رَاحِلَتِى مِنْ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَيُفْزِعُنِى دُنُوّهَا مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ أُصِيبَ رِجْلَهُ فِى الْغَرْزِ، فَطَفِقْت أَحُوزُ رَاحِلَتِى حَتّى غَلَبَتْنِى عَيْنَاىَ فِى بَعْضِ الطّرِيقِ، وَنَحْنُ فِى بَعْضِ اللّيْلِ، فَزَاحَمَتْ رَاحِلَتِى رَاحِلَتَهُ وَرِجْلُهُ فِى الْغَرْزِ فَمَا اسْتَيْقَظْت إلاّ بِقَوْلِهِ: “حَسّ”، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ اسْتَغْفِرْ لِى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “سِرْ”، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَسْأَلُنِى عَمّنْ تَخَلّفَ مِنْ بَنِى غِفَارٍ، فَأُخْبِرُهُ بِهِمْ وَهُوَ يَسْأَلُنِى: “مَا فَعَلَ النّفَرُ الْحُمْرُ الطّوَالُ النّطَانِطِ”؟ فَحَدّثْته بِتَخَلّفِهِمْ، قَالَ: “فَمَا فَعَلَ النّفَرُ السّودُ الْقِصَارُ الْجِعَادُ الْحُلْسُ”؟ فَقُلْت: وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَعْرِفُ هَؤُلاءِ، قَالَ: “بَلَى، الّذِينَ هُمْ بِشَبَكَةِ شَدَخٍ”، قَالَ: فَتَذَكّرْتهمْ فِى بَنِى غِفَارٍ فَلا أَذْكُرُهُمْ، ثُمّ ذَكَرْت أَنّهُمْ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ كَانُوا فِينَا وَكَانُوا يَحِلّونَ بِشَبَكَةِ شَدَخٍ لَهُمْ نَعَمٌ كَثِيرٌ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أُولَئِكَ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ حُلَفَاءُ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “مَا مَنَعَ أَحَدٌ أُولَئِكَ حِينَ تَخَلّفَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إبِلِهِ رَجُلاً نَشِيطًا فِى سَبِيلِ اللّهِ مِمّنْ يَخْرُجُ مَعَنَا، فَيَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْخَارِجِ، إنْ كَانَ لَمِنْ أَعَزّ أَهْلِى عَلَىّ أَنْ يَتَخَلّفَ عَنّى الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارُ، وَغِفَارٌ، وَأَسْلَمُ”.

 

ورواه أحمد (19073) - عن الزهري، عن ابن أخي أبي رهم، ورواه عن ابن إسحاق- كما في الرواية (19074) - وابن أخي الزهري- كما عند البزار (1842) (زوائد)، وهو عند عبد الرزاق في "المصنف" (19882) ومن طريقه أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (991) ، وابن حبان (7257) ، والطبراني في "الكبير" 19/ (415) ، والحاكم 3/593- 594، والطبراني 19/ (417) من طريق عبيد الله بن أبي زياد الرصافي من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، به. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 6/192، وقال: رواه أحمد والطبراني، وفي إسنادهما ابن أخي أبي رهم، ولم أعرفه.

 

وقال الواقدي:                                                               

 

قَالُوا: وَجَاءَ نَاسٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَسْتَأْذِنُونَ رَسُولَ اللّهِ ÷ مِنْ غَيْرِ عِلّةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ الّذِينَ اسْتَأْذَنُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ. وَجَاءَ الْمُعَذّرُونَ مِنْ الأَعْرَابِ فَاعْتَذَرُوا إلَيْهِ فَلَمْ يَعْذِرْهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ. هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِى غِفَارٍ، مِنْهُمْ خُفَافُ بْنُ إيمَاءِ بْنِ رَحْضَةَ، اثْنَانِ وَثَمَانُونَ رَجُلاً.

وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ بِعَسْكَرِهِ فَضَرَبَهُ عَلَى ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ بِحِذَاءِ ذُبَابٍ، مَعَهُ حُلَفَاؤُهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ مِمّنْ اجْتَمَعَ إلَيْهِ، فَكَانَ يُقَالُ: لَيْسَ عَسْكَرُ ابْنِ أُبَىّ بِأَقَلّ الْعَسْكَرَيْنِ.

.....فَلَمّا سَارَ رَسُولُ اللّهِ ÷ تَخَلّفَ ابْنُ أُبَىّ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ فِيمَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَقَالَ: يَغْزُو مُحَمّدٌ بَنِى الأَصْفَرِ، مَعَ جَهْدِ الْحَالِ وَالْحَرّ وَالْبَلَدِ الْبَعِيدِ إلَى مَا لا قِبَلَ لَهُ بِهِ يَحْسِبُ مُحَمّدٌ أَنّ قِتَالَ بَنِى الأَصْفَرِ اللّعِبُ؟ وَنَافَقَ مَعَهُ مَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ، ثُمّ قَالَ ابْنُ أُبَىّ: وَاَللّهِ لَكَأَنّى أَنْظُرُ إلَى أَصْحَابِهِ غَدًا مُقَرّنِينَ فِى الْحِبَالِ إرْجَافًا بِرَسُولِ اللّهِ ÷ وَأَصْحَابِهِ.

 

والخبر عن عسكر ابن أبي رواه ابن إسحاق كذلك، فالرجل على عدم إخلاصه للإسلام ومحمد كان له مناصرون كثر لكونه زعيمًا يثربيًّا مهمًّا منذ ما قبل قدوم محمد، وكان محمد يحسب له ألف حساب لأن إيذاء محمد له أو اغتياله كان ليتسبب في فتنة كبيرة وانفضاض الكثيرين عن الإسلام آنذاك. وفي القرآن عن استئذان الأعراب والمتظاهرين بالإسلام في سورة التوبة كلام كثير:

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)} من سورة التوبة

 

سأتناول بالنقد هذه الآيات لاحقًا في الجزء الثاني من كتابي، ونلاحظ مدى اللوم والتوبيخ المحمدي للناس الذين هم ببساطة يتبعون فطرتهم ويرفضون الانخراط في جيش إرهابي ديني للعداوان على الأمم المجاورة، من باب كراهية العنف والعدوان والقتال وإيثار وحب السلام، عجيب مدى الحماسة للإرهاب والنهب لتأسيس دولة الخلافة العربية القرشية الظالمة الباغية اللصوصية السائر على نهج النُهَّاب محمد وصحبه وتبعه.

 

ويقول الواقدي:

 

وَلَمّا مَضَى رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ سَائِرًا، فَجَعَلَ يَتَخَلّفُ عَنْهُ الرّجَالُ فَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللّهِ تَخَلّفَ فُلانٌ، فَيَقُولُ: “دَعُوهُ فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللّهُ بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللّهُ مِنْهُ”، فَخَرَجَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَثِيرٌ لَمْ يَخْرُجُوا إلاّ رَجَاءَ الْغَنِيمَةِ. وَكَانَ أَبُو ذَرّ يَقُولُ: أَبْطَأْت فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ مِنْ أَجْلِ بَعِيرِى، كَانَ نِضْوًا أَعْجَفَ فَقُلْت: أَعْلِفُهُ أَيّامًا ثُمّ أَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ ÷. فَعَلَفْته أَيّامًا ثُمّ خَرَجْت، فَلَمّا كُنْت بِذِى الْمَرْوَةِ عَجَزَ بِى، فَتَلَوّمْت عَلَيْهِ يَوْمًا فَلَمْ أَرَ بِهِ حَرَكَةً فَأَخَذْت مَتَاعِى فَحَمَلْته عَلَى ظَهْرِى، ثُمّ خَرَجْت أَتْبَعُ رَسُولَ اللّهِ ÷ مَاشِيًا فِى حَرّ شَدِيدٍ، وَقَدْ تَقَطّعَ النّاسُ فَلا أَرَى أَحَدًا يَلْحَقُنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَطَلَعْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ نِصْفَ النّهَارِ، وَقَدْ بَلَغَ مِنّى الْعَطَشُ فَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنْ الطّرِيقِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إنّ هَذَا الرّجُلَ يَمْشِى عَلَى الطّرِيقِ وَحْدَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “كُنْ أَبَا ذَرّ”، فَلَمّا تَأَمّلَنِى الْقَوْمُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أَبُو ذَرّ...إلخ

 

وهذه التفاصيل رواها كذلك ابن إسحاق. وعنه أسندها الحاكم في المستدرك برقم 4373.

 

إن نسبة كبيرة من الجيش كانت تتبع محمدًا نفاقًا طمعًا في المكاسب والغنائم فقط، القصة التالية حكاها ابن إسحاق وكتب تفسير القرآن كلها والواقدي، واللفظ للواقدي:

 

قَالُوا: وَكَانَ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَسِيرُونَ مَعَ النّبِىّ ÷ فِى تَبُوكَ، مِنْهُمْ وَدِيعَةُ ابْنُ ثَابِتٍ، أَحَدُ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَالْجُلاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ، ومخشى بْنُ حِمْيَرَ مِنْ أَشْجَعَ حَلِيفٌ لِبَنِى سَلِمَةَ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ. فَقَالَ: تَحْسَبُونَ قِتَالَ بَنِى الأَصْفَرِ كَقِتَالِ غَيْرِهِمْ؟ وَاَللّهِ لَكَأَنّا بِكُمْ غَدًا مُقَرّنِينَ فِى الْحِبَالِ إرْجَافًا بِرَسُولِ اللّهِ ÷ وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لِى أَرَى قُرّاءَنَا هَؤُلاءِ أَوْعَبَنَا بُطُونًا، وَأَكْذَبَنَا أَلْسِنَةً، وَأَجْبَنَنَا عِنْدَ اللّقَاءِ؟ وَقَالَ الْجُلاسُ بْنُ سُوَيْدٍ، وَكَانَ زَوْجُ أُمّ عُمَيْرٍ، وَكَانَ ابْنُهَا عُمَيْرٌ يَتِيمًا فِى حِجْرِهِ هَؤُلاءِ سَادَتُنَا وَأَشْرَافُنَا وَأَهْلُ الْفَضْلِ مِنّا: وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرّ مِنْ الْحَمِيرِ، وَاَللّهِ لَوَدِدْت أَنّى أُقَاضِى عَلَى أَنْ يُضْرَبَ كُلّ رَجُلٍ مِنّا مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَأَنّا نَنْفَلِتُ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا الْقُرْآنُ بِمَقَالَتِكُمْ،

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِعَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ: “أَدْرِكْ الْقَوْمَ فَإِنّهُمْ قَدْ احْتَرَقُوا، فَسَلْهُمْ عَمّا قَالُوا، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ بَلَى، قَدْ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا”، فَذَهَبَ إلَيْهِمْ عَمّارٌ، فَقَالَ لَهُمْ: فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ ÷ يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ، فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى نَاقَتِهِ وَقَدْ أَخَذَ بِحَقَبِ نَاقَةِ النّبِىّ ÷ وَرِجْلاهُ تَنْسِفَانِ الْحِجَارَةَ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} إلَى قَوْلِهِ: {بِأَنّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} قَالُوا: وَرَدّ عُمَيْرٌ عَلَى الْجُلاسِ مَا قَالَ - حِينَ قَالَ لَنَحْنُ شَرّ مِنْ الْحَمِيرِ - قَالَ: فَأَنْت شَرّ مِنْ الْحِمَارِ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ الصّادِقُ، وَأَنْت الْكَاذِبُ، وَجَاءَ الْجُلاسُ إلَى النّبِىّ ÷ فَحَلَفَ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى نَبِيّهِ فِيهِ: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ}، وَنَزَلَتْ فِيهِ {وَمَا نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآيَةُ. قَالَ: وَكَانَ لِلْجُلاسِ دِيَةٌ فِى الْجَاهِلِيّةِ عَلَى بَعْضِ قَوْمِهِ وَكَانَ مُحْتَاجًا، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْمَدِينَةَ أَخَذَهَا لَهُ فَاسْتَغْنَى بِهَا. وَقَالَ مخشى بْنُ حِمْيَرَ: قَدْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ قَعَدَ بِى اسْمِى وَاسْمُ أَبِى، فَكَانَ الّذِى عُفِىَ عَنْهُ فِى هَذِهِ الآيَةِ مخشى بْنُ حِمْيَرَ - فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَبْدُ الرّحْمَنِ أَوْ عَبْدُ اللّهِ - وَسَأَلَ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنْ يُقْتَلَ شَهِيدًا وَلا يُعْلَمَ بِمَكَانِهِ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ.

وَيُقَالُ فِى الْجُلاسِ بْنُ سُوَيْدٍ: إنّهُ كَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُثَبّطُ النّاسَ عَنْ الْخُرُوجِ وَكَانَتْ أُمّ عُمَيْرٍ تَحْتَهُ، وَكَانَ عُمَيْرٌ يَتِيمًا فِى حِجْرِهِ وَلا مَالَ لَهُ، فَكَانَ يَكْفُلُهُ وَيُحْسِنُ إلَيْهِ فَسَمِعَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرّ مِنْ الْحَمِيرِ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: يَا جُلاسُ قَدْ كُنْت أَحَبّ النّاسِ إلَىّ، وَأَحْسَنَهُمْ عِنْدِى أَثَرًا، وَأَعَزّهُمْ عَلَىّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ نَكْرَهُهُ، وَاَللّهِ لَقَدْ قُلْت مَقَالَةً لَئِنْ ذَكَرْتهَا لَتَفْضَحَنّكَ، وَلَئِنْ كَتَمْتهَا لأَهْلِكَنّ، وَإِحْدَاهُمَا أَهْوَنُ عَلَىّ مِنْ الأُخْرَى، فَذَكَرَ لِلنّبِىّ ÷ مَقَالَةَ الْجُلاسِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ أَعْطَى الْجُلاسَ مَالاً مِنْ الصّدَقَةِ لِحَاجَتِهِ، وَكَانَ فَقِيرًا، فَبَعَثَ النّبِىّ ÷ إلَى الْجُلاسِ فَسَأَلَهُ عَمّا قَالَ عُمَيْرٌ، فَحَلَفَ بِاَللّهِ مَا تَكَلّمَ بَهْ قَطّ، وَأَنّ عُمَيْرًا لَكَاذِبٌ - وَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ - وَهُوَ حَاضِرٌ عِنْدَ النّبِىّ ÷ فَقَامَ، وَهُوَ يَقُولُ: اللّهُمّ أَنْزِلْ عَلَى رَسُولِك بَيَانَ مَا تَكَلّمْت بِهِ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَى نَبِيّهِ {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} إلَى قَوْلِهِ: {أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} لِلصّدَقَةِ الّتِى أَعْطَاهَا النّبِىّ ÷. فَقَالَ الْجُلاسُ: اسْمَعْ اللّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَىّ التّوْبَةَ وَاَللّهِ لَقَدْ قُلْت: مَا قَالَ عُمَيْرٌ، وَلَمّا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ خَيْرٍ كَانَ يَصْنَعُهُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ، فَكَانَ ذَلِك مِمّا قَدْ عُرِفَتْ بَهْ تَوْبَتُهُ.

 

بداية نلاحظ أن القصة تحاول تصوير معرفة محمد على أنها معجزة وإخبار من السماء، لكن كليهما في موضع آخر ذكروا أن عميرًا ربيب الجلاس هو من نقل الكلام إلى محمد، فلا معجزة ولا شيء من ذلك، فكثيرون كانوا يتطوعون لنقل الأحاديث لمحمد والوشاية ويعتبرونها فعلًا حسنًا مقدسًا أن يحجبوا حرية التعبير والكلام، ويحجروا على حق الكلام والاعتقاد والتفكير، ووصل الأمر بمحمد في السور المدنية للنهي عن التناجي أو النجوى، أي أن ينفرد اثنان بالحديث على حدة وحدهما، دولة بوليسية دينية ربما أسوأ من إيران وكوريا الشمالية والصين والسعودية، دولة تحظر اجتماع شخصين:

 

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)} المجادلة: 7-10

 

مع ذلك يفهم من الآية رقم 9 أنه لم يتمكن من منع أي اثنين أن يتكلما ويتناجيا، وأعتقد أنه لو رأى حلمة أذنه دون مرآة لما تمكن بعدُ من تحقيق ما كان يريده.

 

ونلاحظ أن عطاآت محمد تتخذ طابعًا إقطاعيًّا، تبعًا لرضا حالته المزاجية، يقول الواقدي:

 

وَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَادِىَ الْقُرَى أَهْدَى لَهُ بَنُو عُرَيْضٍ الْيَهُودِىّ هَرِيسًا، فَأَكَلَهَا رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَطْعَمَهُمْ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، فَهِىَ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ. تَقُولُ امْرَأَةٌ مِنْ الْيَهُودِ: هَذَا الّذِى صَنَعَ بِهِمْ مُحَمّدٌ خَيْرٌ مِمّا وَرِثُوهُ مِنْ آبَائِهِمْ لأَنّ هَذَا لا يَزَالُ جَارِيًا عَلَيْهِمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وفي الطبقات الكبير لابن سعد:

 

قَالُوا: وَكَتَبَ رَسُولُ الله ص: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِبَنِي عَرِيضٍ طُعْمَةٌ مِنْ رسول الله عشرة أَوْسُقٍ شَعِيرًا فِي كُلِّ حَصَادٍ وَخَمْسِينَ وَسَقًا تَمْرًا يُوَفَّوْنَ فِي كُلِّ عَامٍ لِحِينِهِ لا يُظْلَمُونَ شَيْئًا. وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالَ: وبنو عَرِيضٍ قَوْمٌ مِنْ يَهُودَ.

 

الهريس أكلة عربية قديمة فيها لحم، شعر محمد بحالة مزاجية جيدة فقرّر لهم عطاء لحسن ضيافتهم أبدية لنسلهم، نعم لا شك أن العطاء والإحسان أمر جيد، لكن مثل هذه الممارسات لو نظرنا لحال دولة كالمملوكية لعلمنا أنها على المدى البعيد تدمر كل اقتصاد الدولة وتفسد العدالة الاجتماعية والاستحقاقات، انظر مثلًا كتاب (إنباء الهصر في أنباء العصر).

 

ومن تشجيع محمد على النهب والسلب كأسلوب حياة، نقرأ من الواقدي:

 

وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِبِلالٍ: “أَلا أُبَشّرُكُمْ”؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ وَهُمْ يَسِيرُونَ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ، فَقَالَ: “إنّ اللّهَ أَعْطَانِى الْكَنْزَيْنِ فَارِسَ وَالرّومَ، وَأَمَدّنِى بِالْمُلُوكِ مُلُوكِ حِمْيَرَ، يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَيَأْكُلُونَ فَيْءَ اللّه”.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

22335 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي هَمَّامٍ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَوَقَفَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ أَعْطَانِي اللَّيْلَةَ الْكَنْزَيْنِ: كَنْزَ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَأَمَدَّنِي بِالْمُلُوكِ مُلُوكِ حِمْيَرَ الْأَحْمَرَيْنِ، وَلَا مَلِكَ إِلَّا الِلَّهِ يَأْتُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ مَالِ اللهِ، وَيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ " قَالَهَا ثَلَاثًا  

 

إسناده ضعيف لجهالة أبي همام الشعباني، جهَّله الحسيني، وقال الهيثمي في "المجمع" 10/56: لم أعرفه. وهو في مصنف عبد الرزاق (19878).

 

في النهاية انسحب محمد من تبوك، بعدما قضى عشرين يومًا حسب قول الواقدي، وبعدما كما سنورد أدناه فرض سيطرته على حدود الشام مع شبه جزيرة العرب قليلًا، ويلاحظ أنه لم يقدم على دخول الشام نفسها لخطورة ذلك ولأن عدد وعتاد جيشه لم يكن ليكفي بعد لمواجهة قوة كقوة الروم البيزنطيين، وإنما كان محمد فقط يضع الأساس للنهج التوسعي لمن بعده، يقول الواقدي:

 

قَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ÷ تَبُوكَ وَأَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً يُصَلّى رَكْعَتَيْنِ وَهِرَقْلُ يَوْمَئِذٍ بِحِمْصَ،

...... قَالَ: وَكَانَ هِرَقْلُ قَدْ بَعَثَ رَجُلاً مِنْ غَسّانَ إلَى النّبِىّ ÷ فَيَنْظُرَ إلَى صِفَتِهِ وَإِلَى عَلامَاتِهِ......إلخ وَهُوَ فِى مَوْضِعِهِ لَمْ يَتَحَرّكْ وَلَمْ يَزْحَفْ، وَكَانَ الّذِى خُبّرَ النّبِىّ ÷ - مِنْ بَعْثَتِهِ أَصْحَابَهُ وَدُنُوّهِ إلَى أَدْنَى الشّامِ - بَاطِلاً، وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَلَمْ يَهُمّ بِهِ. وَشَاوَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فِى التّقَدّمِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: إنْ كُنْت أُمِرْت بِالْمَسِيرِ فَسِرْ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: لَوْ أُمِرْت بِهِ مَا اسْتَشَرْتُكُمْ فِيهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ لِلرّومِ جُمُوعًا كَثِيرَةً وَلَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ، وَقَدْ دَنَوْت مِنْهُمْ حَيْثُ تَرَى، وَقَدْ أَفْزَعَهُمْ دُنُوّك، فَلَوْ رَجَعْت هَذِهِ السّنَةَ حَتّى تَرَى، أَوْ يُحْدِثَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لَك فِى ذَلِكَ أَمْرًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سَرِيّةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى أُكَيْدِرَ بن عبد الملك الكِنديّ ملك دُوُمة الجندل، فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ

 

ودُوُمة الجندل بضم الدال موضع غير دَوْمة الجندل بفتحها والتي أغار عليها كذلك عبد الرحمن بن عوف، والقصة متفق على تفاصيلها عند ابن إسحاق والواقدي، ومن لفظ الأخير منهما:

 

قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مِنْ تَبُوكَ فِى أَرْبَعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَارِسًا إلَى أُكَيْدِرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ - وَكَانَ أُكَيْدِرٌ مِنْ كِنْدَةَ قَدْ مَلَكَهُمْ وَكَانَ نَصْرَانِيّا - فَقَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ لِى بِهِ وَسَطَ بِلادِ كَلْبٍ، وَإِنّمَا أَنَا فِى أُنَاسٍ يَسِيرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ فَتَأْخُذَهُ”، قَالَ: فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتّى إذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ فِى لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ صَائِفَةٍ، وَهُوَ عَلَى سَطْحٍ لَهُ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ الرّبَابُ بِنْتُ أُنَيْفِ بْنِ عَامِرٍ مِنْ كِنْدَةَ، وَصَعِدَ عَلَى ظَهْرِ الْحِصْنِ مِنْ الْحَرّ، وَقَيْنَتُهُ تُغَنّيهِ، ثُمّ دَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، فَأَقْبَلَتْ الْبَقَرُ تَحُكّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْحِصْنِ، فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ الرّبَابُ فَأَشْرَفَتْ عَلَى الْحِصْنِ فَرَأَتْ الْبَقَرَ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ فِى اللّحْمِ هَلْ رَأَيْت مِثْلَ هَذَا قَطّ؟ قَالَ: لا، ثُمّ قَالَتْ: مَنْ يَتْرُكُ هَذَا؟ قَالَ: لا أَحَدَ، قَالَ: يَقُولُ أُكَيْدِرٌ: وَاَللّهِ مَا رَأَيْت جَاءَتْنَا لَيْلَةً بَقَرٌ غَيْرَ تِلْكَ اللّيْلَةِ، وَلَقَدْ كُنْت أُضْمِرُ لَهَا الْخَيْلَ إذَا أَرَدْت أَخْذَهَا شَهْرًا، أَوْ أَكْثَرَ، ثُمّ أَرْكَبُ بِالرّجَالِ وَبِالآلَةِ.

فَنَزَلَ فَأَمَرَ بِفَرَسِهِ فَأُسْرِجَ وَأَمَرَ بِخَيْلٍ فَأُسْرِجَتْ وَرَكِبَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مَعَهُ أَخُوهُ حَسّانُ، وَمَمْلُوكَانِ، فَخَرَجُوا مِنْ حِصْنِهِمْ بِمَطَارِدِهِمْ فَلَمّا فَصَلُوا مِنْ الْحِصْنِ، وَخَيْلُ خَالِدٍ تَنْظُرُهُمْ لا يَصْهِلُ مِنْهَا فَرَسٌ، وَلا يَتَحَرّكُ، فَسَاعَةَ فَصَلَ أَخَذَتْهُ الْخَيْلُ فَاسْتَأْسَرَ أُكَيْدِرٌ، وَامْتَنَعَ حَسّانُ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ، وَهَرَبَ الْمَمْلُوكَانِ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَدَخَلُوا الْحِصْنَ، وَكَانَ عَلَى حَسّانَ قَبَاءُ دِيبَاجٍ مُخَوّصٌ بِالذّهَبِ فَاسْتَلَبَهُ خَالِدٌ فَبَعَثَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِىّ حَتّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِأَخْذِهِمْ أُكَيْدِرًا.

قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: رَأَيْنَا قَبَاءَ حَسّانَ أَخِى أُكَيْدِرٍ حِينَ قَدِمَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَتَلَمّسُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَيَتَعَجّبُونَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ فَوَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِى الْجَنّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا”.

وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: “إنْ ظَفِرْت بِأُكَيْدِرٍ فَلا تَقْتُلْهُ وَائْتِ بِهِ إلَىّ فَإِنّ أَبَى فَاقْتُلُوهُ”، فَطَاوَعَهُمْ.

.....وَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لأُكَيْدِرٍ: هَلْ لَك أَنْ أُجِيرَك مِنْ الْقَتْلِ حَتّى آتِىَ بِك رَسُولَ اللّهِ ÷ عَلَى أَنْ تَفْتَحَ لِى دُومَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ لَك، فَلَمّا صَالَحَ خَالِدٌ أُكَيْدِرًا، وَأُكَيْدِرٌ فِى وَثَاقٍ انْطَلَقَ بِهِ خَالِدٌ حَتّى أَدْنَاهُ مِنْ بَابِ الْحِصْنِ وَنَادَى أُكَيْدِرٌ أَهْلَهُ افْتَحُوا بَابَ الْحِصْنَ فَرَأَوْا ذَلِكَ فَأَبَى عَلَيْهِمْ مُضَادٌ أَخُو أُكَيْدِرٍ، فَقَالَ أُكَيْدِرٌ لِخَالِدٍ: تَعْلَمُ وَاَللّهِ لا يَفْتَحُونَ لِى مَا رَأَوْنِى فِى وَثَاقٍ فَخَلّ عَنّى فَلَك اللّهُ وَالأَمَانَةُ أَنْ أَفْتَحَ لَك الْحِصْنَ إنْ أَنْت صَالَحْتنِى عَلَى أَهْلِهِ، قَالَ خَالِدٌ: فَإِنّى أُصَالِحُك. فَقَالَ أُكَيْدِرٌ: إنْ شِئْت حَكّمْتُك وَإِنْ شِئْت حَكّمْنِى. قَالَ خَالِدٌ: بَلْ نَقْبَلُ مِنْك مَا أَعْطَيْت، فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفَىْ بَعِيرٍ وَثَمَانِمِائَةِ رَأْسٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ دِرْعٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ رُمْحٍ عَلَى أَنْ يَنْطَلِقَ بِهِ وَأَخِيهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَيَحْكُمَ فِيهِمَا حُكْمَهُ، فَلَمّا قَاضَاهُ خَالِدٌ عَلَى ذَلِكَ خَلّى سَبِيلَهُ فَفُتِحَ الْحِصْنُ فَدَخَلَهُ خَالِدٌ وَأَوْثَقَ أَخَاهُ مُضَادًا أَخَا أُكَيْدِرٍ، وَأَخَذَ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مِنْ الإِبِلِ وَالرّقِيقِ وَالسّلاحِ، ثُمّ خَرَجَ قَافِلاً إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ أُكَيْدِرٌ وَمُضَادٌ، فَلَمّا قَدِمَ بِأُكَيْدِرٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ صَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ وَحَقَنَ دَمَهُ وَدَمَ أَخِيهِ، وَخَلّى سَبِيلَهُمَا.

وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كِتَابًا فِيهِ أَمَانُهُمْ وَمَا صَالَحَهُمْ وَخَتَمَهُ يَوْمَئِذٍ بِظُفْرِهِ.

 

.......... فَقَالَ وَاثِلَةُ: لَقَدْ أَرَادَ اللّهُ بِك أُخَيّةُ خَيْرًا جَهّزِى أَخَاك جِهَازَ غَازٍ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ عَلَى جُنَاحِ سَفَرٍ، فَأَعْطَتْهُ مُدّا مِنْ دَقِيقٍ فَعَجَنَ الدّقِيقَ فِى الدّلْوِ وَأَعْطَتْهُ تَمْرًا فَأَخَذَهُ، وَأَقْبَلَ إلَى الْمَدِينَةِ فَوَجَدَ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ تَحَمّلَ إلَى تَبُوكَ، وَبَقِىَ عِيرَاتٌ مِنْ النّاسِ وَهُمْ عَلَى الشّخُوصِ - وَإِنّمَا رَحَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ - فَجَعَلَ يُنَادِى بِسُوقِ بَنِى قَيْنُقَاعٍ مَنْ يَحْمِلُنِى وَلَهُ سَهْمِى، قَالَ: وَكُنْت رَجُلاً لا رِجْلَةَ لِى، فَدَعَانِى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَنَا أَحْمِلُك عُقْبَةً بِاللّيْلِ وَعُقْبَةً بِالنّهَارِ، وَيَدُك أُسْوَةُ يَدِى وَلِى سَهْمُك، قَالَ وَاثِلَةُ: نَعَمْ، فَقَالَ وَاثِلَةُ بَعْدَ ذَلِكَ: جَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا لَقَدْ كَانَ يَحْمِلُنِى عُقْبَتَىّ وَيَزِيدُنِى، وَآكُلُ مَعَهُ وَيَرْفَعُ لِى، حَتّى إذَا بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى أُكَيْدِرٍ الْكِنْدِىّ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ خَرَجَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فِى جَيْشِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَخَرَجْت مَعَهُ فَأَصَبْنَا فِيهَا كَثِيرًا، فَقَسَمَهُ خَالِدٌ بَيْنَنَا، فَأَصَابَنِى سِتّ قَلائِصَ، فَأَقْبَلْت أَسُوقُهَا حَتّى جِئْت بِهَا خَيْمَةَ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، فَقُلْت: اُخْرُجْ رَحِمَك اللّهُ فَانْظُرْ إلَى قَلائِصِك فَاقْبِضْهَا فَخَرَجَ إلَىّ وَهُوَ يَتَبَسّمُ وَيَقُولُ: بَارَكَ اللّهُ لَك فِيهَا مَا حَمَلْتُك وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ آخُذَ مِنْك شَيْئًا.

وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ رَحِمَهُ اللّهُ يُحَدّثُ يَقُولُ: أَسَرْنَا أُكَيْدِرًا فَأَصَابَنِى مِنْ السّلاحِ دِرْعٌ وَبَيْضَةٌ وَرُمْحٌ وَأَصَابَنِى عَشْرٌ مِنْ الإِبِلِ.

وَكَانَ بِلالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِىّ يُحَدّثُ يَقُولُ: أَسَرْنَا أُكَيْدِرًا وَأَخَاهُ فَقَدِمْنَا بِهِمَا عَلَى النّبِىّ ÷ وَعُزِلَ يَوْمَئِذٍ لِلنّبِىّ ÷ صَفِىّ خَالِصٌ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ شَيْءٌ مِنْ الْفَىْءِ، ثُمّ خَمّسَ الْغَنَائِمَ، فَكَانَ لِلنّبِىّ ÷ الْخُمْسَ.

وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِىّ، يَقُولُ: كُنّا أَرْبَعِينَ رَجُلاً مِنْ مُزَيْنَةَ مَعَ خَالِدِ ابْنِ الْوَلِيدِ، وَكَانَتْ سُهْمَانُنَا خُمْسَ فَرَائِضِ كُلّ رَجُلٍ مَعَ سِلاحٍ، يُقَسّمُ عَلَيْنَا دِرْعٌ وَرِمَاحٌ.

قَالَ: حَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت أُكَيْدِرًا حِينَ قَدِمَ بِهِ خَالِدٌ وَعَلَيْهِ صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ وَعَلَيْهِ الدّيبَاجُ ظَاهِرٌ.

قَالَ الْوَاقِدِىّ: حَدّثَنِى شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ دُومَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ: “بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ لأُكَيْدِرٍ حِينَ أَجَابَ إلَى الإِسْلامِ، وَخَلَعَ الأَنْدَادَ، وَالأَصْنَامَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ سَيْفِ اللّهِ فِى دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَأَكْنَافِهَا، وَإِنّ لَنَا الضّاحِيَةَ مِنْ الضّحْلِ وَالْبُورِ وَالْمَعَامِى، وَأَغْفَالِ الأَرْضِ وَالْحَلْقَةِ وَالسّلاحِ وَالْحَافِرِ وَالْحِصْنِ، وَلَكُمْ الضّامِنَةُ مِنْ النّخْلِ وَالْمَعِينُ مِنْ الْمَعْمُورِ بَعْدَ الْخُمُسِ لا تُعْدَلُ سَارِحَتُكُمْ، وَلا تُعَدّ فَارِدَتُكُمْ وَلا يُحْظَرُ عَلَيْكُمْ النّبَاتُ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ عُشْرُ الْبَتَاتِ تُقِيمُونَ الصّلاةَ لِوَقْتِهَا، وَتُؤْتُونَ الزّكَاةَ لِحَقّهَا، عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَلَكُمْ بِذَلِكَ الصّدْقُ وَالْوَفَاءُ، شَهِدَ اللّهُ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِين”.

قَالَ: الضّحْلُ الّذِى فِيهِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ، وَالْبُورُ مَا لَيْسَ فِيهِ زَرْعٌ، وَالْمَعَامِى مَا لَيْسَتْ لَهُ حُدُودٌ مَعْلُومَةٌ، وَأَغْفَالُ الأَرْضِ مِيَاهٌ، وَلا تُعَدّ فَارِدَتُكُمْ يَقُولُ: لا يُعَدّ مَا يَبْلُغُ أَرْبَعِينَ شَاةً وَالْحَافِرُ الْخَيْلُ وَالْمَعِينُ الْمَاءُ الظّاهِرُ وَالضّامِنَةُ مِنْ النّخْلِ النّبَاتُ مِنْ النّخْلِ الّتِى قَدْ نَبَتَتْ عُرُوقُهَا فِى الأَرْضِ، وَلا يُحْظَرُ عَلَيْكُمْ النّبَاتُ، وَلا تُمْنَعُوا أَنْ تَزْرَعُوهُ.

قَالَ: وَأَهْدَى لَهُ هَدِيّةً فِيهَا كِسْوَةٌ وَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ كِتَابًا آمَنَهُ فِيهِ وَفِيهِ الصّلْحُ، وَآمَنَ أَخَاهُ وَوَضَعَ عَلَيْهِ فِيهِ الْجِزْيَةَ، فَلَمْ يَكُ فِى يَدِ النّبِىّ ÷ خَاتَمٌ فَخَتَمَهُ بِظُفْرِهِ.

 

ربما يقال كان محمد يسعى لتأسيس دولة والتوسع آخذًا بالأساليب الدنيوية أو الزمنية، إذن بعد تلوثه بدماء الأبرياء لاتقولوا أنه نبيّ، فما ذنب رجل بريء لم يقتل نفسًا أن يقتل وتسرق منه ثيابه، ولا فارق في القصة عند ابن إسحاق سوى أنه يجعل الثوب المسروق ملكًا لأكيدر وليس أخاه المقتول حسانًا. فتلك أخلاق أصوليي المسلمين منذ نشؤوا، ونجد تأسيس أسلوب الفتح الإسلامي كاحتلال بنظام "صلح الفتح" بشروط النهب والإتاوات، فقد نهب محمد وصحبه بالإجبار من أغنام ومواشي وأموال المملكة المسيحية الصغيرة البائسة، والحقيقة أن الوصف السليم لها أنها إمارة، كذلك  نجد تعامل الإسلام في الرقيق والاستعباد برعاية محمد وإسلامه، دون أي تغيير على النظام الهمجي الظالم القديم في عصور الظلام، فقد اشترط تسلم 800 مستعبَد من مستعبدي إمارة دومة الجندل، وبعد لما كان محمد يريد إقامة دولة فقد أقامها دولة عنصرية كريهة بغيضة، فلم يؤسس دولة مواطنة ومساواة بين الناس، بل وضع على فئات غير المسلمين الجزية والخراج والتمييز العنصري. ومن ضمن النهب كان محمد دومًا له قبل تقسيم الغنائم والمسروقات شيء يسمَّى الصَفيّ وهو شيء يختاره من الغنيمة لنفسه، وعند التقسيم له خُمس الغنائم يتصرف فيها كيفما شاء، لذا نقول أنه كان ثريًّا حقًّا بلا ريب. ونجد مضمون الشروط الاستيلاء على خيولهم وبعض أراضيهم وعلى الحصن. بعد موت محمد تمرد أكيدر وهو الشهير بالشجاعة ونقض شروط الإذلال والنهب المسماة (صلح) فقتله خالد بن الوليد وقمع انفصاله. أما لفظ حين أجاب الإسلام وخلع الأنداد والأصنام فلفظ ضعيف منكر ولا تذكر كتب التاريخ ولا الحديث إسلام أكيدر كما أن المسيحيين لا يعبدون أصنامًا.

 

شواهد كتب الحديث:

 

روى البخاري:

 

2615 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا»،

 

2616 - وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: «إِنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

 

وروى مسلم:

 

2071- وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ ، قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ : أَخْبَرَنَا ، وقَالَ الآخَرَانِ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ حَرِيرٍ ، فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا ، فَقَالَ : شَقِّقْهُ خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ.

وقَالَ أَبُو بَكْرٍ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ : بَيْنَ النِّسْوَةِ.

 

2469- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، أَنَّهُ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةٌ مِنْ سُنْدُسٍ ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا ، فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَنَادِيلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا.

 

2469- حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ , أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً , فَذَكَرَ نَحْوَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ , وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

12223 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَانَ وَاقِدٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، وَأَعْظَمِهِمْ، وَأَطْوَلِهِمْ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ: أَنَا وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: إِنَّكَ بِسَعْدٍ أَشْبَهُ، ثُمَّ بَكَى وَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ، فَقَالَ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَى سَعْدٍ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ، وَأَطْوَلِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا إِلَى أُكَيْدِرَ دُومَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةٍ مِنْ دِيبَاجٍ مَنْسُوجٍ فِيهَا الذَّهَبُ، فَلَبِسَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ - أَوْ جَلَسَ -، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْمِسُونَ الْجُبَّةَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا ؟ " قَالُوا: مَا رَأَيْنَا ثَوْبًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ، أَحْسَنُ مِمَّا تَرَوْنَ "

 

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الصحيح غير محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي- فهو صدوق حسن الحديث، وروى له البخاري مقروناً بغيره، ومسلم في المتابعات.

وأخرجه المصنف في "فضائل الصحابة" (1495) ، وابن سعد 3/435-436، وابن حبان (7037) ، والبيهقي 3/273-274 من طريق يزيد ابن هارون، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة (37952) 12/144 و14/413، والترمذي (1723) ، والنسائي 5715 من طرق عن محمد بن عمرو، به. ورواه أحمد بعدة أسانيد بأرقام (12093) و(12223) و(13148) و(13492) و(13188) و(13395) و(13455) و(13938). وأخرجه الحميدي (1203) عن سفيان بن عيينة، به. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (5347) ، وفي "مسند الشاميين" (1693) من طريق الزهري، عن أنس. وأخرجه أبو عوانة في المناقب كما في "الإتحاف" 2/216، والطحاوي 4/247، وابن حبان (7038) من طريق محمد بن سواء، عن سعيد بن أبي عروبة، بهذا الإسناد.

 

لكن في حقيقة الأمر أكيدر لم يهدِ محمدًا شيئًا، بل هذا القباء سرقه خالد بن الوليد بعدما قتل حسانًا أخا أكيدر، ثم سلبه ثيابه وأعطاها محمدًا، فعلى مسلمي اليوم أن يعرفوا أخلاق محمد وأصحابه الحقيقية! إنه أوان الاستيقاظ والاستفاقة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فرض الجزية (الإتاوة العنصرية) على أيلة

 وجرباء وأذرح وتيماء والمقنا

 

يقول محمد بن سعد أن محمدًا أرسل رسالة تهديد إرهابية إلى يوحنا بن روبة، ففي الطبقات الكبير ج1/ ذِكْرُ بِعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّسُلَ بِكُتُبِهِ إِلَى الملوك يدعوهم إلى الْإِسْلَام وما كتب بِهِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لناس مِن العرب وغيرهم، يورد نص رسالة محمد لرؤبة وشروطه:

 

قَالُوا: وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى يُحَنَّةَ بْنِ رُوبَةَ وَسَرَوَاتِ أَهْلِ أَيْلَةَ: سَلْمٌ أَنْتُمْ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لأُقَاتِلَكُمْ حَتَّى أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ فَأَسْلِمْ أَوْ أَعْطِ الْجِزْيَةَ وَأَطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَرُسُلَ رَسُولِهِ وَأَكْرِمْهُمْ وَاكْسُهُمْ كِسْوَةً حَسَنَةً غَيْرَ كِسْوَةِ الْغُزَّاءِ. وَاكْسُ زَيْدًا كِسْوَةً حَسَنَةً فَمَهْمَا رَضِيَتْ رُسُلِي فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُ وَقَدْ عُلِمَ الْجِزْيَةَ. فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَأْمَنَ الْبَرُّ وَالْبَحْرُ فَأَطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُمْنَعُ عَنْكُمْ كُلُّ حَقٍّ كَانَ لِلْعَرَبِ وَالْعَجَمِ إِلا حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ رَسُولِهِ وَإِنَّكَ إِنْ رَدَدْتَهُمْ وَلَمْ تُرْضِهِمْ لا آخُذُ مِنْكُمْ شَيْئًا حَتَّى أُقَاتِلَكُمْ فَأَسْبِيَ الصَّغِيرَ وَأَقْتُلَ الكبير فإني رسول الله بالحق أؤمن بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبِالْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ أَنَّهُ كلمة الله وإني أؤمن بِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأْتِ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّكُمُ الشَّرُّ فَإِنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ رُسُلِي بِكُمْ وَأَعْطِ حَرْمَلَةَ ثَلاثَةَ أَوْسُقٍ شَعِيرًا وَإِنَّ حَرْمَلَةَ شَفَعَ لَكُمْ وَإِنِّي لَوْلا اللَّهُ وَذَلِكَ لَمْ أُرَاسِلْكُمْ شَيْئًا حَتَّى تَرَى الْجَيْشَ وَإِنَّكُمْ إِنْ أَطَعْتُمْ رُسُلِي فَإِنَّ اللَّهَ لَكُمْ جَارٌ وَمُحَمَّدٌ وَمَنْ يَكُونُ مِنْهُ وَإِنَّ رسلي شرحبيل وأبي وَحَرْمَلَةَ وَحُرَيْثَ بْنَ زَيْدٍ الطَّائِيَّ فَإِنَّهُمْ مَهْمَا قَاضُوكَ عَلَيْهِ فَقَدْ رَضِيتُهُ وَإِنَّ لَكُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ إِنْ أَطَعْتُمْ. وَجَهِّزُوا أَهْلَ مَقْنَا إِلَى أَرْضِهِمْ.

 

قالوا: وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَنِي جَنْبَةَ وَهُمْ يَهُودُ بِمَقْنَا وإلى أهل مقنا.

وَمَقْنَا قَرِيبٌ مِنْ أَيْلَةَ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ نَزَلَ عَلَيَّ أَيُّتُكُمْ رَاجِعِينَ إِلَى قَرْيَتِكُمْ فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَإِنَّكُمْ آمِنُونَ لَكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ غَافِرٌ لَكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَكُلَّ ذُنُوبِكُمْ وَإِنَّ لَكُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ لا ظُلْمَ عَلَيْكُمْ وَلا عِدًى وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ جَارُكُمْ مِمَّا مَنَعَ مِنْهُ نَفْسَهُ فَإِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ بَزَّكُمْ وَكُلَّ رَقِيقٍ فِيكُمْ وَالْكُرَاعَ وَالْحَلْقَةَ إِلا مَا عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ رُبُعَ مَا أَخْرَجَتْ نَخْلُكُمْ وَرُبُعَ مَا صَادَتْ عُرُوكُكُمْ وَرُبُعَ مَا اغْتَزَلَ نِسَاؤُكُمْ وَإِنَّكُمْ بَرِئْتُمْ بَعْدُ مِنْ كُلِّ جِزْيَةٍ أَوْ سُخْرَةٍ فَإِنْ سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ فَإِنَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ كَرِيمَكُمْ وَيَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِكُمْ.

أَمَّا بَعْدُ فَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مَنْ أَطْلَعَ أَهْلَ مَقْنَا بِخَيْرٍ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَمَنْ أَطْلَعَهُمْ بِشْرٍ فَهُوَ شَرٌّ لَهُ وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَمِيرٌ إِلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَوْ مِنْ أَهْلِ رَسُولِ اللَّهِ وَالسَّلامُ.

 

أَمَّا قَوْلُهُ أَيَّتُكُمْ يَعْنِي رُسُلَهُمْ. وَلِرَسُولِ اللَّهِ بَزُّكُمْ يَعْنِي بَزَّهُمُ الَّذِي يُصَالِحُونَ عَلَيْهِ فِي صُلْحِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ. وَالْحَلْقَةُ مَا جَمَعَتِ الدَّارُ مِنْ سِلاحٍ أَوْ مَالٍ. وَأَمَّا عُرُوكُكُمْ.

فَالْعُرُوكُ خَشَبٌ تُلْقَى فِي الْبَحْرِ يَرْكَبُونَ عَلَيْهَا فَيُلْقُونَ شِبَاكَهُمْ يَصِيدُونَ السَّمَكَ.

 

شروط وتهديدات لصوصية بلطجية، وطلب ثياب لرسله ومراضاتهم وإلا فعل بهم الأفاعيل وقتّلهم وخطف نساءهم وأطفالهم! إرهاب بكل ما في الكلمة من مفهوم ومدلول.

 

ونص الشروط الظالمة العنصرية (الصلح) واحد عند ابن إسحاق والواقدي، سوى أن الأخير تفاصيله أكثر:

 

وَكَانَتْ دُومَةُ، وَأَيْلَةُ، وَتَيْمَاءُ، قَدْ خَافُوا النّبِىّ ÷ لَمّا رَأَوْا الْعَرَبَ قَدْ أَسْلَمَتْ، وَقَدِمَ يُحَنّةُ بْنُ رُؤْبَةَ عَلَى النّبِىّ ÷ وَكَانَ مَلَكَ أَيْلَةَ، وَأَشْفَقُوا أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ كَمَا بَعَثَ إلَى أُكَيْدِرٍ، وَأَقْبَلَ مَعَهُ أَهْلُ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، فَأَتَوْهُ فَصَالَحَهُمْ فَقَطَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ جِزْيَةً مَعْلُومَةً. وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا: “بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا أَمَنَةٌ مِنْ اللّهِ وَمُحَمّدٍ النّبِىّ رَسُولِ اللّهِ لِيَحْنَةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ، لِسُفُنِهِمْ وَسَائِرِهِمْ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ لَهُمْ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ، وَلِمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الشّامِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ وَأَهْلِ الْبَحْرِ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَإِنّهُ لا يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ، وَإِنّهُ طَيّبٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ النّاسِ، وَإِنّهُ لا يَحِلّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يُرِيدُونَهُ، وَلا طَرِيقًا يُرِيدُونَهُ مِنْ بَرّ أَوْ بَحْرٍ”.

هَذَا كِتَابُ جُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ وَشُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ بِإِذْنِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ أَيْلَةَ؛ ثَلاثَمِائَةِ دِينَارٍ كُلّ سَنَةٍ وَكَانُوا ثَلاثَمِائَةِ رَجُلٍ.

قَالَ: حَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت يُحَنّةَ بْنَ رُؤْبَةَ يَوْمَ أُتِىَ بِهِ إلَى النّبِىّ ÷ عَلَيْهِ صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ وَهُوَ مَعْقُودُ النّاصِيَةِ، فَلَمّا رَأَى النّبِىّ ÷ كَفّرَ وَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ فَأَوْمَأَ إلَيْهِ النّبِىّ ÷ ارْفَعْ رَأْسَك وَصَالَحَهُ يَوْمَئِذٍ وَكَسَاهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بُرْدًا يُمْنَةً وَأَمَرَ لَهُ بِمَنْزِلٍ عِنْدَ بِلالٍ.

 

وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأَهْلِ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ: “هَذَا الْكِتَابَ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِىّ رَسُولِ اللّهِ لأَهْلِ أَذْرُحَ؛ أَنّهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللّهِ وَأَمَانِ مُحَمّدٍ وَأَنّ عَلَيْهِمْ مِائَةَ دِينَارٍ فِى كُلّ رَجَبٍ وَافِيَةٍ طَيّبَةٍ، وَاَللّهُ كَفِيلٌ عَلَيْهِمْ”.

قَالَ الْوَاقِدِىّ: نَسَخْت كِتَابَ أَذْرُحَ وَإِذَا فِيهِ: “بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِىّ ÷ لأَهْلِ أَذْرُحَ، أَنّهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللّهِ وَأَمَانِ مُحَمّدٍ، وَأَنّ عَلَيْهِمْ مِائَةَ دِينَارٍ فِى كُلّ رَجَبٍ وَافِيَةٍ طَيّبَةٍ، وَاَللّهُ كَفِيلٌ عَلَيْهِمْ بِالنّصْحِ وَالإِحْسَانِ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَنْ لَجَأَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَخَافَةِ وَالتّعْزِيرِ إذْ خَشَوْا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ آمِنُونَ حَتّى يُحْدِثَ إلَيْهِمْ مُحَمّدٌ قَبْلَ خُرُوجِه”.

قَالُوا: وَكَتَبَ لأَهْلِ مَقْنَا أَنّهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللّهِ وَأَمَانِ مُحَمّدٍ وَأَنّ عَلَيْهِمْ رُبْعَ غُزُولِهِمْ وَرُبْعَ ثِمَارِهِمْ.

 

في الطبقات لابن سعد شرح معاني كلمات:

 

حَتَّى يُحَدِّثَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ قَبْلَ خُرُوجِهِ. يَعْنِي إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ.

 

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [=الواقدي شيخه]: وَأَهْلُ مَقْنَا يَهُودٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ وَأَهْلُ جَرْبَا وَأَذْرُحَ يَهُودٌ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ طَيِّبَةً. يَعْنِي مِنَ الْخَلاصِ أَيْ ذَهَبٌ خَالِصٌ. وَقَوْلُهُ خُرُوجُهُ. يَعْنِي إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ.

 

.... قالوا: وكتب رسول الله ص: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ محمد رسول الله لبني غاديا أنَّ لَهُمُ الذِّمَّةَ وَعَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَلا عَدَاءَ وَلا جَلاءَ. اللَّيْلُ مَدٌّ وَالنَّهَارُ شَدٌّ. وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ يَهُودَ. وَقَوْلُهُ مَدٌّ. يَقُولُ: يَمُدُّهُ اللَّيْلُ وَيَشُدُّهُ النَّهَارُ لا يَنْقُضُهُ شَيْءٌ.

 

ومن لفظ ابن إسحاق:

 

ولما انتهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى تَبُوك، أتاه يُحَنَّة بن رُؤبة، صاحب أيْلة، فصالح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جَرباء وأذْرُح، فأعطوه الجزية، فكتب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لهم كتابا، فهو عندهم....إلخ

 

دولة الظلم والعنصرية_ الدولة الدينية الشمولية_ لا تقوم على مفهوم المواطنة والأخوة والتساوي بين البشر، بل على التمييز العنصري والإتاوات وإذلال باقي بني البشر. عمى وانعدام بصيرة لحقيقة التساوي والوحدة والأصل الواحد لجنس البشر. أما أهل مقنا من يهود فيحتمل أنهم حاولوا مقاومة الاحتلال والاستغلال ومص دمائهم واستنزاف جهدهم وتعبهم، وظاهر رسالة محمد اللطف معهم وباطنه الأذى الشديد بجزية ثقيلة قاصمة للظهور هي ربع أرزاقهم مما يزرعون ويصيدون ويغزلون، مع استيلائه على كل أسلحتهم ضمن شروطه.

 

مواضع البلدات المذكورة حسب معجم البلدان لياقوت الحموي:

 

أَيْلَة:

بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم (البحر الأحمر) مما يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام

 

أذْرُح:

قال ابن الوضّاح: هي من فلسطين. وهو غلط منه، وإنما هي في قبلي فلسطين من ناحية الشراة. وفي كتاب مسلم بن الحجاج: بين أذرح والجرباء ثلاثة أيام. وحدثني الأمير شرف الدين يعقوب بن الحسن الهذياني، قبيل من الأكراد ينزلون في نواحي الموصل، قال: رأيت أذرح والجرباء غير مرة، وبينهما ميل واحد وأقلّ، لأن الواقف في هذه، ينظر هذه

 

الجرْباءُ:

كأنه تأنيث الأجرب: موضع من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشام قرب جبال السراة من ناحية الحجاز، وهي قرية من أذرح التي تقدم ذكرها

 

جَرْبَى:

قال أبو بكر محمد ابن موسى: من بلاد الشام كان أهلها يهودا، كتب لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما قدم عليه يحنّه بن رؤبة صاحب إيلة بقوم منهم من أهل أذرح يطلبون الأمان كتابا على أن يؤدوا الجزية وقد روي بالمدّ، وقد تقدّم.

 

مقنا:

قرب أيلة...إلخ

 

هذه هي التعاملات المبكرة والتعارف بين الإسلام وأهل الشام_تحديدًا هنا فلسطين والأردن_ كغزوة ذات أطلاح ودَوْمَة الجندل ودُوُمة الجندل وكفرض الجزية والنهب على الشعب.

 

ثم يحكي الواقدي تفاصيل عن عطاء إقطاعي كالمعتاد:

 

وَكَانَ عُبَيْدُ بْنُ يَاسِرِ بْنِ نُمَيْرٍ أَحَدَ سَعْدِ اللّهِ، وَرَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ أَحَدَ بَنِى وَائِلٍ، قَدِمَا عَلَى النّبِىّ ÷ بِتَبُوكَ، فَأَسْلَمَا وَأَعْطَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ ÷ رُبْعَ مَقْنَا مِمّا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ، وَمِنْ الثّمَرِ مِنْ نَخْلِهَا، وَرُبْعَ الْمَغْزِلِ.

وَكَانَ عُبَيْدُ بْنُ يَاسِرٍ فَارِسًا، وَكَانَ الْجُذَامِىّ رَاجِلاً، فَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ فَرَسَ عُبَيْدِ بْنِ يَاسِرٍ مِائَةَ ضَفِيرَةٍ - وَالضّفِيرَةُ الْحُلّةُ - فَلَمْ يَزَلْ يَجْرِى ذَلِكَ عَلَى بَنِى سَعْدٍ، وَبَنِىّ وَائِلٍ إلَى يَوْمِ النّاسِ هَذَا.

ثُمّ إنّ عُبَيْدَ بْنَ يَاسِرٍ قَدِمَ مَقْنَا وَبِهَا يَهُودِيّةٌ وَكَانَتْ الْيَهُودِيّةُ تَقُومُ عَلَى فَرَسِهِ فَأَعْطَاهَا سِتّينَ ضَفِيرَةً مِنْ ضَفَائِرِ فَرَسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَجْرِى عَلَى الْيَهُودِيّةِ حَتّى نُزِعَتْ آخِرَ زَمَانِ بَنِى أُمَيّةَ فَلَمْ تُرَدّ إلَيْهَا، وَلا إلَى وَلَدِ عُبَيْدٍ.

وَكَانَ عُبَيْدٌ قَدْ أَهْدَى لِلنّبِىّ ÷ فَرَسًا عَتِيقًا، يُقَالُ لَهُ: مُرَاوِحُ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ سَابِقْ فَأَجْرَى رَسُولُ اللّهِ ÷ الْخَيْلَ بِتَبُوكَ فَسَبَقَ الْفَرَسُ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْهُ فَسَأَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْفَرَسَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَيْنَ سَبْحَةُ”؟ فَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ قَدْ شَهِدَ عَلَيْهَا بَدْرًا. قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ عِنْدِى، وَقَدْ كَبِرَتْ وَأَنَا أَضِنّ بِهَا لِلْمَوَاطِنِ الّتِى شَهِدْت عَلَيْهَا؛ وَقَدْ خَلّفْتهَا لِبُعْدِ هَذَا السّفَرِ وَشِدّةِ الْحَرّ عَلَيْهَا، فَأَرَدْت أُحَمّلُ هَذَا الْفَرَسَ الْمُعْرِقَ عَلَيْهَا فَتَأْتِينِى بِمُهْرٍ. قَالَ النّبِىّ ÷: “فَذَاكَ إذًا فَقَبَضَهُ الْمِقْدَادُ، فَخَبِرَ مِنْهُ صِدْقًا”، ثُمّ حَمّلَهُ عَلَى سَبْحَةَ فَنَتَجَتْ لَهُ مُهْرًا كَانَ سَابِقًا يُقَالُ لَهُ: الذّيّالُ سَبَقَ فِى عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فَابْتَاعَهُ مِنْهُ عُثْمَانُ بِثَلاثِينَ أَلْفًا.

 

ببساطة كانت حالة محمد المزاجية جيدة لأجل هذه الهدية، الفرس، فهو رجل يحب التقدير والمجاملات، فمنح مهديه ربع عوائد مقنا، وهذا سهل عليه فليس هو من يعمل أو يشقى لنيل تلك الأرزاق بل سكان مقنا هم من يتعبون فيها. مجددًا أقول العطاآت الإقطاعية دليل على انعدام عدالة اجتماعية وتوزيع غير عادل للثروات، ومن ضمن نهب أموال سكان مكان لمنح ربعها لشخص واحد.

 

 

شواهد من كتب الحديث:

 

روى البخاري:

 

1481 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ اخْرُصُوا وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ فَعَقَلْنَاهَا وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّءٍ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ فَلَمَّا أَتَى وَادِيَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ قَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...إلخ

 

3161 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ

ورواه أحمد بن حنبل 23604

وروى مسلم نفس الخبر، لكن عنده أن يوحنا بن روبة لم يذهب بنفسه، بل أرسل رسولًا:

[ 1392 ] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَأَتَيْنَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةٍ لاِمْرَأَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اخْرُصُوهَا فَخَرَصْنَاهَا وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، وَقَالَ: أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ, وَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلاَ يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ، وَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ، صَاحِبِ أَيْلَةَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا؟ فَقَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ...إلخ

[ 1392 ] حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي قالا حدثنا وهيب حدثنا عمرو بن يحيى بهذا الإسناد إلى قوله وفي كل دور الأنصار خير ولم يذكر ما بعده من قصة سعد بن عبادة وزاد في حديث وهيب فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم ولم يذكر في حديث وهيب فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم

وروى البخاري:

2585 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا لَمْ يَذْكُرْ وَكِيعٌ وَمُحَاضِرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.

ورواه أحمد 24591 وأبو داود (3536) وابن راهويه (773) ، وعبد بن حميد (1503) ، والبخاري (2585) ، وأبو داود (3536) ، والترمذي في "جامعه" (1953) ، وفي "الشمائل" (350) ، والعجلي في "الثقات" ص425 ، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (355) ، والطبراني في "الأوسط" (8027) ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي" ص233 - 234 ، والبيهقي في "السنن" 6 / 180 ، والخطيب في "تاريخ بغداد" 4 / 223 ، وابن عبد البر في "التمهيد" 2 / 12 - 13 ، والبغوي في "شرح السنة" (1610) ، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" 10 / 594، وابن أبي شيبة 6 / 551 وابنُ عدي في "الكامل" 2 / 696 - 697  بأسانيدهم.

 

 

هدم صنم وُدّ وقتل سدنته وبعض عباده

 

جاء في كتاب الأصنام للكلبي:

 

قال أبو المنذر‏:‏ قال الكلبي‏:‏ فحدثني مالك بن حارثة الأجداري أنه رآه يعني ودا‏.‏ قال‏:‏ وكان أبي يبعثنى باللين إليه فيقول‏:‏ اسقه إلهك‏.‏ قال‏:‏ فأشربه‏.‏ قال‏:‏ ثم رأيت خالد بن الوليد بعد كسره فجعله جذاذاً‏.‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏بعث خالد بن الوليد من غزوة تبوك لهدمه‏.‏

فحالت بينه وبين هدمه بنو عبد ود وبنو عامر الأجدار‏.‏ فقاتلهم حتى قتلهم‏.‏ فهدمه وكسره‏.‏ وكان فيمن قتل يومئذٍ رجل من بني عبد ود يقال له قطن بن شريح‏.‏

 

فأقبلت أمه فرأته مقتولا فأشارت تقول‏:

ألا تلك المودّة لا تدوم              ولا يبقى على الدهر النعيم!‏

ولا يبقى على الحدثان غفر          له أم بشاهقةٍ رءوم‏!‏

ثم قالت‏:

‏يا جامعاً جامع الأحشاء والكبد‏!‏       يا ليت أمك لم تولد ولم تلد‏!‏

ثم أكبت عليه فشهقت شهقةً فماتت‏.‏

 

وقُتِل أيضًا حسان بن مصادٍ ابن عم الأكيدر صاحب دومة الجندل‏.‏ وهدمه خالد‏.‏

 

قال الكلبي‏:‏ فقلت لمالك بن حارثة‏:‏ صف لي وداً حتى كأنى أنظر إليه‏.‏ قال‏:‏ كان تمثال رجلٍ كأعظم ما يكون من الرجال قد ذبر عليه حلتان متزر بحلة مرتدٍ بأخرى‏.‏ عليه سيف قد تقلده وقد تنكب قوسا وبين يديه حربة فيها لواء ووفضة أي جعبة فيها نبل‏.‏

وفد ثقيف

 

بعد انصراف محمد عن حصار الطائف، نعلم من أخبار تاريخية في كتب الأحاديث أن جيشًا أو سرية من متعصبي ومتهوِّسي مسلمي قبيلة أحمس بقيادة  صخر بن العيلة استمروا في حصار ثقيف بمدينة الطائف والهجوم والإغارة عليها للنهب والاستعباد لإكراههم بالإرهاب والترويع والغارات على اتباع ديانة محمد.

 

روى أبو داوود في سننه:

 

3067 - حدثنا عمر بن الخطاب أبو حفص قال ثنا الفريابي قال ثنا أبانن قال عمر وهو ابن عبد الله بن أبي حازم قال حدثني عثمان بن أبي حازم عن أبيه عن جده صخر

أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا ثقيفا فلما أن سمع ذلك صخر ركب في خيل يمد النبي صلى الله عليه و سلم فوجد نبي الله صلى الله عليه و سلم قد انصرف ولم يفتح فجعل صخر يومئذ عهد الله وذمته أن لا يفارق هذا القصر حتى ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يفارقهم حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فكتب إليه صخر أما بعد فإن ثقيفا قد نزلت على حكمك يارسول الله وأنا مقبل إليهم وهم في خيل فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة جامعة فدعا لأحمس عشر دعوات: "اللهم بارك لأحمس في خيلها ورجالها" وأتاه القوم فتكلم المغيرة بن شعبة فقال يا نبي الله إن صخرا أخذ عمتي ودخلت فيما دخل فيه المسلمون فدعاه فقال: "يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم فادفع إلى المغيرة عمته" فدفعها إليه وسأل نبي الله صلى الله عليه وسلم: "ما لبني سليم قد هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء ؟" فقال يا نبي الله أنزلنيه أنا وقومي قال: "نعم" فأنزله وأسلم يعني السليميين فأتوا صخرا فسألوه أن يدفع إليهم الماء فأبى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله أسلمنا وأتينا صخرا ليدفع إلينا ماءنا فأبى علينا فأتاه فقال: "يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم فادفع إلى القوم ماءهم" قال نعم يا نبي الله فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير عند ذلك حمرة حياء من أخذه الجارية وأخذه الماء .

 

بعض علماء الحديث حسنوا الإسناد، والبعض ضعفوه، وفي إسناده أبان قال عنه الحافظ بن حجر في تقريب التهذيب: صدوق في حفظه لين، وعثمان لم يوثقه إلا ابن حبان. وروي بأسانيد متعددة على اختلاف في مسند أحمد 18778 وسنن الدارمي (1673) و(1674) و (2480) وابن أبي شيبة 34118 ووالطبراني في "الكبير" (7279) و(7280) والبخاري في "التاريخ الكبير" 4/310-311 والبيهقي في "السنن الكبرى" 9/114 ومحمد بن سعد في الطبقات الكبير في ج6 بترجمة صخر بن العيلة.

 

وعلى كلٍ لكونه حكاية تأريخية وليس حكمًا أو شعيرة دينية، فلنا أن نأخذ به، حيث يظهر به الصدق والتوثيق بذكر الأحداث والأسماء بمصداقية تأريخية. هذا بالإضافة إلى غارات مالك بن عوف وقد خان قومه ليستنقذ قريباته المخطوفات ويكسب أموالًا باتباع محمد ومشاركته العنف.

 

ونرى هنا التشريع الإسلامي العدواني الإرهابي الذي يبيح نهب واستعباد الوثنيين وسفك دمائهم وقتلهم. وهذا الضغط الإرهابي العسكري مع ما سنحكيه أدناه عن تهديد محمد من خلال وفد ثقيف لقوم ثقيف يجعلنا نحكم بأنهم اتبعوا ديانة ودعوة محمد بالإكراه وبصورة باطلة تضاد حق الإنسان الأصيل في اختيار ما يعتقد ويمارس في حياته. ونرى الإكراه البغيض لبعض بني سليم.

 

وذكر لنا ابن هشام عن ابن إسحاق، والواقدي، والحاكم في المستدرك 6579، والطبراني في المعجم الكبير 374 ومحمد بن سعد في الطبقات الكبير أن بعد انصراف محمد عن حصار الطائف، أتى ثقيفًا بعد استئذان محمد رجل منهم هو عروة بن مسعود الثقفي، ليدعوهم إلى الإسلام، والحق أنه كان رجلًا لطيفًا دعا بشكل سلمي لظنه أنه يفعل خيرًا وهداية ومثالًا أعلى، لكن قومه كانوا للتو خرجوا من حرب أذاهم فيها محمد أشد الأذى والضرر، وبالنسبة لهم كان مواطنهم عميلًا ورسولًا من عدوهم فكان أن قتلوه بتصرف ومشاعر مفهومة، والحق أنه كان رجلًا نبيلًا محبًّا لقومه فرفض دعوة من أرادوا الثأر له من عشيرته الوثنية، وقد أدى مقتله لانشقاق بعض أسرته وإسلامها واتباعها لمحمد، ونلاحظ مدى قوة عاطفة القرابة عند متعددي الآلهة، لدرجة التعصب القبلي، على عكس المسلمين الذين كان بعضهم تعصبًا وإرهابًا يقتل أباه في حرب لمجرد أن عقيدته وثنية تؤمن بتعدد الآلهة الخرافية بدلًا من إله خرافي واحد. ولنسرد السياق من الواقدي لأنه أكمل:

 

قُدُومُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ

قَالُوا: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ حَاصَرَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطّائِفِ بجرش، يَتَعَلّمُ عَمَلَ الدّبّابَاتِ وَالْمَنْجَنِيقِ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الطّائِفِ بَعْدَ أَنْ وَلّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَمِلَ الدّبّابَاتِ وَالْمَنْجَنِيقَ وَالْعَرّادَاتِ وَأَعَدّ ذَلِكَ حَتّى قَذَفَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِي قَلْبِهِ الْإِسْلَامَ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اِيذَنْ لِي فَآتِيَ قَوْمِي فأدعوهم إلى الإسلام، فو الله مَا رَأَيْت مِثْلَ هَذَا الدّينِ ذَهَبَ عَنْهُ ذَاهِبٌ، فَأَقْدَمُ عَلَى أَصْحَابِي وَقَوْمِي بِخَيْرِ قَادِمٍ، وَمَا قَدِمَ وَافِدٌ قَطّ عَلَى قَوْمِهِ إلّا مَنْ قَدِمَ بِمِثْلِ مَا قَدِمْت بِهِ، وَقَدْ سَبَقْت يَا رَسُولَ اللهِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّهُمْ إذًا قَاتِلُوك! قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَأَنَا أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِ أَوْلَادِهِمْ. ثُمّ اسْتَأْذَنَهُ الثّانِيَةَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ الْأَوّلَ، وَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم إذًا قَاتِلُوك. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ وَجَدُونِي نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي.

وَاسْتَأْذَنَهُ الثّالِثَةَ فَقَالَ: إنْ شِئْت فَاخْرُجْ! فَخَرَجَ إلَى الطّائِفِ فَسَارَ إلَيْهَا خَمْسًا، فَقَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ عِشَاءً فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَأَنْكَرَ قَوْمُهُ دُخُولَهُ مَنْزِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الرّبّةَ : ثُمّ قَالُوا: السّفَرُ قَدْ حَصَرَهُ. فجاءوا مَنْزِلَهُ فَحَيّوْهُ تَحِيّةَ الشّرْكِ، فَكَانَ أَوّلَ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَحِيّةُ الشّرْكِ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَنّةِ. ثُمّ دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَتَتّهِمُونَنِي؟ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنّي أَوْسَطُكُمْ نَسَبًا، وَأَكْثَرُكُمْ مَالًا، وَأَعَزّكُمْ نَفَرًا؟ فَمَا حَمَلَنِي عَلَى الْإِسْلَامِ إلّا أَنّي رَأَيْت أَمْرًا لَا يَذْهَبُ عَنْهُ ذَاهِبٌ! فَاقْبَلُوا نُصْحِي، وَلَا تَسْتَعْصُونِي، فو الله مَا قَدِمَ وَافِدٌ عَلَى قَوْمٍ بِأَفْضَلَ مِمّا قَدِمْت بِهِ عَلَيْكُمْ! فَاتّهَمُوهُ، وَاسْتَغَشّوهُ، وَقَالُوا: قَدْ وَاللّاتِ وَقَعَ فِي أَنْفُسِنَا حَيْثُ لَمْ تَقْرَبْ الرّبّةَ، وَلَمْ تَحْلِقْ رَأْسَك عِنْدَهَا أَنّك قَدْ صَبَوْت! فَآذَوْهُ، وَنَالُوا مِنْهُ، وَحَلُمَ عَلَيْهِمْ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ يَأْتَمِرُونَ كَيْفَ يَصْنَعُونَ بِهِ، حَتّى إذا طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْفَى عَلَى غُرْفَةٍ لَهُ فَأَذّنَ بِالصّلَاةِ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ رَهْطِهِ مِنْ الْأَحْلَافِ يُقَالُ لَهُ وَهْبُ بْنُ جَابِرٍ- وَيُقَالُ: رَمَاهُ أَوْسُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ بَنِي مَالِكٍ، وَهَذَا أَثْبَتُ عِنْدَنَا- وَكَانَ عُرْوَةُ رَجُلًا مِنْ الْأَحْلَافِ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَلَمْ يَرْقَأْ دَمُهُ. وَحُشِدَ قَوْمُهُ فِي السّلَاحِ، وَجُمِعَ الْآخَرُونَ وَتَجَايَشُوا، فَلَمّا رَأَى عُرْوَةُ مَا يَصْنَعُونَ قَالَ: لَا تَقْتَتِلُوا فِيّ، فَإِنّي قَدْ تَصَدّقْت بِدَمِي عَلَى صَاحِبِهِ لِيُصْلِحَ بِذَلِكَ بَيْنَكُمْ، فَهِيَ كَرَامَةُ اللهِ أَكْرَمَنِي اللهُ بِهَا، الشّهَادَةُ سَاقَهَا اللهُ إلَيّ، أَشْهَدُ أَنّ محمّدا رسول الله، خبّرنى عنكم هذا أَنّكُمْ تَقْتُلُونَنِي! ثُمّ قَالَ لِرَهْطِهِ: ادْفِنُونِي مَعَ الشّهَدَاءِ الّذِينَ قُتِلُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ عَنْكُمْ. قَالَ: فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ. وَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُهُ فَقَالَ: مَثَلُ عُرْوَةَ مَثَلُ صَاحِبِ يَاسِينَ، دَعَا قَوْمَهُ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ فَقَتَلُوه.

وَيُقَالُ: إنّ عُرْوَةَ لَمْ يَقْدَمْ الْمَدِينَةَ. وَإِنّمَا لَحِقَ رَسُولَ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ فَأَسْلَمَ ثُمّ انْصَرَفَ، وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا.

 

فَلَمّا قُتِلَ عُرْوَةُ، قَالَ ابْنُهُ أَبُو مُلَيْحٍ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنُ أَخِيهِ قَارِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ لِأَهْلِ الطّائِفِ: لَا نُجَامِعُكُمْ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، وَقَدْ قَتَلْتُمْ عُرْوَةَ. ثُمّ لَحِقَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَوَلّيَا مَنْ شِئْتُمَا. قَالَا: نَتَوَلّى اللهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَخَالُكُمَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب، حَالِفَاهُ.

فَفَعَلَا، وَنَزَلَا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَأَقَامَا بِالْمَدِينَةِ حَتّى قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ.

 

بعد رجوع محمد من غزوة تبوك لفرض سيطرة دولته المتوسعة على أطراف الشام مع شبه الجزيرة العربية ومن فيها من قبائل، يقول لنا ابن إسحاق_ولنذكر قليلًا من لفظه فقط، لأننا سنستعمل الواقدي المتوافق معه لكن بسياق أكمل وأبدع_:

 

ثم أقامت ثقيف بعد قتل عُروةَ أشهراً، ثم إنهم ائتمروا بينهم، ورأوا أنه لا طاقةَ لهم بحرب من

__________

العرادة: أصغر من المنجنيق.

الربة: يعني اللات.

حصره: أى منعه عن مقصده.

الأكحل: عرق فى اليد.

حولَهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا.

 

حدثني يعقوب بن عُتبة بن المغيرة بن الأخْنَس: أن عمرو بن أمية، أخا بني علاج، كان مهاجراً

لعبد ياليل بن عمرو، الذي بينهما شئ، وكان عَمرو بن أمية من أدْهى العرب، فمشى إلى عبد ياليل بن عمرو، حتى دخل دارَه، ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك: اخرج إلىّ قال: فقال عبدُ ياليل للرسول: ويلك؟ أعمرو أرسلك إليَّ؟ قال: نعم، وها هو ذا واقفاً في دارك فقال: إن هذا الشيء ما كنت أظنه، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك، فخرج إليه، فلما رآه رحَّب به، فقال له عمرو: إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت، قد أسلمت العربُ كلُّها، وليست لكم بحربهم طاقة، فانظروا في أمركم.

فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها، وقال بعضهم لبعض: أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سِرْبٌ، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتُطع.....إلخ

 

ولنعد لذكر القصة بكمالها من الواقدي:

 

قَالُوا: وَكَانَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ أَحَدَ بَنِى عِلاجٍ، وَكَانَ مِنْ أَدْهَى الْعَرَبِ، وَأَنْكَرِهِمْ وَكَانَ مُهَاجِرًا لِعَبْدِ يَالَيْل بْنِ عَمْرٍو، وَتَمَشّى إلَى عَبْدِ يَالَيْل ظُهْرًا حَتّى دَخَلَ دَارَهُ ثُمّ أَرْسَلَ إلَيْهِ إنّ عَمْرًا يَقُولُ: اُخْرُجْ إلَىّ فَلَمّا جَاءَ الرّسُولُ إلَى عَبْدِ يَالَيْل، قَالَ: وَيْحَك عَمْرٌو أَرْسَلَك؟ قَالَ: نَعَمْ وَهُوَ وَاقِفٌ فِى الدّارِ، وَكَانَ عَبْدُ يَالَيْل يُحِبّ صُلْحَهُ وَيَكْرَهُ أَنْ يَمْشِىَ إلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ يَالَيْل: إنّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا كُنْت أَظُنّهُ بِعَمْرٍو، وَمَا هُوَ إلاّ عَنْ أَمْرٍ قَدْ حَدَثَ وَكَانَ أَمْرًا سُوءًا، مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ نَاحِيَةِ مُحَمّدٍ، فَخَرَجَ إلَيْهِ عَبْدُ يَالَيْل، فَلَمّا رَآهُ رَحّبَ بِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: قَدْ نَزَلَ بِنَا أَمْرٌ لَيْسَتْ مَعَهُ هِجْرَةٌ إنّهُ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ مَا قَدْ رَأَيْت، وَقَدْ أَسْلَمَتْ الْعَرَبُ كُلّهَا وَلَيْسَتْ لَكُمْ بِهِمْ طَاقَةٌ، وَإِنّمَا نَحْنُ فِى حِصْنِنَا هَذَا، مَا بَقَاؤُنَا فِيهِ هَذَا أَطْرَافُنَا تُصَابُ، وَلا نَأْمَنُ مِنْ أَحَدٍ مِنّا يَخْرُجُ شِبْرًا وَاحِدًا مِنْ حِصْنِنَا هَذَا، فَانْظُرُوا فِى أَمْرِكُمْ، قَالَ عَبْدُ يَالَيْل: قَدْ وَاَللّهِ رَأَيْت مَا رَأَيْت، فَمَا اسْتَطَعْت أَنْ أَتَقَدّمَ بِاَلّذِى تَقَدّمْت بِهِ، وَإِنّ الْحَزْمَ وَالرّأْىَ الّذِى فِى يَدَيْك. قَالَ: فَائْتَمَرَتْ ثَقِيفٌ بَيْنَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلا تَرَوْنَ أَنّهُ لا يَأْمَنُ لَكُمْ سِرْبٌ، وَلا يَخْرُجُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلاّ اُقْتُطِعَ؟ فَائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ فَأَرَادُوا أَنْ يُرْسِلُوا رَسُولاً إلَى النّبِىّ ÷ كَمَا خَرَجَ عُرْوَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى النّبِىّ ÷، قَالَ: فَابْعَثُوا رَأْسَكُمْ عَبْدَ يَالَيْل. فَكَلّمُوا عَبْدَ يَالَيْل بْنَ عَمْرِو بْنِ حَبِيبٍ، وَكَانَ سِنّ عُرْوَةَ فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ، وَخَشِىَ إنْ رَجَعَ إلَى قَوْمِهِ مُسْلِمًا أَنْ يُصْنَعَ بِهِ إذَا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ النّبِىّ ÷ مَا صُنِعَ بِعُرْوَةَ، حَتّى يَبْعَثُوا مَعَهُ رِجَالاً، فَأَجْمَعُوا عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْ الأَحْلافِ وَثَلاثَةٍ مِنْ بَنِى مَالِكٍ فَبَعَثُوا مَعَ عَبْدِ يَالَيْل الْحَكَمَ بْنَ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ مُعَتّبٍ، وَشُرَحْبِيلَ بْنَ غَيْلانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ مُعَتّبٍ، وَهَؤُلاءِ الأَحْلافُ رَهْطُ عُرْوَةَ، وَبَعَثُوا فِى بَنِى مَالِكٍ عُثْمَانَ بْنَ أَبِى الْعَاصِ، وَأَوْسَ بْنَ عَوْفٍ، وَنُمَيْرَ بْنَ خَرَشَةَ، سِتّةٌ. وَيُقَالُ: إنّ الْوَفْدَ كَانَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فِيهِمْ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ.

قَالُوا: فَخَرَجَ بِهِمْ عَبْدُ يَالَيْل وَهُوَ رَأْسُهُمْ وَصَاحِبُ أَمْرِهِمْ وَلَكِنّهُ أَحَبّ إنْ رَجَعُوا أَنْ يُسَهّلَ كُلّ رَجُلٍ رَهْطَهُ فَلَمّا كَانُوا بِوَادِى قَنَاةَ مِمّا يَلِى دَارَ حُرُضٍ نَزَلُوا، فَيَجِدُونَ نَشَرًا مِنْ الإِبِلِ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَوْ سَأَلْنَا صَاحِبَ الإِبِلِ لِمَنْ الإِبِلُ وَخَبّرَنَا مِنْ خَبَرِ مُحَمّدٍ.

فَبَعَثُوا عُثْمَانَ بْنَ أَبِى الْعَاصِ، فَإِذَا هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَرْعَى فِى نَوْبَتِهِ رِكَابَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَكَانَتْ رِعْيَتُهَا نُوَبًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَلَمّا رَآهُمْ سَلّمَ عَلَيْهِمْ وَتَرَكَ الرّكَابَ عِنْدَهُمْ، وَخَرَجَ يَشْتَدّ، يُبَشّرُ النّبِىّ ÷ بِقُدُومِهِمْ حَتّى انْتَهَى إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَيَلْقَى أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ قَوْمِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَقَسَمْت بِاَللّهِ عَلَيْك لا تَسْبِقْنِى إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ بِخَبَرِهِمْ حَتّى أَكُونَ أَنَا أُخْبِرُهُ - وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَدْ ذَكَرَهُمْ بِبَعْضِ الذّكْرِ - فَأُبَشّرُهُ بِمَقْدَمِهِمْ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ عَلَى النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ وَالْمُغِيرَةُ عَلَى الْبَابِ، ثُمّ خَرَجَ إلَى الْمُغِيرَةِ فَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ عَلَى النّبِىّ ÷ وَهُوَ مَسْرُورٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ قَدِمَ قَوْمِى يُرِيدُونَ الدّخُولَ فِى الإِسْلامِ بِأَنْ تَشْرُطَ لَهُمْ شُرُوطًا، وَيَكْتُبُونَ كِتَابًا عَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَبِلادِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا يَسْأَلُونَ شَرْطًا وَلا كِتَابًا أَعْطَيْته أَحَدًا مِنْ النّاسِ إلاّ أَعْطَيْتهمْ”، فَبَشّرْهُمْ فَخَرَجَ الْمُغِيرَةُ رَاجِعًا، فَخَبّرَهُمْ مَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَبَشّرَهُمْ وَعَلّمَهُمْ كَيْفَ يُحَيّونَ رَسُولَ اللّهِ ÷، فَكُلّ مَا أَمَرَهُمْ الْمُغِيرَةُ فَعَلُوا إلاّ التّحِيّةَ، فَإِنّهُمْ قَالُوا: أَنْعِمْ صَبَاحًا وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ، فَقَالَ النّاسُ: يَا رَسُولَ اللّهِ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ وَهُمْ مُشْرِكُونَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ الأَرْضَ لا يُنَجّسُهَا شَىْءٌ”.

وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُنْزِلُ قَوْمِى عَلَىّ وَأُكْرِمُهُمْ فَإِنّى حَدِيثُ الْجُرْمِ فِيهِمْ. فَقَالَ: “لا آمَنُك أَنْ تُكْرِمَ قَوْمَك”، وَكَانَ جُرْمُ الْمُغِيرَةِ أَنّهُ خَرَجَ فِى ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِى مَالِكٍ فَقَدِمُوا عَلَى الْمُقَوْقَسِ فَحَيّا بَنِى مَالِكٍ وَجَفَاهُ وَهُوَ مِنْ الأَحْلافِ، وَكَانَ مَعَهُ رَجُلانِ الشّرِيدُ وَدَمّونُ فَلَمّا كَانُوا بِسَبَاقٍ وَضَعُوا شَرَابًا لَهُمْ فَسَقَاهُمْ الْمُغِيرَةُ بِيَدِهِ فَجَعَلَ يُخَفّفُ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَنْزِعُ لِبَنِى مَالِكٍ حَتّى ثَمِلُوا وَنَامُوا، فَلَمّا نَامُوا وَثَبَ إلَيْهِمْ لِيَقْتُلَهُمْ فَشَرَدَ الشّرِيدُ مِنْهُمْ لَيْلَتَئِذٍ وَفَرِقَ دَمّونُ أَنْ يَكُونَ هَذَا سُكْرًا مِنْهُ فَتَغَيّبَ فَجَعَلَ يَصِيحُ: يَا دَمّونُ يَا دَمّونُ، فَلا دَمّونُ فَجَعَلَ يَبْكِى، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ بَعْضُهُمْ فَطَلَعَ دَمّونُ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْت؟ قَالَ: تَغَيّبْت حِينَ رَأَيْتُك صَنَعْت بِبَنِى مَالِكٍ مَا صَنَعْت، فَخَشِيت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ذَهَابَ عَقْلٍ، قَالَ: إنّمَا صَنَعْت ذَلِكَ بِهِمْ لَمّا حَيّاهُمْ الْمُقَوْقَسُ وَجَفَانِى، ثُمّ أَقْبَلَ بِأَمْوَالِهِمْ حَتّى أَتَى بِهَا النّبِىّ ÷ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ ÷ اُخْمُسْ هَذِهِ الأَمْوَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لَسْنَا نَغْدِرُ وَلا يَنْبَغِى لَنَا الْغَدْرُ”، فَأَبَى أَنْ يَخْمُسَ أَمْوَالَهُمْ.

وَأَنْزَلَ الْمُغِيرَةُ ثَقِيفًا فِى دَارِهِ بِالْبَقِيعِ، وَهِىَ خُطّةٌ خَطّهَا النّبِىّ ÷ لَهُ، فَأَمَرَ النّبِىّ ÷ بِخَيْمَاتٍ ثَلاثٍ مِنْ جَرِيدٍ فَضُرِبَتْ فِى الْمَسْجِدِ، فَكَانُوا يَسْمَعُونَ الْقِرَاءَةَ بِاللّيْلِ وَتَهَجّدَ أَصْحَابِ النّبِىّ ÷، وَيَنْظُرُونَ إلَى الصّفُوفِ فِى الصّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَيَرْجِعُونَ إلَى مَنْزِلِ الْمُغِيرَةِ فَيُطْعَمُونَ وَيَتَوَضّئُونَ وَيَكُونُونَ فِيهِ مَا أَرَادُوا، وَهُمْ يَخْتَلِفُونَ إلَى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُجْرِى لَهُمْ الضّيَافَةَ فِى دَارِ الْمُغِيرَةِ، وَكَانُوا يَسْمَعُونَ خُطْبَةَ النّبِىّ ÷ فَلا يَسْمَعُونَهُ يَذْكُرُ نَفْسَهُ، فَقَالُوا: أَمَرَنَا بِالتّشَهّدِ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ، وَلا يَشْهَدُ بِهِ فِى خُطْبَتِهِ، فَلَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَوْلُهُمْ، قَالَ: “أَنَا أَوّلُ مَنْ شَهِدَ أَنّى رَسُولُ اللّهِ”، ثُمّ قَامَ فَخَطَبَ وَشَهِدَ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ فِى خُطْبَتِهِ، فَمَكَثُوا عَلَى هَذَا أَيّامًا يَغْدُونَ عَلَى النّبِىّ ÷ كُلّ يَوْمٍ يُخَلّفُونَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِى الْعَاصِ عَلَى رِحَالِهِمْ، وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ فَكَانَ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِ وَنَامُوا بِالْهَاجِرَةِ خَرَجَ فَعَمَدَ إلَى النّبِىّ ÷ فَسَأَلَهُ عَنْ الدّينِ وَاسْتَقْرَأَهُ الْقُرْآنَ، وَأَسْلَمَ سِرّا مِنْ أَصْحَابِهِ فَاخْتَلَفَ إلَى النّبِىّ ÷ مِرَارًا حَتّى فَقِهَ وَسَمِعَ الْقُرْآنَ، وَقَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ سُوَرًا مِنْ فِى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَإِذَا وَجَدَ رَسُولَ اللّهِ ÷ نَائِمًا عَمَدَ إلَى أَبِى بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فَسَأَلَهُ وَاسْتَقْرَأَهُ - وَيُقَالُ: إذَا وَجَدَ النّبِىّ ÷ نَائِمًا جَاءَ إلَى أُبَىّ بْنِ كَعْبٍ فَاسْتَقْرَأَهُ - فَبَايَعَ النّبِىّ ÷ عَلَى الإِسْلامِ قَبْلَ الْوَفْدِ، وَقَبْلَ الْقَضِيّةِ، وَكَتَمَ ذَلِكَ عُثْمَانُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأُعْجِبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِهِ وَأَحَبّهُ.

فَمَكَثَ الْوَفْدُ أَيّامًا يَخْتَلِفُونَ إلَى النّبِىّ ÷ وَالنّبِىّ يَدْعُوهُمْ إلَى الإِسْلامِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ يَالَيْل: هَلْ أَنْتَ مُقَاضِينَا حَتّى نَرْجِعَ إلَى أَهْلِنَا وَقَوْمِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ إنْ أَنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِالإِسْلامِ قَاضَيْتُكُمْ، وَإِلاّ فَلا قَضِيّةَ، وَلا صُلْحَ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ”، قَالَ عَبْدُ يَالَيْل: أَرَأَيْت الزّنَا؟ فَإِنّا قَوْمٌ عُزّابٌ بِغَرْبٍ لا بُدّ لَنَا مِنْهُ وَلا يَصْبِرُ أَحَدُنَا عَلَى الْعُزْبَةِ، قَالَ: “هُوَ مِمّا حَرّمَ اللّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ”، يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزّنَا إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} قَالَ: أَرَأَيْت الرّبَا؟ قَالَ: “الرّبَا حَرَامٌ”، قَالَ: فَإِنّ أَمْوَالَنَا كُلّهَا رِبًا، قَالَ: “لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ”، يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ الرّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} قَالَ: أَفَرَأَيْت الْخَمْرَ؟ فَإِنّهَا عَصِيرُ أَعْنَابِنَا، لا بُدّ لَنَا مِنْهَا، قَالَ: “فَإِنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَهَا”، ثُمّ تَلا رَسُولُ اللّهِ ÷ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ} الآيَةَ، قَالَ: فَارْتَفَعَ الْقَوْمُ وَخَلا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَقَالَ عَبْدُ يَالَيْل: وَيْحَكُمْ نَرْجِعُ إلَى قَوْمِنَا بِتَحْرِيمِ هَذِهِ الْخِصَالِ الثّلاثِ، وَاَللّهِ لا تَصْبِرُ ثَقِيفٌ عَنْ الْخَمْرِ أَبَدًا، وَلا عَنْ الزّنَا أَبَدًا.

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ: أَيّهَا الرّجُلُ إنْ يُرِدْ اللّهُ بِهَا خَيْرًا تَصْبِرْ عَنْهَا قَدْ كَانَ هَؤُلاءِ الّذِينَ مَعَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا، فَصَبَرُوا وَتَرَكُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنّا نَخَافُ هَذَا الرّجُلَ قَدْ أَوْطَأَ الأَرْضَ غَلَبَةً، وَنَحْنُ فِى حِصْنٍ فِى نَاحِيَةٍ مِنْ الأَرْضِ، وَالإِسْلامُ حَوْلَنَا فَاشٍ، وَاَللّهِ لَوْ قَامَ عَلَى حِصْنِنَا شَهْرًا لَمُتْنَا جُوعًا؛ وَمَا أَرَى إلاّ الإِسْلامَ وَأَنَا أَخَافُ يَوْمًا مِثْلَ يَوْمِ مَكّةَ.

وَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، هُوَ الّذِى يَمْشِى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ÷ حَتّى كَتَبُوا الْكِتَابَ كَانَ خَالِدٌ هُوَ الّذِى كَتَبَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُرْسِلُ إلَيْهِمْ بِالطّعَامِ فَلا يَأْكُلُونَ مِنْهُ شَيْئًا، حَتّى يَأْكُلَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ حَتّى أَسْلَمُوا. قَالُوا: أَرَأَيْت الرّبّةَ مَا تَرَى فِيهَا؟ قَالَ: “هَدْمَهَا”، قَالُوا: هَيْهَاتَ لَوْ تَعْلَمُ الرّبّةُ أَنّا أَوْضَعْنَا فِى هَدْمِهَا قَتَلَتْ أَهْلَنَا، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: وَيْحَك يَا عَبْدَ يَالَيْل إنّ الرّبّةَ حَجَرٌ لا يَدْرِى مَنْ عَبَدَهُ مِمّنْ لا يَعْبُدُهُ، قَالَ عَبْدُ يَالَيْل: إنّا لَمْ نَأْتِك يَا عُمَرُ فَأَسْلَمُوا، وَكَمُلَ الصّلْحُ وَكَتَبَ ذَلِكَ الْكِتَابَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، فَلَمّا كَمُلَ الصّلْحُ كَلّمُوا النّبِىّ ÷ يَدَعُ الرّبّةَ ثَلاثَ سِنِينَ لا يَهْدِمُهَا، فَأَبَى، قَالُوا: سَنَتَيْنِ فَأَبَى، قَالُوا: سَنَةً فَأَبَى، قَالُوا: شَهْرًا وَاحِدًا فَأَبَى أَنْ يُوَقّتَ لَهُمْ وَقْتًا، وَإِنّمَا يُرِيدُونَ بِتَرْكِ الرّبّةِ لِمَا يَخَافُونَ مِنْ سُفَهَائِهِمْ وَالنّسَاءِ وَالصّبْيَانِ وَكَرِهُوا أَنْ يُرَوّعُوا قَوْمَهُمْ بِهَدْمِهَا، فَسَأَلُوا النّبِىّ ÷ أَنْ يُعْفِيَهُمْ مِنْ هَدْمِهَا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ، أَنَا أَبْعَثُ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَهْدِمَانِهَا”. وَاسْتَعْفَوْا رَسُولَ اللّهِ ÷ أَنْ يَكْسِرُوا أَصْنَامَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ. وَقَالَ: “أَنَا آمُرُ أَصْحَابِى أَنْ يَكْسِرُوهَا”. وَسَأَلُوا النّبِىّ ÷ أَنْ يُعْفِيَهُمْ مِنْ الصّلاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “لا خَيْرَ فِى دِينٍ لا صَلاةَ فِيه”، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ أَمّا الصّلاةُ فَسَنُصَلّى، وَأَمّا الصّيَامُ فَسَنَصُومُ. وَتَعَلّمُوا فَرَائِضَ الإِسْلامِ وَشَرَائِعَهُ.

وَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَنْ يَصُومُوا مَا بَقِىَ مِنْ الشّهْرِ وَكَانَ بِلالٌ يَأْتِيهِمْ بِفِطْرِهِمْ. وَيُخَيّلُ إلَيْهِمْ أَنّ الشّمْسَ لَمْ تَغِبْ فَيَقُولُونَ: مَا هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ إلاّ اسْتِبَارٌ لَنَا، يَنْظُرُ كَيْفَ إسْلامُنَا، فَيَقُولُونَ: يَا بِلالُ، مَا غَابَتْ الشّمْسُ بَعْدُ، فَيَقُولُ بِلالٌ: مَا جِئْتُكُمْ حَتّى أَفْطَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَكَانَ الْوَفْدُ يَحْفَظُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ تَعْجِيلِ فِطْرِهِ، وَكَانَ بِلالٌ يَأْتِيهِمْ بِسَحُورِهِمْ قَالَ: فَأَسْتُرُهُمْ مِنْ الْفَجْرِ فَلَمّا أَرَادُوا الْخُرُوجَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَمّرْ عَلَيْنَا رَجُلاً مِنّا يَؤُمّنَا، فَأَمّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِى الْعَاصِ، وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ، لِمَا رَأَى رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الإِسْلامِ، قَالَ عُثْمَانُ: وَكَانَ آخِرَ عَهْدٍ عَهِدَهُ إلَىّ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنْ اتّخِذْ مُؤَذّنًا لا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا، وَإِذَا أَمَمْت قَوْمًا فَاقْدُرْهُمْ بِأَضْعَفِهِمْ، وَإِذَا صَلّيْت لِنَفْسِك فَأَنْتَ وَذَاكَ”.

ثُمّ خَرَجَ الْوَفْدُ عَامِدِينَ إلَى الطّائِفِ، فَلَمّا دَنَوْا مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ عَبْدُ يَالَيْل: أَنَا أَعْلَمُ النّاسِ بِثَقِيفٍ فَاكْتُمُوهَا الْقَضِيّةَ - وَخَوّفُوهُمْ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ وَأَخْبِرُوهُمْ أَنّ مُحَمّدًا سَأَلَنَا أُمُورًا عَظّمْنَاهَا فَأَبَيْنَاهَا عَلَيْهِ. يَسْأَلُنَا تَحْرِيمَ الزّنَا وَالْخَمْرِ، وَأَنْ نُبْطِلَ أَمْوَالَنَا فِى الرّبَا، وَأَنْ نَهْدِمَ الرّبّةَ، وَخَرَجَتْ ثَقِيفٌ حِينَ دَنَا الْوَفْدُ فَلَمّا رَآهُمْ الْوَفْدُ سَارُوا الْعَنَقَ وَقَطّرُوا الإِبِلَ، وَتَغَشّوْا بِثِيَابِهِمْ كَهَيْئَةِ الْقَوْمِ قَدْ حَزِنُوا وَكَرَبُوا، فَلَمْ يَرْجِعُوا بِخَيْرٍ، فَلَمّا رَأَتْ ثَقِيفٌ مَا فِى وُجُوهِ الْقَوْمِ حَزِنُوا وَكَرَبُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا جَاءَ وَفْدُكُمْ بِخَيْرٍ، وَدَخَلَ الْوَفْدُ فَكَانَ أَوّلَ مَا بَدَءُوا بِهِ عَلَى اللاّتِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: حِينَ نَزَلَ الْوَفْدُ إلَيْهَا، وَكَانُوا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فَدَخَلَ الْقَوْمُ وَهُمْ مُسْلِمُونَ فَنَظَرُوا فِيمَا خَرَجُوا يَدْرَءُونَ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَقَالَتْ ثَقِيفٌ: كَأَنّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهَا عَهْدٌ وَلا بِرُؤْيَتِهَا، ثُمّ رَجَعَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى أَهْلِهِ وَأَتَى رِجَالاً مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَسَأَلُوهُمْ مَاذَا رَجَعْتُمْ بِهِ؟ وَقَدْ كَانَ الْوَفْدُ قَدْ اسْتَأْذَنُوا النّبِىّ ÷ أَنْ يَنَالُوا مِنْهُ فَرَخّصَ لَهُمْ، فَقَالُوا: جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ فَظّ غَلِيظٍ يَأْخُذُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ قَدْ ظَهَرَ بِالسّيْفِ، وَأَدَاخَ الْعَرَبَ، وَدَانَ لَهُ النّاسُ، وَرُعِبَتْ مِنْهُ بَنُو الأَصْفَرِ فِى حُصُونِهِمْ، وَالنّاسُ فِيهِ إمّا رَاغِبٌ فِى دِينِهِ، وَإِمّا خَائِفٌ مِنْ السّيْفِ فَعَرَضَ عَلَيْنَا أُمُورًا شَدِيدَةً أَعْظَمْنَاهَا، فَتَرَكْنَاهَا عَلَيْهِ حَرّمَ عَلَيْنَا الزّنَا، وَالْخَمْرَ وَالرّبَا، وَأَنْ نَهْدِمَ الرّبّةَ، فَقَالَتْ ثَقِيفٌ: لا نَفْعَلُ هَذَا أَبَدًا، فَقَالَ الْوَفْدُ: لَعَمْرِى قَدْ كَرِهْنَا ذَلِكَ وَأَعْظَمْنَاهُ وَرَأَيْنَا أَنْ لَمْ يُنْصِفْنَا، فَأَصْلِحُوا سِلاحَكُمْ وَرُمّوا حِصْنَكُمْ وَانْصِبُوا الْعَرّادَاتِ عَلَيْهِ وَالْمَنْجَنِيقَ وَأَدْخِلُوا طَعَامَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ فِى حِصْنِكُمْ لا يُحَاصِرُكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَاحْفِرُوا خَنْدَقًا مِنْ وَرَاءِ حِصْنِكُمْ، وَعَاجِلُوا ذَلِكَ فَإِنّ أَمْرَهُ قَدْ ظَلّ لا نَأْمَنُهُ.

فَمَكَثُوا بِذَلِكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يُرِيدُونَ الْقِتَالَ، ثُمّ أَدْخَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِى قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بِهِ طَاقَةٌ قَدْ أَدَاخَ الْعَرَبَ كُلّهَا، فَارْجِعُوا إلَيْهِ فَأَعْطُوهُ مَا سَأَلَ وَصَالِحُوهُ وَاكْتُبُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ إلَيْنَا وَيَبْعَثَ الْجُيُوشَ، فَلَمّا رَأَى الْوَفْدُ أَنْ قَدْ سَلّمُوا بِالْقَضِيّةِ، وَرُعِبُوا مِنْ النّبِىّ ÷ وَرَغِبُوا فِى الإِسْلامِ، وَاخْتَارُوا الأَمْنَ عَلَى الْخَوْفِ، قَالَ الْوَفْدُ: فَإِنّنَا قَدْ قَاضَيْنَاهُ وَأَعْطَانَا مَا أَحْبَبْنَاهُ وَشَرَطَ لَنَا مَا أَرَدْنَا، وَوَجَدْنَاهُ أَتْقَى النّاسِ، وَأَبَرّ النّاسِ، وَأَوْصَلَ النّاسِ، وَأَوْفَى النّاسِ، وَأَصْدَقَ النّاسِ، وَأَرْحَمَ النّاسِ، وَقَدْ تَرَكَنَا مِنْ هَدْمِ الرّبّةِ، وَأَبَيْنَا أَنْ نَهْدِمَهَا، وَقَالَ: “أَبْعَثُ مَنْ يَهْدِمُهَا”، وَهُوَ يَبْعَثُ مَنْ يَهْدِمُهَا.

قَالَ: يَقُولُ شَيْخٌ مِنْ ثَقِيفٍ: قَدْ بَقِىَ فِى قَلْبِهِ مِنْ الشّرْكِ بَعْدُ بَقِيّةٌ فَذَاكَ وَاَللّهِ مِصْدَاقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، إنْ قَدَرَ عَلَى هَدْمِهَا فَهُوَ مُحِقّ وَنَحْنُ مُبْطِلُونَ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ فَفِى النّفْسِ مِنْ هَذَا بَعْدُ شَىْءٌ، فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْعَاصِ: مَنّتْك نَفْسُك الْبَاطِلَ وَغَرّتْك الْغُرُورَ وَمَا الرّبّةُ؟ وَمَا تَدْرِى الرّبّةُ مَنْ عَبَدَهَا وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهَا؟ كَمَا كَانَتْ الْعُزّى مَا تَدْرِى مَنْ عَبَدَهَا وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهَا، جَاءَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَحْدَهُ فَهَدَمَهَا؛ وَكَذَلِك إِسَافُ وَنَائِلَةُ وَهُبَلُ وَمَنَاةُ خَرَجَ إلَيْهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهَدَمَهَا؛ وَسُوَاعٌ خَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهَدَمَهُ فَهَلْ امْتَنَعَ شَيْءٌ مِنْهُمْ؟ قال الثقفى: إن الربة لا تشبه شيئًا مما ذكرت. قال عثمان: سترى.

وَأَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً ثُمّ خَرَجُوا وَقَدْ تَحَكّمَ أَبُو مُلَيْحٍ بْنُ عُرْوَةَ، وَقَارِبُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَهُمَا يُرِيدَانِ يَسِيرَانِ مَعَ أَبِى سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةِ إلَى هَدْمِ الرّبّةِ، فَقَالَ أَبُو مُلَيْحٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِى قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِائَتَا مِثْقَالِ ذَهَبٍ، فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تَقْضِيَهُ مِنْ حُلِىّ الرّبّةِ فَعَلْت، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “نَعَمْ”، فَقَالَ قَارِبُ بْنُ الأَسْوَدِ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَعَنْ الأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ أَبِى، فَإِنّهُ قَدْ تَرَكَ دَيْنًا مِثْلَ دَيْنِ عُرْوَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنّ الأَسْوَدَ مَاتَ وَهُوَ كَافِرٌ”، فَقَالَ قَارِبٌ: تَصِلُ بِهِ قَرَابَةً إنّمَا الدّيْنُ عَلَىّ وَأَنَا مَطْلُوبٌ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إذًا أَفْعَلُ”. فَقَضَى عَنْ عُرْوَةَ وَالأَسْوَدِ دَيْنَهُمَا مِنْ مَالِ الطّاغِيَةِ.

وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةُ وَأَصْحَابُهُمَا لِهَدْمِ الرّبّةِ فَلَمّا دَنَوْا مِنْ الطّائِفِ، قَالَ لأَبِى سُفْيَانَ: تَقَدّمْ فَادْخُلْ لأَمْرِ النّبِىّ ÷، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: بَلْ تَقَدّمْ أَنْتَ عَلَى قَوْمِك فَتَقَدّمَ الْمُغِيرَةُ وَأَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَالِهِ ذِى الْهَرْمِ، وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ فِى بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً يَهْدِمُونَ الرّبّةَ، فَلَمّا نَزَلُوا بِالطّائِفِ نَزَلُوا عِشَاءً فَبَاتُوا، ثُمّ غَدَوْا عَلَى الرّبّةِ يَهْدِمُونَهَا، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ لأَصْحَابِهِ الّذِينَ قَدِمُوا مَعَهُ: لأُضْحِكَنّكُمْ الْيَوْمَ مِنْ ثَقِيفٍ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ وَاسْتَوَى عَلَى رَأْسِ الرّبّةِ وَمَعَهُ الْمِعْوَلُ وَقَامَ وَقَامَ قَوْمُهُ بَنُو مُعَتّبٍ دُونَهُ مَعَهُمْ السّلاحُ مَخَافَةَ أَنْ يُصَابَ كَمَا فُعِلَ بِعَمّهِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: كَلاّ زَعَمْت تُقَدّمُنِى أَنْتَ إلَى الطّاغِيَةِ، تُرَانِى لَوْ قُمْت أَهْدِمُهَا كَانَتْ بَنُو مُعَتّبٍ تَقُومُ دُونِى؟ قَالَ الْمُغِيرَةُ: إنّ الْقَوْمَ قَدْ وَاضَعُوهُمْ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَقْدَمَ فَأَحَبّوا الأَمْنَ عَلَى الْخَوْفِ، وَقَدْ خَرَجَ نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسّرًا يَبْكِينَ عَلَى الطّاغِيَةِ، وَالْعَبِيدُ وَالصّبْيَانُ وَالرّجَالُ مُنْكَشِفُونَ، وَالأَبْكَارُ خَرَجْنَ، فَلَمّا ضَرَبَ الْمُغِيرَةُ ضَرْبَةً بِالْمِعْوَلِ سَقَطَ مَغْشِيّا عَلَيْهِ يَرْتَكِضُ فَصَاحَ أَهْلُ الطّائِفِ صَيْحَةً وَاحِدَةً كَلاّ زَعَمْتُمْ أَنّ الرّبّةَ لا تَمْتَنِعُ بَلَى وَاَللّهِ لَتَمْتَنِعَنّ، وَأَقَامَ الْمُغِيرَةُ مَلِيّا وَهُوَ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ، ثُمّ اسْتَوَى جَالِسًا فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ، كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: مَا مِنْ حَىّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَعْقَلُ مِنْ ثَقِيفٍ، وَمَا مِنْ حَىّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَحْمَقُ مِنْكُمْ، وَيْحَكُمْ وَمَا اللاّتُ وَالْعُزّى، وَمَا الرّبّةُ؟ حَجَرٌ مِثْلُ هَذَا الْحَجَرِ، لا يَدْرِى مَنْ عَبَدَهُ وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ، وَيْحَكُمْ أَتَسْمَعُ اللاّتُ أَوْ تُبْصِرُ أَوْ تَنْفَعُ أَوْ تَضُرّ؟ ثُمّ هَدَمَهَا وَهَدَمَ النّاسُ مَعَهُ فَجَعَلَ السّادِنُ يَقُولُ - وَكَانَتْ سَدَنَةَ اللاّتِ مِنْ ثَقِيفٍ بَنُو الْعِجْلانِ بْنِ عَتّابِ بْنِ مَالِكٍ. وَصَاحِبُهَا مِنْهُمْ عَتّابُ بْنُ مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ ثُمّ بَنُوهُ بَعْدَهُ - يَقُولُ: سَتَرَوْنَ إذَا انْتَهَى إلَى أَسَاسِهَا، يَغْضَبُ الأَسَاسُ غَضَبًا يَخْسِفُ بِهِمْ. فَلَمّا سَمِعَ بِذَلِكَ الْمُغِيرَةُ وَلِىَ حَفْرَ الأَسَاسِ حَتّى بَلَغَ نِصْفَ قَامَةٍ، وَانْتَهَى إلَى الْغَبْغَبِ خِزَانَتِهَا. وَانْتَزَعُوا حِلْيَتَهَا وَكُسْوَتَهَا، وَمَا فِيهَا مِنْ طِيبٍ وَمِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضّةٍ، قَالَ: تَقُولُ عَجُوزٌ مِنْهُمْ: أَسْلَمَهَا الرّضّاعُ وَتَرَكُوا الْمِصَاعَ، وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ ÷ مِمّا وَجَدَ فِيهَا أَبَا مُلَيْحٍ وَقَارِبًا، وَنَاسًا، وَجَعَلَ فِى سَبِيلِ اللّهِ، وَفِى السّلاحِ مِنْهَا.

ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ كَتَبَ لِثَقِيفٍ: “بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ النّبِىّ رَسُولِ اللّهِ إلَى الْمُؤْمِنِينَ إنّ عِضَاهَ وَجّ وَصَيْدَهُ لا يُعْضَدُ وَمَنْ وُجِدَ يَفْعَلُ ذَلِكَ يُجْلَدُ وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ، فَإِنْ تَعَدّى ذَلِكَ فَإِنّهُ يُؤْخَذُ فَيُبَلّغُ مُحَمّدًا، فَإِنّ هَذَا أَمْرُ النّبِىّ مُحَمّدٍ ÷” وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِأَمْرِ النّبِىّ الرّسُولِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ. فَلا يَتَعَدّاهُ أَحَدٌ، فَيَظْلِمَ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ ÷.

وَنَهَى النّبِىّ ÷ عَنْ قَطْعِ عِضَاهِ وَجّ وَعَنْ صَيْدِهِ وَكَانَ الرّجُلُ يُوجَدُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ. وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَلَى حِمَى وَجّ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ.

 

عند ابن هشام شعر للعجوز هكذا:

 

لَتُبْكَيَنَّ دُفَّاع    أسلَمَها الرُضّاع

لم يُحسِنوا المِصاع

 

وقال الكلبي في كتاب الأصنام:

 

... وكانت قريش وجميع العرب تعظمها‏.‏ وبها كانت العرب تسمى زيد اللات وتيم اللات‏.‏ وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى اليوم‏.‏

 

ما الذي نفهمه من كل هذه القصة؟ ثقيف أسلمت خوفًا وبالإكراه لكثرة أتباع محمد من كل حدب وصوب، وهم جماعة من الناهبين اللصوص المحبين للغارات والسلب والإجرام، فدخلوا الإسلام ليحموا أنفسهم وأموالهم في المقام الأول، لأنهم لن يستطيعوا مواجهة قوة الشر الكبيرة النامية تلك آنذاك، كان الكثير منهم رافضين لهدم معابدهم وتماثيلهم، هنا نقطة يتعمد أتباع الأديان التوراتية كالإسلام التظاهر بعدم ففهمها، فالمؤمنون بتعدد الآلهة لا يعبدون الحجارة ذاتها، بل الحجارة على شكل الآلهة التي يتصورونها في خيالاتهم كصورة مجسدة مقربة لأذهانهم، أيضًا طلب ثقيف ترك الخمر لهم له ما يبرره فكل تجارتهم وحياتهم كانت على الكروم وزرع العنب وصنع الخمر، وهي مسألة حرية شخصية من وجة نظر عقلانية، كذلك رفضهم لمنع الحرية الجنسية والعلاقات الحرة من وجهة نظر عقلانية أمر طبيعي فطري لأن عكس ذلك من تقييد للحريات الشخصية هو غير الطبيعي في الأصل، وفقًا للقيم الأخلاقية اللادينية ووفقًا لضوابط

 

الرضاع: الأخساء، المصاع: المبارزة والقتال.

إنسانية تتفق في تحريم العلاقات مع الإخوة والوالدين والمرأة المتزوجة..إلخ لكن بلا مانع من وجود علاقة حرة بين رجل وامرأة غير متزوجة ليست من وثيقي القرابة كالأم والأخت والعمة والخالة والابنة. أما تحريم الربا أو الفوائد في الإسلام فيعكس جهلًا بشؤون التجارة وطبيعة رأس المال والعملة، عندما أقرض بائسًا أو معوزًا لطعام أو علاج أسرته بفوائد فلك أن تعترض وتشجبني، لكن الفوائد في التجارات والاستثمارات أمر لابد منه ولاظلم فيه لأن سعر العملة يقل مع الوقت والمال له ربح ودورة. لقد استعمل وفد ثقيف مع قومهم أسلوب الترهيب والتخويف، فهل يقال بعد ذلك أن الإسلام انتشر بالسلم الإقناع؟! القوم يحلمون فقط اليوم أحلامًا بلا أساس تاريخي ولا ديني واقعي!

 

شواهد من كتب الحديث:

 

روى أحمد بن حنبل:

 

17913 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَهُمُ الْمَسْجِدَ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ، فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُحْشَرُوا ، وَلَا يُعْشَرُوا ، وَلَا يُجَبُّوا ، وَلَا يُسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ، قَالَ: فَقَالَ: " إِنَّ لَكُمْ أَنْ لَا تُحْشَرُوا ، وَلَا تُعْشَرُوا، وَلَا يُسْتَعْمَلَ عَلَيْكُمْ غَيْرُكُمْ "

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا رُكُوعَ فِيهِ "

قَالَ: وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي الْقُرْآنَ، وَاجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي

 

 رجاله ثقات رجال الصحيح غير أن سماع الحسن البصري من عثمان مختلف فيه، فقال المزي: قيل: لم يسمع منه، هكذا أورده بصيغة التمريض، وجزم الحافظ في "التهذيب " بعدم سماعه منه، ولكن يعكر عليه ما أورده البخاري في "التاريخ الكبير" 6/212 عن الحسن قوله: كنا ندخل على عثمان بن أبي العاص، وهذا يثبت سماعه منه، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/197 (10682)، وابن خزيمة (1328) عن الزعفراني، كلاهما عن عفان، بهذا الإسناد. مختصراً دون قصة عثمان في آخره. ورواية ابن خزيمة مقتصرة على إنزالهم في المسجد.

وأخرجه الطيالسي (939) ، وأبو داود (3026) ، وابن خزيمة (1328) من طريق أبي الوليد، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، به. مختصراً دون قصة عثمان في آخره. ولقصة عثمان انظر مسند أحمد برقم (16270).

 

معاني كلمات:

 

قال السندي: وقوله: أن لا يُحشروا... إلخ على بناء المفعول، ومعنى لا يحشروا: لا يندبوا إلى الجهاد، ولا يضرب عليهم البعوث، وقيل: لا يحشروا إلى عامل الزكاة ليأخذ صدقة أموالهم بل يأخذها في أماكنهم. ومعنى لا يعشروا: لا يأخذ عشر أموالهم، وقيل: أراد به الصدقة الواجبة، وإنما فسح لهم في تركها، لأنها لم تكن واجبة يومئذ عليهم، وإنما تجب بتمام الحول.  وسئل جابر عن اشتراط ثقيف أن لا صدقة عليهم ولا جهاد، فقال: عَلِمَ منهم أنهم سيصدقون ويجاهدون إذا اسلموا فرخص فيها.  ولا يجبوا: بضم الياء وفتح الجيم وضم الباء المشددة على بناء الفاعل من التجبية، وأصل التجبية أن يقوم مقام الراكع، وقيل: أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم، وقيل: أصلها السجود، وبالجملة، فمرادهم أن لا يصلوا مجازاً، قال جابر: ولم يرخص لهم في ترك الصلاة لأن وقتها حاضر يتكرر بخلاف وقت الزكاة والجهاد.

 

روى أبو داوود في سننه:

 

3025 - حدثنا الحسن بن الصباح ثنا إسماعيل يعني ابن عبد الكريم حدثني إبراهيم يعني ابن عقيل بن منبه عن أبيه عن وهب قال: سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت قال اشترطت على النبي صلى الله عليه و سلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم بعد ذلك يقول "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا" .

 

إسناده صحيح

 

روى ابن أبي شيبة:

 

8866- حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَزَلُوا قُبَّةً كَانَتْ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاَة ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : يَا رَسُولَ اللهِ ، حَضَرَتِ الصَّلاَة وَهَؤُلاَءِ قَوْمٌ كُفَّارٌ وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ الأَرْضَ لاَ تَنْجُسُ ، أَوْ نَحْوَ هَذَا.

 

8867- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الْحَسَنِ ؛ أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ، فِي قُبَّةٍ لَهُ فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إنَّهُمْ مُشْرِكُونَ ، فَقَالَ : إنَّ الأَرْضَ لاَ يُنَجِّسُهَا شَيْءٌ.

 

روى أحمد بن حنبل:

 

18778 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنِي عُمُومَتِي، عَنْ جَدِّهِمْ صَخْرِ بْنِ عَيْلَةَ، أَنَّ قَوْمًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَرُّوا عَنْ أَرْضِهِمْ، حِينَ جَاءَ الْإِسْلَامُ، فَأَخَذْتُهَا، فَأَسْلَمُوا، فَخَاصَمُونِي فِيهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: "إِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ"

 

روى ابن أبي شيبة:

 

34118- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْنُ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ صَخْرِ بْنِ الْعَيْلَةِ ، قَالَ : أَخَذْتُ عَمَّةَ الْمُغِيرَةِ فَقَدِمْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَجَاءَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّتَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا عِنْدِي , فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَقَالَ : يَا صَخْرُ , إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ ، قَالَ : فَدَفَعْنَاهَا إِلَيْهِ , وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي مَاءً لِبَنِي سُلَيْمٍ فَأَسْلَمُوا ، فَأَتَوْا نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلُوهُ الْمَاءَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا صَخْرُ , إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِمْ ، فَدَفَعْتُهُ.

                                            

روى الدارمي:

 

1673 - أخبرنا أبو نعيم ثنا أبان بن عبد الله البجلي ثنا عثمان بن أبي حازم عن صخر بن العيلة قال: أخذت عمة المغيرة بن شعبة فقدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأل النبي فقال يا صخر أن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودمائهم فأدفعها إليهم وكان ماء لبني سليم فأسلموا فسألوه ذلك فدعاني فقال يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودمائهم فأدفعها إليهم فدفعته

 

روى ابن سعد في الطبقات الكبير ج6:

 

صخر بن العيلة

ابن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن علي بن أسلم بن أحمس من بجيلة، ويكنى أبا حازم وإليه البيت من أحمس.

قال: أخبرنا وكيع والفضل بن دكين قالا: حدثنا أبان بن عبد الله البجلي قال: حدثني عثمان بن أبي حازم عن صخر بن العيلة قال: أخذت عمة المغيرة بن شعبة فقدمت بها إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا: وجاء المغيرة فسأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمته وأخبره أنها عندي، فدعاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم فادفعها إليه. قال: وقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعطاني ماء لبني سليم. قال: فأتوا نبي الله، صلى الله عليه وسلم، فسألوه الماء، قال فدعاني نبي الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم فادفعه إليهم. فدفعته إليهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عدوان سعد هذيم على من حولهم من

المؤمنين بتعدد الآلهة

 

روى الواقدي:

 

قَالُوا: وَقَدِمَ نَفَرٌ مِنْ بَنِى سَعْدِ هُذَيْمٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا قَدِمْنَا عَلَيْك وَتَرَكْنَا أَهْلَنَا عَلَى بِئْرٍ لَنَا، قَلِيلٌ مَاؤُهَا، وَهَذَا الْقَيْظُ وَنَحْنُ نَخَافُ إنْ تَفَرّقْنَا أَنْ نُقْتَطَعَ لأَنّ الإِسْلامَ لَمْ يَفْشُ حَوْلَنَا بَعْدُ فَادْعُ اللّهَ لَنَا فِى مَاءِ بِئْرِنَا، وَإِنْ رُوِينَا بِهِ فَلا قَوْمَ أَعَزّ مِنّا، لا يَعْبُرُ بِنَا أَحَدٌ مُخَالِفٌ لِدِينِنَا. قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَبْلِغُونِى حَصَيَاتٍ”، فَتَنَاوَلْت ثَلاثَ حَصَيَاتٍ فَدَفَعْتهنّ إلَيْهِ فَفَرَكَهُنّ بِيَدِهِ، ثُمّ قَالَ: “اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْحَصَيَاتِ إلَى بِئْرِكُمْ فَاطْرَحُوهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَسَمّوا اللّهَ”، فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَجَاشَتْ بِئْرُهُمْ بِالرّوَاءِ، وَنَفَوْا مَنْ قَارَبَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَوَطِئُوهُمْ، فَمَا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى الْمَدِينَةِ حَتّى أَوْطَئُوا مَنْ حَوْلَهُمْ عَلَيْهِ وَدَانُوا بِالإِسْلامِ.

 

قصة المعجزة خرافة ومجرد زعم، لكن يهمنا هنا التأكيد على أن المسلمين أسوأ جيرة دولية ممكنة على الإطلاق.

 

وذكر محمد بن سعد وفادة أخرى لنفس القبيلة في الطبقات الكبير ج1/ ذكر وفادات العرب على رسول الله:

 

وَفْدُ سَعْدِ هُذَيْمٍ

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَافِدًا فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَنَزَلْنَا نَاحِيَةً مِنَ الْمَدِينَةِ ثُمَّ خَرَجْنَا نَؤُمُّ الْمَسْجِدَ فَنَجِدُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: مِنْ بَنِي سَعْدِ هُذَيْمٍ. فَأَسْلَمْنَا وَبَايَعْنَا ثُمَّ انْصَرَفْنَا إِلَى رِحَالِنَا. فَأَمَرَ بِنَا فَأُنْزِلْنَا وَضُيِّفْنَا. فأقمنا ثلاث. ثُمَّ جِئْنَاهُ نُوَدِّعُهُ فَقَالَ: أَمِّرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدَكُمْ. وَأَمَرَ بِلالا فَأَجَازَنَا بِأَوَاقٍ مِنْ فِضَّةٍ. وَرَجَعْنَا إِلَى قَوْمِنَا فَرَزَقَهُمُ اللَّهُ الإِسْلامَ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محاولة اغتيال محمد عند انصرافه من تبوك

 

روى أحمد بن حنبل:

 

23792 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إِنَّ رَسُولَ اللهِ أَخَذَ الْعَقَبَةَ، فَلَا يَأْخُذْهَا أَحَدٌ، فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُودُهُ حُذَيْفَةُ وَيَسُوقُ بِهِ عَمَّارٌ إِذْ أَقْبَلَ رَهْطٌ مُتَلَثِّمُونَ عَلَى الرَّوَاحِلِ، غَشَوْا عَمَّارًا وَهُوَ يَسُوقُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ عَمَّارٌ يَضْرِبُ وُجُوهَ الرَّوَاحِلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُذَيْفَةَ: " قَدْ، قَدْ " حَتَّى هَبَطَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا هَبَطَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ وَرَجَعَ عَمَّارٌ، فَقَالَ: " يَا عَمَّارُ، هَلْ عَرَفْتَ الْقَوْمَ ؟ " فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ عَامَّةَ الرَّوَاحِلِ وَالْقَوْمُ مُتَلَثِّمُونَ قَالَ: " هَلْ تَدْرِي مَا أَرَادُوا ؟ " قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " أَرَادُوا أَنْ يَنْفِرُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَطْرَحُوهُ " قَالَ: فَسَأَلَ عَمَّارٌ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ، كَمْ تَعْلَمُ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ فَقَالَ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ فِيهِمْ فَقَدْ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ، فَعَذَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةً قَالُوا: وَاللهِ مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللهِ، وَمَا عَلِمْنَا مَا أَرَادَ الْقَوْمُ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَشْهَدُ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَاقِينَ حَرْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ....إلخ

 

إسناده قوي على شرط مسلم. يزيد: هو ابن هارون. وهذا الحديث قد رواه أبو الطفيل عن حذيفة بن اليمان، فقد أخرجه البزار في "مسنده" (2800) و (2803) من طريق محمد بن فضيل، عن الوليد بن جُميع، عن أبي الطفيل، عن حذيفة. وأخرج نحوه البيهقي في "دلائل النبوة" 5/260-261 من طريق محمد بن إسحاق، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتَري، عن حذيفة بن اليمان قال: كنتُ آخذاً بخُطام ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقود به وعمار يسوقه...فذكره. ورواية أبي البختري -وهو سعيد بن فيروز- عن حذيفة بن اليمان مرسلة. والقطعة الأخيرة من الحديث في مسند أحمد بمسند حذيفة برقم (23321) و (23395) من طريق أبي الطفيل عنه.

 

وروى مسلم في صحيحه:

 

2779- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْكُوفِيُّ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ ، قَالَ : كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ  وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ ، فَقَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ : أَخْبِرْهُ إِذْ سَأَلَكَ ، قَالَ : كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَأَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ، وَعَذَرَ ثَلاَثَةً ، قَالُوا : مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ ، وَقَدْ كَانَ فِي حَرَّةٍ فَمَشَى فَقَالَ : إِنَّ الْمَاءَ قَلِيلٌ ، فَلاَ يَسْبِقْنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ فَوَجَدَ قَوْمًا قَدْ سَبَقُوهُ ، فَلَعَنَهُمْ يَوْمَئِذٍ.

 

ورواه أحمد بمثله رقم 23321، وأخرجه دون المرفوع منه ابن أبي شيبة 14/599-600 (38259) عن أبي نعيم الفضل ابن دكين وحده، به. وأخرجه مختصراً بالمرفوع منه البزار في "مسنده" (2803) من طريق محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع، به. ورواه أحمد في حديث برقم (23395) من طريق أبي نعيم، و (23409) من طريق وكيع، كلاهما عن الوليد بن جميع. وفي مسند أبي الطفيل برقم (23792).

من شروحهم: قوله: "من أهل العقبة" قال النووي: هذه العقبة ليست العقبة المشهورة بمنى، التي كانت بها بيعة الأنصار رضي الله عنهم، وإنما هذه عقبة على طريق تبوك، اجتمع المنافقون فيها للغدر برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فعصمه الله تعالى منهم.   "ما يكون بين الناس" قال السندي: من الخصام.

 

وقال الواقدي:

 

قَالُوا: لَمّا كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِبَعْضِ الطّرِيقِ مَكَرَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَائْتَمَرُوا أَنْ يَطْرَحُوهُ مِنْ عَقَبَةٍ فِى الطّرِيقِ، فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ ÷ تِلْكَ الْعَقَبَةَ أَرَادُوا أَنْ يَسْلُكُوهَا مَعَهُ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ لِلنّاسِ: “اُسْلُكُوا بَطْنَ الْوَادِى، فَإِنّهُ أَسْهَلُ لَكُمْ وَأَوْسَعُ”، فَسَلَكَ النّاسُ بَطْنَ الْوَادِى وَسَلَكَ رَسُولُ اللّهِ ÷ الْعَقَبَةَ، وَأَمَرَ عَمّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَنْ يَأْخُذَ بِزِمَامِ النّاقَةِ يَقُودُهَا، وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَسُوقُ مِنْ خَلْفِهِ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ ÷ يَسِيرُ فِى الْعَقَبَةِ إذْ سَمِعَ حِسّ الْقَوْمِ قَدْ غَشَوْهُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ ÷، وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ أَنْ يَرُدّهُمْ فَرَجَعَ حُذَيْفَةُ إلَيْهِمْ، وَقَدْ رَأَوْا غَضَبَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَجَعَلَ يَضْرِبُ وُجُوهَ رَوَاحِلِهِمْ بِمِحْجَنٍ فِى يَدِهِ، وَظَنّ الْقَوْمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ أُطْلِعَ عَلَى مَكْرِهِمْ فَانْحَطّوا مِنْ الْعَقَبَةِ مُسْرِعِينَ حَتّى خَالَطُوا النّاسَ، وَأَقْبَلَ حُذَيْفَةُ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ ÷ فَسَاقَ بِهِ.

فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْعَقَبَةِ نَزَلَ النّاسُ، فَقَالَ النّبِىّ ÷: “يَا حُذَيْفَةُ هَلْ عَرَفْت أَحَدًا مِنْ الرّكْبِ الّذِينَ رَدَدْتهمْ”؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ عَرَفْت رَاحِلَةَ فُلانٍ وَفُلانٍ وَكَانَ الْقَوْمُ مُتَلَثّمِينَ فَلَمْ أُبْصِرْهُمْ مِنْ أَجْلِ ظُلْمَةِ اللّيْلِ.

وَكَانُوا قَدْ أَنْفَرُوا بِالنّبِىّ ÷ فَسَقَطَ بَعْضُ مَتَاعِ رَحْلِهِ فَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَسْلَمِىّ يَقُولُ: فَنُوّرَ لِى فِى أَصَابِعِى الْخَمْسِ فَأُضِئْنَ حَتّى كُنّا نَجْمَعُ مَا سَقَطَ مِنْ السّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِمَا، حَتّى مَا بَقِىَ مِنْ الْمَتَاعِ شَيْءٌ إلاّ جَمَعْنَاهُ، وَكَانَ لَحِقَ النّبِىّ ÷ فِى الْعَقَبَةِ.

فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا مَنَعَك الْبَارِحَةَ مِنْ سُلُوكِ الْوَادِى، فَقَدْ كَانَ أَسْهَلَ مِنْ الْعَقَبَةِ؟ قَالَ: “يَا أَبَا يَحْيَى، أَتَدْرِى مَا أَرَادَ الْبَارِحَةَ الْمُنَافِقُونَ وَمَا اهْتَمّوا بِهِ؟ قَالُوا: نَتْبَعُهُ فِى الْعَقَبَةِ، فَإِذَا أَظْلَمَ اللّيْلُ عَلَيْهِ قَطَعُوا أَنْسَاعَ رَاحِلَتِى وَنَخَسُوهَا حَتّى يَطْرَحُونِى مِنْ رَاحِلَتِى”. فَقَالَ أُسَيْدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَدْ اجْتَمَعَ النّاسُ وَنَزَلُوا، فَمُرْ كُلّ بَطْنٍ أَنْ يَقْتُلَ الرّجُلَ الّذِى هَمّ بِهَذَا، فَيَكُونُ الرّجُلُ مِنْ عَشِيرَتِهِ هُوَ الّذِى يَقْتُلُهُ، وَإِنْ أَحْبَبْت، وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ فَنَبّئْنِى بِهِمْ فَلا تَبْرَحُ حَتّى آتِيَكُمْ بِرُءُوسِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا فِى النّبِيتِ فَكَفَيْتُكَهُمْ وَأَمَرْت سَيّدَ الْخَزْرَجِ فَكَفَاك مَنْ فِى نَاحِيَتِهِ، فَإِنّ مِثْلَ هَؤُلاءِ يُتْرَكُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ حَتّى مَتَى نُدَاهِنُهُمْ وَقَدْ صَارُوا الْيَوْمَ فِى الْقِلّةِ وَالذّلّةِ وَضَرَبَ الإِسْلامُ بِجِرَانِهِ فَمَا يُسْتَبْقَى مِنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأُسَيْدٍ: “إنّى أَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ النّاسُ إنّ مُحَمّدًا لَمّا انْقَضَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَضَعَ يَدَهُ فِى قَتْلِ أَصْحَابِهِ”، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، فَهَؤُلاءِ لَيْسُوا بِأَصْحَابٍ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ شَهَادَةَ أَنْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ”؟ قَالَ: بَلَى، وَلا شَهَادَةَ لَهُمْ، قَالَ: “أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ أَنّى رَسُولُ اللّهِ”؟ قَالَ: بَلَى، وَلا شَهَادَةَ لَهُمْ، قَالَ: “فَقَدْ نُهِيت عَنْ قَتْلِ أُولَئِكَ”.

قَالَ: حَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْعَقَبَةِ الّذِينَ أَرَادُوا بِالنّبِىّ ÷ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، قَدْ سَمّاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ÷ لِحُذَيْفَةَ وَعَمّارٍ رَحِمَهُمَا اللّهُ.

قَالَ: حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: تَنَازَعَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِى شَيْءٍ فَاسْتَبّا، فَلَمّا كَادَ الرّجُلُ يَعْلُو عَمّارًا فِى السّبَابِ، قَالَ عَمّارٌ: كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ؟ قَالَ: اللّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَخْبِرْنِى عَنْ عِلْمِكُمْ بِهِمْ فَسَكَتَ الرّجُلُ، فَقَالَ: مَنْ حَضَرَ بَيّنِ لِصَاحِبِك مَا سَأَلَك عَنْهُ، وَإِنّمَا يُرِيدُ عَمّارٌ شَيْئًا قَدْ خَفِىَ عَلَيْهِمْ فَكَرِهَ الرّجُلُ أَنْ يُحَدّثَهُ، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَى الرّجُلِ، فَقَالَ الرّجُلُ: كُنّا نَتَحَدّثُ أَنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً. قَالَ عَمّارٌ: فَإِنّك إنْ كُنْت مِنْهُمْ فَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَقَالَ الرّجُلُ: مَهْلاً، أَذَكّرَك اللّهُ أَنْ تَفْضَحَنِى، فَقَالَ عَمّارٌ: وَاَللّهِ مَا سَمّيْت أَحَدًا، وَلَكِنّى أَشْهَدُ أَنّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً، اثْنَا عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ فِى الْحَيَاةِ الدّنْيَا؛ وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ.

قَالَ: حَدّثَنِى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ ÷ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأُوحِىَ إلَيْهِ وَرَاحِلَتُهُ بَارِكَةٌ فَقَامَتْ رَاحِلَتُهُ تَجُرّ زِمَامَهَا حَتّى لَقِيَهَا حُذَيْفَةُ ابْنُ الْيَمَانِ فَأَخَذَ بِزِمَامِهَا فَاقْتَادَهَا حِينَ رَأَى رَسُولَ اللّهِ ÷ جَالِسًا، فَأَنَاخَهَا ثُمّ جَلَسَ عِنْدَهَا حَتّى قَامَ النّبِىّ ÷ فَأَتَاهُ فَقَالَ: “مَنْ هَذَا”؟ قَالَ. أَنَا حُذَيْفَةُ، فَقَالَ النّبِىّ ÷. فَإِنّى مُسِرّ إلَيْك أَمْرًا فَلا تَذْكُرَنّهُ إنّى نُهِيت أَنْ أُصَلّىَ عَلَى فُلانٍ وَفُلانٍ وَفُلانٍ - رَهْطٌ. عِدّةٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ - وَلا يُعْلِمُ رَسُولُ اللّهِ ÷ ذِكْرَهُمْ لأَحَدٍ غَيْرَ حُذَيْفَةَ، فَلَمّا تُوُفّىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فِى خِلافَتِهِ إذَا مَاتَ رَجُلٌ مِمّنْ يَظُنّ أَنّهُ مِنْ أُولَئِكَ الرّهْطِ أَخَذَ بِيَدِ حُذَيْفَةَ فَقَادَهُ إلَى الصّلاةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَشَى مَعَهُ حُذَيْفَةُ صَلّى عَلَيْهِ عُمَرُ، وَإِنْ انْتَزَعَ يَدَهُ وَأَبَى أَنْ يَمْشِىَ انْصَرَفَ مَعَهُ.

قَالَ: حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَمْ يُخْبِرْ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَحَدًا إلاّ حُذَيْفَةَ، وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً فِيهِمْ قُرَشِىّ، وَهَذَا الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا.

 

العجيب أن هذا الحدث تعمد ابن هشام حذفه من روايته للسيرة لابن إسحاق، كأنه لم يشأ إظهار محمد كزعيم وحاكم له أعداء يحاولون اغتياله لاستبداده وكره وتأذي بعضهم منه، ولا تخفى خيانته فالبيهقي في دلائل النبوة ينقل القصة بإسناد عن ابن إسحاق، وقد احتفظ لنا بنصه وسياقه:

 

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا أبو عمرو الحراني حدثنا أبو الأصبع عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة بن اليمان قال:  كنت آخذ بخطام ناقة رسول الله أقود به وعمار يسوقه أو أنا أسوقه وعمار يقوده حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا بإثني عشر راكباً قد اعترضوه فيها قال فأنبهت رسول الله بهم فصرخ بهم فولوا مدبرين فقال لنا رسول الله هل عرفتم القوم ? قلنا لا يا رسول الله كانوا متلثمين ولكنا قد عرفنا الركاب قال هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة وهل تدرون ما أرادوا ? قلنا لا قال أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها قلنا يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ? قال لا أكره أن تحدث العرب بينها أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم ثم قال اللهم أرمهم بالدبيلة قلنا يا رسول الله وما الدبيلة ? قال شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك

 

له شاهد مطابق من صحيح مسلم 2779

 

ومن رواياته كذلك عن ابن إسحاق رواية لست متأكدًا من صحتها، وأشتم فيها رائحة الوضع:

 

وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس عن ابن إسحاق قال: فلما بلغ رسول الله الثنية نادى منادي رسول الله (أن خذوا بطن الوادي فهو أوسع عليكم فإن رسول الله قد أخذ الثنية فذكر الحديث في مكر المنافقين بنحو مما ذكرنا في رواية عروة إلى قوله لحذيفة هل عرفت من القوم أحداً ? فقال لا ولكني أعرف رواحلهم فقال له رسول الله إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح فإنطلق إذا أصبحت فأجمعهم فلما أصبح قال أدع عبد الله أظنه ابن سعد بن أبي سرح وفي الأصل عبد الله بن أبي وسعد بن أبي سرح إلا أن ابن إسحاق ذكر قبل هذا أن ابن أبي تخلف في غزوة تبوك ولا أدري كيف هذا

 قال ابن إسحاق وأبا حاضر الأعرابي وعامراً وأبي عامر والجلاس ابن سويد بن الصامت وهو الذي قال لا ننتهي حتى نرمي محمداً من العقبة الليلة ولئن كان محمد وأصحابه خيراً منا إنا إذا لغنم وهو الراعي ولا عقل لنا وهو العاقل وأمره أن يدعو مجمع بن جارية وفليح التيمي وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام فإنطلق هارباً في الأرض فلا يدري ابن ذهب وأمره أن يدعو حصين بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه فقال له رسول الله ويحك ما حملك على هذا ? قال حملني عليه أني ظننت أن الله لم يطلعك عليه فأما إذ أطلعك الله عليه وعلمته فإني اشهد اليوم أنك رسول الله وإني لم أؤمن بك قط قبل الساعة يقيناً فأقاله رسول الله عثرته وعفا عنه بقوله الذي قال

 وأمره أن يدعو طعمة بن أبيرق وعبد الله بن عيينة وهو الذي قال لأصحابه اشهدوا هذه الليلة تسلموا الدهر كله فوالله ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل فدعاه رسول الله فقال ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت فقال عدو الله يا نبي الله والله لا تزال بخير ما أعطاك الله النصر على عدوك إنما نحن بالله وبك فتركه رسول الله وقال لحذيفة أدع مرة بن ربيع وهو الذي ضرب بيده على عاتق عبد الله بن أبي ثم قال تمطى والنعيم لنا من بعده كائن نقتل الواحد المفرد فيكون الناس عامةً بقتله مطمئنين فدعاه رسول الله فقال له ويحك ما حملك على أن تقول الذي قلت ? فقال يا رسول الله إن كنت قلت شيئاً من ذلك إنك لعالم به وما قلت شيئاً من ذلك

 فجمعهم رسول الله وهم اثنا عشر رجلاً الذين حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله فأخبرهم رسول الله بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم وأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك بعلمه ومات الاثنا عشر منافقين محاربين لله تعالى ورسوله وذلك قول الله عز وجل وهموا بما لم ينالوا

 وكان أبو عامر رأسهم وله بنوا مسجد الضرار وهو الذي كان يقال له الراهب فسماه رسول الله الفاسق وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة فأرسلوا إليه فقدم عليهم أخزاه الله وإياهم...إلخ

 

من المشكوك فيه أن محمدًا كان يعلمهم كلهم بصورة مؤكَّدة يقينية، وهو لم يشأ استعمال العنف للحصول على اعترافات ومعرفة فاعلي المؤامرة، والحق أنه تصرف حكيم ونقطة محسوبة له، فلم يشأ أن يقال أنه يقتل أتباعه وقد استطاع اكتساب أتباع كثر، بل ينبغي أن يظل مشهورًا بأن من يتبعه يتدلل بالغنائم وسبايا النساء والخدم!

 

لماذا حاولوا أن يغتالوه؟ هؤلاء مجموعة مما يسميهم محمد في قرآنه بالمنافقين، وهم قوم أكرههم بأسلوبه الإرهابي العنيف على التظاهر بأنهم متبعون لدينه الإسلام ليحموا حيواتهم، بعض هؤلاء يهود وبعضهم مؤمنون بتعدد الآلهة وبعضهم بلا مبدأ ولا إيمان بأي شيء لكن لاينطبق عليهم كمنظومة فكرية وأخلاقية هشة وصف الملحدين العقلانيين. من الطبيعي أن يمتلئوا غضبًا وضيقًا وأي إنسان يُجبَر على ما لا يريد من اعتقادات وأفكار عليه أن يتظاهر بها ولو كان يبغضها ولا يقتنع بها، سيشعر بذلك، لكن تحركهم وتآمرهم ذلك كان لو نجح سيكون بلا جدوى، فهو تآمر متأخر جدًّا وبعد فوات الأوان بكثير، لأن محمدًا لو مات آنذاك كان دينه سيستمر كامل البنيان لأنه وضع كل أساسات دينه من عقائد وتشريع.

 

نفس التعليق ينسحب وينطبق على مؤامرتهم لعمل مسجد يؤمه أبو عامر الراهب كتأسيس لدين أو ظاهرة دينية منافسة، أو لو أخذنا برواية في دلائل النبوة للبيهقي ليكون نقطة رصد حتى يستعين بجنود الروم، فهو تصرف متأخر للغاية عن وقته اللازم بعدما تولى محمد كل السلطة السياسية وأنشأ سلطته الدينية ليهدم ويحرق مثل ذلك المسجد ويمنع ما لا يعجبه ويتوافق مع أفكاره ودعوته وأهدافه، وقصته ترد في ابن هشام والواقدي والقرآن بسورة التوبة 107. ونلاحظ أنه منذ عصر محمد لم يتمكن لا هو ولا غيره من قتل منافق، لأنه يستتر بالإسلام ويلاعب المسلمين المتعصبين بلعبتهم، وهكذا كثير من الإصلاحيين كإسلام البحيري وجمال البنا يتخذون ثوبًا إسلاميًّا للإصلاح من ديانة إرهابية لا إصلاح ولا صلاح لها ولا بها. بسبب كبت وقمع حق التعبير والتفكير والنقد.

 

 

 

 

إقامة محمد صلاة وجنازة لعبد الله بن أُبَيّ وسببها

 

تذكر لنا كتب الحديث والسيرة إقامة محمد لجنازة يذكر الواقدي أنها أكثر جنازة أطال فيها محمد، مع أن المذكور من رؤوس المنافقين المستترين بالإسلام ليحموا حيواتهم مع شدة عدائهم لمحمد ودعوته وتحركاته. إن ابن أبي كان أكبر زعيم خزرجي ورغم كل ما يقال عنه بالكتب الإسلامية كان له وقتذاك شعبية كبيرة، يقول الواقدي أن جنازته حضرها كل نساء الخزرج والأوس لتعزية ابنته وحضرها جمع كثيف من غير المؤمنين بالإسلام المكرَهين عليه "المنافقين"، ولولا قدوم محمد لكان هو الزعيم المتوَّج على يثرب كلها كخزرجي، لم يشأ محمد أن يبدو كالشامت أو من استراح من عدوه، فاتخذ ما سماه أحد كتبة مقالات منتدى الملحدين العرب بحق مسرحية من فصل واحد، فقام بإقامة صلاة على ابن أبي رغم معارضة عمر بن الخطاب، ثم ادعاء نزول آيات تلومه على ذلك من الله المزعوم، وهو تصرف دبلوماسي مراوغ لمحمد، روى مسلم:

 

2400- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ , جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ أَنْ يُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ ، فَأَعْطَاهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ؟ فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً , وَسَأَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ قَالَ : إِنَّهُ مُنَافِقٌ.

فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}.

6286- وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ الْقَطَّانُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. وَزَادَ : قَالَ : فَتَرَكَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِمْ.

 

وروى البخاري:

 

4671 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، وقَالَ غَيْرُهُ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ، وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ» فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: «إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا» قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرًا، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] إِلَى قَوْلِهِ {وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ

 

من رواية الواقدي عن الجنازة:

 

...وَكَانَ مُجَمّعُ بْنُ جَارِيَةَ يُحَدّثُ يَقُولُ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ÷ أَطَالَ عَلَى جِنَازَةٍ قَطّ، مَا أَطَالَ عَلَيْهَا مِنْ الْوَقْتِ، ثُمّ خَرَجُوا حَتّى انْتَهَوْا إلَى قَبْرِهِ، وَقَدْ حُمِلَ عَلَى سَرِيرٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَوْتَاهُمْ عِنْدَ آلِ نُبَيْطٍ.

وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يُحَدّثُ يَقُولُ: رَأَيْت ابْنَ أُبَىّ عَلَى السّرِيرِ، وَإِنّ رِجْلَيْهِ خَارِجَتَانِ مِنْ السّرِيرِ مِنْ طُولِهِ.

وَكَانَتْ أُمّ عُمَارَةَ تُحَدّثُ قَالَتْ: شَهِدْنَا مَأْتَمَ ابْنِ أُبَىّ، فَلَمْ تَتَخَلّفْ امْرَأَةٌ مِنْ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ إلاّ أَتَتْ ابْنَتُهُ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَىّ، وَهِىَ تَقُولُ: وَاجَبَلاه - مَا يَنْهَاهَا أَحَدٌ وَلا يَعِيبُ عَلَيْهَا - وَاجَبَلاه وَارُكْنَاه، قَالُوا: وَلَقَدْ اُنْتُهِىَ بِهِ إلَى قَبْرِهِ.

فَكَانَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِىّ يُحَدّثُ يَقُولُ: لَقَدْ جَهَدَنَا أَنْ نَدْنُوَ مِنْ سَرِيرِهِ، فَمَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَؤُلاءِ الْمُنَافِقُونَ، وَكَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا الإِسْلامَ، وَهُمْ عَلَى النّفَاقِ مِنْ بَنِى قَيْنُقَاعٍ وَغَيْرِهِمْ سَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ، وَسَلامَةُ ابْنُ الْحُمَامِ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَبِى عَامِرٍ، وَرَافِعُ بْنُ حَرْمَلَةَ، وَمَالِكُ بْنُ أَبِى نَوْفَلٍ، وَدَاعِسٌ، وَسُوَيْدٌ، وَكَانُوا أَخَابِثِ الْمُنَافِقِينَ وَكَانُوا هُمْ الّذِينَ يَعْرِضُونَهُ، وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ لَيْسَ شَيْءٌ أَثْقَلُ عَلَيْهِ وَلا أَعْظَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ، وَكَانَ بِهِ بَطْنٌ فَكَانَ ابْنُهُ يُغْلِقُ دُونَهُمْ الْبَابَ، فَكَانَ ابْنُ أُبَىّ يَقُولُ: لا يَلِيَنّى غَيْرُهُمْ، وَيَقُولُ: أَنْتَ وَاَللّهِ أَحَبّ إلَىّ مِنْ الْمَاءِ عَلَى الظّمَأِ، وَيَقُولُونَ: لَيْتَ أَنّا نَفْدِيك بِالأَنْفُسِ وَالأَوْلادِ وَالأَمْوَالِ، فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى حُفْرَتِهِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ وَاقِفٌ يَلْحَظُهُمْ ازْدَحَمُوا عَلَى النّزُولِ فِى حُفْرَتِهِ وَارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ، حَتّى أُصِيبَ أَنْفُ دَاعِسٍ، وَجَعَلَ عُبَادَةُ ابْنُ الصّامِتِ يَذُبّهُمْ، وَيَقُولُ: اخْفِضُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى أُصِيبَ أَنْفُ دَاعِسٍ، فَسَالَ الدّمُ، وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَنْزِلَ فِى حُفْرَتِهِ فَنُحّىَ وَنَزَلَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ أَهْلُ فَضْلٍ وَإِسْلامٍ، وَكَانَ لَمّا رَأَوْا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ÷ مِنْ الصّلاةِ عَلَيْهِ وَحُضُورِهِ وَمِنْ الْقِيَامِ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ فِى حُفْرَتِهِ ابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِىّ حَتّى سُوّىَ عَلَيْهِ، وَإِنّ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النّبِىّ ÷ وَالأَكَابِرُ مِنْ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ يُدَلّونَهُ فِى اللّحْدِ، وَهُمْ قِيَامٌ مَعَ النّبِىّ ÷.

وَزَعَمَ مُجَمّعُ بْنُ جَارِيَةَ أَنّهُ رَأَى رَسُولَ اللّهِ ÷ يُدَلّيهِ بِيَدَيْهِ إلَيْهِمْ، ثُمّ قَامَ عَلَى الْقَبْرِ حَتّى دُفِنَ وَعَزّى ابْنَهُ، وَانْصَرَفَ، فَكَانَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ يَقُولُ: مَا لَقِىَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ هَؤُلاءِ الْمُنَافِقُونَ إنّهُمْ هُمْ الّذِينَ كَانُوا يَحْثُونَ فِى الْقَبْرِ التّرَابَ وَيَقُولُونَ: يَا لَيْتَ أَنّا فَدَيْنَاك بِالأَنْفُسِ، وَكُنّا قَبْلَك، وَهُمْ يَحْثُونَ التّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَكَانَ الّذِى يَحْسُنُ أَمْرُهُ يَقُولُ: قَوْمٌ أَهْلُ فقرٍ وَكَانَ يُحْسِنُ إلَيْهِمْ.

 

نلاحظ إصرار محمد وأتباعه على السيطرة على جنازة الرجل، لدرجة دفع "المنافقين" المساكين أتباع ابن أبي خارجًا، وكدم أنف أحدهم، هذا يذكرني بمقولة توماس باين أن أسوأ أنواع الاستبداد هو الديني لأنه يريد أن يلاحق الناس حتى إلى قبورهم. ومن يقرأ كتب السيرة والقرآن والأحاديث يرى عدة مواقف لعبد الله بن أُبّيّ معارضة ومعادية للإسلام والتواجد القرشي في يثرب، ولنعد إلى مشهد من بداية دعوة محمد قبل أن يتحصل على الأغلبية، روى البخاري:

 

4566 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، قَالَ: حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا فِي المَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَاليَهُودِ وَالمُسْلِمِينَ، وَفِي المَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا المَرْءُ إِنَّهُ لاَ أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إِنْ كَانَ حَقًّا فَلاَ تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَاليَهُودُ، حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ - يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ - قَالَ: كَذَا وَكَذَا "، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ، فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، لَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ البُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ المُشْرِكِينَ، وَأَهْلِ الكِتَابِ، كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} [آل عمران: 186] الآيَةَ، وَقَالَ اللَّهُ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ العَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا، فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايَعُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَأَسْلَمُوا

 

ورواه مسلم 1798

 

شرح مصطفى البغا لمعاني كلمات:

 

(إكاف) كالسرج للحمار. (فدكية) أي من صنع فدك وهي بلدة مشهورة على مرحلتين من المدينة. (عجاجة) غبار. (خمر) غطى. (رحلك) منزلك. (فاغشنا) فأتنا. (فاستب..) شتم كل فريق غيره ووصفه بما يعيبه. (يتثاورون) يتقاتلون. (البحيرة) يريد المدينة والبحيرة تصغير البحرة وهي تطلق على الأرض والبلد والبحار والقرى. (يتوجوه) يجعلوا على رأسه تاجا ليكون ملكا عليهم. (فيعصبوه بالعصابة) يعمموه بعمامة الملوك. (شرق) غص.

 

محمد يبصق على جثة عبد الله بن أبي بدعوة أنها مباركة

 

لما كان هؤلاء المسلمون الأوائل أتباع محمد_كما رأينا في حديث صلح الحديبية_مجتمع جهل وخرافات مهووس ببصاق ومخاط وعرق محمد _وسنعيد ذكر هذا بالتفصيل في باب الخرافات من الجزء الثاني القادم_اتخذ محمدٌ ذلك فرصة ليبصق ساخرًا على جثة خصمه العتيد من الرأس حتى القدم شاعرًا بالسعادة على نحوٍ مؤكَّد والشماتة وإن أخفى ذلك أمام هؤلاء السذج الذين استغفلهم وتظاهر بحسن النية باعتبار أنه لا شماتة في الموت الذي هو مصير كل إنسان وكائن حي عديد الخلايا.

 

روى أحمد بن حنبل:

 

 14986 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ أَتَى ابْنُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَأْتِهِ لَمْ نَزَلْ نُعَيَّرُ بِهَذَا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَهُ قَدْ أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ، فَقَالَ: "أَفَلَا قَبْلَ أَنْ تُدْخِلُوهُ"، فَأُخْرِجَ مِنْ حُفْرَتِهِ فَتَفَلَ عَلَيْهِ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ.

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه النسائي في "الكبرى" (966.5) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (74) و (75) من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان، بهذا الإسناد.

 

15075 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَهُ مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، "أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ"

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه الحميدي (1247) ، والبخاري (1270) و (1350) و (5795) ، ومسلم (2773) (2) ، والنسائي 4/37-38 و38 و84، وابن الجارود (524) ، وأبو يعلى (1828) ، والطبري في "التفسير" 10/205، وأبو عوانة في الجنائز والمنافقين كما في "إتحاف المهرة" 3/289، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (73) ، وابن حبان (3174) ، والبيهقي في "السنن" 3/402، وفي "الدلائل" 5/286، والبغوي في "التفسير" 2/317 من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد. وعند البخاري (1270) ، والبغوي زيادة في آخره: وكان كَسا عباساً قميصاً... ثم ذكر قصة، وانظر تفصيل هذه القصة عند البخاري (3008). وأخرجه مسلم (2773) من طريق عبد الملك بن جريج، والنسائي 4/84 من طريق الحسين بن واقد، كلاهما عن عمرو بن دينار، به. زاد في رواية الحسين بن واقد: وصلى عليه. وهي زيادة شاذة في حديث جابر، وقد قيل في الحسين بن واقد: إنه قد يتفرد بزيادات في أحاديثه.

 

كما نرى فمحمد لم يكن أمينًا على جثة خصمه واحترام حرمة الميت.

 

 

 

 

 

 

حَجّ أَبي بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ، وتبليغ علي للوثنيين

سورة براءة (التوبة)

 

ما أن حاز محمد على قوة كبيرة وسيطرة على أجزاء كبرى من شبه الجزيرة العربية، وضم له معظم القبائل كأتباع كقريش وهوازن وثقيف وبني سليم وبني غفار وأشجع ومزينة وغطفان وغيرهم، حتى شرع في استكمال إكراهه للوثنيين على اتباع دينه، وأرسل أبا بكر ثم أبدله بعلي كممثل وقريب له_حسب تقاليد العرب_ليعلن للوثنيين ممن له عهد مع المسلمين ومحمد نقض تلك العهود وأن أمامهم "مهلة!" أربعة أشهر سلام وأمان ليسلموا أو يهربوا من شبه الجزيرة العربية، فمن له عهد غير محدد المدة معه فقد أعلن نقضه ونبذه إليه وأمامه تلك الأربعة أشهر ليسلم أو يهرب وإلا سيقتله المسلمون، ومن ليس له عهد أو باقٍ أقل من الأربعة أشهر فله تلك الأربعة أشهر فقط أمانًا، ومن له عهد فعهده إلى انتهاء مدته ثم سيحاربه محمد وأتباعه لإكراهه (ولو أني أشك في أنه ترك أحدًا إلى تمام مدة عهده، ولعل معظم أو كل عهوده كانت مفتوحة دون مدة فنقضها)، وأعلن بذلك سيادة عهد الإرهاب والإكراه واستفحاله أكثر من كل الأحداث التي سردناها سابقًا. وأتم تحويل الكعبة من مكان مقدّس وثني تعددي إلى مكان مقدس إسلامي وبزعمه إبراهيميّ بناه إبراهيم وإسماعيل، ولم يكن الوثنيون يعرفون هذين الشخصين الأسطوريين من الأصل.

 

يقول ابن هشام مقتبسًا من ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني حكيم ابن حكيم بن عبَّاد بن حُنَيْف، عن أبي جعفر محمد بن على رضوان اللّه عليه، أنه قال: لما نزلت براءةُ على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد كان بعث أبا بكر الصديق ليقيم للناس الحج، قيل له: يا رسول اللّه لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدي عني إلا رجلٌ من أهل بيتي، ثم دعا علي بن أبي طالب. رضوان اللّه عليه، فقال له: اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن في الناس يومَ النحر إذا اجتمعوا بمنى، أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته فخرج علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه على ناقةِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم العَضْباء، حتى أدرك أبا بكر بالطريق فلما رآه أبو بكر بالطريق قال: أأمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم مضيا. فأقام أبو بكر للناس الحج، والعرب إذ ذاك في تلك السَّنة على منازلهم من الحج، التي كانوا عليها في الجاهلية. حتى إذا كان يوم النحر، قام علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه، فأذَّن في الناس بالذي أمره به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: أيها الناس، إنه لا يدخل الجنةَ كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان، ومن كان له عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته؛ وأجل الناس أربعةَ أشهر من يوم أذَّن فيهم، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو بلادِهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة، إلا أحد كان له عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة، فهو له إلى مدته. فلم يحج بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف بالبيت عريان. ثُمَّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَاءَةَ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ وَأَهْلِ الْمُدَّةِ إِلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى.

قال ابن إسحاق: ثم أمر اللّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بجهاد أهل الشرك، ممن نقض من أهل العهد الخاص، ومن كان من أهل العهد العام، بعد الأربعة الأشهر التي ضرب لهم أجلا إلا أن يعدوَ فيها عاد منهم، فيُقتل بعدائه.

 

وروى البخاري:

 

369 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ، نُؤَذِّنُ بِمِنًى: أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ " قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةٌ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: «لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»

 

ورواه مسلم 1347.

                                                                     

ولنذكر آيات سورة التوبة الإرهابية هاهنا مخلوطة بتفسير ابن كثير الدمشقي والأحاديث الصحاح التي أوردها للتفسير:

 

[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 2]

بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2)

 

وَأَوَّلُ هَذِهِ السُّورَةِ "الْكَرِيمَةِ" نَزَلَ عَلَى "رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهَمَّ بِالْحَجِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَحْضُرُونَ عَامَهُمْ هَذَا الْمَوْسِمَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ يطوفون بالبيت عراة، فكره مخالطتهم وبعث أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمِيرًا على الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم ويعلم المشركين أن لا يَحُجُّوا بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَأَنْ يُنَادِيَ فِي الناس بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَمَّا قَفَلَ أَتْبَعُهُ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَكُونَ مُبَلِّغًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ عُصْبَةً لَهُ كَمَا سَيَأْتِي بيانه.

فقوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَيْ هَذِهِ بَرَاءَةٌ أَيْ تَبَرُّؤٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَقَالَ قَائِلُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ لِذَوِي الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ أَوْ مَنْ لَهُ عَهْدٌ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيُكْمَلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ مَهْمَا كَانَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ [التوبة: 4] الآية، وَلِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ. وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا، وَقَدِ اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَرُوِيَ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ الآية، قَالَ: حَدَّ اللَّهُ لِلَّذِينِ عَاهَدُوا رَسُولَهُ أَرْبَعَةَ أشهر يسيحون في الأرض حيث شاؤوا وأجل مَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ من يوم النحر إلى سلخ المحرم فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَةً، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِذَا انسلخ الأشهر الحرم أَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وبينه عهد بقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام، وأمر بمن كَانَ لَهُ عَهْدٌ إِذَا انْسَلَخَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ ربيع الآخر أن يضع فيهم السيف أيضا حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ « انظر تفسير الطبري 6/ 303.».

 

وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ سَنَةَ تِسْعٍ، وَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَةَ فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ، يُؤَجِّلُ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسِيحُونَ في الأرض فقرأها عليهم يوم عرفة أجلهم عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ وَشَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَقَالَ: لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ «تفسير الطبري 6/ 304.».

 

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ خُزَاعَةَ وَمُدْلِجٍ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ أَوْ غَيْرُهُمْ، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تَبُوكَ حِينَ فَرَغَ فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجُّ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا يَحْضُرُ الْمُشْرِكُونَ فَيَطُوفُونَ عُرَاةً فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ» فَأَرْسَلَ أَبَا بكر وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَطَافَا بِالنَّاسِ فِي ذِي الْمَجَازِ وَبِأَمْكِنَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِهَا وبالمواسم كلها، فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمّنوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهِيَ الْأَشْهُرُ الْمُتَوَالِيَاتُ عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى عَشْرٍ يَخْلُونَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ ثُمَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ، وَآذَنَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِالْقِتَالِ إِلَّا أَنْ يُؤَمَّنُوا «تفسير الطبري 6/ 304.» ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ وقَتَادَةَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ ابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ مِنْ شَوَّالٍ وَآخِرُهُ سَلْخَ الْمُحَرَّمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ وَكَيْفَ يُحَاسَبُونَ بِمُدَّةٍ لَمْ يَبْلُغْهُمْ حُكْمَهَا وَإِنَّمَا ظَهَرَ لَهُمْ أَمْرُهَا يَوْمَ النَّحْرِ حِينَ نَادَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بذلك ولهذا قال تعالى:

 

[سورة التوبة (9) : آية 3]

وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3)

 

يَقُولُ تَعَالَى وَإِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَقَدُّمٌ وَإِنْذَارٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْمَنَاسِكِ وَأَظْهَرُهَا وَأَكْثَرُهَا جَمْعًا أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ أَيْ بَرِيءٌ مِنْهُمْ أَيْضًا ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ إِلَيْهِ، فَقَالَ فَإِنْ تُبْتُمْ أَيْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالضَّلَالِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَيِ اسْتَمْرَرْتُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ بَلْ هو قادر عليكم وَأَنْتُمْ فِي قَبْضَتِهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ أَيْ فِي الدُّنْيَا بِالْخِزْيِ وَالنَّكَالِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْمَقَامِعِ وَالْأَغْلَالِ.

 

قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: 4656- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَقِيلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي المؤذنين الذين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ حُمَيْدٌ: ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يوم النحر ببراءة، وأن لا يحج بعد هذا الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. «حديث 4656 كتاب التفسير، تفسير سورة 9، باب 2، 3»

 

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: 3177- حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: «لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَيَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ»، وَإِنَّمَا قِيلَ الأَكْبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ: الحَجُّ الأَصْغَرُ، فَنَبَذَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ العَامِ، فَلَمْ يَحُجَّ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِكٌ. هذا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ. «حديث 3177  كتاب الجهاد باب 66»

 

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «المسند 2/ 299» : 7977 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ " بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِبَرَاءَةٌ ". فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ تُنَادُونَ ؟ قَالَ: كُنَّا نُنَادِي: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَإِنَّ أَجَلَهُ أَوْ أَمَدَهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَإِنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَحُجُّ هَذَا الْبَيْتَ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ. قَالَ: فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي.

 

إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير محرر بن أبي هريرة، فقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقد وقع في متن الحديث نكارة من جهة قول الراوي "ومن كان بينه وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهدٌ فإن أجله أو أمده إلى أربعة أشهر"، فالصحيح أن أجله إلى أمده بالغاً ما بلغ ولو زاد على أربعة أشهر، وذلك لقوله تعالى في سورة براءة (فأتِمُّوا عَهْدَهم إلى مُدَّتهم) ، وأما من لم يكن له عهدٌ من المشركين، أو كان له عهد، لكن ظاهَرَ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو نقض عهده قبل انقضاء مدته، فذلك أمده إلى أربعة أشهر

 

صحل صوتي: بُحَّ.

 

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَرَّرُ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي فَكَانَ إِذَا صحل ناديت فقلت: بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُنَادُونَ؟ قَالَ بِأَرْبَعٍ، لَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مؤمنة، ولا يحج بعد عامنا هذا مشرك. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ « تفسير الطبري 6/ 306» مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ « تفسير الطبري 6/ 306» : وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهْمًا مِنْ بَعْضِ نَقَلَتِهِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ مُتَظَاهِرَةٌ فِي الْأَجَلِ بِخِلَافِهِ.

 

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ « 13214»: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بعثه ببراءة مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا بَلَغَ ذَا الْحُلَيْفَةِ قَالَ: «لَا يُبَلِّغُهَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي» فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،

 

وَرَوَاهُ الترمذي « 3090، سنن الترمذي، كتاب التفسير، تفسير سورة 9، باب 5.» في التفسير: عن بُنْدَارٍ عَنْ عَفَّانَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

 

وقال الإمام أحمد: 594 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أُثَيْعٍ، - رَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ - سَأَلْنَا عَلِيًّا: بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ ؟ يَعْنِي يَوْمَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْحَجَّةِ، قَالَ: "بُعِثْتُ بِأَرْبَعٍ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَلا يَحُجُّ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا"

 

، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ « كتاب التفسير، تفسير سورة 9، باب 5» عَنْ قِلَابَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ كَذَا قَالَ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عن أبي إسحاق فقال: زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ وَهِمَ فِيهِ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

 

أخرجه الحميدي (48) ، والدارمي (1919) ، والترمذي (871) و (872) و (3092) ، وأبو يعلى (452) ، والبيهقي 9/207 من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد، وقال الترمذي: حسن صحيح. وأخرجه البزار (785) من طريق معمر، والطبري 10/64 من طريق زكريا بن أبي زائدة، والبيهقي 9/206-207 من طريق زهير بن معاوية، ثلاثتهم عن أبي إسحاق، به.  وأخرجه الحاكم 4/178

 

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ « تفسير الطبري 6/ 306» : حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ بَرَاءَةُ بأربع: أن لا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَقْرَبَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُشْرِكٌ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ

 

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَدْ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ لِيُقِيمَ الْحَجَّ لِلنَّاسِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: «لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي» ثُمَّ دَعَا عليا فقال «اذهب بهذه القصة من سورة بَرَاءَةَ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ إِذَا اجْتَمَعُوا بِمِنًى، أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو له إِلَى مُدَّتِهِ» فَخَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءِ حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ فِي الطَّرِيقِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أَمِيرٌ أو مأمور؟ فقال بَلْ مَأْمُورٌ، ثُمَّ مَضَيَا فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ للناس الحج إِذْ ذَاكَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْحَجِّ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ قَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالَّذِي أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ولا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ، فَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، ثُمَّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَاءَةَ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ وَأَهْلِ الْمُدَّةِ إِلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى «السيرة لابن هشام».

 

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ « تفسير الطبري 6/ 309، 310» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ راشد، أخبرنا حيوة بن شريح، أخبرنا ابن صَخْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيَّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيَّ وهو يقول: سألت عليا عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ يُقِيمُ لِلنَّاسِ الْحَجَّ وَبَعَثَنِي مَعَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَةَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: قُمْ يَا عَلِيُّ فَأَدِّ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْتُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَةَ، ثُمَّ صَدَرْنَا فَأَتَيْنَا مِنًى فَرَمَيْتُ الْجَمْرَةَ وَنَحَرْتُ الْبَدَنَةَ ثُمَّ حَلَقْتُ رَأْسِي وَعَلِمْتُ أن أهل الجمع لم يكونوا كلهم حضروا خطبة أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ عَرَفَةَ فَطُفْتُ أَتَتَبَّعُ بِهَا الفساطيط أقرأها عَلَيْهِمْ فَمِنْ ثَمَّ إِخَالُ حَسِبْتُمْ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ أَلَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ.

 

وَقَالَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَأَلْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قَالَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ أَمْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: كُلٌّ فِي ذَلِكَ «تفسير الطبري 6/ 310» ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: عن ابن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ عَرَفَةَ «المرجع السابق». وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْوَلِيدِ الشَّنِّيُّ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَصَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: هَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَلَا يُصَومَنَّهُ أَحَدٌ. قَالَ: فَحَجَجْتُ بَعْدَ أَبِي فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ أَهْلِهَا فَقَالُوا: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنِّي مِائَةَ ضِعْفٍ عُمَرُ أَوْ ابْنُ عُمَرَ، كَانَ يَنْهَى عَنْ صَوْمِهِ وَيَقُولُ هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «المرجع السابق» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَطَاوُسٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.

 

[سورة التوبة (9) : آية 4]

إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)

 

هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ ضَرْبِ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِمَنْ لَهُ عَهْدٌ مُطْلَقٌ لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ، فَأَجَلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ يَذْهَبُ فِيهَا لِيَنْجُوَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ شَاءَ، إِلَّا مَنْ لَهُ عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ الْمَضْرُوبَةِ الَّتِي عُوهِدَ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَحَادِيثُ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وذلك بشرط أن لا يَنْقُضَ الْمُعَاهَدُ عَهْدَهُ وَلَمْ يُظَاهِرْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَحَدًا أَيْ يُمَالِئْ عَلَيْهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ، فَهَذَا الَّذِي يُوَفَّى لَهُ بِذِمَّتِهِ وَعَهْدِهِ إِلَى مُدَّتِهِ ولهذا حرض تَعَالَى عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِكَ، فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أي الموفين بعهدهم.

 

[سورة التوبة (9) : آية 5]

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)

 

اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ هَاهُنَا مَا هِيَ؟ فذهب ابن جرير إلى أنها الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة: 36] الآية، قال أبو جعفر الباقر، ولكن قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: آخِرُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي حَقِّهِمُ الْمُحَرَّمُ، وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ حَكَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الضَّحَّاكُ أَيْضًا وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ السِّيَاقِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَشْهُرُ التَّسْيِيرِ الأربعة المنصوص عليها بقوله فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التَّوْبَةِ: 2] ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَيْ إِذَا انْقَضَتِ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي حَرَّمْنَا عَلَيْكُمْ فِيهَا قِتَالَهُمْ وَأَجَّلْنَاهُمْ فِيهَا فَحَيْثُمَا وَجَدْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ لِأَنَّ عود العهد على مَذْكُورٍ أَوْلَى مِنْ مُقَدَّرٍ، ثُمَّ إِنَّ الْأَشْهُرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ سَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى بَعْدُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ.

 

وَقَوْلُهُ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ أَيْ مِنَ الْأَرْضِ وَهَذَا عَامٌّ، وَالْمَشْهُورُ تَخْصِيصُهُ بِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ، بِقَوْلِهِ: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ [الْبَقَرَةِ: 191] وَقَوْلُهُ: وَخُذُوهُمْ أَيْ وَأْسِرُوهُمْ إِنْ شِئْتُمْ قَتْلًا وَإِنْ شِئْتُمْ أَسْرًا، وَقَوْلُهُ: وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ أَيْ لَا تَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ وِجْدَانِكُمْ لَهُمْ، بَلِ اقْصِدُوهُمْ بِالْحِصَارِ فِي مَعَاقِلِهِمْ وَحُصُونِهِمْ وَالرَّصْدِ فِي طُرُقِهِمْ وَمَسَالِكِهِمْ حَتَّى تُضَيِّقُوا عَلَيْهِمُ الْوَاسِعَ وَتَضْطَرُّوهُمْ إِلَى الْقَتْلِ أَوِ الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

وَلِهَذَا اعْتَمَدَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَأَمْثَالِهَا، حَيْثُ حَرَّمَتْ قِتَالَهُمْ بِشَرْطِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَهِيَ الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْقِيَامُ بِأَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ، وَنَبَّهَ بأعلاها على أدناها فإن أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين الصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبَعْدَهَا أَدَاءُ الزَّكَاةِ الَّتِي هِيَ نَفْعٌ مُتَعَدٍّ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَحَاوِيجِ وَهِيَ أَشْرَفُ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَخْلُوقِينَ، وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يَقْرِنُ اللَّهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.

 

وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» «أخرجه البخاري في الإيمان باب 17، ومسلم في الإيمان حديث 32» الْحَدِيثَ.

 

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا وَأَكَلُوا ذَبِيحَتَنَا وَصَلُّوا صَلَاتَنَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ» « المسند 3/ 199، 224، 225» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بِهِ. «أخرجه البخاري في الصلاة باب 28، وأبو داود في الزكاة باب 1، والجهاد باب 95، والترمذي في الإيمان باب 1، 2، وتفسير سورة 88، والنسائي في الزكاة باب 3، والإيمان باب 15، والجهاد باب 1، والتحريم باب 1، وابن ماجة في المقدمة باب 9، والفتن باب 1.»

 

وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «تفسير الطبري 6/ 320» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتِهِ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَارَقَهَا وَاللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ» قَالَ: وَقَالَ أَنَسٌ: هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَبَلَّغُوهُ عَنْ رَبِّهِمْ قَبْلَ هَرْجِ الْأَحَادِيثِ وَاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي آخِرِ مَا أُنْزِلَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ قَالَ: تَوْبَتُهُمْ خَلْعُ الْأَوْثَانِ وَعِبَادَةُ رَبِّهِمْ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، ثُمَّ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ [التَّوْبَةِ: 11] وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَنَا حكام بن سلمة، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ بِهِ سَوَاءً.

 

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ هِيَ آيَةُ السَّيْفِ الَّتِي قَالَ فِيهَا الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: إِنَّهَا نَسَخَتْ كُلَّ عَهْدٍ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أحد من المشركين وكل عقد وَكُلَّ مُدَّةٍ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ وَلَا ذِمَّةٌ مُنْذُ نَزَلَتْ بَرَاءَةُ، وَانْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَمُدَّةُ مَنْ كَانَ لَهُ عهد من المشركين قبل أن تنزل براءة أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، مِنْ يَوْمِ أُذِّنَ بِبَرَاءَةَ إِلَى عَشْرٍ مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عباس فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فِيمَنْ عَاهَدَ إِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَنَقْضِ مَا كَانَ سَمَّى لهم من العهد وَالْمِيثَاقِ، وَأَذْهَبَ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنصاري قال: قال سفيان بن عيينة: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعَةِ أَسْيَافٍ سَيْفٍ في المشركين من العرب، قال الله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا، وَأَظُنُّ أَنَّ السَّيْفَ الثَّانِيَ هو قتال أهل الكتاب لقوله تَعَالَى: قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التَّوْبَةِ: 29] وَالسَّيْفُ الثَّالِثُ قِتَالُ الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ [التوبة: 73 والتحريم: 9] الآية، وَالرَّابِعُ قِتَالُ الْبَاغِينَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ [الْحُجُرَاتِ: 9] ثُمَّ اخْتَلَفَ المفسرون في آية السيف هذه فقال الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [مُحَمَّدٍ: 4] وَقَالَ قَتَادَةُ بالعكس.

 

ملاحظة من لؤي: سورة محمد قبل التوبة براءة، وبراءة من آخر ما أعلنه محمد أو "نزل" كما تقول كتب تفاسيره وأحاديثهم الصحيحة، فحكم الإرهاب وآية السيف نسخا أي تسامح أو تعامل بشريّ متحضّر.

 

[سورة التوبة (9) : آية 6]

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)

 

يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ بِقِتَالِهِمْ وَأَحْلَلْتُ لَكَ اسْتِبَاحَةَ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ اسْتَجارَكَ أَيْ اسْتَأْمَنَكَ فَأَجِبْهُ إِلَى طِلْبَتِهِ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ أَيْ الْقُرْآنَ تَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ وَتَذْكُرُ لَهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدين تقيم به عليه حُجَّةَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ أَيْ وَهُوَ آمِنٌ مُسْتَمِرُّ الْأَمَانِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بِلَادِهِ وَدَارِهِ وَمَأْمَنِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ إِنَّمَا شَرَعْنَا أَمَانَ مِثْلِ هَؤُلَاءِ لِيَعْلَمُوا دِينَ اللَّهِ وَتَنْتَشِرَ دَعْوَةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تفسير هذه الآية قال: إنسان يأتيك ليسمع مَا تَقُولُ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ فَهُوَ آمِنٌ حتى يأتيك فتسمعه كَلَامَ اللَّهِ وَحَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ حَيْثُ جَاءَ....إلخ

 

[سورة التوبة (9) : آية 7]

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)

 

يُبَيِّنُ تَعَالَى حِكْمَتَهُ فِي الْبَرَاءَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَنَظْرَتِهِ إِيَّاهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ السَّيْفُ الْمُرْهَفُ أَيْنَ ثُقِفُوا فَقَالَ تعالى: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ أي أمان وَيُتْرَكُونَ فِيمَا هُمْ فِيهِ وَهُمْ مُشْرِكُونَ بِاللَّهِ كَافِرُونَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يَعْنِي يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ [الفتح: 25] الآية، فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ أَيْ مَهْمَا تَمَسَّكُوا بِمَا عَاقَدْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ وَعَاهَدْتُمُوهُمْ مِنْ تَرْكِ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.

وَقَدْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ. اسْتَمَرَّ الْعَقْدُ وَالْهُدْنَةُ مَعَ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فِي سَنَةِ سِتٍّ إِلَى أَنْ نقضت قريش العهد ومالؤوا حلفاءهم وهم بنو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ أَحْلَافِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلُوهُمْ مَعَهُمْ فِي الْحَرَمِ أَيْضًا فَعِنْدَ ذَلِكَ غَزَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْبَلَدَ الْحَرَامَ وَمَكَّنَهُ مِنْ نَوَاصِيهِمْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَأَطْلَقَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ فَسُمُّوا الطُّلَقَاءَ، وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ أَلْفَيْنِ، وَمَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى كُفْرِهِ وَفَرَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ وَالتَّسْيِيرِ فِي الأرض أربعة أشهر يذهب حيث شاء، ومنهم صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ هَدَاهُمُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْإِسْلَامِ التَّامِّ، وَاللَّهُ الْمَحْمُودُ عَلَى جَمِيعِ مَا يقدره ويفعله.

 

[سورة التوبة (9) : آية 8]

كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8)

 

يَقُولُ تَعَالَى مُحَرِّضًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى معاداتهم وَالتَّبَرِّي مِنْهُمْ وَمُبَيِّنًا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يكون لهم عهد لشركهم بالله تعالى وكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم لو ظَهَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأُدِيلُوا عَلَيْهِمْ لَمْ يُبْقُوا وَلَمْ يَذَرُوا وَلَا رَاقَبُوا فِيهِمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَعِكْرِمَةُ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْإِلُّ الْقَرَابَةُ وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ...إلخ

 

 

خلاصة الأمر أعلن محمد بلسان قريبة علي بن أبي طالب ومناديه كأبي هريرة وغيره أنه قد نقض كل العهود وأنه يجبر كل السكان المؤمنين بتعدد الآلهة على الإسلام برضاهم أو بلا اقتناع بتهديد السيف، وأنه يحول المعبد الوثني الكعبة كما كان يخطط منذ زمن طويل إلى حرم إسلامي إبراهيمي لديانة توحيدية. سيؤدي هذا الإعلان لحروب وإبادة كثير من البشر لأجل إكراههم قبل موت محمد، وبعد موت محمد ستحدث حروب إبادة ودموية وتعصب يموت فيها ناس أكثر بسبب فرحهم بموت محمد وخروجهم من الإسلام الذي أُدخِلوا فيه بالإكراه فيما عُرِف في التاريخ الإسلامي بحروب الرِدّة، وأنا أسمّيها حروب الإكراه الديني والإرهاب المتبادل. ومن القبائل التي كانت مسالمة مع محمد وله معها عهود سلام: بني ضمرة وأشجع ومدلج ومذحج وخزاعة وكل بني بكر عدا بني الديل، مع أني أحكم بأن بني الديل والقرشيين ليسوا هم من نقض صلح الحديبية، بل خزاعة حلفاء المسلمين ومحمد فعلوا، وكل ذلك لا يبرر أبدًا الإكراه الديني والإبادة والتهديد بالقتل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحرب على أهل جُرَش باليمن سنة 9هـ

 

قال ابن هشام عن ابن إسحاق:

 

وقدم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صُرد بن عبد اللّه الأزدي، فأسلم، وحسن إسلامه في وفد من الأزْد، فأمَّره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك، من قبل اليمن.

فخرج صُرد بن عبد اللّه يسير بأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، حتى نزل بجرش، وهي يومئذ مدينة مغلقة، وبها قبائل من قبائل اليمن، وقد ضَوَتْ إليهم خَثْعَم، فدخلوها معهم حين سمعوا بسير المسلمين إليهم، فحاصروهم فيها قريبا من شهر، وامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم قافلا، حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شَكْر، ظن أهل جُرَش أنه انما ولى عنهم منهزما، فخرجوا في طلبه، حتى إذا أدركوه عطف عليهم، فقتلهم قتلا شديدا.

وقد كان أهلُ جُرَش بعثوا رجلين منهم إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران، فبينا هما عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عشيةً بعد صلاة العصر، إذ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: بأي بلاد اللّه شُكْر؟ فقام إليه الجرشيان فقالا: يا رسول اللّه، ببلادنا جبل يقال له كُشْر؛ وكذلك يسميه أهل جرش، فقال: أنه ليس بكُشْر، ولكنه شُكْر. قالا: فما شأنه يا رسول اللّه؟ قال: إن بُدْنَ اللّه لتُنحر عنده الآن. قال: فجلس الرجلان إلى أبى بكر أو إلى عثمان، فقال لهما: ويحكما، إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لينعى لكما قومَكما فقوما إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فاسألاه أن يدعوَ اللّه أن يرفع عن قومكما؛ فقاما إليه فسألاه ذلك، فقال: اللهم ارفعْ عنهم، فخرجا من عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم راجعَيْن إلى قومهما، فوجدا قومَهما قد أصيبوا يوم أصابهم صُرَد بن عبد اللّه، في اليوم الذي قال فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما قال، وفي الساعة التى ذكر فيها ما ذكر.

وخرج وفد جُرَش حتى قَدِموا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاسلموا، وحَمَى لهم حِمًى حول قريتهم، على أعلام معلومة، للفرس والراحلة وللمثيرة، وبَقرة الحرث، فمن رعاه من الناس فمالهم سُحت.

فقال في تلك الغزوة رجل من الازد، وكانت خَثْعَم تصيب من الأزْد في الجاهلية، وكانوا يعدون في الشهر الحرام:

يا غزوةً ما غزوْنا غيرَ خائبةٍ... فيها البغالُ وفيها الخيلُ والحُمرُ

حتى أتينا حُمَيْرا في مصانِعها... وجمعُ خَثْعَمَ قد شاعَتْ لها النذُرُ

إذا وضعْتُ غَليلا كنتُ حمِلَه... فما أبالي أدانُوا بعدُ أم كفروا

 

وجاء في الطبقات الكبير لابن سعد ج1/ وفادات العرب على رسول الله:

 

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن زهير الكعبي عن منير بن عبد الله الأزدي قال: قدم صرد بن عبد الله الأزدي في بضعة عشر رجلا من قومه وفدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلوا على فروة بن عمرو فحياهم وأكرمهم. وأقاموا عنده عشرة أيام. وكان صرد أفضلهم فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم من قومه وأمره أن يجاهد بهم من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن. فخرج حتى نزل جرش. وهي مدينة حصينة مغلقة. وبها قبائل من اليمن قد تحصنوا فيها. فدعاهم إلى الإسلام فأبوا. فحاصرهم شهرا وكان يغير على مواشيهم فيأخذها. ثم تنحى عنهم إلى جبل يقال له شكر. فظنوا أنه قد

انهزم. فخرجوا في طلبه. فصف صفوفه فحمل عليهم هو والمسلمون. فوضعوا سيوفهم فيهم حيث شاءوا. وأخذوا من خيلهم عشرين فرسا. فقاتلوهم عليها نهارا طويلا. وكان أهل جرش بعثوا إلى رسول الله ص رجلين يرتادان وينظران. فأخبرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

 

 

ضوت: لجأت أو انضمت.

السحت: هو كل مال حرام لا يحل كسبه ولا أكله

الأزد: حيّ من اليمن يقال أزد شَنُوأة وأزد عمان وازد السرَّاة والازد لغة في الأسد.

المصانع: القرى

بملتقاهم وظفر صرد بهم. فقدم الرجلان على قومهما فقصا عليهم القصة. فخرج وفدهم حتى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم فأسلموا...إلخ

 

ونرى هنا أعمال الإرهاب والإكراه الديني لإجبار قبائل اليمن كسكان جُرش وقبيلة خثعم وغيرها، لإجبارهم على الإسلام بالإكراه ومصادرة حق حرية العقيدة، وهو من حقوق الإنسان الأساسية، والحرية حق لكل بشر بشكل طبيعي، ونجد أن الإسلام صار في ذلك الوقت وسيلة لتصفية الحسابات القديمة كانتقام الأزد من قبيلة خثعم. وانظر لقول شاعر الأزد: إذا وضعت غليلًا كنت حمله، فهو لايبالي بما اعتقدوا بل هدفه إرواء غله والانتقام. هذا يذكرنا بقصة خالد بن الوليد مع بني جذيمة. وقدوم وفد جُرش لإعلان إسلامهم هو نتيجة الإرهاب والعنف، فهي من أخبار الوفود القادمة للخضوع بسبب سفك الدم على أيدي جيوش محمد. ولننظر لاستهتار واستخفاف محمد بحيوات الناس لأجل نشر فكره وسلطته باعتباه أجساد البشر وحيواتهم بدنًا كالجمال والبقر تُذبح كقرابين لإلهه الدموي الوهمي انعكاسًا لشخصه الدموي سافك الدم العنيف الدكتاتوري المتضخم الذات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غزوة علي بن أبي طالب الأولى على اليمن سنة تسعة هجرية

 

يقول ابن هشام في السيرة النبوية:

 

وغزوة علي بن أبي طالب "رضوان الله عليه" إلى اليمن، غزاها مرتين.

 

وروى مسلم في صحيحه:

 

 [ 1064 ] حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال بعث علي رضى الله تعالى عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن بدر الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بنى كلاب وزيد الخير الطائي ثم أحد بنى نبهان قال فغضبت قريش فقالوا أيعطي صناديد نجد ويدعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتىء الجبين محلوق الرأس فقال اتق الله يا محمد قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يطع الله إن عصيته أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني قال ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله يرون أنه خالد بن الوليد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من ضئضيء هذا قوما يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد

 

[ 1064 ] حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع حدثنا عبد الرحمن بن أبي نعم قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها قال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل فقال رجل من أصحابه كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار فقال يا رسول الله اتق الله فقال ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله قال ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه فقال لا لعله أن يكون يصلي قال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم قال ثم نظر إليه وهو مقف فقال إنه يخرج من ضئضئي هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية قال أظنه قال لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود

 

[ 1064 ] حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع بهذا الإسناد قال وعلقمة بن علاثة ولم يذكر عامر بن الطفيل وقال ناتىء الجبهة ولم يقل ناشز وزاد فقام إليه عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا قال ثم أدبر فقام إليه خالد سيف الله فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا فقال إنه سيخرج من ضئضيء هذا قوم يتلون كتاب الله لينا رطبا وقال قال عمارة حسبته قال لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود

 

سبب وضعي للغزوة الإجرامية في سنة 9 ه أن الخبر المعروف أن محمدًا أهدى لزيد المعروف بزيد الخيل قطعة من ذهب مما أرسله علي له، ومعلوم أن قدوم زيد كان في عام الوفود سنة 9ه. لا تخلو هذه الأحاديث من إضافات بخصوص أن محمدًا تنبأ بقصة الخوارج وهي أساطير تدعيمية لمزاعم السنة وعقائدهم في مقابل وضد الخوارج، ولديهم أحاديث ضد المعتزلة باعتبارهم القدرية. بخصوص هذا العدوان على اليمن وأهلها أقول: ليت أهل اليمن أصحاب الحضارة العريقة القديمة وأهل مصر والشام وليبيا والجزائر وتونس والمغرب وغيرهم يذكرون ما فعلته جيوش الجزيرة العربية الإسلامية الهمجية بدولهم وأجدادهم من تقتيل وعنف واستعباد للنساء والأطفال ونهب للبلدان واستغلالها، فيربؤون بأنفسهم عن ديانة إجرامية تاريخها أسود كالإسلام. ونلاحظ من خلال صحيح مسلم أن تقسيم محمد للغنائم والمنهوبات كان يظل دومًا إقطاعيًّا غير عادل يعطي لكبار وأغنياء أشراف قادة القوم أكثر من العامة، ليضمن ولاءهم ولسيطرتهم على أتباعهم.

 

ويبدو أن توزيع محمد للخيرات المتدفقة على يثرب المجبية لها من صدقات وضرائب ونهب وسلب وغنائم كان يوزعها على نحو إقطاعي غير عادل حتى اعترض عمر بن الخطاب عليه لميوله الاشتراكية، روى مسلم أنه قال له ربما في توزيع غنائم حنين أو اليمن أو بعض الصدقات:

 

[ 1056 ] حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن سلمان بن ربيعة قال قال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقلت والله يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحق به منهم قال إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني فلست بباخل

 

ورواه أحمد 127، لكن عمر نفسه على اشتراكيته مارس نفس الأمر بعد ذلك كما روى أحمد بن حنبل:

 

316 - حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي أُنَاسٍ مِنْ قَوْمِي ، فَجَعَلَ يَفْرِضُ لِلرَّجُلِ مِنْ طَيِّئٍ فِي أَلْفَيْنِ وَيُعْرِضُ عَنِّي ، قَالَ : فَاسْتَقْبَلْتُهُ ، فَأَعْرَضَ عَنِّي ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ حِيَالِ وَجْهِهِ فَأَعْرَضَ عَنِّي ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَتَعْرِفُنِي ؟ قَالَ : فَضَحِكَ حَتَّى اسْتَلْقَى لِقَفَاهُ ، ثُمَّ قَالَ : نَعَمْ وَاللهِ إِنِّي لَأَعْرِفُكَ ، آمَنْتَ إِذْ كَفَرُوا ، وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا ، وَوَفَيْتَ إِذْ غَدَرُوا ، وَإِنَّ أَوَّلَ صَدَقَةٍ بَيَّضَتْ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهَ أَصْحَابِهِ صَدَقَةُ طَيِّئٍ؛ جِئْتَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ أَخَذَ يَعْتَذِرُ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا فَرَضْتُ لِقَوْمٍ أَجْحَفَتْ بِهِمُ الْفَاقَةُ ، وَهُمْ سَادَةُ عَشَائِرِهِمْ ، لِمَا يَنُوبُهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ

 

 

 

 

 

 

 

أخبار  الوفود وما فيها من  الإكراه الديني والعنف

 

وفد عبس

 

وفدوا على محمد قبل عام 9ه عام الوفود بكثير، وما فعله محمد هنا مثال لتأسيس المجموعات الإرهابية المعاصرة، ذكر محمد بن سعد في الطبقات الكبير ج2/ وفادات العرب على رسول الله:

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الشَّغَبِ عِكْرِشَةُ بْنُ أَرْبَدَ الْعَبْسِيُّ وَعِدَّةٌ مِنْ بني عبس قالوا: وفد على رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَةُ رَهْطٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ. فَكَانُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينِ الأَوَّلِينَ. مِنْهُمْ: مَيْسَرَةُ بْنُ مَسْرُوقٍ. وَالْحَارِثُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهُوَ الْكَامِلُ. وَقَنَانُ بْنُ دَارِمٍ. وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عُبَادَةَ. وَهَدْمُ بْنُ مَسْعَدَةَ. وَسِبَاعُ بْنُ زَيْدٍ. وَأَبُو الْحِصْنِ بْنُ لُقْمَانَ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ. وفروة بن الحصين بن فضالة. فأسلموا. فدعا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخير وقال: ابغوني رجلا يعشركم أعقد لكم لواء. فدخل طلحة بن عبيد الله. فعقد لهم لواء وجعل شعارهم يا عشرة.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عمار بن عبد الله بن عبس الدئلي عن عروة بن أذينة الليثي قال: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عيرًا لقريش أقبلت من الشام. فبعث بني عبس في سرية وعقد لهم لواء. فقالوا: يا رسول الله كيف نقسم غنيمة إن أصبناها ونحن تسعة؟ قال: أنا عاشركم. وجعلت الولاة اللواء الأعظم لواء الجماعة. والإمام لبني عبس ليست لهم راية.

 

ونفهم من هذا السياق أنهم اتبعوا دعوة محمد الإجرامية قبل صلح الحديبية 7ه وقبل اقتحام مكة 8ه.

 

وفد عبد القيس

 

روى البخاري عن وفد عبد قيس:


53 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ الْقَوْمُ أَوْ مَنْ الْوَفْدُ قَالُوا رَبِيعَةُ قَالَ مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ وَسَأَلُوهُ عَنْ الْأَشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ وَقَالَ احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ

 

وروى أحمد:

 

17829 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنِي أَبُو الْقَمُوصِ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحَدُ الْوَفْدِ الَّذِينَ، وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، قَالَ: وَأَهْدَيْنَا لَهُ فِيمَا نُهْدِي نَوْطًا، أَوْ قِرْبَةً مِنْ تَعْضُوضٍ ، أَوْ بَرْنِيٍّ ، فَقَالَ: " مَا هَذَا ؟ " قُلْنَا: هَذِهِ هَدِيَّةٌ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ نَظَرَ إِلَى تَمْرَةٍ مِنْهَا فَأَعَادَهَا مَكَانَهَا، وَقَالَ: " أَبْلِغُوهَا آلَ مُحَمَّدٍ "، قَالَ: فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ، حَتَّى سَأَلُوهُ عَنِ الشَّرَابِ، فَقَالَ: " لَا تَشْرَبُوا فِي دُبَّاءٍ ، وَلَا حَنْتَمٍ ، وَلَا نَقِيرٍ ، وَلَا مُزَفَّتٍ ، اشْرَبُوا فِي الْحَلَالِ الْمُوكَى عَلَيْهِ "، فَقَالَ لَهُ قَائِلُنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا يُدْرِيكَ مَا الدُّبَّاءُ، وَالْحَنْتَمُ، وَالنَّقِيرُ، وَالْمُزَفَّتُ ؟ قَالَ: " أَنَا لَا أَدْرِي مَا هِيَهْ، أَيُّ هَجَرٍ أَعَزُّ ؟ " قُلْنَا: الْمُشَقَّرُ، قَالَ: " فَوَاللهِ، لَقَدْ دَخَلْتُهَا وَأَخَذْتُ إِقْلِيدَهَا "، - قَالَ: وَكُنْتُ قَدْ نَسِيتُ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا فَأَذْكَرَنِيهِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي جَرْوَةَ - قَالَ: " وَقَفْتُ عَلَى عَيْنِ الزَّارَةِ "

ثُمَّ قَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ الْقَيْسِ إِذْ أَسْلَمُوا طَائِعِينَ غَيْرَ كَارِهِينَ غَيْرَ خَزَايَا ، وَلَا مَوْتُورِينَ، إِذْ بَعْضُ قَوْمِنَا لَا يُسْلِمُونَ حَتَّى يُخْزَوْا ، وَيُوتَرُوا " قَالَ: وَابْتَهَلَ وَجْهُهُ هَاهُنَا مِنَ الْقِبْلَةِ حَتَّى اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: " إِنَّ خَيْرَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ عَبْدُ الْقَيْسِ "

 

إسناده صحيح. إسماعيل بن إبراهيم: هو ابن عُلية، وعوف: هو ابن أبي جميلة. وأخرجه أبو داود (3695) ، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/297-298، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/346، والبيهقي 8/302، وابن الأثير في "أسد الغابة" 4/449-450 من طرق عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي، بهذا الإسناد- والحديث عندهم مختصر غير يعقوب بن سفيان فساقه كرواية المصنف، وذكر بعضهم اسم هذا الرجل الراوي على الشك: وهو قيس ابن النعمان، كما سيأتي في الحديث التالي. وأخرجه خليفة بن خياط في "مسنده" (34) ، والطبراني في "الكبير" 22/ (924) من طريق عون بن كهمس، والدولابي في "الكنى" 1/27، والطبراني 22/ (924) من طريق محمد بن حمران بن عبد العزيز القيسي، كلاهما عن داود بن المساور، عن مقاتل بن همام، عن أبي خيرة الصباحي قال: كنت في الوفد الذين قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عبد قيس...، واقتصروا على قصة دعائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوفد عبد القيس، وذكروا أن الصحابي هو أبو خيرة الصباحي، وزادوا: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوَّدهم بأراك يستاكون به. وانظر ما سلف برقم (15559) ، وما سيأتي برقم (17830) و (17831) . وفي باب قوله: "اشربوا في الحلال الموكى عليه" عن ابن عباس، سلف برقم (2607) . وعن أبي سعيد الخدري، سلف أيضاً برقم (11544) . وفي باب دعائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوفد عبد القيس عن ابن عباس عند الطبراني في "الكبير" (12972) . وعن عروة بن الزبير وجعفر بن عبد الله بن الحكم عند ابن سعد في "الطبقات" 1/314. وفي باب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن خير أهل المشرق عبد القيس" عن ابن عباس عند البزار (2821- كشف الأستار) ، والطبراني (12970) .

قوله: "في الحلال الموكى عليه"، أي: فيما يحلُ لكم استعماله في الانتباذ والشرب فيه، وهو المُوكى عليه الذي رُبطَ فمه بخيط أو شيء، فقوله: "الموكَى عليه" بيان وتفسير للحلال. المُشَقَر: حصن عظيم بالبحرين لعبد القيس. وعين الزارة: بالبحرين أيضاً، والزارة قرية كبيرة بها.

 

15559 - حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ فَرَحُهُمْ بِنَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ أَوْسَعُوا لَنَا، فَقَعَدْنَا فَرَحَّبَ بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا لَنَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْنَا فَقَالَ: " مَنْ سَيِّدُكُمْ وَزَعِيمُكُمْ ؟ " فَأَشَرْنَا بِأَجْمَعِنَا إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ عَائِذٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَهَذَا الْأَشَجُّ " وَكَانَ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ بِضَرْبَةٍ لِوَجْهِهِ بِحَافِرِ حِمَارٍ، قُلْنَا: نَعَمْ . يَا رَسُولَ اللهِ، فَتَخَلَّفَ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَعَقَلَ رَوَاحِلَهُمْ ، وَضَمَّ مَتَاعَهُمْ ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَيْبَتَهُ فَأَلْقَى عَنْهُ ثِيَابَ السَّفَرِ، وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ بَسَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَهُ، وَاتَّكَأَ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ الْأَشَجُّ أَوْسَعَ الْقَوْمُ لَهُ، وَقَالُوا: هَاهُنَا يَا أَشَجُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَوَى قَاعِدًا، وَقَبَضَ رِجْلَهُ: " هَاهُنَا يَا أَشَجُّ " فَقَعَدَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ بِهِ، وَأَلْطَفَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ بِلَادِهِ وَسَمَّى لَهُ قَرْيَةً قَرْيَةً الصَّفَا، وَالْمُشَقَّرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ قُرَى هَجَرَ، فَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، لَأَنْتَ أَعْلَمُ بِأَسْمَاءِ قُرَانَا مِنَّا، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ وَطِئْتُ بِلَادَكُمْ، وَفُسِحَ لِي فِيهَا، قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْأَنْصَارِ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَكْرِمُوا إِخْوَانَكُمْ، فَإِنَّهُمْ أَشْبَاهُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِكُمْ أَشْعَارًا، وَأَبْشَارًا أَسْلَمُوا طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ، وَلَا مَوْتُورِينَ إِذْ أَبَى قَوْمٌ أَنْ يُسْلِمُوا حَتَّى قُتِلُوا " ...إلخ الحديث

 

إسناده ضعيف، يحيى بن عبد الرحمن العَصَري- وعصر: بطن من عبد القيس- لم يروِ عنه سوى اثنين، ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، وقال الذهبي في "الميزان": لا يعرف، وقال ابن حجر في "التقريب": مقبول. أي: ضعيف يقبل في المتابعات وشهاب بن عباد- وهو العَصَري كذَلك- روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول، وقال الدارقطني: صدوق زائغ، وذكره الذهبي في "المغني في الضعفاء". يونس ابن محمد: هو ابن مسلم المؤدَّب البغدادي. وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (1198) عن موسى بن إسماعيل، عن يحيى بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/177-178، وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات.

 

وقال ابن سعد في الطبقات الكبير:

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَسْلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُمَّانَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالا: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ عِشْرُونَ رَجُلا مِنْهُمْ.

فَقَدِمَ عَلَيْهِ عِشْرُونَ رَجُلا رَأْسُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ الأَشَجُّ. وَفِيهِمُ الْجَارُودُ وَمُنْقِذُ بْنُ حَيَّانَ. وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ الأَشَجِّ. وَكَانَ قُدُومُهُمْ عَامَ الْفَتْحِ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاءِ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ. قَالَ: [مَرْحَبًا بِهِمْ نِعْمَ الْقَوْمُ عَبْدُ الْقَيْسِ! قال: فجاؤوا في ثيابهم ورسول الله ص فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ. وَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ. ص: أَيُّكُمْ عَبْدُ اللَّهِ الأَشَجُّ! قَالَ: أَنَا يَا رسول الله. وَكَانَ رَجُلا دَمِيمًا. فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّهُ لا يُسْتَسْقَى فِي مُسُوكِ الرِّجَالِ إِنَّمَا يُحْتَاجُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى أَصْغَرَيْهِ لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ. ....إلخ

 

هؤلاء ناس أسلموا لأنهم خشوا من إرهاب محمد فاستبقوا أن يؤذيهم ويهجم عليهم، وقد رأوه يتوسع في بلاد شبه جزيرة العرب. لكي لا يصيروا خاسرين منهزمين و"خزايا" مع تنامي قوة محمد ودولته الشمولية المتوسعة. وواضح من أحاديث محمد التي لم ألاحظها من قبل أنه كان استولى على أجزاء من بلدهم وحكمها فعلًا ومنها أقوى حصونهم المشقر، يعني كانوا تحت ضغط تهديد مؤكد وجديّ ووشيك. واشترط عليهم محمد شرط الوفود الإرهابي المعروف، إذا قاموا بغارة همجية على آخرين فله كإدارة مركزية للإجرام خمس المنهوبات وصفيّ (يعني هدية ما رمزية ربما سيف أو فتاة سبية من المخطوفات..إلخ) وذكرت شروط عام الوفود في ج1. ونلاحظ تكبره وتفاخره بتوسعه واحتلاله للبلدان وبناء امبراطورية كانت في طريقها لمزيد من التوسع بالعنف للاحتلال بعد موته وهو قد مهّد لذلك جيدًا.

وفد صداء

 

وصُدَاء: قبيلة  وحي من اليمن.

 

قال محمد بن سعد:

 

قال: أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال: حدثني شيخ من بلمصطلق عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انصرف من الجعرانة سنة ثمان بعث قيس بن عبادة إلى ناحية اليمن وأمره أن يطأ صداء. فعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين. وقدم رجل من صداء فسأل عن ذلك البعث فأخبر بهم. فخرج سريعا حتى ورد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: جئتك وافدا على من ورائي. فاردد الجيش وأنا لك بقومي. فردهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدم منهم بعد ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة عشر رجلا فأسلموا وبايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من وراءهم من قومهم ورجعوا إلى بلادهم. ففشا فيهم الإسلام. فوافى النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل منهم في حجة الوداع.

قال: أخبرنا محمد بن عمر. أخبرنا الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

فقلت: يا رسول الله بلغني أنك تبعث إلى قومي جيشا. فاردد الجيش وأنا لك بقومي.

فردهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وقدم قومي عليه. فقال: يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك. قال قلت: بل من الله ومن رسوله. قال: وهو الذي أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر أن يؤذن ثم جاء بلال ليقيم فقال رسول الله ص: إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم.

 

وذكر البيهقي في دلائل النبوة/ جماع أبواب وفود العرب إلى رسول الله:

أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلْوَشَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْأَسَدَ آبَادِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ: بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يحدث، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى قَوْمِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ارْدُدِ الْجَيْشَ وَأَنَا لَكَ بِإِسْلَامِ قَوْمِي وَطَاعَتِهِمْ، فَقَالَ لِيَ: اذْهَبْ فَرُدَّهُمْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ رَاحِلَتِي قَدْ كَلَّتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَرَدَّهُمْ.

قَالَ الصُّدَائِيُّ: وَكَتَبْتُ إِلَيْهِمْ كِتَابًا، فَقَدِمَ وَفْدُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَخَا صُدَاءَ! إِنَّكَ لَمُطَاعٌ فِي قَوْمِكَ، فَقُلْتُ بَلِ اللهُ هَدَاهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَلَا أُؤَمِّرُكَ عَلَيْهِمْ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رسول اللهِ، قَالَ: فَكَتَبَ لِي كِتَابًا أَمَّرَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مُرْنِي بِشَيْءٍ مِنْ صَدَقَاتِهِمْ، قَالَ: نَعَمْ، فَكَتَبَ لِي كِتَابًا آخَرَ، قال الصدايّ: فَكَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ..

وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مَنْزِلًا فَأَتَاهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ يَشْكُونَ عَامِلَهُمْ وَيَقُولُونَ أَخَذَنَا بِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ فعل ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَنَا فِيهِمْ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ.

قال الصّدائيّ فَدَخَلَ قَوْلُهُ فِي نَفْسِي، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطِنِي، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَصُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ، فَقَالَ السَّائِلُ: فَأَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إن الله عز وجل لَمْ يَرْضَ فِيهَا بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكِ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ أَوْ أَعْطَيْنَاكَ حقك.

قال الصّدائيّ فَدَخَلَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي أَنِّي سَأَلْتُهُ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَأَنَا غَنِيٌّ.

ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَشَى مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ فَلَزِمْتُهُ، وَكُنْتُ قَرِيبًا، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ، وَيَسْتَأْخِرُونَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَلَمَّا كَانَ أَوَانُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، أَمَرَنِي فَأَذَّنْتُ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ نَاحِيَةَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْفَجْرِ، فَيَقُولُ: لَا، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ وَهُوَ يَتَلَاحَقُ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: «هَلْ مِنْ مَاءٍ يَا أخا صداء» ؟ قُلْتُ: لَا إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: اجْعَلْهُ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ ائْتِنِي بِهِ، فَفَعَلْتُ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ، قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَرَأَيْتُ بَيْنَ إصبعين من أصابعه عينا تَفُورُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي- عَزَّ وَجَلَّ- لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، نَادِ أَصْحَابِي مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْمَاءِ، فَنَادَيْتُ فِيهِمْ فَأَخَذَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: إِنَّ أَخَا صُدَاءَ هُوَ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ، فَقَالَ الصُّدَائِيُّ:

فَأَقَمْتُ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الصَّلَاةَ أَتَيْتُهُ بِالْكِتَابَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَعْفِنِي مِنْ هَذَيْنِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَدَا لَكَ، فَقُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا نَبِيَّ اللهِ تَقُولُ: «لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ وأنا أومن بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَسَمِعْتُكَ تَقُولُ لِلسَّائِلِ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَهُوَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ» وَسَأَلْتُكَ وَأَنَا غَنِيٌّ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ ذَاكَ، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْبَلْ وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ، فَقُلْتُ: أَدَعُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَدُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ أُؤَمِّرْهُ عَلَيْكُمْ، فَدَلَلْتُهُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ.

 

شواهد وفد صداء من كتب الحديث:

 

روى أحمد بن حنبل:

 

17537 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ: أَنَّهُ أَذَّنَ، فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَخَا صُدَاءٍ، إِنَّ الَّذِي أَذَّنَ، فَهُوَ يُقِيمُ "

 

إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زياد: وهو الإفريقي. سفيان: هو الثوري، وزياد بن نعيم: هو زياد بن ربيعة بن نُعيم، وقد ينسب إلى جده. وأخرجه عبد الرزاق (1833) ، وابن سعد في "الطبقات" 1/326-327، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/142، والطبراني في "الكبير" (5286) من طرق عن سفيان الثوري، بهذا الإسناد. ووقع في رواية الطحاوي: عبد الله ابن الحارث الصدائي، بدل: زياد بن الحارث الصُّدائي، ورواية ابن سعد مطولة. وأخرجه ابن أبي شيبة (2260) 1/216، والبخاري في "التاريخ الكبير" 3/344، وأبو داود (514) ، والترمذي (199) ، وابن ماجه (717) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/142، والحازمي في "الاعتبار" ص66، وابن الأثير في "أسد الغابة" 2/269 من طرق عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، به. وأخرجه ضمن حديث مطول جداً: ابنُ عبد الحكم في "فتوح مصر" ص312-313، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/445-448، والطبراني في "الكبير" (5285) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/380-381، وفي "دلائل النبوة" 5/355-357، والمزي في "تهذيب الكمال" في ترجمة زياد بن الحارث الصدائي 9/445-448 من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ عبد الله بن يزيد، عن عبد الرحمن بن زياد، به. وأخرجه مختصراً عبد الرزاق (1817) ، ومن طريقه الطبراني في "الكبير" (5287) عن يحيى بن العلاء، عن عبد الرحمن بن زياد، عن زياد بن نعيم، عن زياد بن الحارث الصدائي، قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، فحضرت صلاة الصبح، فقال لي: "أَذَّن يا أخا صُداء" فأذنت وأنا على راحلتي.

 

17536 - حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ بُحٍّ الصُّدَائِيِّ، صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ قَوْمِي كَفَرُوا، فَأُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَّزَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْمِي عَلَى الْإِسْلَامِ. فَقَالَ: " أَكَذَلِكَ ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاتَّبَعْتُهُ لَيْلَتِي إِلَى الصَّبَاحِ، فَأَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ لَمَّا أَصْبَحْتُ، وَأَعْطَانِي إِنَاءً تَوَضَّأْتُ مِنْهُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَانْفَجَرَ عُيُونًا، فَقَالَ: " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَلْيَتَوَضَّأْ " فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ، وَأَمَّرَنِي عَلَيْهِمْ، وَأَعْطَانِي صَدَقَتَهُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: فُلَانٌ ظَلَمَنِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا خَيْرَ فِي الْإِمْرَةِ لِمُسْلِمٍ "

ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ صَدَقَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الصَّدَقَةَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ، وَحَرِيقٌ فِي الْبَطْنِ أَوْ دَاءٌ " فَأَعْطَيْتُهُ صَحِيفَتِي، أَوْ صَحِيفَةَ إِمْرَتِي وَصَدَقَتِي، فَقَالَ: " مَا شَأْنُكَ ؟ " فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقْبَلُهَا وَقَدْ سَمِعْتُ مِنْكَ مَا سَمِعْتُ ؟ فَقَالَ: " هُوَ مَا سَمِعْتَ "

 

إسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة، وباقي رجال الإسناد ثقات. حسن: هو ابن موسى الأشيب. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3575) من طريق حسن بن موسى، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص311-312 عن سعيد بن أبي مريم، عن ابن لهيعة، به. وروى هذا الحديث أبو عبد الرحمن المقرىء، عن عبد الرحمن بن زياد ابن أنعم الإفريقي، عن زياد بن نعيم، عن زياد بن الحارث الصُّدائي. فجعله من حديث زياد بن الحارث الصدائي، لكن إسناده ضعيف أيضاً لضعف عبد الرحمن بن زياد الإفريقي.

 

وفد ثقيف

 

ذكرنا أخباره فيما سلف، ولا يخلو من إكراه ديني وتهديد واضح جليّ لاتباع دين محمد بالإجبار. وهم وفد وفدهم تحت تأثير التهديد والغارات المتكررة.

 

وفد بني تميم

 

ذكرنا خبره سالفًا، وما يقوله ابن سعد هاهنا لا يضيف جديدًا، وقد وفدوا لإعلان إسلامهم نتيجة إكراههم وخطف (سبي) نسائهم وأطفالهم.

 

عن الوفود وعام الوفود ورد في البخاري:

 

4302 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو قِلاَبَةَ: أَلاَ تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَهُ؟ قَالَ فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا لِلنَّاسِ، مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، أَوْحَى إِلَيْهِ، أَوْ: أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الكَلاَمَ، وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي، وَكَانَتِ العَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمُ الفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ...إلخ

 

ويقول ابن إسحاق في السيرة:

 

قال ابن إسحاق: لما افتتح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكةَ، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف وبايعت، ضربت إليه وفود العرب من كلِّ وَجْه.

قال ابن هشام: حدثني أبو عُبَيدة: أن ذلك في سنة تسع، وأنها كانت تسمى سنة الوفود.

قال ابن إسحاق: وإنما كانت العرب تَرَبَّص بالإِسلام أمرَ هذا الحي من قريش وأمْر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشا كانوا إمامَ الناس وهاديهم، وأهلَ البيت الحرام،...إلخ وقادةُ العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبَتْ لحرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وخلافِه، فلما افتُتحت مكة، ودانت له قريش، ودوَّخها الإِسلامُ، وعرفت العرب أنه لا طاقةَ لهم بحربِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولا عداوته، فدخلوا في دين اللّه، كما قال عز وجل: {أَفْوَاجًا} يضربون إليه من كل وجه، يقول اللّه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا(3)} [النصر: 1ـ 3] أي فاحمدِ اللّه على ما أظهر من دينك، واستغفره انه كان توابا

 

كأننا نقرأ تطبيقًا عمليًّا غير نظريّ لكتاب على غرار (روح الأمم) لجوستاف لوبون، هل الانتصار برهان على نبوة، إذن لكان قمبيز أو الإسكندر أو أغسطس القيصر أو تشرشل والمرأة الحديدية أنبياء بهذا الاستدلال العجيب. وحقًّا لقد اتبع عرب شبه جزيرة العرب محمدًا إما إعجابًا وانبهارًا بالقوة الكاسحة التي اكتسبها بجيوشه غوغائه ومجرميه، أو خوفًا من قوة جيوشه وأذاهم، لا أكثر ولا أقل.

 

وَفْدُ كِلابٍ

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ بَنِي كِلابٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا فِيهِمْ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَجَبَّارُ بْنُ سَلْمَى. فَأَنْزَلَهُمْ دَارَ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. وَكَانَ بَيْنَ جَبَّارٍ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ خُلَّةٌ. فَبَلَغَ كَعْبًا قُدُومُهُمْ فَرَحَّبَ بِهِمْ وَأَهْدَى لِجَبَّارٍ وَأَكْرَمَهُ. وَخَرَجُوا مَعَ كعب فدخلوا على رسول الله ص فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِسَلامِ الإِسْلامِ وَقَالُوا: إِنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ سَارَ فِينَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِسُنَّتِكَ الَّتِي أَمَرْتَهُ. وَإِنَّهُ دَعَانَا إِلَى اللَّهِ فَاسْتَجَبْنَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. وَإِنَّهُ أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَرَدَّهَا عَلَى فُقَرَائِنَا.

 

وقد وفدوا نتيجة الترويع والإرهاب والتقتيل وسبي النساء والأطفال كما عرضنا في قصة سرية أو غارة الضحاك بن سفيان على بني كلاب عندما رفضوا دعوة وتهديدا محمد ورقع زعيمهم ثقبًا في دلوه برقعة رسالة محمد المكتوبة على الجلد.

وفد حنيفة

 

كما حكى ابن سعد فقد أمرهم محمد بهدم كنيسة وترويع راهب مسيحي بها مما جعله يفر منها ومن وطنه خوفًا من القتل:

 

....ورجعوا إلى اليمامة وأعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إداوة من ماء فيها فضل طهور. فقال: إذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم وأنضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوا مكانها مسجدا. ففعلوا. وصارت الإداوة عند الأقعس بن مسلمة. وصار المؤذن طلق بن علي. فأذن فسمعه راهب البيعة فقال: كلمة حق. ودعوة حق! وهرب. فكان آخر العهد به

 

ورواه النسائي في السنن الكبرى له (780) ، والمجتبى (701) وابن حبان في صحيحه (1123) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (8241) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/542-543، بإسناد صحيح، وأحمد بن حنبل 24009/ 26 و16293 وابن سعد في "الطبقات" 5/552، وابن أبي شيبة 2/80، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (47)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 3/92 بأسانيد حسنة، واللفظ للنسائي:

 

780 - أنبأ هناد بن السري عن ملازم هو بن عمرو قال حدثني عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي قال: خرجنا وفدا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا واستوهبناه فضل طهوره فدعا بماء فتوضأ وتمضمض ثم صبه لنا في إداوة وأمرنا قال اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوها مسجدا فقلنا له إن البلد بعيد والحر شديد والماء ينشف قال مدوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبا فخرجنا حتى قدمنا بلدنا فكسرنا بيعتنا ثم نضحنا مكانها واتخذناها مسجدا فنادينا فيه بالأذان قال والراهب رجل من طيء فلما سمع الأذان قال دعوة حق ثم استقبل تلعة من تلاعنا فلم نره بعد

 

لنا حق التشكك فيما ينسبونه للراهب المسكين المهدد في حياته، فلو أنه اعتقد أنها دعوة حق وسلام لما كان هرب بجلده!

 

وفادة عدي بن حاتم الطائيّ

 

ذكرناها أعلاه، ورغم أن الرجل كان مخلصًا للإسلام ولم يرتد في حركة الردة، لكن بدايات إسلامه مشوبة بعنصر الإكراه والإرهاب وخطف أخته وهي أفعال كانت معتادة عند هؤلاء العرب القدماء في مجتمع بدائي همجي كهذا.

وفد حضرموت

 

وفدوا مع وفد كندة وملوكها، فبين كل فريق من الملوك والأقيال اليمنيين مصاهرات وزيجات (انظر ما ورد في مسند أحمد: 21840 -.....حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ، فَقَالَ لِي: " هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ ؟ " قُلْتُ: غُلَامٌ وُلِدَ لِي فِي مَخْرَجِي إِلَيْكَ مِنَ ابْنَةِ جَمْدٍ...إلخ)، ويقول محمد بن سعد في ج1:

 

قالوا: وقدم وفد حضرموت مع وفد كندة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم بنو وليعة ملوك حضرموت حمدة ومخوس ومشرح وأبضعة فأسلموا. وقال مخوس: يا رسول الله ادع الله أن يذهب عني هذه الرتة من لساني. فدعا له وأطعمه طعمة من صدقة حضرموت.

 

لكن ملوك حضرموت سرعان ما خرجوا (ارتدوا بمصطلح الإسلام) عن اتباع ديانة محمد وعادوا إلى ما كانوا عليه من عقيدة، لأنهم إنما اتبعوها نتاج التخويف والإرهاب والخشية على حيواتهم وثرواتهم ومناصبهم وكراسيهم. ويبدو أنهم ارتدوا عندما علموا بمرض وضعف محمد، ويعتبرون من رواد حركة الردة فارتدوا قبل موت محمد كبشائر لما بعد موته وحروب الردة الرهيبة بين المسلمين وأتباع مدعي النبوة الآخرين والوثنيين والمسلمين مانعي دفع الزكاة للدولة. ولدينا أحاديث أن محمد أبغضهم ولعنهم ودعا عليهم_وهو بطبيعته مولع بالسباب والشتم لمن لا يسير على هواه كأنه طفل صغير_:

 

روى أحمد بن حنبل:

 

19446 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ يَوْمًا خَيْلًا وَعِنْدَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا أَفْرَسُ بِالْخَيْلِ مِنْكَ "، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: وَأَنَا أَفْرَسُ بِالرِّجَالِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ " قَالَ: خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالٌ يَحْمِلُونَ سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ جَاعِلِينَ رِمَاحَهُمْ عَلَى مَنَاسِجِ خُيُولِهِمْ، لَابِسُو الْبُرُودِ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَذَبْتَ بَلْ خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ إِلَى لَخْمٍ وَجُذَامَ وَعَامِلَةَ، وَمَأْكُولُ حِمْيَرَ خَيْرٌ مِنْ آكِلِهَا، وَحَضْرَمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ، وَقَبِيلَةٌ خَيْرٌ مِنْ قَبِيلَةٍ، وَقَبِيلَةٌ شَرٌّ مِنْ قَبِيلَةٍ، وَاللهِ مَا أُبَالِي أَنْ يَهْلِكَ الْحَارِثَانِ كِلَاهُمَا، لَعَنَ اللهُ الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ: جَمْدًا، وَمِخْوَسًا، وَمِشْرَحًا، وَأَبْضَعَةَ، وَأُخْتَهُمُ الْعَمَرَّدَةَ "..إلخ

 

إسناده صحيح. وهو عند أحمد بن حنبل في "فضائل الصحابة" (1650) بهذا الإسناد. وأخرجه بتمامه الطبراني في "مسند الشاميين " (969) من طريقين عن أبي المغيرة، به، وفي المعجم الكبير للطبراني 20/ 192، وأخرجه مختصراً ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2269) و (2282) مفرقاً، والنسائي في "الكبرى" (8351) من طريق أبي المغيرة به. وأخرجه مختصراً جداً الطبراني في "مسند الشاميين" (2040) من طريق عافية ابن أيوب المصري، والحاكم في المستدرك على الصحيحين 4/81 من طريق عبد الله بن وهب، كلاهما عن معاوية بن صالح- وهو ابن حُدير- عن شُريح بن عبيد، عن عبد الرحمن بن عائذ، به. قال الحاكم: هذا حديث غريب المتن صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 4/248-249 مختصراً، وابنُ أبي عاصم (2270) و (2283) مفرقاً مختصراً، ويعقوبُ بنُ سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/327-328 مطولاً، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (804) من طريق عبد الله بن يوسف- وهو التنيسي الكلاعي الحمص.

 

والحديث ورد في كتب الشيعة كذلك كالكافي للكليني، سوى أنهم كعادتهم يحرفونه ويضيفون على الملعونين من محمد الأشخاص المكروهين لديهم كمعاوية بن أبي سفيان جد الأمويين:

 

الكافي للكليني/ حديث النبي حين عُرِضَت عليه الخيل

27 - أبوعلي الاشعري، عن محمد بن سالم، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن أحمد بن النضر، ومحمد بن يحيى، عن محمد بن أبي القاسم، عن الحسين بن أبي قتاده جميعا، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (ع) قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لعرض الخيل فمر بقبر أبي احيحة فقال أبوبكر: لعن الله صاحب هذا القبر فوالله إن كان ليصد عن سبيل الله ويكذب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: خالد إبنه بل لعن الله أبا قحافة فوالله ما كان يقري الضيف ولا يقاتل العدو، فلعن الله أهونهما على العشيرة فقدا فألفى رسول الله صلى الله عليه وآله خطام راحلته على غاربها ثم قال: إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا ولا تخصوا فيغضب ولده ثم وقف فعرضت عليه الخيل فمر به فرس فقال عيينة بن حصن: إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك فقال: عيينة وأنا أعلم بالرجال منك، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى ظهر الدم في وجهه فقال له: فأي الرجال أفضل؟ فقال: عيينة بن حصن: رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم ثم يضربون بها قدما قدما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل، الايمان يماني والحكمة يمانية ولولا الهجرة لكنت امرء‌ا من أهل اليمن، الجفا والقسوة في الفدادين أصحاب الوبر، ربيعة ومضر من حيث يطلع قرن الشمس ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة وحضرموت خير من عامر بن صعصعة - وروى بعضهم خير من الحارث بن معاوية - وبجيلة خير من رعل وذكوان وإن يهلك لحيان فلا أبالي ثم قال: لعن الله الملوك الاربعة جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعة واختهم العمردة لعن الله المحلل والمحلل له ومن يوالي غير مواليه ومن ادعي نسبا لا يعرف والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ومن أحدث حدثا في الاسلام أو آوى محدثا ومن قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه ومن لعن أبويه فقال رجل: يا رسول الله أيوجد رجل يلعن أبويه؟ فقال: نعم، يلعن آباء الرجال وامهاتهم فيلعنون أبويه لعن الله رعلا وذكوان وعضلا ولحيان والمجذمين من أسد وغطفان وأبا سفيان بن حرب وشهبلا ذا الاسنان وابني مليكة بن جزيم ومروان وهوذة وهونة.

لو انتقدت هذا الحديث بطريقة السنة فتخميني أنه يوصل عدة أحاديث في سياق واحد، وعند الواقدي في المغازي أن لعن أبي بكر لأبي أحيحة وهو سعيد بن العاص كان لما شاهد قبره في غزوة ثقيف لأنه كان رجلا قاسيا آذى ابنه خالد كما يذكر مؤلفا أسد الغابة والاستيعاب وغيره فرد عليه ابناه حسب الواقدي بلعن أبيه أبي قحافة. ولو اعتبرنا وفادة اليمنيين بعد ثقيف فهذا مناقض

وفي بحار الأنوار ج57 ص95 حديث75 وهو أفضل وأصح:

 


كتاب جعفر بن محمد بن شريح : عن معلى الطحان ، عن بريد بن يزيد ابن جابر ، عن عبدالله بن بشير ، عن ابن عيينة بن حصين قال : رسول الله صلى الله عليه وآله يوما خيلا وعنده أبي - عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر - فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا أبصر بالخيل منك.
فقال عيينة : وأنا أبصر بالرجال منك يا رسول الله.
فقال النبي صلى الله عليه وآله : كيف ؟ قال : فقال : إن خير الرجال الذين يضعون أسيافهم على عواتقهم ، ويعرضون رماحهم على مناكب خيولهم من أهل نجد.
فقال النبي صلى الله عليه وآله : كذبت ، إن خير الرجال أهل اليمن ، والايمان يمان وأنا يماني ، وأكثر قبائل دخول الجنة يوم القيامة مذحج ، وحضرموت خير من بني الحرث بن معاوية حي من كندة ، إن يهلك لحيان فلا ابالي ، فلعن الله الملوك الاربعة : جمدا ، ومخوسا ، ومشرحا وأبضعة ، واختهم العمردة.

 

وهذا نموذج لمحمد كلعّان شتّام، مبغض ضائق الصدر بكل من لا يتبع اختراعه الديني، فهل هذا هو صاحب الخلق العظيم كما يزعمون؟! والملوك الأربعة الذين لعنهم محمد هم أربعة من أبناء معديكرب كانوا يحكمون مناطق باليمن؛ ذكر ابنُ سعد في "الطبقات" 5/13 أنهم كانوا وفدوا عَلَيْهِ مع الأشعث بن قيس، فأسلموا ورجعوا إلى بلادهم، ثم ارتدوا، فقُتلوا يوم النُّجير، وإنما سُمُوا ملوكاً لأنه كان لكل واحد منهم واد يملكُه بما فيه. وذكرهم ابن حزم في "جمهرة أنساب العرب" ص428. والنُّجير ذكر ياقوت الحموي في "معجم البلدان" أنه حصنٌ باليمن قرب حضرموت منيع، لجأ إليه أهل الرَدة مع الأشعث بن قيس في أيام أبي بكر، فحاصره زياد بن لَبِيد البياضي حتى افتتحه عنوة، وقتل من فيه، وأسر الأشعث بن قيس، وذلك في سنة (12) للهجرة.

 

وفد الأزد ووفد أهل جُرْش من اليمن

 

قدم وفد أهل جرش نتيجة إرهاب مسلمي الأزد عليهم، انظر ما سلف إيراده

 

وفد بني الحارث بن كعب

ذكرنا خبر الهجوم عليهم أدناه، فقدوم وفدهم لإعلان الإسلام والتسليم والخضوع نتيجة العنف والإرهاب.

 

وفد نجران وفرض الجزية العنصرية التمييزية

 

قال محمد بن سعد في الطبقات الكبير ج1:

 

.... فدخلوا المسجد عليهم ثياب الحبرة. وأردية مكفوفة بالحرير. فقاموا يصلون في المسجد نحو المشرق. فقال رسول الله ص: دعوهم. ثم أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعرض عنهم ولم يكلمهم.

فقال لهم عثمان: ذلك من أجل زيكم هذا. فانصرفوا يومهم ذلك. ثم غدوا عليه بزي الرهبان فسلموا عليه. فرد عليهم ودعاهم إلى الإسلام. فأبوا وكثر الكلام والحجاج بينهم. وتلا عليهم القرآن. وقال رسول الله ص: إن أنكرتم ما أقول لكم فهلم أباهلكم. فانصرفوا على ذلك. فغدا عبد المسيح ورجلان من ذوي رأيهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد بدا لنا أن لا نباهلك فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك. فصالحهم على ألفي حلة. ألف في رجب. وألف في صفر. أوقية كل حلة من الأواقي. وعلى عارية ثلاثين درعا. وثلاثين رمحا. وثلاثين بعيرا.

وثلاثين فرسا. إن كان باليمن كيد. ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم. لا يغير أسقف عن سقيفاه. ولا راهب عن رهبانيته. ولا واقف عن وقفانيته. وأشهد على ذلك شهودا. منهم أبو سفيان بن حرب. والأقرع بن حابس. والمغيرة بن شعبة. فرجعوا إلى بلادهم....

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل نجران: هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لأهل نجران أنه كان له عليهم حكمه في كل ثمرة صفراء أو بيضاء أو سوداء أو رقيق فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة حلل الأواقي في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر ألف حلة كل حلة أوقية فما زادت حلل الخراج أو نقصت على الأواقي فبالحساب وما قبضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم فبالحساب وعلى نجران مثواة رسلي عشرين يوما فدون ذلك ولا تحبس رسلي فوق شهر وعليهم عارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا إذا كان باليمن كيد وما هلك مما أعاروا رسلي من دروع أو خيل أو ركاب فهو ضمان على رسلي حتى يؤدوه إليهم ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم وصلواتهم لا يغيروا أسقفا عن أسقفيته ولا راهبا عن رهبانيته ولا واقفا عن وقفانيته وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير وليس ربا ولا دم جاهلية ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين لنجران ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة ولا يؤاخذ أحد منهم بظلم آخر وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة النبي أبدا حتى يأتي الله بأمره إن نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم. شهد أبو سفيان بن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف النصري والأقرع بن حابس والمستورد بن عمرو أخو بلي والمغيرة بن شعبة وعامر مولى أبي بكر.

 

....قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسقف بني الحارث بن كعب والأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم. وجوار الله ورسوله لا يغير أسقف عن أسقفيته. ولا راهب عن رهبانيته. ولا كاهن عن كهانته. ولا يغير حق من حقوقهم. ولا سلطانهم. ولا شيء مما كانوا عليه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين. وكتب المغيرة.

 

وروى البخاري:

 

4380 - حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: جَاءَ العَاقِبُ وَالسَّيِّدُ، صَاحِبَا نَجْرَانَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدَانِ أَنْ يُلاَعِنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لاَ تَفْعَلْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلاَعَنَّا لاَ نُفْلِحُ نَحْنُ، وَلاَ عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا، قَالاَ: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا، وَلاَ تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا. فَقَالَ «لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ»، فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ» فَلَمَّا قَامَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ»

 

وانظر البخاري 3745 ومسلم 6333 وابن أبي شيبة في مصنفه 32963 وغيرهم

 

هكذا فرض محمد الجزية العنصرية على نصارى نجران، ووفقًا لكتب السيرة والحديث فقد فرضها كذلك على كل يهود ومسيحيي اليمن والبحرين وهجر وأيلة وجربا وأذرح والمقنا وسائر شبه جزيرة العرب. مؤسسًا بذلك دولة دينية شمولية عنصرية بغيضة لا تعرف الإخاء الإنساني والتساوي بين البشر. وفي هذا العهد من محمد أنه لا يُجلى مسيحيي نجران عن وطنهم، وحقيقة لا يحتاج الأمر نصًا وسماحًا وعطاءً منه، فإنه في الأصل لا يجوز ولا يحق إجلاء قوم من وطنهم تحت مبرر وستار ديني، ويقول ابن أبي شيبة:

 

38170- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : كَتَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ وَهُمْ نَصَارَى : أَنَّ مَنْ بَايَعَ مِنْكُمْ بِالرِّبَا ، فَلاَ ذِمَّةَ لَهُ.

 

38171- حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ؛ أَنَّ عُمَرَ أَجْلَى أَهْلَ نَجْرَانَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، وَاشْتَرَى بَيَاضَ أَرْضِهِمْ وَكُرُومِهِمْ...إلخ

 

38172- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ سَالِمٍ ، قَالَ : كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ قَدْ بَلَغُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، قَالَ : وَكَانَ عُمَرُ يَخَافُهُمْ أَنْ يَمِيلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَتَحَاسَدُوا بَيْنَهُمْ ، قَالَ : فَأَتَوْا عُمَرَ ، فَقَالُوا : إِنَّا قَدْ تَحَاسَدْنَا بَيْنَنَا فَأجِّلْنَا ، قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا أَنْ لاَ يُجْلُوا ، قَالَ : فَاغْتَنَمَهَا عُمَرُ فَأَجَلاَهُمْ ، فَنَدِمُوا ، فَأَتَوْهُ ، فَقَالُوا : أَقِلْنَا ، فَأَبَى أَنْ يُقِيلَهُمْ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ أَتَوْهُ ، فَقَالُوا : إِنَّا نَسْأَلُك بِخَطِّ يَمِينِكَ ، وَشَفَاعَتِكَ عِنْدَ نَبِيِّكَ إِلاَّ أَقَلْتَنَا ، فَأَبَى ، وَقَالَ : وَيْحَكُمْ ، إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الأَمْرِ.

قَالَ سَالِمٌ : فَكَانُوا يَرَوْنَ ، أَنَّ عَلِيًّا لَوْ كَانَ طَاعِنًا عَلَى عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ ؛ طعَنْ عَلَيْهِ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ.

 

22438- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ ، عَنْ عَامِرٍ ، قَالَ : قرَأْت كِتَابَ أَهْلِ نَجْرَانَ فَوَجَدْت فِيهِ إِنْ أَكَلْتُمَ الرِّبَا فَلاَ صُلْحَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يُصَالِحُ مَنْ يَأْكُلُ الرِّبَا.

 

32667- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الأَعْمَشِ , عَنْ سَالِمٍ , قَالَ : جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كِتَابُك بِيَدِكَ وَشَفَاعَتُك بِلِسَانِكَ , أَخْرَجَنَا عُمَرُ مِنْ أَرْضِنَا فَارْدُدْنَا إلَيْهَا , فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ : وَيْحَكُمْ , إنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الأَمْرِ , وَلا أُغَيِّرُ شَيْئًا صَنَعَهُ عُمَرُ , قَالَ الأَعْمَشُ , فَكَانُوا يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَى عُمَرَ شَيْءٌ لاغْتَنَمَ هَذَا عَلِيٌّ.

 

بل وليعطوا لأنفسهم تبريرًا كافيًا تجرؤوا على تأليف حديث موضوع بمقاس تفصيل كالترزية الخياطين:

 

33662- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ : إنَّ آخِرَ كَلاَمُ تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ  قَالَ : أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَأَهْلَ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.

 

ويقول محمد بن سعد في الطبقات الكبير ج1/ وفد نجران:

 

وأقام أهل نجران على ما كتب لهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قبضه الله. صلوات الله عليه ورحمته ورضوانه وسلامه. ثم ولي أبو بكر الصديق فكتب بالوصاة بهم عند وفاته. ثم أصابوا ربا فأخرجهم عمر بن الخطاب من أرضهم وكتب لهم: هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران من سار منهم إنه آمن بأمان الله لا يضرهم أحد من المسلمين. وفاء لهم بما كتب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر. أما بعد فمن وقعوا به من أمراء الشأم وأمراء العراق فليوسعهم من جريب الأرض. فما اعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة وعقبة لهم بمكان أرضهم لا سبيل عليهم فيه لأحد ولا مغرم.

أما بعد فمن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم. فإنهم أقوام لهم الذمة وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرا بعد أن تقدموا ولا يكلفوا إلا من ضيعتهم التي اعتملوا غير مظلومين ولا معنوف عليهم. شهد عثمان بن عفان. ومعيقب بن أبي فاطمة. فوقع ناس منهم بالعراق فنزلوا النجرانية التي بناحية الكوفة.

 

القصص والمزاعم متناقضة في التبرير فإحداها تزعم أنهم هم من طلبوا أن يتم طردهم وجرؤهم وهو كلام لا يعقله عاقل! والأخرى أنهم تعاملوا بالربا أو الفائدة وهو تبرير سخيف وضيع لطرد ناس من وطنهم.

 

من هنا نقول: أما عمر بن الخطاب ثاني خلفاء المسلمين فكان أسوأ من محمد وأكثر عنصرية وإرهابًا وضيقًا بمن يختلف في الدين لدرجة أنه قام بترحيل مسيحيين نجران إلى الكوفة بالعراق بدعوى أنهم تعاملوا بالربا في إقراض المسلمين، وهي دعوى سخيفة وتبريرية لتهجير أقوام عن أوطانهم وإلغاء للتنوع البشري من حاكم شمولي دكتاتور دموي فاتح ناهب لا يحب المختلفين وأصحاب العقائد الأخرى ولعله كان يود لو يبيد كل غير المسلمين من على وجه الأرض بالتقتيل لولا أن الإسلام لا يسمح له بالتمادي في الإبادة مع أهل الكتاب والمجوس، بل مع الوثنيين فقط يسمح له بالأفعال الإجرامية التي يهواها بصورة تامة. وحقيقة لا يوجد مبرر على وجه الأرض لتهجير فئة من الناس عن أوطانهم لاختلاف الدين أو العرق أو غيرها.

 

 

نماذج لرسائل التهديد من محمد إلى القبائل ليسلموا بالإكراه والترويع والإرهاب

 

من خلال نص الطبقات الكبير لمحمد بن سعد/ج1/ عنوان: ذكر بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرسل بكتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وما كتب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لناس من العرب وغيرهم

 

رسالة محمد إلى مسيحيي نجران

 

جاء في دلائل النبوة للبيهقي:

 

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ يَشُوعَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ يُونُسُ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم كَتَبَ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْهِ «طس»  سُلَيْمَانَ بِسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إِلَى أُسْقُفِّ نَجْرَانَ، وَأَهْلِ نَجْرَانَ: إِنْ أَسْلَمْتُمْ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللهَ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ وَأَدْعُوكُمْ إِلَى وِلَايَةِ اللهِ مِنْ وِلَايَةِ الْعِبَادِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَالْجِزْيَةُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَقَدْ آذَنْتُكُمْ بِحَرْبٍ وَالسَّلَامُ.

فَلَمَّا أَتَى الْأُسْقُفَّ الْكِتَابُ وَقَرَأَهُ فَظِعَ بِهِ وذعره ذعرا شديدا، فعبث إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ وَدَاعَةَ، وَكَانَ مِنْ [أَهْلِ] هَمْدَانَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُدْعَى إِذَا نَزَلَتْ مُعْضِلَةٌ قَبْلَهُ، لَا الْأَيْهَمُ، وَلَا السَّيِّدُ، وَلَا الْعَاقِبُ، فَدَفَعَ الْأُسْقُفُّ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَى شُرَحْبِيلَ، فَقَرَأَهُ...إلخ

... فَلَمَّا اجْتَمَعَ الرَّأْيُ مِنْهُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ جَمْعًا أَمَرَ الْأُسْقُفُّ بِالنَّاقُوسِ فَضُرِبَ بِهِ، وَرُفِعَتِ الْمُسُوحُ فِي الصَّوَامِعِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذَا فَزِعُوا بِالنَّهَارِ وَإِذَا كَانَ فَزَعُهُمْ لَيْلًا ضَرَبُوا بِالنَّاقُوسِ وَرُفِعَتِ النِّيرَانُ فِي الصَّوَامِعِ، فَاجْتَمَعَ حِينَ ضُرِبَ النَّاقُوسُ وَرُفِعَتِ الْمُسُوحُ أَهْلُ الْوَادِي أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ...إلخ

 

فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَهُمْ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ فَاجْتَمَعَ رَأْيُ أَهْلِ الْوَادِي مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا شُرَحْبِيلَ بْنَ وَدَاعَةَ الْهَمْدَانِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ شُرَحْبِيلَ الْأَصْبَحِيَّ وَجَبَّارَ بْنَ فَيْضٍ الْحَارِثِيَّ فَيَأْتُونَهُمْ بِخَبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الْوَفْدُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَضَعُوا ثِيَابَ السَّفَرِ عَنْهُمْ وَلَبِسُوا حُلَلًا لَهُمْ يَجُرُّونَهَا مِنْ حِبَرَةٍ، وَخَوَاتِيمَ الذَّهَبِ، ثُمَّ انْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ، وَتَصَدَّوْا لَكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ وَعَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُلَلُ وَالْخَوَاتِيمُ الذَّهَبُ، فَانْطَلَقُوا يَتْبَعُونَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَا مَعْرِفَةً لَهُمْ، كَانَا يَجْدَعَانِ الْعَتَائِرَ إِلَى نَجْرَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيَشْتَرُوا لَهُمَا مِنْ بَزِّهَا وَثَمَرِهَا وَذُرَتِهَا، فَوَجَدُوهُمَا فِي نَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي مَجْلِسٍ، فَقَالُوا: يَا عُثْمَانُ وَيَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! إِنَّ نَبِيَّكُمَا كَتَبَ إِلَيْنَا بِكِتَابٍ فَأَقْبَلْنَا مُجِيبِينَ لَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ سَلَامَنَا، وَتَصَدَّيْنَا لَكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا فَأَعْيَانَا أَنْ يُكَلِّمَنَا فَمَا الرَّأْيُ مِنْكُمَا: أَنَعُودُ أَمْ نَرْجِعُ؟ فَقَالَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وهو فِي الْقَوْمِ: مَا تَرَى يَا أَبَا الْحَسَنِ فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ لِعُثْمَانَ وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: أَرَى أَنْ يَضَعُوا حُلَلَهُمْ هَذِهِ وَخَوَاتِيمَهُمْ وَيَلْبَسُوا ثِيَابَ سَفَرِهِمْ، ثُمَّ يعودون إِلَيْهِ. فَفَعَلَ وَفْدُ نَجْرَانَ ذَلِكَ، وَوَضَعُوا حُلَلَهُمْ وَخَوَاتِيمَهُمْ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا فَرَدَّ بِسَلَامِهِمْ ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَقَدْ أَتَوْنِي الْمَرَّةَ الْأُولَى وَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمَعَهُمْ». ثُمَّ سَاءَلَهُمْ وَسَاءَلُوهُ فَلَمْ تَزَلْ بِهِ وَبِهِمُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى قَالُوا لَهُ: مَا تَقُولُ فِي عيسى بن مَرْيَمَ؟ فَإِنَّا نَرْجِعُ إِلَى قَوْمِنَا وَنَحْنُ نَصَارَى يَسُرُّنَا إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا أَنْ نَعْلَمَ مَا تَقُولُ فِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ يَوْمِي هَذَا، فَأَقِيمُوا حَتَّى أُخْبِرَكُمَا بِمَا يُقَالُ فِي عِيسَى».

فَأَصْبَحَ الْغَدُ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ إلى قوله فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ.

فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الْغَدَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فِي خَمِيلٍ لَهُ وَفَاطِمَةُ تَمْشِي عِنْدَ ظَهْرِهِ لِلْمُلَاعَنَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عِدَّةُ نِسْوَةٍ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ لِصَاحِبَيْهِ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ شُرَحْبِيلَ وَيَا جَبَّارُ بْنَ فَيْضٍ قَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ الْوَادِيَ إِذَا اجْتَمَعَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ لَمْ يَرِدُوا وَلَمْ يَصْدُرُوا إِلَّا عَنْ رأي، وَإِنِّي وَاللهِ أَرَى أَمْرًا مُقْبِلًا إِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا مَبْعُوثًا فَكُنَّا أَوَّلَ الْعَرَبِ طَعَنَ فِي عَيْنِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ لَا يَذْهَبُ لَنَا مِنْ صَدْرِهِ وَلَا مِنْ صُدُورِ قَوْمِهِ حَتَّى يُصِيبُونَا بِجَائِحَةٍ وَإِنَّا لِأَدْنَى الْعَرَبِ مِنْهُمْ جِوَارًا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ نبيا مرسلا فلا عنّاه فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَّا شَعْرٌ وَلَا ظُفُرٌ إِلَّا هَلَكَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ: فَمَا الرَّأْيُ يَا أَبَا مَرْيَمَ فَقَدْ وَضَعَتْكَ الْأُمُورُ عَلَى ذِرَاعٍ، فَهَاتِ رَأْيَكَ، فَقَالَ: رَأْيِي أَنْ أُحَكِّمَهُ فَإِنِّي أَرَى رَجُلًا لَا يَحْكُمُ شَطَطًا أَبَدًا، فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ وَذَاكَ.

فَتَلَقَّى شُرَحْبِيلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْ مُلَاعَنَتِكَ، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ شُرَحْبِيلُ: حُكْمُكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَيْلَتُكَ إِلَى الصَّبَاحِ فَمَهْمَا حَكَمْتَ فِينَا فَهُوَ جَائِزٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّ وَرَاءَكَ أَحَدٌ يُثَرِّبُ عَلَيْكَ! فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: سَلْ صَاحِبَيَّ فَسَأَلَهُمَا، فَقَالَا لَهُ: مَا تَرِدُ الْوَادِي وَلَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِ شُرَحْبِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: كَافِرٌ أَوْ قَالَ جَاحِدٌ موفق. فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَاعِنُهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَتَوْهُ فَكَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِنَجْرَانَ إِذْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَكُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ وَرَقِيقٍ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ، وَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الْأَوَاقِي فِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَمَعَ كُلِّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ مِنَ الْفِضَّةِ فَمَا زَادَتْ عَلَى الْخَرَاجِ أَوْ نَقَصَتْ عَنِ الْأَوَاقِي فَبِالْحِسَابِ، وَمَا قَضَوْا مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ عُرُوضٍ أُخِذَ مِنْهُمْ بِالْحِسَابِ، وَعَلَى نَجْرَانَ مُؤْنَةُ رُسُلِي، وَمُتْعَتُهُمْ مَا بَيْنَ عِشْرِينَ يَوْمًا فَدُونَهُ، وَلَا تُحْبَسُ رُسُلِي فَوْقَ شَهْرٍ، وَعَلَيْهِمْ عَارِيَةٌ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا إِذَا كَانَ كَيَدٌ وَمَعَرَّةٌ، وَمَا هَلَكَ مِمَّا أَعَارُوا رُسُلِي مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ فَهُوَ ضَمَانٌ عَلَى رُسُلِي حَتَّى يؤَدُّوهُ إِلَيْهِمْ، وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا جِوَارُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَأَرْضِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَأَنْ لَا يُغَيِّرُوا مِمَّا كَانُوا عليه وَلَا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا مِلَّتِهِمْ، وَلَا يغيّروا أسقف من اسقفيته وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلَا وَاقِهًا مِنْ وُقَيْهَاهُ، وكلما تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ دِنْيَةٌ وَلَا دَمُ جَاهِلِيَّةٍ وَلَا يُحْشَرُونَ وَلَا يُعْشَرُونَ وَلَا يَطَأُ أَرْضَهُمْ جَيْشٌ، وَمَنْ سَأَلَ فِيهِمْ حَقًّا فَبَيْنَهُمُ النِّصْفُ غَيْرَ ظَالِمِينَ وَلَا مَظْلُومِينَ بِنَجْرَانَ، وَمَنْ أَكَلَ رِبًا مِنْ ذِي قَبَلٍ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ رَجُلٌ بِظُلْمِ آخَرَ، وَعَلَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ جِوَارُ اللهِ عَزَّ وجل وذمة مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ، مَا نَصَحُوا وَأَصْلَحُوا فِيمَا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُثْقَلِينَ بِظُلْمٍ.

شَهِدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْلَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ بَنِي نَصْرٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ، وَالْمُغِيرَةُ وَكَتَبَ....إلخ

 

نموذج لتهديدات محمد الإرهابية لإنشاء دولة عنصرية دكتاتورية تميز بصورة عنصرية بين السكان على أساس الدين والاعتقاد، اتخذ المسيحيون كأقلية قرارًا حكيمًا بعدم الدخول مع رجل متطرف متغطرس مجنون بالبارانويا أي جنون العظمة في جدال يؤدي إلى الإضرار بهم بحكم قوته العسكرية الزمنية، ونلاحظ أسلوب مهاترات محمد عديمة الجدوى المعتاد كطلبه في القرآن في سورة آل عمران من المسيحيين أن يجتمعوا معه ليتلاعنوا ويدعوا الله أن يحل اللعنة على صاحب العقيدة غير الصحيحة منهما، وهو محض هراء وتضييع وقت ومجادلات خاوية لأنه لا إله من الأصل موجود ليبالي بهذه الجدالات والتفاهات، ولو كان_فرضًا فقط_موجودًا كإله خالق لكون فسيح جدًّا فهو لن يلتفت للنمل المتكبر المسمى بشر الذيين تقول كل نملة منهم أنا صاحب العقيدة الصحيحة وأعلم ماهية الإله المجهول والكون اللانهائي، لو سمحتم لي بالاستعارة من أسلوب فولتير الساخر.

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)} آل عمران:60-63

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

32848- حَدَّثَنَا جَرِيرٌ , عَنْ مُغِيرَةَ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ : لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُلاَعِنَ أَهْلَ نَجْرَانَ أَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي خَلْفَهُ.

 

38169- حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُلاَعَنْ أَهْلَ نَجْرَانَ قَبِلُوا الْجِزْيَةَ أَنْ يُعْطُوهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَقَدْ أَتَانِي الْبَشِيرُ بِهَلَكَةِ أَهْلِ نَجْرَانَ ، لَوْ تَمُّوا عَلَى الْمُلاَعَنْة ، حَتَّى الطَّيْرِ عَلَى الشَّجَرِ ، أَوِ الْعُصْفُورِ عَلَى الشَّجَرِ ، وَلَمَّا غَدَا إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي خَلْفَهُ.

 

وانظر القصة في السيرة لابن إسحاق برواية ابن هشام وكتب تفسير القرآن.

 

رسالة تهديد إلى سمعان بن عمرو بن قريط

 

وهي التي رقع بها المذكور قعر دلوه فأرسل محمد له سرية بقيادة الضحاك بن سفيان الكلابي كما ذكرنا سابقًا فلا داعي  لتكراره هنا.

 

رسالة تهديد إلى بني بكر بن وائل

 

روى محمد بن سعد في الطبقات الكبير ج1:

 

قال: أخبرنا علي بن محمد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن رجل من بني سدوس قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بكر بن وائل: أما بعد فأسلموا تسلموا. قال قتادة: فما وجدوا رجلا يقرؤه حتى جاءهم رجل من بني ضبيعة بن ربيعة فقرأه. فهم يسمون بني الكاتب. وكان الذي أتاهم بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظبيان بن مرثد السدوسي.

 

ورواه أحمد بن حنبل بنحوه بإسناد حسن 20667 وابن  أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1658) والبزار (1670- كشف الأستار) ، وأبي يعلى (2947) ، وابن حبان (6558) ، والطبراني في "الصغير" (307) . ورجال بعضهم رجال الصحيح.

 

مثال للإرهاب الإسلامي أسلموا وإلا تقتلوا، كما قال شاعرنا السوري جيورجي فاسيلييف حقًّا: أسلم تسلم، ومأتم يتبعه مأتم.

 

ورسالة تهديد لملوك حمير

 

ذكر محمد بن سعد في ج1:

 

قال: أخبرنا علي بن محمد عن يزيد بن عياض عن الزهري قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحارث ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير: سلم أنتم ما آمنتم بالله ورسوله وأن الله وحده لا شريك له بعث موسى بآياته وخلق عيسى بكلماته قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى الله ثالث ثلاثة عيسى ابن الله. قال: وبعث بالكتاب مع عياش بن أبي ربيعة المخزومي...إلخ

 

نلاحظ أنهم سرعان ما أسلموا ليس عن اقتناع بكلام الصحابي المرسل من محمد بذهنية شمولية وثوقية دوغمائية إرهابية مستعلية متغطرسة على نقص في النفوس وانعدام للتمدن، بل ليحافظوا على عروشهم وكراسيهم، وتاريخ الطبري يذكر حدوث ردتين عن الإسلام في اليمن ما يدل على ثورة كبيرة ضده في زمن أبي بكر.

وثائق كتابات محمد للقبائل وزعمائها كما وردت عند ابن سعد وشروطه

 

ملخص وفحوى هذه الكتابات أن محمدًا يثبت الأقوام والقبائل على حدودها المتعارف عليها بشرط أن يكونوا على الإسلام، فاشترط ملكية أوطانهم بشرط عنصري ديني، وإلا فلهم منه الإبادة والتقتيل، واشترط عليهم إعطاءه خمس الغنائم والصفيّ الذي يصطفيه من الغنيمة قبل قسمتها مهدىً من عندهم إذا هجموا وأغاروا على وثنيين، وأمرهم بمحاربة الوثنيين المؤمنين بتعدد الآلهة. وأمرهم بفرض التشريع العنصري بالنهب والتمييز ضد غير المسلمين من مسيحيين ويهود وزردشتيين وصابئة مندائيين بفرض الجزية الإتاوة والخراج عليهم وإعطائها طبعًا للدولة المركزية في يثرب لتربية كروش سكانها.

 

نبدأ أولًا من رواية البخاري:

 

4368 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ لِي جَرَّةً يُنْتَبَذُ لِي نَبِيذٌ، فَأَشْرَبُهُ حُلْوًا فِي جَرٍّ، إِنْ أَكْثَرْتُ مِنْهُ، فَجَالَسْتُ القَوْمَ فَأَطَلْتُ الجُلُوسَ، خَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ، فَقَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِالقَوْمِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ النَّدَامَى»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ المُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّا لاَ نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الحُرُمِ، حَدِّثْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ: إِنْ عَمِلْنَا بِهِ دَخَلْنَا الجَنَّةَ، وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ: «آمُرُكُمْ بِأَرْبَع، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الإِيمَانِ بِاللَّهِ، هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ المَغَانِمِ الخُمُسَ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، مَا انْتُبِذَ فِي الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالحَنْتَمِ، وَالمُزَفَّتِ»

 

وانظر صحيح مسلم 17 و18.

 

ونعود إلى الطبقات الكبير ج1، ونورد نماذج:

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن أسلم من حدس من لخم وأقام الصلاة وآتى الزكاة. وأعطى حظ الله وحظ رسوله. وفارق المشركين. فإنه آمن بذمة الله وذمة رسوله محمد. ومن رجع عن دينه فإن ذمة الله وذمة محمد رسوله منه بريئة. ومن شهد له مسلم بإسلامه فإنه آمن بذمة محمد وإنه من المسلمين. وكتب عبد الله بن زيد.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالد بن ضماد الأزدي أن له ما أسلم عليه من أرضه على أن يؤمن بالله لا يشرك به شيئا. ويشهد أن محمدا عبده ورسوله. وعلى أن يقيم الصلاة. ويؤتي الزكاة. ويصوم شهر رمضان. ويحج البيت. ولا يأوي محدثا. ولا يرتاب. وعلى أن ينصح لله ولرسوله. وعلى أن يحب أحباء الله. ويبغض أعداء الله. وعلى محمد النبي أن يمنعه مما يمنع منه نفسه وماله وأهله. وأن لخالد الأزدي ذمة الله وذمة النبي إن وفى بهذا. وكتب أبي.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني قرة بن عبد الله بن أبي نجيح النبهانيين أنه أعطاهم المظلة كلها أرضها وماءها وسهلها وجبلها حمى يرعون فيه مواشيهم. وكتب معاوية.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني الضباب من بني الحارث بن كعب أن لهم ساربة ورافعها. لا يحاقهم فيها أحد ما أقاموا الصلاة. وآتوا الزكاة. وأطاعوا الله ورسوله. وفارقوا المشركين. وكتب المغيرة.

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليزيد بن الطفيل الحارثي أن له المضة كلها. لا يحاقه فيها أحد ما أقام الصلاة. وآتى الزكاة. وحارب المشركين. وكتب جهيم بن الصلت.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد يغوث بن وعلة الحارثي أن له ما أسلم عليه من أرضها وأشيائها. يعني نخلها. ما أقام الصلاة. وآتى الزكاة. وأعطى خمس المغانم في الغزو. ولا عشر ولا حشر. ومن تبعه من قومه. وكتب الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني زياد بن الحارث الحارثيين أن لهم جماء وأذنبة. وأنهم آمنون ما أقاموا الصلاة. وآتوا الزكاة. وحاربوا المشركين. وكتب علي.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقيس بن الحصين ذي الغصة أمانة لبني أبيه بني الحارث ولبني نهد أن لهم ذمة الله وذمة رسوله. لا يحشرون ولا يعشرون ما أقاموا الصلاة. وآتوا الزكاة. وفارقوا المشركين. وأشهدوا على إسلامهم وأن في أموالهم حقا للمسلمين. قال: وكان بنو نهد حلفاء بني الحارث.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني قنان بن يزيد الحارثيين أن لهم مذودا وسواقيه ما أقاموا الصلاة. وآتوا الزكاة. وفارقوا المشركين. وأمنوا السبيل. وأشهدوا على إسلامهم.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبنى معلوية بن جرول الطائيين لمن أسلم منهم. وأقام الصلاة. وآتى الزكاة. وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانم خمس الله وسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وفارق المشركين. وأشهد على إسلامه. أنه آمن بأمان الله ورسوله. وأن لهم ما أسلموا عليه والغنم مبيتة. وكتب الزبير بن العوام. قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعامر بن الأسود بن عامر بن جوين الطائي أن له ولقومه طيئ ما أسلموا عليه من بلادهم ومياههم ما أقاموا الصلاة. وآتوا الزكاة. وفارقوا المشركين. وكتب المغيرة.

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني جوين الطائيين لمن آمن منهم بالله. وأقام الصلاة. وآتى الزكاة. وفارق المشركين. وأطاع الله ورسوله. وأعطى من المغانم خمس الله وسهم النبي. وأشهد على إسلامه. فإن له أمان الله ومحمد بن عبد الله. وأن لهم أرضهم ومياههم. وما أسلموا عليه. وغدوة الغنم من ورائها مبيتة. وكتب المغيرة. قال: يعني بغدوة الغنم قال: تغدو الغنم بالغداة فتمشي إلى الليل. فما خلفت من الأرض وراءها فهو لهم. وقوله مبيتة يقول: حيث باتت.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبنى معن الطائيين أن لهم ما أسلموا عليه من بلادهم ومياههم. وغدوة الغنم من ورائها مبيتة. ما أقاموا الصلاة. وآتوا الزكاة. وأطاعوا الله ورسوله. وفارقوا المشركين. وأشهدوا على إسلامهم. وأمنوا السبيل. وكتب العلاء وشهد.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه. ما أقاموا الصلاة. وآتوا الزكاة. وأطاعوا الله ورسوله. وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وفارقوا المشركين. فإن لهم ذمة الله وذمة محمد بن عبد الله. وكتب أبي.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد هذيم من قضاعة وإلى جذام كتابا واحدا يعلمهم فيه فرائض الصدقة. وأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أبي وعنبسة أو من أرسلاه. قال: ولم ينسبا لنا.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني الجرمز بن ربيعة وهم من جهينة أنهم آمنون ببلادهم. ولهم ما أسلموا عليه. وكتب المغيرة.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن معبد الجهني وبني الحرقة من جهينة وبني الجرمز من أسلم منهم. وأقام الصلاة. وآتى الزكاة. وأطاع الله ورسوله. وأعطى الغنائم الخمس وسهم النبي الصفي. ومن أشهد على إسلامه. وفارق المشركين. فإنه آمن بأمان الله وأمان محمد. وما كان من الدين مدونة لأحد من المسلمين قضي عليه برأس المال وبطل الربا في الرهن. وأن الصدقة في الثمار العشر. ومن لحق بهم فإن له مثل ما لهم. قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال بن الحارث المزني أن له النخل وجزعة شطره ذا المزارع والنخل. وأن له ما أصلح به الزرع من قدس. وأن له المضة والجزع والغيلة إن كان صادقا. وكتب معاوية. فأما قوله جزعة فإنه يعني قرية. وأما شطره فإنه يعني تجاهه. وهو في كتاب الله عز وجل: «فول وجهك شطر المسجد الحرام» البقرة: 149. يعني تجاه المسجد الحرام. وأما قوله من قدس. فالقدس الخرج وما أشبهه من آلة السفر. وأما المضة فاسم الأرض.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المنذر بن ساوى: أما بعد فإن رسلي قد حمدوك وإنك مهما تصلح أصلح إليك وأثبك على عملك وتنصح لله ولرسوله والسلام عليك.. وبعث بها مع العلاء بن الحضرمي.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المنذر بن ساوى كتابا آخر: أما بعد فإني قد بعثت إليك قدامة وأبا هريرة فادفع إليهما ما اجتمع عندك من جزية أرضك والسلام. وكتب أبي.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى العلاء بن الحضرمي: أما بعد فإني قد بعثت إلى المنذر بن ساوى من يقبض منه ما اجتمع عنده من الجزية فعجله بها وابعث معها ما اجتمع عندك من الصدقة والعشور والسلام. وكتب أبي.

 

أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي بن علية عن الجريري عن أبي العلاء قال: كنت مع مطرف في سوق الإبل فجاء أعرابي بقطعة أديم أو جراب فقال: من يقرأ؟ أو قال: أفيكم من يقرأ؟ فقلت: نعم أنا أقرأ. فقال: دونك هذا فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتبه لي. فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي لبني زهير بن أقيش حي من عكل أنهم إن شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وفارقوا المشركين وأقروا بالخمس في غنائمهم وسهم النبي وصفيه فإنهم آمنون بأمان الله ورسوله.

 

ورواه أحمد بن حنبل 20737 و20738 و20740 و23077 وابن أبي شيبة في المصنف37790 ومن لفظ الأخير: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ ص لِبَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ : إِنَّكُمْ إِنْ أَقَمْتُمَ الصَّلاَةَ، وَآتَيْتُمَ الزَّكَاةَ، وَأَعْطَيْتُمْ مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ ، وَالصَّفِيَّ ، فَأَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللهِ وَأَمَانِ رَسُولِهِ..، وعندهما أنه حدث في مربد البصرة، ورواه أبو عبيد في "الأموال"30، وحميد بن زنجويه في "الأموال"80، والنسائي7/134، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/302-303، وابن قانع في "معجم الصحابة"3/165-166، والطبراني في"الأوسط"4937، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/306، والخطيب البغدادي في "الأسماء المبهمة" ص314 و315، وقد جاء مصرحاً باسم الصحابي بأنه النمر بن تولب العُكْلي عند ابن قانع والطبراني والخطيب. ويونس بن بكير في زياداته على "سيرة ابن إسحاق"452، وأبو داود2999، وابن حبان6557، والبيهقي 7/58.

 

عودة إلى سياق محمد بن سعد ج1:

 

قال: أخبرنا علي بن محمد القرشي عن أبي معشر عن يزيد بن رومان ومحمد ابن كعب وعن يزيد بن عياض بن جعدبة الليثي عن الزهري وعن غيرهم قالوا: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سمعان بن عمرو بن قريط بن عبيد بن أبي بكر بن كلاب مع عبد الله بن عوسجة العرني فرقع بكتابه دلوه. فقيل لهم بنو الراقع. ثم أسلم سمعان وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إسحاق الهمداني أن العرني أتاه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقع به دلوه. فقالت له ابنته: ما أراك إلا ستصيبك قارعة. أتاك كتاب سيد العرب فرقعت به دلوك! فمر به جيش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستباحوا كل شيء له. فأسلم وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره. فقال له رسول الله ص: ما أصبت من مال قبل أن يقسمه المسلمون فأنت أحق به.

 

أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَمِيلُ بْنُ مَرْثَدٍ قَالَ: وَفَدَ رَجُلٌ مِنَ الأَجَئِيِّينَ يُقَالُ لَهُ حَبِيبُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا: هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِحَبِيبِ بْنِ عَمْرٍو أَخِي بَنِي أَجَإٍ وَلِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ أَنَّ لَهُ مَالَهُ وَمَاءَهُ. مَا عَلَيْهِ حَاضَرُهُ وَبَادِيهِ. عَلَى ذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ.

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنهشل بن مالك الوائلي من باهلة: باسمك اللهم هذا كتاب من محمد رسول الله لنهشل بن مالك ومن معه من بني وائل لمن أسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغنم خمس الله وسهم النبي وأشهد على إسلامه وفارق المشركين فإنه آمن بأمان الله وبرئ إليه محمد من الظلم كله وأن لهم أن لا يحشروا ولا يعشروا وعاملهم من أنفسهم. وكتب عثمان بن عفان.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني جناب من كلب: هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني جناب وأحلافهم ومن ظاهرهم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والتمسك بالإيمان والوفاء بالعهد وعليهم في الهاملة الراعية في كل خمس شاة غير ذات عوار والحمولة المائرة لهم لاغية والسقي الرواء والعذي من الأرض يقيمه الأمين وظيفة لا يزاد عليهم. شهد سعد بن عبادة وعبد الله بن أنيس ودحية بن خليفة الكلبي.

 

قالوا: وكتب رسول الله ص: هذا كتاب من محمد رسول الله لمهري بن الأبيض على من آمن من مهرة أنهم لا يؤكلون ولا يغار عليهم ولا يعركون وعليهم إقامة شرائع الإسلام فمن بدل فقد حارب الله ومن آمن به فله ذمة الله وذمة رسوله.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخثعم: هذا كتاب من محمد رسول الله لخثعم من حاضر ببيشة وباديتها أن كل دم أصبتموه في الجاهلية فهو عنكم موضوع ومن أسلم منكم طوعا أو كرها في يده حرث من خبار أو عزاز تسقيه السماء أو يرويه اللثى فزكا عمارة في غير أزمة ولا حطمة فله نشره وأكله وعليهم في كل سيح العشر وفي كل غرب نصف العشر. شهد جرير بن عبد الله ومن حضر.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخثعم: هذا كتاب من محمد رسول الله لخثعم من حاضر ببيشة وباديتها أن كل دم أصبتموه في الجاهلية فهو عنكم موضوع ومن أسلم منكم طوعا أو كرها في يده حرث من خبار أو عزاز تسقيه السماء أو يرويه اللثى فزكا عمارة في غير أزمة ولا حطمة فله نشره وأكله وعليهم في كل سيح العشر وفي كل غرب نصف العشر. شهد جرير بن عبد الله ومن حضر.

 

وفد حمير

 

قال ابن سعد في الطبقات الكبير ج1:

 

قال: أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال: حدثني عمر بن محمد بن صهبان عن زامل بن عمرو عن شهاب بن عبد الله الخولاني عن رجل من حمير أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووفد عليه قال: قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك بن مرارة الرهاوي رسول ملوك حمير بكتابهم وإسلامهم. وذلك في شهر رمضان سنة تسع. فأمر بلالا أن ينزله ويكرمه ويضيفه....إلخ

 

وقال ابن إسحاق في السيرة برواية ابن هشام:

 

وقدم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير، مَقْدَمَه من تَبوك، ورسولهم إليه بإسلامهم، الحارثُ بن عبد كُلال ونُعَيم بن عبد كُلال والنعمان قَيْلُ ذي رُعَيْن ومَعافر وهَمْدان؛ وبعث إليه زُرعة ذو يزن مالك بن مرة الرَّهاوي بإسلامهم، ومفارقتهم الشرك وأهله.

 

فكتب إليهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:

 

بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمدٍ رسولِ اللّه النبي، إلى الحارث بن عبد كُلال، وإلى نُعَيْم بن عبد كُلال، والى النعمان، قَيْلِ ذي رعين ومعافر وهمدان.

أما بعد ذلكم: فإني أحمد إليكم اللّه الذي لا اله الا هو،

أما بعد: فانه قد وقع بنا رسولُكم منقلبناً من أرض الروم فلقينا بالمدينة، فبلَّغ ما أرسلتم به، وخبَّرنا ما قبلكم، وأنبانا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وان اللّه قد هداكم بهداه، ان أصلحتم وأطعتم اللّه ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خُمس اللّه، وسَهْمَ الرسول وصَفِيَّه، وما كُتب على المؤمنين من الصدقة من العقار، عشر ما سَقت العينُ وسقت السماءُ، وعلى ما سَقى الغَرْبُ نصف العشر.

وان في الإبل الاربعين ابنةَ لبون، وفي ثلاثين من الإبل شاتان، وفي كل اربعين من البقر بقرة؛ وفي كل ثلاثين من البقر تبيع، جَذَع أو لا جَذَعة؛ وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها، شاة. وأنها فريضة اللّه التى فرض على المؤمنين في الصدقة؛ فمن زاد خيرا فهو خير له، ومن أدى ذلك وأشهدَ على إسلامه، وظاهر المؤمنين على المشركين، فانه من المؤمنين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، وله ذمة اللّه وذمة رسوله. وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني، فإنه من المؤمنين، له ما لهم، وعليه ما عليهم؛ ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها،، وعليه الجزية، على كل حالم ذكر أو أنثى، حر أو عبد، دينار وافٍ، من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا، أدى ذلك إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فانه له ذمة. اللّه وذمةَ رسوله، ومن منعه فانه عدوُّ للّه ولرسوله.

أما بعد: فان رسول اللّه محمدا النبي أرسل إلى زُرعة ذي يَزَن إن إذا آتاكم رُسلى فأوصيكم بهم خيرا: مُعاذُ بنُ جبل، وعبدُ اللّه بن زَيْد، ومالكُ بن عُبادة، وعُقبة بن نَمر، ومالك بن مُرَّة وأصحابهم. وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجِزية من مخالفيكم، وابلغوها رُسلي، وأن أميرَهم معاذ بن جبل، فلا يَنقَلبنَّ الا راضيا.

أما بعد: فان محمدا يشهد ان لا اله الا الله وانه عبدُه ورسوله، ثم ان مالك بن مُرَّة الرَّهاوي قد حدثني انك أسلمتَ من أول حمير، وقتلتَ المشركين فابشرْ بخير وأمرُك بحمير خيرا، ولا تخونوا ولا تخاذلوا، فان رسول اللّه هو ولي غنيِّكم وفقيرِكم، وان الصدقة لا تحل لمحمدٍ ولا لأهل بيته، انما هي زكاةٌ يُزكَّى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل.

وإن مالكا قد بلَّغ الخبرَ، وحفظ الغيب، وآمركم به خيرا، وإني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم، وآمرك بهم خيرا، فإنهم منظور إليهم، والسلام عليكم ورحمه اللّه وبركاته.

 

وذكر ابن إسحاق:

 

وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد بعت إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم، ليفقههم في الدين، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتابا عهد إليه فيه عهده، وأمره فيه بأمره:

بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا بيان من اللّهِ ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، عهدٌ من محمد النبي رسول اللّه لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن..إلخ

 

وأمره أن يأخذ من المغانم خمسَ اللّه، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، وعلى ما سقى الغُرْبُ نصف العشر؛ وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل عشرين أربع شياه وفي كل اربعين من البقر بقرة؛ وفي كل ثلاثين من البقر تبيع؛ جَذَع أو جَذَعة، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها؛ شاة، فإنها فريضة اللّه التى افترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له.

وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلامًا خالصًا من نفسه ودان بدين الإسلام، فإنه من المؤمنين، له مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يردّ عنها، وعلى كل حالم: ذكر أو أنثى، حر أو عبد دينار وافٍ أو عوضه ثيابًا. فمن أدى ذلك  فإن له ذمة اللّه وذمة رسوله، ومن مَنَعَ ذلك فإنه عدو للّه ولرسوله وللمؤمنين جميعًا، صلوات اللّه على محمد، والسلام عليه ورحمة اللّه وبركاته.

 

وله شواهد من مراسيل أبي داوود 90 و238 وسنن النسائي المجتبى 4855 و4857 بأسانيد ضعيفة ومرسلة

وروى أحمد عن فرض الجزية على كتابيي اليمن:

 

(22013) 22363- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاَثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعا ، أَوْ تَبِيعَةً ، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً ، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا ، أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ. (5/230)

إسناده صحيح، رجالُه ثقات رجال الشيخين، وقد سلف الكلام عليه عند حديث ابن مسعود السالف برقم (3905) أبو وائل: هو شقيق بن سلمة، ومسروق: هو ابن الأجْدع . وهو في "مصنف عبد الرزاق" (6841) ، ومن طريقه أخرجه الترمذي (623) ، وابن الجارود في "المنتقى" (343) ، والطبراني في "الكبير" 20/ (260) ، والدارقطني 2/102، والبيهقي 4/98، والبغوي (1571) . وقرن عبد الرزاق والطبراني والدارقطني والبيهقي بسفيان معمراً . ولفظ ابن الجارود دون قوله: "أن آخذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافر". وأخرجه أبو داود (1578) ، والبزار في "مسنده" (2654) ، وابن الجارود (343) ، وابن خزيمة (2268) من طرق عن سفيان الثوري، به. وأخرجه حميد بن زنجويه في "الأموال" (105) و (1454) ، والدارمي (1623) ، وابن ماجه (1803) ، والنسائي 5/25-26 و26، وابن خزيمة (2268) ، والشاشي في "مسنده" (1347) ، وابن حبان (4886) ، والطبراني 20/ (261) و (264) ، والحاكم 1/398، والبيهقي 4/98 و9/193 من طرق عن الأعمش، به . ولفظ ابن ماجه كلفظ ابن الجارود . وعند النسائي 5/26، والبيهقي 9/193 في أحد موضعيه: "ثنية" بدل قوله: "مسنة" . وقرن ابن خزيمة، والطبراني (264) بشقيقٍ إبراهيمَ النَّخعيَّ، وتحرف عند الطبراني شقيق إلى سفيان . وأخرجه أبو داود (1577) و (3039) ، والنسائي 5/26، وابن خزيمة (2268) ، والطبراني 20/ (263) ، والدارقطني 2/102، والبيهقي 4/98 و9/193 من طريق أبي معاوية، عن الأعمش سليمان بن مهران، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق، عن معاذ . فذكر مكان شقيقٍ أبي وائل إبراهيمَ النخعيَّ . وأخرجه الطبراني 20/ (265) من طريق ابن أبي ليلى، عن أبي صالح، عن مسروق، عن معاذ . وأخرجه عبيد بن زنجويه في "الأموال" (105) و (1454) ، والدارمي (1623) ، والنسائي 5/26، والشاشي (1347) ، والبيهقي 4/98 و9/193 من طريق يعلى بن عبيد، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن معاذ . وعند النسائي والبيهقي "ثنية" بدل "مسنة" . ولم يذكروا فيه مسروقاً، وإبراهيم عن معاذ منقطع . وأخرجه مرسلاً الطيالسي (567) ، وأبو عبيد في "الأموال" (64) و (993) ، والشاشي (1348) و (1350) و (1352) (1353) من طرق عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق قال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً إلى اليمن . وقرن الأعمشُ عند أبي عبيد، والشاشي في الموضعين الثاني والرابع بأبي وائل إبراهيمَ النخعيَّ قال: بعث ... إلخ . واقتصر الطيالسي على قوله: "أن يأخذ من كل حالم ديناراً أو قيمته" . وأخرجه مرسلاً أبو يوسف القاضي في "الخراج" ص 77 عن الأعمش، عن إبراهيم، عن مسروق .وأخرجه مرسلاً كذلك ابن أبي شيبة 3/126-127 عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن مسروق . وأخرجه مرسلاً ابن أبي شيبة 3/127 عن وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي وأبي وائل قالا: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً ... فذكره . وروى الحديث دون قوله: "ومن كل حالم ... إلخ" طاووس عن معاذ مرة، ومرة أدخل بينهما ابن عباس، سلف تخريجهما عند الحديث رقم (22010) . وأخرجه ابن أبي شيبة 3/127، والبيهقي 4/98 من طريق عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر قال: سألت نافعاً عن البقر فقال: بلغني عن معاذ أنه قال: في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين بقرة بقرة . وأخرجه مرسلاً أبو عبيد في "الأموال" (65) ، ومن طريقه ابن زنجويه (109) ، وأخرجه يحيى بن آدم في "الخراج" (229) ، ومن طريقه البيهقي 9/193-194 كلاهما (أبو عبيد ويحيى) عن جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن الحكم قال: كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى معاذ بن جبل وهو باليمن:  أن يأخذ من كل حالم أو حالمة ديناراً، أو قيمته، ولا يفتن يهودي عن يهوديته . هذا لفظ حديث يحيى ابن آدم، وفي حديث أبي عبيد زيادة . وأخرجه أبو يوسف القاضي في "الخراج" ص 128 عن الأعمش، عن عمارة بن عمير أو مسلم بن صبيح أبي الضحى، عن مسروق، به . مختصراً بالجزية في آخره . وأخرجه أبو داود (1599) ، وابن ماجه (1814) من طريق سليمان بن بلال، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن معاذ: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى اليمن فقال: "خذ الحبَّ من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر" وعطاء لم يدرك معاذاً . وسيأتي من طريق أبي وائل عن معاذ بالأرقام (22037) و (22129) . وسيأتى من طريق يحيى بن الحكم عن معاذ برقم (22084) . وفي الباب عن ابن مسعود سلف برقم (3905) ، وانظر تتمة شواهده هناك .

 

 

 

العطاءات الإقطاعية من محمد حسب ما ورد في الطبقات الكبير لمحمد بن سعد

 

كان محمد ابن جيله وزمنه، فلم يسبقه أو يعدُه بكثير، وقد عمل وفق النظام الإقطاعي والذكوري والطبقي والاستعبادي واللاعقلاني السائد كمجمل، فأعطى عطاآت إقطاعية لزعماء وأشراف القبائل والأقوام دون مساواة اشتراكية أو عادلة معقولة مع سائر الناس، لأنه اعتمد على الزعماء للتجييش وجمع الجيوش والأتباع، ولأن إسلام زعماء العرب وفق طباعهم يتبعه اتباع الأقوام لزعمائهم في ذلك. وأدناه نماذج لعطاآت محمد الكبيرة وهي ليست من جيبه بل من سيطرته على كل أراضي شبه الجزيرة العربية كحاكم أوحد قبل موته بقليل من خلال الطبقات الكبير ج1:

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنعيم بن أوس أخي تميم الداري أن له حبرى وعينون بالشام قريتها كلها سهلها وجبلها وماءها وحرثها وأنباطها وبقرها. ولعقبه من بعده. لا يحاقه فيها أحد. ولا يلجه عليهم بظلم. ومن ظلمهم وأخذ منهم شيئا فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وكتب علي.

 

وفي موضع آخر قال:

 

وَفْدُ الدَّارِيِّينَ

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ. وَأَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالا: قَدِمَ وفد الداريين على رسول الله ص مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ. وَهُمْ عَشَرَةُ نَفَرٍ. فِيهِمْ تَمِيمٌ وَنُعَيْمٌ ابْنَا أَوْسِ بْنِ خَارِجَةَ بْنِ سَوَّادِ بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ دَرَّاعِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الدَّارِ بْنِ هَانِئِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نُمَارَةَ بْنِ لَخْمٍ.

وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَارِجَةَ....إلخ

وَقَالَ تَمِيمٌ: لَنَا جِيرَةٌ مِنَ الرُّومِ لَهُمْ قَرْيَتَانِ يُقَالُ لإِحْدَاهُمَا حَبْرَى. وَالأُخْرَى بَيْتُ عَيْنُونَ. فَإِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الشَّامَ فَهَبْهُمَا لِي. قَالَ: فَهُمَا لَكَ. فَلَمَّا قَامَ أَبُو بَكْرٍ أَعْطَاهُ ذَلِكَ. وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا. وَأَقَامَ وَفْدُ الدَّارِيِّينَ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْصَى لَهُمْ بِحَادِ مِائَةِ وَسْقٍ.

 

وورد في أسد الغابة في معرفة الصحابة/ حرف التاء:

 

تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن خزيمة...إلخ

حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الجساسة، وهو حديث صحيح، وروى عنه أيضاً : عبد الله بن وهب، وسليمان بن عامر، وشرحبيل بن مسلم، وقبيصة بن ذؤيب، وكان أول من قص؛ استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك فأذن له، وهو أول من أسرج السراج في المسجد؛ قاله أبو نعيم، وأقام بفلسطين وأقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بها قرية عينون وكتب له كتاباً، وهي إلى الآن قرية مشهورة عند البيت المقدس.

وقال أبو عمر: كان يسكن المدينة، ثم انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان، وكان نصرانياً، فأسلم سنة تسع من الهجرة.

 

وفي أسد الغابة في معرفة الصحابة/ حرف النون:

نعيم بن أوس، أخو تميم الداري.

له ذكر في حديث ذكره بعض المتأخرين. قدم مع أخيه تميم وابن عمهما أبي هند على النبي صلى الله عليه وسلم، فأقطعهم ما سألوا، وقيل: لم يقدم مع أخيه تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يذكر في الصحابة.

ملاحظة: ذكرت_في بحثي عن الأبوكريفا المسيحية والهرطقات كمصدر للإسلام_أن هاتين القريتين كانتا مكافأة مقابل معلومات عن لاهوت وأساطير إضافة إلى دعم لمحمد بتأييد مزاعمه قام بها الاثنان الداريان (انظر صحيح مسلم 2942 وأحمد 25852 وغيرهما)، وأعتقد أنه مصدر محمد في أساطير أخرى كذلك غالبًا)، وذكرنا أن القرآن نفسه والأحاديث يبينان أنهما كانا شخصين بلا ذمة ولا ضمير حاولا اكل مال أيتام من رجل قبل توفيه حملهما أمانته. فقد كان تميم شخصاً عديم الضمير والخلق حيث أنه قد حدث منه التالي:

 

روى البخاري:

 

2780 - و قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ فَقَالُوا ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فَحَلَفَا {لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ قَالَ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ}

ورواه أبو داوود 3606  والترمذي 3060 والآيات في سورة المائدة:

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)}

 

عودة إلى سياق ابن سعد ج1:

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحصين بن أوس الأسلمي أنه أعطاه الفرغين وذات أعشاش لا يحاقه فيها أحد. وكتب علي.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعاصم بن الحارث الحارثي أن له نجمة من راكس لا يحاقه فيها أحد. وكتب الأرقم.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعوسجة بن حرملة الجهني: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى الرسول عوسجة بن حرملة الجهني من ذي المروة. أعطاه ما بين بلكثة إلى المصنعة إلى الجفلات إلى الجد جبل القبلة لا يحاقه أحد. ومن حاقه فلا حق له وحقه حق. وكتب عقبة وشهد.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعداء بن خالد بن هوذة ومن تبعه من عامر بن عكرمة أنه أعطاهم ما بين المصباعة إلى الزح ولوابة. يعني لوابة الخرار. وكتب خالد بن سعيد.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسلمة بن مالك بن أبي عامر السلمي من بني حارثة أنه أعطاه مدفوا. لا يحاقه فيه أحد. ومن حاقه فلا حق له وحقه حق.

      

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس بن مرداس السلمي أنه أعطاه مدفوا. فمن حاقه فلا حق له. وكتب العلاء بن عقبة وشهد.

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهوذة بن نبيشة السلمي ثم من بني عصية أنه أعطاه ما حوى الجفر كله.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأجب. رجل من بني سليم. أنه أعطاه فالسا. وكتب الأرقم.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لراشد بن عبد السلمي أنه أعطاه غلوتين بسهم. وغلوة بحجر برهاط. لا يحاقه فيها أحد. ومن حاقه فلا حق له وحقه حق.

 

قالوا: وكتب رسول الله ص: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ إِنِّي أَعْطَيْتُهُ شَوَاقَ أَعْلاهُ وَأَسْفَلَهُ لا يُحَاقُّهُ فِيهِ أَحَدٌ. وَكَتَبَ عَلِيٌّ.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجميل بن رزام العدوي أنه أعطاه الرمداء لا يحاقه فيها أحد. وكتب علي.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحصين بن نضلة الأسدي أن له آراما وكسة. لا يحاقه فيها أحد. وكتب المغيرة بن شعبة.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعيد بن سفيان الرعلي: هذا ما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعيد بن سفيان الرعلي. أعطاه نخل السوارقية وقصرها لا يحاقه فيها أحد ومن حاقه فلا حق له وحقه حق. وكتب خالد بن سعيد.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعتبة بن فرقد: هذا ما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - عتبة بن فرقد. أعطاه موضع دار بمكة يبنيها مما يلي المروة فلا يحاقه فيها أحد ومن حاقه فإنه لا حق له وحقه حق. وكتب معاوية.

 

قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسلمة بن مالك السلمي: هذا ما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلمة بن مالك السلمي. أعطاه ما بين ذات الحناظي إلى ذات الأساود لا يحاقه فيها أحد. شهد علي بن أبي طالب وحاطب بن أبي بلتعة.

 

وَفْدُ عَقِيلِ بْنِ كَعْبٍ

قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ. أَخْبَرَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ عَنْ أَشْيَاخِ قَوْمِهِ قَالُوا: وَفَدَ مِنَّا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبِيعُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَفَاجَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَقِيلٍ. وَمُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَعْلَمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ربيعة بن عَقِيلٍ. وَأَنَسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَقِيلٍ. فَبَايِعُوا وَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوهُ عَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ فَأَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَقِيقَ عَقِيقَ بَنِي عَقِيلٍ. وَهِيَ أَرْضٌ فِيهَا عُيُونٌ وَنَخْلٌ. وَكَتَبَ لَهُمْ بِذَلِكَ كِتَابًا فِي أَدِيمٍ أَحْمَرَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبِيعًا وَمُطَرَّفًا وَأَنَسًا. أَعْطَاهُمُ الْعَقِيقَ مَا أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَسَمِعُوا وَأَطَاعُوا. وَلَمْ يُعْطِهِمْ حَقًّا لِمُسْلِمٍ. فَكَانَ الْكِتَابُ فِي يَدِ مُطَرِّفٍ. قَالَ: وَوَفَدَ عَلَيْهِ أَيْضًا لَقِيطُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ أَبُو رَزِينٍ. فَأَعْطَاهُ مَاءً يُقَالُ لَهُ النَّظِيمُ وَبَايَعَهُ عَلَى قَوْمِهِ. قَالَ: وَقَدِمَ عَلَيْهِ أَبُو حَرْبِ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَقِيلٍ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ وَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ. فَقَالَ: أَمَا وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ لَقِيتَ اللَّهَ أَوْ لَقِيتَ مَنْ لَقِيَهُ. وَإِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلا لا نُحْسِنُ مِثْلَهُ. وَلَكِنِّي سَوْفَ أَضْرِبُ بِقِدَاحِي هَذِهِ عَلَى مَا تَدْعُونِي إِلَيْهِ وَعَلَى دِينِي الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ. وَضَرَبَ بِالْقِدَاحِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْكُفْرِ ثُمَّ أَعَادَهُ فَخَرَجَ عَلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فقال لرسول الله ص: أَبَى هَذَا إِلا مَا تَرَى. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَخِيهِ عِقَالِ بْنِ خُوَيْلِدٍ فَقَالَ لَهُ: قَلَّ خَيْسُكَ! هَلْ لَكَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَدْعُو إِلَى دِينِ الإِسْلامِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَقَدْ أَعْطَانِي الْعَقِيقَ إِنْ أَنَا أَسْلَمْتُ؟ فَقَالَ لَهُ عِقَالٌ: أَنَا وَاللَّهِ أُخِطُّكَ أَكْثَرَ مِمَّا يُخِطُّكَ مُحَمَّدٌ! ثُمَّ رَكِبَ فَرَسَهُ وَجَرَّ رُمْحَهُ عَلَى أَسْفَلِ الْعَقِيقِ فَأَخَذَ أَسْفَلَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ عَيْنٍ. ثُمَّ إِنَّ عِقَالا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ...إلخ

 

أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْفُجَيْعِ كِتَابًا: مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ لِلْفُجَيْعِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَأَسْلَمَ وَأَقَامَ الصَّلاةَ. وَآتَى الزَّكَاةَ. وَأَعْطَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَعْطَى مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ. وَنَصَرَ النَّبِيَّ وَأَصْحَابَهُ. وَأَشْهَدَ عَلَى إِسْلامِهِ. وَفَارَقَ الْمُشْرِكِينَ. فَإِنَّهُ آمِنٌ بِأَمَانِ اللَّهِ وَأَمَانِ مُحَمَّدٍ. قَالَ هِشَامٌ: وَسَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ عَمْرٍو الأَصَمَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَتَبَ لَهُ بِمَائِهِ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَيْهِ ذِي الْقَصَّةِ. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَصْحَابِ الظُّلَّةِ. يَعْنِي الصُّفَّةَ صُفَّةَ الْمَسْجِدِ.

 

وَفْدُ جَعْدَةَ

قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ قَالَ: وفد إلى رسول الله ص. الرُّقَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَعْدَةَ بْنِ كَعْبٍ. وَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَلْجِ ضَيْعَةٍ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا. وهو عندهم.

 

وَفْدُ قُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ

قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ قَالا: وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - نَفَرٌ مِنْ قُشَيْرٍ. فِيهِمْ ثَوْرُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ قُشَيْرٍ فَأَسْلَمَ. فَأَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطِيعَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا كِتَابًا.

وَمِنْهُمْ حَيْدَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُشَيْرٍ. وَذَلِكَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَبَعْدَ حُنَيْنٍ.

 

 

 

وَفْدُ هَمْدَانَ

.......إلخ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَيْفٍ الْقُرَشِيُّ عَمَّنْ سَمَّى مِنْ رِجَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: قَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم مُقَطَّعَاتُ الْحِبَرَةِ مُكَفَّفَةٌ بِالدِّيبَاجِ. وَفِيهِمْ حَمْزَةُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ ذِي مِشْعَارٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: نِعْمَ الْحَيُّ هَمْدَانُ مَا أَسْرَعَهَا إِلَى النَّصْرِ وَأَصْبَرَهَا عَلَى الْجَهْدِ وَمِنْهُمْ أَبْدَالُ وَأَوْتَادُ الإِسْلامِ. فَأَسْلَمُوا وَكَتَبَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابًا بِمِخْلافِ خَارِفٍ وَيَامٍ وَشَاكِرٍ وَأَهْلِ الْهَضْبِ وَحِقَافِ الرَّمْلِ مِنْ هَمْدَانَ لِمَنْ أَسْلَمَ.

 

وذكر ابن سعد في الطبقات الكبير ج1:

 

قالوا: وكتب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لبلال بن الحارث المزني أن له النخل وجزعة شطره ذا المزارع والنخل، وأن له ما أصلح به الزرع من قدس، وأن له المضة والجزع والغيلة إن كان صادقاً، وكتب معاوية. فأما قوله جزعة فإنه يعني قرية، وأما شطره فإنه يعني تجاهه، وهو في كتاب الله عز وجل: فول وجهك شطر المسجد الحرام؛ يعني تجاه المسجد الحرام، وأما قوله من قدس، فالقدس الخرج وما أشبهه من آلة السفر، وأما المضة فاسم الأرض.

 

وروى أحمد بن حنبل في مسنده:

 

2785 - حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ: جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا ، وَحَيْثُ يَصْلُحُ للزَّرْعِ مِنْ قُدْسٍ , وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ، وَكَتَبَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ، أَعْطَاهُ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ: جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا، وَحَيْثُ يَصْلُحُ لِلزَّرْعِ مِنْ قُدْسٍ، وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ "

 

حسن لغيره، وأخرجه أبو داود3061 و3062 و3063، والبيهقي 6/145 والطبراني 1141، والحاكم في المستدرك 1/404 و3/517 ومالك في "الموطأ" 1/248-249، والبغوي 1588 ويحيى بن آدم في "الخراج" 294

 

ملاحظة: ذكرنا كذلك بسياق دراستنا لحروب محمد ومغازيه أو مخازيه كخيبر وغيرها عطاآت إقطاعية أخرى كثيرة.

غَزْوَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى بَنِي عَبْدِ الْمَدَانِ (الحارث بن كعب) فِي رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ عَشْرٍ

 

ذكر ابن إسحاق:

 

ثم بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد، في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى، سنة عشر، إلى بني الحارث بن كعب بنجران وأمره ان يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثًا، فإن استجابوا فاقبلْ منهم، وإن لم يفعلوا فقاتلهم، فخرج خالد حتى قَدِم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كلِّ وجه، ويدعون إلى الإسلام، ويقولون: أيها الناس، أسلموا. فأسلم الناسُ، ودخلوا فيما دُعوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتابَ اللّه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وبذلك كان أمره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إن هم أسلموا ولم يقاتلوا.

 

ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:

من خالد بن الوليد، السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته فإني أحمدُ إليك اللّه الذي لا إله الا هو.

أما بعدُ: يا رسول اللّه صلى اللّه عليك. فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا آتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام، وأن أدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا أقمتُ فيهم، وقبلت منهم، وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب اللّه وسنة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم. وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام، كما أمرني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وبعثت فيهم ركبانا قالوا: يا بني الحارث: أسلِموا تسلموا، فأسلَموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم بين أظهرهم، آمرهم بما أمرهم اللّه به وأنهاهم عما نهاهم اللّه عنه، وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يكتب إليَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، والسلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته.

فكتب إليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:

بسم اللّه الرحمن الرحيم.

من محمد النبي رسولِ اللّه إلى خالد بن الوليد. سلام عليك، فإني أحمدُ إليك اللّه الذي لا إله إلا هو.  أما بعد، فإن كتابك جاءني مع رسولك تخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام، وشهدوا أن لا إله الا اللّه، وأن محمدًا عبد اللّه ورسوله، وأن قد هداهم اللّه بهداه، فبشرهم وأنذرهم، وليُقْبِلْ معك وفدُهم، والسلامُ عليك ورحمة اللّه وبركاته.

فأقبل خالد إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب، منهم قيس بن الحُصَيْن ذي الغُصَّة، ويزيد بن عبد المَدَان، ويزيد بن المحجَّل وعبد اللّه بن قُراد الزِّيادي، وشداد بن عبد اللّه القنَاني، وعمرو بن عبد اللّه الضَّبابي.

فلما قدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآهم، قال: من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند؟. قيل: يا رسول اللّه، هؤلاء رجال بني الحارث بن كعب. فلما وقفوا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سلموا عليه، وقالوا: نشهد أنك رسول اللّه، وأنه لا اله الا الله. قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: وأنا أشهد أن لا إله الا اللّه وأني رسول اللّه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم الذين إذا زُجِروا استقدموا. فسكتوا، فلم يراجعْه منهم أحد، ثم أعادها الثانية، فلم يراجعْه منهم أحد، ثم أعادها الثالثة، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الرابعة، فقال يزيد بن عبد المدان: نعم، يا رسول الله، نحن الذين إذا زُجروا استقدموا، قالها أربع مرار؛ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: لو أن خالدًا لم يكتب إليَّ أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا، لألقيت رءوسَكم تحت أقدامكم؛ فقال يزيد بن عبد المدان: أما واللّه ما حمدناك ولا حمدنا خالدًا. قال: فمن حَمِدتم؟ قالوا: حمدنا اللّه عز وجل الذي هدانا بك يا رسول اللّه؛ قال: صدقتم.

ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟؟ قالوا: لم نكن نغلب أحدًا. قال: بلى، قد كنتم تغلبون من قاتلكم. قالوا: كنا نغلب من قاتلنا_ يا رسول اللّه_ إنا كنا نجتمع ولا نفترق، ولا نبدأ أحدا بظلم، قال: صدقتم. وأمَّر رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم على بني الحارث بن كعب: قيس بن الحُصَيْن.

فرجع وفد بنى الحارث إلى قومهم في بقية من شوال، أو في صدر ذي القعدة، فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر، حتى تُوفّيَ رسول اللّه...إلخ

 

ويقول ابن سعد ج1:

 

وفد الحارث بن كعب

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني إبراهيم بن موسى المخزومي عن عبد الله بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – خالد بن الوليد في أربعمائة من المسلمين في شهر ربيع الأول سنة عشر إلى بني الحارث بنجران وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا. ففعل فاستجاب له من هناك من بلحارث بن كعب ودخلوا فيما دعاهم إليه. ونزل بين أظهرهم يعلمهم الإسلام وشرائعه وكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكتب بذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعث به مع بلال بن الحارث المزني يخبره عما وطئوا وإسراع بني الحارث إلى الإسلام. فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خالد أن: بشرهم وأنذرهم وأقبل ومعك وفدهم. فقدم خالد ومعه وفدهم. منهم قيس بن الحصين ذو الغصة. ويزيد بن عبد المدان. وعبد الله بن عبد المدان. ويزيد بن المحجل. وعبد الله بن قراد. وشداد بن عبد الله القناني. وعمرو بن عبد الله. وأنزلهم خالد عليه. ثم تقدم خالد وهم معه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من هؤلاء الذين كأنهم رجال الهند؟ فقيل: بنو الحارث بن كعب. فسلموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فأجازهم بعشر أواقٍ. وأجاز قيس بن الحصين

 

(1) ذو الغصة: واسمه الحصين بن زيد بن شداد الحارث، وقيل له: ذو الغصة، لغصة كانت في حلقه لا يكاد ببين منها، وذكره عمر بن الخطاب يوما، فقال: لا تزاد امراة في صداقها على كذا وكذا، ولو كانت بنت ذي الغصة.

(2) واسم عبد المدان عمرو بن الديان، والديان اسمه: يزيد بن قطن بن. زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب الحارثي.

باثنتي عشرة أوقية ونش وأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بني الحارث بن كعب. ثم انصرفوا إلى قومهم في بقية شوال.

فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله...إلخ

 

واضح تمامًا السياق الإكراهي التهديدي، أسلموا وإلا فالسيف فوق رقابكم، ولننظر لأسلوب الإرهاب والبلطجة: أنتم الذين إذا زُجروا استُقدِموا. ثم يقول لك المسلمون الطيبون الذين لا يعلمون شيئًا من السذج اليوم: الإسلام دين سلام انتشر بالسِلم والإقناع. فأي مهزلة وكوميديا وهزل؟! وخبر وفادة وفد بني الحارث بن كعب سنة 10 ه لإعلان خضوعهم واتباعهم لدين محمد الإسلام بالإكراه يدخل في أخبار الوفود وما في أحداثها من أعمال إكراه وإرهاب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غزوة عَلِيّ بن أبي طالب الثانية إلَى الْيَمَنِ فِى رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ

ومقابلته محمدًا في حجته الأخيرة حجة الوداع أثناء قفوله

 

أرسل خالدًا بن الوليد ثم علي بن أبي طالب لقيادة الجيش الإسلامي في حربه على أهل اليمن

 

قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ في دلائل النبوة:

 

وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُوزَجَانِيُّ، حَدَّثَنَا أبو عبيدة ابن أَبِي السَّفَرِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عن أبي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ الْبَرَاءُ: فَكُنْتُ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَقَمْنَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ نَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يجِيبُوهُ، ثُمَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَأَمَرَهُ أَنْ يُقْفِلَ خَالِدًا إِلَى رَجُلٍ كَانَ مِمَّنْ يَمَّمَ مَعَ خَالِدٍ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَ عَلِيٍّ فَلْيُعَقِّبْ مَعَهُ، قَالَ الْبَرَاءُ فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَ عَلِيٍّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْقَوْمِ خَرَجُوا لَنَا فَصَلَّى بِنَا عَلِيٌّ ثُمَّ صَفَّنَا صَفًّا وَاحِدًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَتْ هَمْدَانُ جَمْعًا فَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ خَرَّ سَاجِدًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ السَّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ.

قال البيهقي: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، [فِي الصَّحِيحِ] مُخْتَصَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن ابراهيم ابن يُوسُفَ

 

أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ خُزَيْمَةَ، أَنْبَأَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ فَأَخَذَ مِنْهُ جَارِيَةً، فَأَصْبَحَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ قَالَ خَالِدٌ لِبُرَيْدَةَ أَلَا تَرَى مَا يَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ بُرَيْدَةُ: وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ، فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُ، قَالَ: أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَحِبَّهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ

 

وروى البخاري:

 

4349 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَقَالَ: «مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ، مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ» فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ، قَالَ: فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ

 

4350 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الخُمُسَ، وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وَقَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «لاَ تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»

 

(الخمس) خمس الغنيمة. (قد اغتسل) كناية عن وطئه لجارية اصطفاها من الخمس وهذا سبب بغض بريدة له. (فإن له) أي فإنه يستحق. (أكثر من ذلك) الذي أخذه]

 

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

22967 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَلِيلِ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى حَلْقَةٍ فِيهَا أَبُو مِجْلَزٍ، وَابْنَا بُرَيْدَةَ فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي بُرَيْدَةُ قَالَ: أَبْغَضْتُ عَلِيًّا بُغْضًا لَمْ أَبْغِضْهُ أَحَدًا قَطُّ. قَالَ: وَأَحْبَبْتُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ أُحِبَّهُ إِلَّا عَلَى بُغْضِهِ عَلِيًّا. قَالَ: فَبُعِثَ ذَاكَ الرَّجُلُ عَلَى خَيْلٍ فَصَحِبْتُهُ مَا أَصْحَبُهُ إِلَّا عَلَى بُغْضِهِ عَلِيًّا. قَالَ: فَأَصَبْنَا سَبْيًا. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْعَثْ إِلَيْنَا مَنْ يُخَمِّسُهُ. قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْنَا عَلِيًّا، وَفِي السَّبْيِ وَصِيفَةٌ هِيَ مِنْ أَفْضَلِ السَّبْيِ فَخَمَّسَ، وَقَسَمَ فَخَرَجَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ فَقُلْنَا: يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا هَذَا ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْوَصِيفَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي السَّبْيِ، فَإِنِّي قَسَمْتُ وَخَمَّسْتُ فَصَارَتْ فِي الْخُمُسِ، ثُمَّ صَارَتْ فِي أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَارَتْ فِي آلِ عَلِيٍّ وَوَقَعْتُ بِهَا. قَالَ: فَكَتَبَ الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ابْعَثْنِي فَبَعَثَنِي مُصَدِّقًا. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ الْكِتَابَ وَأَقُولُ: صَدَقَ. قَالَ: فَأَمْسَكَ يَدِي وَالْكِتَابَ وَقَالَ: " أَتُبْغِضُ عَلِيًّا ؟ " قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " فَلَا تَبْغَضْهُ، وَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّهُ فَازْدَدْ لَهُ حُبًّا، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَنَصِيبُ آلِ عَلِيٍّ فِي الْخُمُسِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيفَةٍ " قَالَ: فَمَا كَانَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عَلِيٍّ. إلخ

 

حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل عبد الجليل -وهو ابن عطية القيسي- فهو صدوق حسن الحديث، وقد توبع، وباقي رجال الإسناد ثقات من رجال الشيخين.وهو في "فضائل الصحابة" للمصنف (1180). وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ورقة 214 من طريق عبد الله بن أحمد ابن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد. وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3051م) من طريق يحيى بن سعيد، به، ولم يسق لفظه. وأخرجه حميد بن زنجويه في "الأموال" (1244) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، والنسائي في "خصائص علي" (97) ، والطحاوي في "شرح المشكل" (3051) من طريق النضر بن شميل، كلاهما عن عبد الجليل بن عطية، به. وانظر أحمد (22961) و (22945) و(19928)

 

وقوله: يَخْمُسُه، أي: يأخذُ خُمُسَه، وهو مخفَّف، وقد اشتهر على ألسنة الناس بالتشديد. قاله السندي. ووصيفة، أي: جارية. ومُصدِّقاً: من التصديق، أي: أُصدِّقُ كتابك.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

23028 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ: مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ، وَهُمْ يَتَنَاوَلُونَ مِنْ عَلِيٍّ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي نَفْسِي عَلَى عَلِيٍّ شَيْءٌ، وَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ كَذَلِكَ فَبَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ عَلَيْهَا عَلِيٌّ، وَأَصَبْنَا سَبْيًا قَالَ: فَأَخَذَ عَلِيٌّ جَارِيَةً مِنَ الْخُمُسِ لِنَفْسِهِ. فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: دُونَكَ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ بِمَا كَانَ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ عَلِيًّا أَخَذَ جَارِيَةً مِنَ الْخُمُسِ. قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلًا مِكْبَابًا قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَغَيَّرَ فَقَالَ: " مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ، فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. وابن بريدة: هو عبد الله. وهو في "فضائل الصحابة" للمصنف (947) و (1177). وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ورقة 211-212 و212-213 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد.

 

22945 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْيَمَنَ فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ عَلِيًّا فَتَنَقَّصْتُهُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ فَقَالَ: "يَا بُرَيْدَةُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟" قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. وهو في "فضائل الصحابة" للمصنف (989). وأخرجه ابن أبي شيبة 12/83-84، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2357) ، والنسائي في "الكبرى" (8145) ، وفي "خصائص علي" (82) ، والحاكم 3/110، وأبو نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة" (1230) ، وفي "أخبار أصبهان" 2/129-130، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ورقة 209 من طريق أبي نعيم الفضل بن دُكين، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي عاصم (2358) ، والبزار (2533 - كشف الأستار) ، والنسائي في "خصائص علي" (81) ، وابن عساكر في 12/ورقة 209 من طريق أبي أحمد الزبيري، عن عبد الملك بن أبي غَنِيَّة، به. ولم يسق ابن أبي عاصم لفظه، ورواية ابن عساكر مختصرة بلفظ: "من كنت مولاه، فعلي مولاه". وأخرجه ابن أبي عاصم (2359) ، والبزار (2534 - كشف) ، وابن الأعرابي في "معجمه" (2179) ، وابن عساكر في 12/ورقة 209 من طريق عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، به. ورواية ابن أبي عاصم وابن الأعرابي مختصرة بلفظ: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عليّ بن أبي طالب مولى من كنت مولاه"، ولم يسق البزار لفظه. وأخرجه ابن الأعرابي (222) ، والطبراني في "الصغير" (191) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/126، وفي "حلية الأولياء" 4/23 من طرق عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن بريدة الأسلمي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كنت مولاه فعلي مولاه". وأخرجه مرسلاً عبد الرزاق (20388) عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: لما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً إلى اليمن، خرج بريدة الأسلمي معه، فعتب على عليٍّ في بعض الشيء، فشكاه بريدة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كنت مولاه، فإن علياً مولاه". ورواه أحمد من طرق عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بالأرقام (22961) و (22967) و (23012) و (23028) و (23036) و (23057).

 

22961 - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي سَرِيَّةٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا قَالَ: " كَيْفَ رَأَيْتُمْ صَحَابَةَ صَاحِبِكُمْ ؟ " قَالَ: فَإِمَّا شَكَوْتُهُ أَوْ شَكَاهُ غَيْرِي. قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَكُنْتُ رَجُلًا مِكْبَابًا. قَالَ: فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ قَالَ: وَهُوَ يَقُولُ: " مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. وابن بريدة: هو عبد الله. وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ورقة 212 من طريق عبد الله بن أحمد ابن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة 12/57، وابن أبي عاصم في "السنة" (1354) ، والبزار (2535 - كشف الأستار) ، والنسائي في "الكبرى" (8144) ، وفي "خصائص علي" (80) ، وابن حبان (6930) ، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (2637) و(2638) ، وابن عساكر 12/ورقة 211 و211-212 و212 من طريق أبي معاوية الضرير، به. واقتصروا جميعاً خلا البزار والنسائي في "الخصائص" وابن عساكر في الموضع الأخير على آخره المرفوع، وزاد البزار في آخره: فقلت -يعني بريدة -: لا أسوؤك فيه أبداً.إسناده صحيح على شرط الشيخين. أبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، والأعمش: اسمه سليمان بن مِهْران، وسعد بن عُبيدة: هو السُّلَمي الكوفي، وابن بريدة: هو عبد الله.وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ورقة 212 من طريق عبد الله بن أحمد ابن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة 12/57، وابن أبي عاصم في "السنة" (1354) ، والبزار (2535 - كشف الأستار) ، والنسائي في "الكبرى" (8144) ، وفي "خصائص علي" (80) ، وابن حبان (6930) ، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (2637) و (2638) ، وابن عساكر 12/ورقة 211 و211-212 و212 من طريق أبي معاوية الضرير، به. واقتصروا جميعاً خلا البزار والنسائي في "الخصائص" وابن عساكر في الموضع الأخير على آخره المرفوع، وزاد البزار في آخره: فقلت -يعني بريدة -: لا أسوؤك فيه أبداً. ورواه أحمد بن حنبل عن وكيع بن الجراح، عن الأعمش مطولاً برقم (23028) ، ومختصراً برقم (23057). وبأطول مما هنا من طريق عبد الجليل بن عطية برقم (22967)

 

23012 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنِي أَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثَيْنِ إِلَى الْيَمَنِ: عَلَى أَحَدِهِمَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَلَى الْآخَرِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ: " إِذَا الْتَقَيْتُمْ فَعَلِيٌّ عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى جُنْدِهِ " . قَالَ: فَلَقِينَا بَنِي زَيْدٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَاقْتَتَلْنَا فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَتَلْنَا الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَيْنَا الذُّرِّيَّةَ فَاصْطَفَى عَلِيٌّ امْرَأَةً مِنَ السَّبْيِ لِنَفْسِهِ. قَالَ بُرَيْدَةُ: فَكَتَبَ مَعِي خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعْتُ الْكِتَابَ، فَقُرِئَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ بَعَثْتَنِي مَعَ رَجُلٍ وَأَمَرْتَنِي أَنْ أُطِيعَهُ فَفَعَلْتُ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقَعْ فِي عَلِيٍّ ؛ فَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ...إلخ

 

(1) إسناده ضعيف بهذه السياقة من أجل أجلح الكِنْدي -وهو ابن عبد الله بن حُجَيَّه- فهو ضعيف. وهو في "فضائل الصحابة" للمصنف (1175). وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ورقة 210-211 من طريق عبد الله ابن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد. وأخرجه البزار (2563 - كشف الأستار) ، والنسائي في "خصائص علي" (90) ، وابن عساكر 12/ورقة 210 من طرق عن أجلح الكندي، به. وأخرجه بنحوه مطولاً ومختصراً الطبراني في "الأوسط" (4839) ، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (556) ، وابن عساكر في "تاريخه" 12/ورقة 210 و211 و213-214 من طرق عن عبد الله بن بريدة، به . وأسانيدها جميعاً ضعيفة .

 

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ في دلائل النبوة:

 

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بلال، عن سعيد بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَكُنْتُ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ فَلَمَّا أَخَذَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ سَأَلْنَاهُ أَنْ نَرْكَبَ مِنْهَا وَنُرِيحَ إِبِلَنَا، فَكُنَّا قَدْ رَأَيْنَا فِي إِبِلِنَا خَلَلًا، فَأَبَى عَلَيْنَا، وَقَالَ: إِنَّمَا لَكُمْ مِنْهَا سَهْمٌ كَمَا لِلْمُسْلِمِينَ.

قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ، وَانْطَلَقَ مِنَ الْيَمَنِ رَاجِعًا أَمَّرَ عَلَيْنَا إِنْسَانًا وَأَسْرَعَ هُوَ فَأَدْرَكَ الْحَجَّ، فَلَمَّا قَضَى حَجَّتَهُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْ إِلَى أَصْحَابِكَ حَتَّى تَقْدَمَ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَقَدْ كُنَّا سَأَلْنَا الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ مَا كَانَ عَلِيٌّ مَنَعَنَا [إِيَّاهُ] نَفْعَلَ، فَلَمَّا جَاءَ عَرَفَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَنْ قَدْ رُكِبَتْ، رَأَى أَثَرَ الْمَرْكَبِ، فَذَمَّ الَّذِي أمّره وَلَامَهُ فَقُلْتُ: أَنَا إِنْ شَاءَ اللهُ إِنْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ لَأَذْكُرَنَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَلَأُخْبِرَنَّهُ مَا لَقِينَا مِنَ الْغِلْظَةِ وَالتَّضْيِيقِ.

قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ مَا كُنْتُ حَلَفْتُ عَلَيْهِ، فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ خَارِجًا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ مَعِي وَرَحَّبَ بِي وَسَأَلَنِي وَسَأَلْتُهُ، وَقَالَ: مَتَى قَدِمْتَ؟ قُلْتُ: قَدِمْتُ الْبَارِحَةَ، فَرَجَعَ مَعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ فَقَالَ: هَذَا سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ائْذَنْ لَهُ، فَدَخَلْتُ فَحَيَّيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَجَاءَنِي وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَسَأَلَنِي عَنْ نَفْسِي وَعَنْ أهلي فأخفى الْمَسْأَلَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِينَا مِنْ عَلِيٍّ مِنَ الْغِلْظَةَ وَسُوءِ الصُّحْبَةِ وَالتَّضْيِيقِ، فَانْتَبَذَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلْتُ أَنَا أُعَدِّدُ مَا لَقِينَا مِنْهُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي وَسَطِ كَلَامِي ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، وَكُنْتُ مِنْهُ قَرِيبًا ثُمَّ قَالَ: سَعْدُ بْنَ مَالِكٍ الشَّهِيدُ! مَهْ، بَعْضَ قَوْلِكَ لِأَخِيكَ عليّ، فو الله لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَخْشَنُ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سَعْدُ بْنَ مَالِكٍ أَلَا أُرَانِي كُنْتُ فِيمَا يَكْرَهُ مُنْذُ الْيَوْمِ، وَمَا أَدْرِي لَا جَرَمَ وَاللهِ لَا أَذْكُرُهُ بِسُوءٍ أَبَدًا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً.

 

وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ عَلَى شَرْطِ النَّسَائِيِّ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.

 

وروى الواقدي:

 

قَالَ: فَحَدّثَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، قَالَ: لَمّا وَجّهَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَالَ: امْضِ، وَلا تَلْتَفِتْ، فَقَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: “إذَا نَزَلْت بِسَاحَتِهِمْ فَلا تُقَاتِلْهُمْ حَتّى يُقَاتِلُوك، فَإِنْ قَاتَلُوك فَلا تُقَاتِلْهُمْ حَتّى يَقْتُلُوا مِنْكُمْ قَتِيلاً، فَإِنْ قَتَلُوا مِنْكُمْ قَتِيلاً فَلا تُقَاتِلْهُمْ تَلَروّمْهُمْ، تُرِهِمْ أَنَاةً، ثُمّ تَقُولُ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ إلَى أَنْ تَقُولُوا لا إلَهَ إلاّ اللّهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْ: هَلْ لَكُمْ أَنْ تُصَلّوا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، فَقُلْ: هَلْ لَكُمْ أَنْ تُخْرِجُوا مِنْ أَمْوَالِكُمْ صَدَقَةً تَرُدّونَهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، فَلا تَبْغِ مِنْهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَاَللّهِ لأَنْ يَهْدِى اللّهُ عَلَى يَدِك رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَك مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ”.

قَالَ: فَخَرَجَ فِى ثَلاثِمِائَةِ فَارِسٍ، فَكَانَتْ خَيْلُهُمْ أَوّلَ خَيْلٍ دَخَلَتْ تِلْكَ الْبِلادَ فَلَمّا انْتَهَى إلَى أَدْنَى النّاحِيَةِ الّتِى يُرِيدُ - وَهِىَ أَرْضُ مَذْحِجَ - فَرّقَ أَصْحَابَهُ فَأَتَوْا بِنَهْبٍ وَغَنَائِمَ وَسَبْىٍ وَنِسَاءٍ، وَأَطْفَالٍ، وَنَعَمٍ، وَشَاءٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَجَعَلَ عَلِىّ عَلَى الْغَنَائِمِ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحُصَيْبِ، فَجَمَعَ إلَيْهِ مَا أَصَابُوا قَبْلَ أَنْ يَلْقَاهُمْ جَمْعٌ، ثُمّ لَقِىَ جَمْعًا فَدَعَاهُمْ إلَى الإِسْلامِ وَحَرّضَ بِهِمْ، فَأَبَوْا وَرَمَوْا فِى أَصْحَابِهِ. وَدَفَعَ لِوَاءَهُ إلَى مَسْعُودِ بْنِ سِنَانٍ السّلَمِىّ فَتَقَدّمَ بِهِ فَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْ مَذْحِجَ يَدْعُو إلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ إلَيْهِ الأَسْوَدُ بْنُ الْخُزَاعِىّ السّلَمِىّ فَتَجَاوَلا سَاعَةً وَهُمَا فَارِسَانِ فَقَتَلَهُ الأَسْوَدُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ.

ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِىّ بِأَصْحَابِهِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ عِشْرِينَ رَجُلاً، فَتَفَرّقُوا وَانْهَزَمُوا وَتَرَكُوا لِوَاءَهُمْ قَائِمًا، فَكَفّ عَنْ طَلَبِهِمْ وَدَعَاهُمْ إلَى الإِسْلامِ فَسَارَعُوا وَأَجَابُوا، وَتَقَدّمَ نَفَرٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلامِ وَقَالُوا: نَحْنُ عَلَى مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، وَهَذِهِ صَدَقَاتُنَا فَخُذْ مِنْهَا حَقّ اللّهِ.

قَالَ: فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَجَمَعَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ مَا أَصَابَ مِنْ تِلْكَ الْغَنَائِمِ فَجَزّأَهَا خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ فَأَقْرَعَ عَلَيْهَا، فَكَتَبَ فِى سَهْمٍ مِنْهَا لِلّهِ، فَخَرَجَ أَوّلُ السّهَامِ سَهْمُ الْخُمْسِ، وَلَمْ يُنْفِلْ أَحَدًا مِنْ النّاسِ شَيْئًا. فَكَانَ مَنْ قَبْلَهُ يُعْطُونَ أَصْحَابَهُمْ - الْحَاضِرَ دُونَ غَيْرِهِمْ - مِنْ الْخُمْسِ. ثُمّ يُخْبِرُ بِذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فَلا يَرُدّهُ عَلَيْهِمْ فَطَلَبُوا ذَلِكَ مِنْ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ فَأَبَى وَقَالَ: الْخُمْسُ أَحْمِلُهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ، وَهَذَا رَسُولُ اللّهِ ÷ يُوَافِى الْمَوْسِمَ وَنَلْقَاهُ وَيَصْنَعُ فِيهَا مَا أَرَاهُ اللّهُ. فَانْصَرَفَ رَاجِعًا، وَحَمَلَ الْخُمْسَ وَسَاقَ مَعَهُ مَا كَانَ سَاقَ فَلَمّا كَانَ بِالْفُتُقِ تَعَجّلَ. وَخَلّفَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَالْخُمُسِ أَبَا رَافِعٍ فَكَانَ فِى الْخُمُسِ ثِيَابٌ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ، أَحْمَالٌ مَعْكُومَةٌ وَنَعَمٌ تُسَاقُ مِمّا غَنِمُوا، وَنَعَمٌ مِنْ صَدَقَةِ أَمْوَالِهِمْ.

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ - وَكَانَ مَعَهُ فِى تِلْكَ الْغَزْوَةِ - قَالَ: وَكَانَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يَنْهَانَا أَنْ نَرْكَبَ عَلَى إبِلِ الصّدَقَةِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَكْسُوَهُمْ ثِيَابًا فَكَسَاهُمْ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ، فَلَمّا كَانُوا بِالسّدْرَةِ دَاخِلِينَ مَكّةَ، خَرَجَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يَتَلَقّاهُمْ لِيَقْدَمَ بِهِمْ فَيُنْزِلَهُمْ فَرَأَى عَلَى أَصْحَابِنَا ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ عَلَى كُلّ رَجُلٍ فَعَرَفَ الثّيَابَ، فَقَالَ لأَبِى رَافِعٍ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَلّمُونِى فَفَرِقْت مِنْ شِكَايَتِهِمْ وَظَنَنْت أَنّ هَذَا يَسْهُلُ عَلَيْك، وَقَدْ كَانَ مَنْ كَانَ قَبْلَك يَفْعَلُ هَذَا بِهِمْ، فَقَالَ: رَأَيْت إبَائِى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَعْطَيْتهمْ، وَقَدْ أَمَرْتُك أَنْ تَحْتَفِظَ بِمَا خَلّفْت، فَتُعْطِيَهُمْ، قَالَ: فَأَبَى عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتّى جَرّدَ بَعْضَهُمْ مِنْ ثَوْبَيْهِ، فَلَمّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ شَكَوْا، فَدَعَا عَلِيّا، فَقَالَ: “مَا لأَصْحَابِك يَشْكُونَك” ؟ فَقَالَ: مَا أَشْكِيَتُهُمْ؟ قَسّمْت عَلَيْهِمْ مَا غَنِمُوا، وَحَبَسْت الْخُمُسَ حَتّى يَقْدَمَ عَلَيْك، وَتَرَى رَأْيَك فِيهِ، وَقَدْ كَانَتْ الأُمَرَاءُ يَفْعَلُونَ أُمُورًا، يُنْفِلُونَ مَنْ أَرَادُوا مِنْ الْخُمُسِ، فَرَأَيْت أَنْ أَحْمِلَهُ إلَيْك لِتَرَى فِيهِ رَأْيَك. فَسَكَتَ النّبِىّ ÷.

قَالَ: فَحَدّثَنِى سَالِمٌ مَوْلَى ثَابِتٍ، عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِى جَعْفَرٍ، قَالَ: لَمّا ظَهَرَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ عَلَى عَدُوّهِ وَدَخَلُوا فِى الإِسْلامِ جَمَعَ مَا غَنِمَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحُصَيْبِ وَأَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَكَتَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ كِتَابًا مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِىّ يُخْبِرُهُ أَنّهُ لَقِىَ جَمْعًا مِنْ زُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَأَنّهُ دَعَاهُمْ إلَى الإِسْلامِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنّهُمْ إنْ أَسْلَمُوا كَفّ عَنْهُمْ، فَأَبَوْا ذَلِكَ، وَقَاتَلَهُمْ، قَالَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ: فَرَزَقَنِى اللّهُ الظّفَرَ عَلَيْهِمْ حَتّى قُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ، ثُمّ أَجَابُوا إلَى مَا كَانَ عُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَدَخَلُوا فِى الإِسْلامِ، وَأَطَاعُوا بِالصّدَقَةِ، وَأَتَى بِشْرٌ مِنْهُمْ لِلدّينِ وَعَلّمَهُمْ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ يُوَافِيَهُ فِى الْمَوْسِمِ، فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ بِذَلِكَ.

 

وقال ابن إسحاق:

 

وحدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عَمرة، عن بريد ابن طلحة بن يزيد بن رُكانة، قال: لما أقبل على رضى الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على جنده الذين معه رجل من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كلَّ رجل من القوم حُلة من البز الذي كان مع على رضى الله عنه فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم: فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسَوْت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس قال: ويلك؟ انزع قبل أن تنتهى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فانتزع الحلل من الناس. فردها في البز، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن حَزْم بن معمر بن حزم، عن سُليمان بن محمد بن كعب بن عُجْرة عن عمته زينب بنت كعب، وكانت عند أبي سعيد الخُدْري، عن أبي سعيد الخُدْري، قال: اشتكى الناس عليا رضوان الله عليه؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا، فسمعته يقول: أيها الناس، لا تشكوا عليا، فوالله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله، من أن يُشْكى.

 

روى قصة الحلل البيهقي في دلائل النبوة بإسناد حسن، وما ذكره محمد بحق علي رواه أحمد 11817 عن محمد بن إسحاق بلفظ (لأخيشن في ذات الله أو في سبيل الله) والحاكم النيسابوري في المستدرك من طريقه برقم 4654 بلفظ (لأخشن).

وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: حَدثنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِيَارٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ خَالِهِ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي خَيْلِهِ الَّتِى بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَجَفَانِي عَلِيٌّ بَعْضَ الْجَفَاءِ، فَوَجَدْتُ فِي نَفسِي عَلَيْهِ.

فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ اشْتَكَيْتُهُ فِي مَجَالِسِ الْمَدِينَةِ وَعِنْدَ مَنْ لَقِيتُهُ، فَأَقْبَلْتُ يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا رَآنِي أَنْظُرُ إِلَى عَيْنَيْهِ نَظَرَ إِلَيَّ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَلَسْتُ إِلَيْهِ قَالَ: " إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا عَمْرُو بْنَ شَاسٍ لَقَدْ آذَيْتَنِي " فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ! أَعُوذُ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ أَنْ أُوذِيَ رَسُولَ الله.

فَقَالَ: " مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي ".

 

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ ابْنِ إِسْحَاق، عَن أبان بن الْفضل بن معقل ابْن سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِيَارٍ، عَنْ خَالِهِ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ. فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ.

 

وعلق ابن كثير في السيرة:

 

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَثُرَ فِيهِ الْقِيلُ وَالْقَالُ مِنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ بِسَبَبِ مَنْعِهِ إِيَّاهُمُ اسْتِعْمَالَ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَاسْتِرْجَاعِهِ مِنْهُمُ الْحُلَلَ الَّتِي أَطْلَقَهَا لَهُمْ نَائِبُهُ، وَعَلِيٌّ مَعْذُورٌ فِيمَا فَعَلَ لَكِنِ اشْتُهِرَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي الححيج، فَلِذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ وَتَفَرَّغَ مِنْ مَنَاسِكِهِ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَرَّ بِغَدِيرِ خُمٍّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَبَرَّأَ سَاحَةَ عَلِيٍّ وَرَفَعَ مِنْ قَدْرِهِ وَنَبَّهَ عَلَى فَضْلِهِ، لِيُزِيلَ مَا وَقَرَ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ. وَسَيَأْتِي هَذَا مُفَصَّلًا فِي مَوْضِعِه...

 

ملاحظة: روى أحمد بن حنبل:

 

19302 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: جَمَعَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ النَّاسَ فِي الرَّحَبَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَنْشُدُ اللهَ كُلَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ مَا سَمِعَ، لَمَّا قَامَ فَقَامَ ثَلَاثُونَ مِنَ النَّاسِ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَقَامَ نَاسٌ كَثِيرٌ فَشَهِدُوا حِينَ أَخَذَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: " أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟ " قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ " قَالَ: فَخَرَجْتُ وَكَأَنَّ فِي نَفْسِي شَيْئًا، فَلَقِيتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَمَا تُنْكِرُ ؟ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ لَهُ

 

إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير فطر- وهو ابنُ خليفة- فمن رجال أصحاب السنن، وروى له البخاري مقروناً، وهو ثقة. وأخرجه ابن حبان (6931) من طريق أبي نعيم، بهذا الإسناد، وقرن بأبي نُعيم يحيى بنَ آدم. وأخرجه مطولاً ومختصراً النسائي في "الكبرى" (8478) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (1368) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1762) ، والطبراني في "الكبير" (4968) من طرق عن فطر، به

 

22945 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْيَمَنَ فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ عَلِيًّا فَتَنَقَّصْتُهُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ فَقَالَ: " يَا بُرَيْدَةُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين . ابن أبي غَنِيَّة: هو عبد الملك بن حُميد الخُزاعي، والحكَم: هو ابن عُتَيبَة الكِنْدي. وهو في "فضائل الصحابة" للمصنف (989). وأخرجه ابن أبي شيبة 12/83-84، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2357) ، والنسائي في "الكبرى" (8145) ، وفي "خصائص علي" (82) ، والحاكم 3/110، وأبو نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة" (1230) ، وفي "أخبار أصبهان" 2/129-130، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 12/ورقة 209 من طريق أبي نعيم الفضل بن دُكين، بهذا الإسناد.

 

وروى مسلم:

 

[ 78 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وأبو معاوية عن الأعمش ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر قال قال علي والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق

 

وانظر الترمذي 3713 وغيرها من أسانيد

 

من خلال الواقدي والبخاري والبيهقي نرى أن جيش محمد الإسلامي بقيادة علي ابن عمه قاموا بأعمالهم الإرهابية الدنسة المعتادة، التي على نهجها سيستمر بعد ذلك الاحتلال والاستعباد والاستغلال العربي الإسلامي (الفتوحات)، فقاموا بالنهب والسبي والاستعباد وتقتيل البشر، فهم خير إلهام لجهلة ومجرمي الحركات الإرهابية المقتدية بأصول وصحيح وحقيقة وجوهر دين الإسلام، نلاحظ أن عليًّا تشدد مع جنود الجيش مرؤوسيه بعدم ركوب الدواب المنهوبة وعدم ارتداء الملابس المسلوبة كذلك، لكن موقفه ليس محصنًا ولا نزيهًا جدًّا، لأنه أخذ لنفسه صفيًّا من الغنيمة قبل توزيعها عليهم: فتاة من وصيفات أو خادمات ملوك اليمن أعجبته فعاشرها برضاها أو قهرًا. وقام الجيش الإرهابي المروع للناس بإجبار قبائل اليمن على الإسلام كبني زبيد (كما ذكر الواقدي) وبني همدان (كما ذكر البيهقي وله شاهد من البخاري). وليت أهل اليمن أصحاب الحضارة العريقة القديمة وأهل مصر والشام وليبيا والجزائر وتونس والمغرب وغيرهم يذكرون ما فعلته جيوش الجزيرة العربية الإسلامية الهمجية بدولهم وأجدادهم من تقتيل وعنف واستعباد للنساء والأطفال ونهب للبلدان واستغلالها، فيربؤون بأنفسهم عن ديانة إجرامية تاريخها أسود كالإسلام.

 

ملاحظة: انفرد الواقدي بقوله:

 

قَالَ: حَدّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمّدٍ الْفِهْرِىّ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى فَرْوَةَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ ÷ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مَعَ رُسُلِ حِمْيَرَ، وَبَعَثَ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنْ اجْتَمَعْتُمَا فِى مَكِيدَةٍ فَعَلِىّ عَلَى النّاسِ، وَإِنْ افْتَرَقْتُمَا فَكُلّ عَلَى حِدَةٍ”

 

وكل كتب السيرة والحديث على أن من ذكره محمد هو خالد بن الوليد، وسياق الواقدي هنا شاذ كطائر يطير خارج السرب.

 

وقابل علي محمدًا وقام بطقوس الحج، لا أدري ما الفائدة من هذه الطقوس والشعائر بعد كل هذا الإجرام والنهب والدَنَس واتساخ النفوس والضمائر؟! وهناك بارك محمد أفعاله الإجرامية وعدوان الجيش المحمدي المجرم، وبارك قيام علي بإلزام مرؤوسيه ما لم يلزم به نفسه حيث أخذ من مستعبدات الغنيمة.

 

روى البخاري:

 

1785 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، عَنْ حَبِيبٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَطَاءٍ، حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَلْحَةَ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ الهَدْيُ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...إلخ الحديث

 

2505 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالاَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الحِجَّةِ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ...إلخ الحديث

قَالَ: وَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَقُولُ لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: وَقَالَ الآخَرُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَأَشْرَكَهُ فِي الهَدْيِ

1557 - حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: عَطَاءٌ، قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ» وَذَكَرَ قَوْلَ سُرَاقَةَ، وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِمَا أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟» قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ»

 

وروى أحمد بن حنبل عن كمية الهدي الذي قدَّمَه محمد:

 

2287 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّاجًا، فَأَمَرَهُمْ فَجَعَلُوهَا عُمْرَةً، ثُمَّ قَالَ: " لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلُوا، وَلَكِنْ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "، ثُمَّ أَنْشَبَ أَصَابِعَهُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، فَحَلَّ النَّاسُ إِلا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِمَ أَهْلَلْتَ ؟ " قَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهْلَلْتَ بِهِ، قَالَ: " فَهَلْ مَعَكَ هَدْيٌ ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " فَأَقِمْ كَمَا أَنْتَ، وَلَكَ ثُلُثُ هَدْيِي " قَالَ: فَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِائَةُ بَدَنَةٍ.

 

حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد الكوفي. وأخرجه الطبراني (11117) من طريق مسدد، عن خالد بن عبد الله الواسطي، بهذا الإسناد. وأخرجه عبد بن حميد برقم 644 (643) بسند ضعيف بمثل متنه. وشواهده بالترمذي (932) من طريقين عن يزيد بن أبي زياد، به. وانظر أحمد برقم (2348) و(2115).

 

وقال الواقدي:

 

قَالَ: وَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، وَحَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ مَوْلًى لآلِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: قَدِمَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ مِنْ الْيَمَنِ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمّنْ حَلّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلِىّ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَمَرَنِى بِهَذَا أَبِى، قَالَ عَلِىّ، وَهُوَ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ مُحَرّشًا عُلَى فَاطِمَةَ لِلّذِى صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا رَسُولَ اللّهِ ÷ لِلّذِى ذَكَرَتْ عَنْهُ، وَأَخْبَرْته أَنّى أَنْكَرْت ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَبِى أَمَرَنِى بِذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “صَدَقْت مَاذَا قُلْت: حِينَ فَرَضْت الْحَجّ”؟ قَالَ قُلْت: اللّهُمّ إنّى أُهِلّ بِمَا أَهَلّ بِهِ رَسُولُك، قَالَ: “فَإِنّ مَعِى الْهَدْىَ فَلا تَحِلّ”، فَكَانَتْ جَمَاعَةُ الْهَدْىِ الّذِى جَاءَ بِهِ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، وَاَلّذِى سَاقَهُ النّبِىّ ÷ مِنْ الْمَدِينَةِ مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَحَلّ النّاسُ، وَقَصّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْىٌ، ثُمّ نَحَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ هَدْيَهُ وَأَشْرَكَ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلامُ فِى هَدْيِهِ.

 

وقصة مقابلة علي مع محمد في مكة وقصة فاطمة زوجته وإحلالها في صحيح مسلم 1218. وفيه ذكر عدد الهدي الذي قدمه محمد وعلي:

 

.... وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا ، وَاكْتَحَلَتْ ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا ، قَالَ : فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ ، بِالْعِرَاقِ : فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : صَدَقَتْ صَدَقَتْ ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ ؟ قَالَ قُلْتُ : اللَّهُمَّ ، إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ ، قَالَ : فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلاَ تَحِلُّ قَالَ : فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِئَةً ، قَالَ : فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا ، إِلاَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ.

 

ومقابلة علي لمحمد ابن عمه عند عودة الأول من اليمن ليقابله في مكة مذكورة في صحيح مسلم الحديث السابق وسنن البيهقي الكبرى 8590 و 8607 و 8633 و 8634 و9137 وغيرهما. وانظر ابن هشام ذكر ذات التفاصيل عن ابن إسحاق ج4 مطابقًا للواقدي، ما عدا عدد بدن الهدي لم يذكره.

 

ثم يقولون أن محمدًا كان فقيرًا زاهدًا، فمن كان يتصدق بما يفيض عن حاجته ولا يبالي به بمقدار مئة جمل، فكم تكون ثروته من خمس الغنائم المنهوبة على يد أتباعه والأراضي والمنهوبات المستولى عليها؟!

 

 

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في ذكر أصل قصة أبوكريفية عند الواقدي

 

روى أحمد بن حنبل:

 

573 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى قَوْمٍ قَدْ بَنَوْا زُبْيَةً لِلْأَسَدِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ يَتَدَافَعُونَ إِذْ سَقَطَ رَجُلٌ، فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ، ثُمَّ تَعَلَّقَ رَجُلٌ بِآخَرَ، حَتَّى صَارُوا فِيهَا أَرْبَعَةً، فَجَرَحَهُمِ الْأَسَدُ، فَانْتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ بِحَرْبَةٍ فَقَتَلَهُ، وَمَاتُوا مِنْ جِرَاحَتِهِمْ كُلُّهُمْ، فَقَامَ أَوْلِيَاءُ الْأَوَّلِ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْآخِرِ، فَأَخْرَجُوا السِّلاحَ لِيَقْتَتِلُوا، فَأَتَاهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى تَفِيئَةِ ذَلِكَ، فَقَالَ: تُرِيدُونَ أَنْ تَقَاتَلُوا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ ؟ إِنِّي أَقْضِي بَيْنَكُمْ قَضَاءً إِنْ رَضِيتُمْ فَهُوَ الْقَضَاءُ، وَإِلا حَجَزَ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ حَتَّى تَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَكُمْ، فَمَنْ عَدَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلا حَقَّ لَهُ، اجْمَعُوا مِنْ قَبَائِلِ الَّذِينَ حَضَرُوا الْبِئْرَ رُبُعَ الدِّيَةِ ، وَثُلُثَ الدِّيَةِ وَنِصْفَ الدِّيَةِ وَالدِّيَةَ كَامِلَةً، فَلِلْأَوَّلِ الرُّبُعُ، لِأَنَّهُ هَلَكَ مَنْ فَوْقَهُ، وَلِلثَّانِي ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَأَبَوْا ، أَنْ يَرْضَوْا، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: " أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ " واحْتَبَى ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنَّ عَلِيًّا قَضَى فِينَا، فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

1310 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز وعفان المعنى قالا ثنا حماد بن سلمة أخبرنا سماك عن حنش بن المعتمر أن عليا رضي الله عنه كان باليمن فاحتفروا زبية للأسد فجاء حتى وقع فيها رجل وتعلق بآخر وتعلق الآخر بآخر وتعلق الآخر بآخر حتى صاروا أربعة فجرحهم الأسد فيها فمنهم من مات فيها ومنهم من أخرج فمات قال فتنازعوا في ذلك حتى أخذوا السلاح قال فأتاهم علي رضي الله عنه فقال ويلكم تقتلون مائتي إنسان في شأن أربعة أناسي تعالوا أقض بينكم بقضاء فإن رضيتم به وإلا فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال فقضى للأول ربع دية وللثاني ثلث دية وللثالث نصف دية وللرابع الدية كاملة قال فرضى بعضهم وكره بعضهم وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا قال فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال بهز قال حماد أحسبه قال كان متكئا فاحتبى قال سأقضي بينكم بقضاء قال فأخبر ان عليا رضي الله عنه قضى بكذا وكذا قال فأمضي قضاءه قال عفان سأقضي بينكم.

 

إسناده ضعيف، حنش- وهو ابن المعتمر، ويقال: ابن ربيعة الكناني- قال البخاري: يتكلمون في حديثه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: ليس أراهم يحتجون بحديثه، وقال ابنُ حِبان: لا يُحتج بحديثه، وقال الحاكم: ليس بالمتين عندهم، وقال أبو داود: ثقة ولم يتابع، وقال الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام. وأخرجه البيهقي 8/111 من طريق مصعب بن المقدام، عن إسرائيل، بهذا الإسناد. وأخرجه الطيالسي (114) ، وابن أبي شيبة (28451) 9/400، والبزار (732) ، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/95-97 و97، والبيهقي في السنن الكبرى (16175)  8/111 مِن طُرقٍ عن سماك، به، قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن علي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نعلم له طريقاً عن علي إلا عن هذا الطريق. ورواه أحمد (574) و (1063) و (1310).

 

وقوله: "على تَفِيئة ذلك "، أي: على أثره. وقوله: "هلك مَن فوقَه "، ضبط في نسخة أحمد (ظ 11) و (س) بفتح الميم والقاف، وضبط في (ب) بكسرهما، قال السندي: أي: هَلَك بثِقَلِ ثلاثة من فوقه مع جَرْح الأسد، وقد تسبب لثقلهم عليه حيث جَرَّهم وتعلق بهم، إذ الثاني والثالث ما تعلق بآخَرَ إلا بسبب تعلُّقِ الأول به، فصار هو السبب لسقوط الثلاثة عليه وثقلهم، فسقط من ديته بقدرما تسبب له، وبالجُملة فقد مات باجتماع أربعة أسباب: الثلاثة منها ثقلُ ثلاثة من فوقه، والرابع: جَرْحُ الأسد، وقد تسبب لثلاثة، فسقط من الدّية ثلاثة أرباع، وبقي ربعُ الدية، وهو على مَن تسبب لوقوعه في البئر الذي أدّى إلى جرح الأسد، وهم أهلُ الزِّحام، ثم إن تعلقه بهم، وإن كان فعلاً له، إلا أنه تسببَ عن سقوطه في البئر الذي وُجِدَ لأجل الزحام، وقد ترتب على هذا التعلق موتُه وموتهم، فمن حيث إنه أدى إلى موته يُعتبر فعلاً له، فيسقط من ديته بقدر ذلك، ومن حيث إنه أدى إلى موتهم يعتبر أنه أثر لزحامهم، فتجبُ ديتهم على أهل الزحام، وعلى هذا القياس. قوله: "وللثاني ثلثُ الدية"، لأنه مات بثلاثة أسباب: ثقل اثنين فوقه، وهو سبب له، وجرح الأسد المترتب على سقوطه، وأهلُ الزحام سبب لذلك كما قررنا، وهكذا الباقي

 

هذه القصة يضيف عليها الواقدي الجزء التالي بعدما يوردها في غزوة علي الثانية لليمن:

 

قَالُوا: احْتَفَرَ قَوْمٌ بِالْيَمَنِ بِئْرًا، فَأَصْبَحُوا وَقَدْ سَقَطَ فِيهَا أَسَدٌ، فَأَصْبَحَ النّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ فَسَقَطَ إنْسَانٌ فِى الْبِئْرِ فَتَعَلّقَ بِآخَرَ، فَتَعَلّقَ الآخَرُ بِآخَرَ، حَتّى كَانُوا فِى الْبِئْرِ أَرْبَعَةً فَحَرِبَ الأَسَدُ بِهِمْ فَقَتَلَهُمْ، فَأَهْوَى لَهُ رَجُلٌ بِرُمْحِهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النّاسُ: الأَوّلُ عَلَيْهِ دِيَتُهُمْ فَهُوَ قَتَلَهُمْ، فَأَرَادُوا يُقْبِلُونَ فَمَرّ بِهِمْ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ، فَقَالَ: أَنَا أَقْضِى بَيْنَكُمْ بِقَضَاءٍ، فَمَنْ رَضِىَ فَهُوَ إلَى قَضَائِهِ، وَمَنْ تَجَاوَزَ إلَى غَيْرِهِ فَلا حَقّ لَهُ حَتّى يَكُونَ النّبِىّ ÷ يَقْضِى فِيكُمْ، اجْمَعُوا مَنْ حَضَرَ الْبِئْرَ مِنْ النّاسِ فَجَمَعُوا كُلّ مَنْ حَضَرَ الْبِئْرَ، ثُمّ قَالَ: رُبُعُ دِيَةٍ، وَثُلُثُ دِيَةٍ، وَنِصْفُ دِيَةٍ، وَدِيَةٌ تَامّةٌ، فَالأَسْفَلُ رُبُعُ دِيَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنّهُ هَلَكَ مِنْ فَوْقِهِ ثَلاثَةٌ، وَلِلثّانِى ثُلُثُ الدّيَةِ، لأَنّهُ هَلَكَ اثْنَانِ، وَلِلثّالِثِ نِصْفُ الدّيَةِ، مِنْ أجْل أَنّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ وَاحِدٌ، وَلِلأَوّلِ الدّيَةُ كَامِلَةٌ. فَإِنْ رَضِيتُمْ فَهُوَ بَيْنَكُمْ قَضَاءٌ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَوْا فَلا حَقّ لَكُمْ حَتّى يَأْتِىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ فَيَقْضِى بَيْنَكُمْ.

فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ ÷ فِى حَجّتِهِ، وَهُمْ عَشْرَةُ نَفَرٍ، فَجَلَسُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَصّوا عَلَيْهِ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ: “أَنَا أَقْضِى بَيْنَكُمْ إنْ شَاءَ اللّهُ”، فَقَامَ أَحَدُ النّفَرِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ عَلِيّا قَدْ قَضَى بَيْنَنَا، فَقَالَ: “فِيمَ قَضَى بَيْنَكُمْ”؟ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَضَى بِهِ، فَقَالَ: “هُوَ مَا قَضَى بِهِ”، فَقَامَ الْقَوْمُ، فَقَالُوا: هَذَا قَضَاءٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ، فَلَزِمَ الْمَقْضِىّ عَلَيْهِمْ، وَسَأَلَهُمْ عَنْ الأُسْدِ أَهِىَ فِى بِلادِهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهَا لَكَثِيرَةٌ تُغِيرُ عَلَى مَاشِيَتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنْ الأُسْدِ”؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: “فَإِنّهُ غَدَا عَلَى ابْنٍ لِحَوّاءَ فَأَكَلَهُ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ حَوّاءُ فَقَالَتْ: وَيْلَك، أَكَلْت ابْنِى، قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِى أَنْ آكُلَ رِزْقًا سَاقَهُ اللّهُ إلَىّ، فَأَقْبَلَ آدَمُ، فَقَالَ: وَيْلَك، تُخَاطِبُهَا وَقَدْ أَكَلْت ابْنَهَا؟ اخْسَأْ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ فَلِذَلِكَ لا يَمْشِى إلاّ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ”.

ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “إنْ شِئْتُمْ وَظّفْت لَهُ وَظِيفَةً لا يَعْدُوهَا إلَى غَيْرِهَا، وَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْته يُجَالِسُكُمْ وَتَحْذَرُونَ مِنْهُ”، فَخَلا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَقَالُوا: وَظّفْ لَهُ وَظِيفَةً. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَخْشَى أَلاّ يَحْمِلَهَا قَوْمُنَا وَلا يُطِيعُونَ بِهَا، فَنَكُونُ قَدْ قُلْنَا لِرَسُولِ اللّهِ ÷ قَوْلاً لا نَفِى بِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْهُ يُجَالِسُنَا وَنَتَحَذّرُ مِنْهُ، فَقَالَ: “فَذَاكَ”، فَوَلّى الْقَوْمُ رَاجِعِينَ إلَى قَوْمِهِمْ، فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى قَوْمِهِمْ أَخْبَرُوهُمْ، فَقَالُوا: وَاَللّهِ مَا هُدِيتُمْ لِرُشْدِكُمْ لَوْ قَبِلْتُمْ مَا وَظّفَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَمِنْتُمْ مِنْهُ، فَهَيّئُوا رَجُلاً يَبْعَثُونَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فِى ذَلِكَ فَتُوُفّىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ قَبْلَ أَنْ يَلْقَاهُ الرّسُولُ.

 

لنقارن هذا بما ورد في سفر حياة آدم وحواء اليوناني (يعرف كذلك برؤيا موسى):

 

فمضى شيث وحواء إلى مناطق الجنة. ورأت شيثًا ابنها يتعارك مع حيوان يصارعه. فأخذت تبكي وقالت: "يا لي من شقية! فلو وصلت إلى يوم البعث فإن جميع الذين يكونون قد أخطؤوا سيلعنونني قائلين: "لم تحفظ حواء وصية الله". وقالت للحيوان: "أيها الحيوان السيء، ألا تخاف مصارعة صورة الله؟! فكيف حدث أن فمك مفتوح وأن أسنانك اشتدت، ولم تتذكر الخضوع الذي كنت تمتثل به تجاه صورة الله؟!. عندها صرخ الحيوان: "ليس لنا يجب توجيه الادعاآت والشكاوى، بل إليكِ أنتِ، لأن سلوككِ هو الذي أعطى السلطة للحيوانات. فكيف حدث أن فمك انفتح ليأكل من الشجرة التي منعكِ الله من الأكل منها؟ فلهذا إنما غيَّرْنا نحن أيضًا طبيعتنا. فلن تستطيعي إذن الرد بشيء إذا شرعت في إفحامكِ.

 

فقال شيث للحيوان: "أغلق فمكَ واسكت وابتعد عن صورة الله حتى يوم الحساب. عندها أجابه الحيوان: "فليكن، سأبتعد عن صورة الله." وارتد نحو جحره.

 

من سفر حياة آدم وحواء اليوناني/ الأصحاحات 10-12، من الترجمة العربية (كتابات ما بين العهدين) لموسى ديب الخوري.

 

حقيقة ما أورده الواقدي هو قصة أبوكريفية الأصل، حُوِّرَت بما يناسب العقلية العربية القديمة الساذجة، وتدل على اطلاع أو استماع كثير لكتب الأبوكريفا سواء من محمد أو أتباعه بعده، سواء صحت نسبتها إلى محمد أو كانت من وضع من بعده من أتباع، وقد ألفتُ من قبل كتابين كاملين عن هذا الموضوع أي مصادر خرافات وأساطير القرآن والأحاديث المحمدية الإسلامية بعنوان (أصول أساطير الإسلام من الهاجادة وأبوكريفا العهد القديم) والآخر (أصول أساطير الإسلام من الأبوكريفا المسيحية والهرطقات: المسيح وعدوه الكذاب ومعراج محمد والأخرويات أو الإسخاتولوجي)

 

 

أما ابن إسحاق ففي تعداده رسل يسوع الناصري أو عيسى في ج4 يذكر:

 

....وأندَرَائس ومَنْتَا إلى الأرض التي يأكل أهلُها الناس...

 

وهذه كما نعلم قصة أبوكريفية من كتاب أو سِفر (أعمال أندراوس).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

         هدم الكعبة اليمَّانية قبلة ومعبد اليمنيين

 

قال ابن كثير في السيرة له: وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ قِصَّةَ تَخْرِيبِ خَثْعَمٍ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَتْ تَعْبُدُهُ وَيُسَمُّونَهُ الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةَ مُضَاهِيَةً لِلْكَعْبَةِ الَّتِي بِمَكَّةَ، ويسمون الَّتِى بِمَكَّة الْكَعْبَة الشامية وَتلك الْكَعْبَة اليمانية.

 

روى البخاري:

 

4355 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كَانَ بَيْتٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ ذُو الخَلَصَةِ، وَالكَعْبَةُ اليَمانِيَةُ، وَالكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ»، فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا فَكَسَرْنَاهُ، وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا لَنَا وَلِأَحْمَسَ

 

3823 - وَعَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ، يُقَالُ لَهُ ذُو الخَلَصَةِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الكَعْبَةُ اليَمَانِيَةُ أَوِ الكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ» قَالَ: فَنَفَرْتُ إِلَيْهِ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، قَالَ: فَكَسَرْنَا، وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا لَنَا وَلِأَحْمَسَ

 

3076 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، قَالَ: قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ»، وَكَانَ بَيْتًا فِيهِ خَثْعَمُ، يُسَمَّى كَعْبَةَ اليَمَانِيَةِ، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي لاَ أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا»، فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا، فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ، فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، فَبَارَكَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ، قَالَ مُسَدَّدٌ: بَيْتٌ فِي خَثْعَمَ

 

وانظر البخاري 3020، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه رقم 2476. ورواه بأسانيده وألفاظه أحمد بن حنبل في الأرقام (19185) و(19188) و (19204) و (19249) بترقيم طبعة الرسالة.

(ذي الخلصة) بيت أصنام كانت تعبدها دوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم. (أحمس) قبيلة من العرب. (أجوف) مجوف أي خال عن كل ما يكون في البطن والمراد أنه فني بالكلية. (أجرب) أي مطلي بالقطران من الجرب أي إنها اسودت من الإحراق.

 

وروى ابن أبي شيبة:

 

33781- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ جَرِيرٍ ، قَالَ : إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي إلَى الْيَمَنِ أُقَاتِلُهُمْ وَأَدْعُوهُمْ , فَإذَا قَالُوا : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ حَرُمَتْ عَلَيْكُمْ أَمْوَالُهُمْ وَدِمَاؤُهُمْ.

 

37793- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، عَنْ قَيْسٍ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ لِبِلاَلٍ : أَجَهَّزْتَ الرَّكْبَ ، أَوِ الرَّهْطَ الْبَجَلِيِّينَ ؟ قَالَ : لاَ ، قَالَ : فَجَهِّزْهُمْ ، وَابْدَأْ بِالأَحْمَسِيِّينَ قَبْلَ الْقَسْرِيِّينَ.

 

وقال الكلبي في كتاب الأصنام:

 

فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأسلمت العرب ووفدت عليه وفودها قدم عليه جرير بن عبد الله مسلماً‏.‏ فقال له‏:‏ يا جريرٍ‏!‏ ألا تكفيني ذا الخلصة فقال‏:‏ بلى‏!‏ فوجهه إليه‏.‏

 

فخرج حتى أتى بني أحمس من بجيلة فسار بهم إليه‏.‏ فقاتلته خثعم وباهلة دونه‏.‏ فقتل من سدنته من باهلة يومئذ مائة رجل وأكثر القتل في خثعم وقتل مائتين من بني قحافة بن عامر بن خثعم‏.‏ فظفر بهم وهزمهم وهدم بنيان ذي الخلصة وأضرم فيه النار فاحترق‏.‏ فقالت امرأة من خثعم‏:‏

 

وبنو أمامة بالولية صرعوا ثملاً         يعالج كلهم أنبوبا‏ 

جاءوا لبيضتهم فلاقوا دونها          أُسْدًاً تقب لدى السيوف قبيبا‏

قسم المذلة بين نسوة خثعم          فتيان أحمس قسمةً تشعيبا‏

 

وذو الخلصة اليوم عتبة باب مسجد تبالة‏.‏

 

وقال محمد بن سعد في الطبقات الكبير ج1:

 

وَفْدُ بَجِيلَةَ

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَسْلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ سَنَةَ عَشْرٍ الْمَدِينَةَ وَمَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلا. فَقَالَ رسول الله ص: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ. فَطَلَعَ جَرِيرٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ قَوْمُهُ فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوا. قَالَ جَرِيرٌ: فَبَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعَنِي وَقَالَ: عَلَى أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَنْصَحَ الْمُسْلِمَ وَتُطِيعَ الْوَالِيَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا. فَقَالَ: نَعَمْ. فَبَايَعَهُ. وَقَدِمَ قَيْسُ بْنُ عَزْرَةَ الأَحْمَسِيُّ فِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلا مِنْ أحمس الله. وكان يقال لهم ذاك في الجاهلية. فقال لهم رسول الله ص: وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ لِلَّهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلالٍ: أَعْطِ رَكْبَ بَجِيلَةَ وَابْدَأْ بِالأَحْمَسِيِّينَ. فَفَعَلَ. وَكَانَ نُزُولُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَيَاضِيِّ. وكان رسول الله ص يُسَائِلُهُ عَمَّا وَرَاءَهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلامَ وَأَظْهَرَ الأَذَانَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَسَاحَاتِهِمْ. وَهَدَّمَتِ الْقَبَائِلُ أَصْنَامَهَا الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ ذُو الْخَلَصَةِ؟ قَالَ: هُوَ عَلَى حَالِهِ قَدْ بَقِيَ. وَاللَّهُ مُرِيحٌ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى هَدْمِ ذِي الْخَلَصَةِ وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً. فَقَالَ: إِنِّي لا أَثْبَتُ عَلَى الْخَيْلِ. فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدْرِهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا! فَخَرَجَ فِي قَوْمِهِ. وَهُمْ زُهَاءَ مِائَتَيْنِ. فَمَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ حتى رجع. فقال رسول الله ص: هَدَمْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ. وَأَخَذْتُ مَا عَلَيْهِ وَأَحْرَقْتُهُ بِالنَّارِ. فَتَرَكْتُهُ كَمَا يَسُوءُ مَنْ يَهْوَى هَوَاهُ. وَمَا صَدَّنَا عَنْهُ أَحَدٌ. قَالَ: فَبَرَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا.

وَفْدُ خَثْعَمَ

قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.

قَالُوا: وَفَدَ عَثْعَثُ بْنُ زَحْرٍ وَأَنَسُ بْنُ مُدْرِكٍ فِي رِجَالٍ مِنْ خَثْعَمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - بعد ما هَدَمَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ذَا الْخَلَصَةِ. وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ خَثْعَمَ. فَقَالُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. فَاكْتُبْ لَنَا كِتَابًا نَتَّبِعُ مَا فِيهِ. فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا شَهِدَ فِيهِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمَنْ حَضَرَ.

 

لماذا لا تُتْرَك للناس حقوقهم في الحريات، ومنها حرية الاعتقاد، اعبد الحجر إن شئتَ لكن لاتلقِني به، إذا كانوا يدافعون بجدية واعتقاد هكذا عن تمثال ومعبد إلههم وفق تصورهم، ألم يكن الصواب تركهم وما يعتقدون، وترك الإسلام يتغلغل بالوسائل السلمية دون عنف، لكن العنف في انتشار الإسلام جانب أصيل متجذر في أساسه. إن قتل البشر على أساس عقائدهم، لأن أوهامهم وخرافاتهم تختلف عن تلك الخاصة بك، هو شيء سخيف حقًّا وليس سببًا معقولًا لأفعال دموية وإبادة كتلك. ولا أعتقد أن إلهًا خرافيًّا مزعومًا عادلًا عاقلًا سيرضى بفعل الإنسان من قتل بني جنسه، وهو فعل لا يفعله أي كائن آخر بشكل قصدي، لمجرد اختلاف أنواع الأوهام والخزعبلات ولمحاسبة الضمائر والأفكار والعقائد المضمَرة. وإن وفد خثعم جاء ضمن الوفود التي أتت لمحمد لا اقتناعاً بدينه بل خوفًا من سيفه وتقتيله وشره، وواضح أنه حدث نهب وسبي من خلال شعر المرأة الخثعمية الذي أورده الكلبي.

 

 

 

 

 

 

 

الإسلام دين سلام، أترى؟ لا أحد يرد القول!

تحت أقدام الإرهابي في الكاريكاتير جماجم وعظام المسيحيين واليهود والوثنيين  والهندوس والملحدين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عقد محمد قبل موته راية جيش لأسامة

للهجوم على الشام

 

يقول الواقدي:

 

وَعَقَدَ لأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِى مَرَضِهِ إلَى الشّامِ، وَتُوُفِيَ رَسُولُ اللّهِ ص، وَلَمْ يَخْرُجْ حَتّى بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ النّبِىّ ص وَتُوُفّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ.

 

وفي السيرة لابن هشام:

 

قال ابن إسحاق: ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر، وضرب على الناس بعثاً إلى الشام، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه وأمره أن يُوطىء الخيلَ تخوم البَلقاء والداروم من أرض فِلَسْطين، فتجهز الناس، وأوعب مع أسامةَ ابنِ زيد المهاجرون الأولون.

 

.... قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد، وهو في وجعه، فخرج عاصباً رأسَه حتى جلس على المنبر، وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة: أمَّر غلاما حَدَثأ على جِلَّة المهاجرين والأنصار. فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: أيها الناس، أنفذوا بعث أسامة، فلعَمْري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنه لخليقٌ للإمارة، وإن كان أبوه لخليقاً لها.

قال: ثم نزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وانكمش الناس في جهازِهم، واستعزَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجَعه، فخرج أسامة، وخرج جيشُه معه حتى نزلوا الجُرْفَ، من المدينة على فَرْسخ، فضربَ به عسكرَه، وتَتَامَّ إليه الناس، وثَقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام أسامةُ والناس، لينظروا ما الله قاض في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وروى البخاري:

 

4250 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ: «إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ»

 

ورواه البخاري (3730) و (4469) و (7187)  ومسلم 2426 وأحمد بن حنبل (4701) و(5888) و(5630) و(5707) و(5848) والترمذي 3816 و 3819 ، والبيهقي 3/128 و8/154 بأسانيدهم وغيرهم من أصحاب كتب الحديث.

 

ويقول الواقدي بالتفصيل:

 

غَزْوَةُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مُؤْتَةُ

قَالُوا: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ ÷ يَذْكُرُ مَقْتَلَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ وَوَجَدَ عَلَيْهِمْ وَجْدًا شَدِيدًا؛ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الاثْنَيْنِ لأَرْبَعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ النّاسَ بِالتّهَيّؤِ لِغَزْوِ الرّومِ، وَأَمَرَهُمْ بِالانْكِمَاشِ فِى غَزْوِهِمْ. فَتَفَرّقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُمْ مُجِدّونَ فِى الْجِهَادِ فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ ÷ مِنْ الْغَدِ يَوْمَ الثّلاثَاءِ لِثَلاثٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ دَعَا أُسَامَةَ ابْنَ زَيْدٍ، فَقَالَ: “يَا أُسَامَةُ سِرْ عَلَى اسْمِ اللّهِ وَبَرَكَتِهِ حَتّى تَنْتَهِىَ إلَى مَقْتَلِ أَبِيك، فَأَوْطِئْهُمْ الْخَيْلَ، فَقَدْ وَلّيْتُك عَلَى هَذَا الْجَيْشِ، فَأَغِرْ صَبَاحًا عَلَى أَهْلِ أُبْنَى، وَحَرّقْ عَلَيْهِمْ، وَأَسْرِعْ السّيْرَ تَسْبِقْ الْخَبَرَ، فَإِنْ أَظْفَرَك اللّهُ فَأَقْلِلْ اللّبْثَ فِيهِمْ، وَخُذْ مَعَك الأَدِلاّءَ، وَقَدّمْ الْعُيُونَ أَمَامَك، وَالطّلائِعَ”، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ بُدِىَ بِرَسُولِ اللّهِ ÷ فَصُدّعَ وَحُمّ. فَلَمّا أَصْبَحَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ عَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ÷ بِيَدِهِ لِوَاءً، ثُمّ قَالَ: “يَا أُسَامَةُ اُغْزُ بِسْمِ اللّهِ فِى سَبِيلِ اللّهِ، فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ، اُغْزُوَا وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلا امْرَأَةً، وَلا تَمَنّوْا لِقَاءَ الْعَدُوّ، فَإِنّكُمْ لا تَدْرُونَ لَعَلّكُمْ تُبْتَلَوْنَ بِهِمْ، وَلَكِنْ قُولُوا: اللّهُمّ اكْفِنَاهُمْ وَاكْفُفْ بَأْسَهُمْ عَنّا، فَإِنْ لَقُوكُمْ قَدْ أَجْلَبُوا وَصَيّحُوا، فَعَلَيْكُمْ بِالسّكِينَةِ وَالصّمْتِ، وَلا تَنَازَعُوا وَلا تَفْشَلُوا فَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَقُولُوا: اللّهُمّ نَحْنُ عِبَادُك وَهُمْ عِبَادُك، نَوَاصِينَا وَنَوَاصِيهمْ بِيَدِك، وَإِنّمَا تَغْلِبُهُمْ أَنْتَ، وَاعْلَمُوا أَنّ الْجَنّةَ تَحْتَ الْبَارِقَةِ”.

قَالَ: حَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ هِشَامِ بْنِ عَاصِمٍ الأَسْلَمِىّ، عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “يَا أُسَامَةُ شِنّ الْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ أُبْنَى”.

قَالَ: فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنّ النّبِىّ ÷ أَمَرَهُ أَنّ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا، وَأَنْ يُحَرّقَ.

قَالُوا: ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷ لأُسَامَةَ: “امْضِ عَلَى اسْمِ اللّهِ”، فَخَرَجَ بِلِوَائِهِ مَعْقُودًا فَدَفَعَهُ إلَى بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الأَسْلَمِىّ، فَخَرَجَ بِهِ إلَى بَيْتِ أُسَامَةَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ أُسَامَةَ فَعَسْكَرَ بِالْجُرْفِ، وَضَرَبَ عَسْكَرَهُ فِى سِقَايَةِ سُلَيْمَانَ الْيَوْمَ. وَجَعَلَ النّاسُ يَجِدّونَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْعَسْكَرِ، فَيَخْرُجُ مِنْ فَرْغٍ مِنْ حَاجَتِهِ إلَى مُعَسْكَرِهِ، وَمَنْ لَمْ يَقْضِ حَاجَتَهُ فَهُوَ عَلَى فَرَاغٍ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الأَوّلِينَ إلاّ اُنْتُدِبَ فِى تِلْكَ الْغَزْوَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، وَأَبُو الأَعْوَرِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ؛ وَفِى رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ عِدّةٍ قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ، وَسَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَكَانَ أَشَدّهُمْ فِى ذَلِكَ قَوْلاً عَيّاشُ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ: يُسْتَعْمَلُ هَذَا الْغُلامُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الأَوّلِينَ؟ فَكَثُرَتْ الْقَالَةُ فِى ذَلِكَ، فَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ بَعْضَ ذَلِكَ الْقَوْلِ، فَرَدّهُ عَلَى مَنْ تَكَلّمَ بِهِ وَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ ÷ غَضَبًا شَدِيدًا، فَخَرَجَ وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ عِصَابَةً، وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، ثُمّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: “أَمّا بَعْدُ، يَا أَيّهَا النّاسُ فَمَا مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِى عَنْ بَعْضِكُمْ فِى تَأْمِيرِى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ؟ وَاَللّهِ لَئِنْ طَعَنْتُمْ فِى إمَارَتِى أُسَامَةَ لَقَدْ طَعَنْتُمْ فِى إمَارَتِى أَبَاهُ مِنْ قَبْلِهِ، وَاَيْمُ اللّهِ إنْ كَانَ لِلإِمَارَةِ لَخَلِيقًا وَإِنّ ابْنَهُ مِنْ بَعْدِهِ لَخَلِيقٌ لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبّ النّاسِ إلَىّ، وَإِنّ هَذَا لَمِنْ أَحَبّ النّاسِ إلَىّ، وَإِنّهُمَا لَمُخِيلانِ لِكُلّ خَيْرٍ فَاسْتَوْصُوا بِهِ خَيْرًا، فَإِنّهُ مِنْ خِيَارِكُمْ”، ثُمّ نَزَلَ ÷ فَدَخَلَ بَيْتَهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ السّبْتِ لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ.

وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ الّذِينَ يَخْرُجُونَ مَعَ أُسَامَةَ يُوَدّعُونَ رَسُولَ اللّهِ ÷ فِيهِمْ عُمَرُ ابْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، وَرَسُولُ اللّهِ ÷ يَقُولُ: “أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ”، وَدَخَلَتْ أُمّ أَيْمَنَ، فَقَالَتْ: أَىْ رَسُولُ اللّه، لَوْ تَرَكْت أُسَامَةَ يُقِيمُ فِى مُعَسْكَرِهِ حَتّى تَتَمَاثَلَ، فَإِنّ أُسَامَةَ إنْ خَرَجَ عَلَى حَالَتِهِ هَذِهِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ÷: “أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ”، فَمَضَى النّاسُ إلَى الْمُعَسْكَرِ فَبَاتُوا لَيْلَةَ الأَحَدِ، وَنَزَلَ أُسَامَةُ يَوْمَ الأَحَدِ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ ثَقِيلٌ مَغْمُورٌ، وَهُوَ الْيَوْمُ الّذِى لَدّوهُ فِيهِ فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَعَيْنَاهُ تَهْمِلانِ، وَعِنْدَهُ الْعَبّاسُ، وَالنّسَاءُ حَوْلَهُ فَطَأْطَأَ عَلَيْهِ أُسَامَةُ فَقَبّلَهُ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ لا يَتَكَلّمُ، فَجَعَلَ يَرْفَعُ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ، ثُمّ يَصُبّهَا عَلَى أُسَامَةَ، قَالَ: فَأَعْرِفُ أَنّهُ كَانَ يَدْعُو لِى.

قَالَ أُسَامَةُ: فَرَجَعْت إلَى مُعَسْكَرِى، فَلَمّا أَصْبَحَ يَوْمُ الاثْنَيْنِ غَدَا مِنْ مُعَسْكَرِهِ وَأَصْبَحَ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ مُفِيقًا، فَجَاءَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ: “اُغْدُ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ”، فَوَدّعَهُ أُسَامَةُ وَرَسُولُ اللّهِ ÷ مُفِيقٌ مُرِيحٌ، وَجَعَلَ نِسَاءَهُ يَتَمَاشَطْنَ سُرُورًا بِرَاحَتِهِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَصْبَحْت مُفِيقًا بِحَمْدِ اللّهِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ ابْنَةِ خَارِجَةَ، فَائْذَنْ لِى فَأَذِنَ لَهُ، فَذَهَبَ إلَى السّنْحِ، وَرَكِبَ أُسَامَةُ إلَى مُعَسْكَرِهِ، وَصَاحَ فِى النّاسِ أَصْحَابِهِ بِاللّحُوقِ بِالْعَسْكَرِ، فَانْتَهَى إلَى مُعَسْكَرِهِ وَنَزَلَ وَأَمَرَ النّاسَ بِالرّحِيلِ، وَقَدْ مَتَعَ النّهَارُ. فَبَيْنَا أُسَامَةُ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ الْجُرْفِ أَتَاهُ رَسُولُ أُمّ أَيْمَنَ - وَهِىَ أُمّهُ - تُخْبِرُهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ يَمُوتُ فَأَقْبَلَ أُسَامَةُ إلَى الْمَدِينَةِ مَعَهُ عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، فَانْتَهَوْا إلَى رَسُولِ اللّهِ ÷ وَهُوَ يَمُوتُ فَتُوُفّىَ رَسُولُ اللّهِ ÷ حِينَ زَاغَتْ الشّمْسُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَىْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ.

وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الّذِينَ عَسْكَرُوا بِالْجُرْفِ الْمَدِينَةَ، وَدَخَلَ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ، بِلِوَاءِ أُسَامَةَ مَعْقُودًا حَتّى أَتَى بِهِ بَابَ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَغَرَزَهُ عِنْدَهُ، فَلَمّا بُويِعَ لأَبِى بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ أَمَرَ بُرَيْدَةُ أَنْ يَذْهَبَ بِاللّوَاءِ إلَى بَيْتِ أُسَامَةَ، وَأَلاّ يَحِلّهُ أَبَدًا حَتّى يَغْزُوَهُمْ أُسَامَةُ، قَالَ بُرَيْدَةُ: فَخَرَجْت بِاللّوَاءِ حَتّى انْتَهَيْت بِهِ إلَى بَيْتِ أُسَامَةَ، ثُمّ خَرَجْت بِهِ إلَى الشّامِ مَعْقُودًا مَعَ أُسَامَةَ، ثُمّ رَجَعْت بِهِ إلَى بَيْتِ أُسَامَةَ، فَمَا زَالَ فِى بَيْتِ أُسَامَةَ حَتّى تُوُفّىَ أُسَامَةُ.

فَلَمّا بَلَغَ الْعَرَبَ وَفَاةُ رَسُولِ اللّهِ ÷ وَارْتَدّ مَنْ ارْتَدّ عَنْ الإِسْلامِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ لأُسَامَةَ رَحْمَةُ اللّهِ عَلَيْهِ: اُنْفُذْ فِى وَجْهِك الّذِى وَجّهَك فِيهِ رَسُولُ اللّهِ ÷ وَأَخَذَ النّاسُ بِالْخُرُوجِ وَعَسْكَرُوا فِى مَوْضِعِهِمْ الأَوّلِ، وَخَرَجَ بُرَيْدَةُ بِاللّوَاءِ حَتّى انْتَهَى إلَى مُعَسْكَرِهِمْ الأَوّلِ فَشَقّ عَلَى كِبَارِ الْمُهَاجِرِينَ الأَوّلِينَ وَدَخَلَ عَلَى أَبِى بَكْرٍ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ، وَأَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ إنّ الْعَرَبَ قَدْ انْتَقَضَتْ عَلَيْك مِنْ كُلّ جَانِبٍ وَإِنّك لا تَصْنَعُ بِتَفْرِيقِ هَذَا الْجَيْشِ الْمُنْتَشِرِ شَيْئًا، اجْعَلْهُمْ عِدّةً لأَهْلِ الرّدّةِ تَرْمِى بِهِمْ فِى نُحُورِهِمْ وَأُخْرَى، لا نَأْمَنُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُغَارَ عَلَيْهَا وَفِيهَا الذّرَارِىّ وَالنّسَاءُ فَلَوْ اسْتَأْنَيْت لِغَزْوِ الرّومِ حَتّى يَضْرِبَ الإِسْلامُ بِجِرَانِهِ وَتَعُودَ الرّدّةُ إلَى مَا خَرَجُوا مِنْهُ أَوْ يُفْنِيَهُمْ السّيْفُ ثُمّ تَبْعَثُ أُسَامَةَ حِينَئِذٍ فَنَحْنُ نَأْمَنُ الرّومَ أَنْ تَزْحَفَ إلَيْنَا فَلَمّا اسْتَوْعَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ مِنْهُمْ كَلامَهُمْ قَالَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لا، قَدْ سَمِعْت مَقَالَتَنَا. فَقَالَ وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ ظَنَنْت أَنّ السّبَاعَ تَأْكُلُنِى بِالْمَدِينَةِ لأَنْفَذْت هَذَا الْبَعْثَ وَلا بَدَأْت بِأَوّلَ مِنْهُ وَرَسُولُ اللّهِ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْىُ مِنْ السّمَاءِ يَقُولُ أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ وَلَكِنْ خَصْلَةً أُكَلّمُ أُسَامَةَ فِى عُمَرَ يَخْلُفُهُ يُقِيمُ عِنْدَنَا، فَإِنّهُ لا غَنَاءَ بِنَا عَنْهُ. وَاَللّهِ مَا أَدْرِى يَفْعَلُ أُسَامَةُ أَمْ لا، وَاَللّهِ إنْ رَأَى لا أُكْرِهُهُ فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ عَزَمَ عَلَى إنْفَاذِ بَعْثِ أُسَامَةَ وَمَشَى أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ إلَى أُسَامَةَ فِى بَيْتِهِ وَكَلّمَهُ أَنْ يَتْرُكَ عُمَرَ فَفَعَلَ أُسَامَةُ وَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ أَذِنْت وَنَفْسَك طَيّبَةٌ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ نَعَمْ وَخَرَجَ وَأَمَرَ مُنَادِيَهُ يُنَادِى: عَزْمَةٌ مِنّى أَلاّ يَتَخَلّفَ عَنْ أُسَامَةَ مِنْ بَعْثِهِ مَنْ كَانَ اُنْتُدِبَ مَعَهُ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَإِنّى لَنْ أُوتَى بِأَحَدٍ أَبْطَأَ عَنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ إلاّ أَلْحَقْته بِهِ مَاشِيًا وَأَرْسَلَ إلَى النّفَرِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ كَانُوا تَكَلّمُوا فِى إمَارَةِ أُسَامَةَ فَغَلّظَ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَهُمْ بِالْخُرُوجِ فَلَمْ يَتَخَلّفْ عَنْ الْبَعْثِ إنْسَانٌ وَاحِدٌ.

وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يُشَيّعُ أُسَامَةَ وَالْمُسْلِمِينَ فَلَمّا رَكِبَ أُسَامَةُ مِنْ الْجُرْفِ فِى أَصْحَابِهِ - وَهُمْ ثَلاثَةُ آلافِ رَجُلٍ وَفِيهِمْ أَلْفُ فَرَسٍ - فَسَارَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ إلَى جَنْبِ أُسَامَةَ سَاعَةً، ثُمّ قَالَ: أَسْتَوْدِعُ اللّهَ دِينَك وَأَمَانَتَك وَخَوَاتِيمَ عَمَلِك؛ إنّى سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يُوصِيك، فَانْفُذْ لأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ÷ فَإِنّى لَسْت آمُرُك وَلا أَنْهَاك عَنْهُ، وَإِنّمَا أَنَا مُنْفِذٌ لأَمْرٍ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ ÷، فَخَرَجَ سَرِيعًا فَوَطِئَ بِلادًا هَادِئَةً لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ الإِسْلامِ - جُهَيْنَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ قُضَاعَةَ - فَلَمّا نَزَلَ وَادِى الْقُرَى قَدِمَ عَيْنًا لَهُ مِنْ بَنِى عُذْرَةَ، يُقَالُ لَهُ: حُرَيْثٌ، فَخَرَجَ عَلَى صَدْرِ رَاحِلَتِهِ أَمَامَهُ مُغِذّا حَتّى انْتَهَى إلَى أُبْنَى؛ فَنَطَرَ إلَى مَا هُنَاكَ وَارْتَادَ الطّرِيقَ ثُمّ رَجَعَ سَرِيعًا حَتّى لَقِىَ أُسَامَةَ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَتَيْنِ مِنْ أُبْنَى، فَأَخْبَرَهُ أَنّ النّاسَ غَارُونِ وَلا جُمُوعَ لَهُمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُسْرِعَ السّيْرَ قَبْلَ أَنْ تَجْتَمِعَ الْجُمُوعُ وَأَنْ يُشِنّهَا غَارَةً.

قَالَ: فَحَدّثَنِى هِشَامُ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ، قَالَ: قَالَ بُرَيْدَةُ لأُسَامَةَ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ إنّى شَهِدْت رَسُولَ اللّهِ ÷ يُوصِى أَبَاك أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ أَطَاعُوهُ خَيّرَهُمْ، وَإِنْ أَحَبّوا أَنْ يُقِيمُوا فِى دَارِهِمْ وَيَكُونُوا كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَلا شَيْءَ لَهُمْ فِى الْفَيْءِ وَلا الْغَنِيمَةِ إلاّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ تَحَوّلُوا إلَى دَارِ الإِسْلامِ، كَانَ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، قَالَ أُسَامَةُ: هَكَذَا وَصِيّةُ رَسُولِ اللّهِ ÷ لأَبِى، وَلَكِنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ أَمَرَنِى، وَهُوَ آخِرُ عَهْدِهِ إلَىّ أَنْ أُسْرِعَ السّيْرَ، وَأَسْبِقَ الأَخْبَارَ، وَأَنْ أَشُنّ الْغَارَةَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ دُعَاءٍ، فَأُحَرّقَ وَأُخَرّبَ، فَقَالَ بُرَيْدَةُ: سَمْعًا وَطَاعَةً لأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ÷.

فَلَمّا انْتَهَى إلَى أُبْنَى فَنَظَرَ إلَيْهَا مَنْظَرَ الْعَيْنِ عَبّأَ أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: اجْعَلُوهَا غَارَةً وَلا تَمْنَعُوا فِى الطّلَبِ وَلا تَفْتَرِقُوا، وَاجْتَمِعُوا وَأَخْفُوا الصّوْتَ، وَاذْكُرُوا اللّهَ فِى أَنْفُسِكُمْ وَجَرّدُوا سُيُوفَكُمْ وَضَعُوهَا، فِيمَنْ أَشْرَفَ لَكُمْ، ثُمّ دَفَعَ عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ فَمَا نَبَحَ كَلْبٌ وَلا تَحَرّكَ أَحَدٌ، وَمَا شَعَرُوا إلاّ بِالْقَوْمِ قَدْ شَنّوا عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ يُنَادُونَ بِشِعَارِهِمْ: يَا مَنْصُورُ أَمِتْ، فَقَتَلَ مَنْ أَشْرَفَ لَهُ، وَسَبَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَحَرّقَ فِى طَوَائِفِهِمْ بِالنّارِ، وَحَرّقَ مَنَازِلَهُمْ وَحَرْثَهُمْ وَنَخْلَهُمْ فَصَارَتْ أَعَاصِيرُ مِنْ الدّخَاخِينِ، وَأَجَالَ الْخَيْلَ فِى عَرَصَاتِهِمْ وَلَمْ يُمْعِنُوا فِى الطّلَبِ أَصَابُوا مَا قَرُبَ مِنْهُمْ، وَأَقَامُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ فِى تَعْبِئَةِ مَا أَصَابُوا مِنْ الْغَنَائِمِ.

وَكَانَ أُسَامَةُ خَرَجَ عَلَى فَرَسِ أَبِيهِ الّتِى قُتِلَ عَلَيْهَا أَبُوهُ يَوْمَ مُؤْتَةَ كَانَتْ تُدْعَى سَبْحَةَ، وَقَتَلَ قَاتِلَ أَبِيهِ فِى الْغَارَةِ خَبّرَهُ بِهِ بَعْضُ مَنْ سَبَى؛ وَأَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، وَأَخَذَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمّا أَمْسَوْا أَمَرَ النّاسَ بِالرّحِيلِ وَمَضَى الدّلِيلُ أَمَامَهُ حُرَيْثٌ الْعُذْرِىّ، فَأَخَذُوا الطّرِيقَ الّتِى جَاءُوا مِنْهَا، وَدَانُوا لَيْلَتَهُمْ حَتّى انْتَهَوْا بِأَرْضٍ بَعِيدَةٍ، ثُمّ طَوَى الْبِلادَ حَتّى انْتَهَى إلَى وَادِى الْقُرَى فِى تِسْعِ لَيَالٍ، ثُمّ قَصَدَ بَعْدُ فِى السّيْرِ فَسَارَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَا أُصِيبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ. فَبَلَغَ ذَلِكَ هِرَقْلَ وَهُوَ بِحِمْصَ فَدَعَا بَطَارِقَتَهُ، فَقَالَ: هَذَا الّذِى حَذّرْتُكُمْ، فَأَبَيْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوهُ مِنّى، قَدْ صَارَتْ الْعَرَبُ تَأْتِى مَسِيرَةَ شَهْرٍ تُغِيرُ عَلَيْكُمْ، ثُمّ تَخْرُجُ مِنْ سَاعَتِهَا وَلَمْ تُكْلَمْ، قَالَ أَخُوهُ: سَأَقُومُ فَأَبْعَثُ رَابِطَةً تَكُونُ بِالْبَلْقَاءِ فَبَعَثَ رَابِطَةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا حَتّى قَدِمَتْ الْبُعُوثُ إلَى الشّامِ فِى خِلافَةِ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُمَا.

قَالُوا: وَاعْتَرَضَ لأُسَامَةَ فِى مُنْصَرَفِهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ كَثْكَثٍ - قَرْيَةٌ هُنَاكَ - قَدْ كَانُوا اعْتَرَضُوا لأَبِيهِ فِى بَدْأَتِهِ فَأَصَابُوا مِنْ أَطْرَافِهِ، فَنَاهَضَهُمْ أُسَامَةُ بِمَنْ مَعَهُ وَظَفِرَ بِهِمْ وَحَرّقَ عَلَيْهِمْ، وَسَاقَ نَعَمًا مِنْ نَعَمِهِمْ وَأَسَرّ مِنْهُمْ أَسِيرَيْنِ فَأَوْثَقَهُمَا، وَهَرَبَ مَنْ بَقِىَ فَقَدِمَ بِهِمَا الْمَدِينَةَ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمَا.

قَالَ: فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ يَحْيَى بْنِ النّضْرِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بَعَثَ بَشِيرَهُ مِنْ وَادِى الْقُرَى بِسَلامَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنّهُمْ قَدْ أَغَارُوا عَلَى الْعَدُوّ فَأَصَابُوهُمْ، فَلَمّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِقُدُومِهِمْ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ فِى الْمُهَاجِرِينَ، وَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتّى الْعَوَاتِقَ سُرُورًا بِسَلامَةِ أُسَامَةَ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَدَخَلَ يَوْمَئِذٍ عَلَى فَرَسِهِ سَبْحَةَ كَأَنّمَا خَرَجَتْ مِنْ ذِى خُشُبٍ عَلَيْهِ الدّرْعُ، وَاللّوَاءُ أَمَامَهُ يَحْمِلُهُ بُرَيْدَةُ، حَتّى انْتَهَى بِهِ إلَى الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرَفَ إلَى بَيْتِهِ مَعَهُ اللّوَاءُ.

وَكَانَ مَخْرَجُهُ مِنْ الْجُرْفِ لِهِلالِ شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ، فَغَابَ خَمْسَةً وَثَلاثِينَ يَوْمًا، عِشْرُونَ فِى بَدْأَتِهِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ فِى رَجْعَتِهِ.

 

وقال ابن إسحاق في السيرة:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني سعيد بن عبيد بن السَّباق، عن محمد بن أسامة، عن أبيه أسامة بن زَيْد، قال: لما ثَقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطتُ وهبط الناس معي إلى المدينة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصْمِت فلا يتكلم، فجعل يرفع يدَه إلى السماء ثم يضعها عليَّ، فأعرف أنه يدعو لي.

 

وروى البخاري:

 

2818 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَكَانَ كَاتِبَهُ - قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ»، تَابَعَهُ الأُوَيْسِيُّ، عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ

 

3024 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ اليَرْبُوعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، كُنْتُ كَاتِبًا لَهُ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، حِينَ خَرَجَ إِلَى الحَرُورِيَّةِ، فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ، انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ» ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ»

 

ورواه مسلم 4563 و 4951، ورواه أحمد 19538 و 19680 و19114 والمستدرك 2388 و 2413

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

21755 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَبَطْتُ وَهَبَطَ النَّاسُ مَعِي إِلَى الْمَدِينَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَصْمَتَ فَلَا يَتَكَلَّمُ، فَجَعَلَ " يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ يَصُبُّهَا عَلَيَّ أَعْرِفُ أَنَّهُ يَدْعُو لِي "

 

إسناده حسن، وهو في "فضائل الصحابة" لأحمد بن حنبل (1526) بإسناده ومتنه. وأخرجه أبو القاسم البغوي في "مسند أُسامة" (4) عن ابن منيع، عن أحمد ابن حنبل، بهذا الإسناد.وأخرجه الطبراني في "الكبير" (377) من طريق علي ابن المديني، عن يعقوب بن إبراهيم، به. والحديث في "سيرة ابن هشام" 4/301 عن ابن إسحاق، به. وأخرجه الترمذي (3817) ، والمزي في "التهذيب" ترجمة سعيد بن عبيد 10/548، وفي ترجمة محمد بن أُسامة 24/395 من طريق يونس بن بُكير، عن محمد بن إسحاق، به. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 4/68 عن محمد بن عمر -وهو الواقدي- عن عبد الله بن يزيد بن قُسيط، عن أبيه، عن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

21785 - حَدَّثَنِي وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: أُبْنَى، فَقَالَ: "ائْتِهَا صَبَاحًا ثُمَّ حَرِّقْ"

 

21824 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ وَجَّهَهُ وِجْهَةً، فَقُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ أُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا، ثُمَّ أُحَرِّقَ"

 

ضعيفان، وصحيحان لغيرهما

 

وروى ابن سعد في الطبقات الكبير ج4/ ترجمته لأسامة بن زيد:

 

أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ.

 

صحيح ورجاله ثقات رجال الشيخين. وانظر سنن سعيد بن منصور2641 بإسناد مرسل صحيح آخر.

 

ومما ذكره ابن سعد عن وحشية المسلمين وهمجيتهم في تلك الغزوة الإجرامية، أمر أبي بكر لهم بالتمثيل بالأحياء والجثث:

 

... فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَنِي وَأَنَا عَلَى غَيْرِ حَالِكُمْ هَذِهِ وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تَكْفُرَ الْعَرَبُ فَإِنْ كَفَرَتْ كَانُوا أَوَّلَ مَنْ يُقَاتِلُ وَإِنْ لَمْ تَكْفُرْ مَضَيْتُ فَإِنَّ مَعِي سَرَوَاتِ النَّاسِ وَخِيَارَهُمْ. قَالَ فَخَطَبَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لأَنْ تَخَطَّفَنِي الطَّيْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبْدَأَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَمْرِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فَبَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى آبِلٍ وَاسْتَأْذَنَ لِعُمَرَ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ. قَالَ فَأَذِنَ أُسَامَةُ لِعُمَرَ. قَالَ فَأَمَرَهُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَجْزِرَ فِي الْقَوْمِ. قَالَ هِشَامٌ بِقَطْعِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلِ وَالأَوْسَاطِ فِي الْقِتَالِ حَتَّى يُفْزِعَ الْقَوْمَ. قَالَ فَمَضَى حَتَّى أَغَارَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُعْظِمُوا الْجِرَاحَةَ حَتَّى يُرْهِبُوهُمْ. قَالَ ثُمَّ رَجَعُوا وَقَدْ سَلِمُوا وَقَدْ غَنِمُوا. قَالَ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا كُنْتُ لأَجِيءَ أَحَدًا بِالإِمَارَةِ غَيْرَ أُسَامَةَ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُبِضَ وَهُوَ أَمِيرٌ.

قَالَ فَسَارُوا فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الشَّامِ أَصَابَتْهُمْ ضَبَابَةٌ شَدِيدَةٌ فَسَتَرَهُمُ اللَّهُ بِهَا حَتَّى أَغَارُوا وَأَصَابُوا حَاجَتَهُمْ. قَالَ فَقُدِمَ بِنَعْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هِرَقْلَ وَإِغَارَةِ أُسَامَةَ فِي نَاحِيَةِ أَرْضِهِ خبرا واحدا فقالت الروم ما بالى هَؤُلاءِ بِمَوْتِ صَاحِبِهِمْ أَنْ أَغَارُوا عَلَى أَرْضَنَا.

 

ملاحظاتنا هنا كالتالي: الغزوة التي أوصى محمد قبل موته أثناء مرضه بشنها هي غزوة انتقامية اعتدائية بحتة على سكان وأهالي الشام المدنيين لنهبهم وتحريق ممتلكاتهم وسبي أطفالهم ونسائهم وتقتيل رجالهم، مثلها مثل غزو أبي أسامة: زيد بن حارثة قبله، ، فليس لدى الأصوليين عمومًا إلا التخريب والتدمير والعدوان، فكل تحركات محمد العدوانية هو الذي بدأها ضد الشام. ونلاحظ إصرارهم على تنفيذ وصية محمد باعتبارها انطلاقة فتوحاتهم وخروجهم من الصحراء القاحلة إلى جنات وحقول الشام والعراق ومصر وإيران الخصيبة التي طالما تمنوا السكنى بها ووضع أيديهم عليها، رغم الحروب الداخلية وحركة المتنبئين المتنافسين والمسلمين مانعي الزكاة والمرتدين إلى الوثنية أو إلى حركات الأنبياء المنافسين لمحمد، ونلاحظ تشديد أبي بكر على لزوم من التحقوا بجيش أسامة من المهاجرين القرشيين بالمسير معه، وأن جاسوس بني عذرة أكد لأسامة عدم وجود جيش أو جنود على تلك القرية الحدودية وأن الأمر ميسور ممهد له ليهاجم السكان المدنيين العزل من العرب المسيحيين. ونجد أنها هجمة انتقامية على أساس ديني ودون حتى الدعوة الدينية التهديدية الإرهابية المعروفة: خيار الجزية كنهب وتمييز وإتاوة إذلال، أو اتباع الإسلام للهرب من الجزية والعنصرية والمضايقات، أو الحرب وما كانوا ليحاربوا وهم مجرد مدنيين عزل من السلاح والتدريب والتنظيم العسكري، على الأرجح لم يحاولوا طلب جزية كممارسة سلطة احتلال عربي لأنه كان لا زال أمامهم قليل وقت بعد حتى يوحدوا جزيرة العرب ويعيدوا الاستقرار والسيطرة عليها والقضاء على حركات الردة والتمرد على الدولة (منع دفع الزكاة من بعض القبائل)، فقوتهم لم تكن كافية بعد لإزاحة الاحتلال الرومي وإحلال أنفسهم مكانه فالتوسع في الشام وحكمها واستغلالها، ونلاحظ أن أباه زيدًا فعل نفس الشيء دون دعوة إو إنذار لأن تشريع الحرب والجزية الإسلامي كما ورد بسورة التوبة (براءة) لم يكن قد تم تشريعه بعد، وقد صاغه محمد بعد غزوة تبوك سنة 9ه. في النهاية انسحب جيش أسامة بعد عدوانه على المدنيين كجريمة حرب قذرة ونهبوهم وسبوا من نسائهم وأطفالهم للاستعباد وخربوا وأحرقوا الممتلكات والمزارع، فهذا ما لدى الأصوليين لتقديمه فقط: تخريب وتدمير وإفساد في الأرض وإهلاك للحرث والناس والحيوان، انسحب على طريقة حرب العصابات. ختاماً من يقرأ تاريخ امبراطورية روما يرى أن علامات انهيارها كانت كثيرة، من انقسامها إلى جناحين شرقي وغربي وغيرها من أحداث دهورت من أحوالها، ومن أعراض ضعفها إهمال حراسة حدود الشام على فلسطين والأردن، فليس فوق هذا إهمال وضعف واضمحلال، أما عن طريقة تعامل المسلمين مع الأسرى فعرضنا الكثير من النماذج لها في هذا الكتاب من قتل للأسرى، لأن المسلمين المعاصرين يحلمون ويتخيّلون أمورًا لا أساس لها من الواقع والتاريخ ثم يضعونها في كتب يتحفوننا بها محتوية الفانتازيا الخاصة بهم عن دين الرحمة بالأسير ودين السلام إلى آخر هذا الهراء، ختاماً أن تفرح وتخرج مسرورًا من أجل عدوان قومك على إخوانهم في الإنسانية من البشر هو جهالة وخبث وسفاهة وسوء طوية ومرض نفوس؟! وقصة هذه الغزوة في الكثير من كتب التاريخ كتاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير والكامل في التاريخ لابن الأثير والمنتظم لابن الجوزي وسائر سرد جرائمهم في الشام ضد عربها وسكانها من الجالية الرومية في المراجع المذكورة وفي فتوح الشام للأزدي وفتوح الشام المنسوب للواقدي وغيرها. وسائر ما قاموا به ضد الدول المُأَسْلَمة المعرَّبة فهو مسطور في كتبهم التاريخية.

 

أول المواضع التي هاجم أصوليو المسلمين القدماء أهلها من الشام هي عمان_الأردن، فليت أهلها يتذكرون أجدادهم وحقهم التاريخي فيربؤون عن ديانة الإجرام

 

يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان:

 

البَلْقَاءُ:

كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى، قصبتها عمّان وفيها قرى كثيرة ومزارع واسعة، وبجودة حنطتها يضرب المثل

 

أُبْنَى:

موضع بالشام من جهة البلقاء، جاء ذكره في قول النبي ص لأسامة ابن زيد حيث أمره بالمسير إلى الشام وشنّ الغارة على أبنى. وفي كتاب نصر أبنى قرية بمؤتة.

 

مؤتة: أدنى البلقاء، والبلقاء دون دمشق.

 

 

 

 

عن آخر وصية لمحمد وموته والأحداث بعد موته

 

حتى آخر يوم في حياة محمد ظل كارهًا لإخوانه في الإنسانية من غير عرب شبه الجزيرة العربية ومن غير أتباعه، وأبى إلا أن يحرض ضد مسيحيي ويهود الجزيرة العربية من العرب آمرًا بالتهجير القسري العنصري ضدهم:

 

4431 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، فَقَالَ: «ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»، فَتَنَازَعُوا وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ، أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ؟ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ» وَأَوْصَاهُمْ بِثَلاَثٍ، قَالَ: «أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَأَجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ» وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَ فَنَسِيتُهَا

 

ورواه مسلم 1637 وأحمد 1935

 

وروى البخاري:

 

3453 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالاَ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ، وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا

 

ورواه غيره من أصحاب الحديث.

 

وروى مسلم:

 

1767- وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ (ح) وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، يَقُولُ : أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لاَ أَدَعَ إِلاَّ مُسْلِمًا.

 

1765- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَاهُمْ ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَادَاهُمْ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ يَهُودَ ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا ، فَقَالُوا : قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَلِكَ أُرِيدُ ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا ، فَقَالُوا : قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَلِكَ أُرِيدُ ، فَقَالَ لَهُمُ الثَّالِثَةَ : فَقَالَ : اعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ ، وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.

 

ولعل هذا الحدث العنصري يتعلق ببني قينقاع.

 

1766- وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ : حَدَّثَنَا ، وقَالَ إِسْحَاقُ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ ، وَقُرَيْظَةَ ، حَارَبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا ، وَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ ، بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ ، وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ ، وَكُلَّ يَهُودِيٍّ كَانَ بِالْمَدِينَةِ.

وروى أحمد بن حنبل:

 

26352 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ " لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ "

 

وهذا أصله في السيرة لابن هشام ج4، وأخرجه الطبري في "تاريخه" 3/214-215، والطبراني في "الأوسط" (1070) من طريق محمد بن سَلَمة، كلاهما، عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد. وأخرجه مالك في "الموطأ" 2/982- ومن طريقه ابن سعد 4/252 - وعبد الرزاق (9987) و (19368) عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنه سمع عمر ابن عبد العزيز يقول: كان آخِرُ ما تكلم به رسول الله...، وأخرجه مالك أيضاً 2/892 عن ابن شهاب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"..، وأخرجه عبد الرزاق (9984) و (19367) عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب قال: "لا يجتمع دينان"....

 

1691 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ شِرَارَ النَّاسِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"

 

1691 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ شِرَارَ النَّاسِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"

 

إسناده صحيح، وأخرجه الدارمي (2498) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" 4/57، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (235) و (236) ، والبزار (439- كشف الأستار) ، وأبو يعلى (872) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 4/12، والبيهقي 9/208 من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد، وبعضهم يرويه مختصراً. وأخرجه الطيالسي (229) ، والحميدي (85) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" 4/57، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 4/12 و13، والشاشي (264) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (596) من طرق عن إبراهيم بن ميمون، به. وأحمد برقمي (1694) و (1699).

1699 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ، مَوْلَى آلِ سَمُرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: إِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ "

 

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه:

 

مَنْ قَالَ : لاَ يجتمِع اليهود والنّصارى مع المسلِمِين فِي مِصرٍ.

 

33661- حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ ، قَالَ : أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.

 

33662- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ : إنَّ آخِرَ كَلاَمُ تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ قَالَ : أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَأَهْلَ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.

 

وهكذا أخرج عمر كل غير المسلمين من شبه الجزيرة العربية، من المسيحيين واليهود والزردشتيين المجوس والصابئة المندائين، أما وثنيو العرب المؤمنون بتعدد الآلهة فلم يكن لهم سوى الإبادة أو اتباع الإسلام.

 

ووقع في السنن الكبرى للبيهقي:

 

18168-.....فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غشوا المسلمين وألقوا بن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كان له سهم من خيبر فليحضر حتى نقسمها بينهم فقسمها بينهم فقال رئيسهم لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه لرئيسهم أتراه سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما وقسمها عمر رضي الله عنه بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية

 

وفي تاريخ المدينة لابن شبة:

 

حَدَّثَنَا الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: «خَيْبَرُ كَانَ بَعْضُهَا عَنْوَةً، وَبَقِيَّتُهَا صُلْحًا، وَالْكَثِيبَةُ أَكْثَرُهَا عَنْوَةً، وَفِيهَا صُلْحٌ» قَالَ مَالِكٌ: أَوَّلُ مَنْ جَلَّى أَهْلَ خَيْبَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ رَئِيسٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ: أَتُجَلِّينَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتُرَانِي نَسِيتُ قَوْلَهُ: كَيْفَ بِكَ لَوْ قَدْ رَقَصَتْ بِكَ قَلُوصُكَ نَحْوَ الشَّامِ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَذَبْتَ، كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَفَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ

 

ويقول ابن أبي شيبة:

 

38170- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : كَتَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ وَهُمْ نَصَارَى : أَنَّ مَنْ بَايَعَ مِنْكُمْ بِالرِّبَا ، فَلاَ ذِمَّةَ لَهُ.

 

38171- حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ؛ أَنَّ عُمَرَ أَجْلَى أَهْلَ نَجْرَانَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، وَاشْتَرَى بَيَاضَ أَرْضِهِمْ وَكُرُومِهِمْ...إلخ

38172- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ سَالِمٍ ، قَالَ : كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ قَدْ بَلَغُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، قَالَ : وَكَانَ عُمَرُ يَخَافُهُمْ أَنْ يَمِيلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَتَحَاسَدُوا بَيْنَهُمْ ، قَالَ : فَأَتَوْا عُمَرَ ، فَقَالُوا : إِنَّا قَدْ تَحَاسَدْنَا بَيْنَنَا فَأجِّلْنَا ، قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا أَنْ لاَ يُجْلُوا ، قَالَ : فَاغْتَنَمَهَا عُمَرُ فَأَجَلاَهُمْ ، فَنَدِمُوا ، فَأَتَوْهُ ، فَقَالُوا : أَقِلْنَا ، فَأَبَى أَنْ يُقِيلَهُمْ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ أَتَوْهُ ، فَقَالُوا : إِنَّا نَسْأَلُك بِخَطِّ يَمِينِكَ ، وَشَفَاعَتِكَ عِنْدَ نَبِيِّكَ إِلاَّ أَقَلْتَنَا ، فَأَبَى ، وَقَالَ : وَيْحَكُمْ ، إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الأَمْرِ.

قَالَ سَالِمٌ : فَكَانُوا يَرَوْنَ ، أَنَّ عَلِيًّا لَوْ كَانَ طَاعِنًا عَلَى عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ ؛ طعَنْ عَلَيْهِ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ.

 

22438- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ ، عَنْ عَامِرٍ ، قَالَ : قرَأْت كِتَابَ أَهْلِ نَجْرَانَ فَوَجَدْت فِيهِ إِنْ أَكَلْتُمَ الرِّبَا فَلاَ صُلْحَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يُصَالِحُ مَنْ يَأْكُلُ الرِّبَا.

 

32667- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الأَعْمَشِ , عَنْ سَالِمٍ , قَالَ : جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كِتَابُك بِيَدِكَ وَشَفَاعَتُك بِلِسَانِكَ , أَخْرَجَنَا عُمَرُ مِنْ أَرْضِنَا فَارْدُدْنَا إلَيْهَا , فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ : وَيْحَكُمْ , إنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الأَمْرِ , وَلا أُغَيِّرُ شَيْئًا صَنَعَهُ عُمَرُ , قَالَ الأَعْمَشُ , فَكَانُوا يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَى عُمَرَ شَيْءٌ لاغْتَنَمَ هَذَا عَلِيٌّ.

 

بل وليعطوا لأنفسهم تبريرًا كافيًا تجرؤوا على تأليف حديث موضوع بمقاس تفصيل كالترزية الخياطين:

 

33662- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ : إنَّ آخِرَ كَلاَمُ تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ  قَالَ : أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَأَهْلَ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.

 

ويقول محمد بن سعد في الطبقات الكبير ج1/ وفد نجران:

 

وأقام أهل نجران على ما كتب لهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قبضه الله. صلوات الله عليه ورحمته ورضوانه وسلامه. ثم ولي أبو بكر الصديق فكتب بالوصاة بهم عند وفاته. ثم أصابوا ربا فأخرجهم عمر بن الخطاب من أرضهم وكتب لهم: هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران من سار منهم إنه آمن بأمان الله لا يضرهم أحد من المسلمين. وفاء لهم بما كتب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر. أما بعد فمن وقعوا به من أمراء الشأم وأمراء العراق فليوسعهم من جريب الأرض. فما اعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة وعقبة لهم بمكان أرضهم لا سبيل عليهم فيه لأحد ولا مغرم.

أما بعد فمن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم. فإنهم أقوام لهم الذمة وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرا بعد أن تقدموا ولا يكلفوا إلا من ضيعتهم التي اعتملوا غير مظلومين ولا معنوف عليهم. شهد عثمان بن عفان. ومعيقب بن أبي فاطمة. فوقع ناس منهم بالعراق فنزلوا النجرانية التي بناحية الكوفة.

 

القصص والمزاعم متناقضة في التبرير فإحداها تزعم أنهم هم من طلبوا أن يتم طردهم وجرؤهم وهو كلام لا يعقله عاقل! والأخرى أنهم تعاملوا بالربا أو الفائدة وهو تبرير سخيف وضيع لطرد ناس من وطنهم.

 

من هنا نقول: أما عمر بن الخطاب ثاني خلفاء المسلمين فكان أسوأ من محمد وأكثر عنصرية وإرهابًا وضيقًا بمن يختلف في الدين لدرجة أنه قام بترحيل مسيحيين نجران إلى الكوفة بالعراق بدعوى أنهم تعاملوا بالربا في إقراض المسلمين، وهي دعوى سخيفة وتبريرية لتهجير أقوام عن أوطانهم وإلغاء للتنوع البشري من حاكم شمولي دكتاتور دموي فاتح ناهب لا يحب المختلفين وأصحاب العقائد الأخرى ولعله كان يود لو يبيد كل غير المسلمين من على وجه الأرض بالتقتيل لولا أن الإسلام لا يسمح له بالتمادي في الإبادة مع أهل الكتاب والمجوس، بل مع الوثنيين فقط يسمح له بالأفعال الإجرامية التي يهواها بصورة تامة. وحقيقة لا يوجد مبرر على وجه الأرض لتهجير فئة من الناس عن أوطانهم لاختلاف الدين أو العرق أو غيرها.

ومن تلك السيرة الإجرامية لمحمد استخرج الفقهاء نهجًا عنصريًّا فهم يرون أنه من الشريعة طرد غير المسلمين من بيوتهم وأوطانهم بأسلوب التفرقة العنصرية على غرار النازية والصهيونية والأبارت هيد في جنوب أفريقيا. كما اقتبسنا في غزوة خيبر من كتاب (زاد المعاد).

 

وإذا كان إكرام الميت سرعة دفنه، فبعد موت محمد تركه أتباعه ثلاثة أيام وليلتين مهملة جثته حتى انتفخت، لأنهم انشغلوا بالجدال والتنازع على من له حق تملك الخلافة الإسلامية:

 

روى أحمد بن حنبل:

 

24790 - حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُرَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ "

 

24333 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِي مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ "، قَالَ مُحَمَّدٌ: " وَالْمَسَاحِي: الْمُرُورُ "

 

وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (4300) من طريق الإمام أحمد ، بهذا الإسناد، وقال: لم يرو هذا الحديث عن هُريْم بن سفيان إلا الأسود بن عامر. وأخرجه مرسلاً ابن سعد 2 / 305 ، وابن عبد البر في "التمهيد" 24 / 396 من طريق شريك بن أبي نمر ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين ، ودفن يوم الثلاثاء. وأخرجه مالك في "الموطأ" 1 / 231 أنه بلغه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء.

 

ووقع في السيرة لابن إسحاق برواية ابن هشام/ ج4:

 

قال ابن إسحاق: وقال الزهريُّ: حدثني أنس بن مالك: أنه لما كان يوم الاثنين الذي قَبض الله فيه رسوله...إلخ

 

فلما فُرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ الثلاثاء، وُضع في سريره في بيته، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه. فقال قائل: ندفنه في مسجده، وقال قائل: بل ندفنه مع أصحابه، فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ما قُبض نبى إلا دُفن حيث يُقبض. فرُفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تُوفي عليه، فحُفر له تحته، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرْسالا، دخل الرجال، حتى إذا فرغوا أدخل النساء، حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان. ولم يَؤُم الناسَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدٌ. ثم دُفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط الليل ليلة الأربعاء.

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن امرأته فاطمة بنت عمارة، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن عائشة رضى الله عنها: جوف الليل من ليلة الأربعاء.

 

وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. عليّ بن أبي طالب والفضلُ بن عباس، وقُثَم بن عباس، وشُقْران مولى رسول الله...إلخ

 

وعن تعفن جثة محمد وبدء انتفاخها، رغم مزاعم المسلمين بعدم بلاء وتحلل أجساد الأنبياء وبعض الشهداء والصالحين التي سننتقدها في الجزء الثاني، روى الدارمي في سننه (من أساتذة كل أصحاب الحديث المشاهير):

 

83 - أخبرنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الإثنين فحبس بقية يومه وليلته والغد حتى دفن ليلة الأربعاء وقالوا ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يمت ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى فقام عمر فقال ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يمت ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى والله لا يموت رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم فلم يزل عمر يتكلم حتى أزبد شدقاه مما يوعد ويقول فقام العباس فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد مات وإنه لبشر وإنه يأسن كما يأسن البشر أي قوم فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على الله من ان يميته إماتتين أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين وهو أكرم على الله من ذلك أي قوم فادفنوا صاحبكم فإن يك كما تقولون فليس بعزيز على الله أن يبحث عنه التراب...إلخ

 

وأورد الذهبي في تاريخ الإسلام له وفي سير أعلام النبلاء:

 

عليّ بْن خَشْرم: حدثنا وكيع، عَنْ إسماعيل بْن أَبِي خَالِد، عَنْ عَبْد الله البهيّ أنّ أبا بَكْر الصديق جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاته، فأكبّ عَليْهِ فقبّله وقال: بأبي وأميّ، ما أطيب حياتك ومماتك. ثمّ قَالَ البهي: وكان النبي تُرِك يومًا وليلة حتى ربَا بطنُه وأنثنت خِنْصراه. قَالَ ابن خشرم: فلمّا حدّث وكيع بهذا بمكة اجتمعت قريش وأرادوا صَلْبه، ونصبوا خشبة ليصلبوه، فجاء ابن عُيَيْنَة فقال لهم: الله الله، هذا فقيه أهل العراق وابن فقيهه، وهذا حديث معروف. قَالَ: ولم أكن سمعته، إلا أنّي أردت تخليص وكيع.

قَالَ ابن خشرم: سمعته مِن وكيع بعدما أرادوا صلبه، فتعجّبت مِن جسارته، وأُخْبِرتُ أنّ وكيعًا احتجّ فقال: إنّ عِدّةً مِن الصحابة منهم عُمَر قَالُوا: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت، فأحبّ الله أن يُريهم آية الموت.

 

ووقع في الطبقات الكبير لابن سعد:

 

أخبرنا محمد بن عمر، حدثني قيس، يعني بن الربيع، عن جابر عن القاسم بن محمد قال: لم يدفن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى عرف الموت فيه في أظفاره اخضرت.

وإذا كانوا رفضوا الواقدي (محمد بن عمر)، فلا يستطيعون رفض وكيع راوي الأحاديث وهو من مصادرهم الأساسية ومضرب المثل عندهم في الحفظ والإتقان والأمانة في رواياته لدرجة قول بيت الشعر فيه: شكوتُ لوكيع سوءَ حفظي...إلخ

 

وهذه القصة وردت كذلك في إحياء علوم الدين للغزالي

 

وعن التنازع بين المهاجرين القرشيين وسكان يثرب الأصليين اليثاربة روى البخاري:

 

3668 -......قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلاَمًا قَدْ أَعْجَبَنِي، خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلاَمِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، فَقَالَ حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، هُمْ أَوْسَطُ العَرَبِ دَارًا، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ، أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا، وَخَيْرُنَا، وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَهُ اللَّهُ ".

 

6830 - حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنَ المُهَاجِرِينَ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اليَوْمَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَلْ لَكَ فِي فُلاَنٍ؟ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ العَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا، وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أَهْلُ العِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ. إلخ الحديث

 

.....ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَلاَ يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ، أَلاَ وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلاَ يُبَايَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا، وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ المُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ، لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ القَوْمُ، فَقَالاَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالاَ: لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَقْرَبُوهُمْ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ رَهْطٌ، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا، وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ. فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الحَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي، إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا حَتَّى سَكَتَ، فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ العَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ، وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي، لاَ يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ المَوْتِ شَيْئًا لاَ أَجِدُهُ الآنَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا المُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا المُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الِاخْتِلاَفِ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ المُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الأَنْصَارُ. وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا القَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ: أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لاَ نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَلاَ يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ

 

هذا التنازع يدل على عدم وجود نص حقيقي من محمد بأن الخلافة تكون في قريش فقط، فهذا حديث صحيح متواتر بكذب سني متواتر في كتب الأحاديث لا أكثر ولا أقل، خاصة أن الفريقين المهاجرين واليثاربة الأنصار كانوا مطيعين طاعة عمياء تامة كالمقادين للإسلام وتعاليم محمد. وإذا كان هذا الصراع قد مر بسلام لأن الأنصار قوم طيبون غير ذوي طمعة ولا أثرة وأنانية، فإن الصراع على السلطة سرعان ما استعر والتهب، واقتتل المسلمون رغم نهي محمد عن ذلك وقاتلوا وقتلوا بعضهم فقتل عثمان على يد الخارجين عليه من كارهي أسلوب إدراته للدولة وفسادها والمعارضين له وفيهم بعض الصحابة كمحرضين كما تحكي كتب تاريخهم، ثم حدثت معركة الجمل وصفين الكبيرة بين علي ومعاوية، ولدينا ثلاثة خلفاء صحابة لمحمد ماتوا مقتولين لأن الإسلام لم يزرع حبًّا وسلامًا وإخاءً إنسانيًّا بل شرًّا وقسوة وأمراضَا نفسية، فعمر قتله أبو لؤلؤة وكان من المستعبدين السبي من إيران فارس وانتقم لنفسه وقومه، وأما عثمان وعلي فكان قتلهما بيد المسلمين الخارجين عليهما، وكل التاريخ الإسلامي مليء بسفك الدم عدم وجود تداول سلمي للسلطة بل تؤخذ عبر الصراع على السلطة والحكم، فانظر كل كتبهم التاريخية كالطبري والكامل في التاريخ والمنتظم والبداية والنهاية وكتب تاريخ الأندلس وكل كتبهم عمومًا التاريخية، وكتب نقد تاريخهم مثل الفتنة الكبرى لطه حسين والاستبداد من الخلافة إلى الرئاسة لمحسن عبد العزيز_دار الدار، وغيرها من كتب في نقد التاريخ الإسلامي. لقد كان المسلمون الأوائل العرب كالنار تأكل بعضها بعضًا إن لم تجد ما تأكله، وإن أحد ناصحي عثمان بن عفان نصحه لكن متأخرًا جدًّا بما كنا يجب عليه فعله وهو كالتالي: "فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ: رَأْيِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَأْمُرَهُمْ بِجِهَادٍ يَشْغَلُهُمْ عَنْكَ، وَأَنْ تَجْمُرَهُمْ فِي الْمَغَازِي حَتَّى يَذِلُّوا لَكَ فَلا يَكُونُ هِمَّةُ أَحَدِهِمْ إِلا نَفْسَهُ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ دُبْرَةِ دَابَّتِهِ، وَقَمْلِ فَرْوِهِ" للفتوحات ومحاربة الروم وما شابه، كما ورد في كتب التاريخ كالطبري. فأصوليو الإسلام إن لم يصر هواهم ومقدرتهم قتال وإفناء غيرهم من غير المسلمين ونهبهم وأسلمتهم، صار قصارى جهدهم محاربة بعضهم على أساس السلطة أو على أساس الانتماء القبلي والعرقي (كما حدث في عصر معاوية بن أبي سفيان) وكما حدث في المغرب العربي والأندلس، فإن لم يكن تصارعوا وتقاتلوا واضطهدوا بعضهم الآخر على أساس اختلاف المذهب وتكفيرهم لبعضهم الآخر فهذا سني ناصبي وهذا شيعي رافضي وهذا إسماعيلي مكفَّر وهذا قرآني أو معتزليّ...إلخ وبرأيي التاريخ الإسلامي هو أعراض مرض وبيل اسمه الإسلام، عسى العرب والشرقيين يستأصلون مرضهم بشأفته وجذوره.

 

 

 

 

 

 

 

هكذا تبعًا لأوامر محمد اكتسح المسلمون العالم، ناهبين مخربين محتلين فارضين الجزية والنهب على الشعوب الأخرى، ومن قاومهم كانوا _على طريقة الفرس والروم والآشوريين القدماء_ ينكلون به ويبيدون رجاله ويكثرون سفك الدماء، ويستعبدون النساء والأطفال، وهي المسائل التاريخية التي ناقشتها كتب أخرى ناقدة لتاريخ الإسلام نتمنى أن يتزامن نشري لهذا الكتاب مع تقديمها للقراء... لمن لا زالوا يقرؤون في بلدان ساد بها الجهل.

خرائط لأسماء الأماكن وتوزع القبائل القديمة

في زمن محمد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة

وبعد، فقد استعرضنا في هذا الكتاب التاريخ والطابع الإرهابي الإجرامي لديانة الإسلام، وارتكاب محمد وأتباعه لحروب وجرائم باسم التعصب والإكراه الديني، وأعمال قتل وإبادة، وقتل أسرى، ونهب وسلب غارات وقطع طرق، وسبي واستعباد لنساء وأطفال، وقتل لشيوخ وعجائز كبار السن، تحت ستار مبررات دينية خرافية، وعنصرية وعنف ضد المسيحيين واليهود وغيرها من أفعال همجية هي من أساس تعاليم القرآن وأفعال محمد، وجوهر سيرته الدموية الإجرامية، وقد كتبت هذا الكتاب المطول مع شواهد الأحاديث من كتبها السنية مما زاده طولًا، فلم أكتفِ بنصوص كتب السيرة، شارحًا واحدًا من الأسباب الرئيسية لتركي وهجري لهذه الديانة والخرافة الشمولية الإرهابية، فأي إنسان شريف متحضر منصف مؤمن بالكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان والأخلاق النبيلة سيربأ بنفسه سواء عن توراة اليهود والمسيحيين، أو قرآن المسلمين وسيرة مؤسس دينهم. لا زال علي_بعد إنهائي هذا الجزء الأول من كتابي_ عمل جزء ثانٍ فيه نقد لنصوص الإسلام من قرآن وأحاديث عمومًا، ما دمت قد انتهيت من عرض سيرة محمد وكيفية نشره لدينه وفكره وتأسيسه للخلافة العربية القرشية الإسلامية عبر الممارسات الإرهابية والإبادة والنهب والنخاسة والاستعباد.

 

إن من يقرأ التاريخ الإسلامي بعد محمد يجده قد سار على نفس النهج والخطة، أنهار وبحور من الدماء، ومجازر لا حصر لها، لإبادة مانعي دفع الزكاة المسلمين الرائين حصرها في القبائل، ومتبعي مدعي النبوة المنافسين الآخرين كمسلمة الحنفي (وادعاؤه للنبوة كما سنذكر في الجزء الثاني/ باب مصادر الإسلام كان أسبق من ادعاء محمد) والأسود العنسي وسجاح المتنبئة (بعد محمد، فقد صار الرجل ظاهرة وغير مناخ الفكر في كل جزيرة العرب ولم يعد من الممكن حقيقة إلى حد كبير عودة الوثنية والدين البدائي الأقدم للعرب آنذاك). حروب رهيبة وتقتيل وسبي، وتقطيع أبي بكر لأيدي نساء وفتيات لأنهن خضبنها بالحناء فرحًا بموت محمد بصورة وحشية همجية، ثم كما نقرأ في كتب تاريخهم استمر نفس النهج الإجرامي المحمدي لنهب واحتلال دول كثيرة كانت لا حول لها ولا قوة في معظمها بلا تنظيم عسكري أو جيش كالقبط المصريين والبربر، واستغلالها وسحب خيراتها وأسلمتها وتعريبها لتسهيل خضوعها (نفس إستيراتيجية التنصير في أفريقيا من أوربا)، مع النهب وفرض الجزية الإتاوة على النفوس وخراج الأراضي، وسبي نساء وفتيات وأطفال المناطق التي قاومتهم من العوام وبنات وقريبات الملوك والقادة، وغيرها من أفعال إجرامية بدوية حقيرة تخريبية ولصوصية ونخاسية قوادية.

 

في كل تاريخهم نفس السيرة سواء "الراشدة" غير الرشيدة أو الأموية أو العباسية أو الأيوبية أو المملوكية أو العثمانية أو في الأندلس أو في الهند وغير ذلك، سواء كانوا فاتحين عربًا أم مغولًا أم أفغانًا أم أتراكًا، ولعل الفرص تواتيني فأرفع للقراء الكرام مكتبتي ومنها قسم نقد تاريخ الإسلام، وبه كتب كشدو الربابة في أحوال دولة الصحابة، وفتح مصر لسناء المصري، والفتوحات العربية في روايات المغلوبين، و الاستبداد من الخلافة إلى الرئاسة، وغيرها. وكذلك كتب التاريخ الإسلامي نفسها وما فيها من سرد للتاريخ الإجرامي الإسلامي. أود هنا الإشارة لنقطة مهمة للتوازن في موقفي كملحد عقلاني عربي وإنسان قبل أن أكون عربيًّا: ما لا أقبله من المسلمين تاريخيًّا أو في العصر الحديث ضد غيرهم، لا أقبله من غير المسلمين ضد الأبرياء من المسلمين كبوسنيا والهرسك وشيشانيا وفلسطين والعراق.

 

أتمنى أن أكون قد أتممت هذا الجزء/ الكتاب المنفصل في نفس الوقت على نحوٍ مُرضٍ وموثَّق وموضِّح.

 

تحياتي لكل من يستخدمون عقولهم ويحترمونها، الذين لا يخشون مواجهة الحقائق وتقبل الحق بأمانة، الذين لا تتغاضى نفوسهم الكريمة الأبية غير المقادة كقطيع عن الازدواجية في الأخلاق والدموية والعنف والشر، الذين يقبلون ويرفضون على أساس الحس الأخلاقي الإنساني المشترك السليم. فلا يتشوش لديهم بدعاوى خرافية لأن الأخلاق موضوعية التعريف وليس ذاتية تحددها لنا جماعة دينية أو إله مزعوم لتشوهها وتجعل الأفعال الإجرامية المنحطة الشريرة على أنها أفعال خيرة وقربى لإله وجنة وهمية مزعومة.

 

تحياتي للعقلانيين....الملحدين كما يسمونهم، كونوا صافي النفوس والنفسيات يا ملحدي العرب وأقوياء ذوي صلابة في إعلان كلمات الحقائق على كل الأصعدة التاريخية والعلمية، عالجوا نفوسكم من رواسب الإسلام والأسلمة التي شوهت نفوسكم وكونوا ملحدين حقيقيين. أما ملحدو الغرب فأتمنى منهم مصالحة الغرب على الشرق عبر جهودهم.

 

عسى السلام والخير والازدهار يعم يومًا كل بني البشر والحيوان والنبات. ولو أني أرى طابع البشر أقرب إلى السعار والجنون لكن عليهم التغلب على طباع الوحشية والبدائية.

 

 

 

 

 

 

ملاحق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في ذكر مكانة ابن إسحاق عند المسلمين

 

تعمدت في بحثي هذا أن آتي بشواهد كثيرة من كتب الحديث لتوثيق كلام ابن إسحاق والواقدي وتأكيده. يلوح لي أن أحد أهم أسباب كره ابن إسحاق من بعض الأئمة كمالك بن أنس هي كراهية شخصية له لكلام كان بينهما نذكره، وكونه لم يكن ينتقي أو يغربل أحاديثه بل يرويها بلا تمييز تقريبًا وقد يندس فيها الخطأ أو التشيع أو جهالة أشخاص بدون اسم في السند، ويكفي شهادة لابن إسحاق أن البخاري ومسلم وإن لم يخرجوا له أحاديث لكن أخرجوا له في المتابعات والأحاديث المعلقة بعض رواياته التاريخية في الصحيحين، وقد سماه العلماء كابن كثير بلقب أمير المؤمنين في المغازي، وروى عنه أحمد بن حنبل وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة وغيرهم.

 

فمما ورد في صحيح البخاري:

 

663 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَالَ وحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ ابْنُ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاثَ بِهِ النَّاسُ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا الصُّبْحَ أَرْبَعًا تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ فِي مَالِكٍ * وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ *وَقَالَ حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ عَنْ حَفْصٍ عَنْ مَالِكٍ

 

1468 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا * تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ * وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا * وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ حُدِّثْتُ عَنِ الْأَعْرَجِ بِمِثْلِهِ

 

1774 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَالَ لَا بَأْسَ قَالَ عِكْرِمَةُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ مِثْلَهُ

 

بَابُ مَا يُنْهَى مِنْ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَا تَلْبَسْ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ

1838 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْوَرْسُ وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ * تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ وَجُوَيْرِيَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ فِي النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَلَا وَرْسٌ وَكَانَ يَقُولُ لَا تَتَنَقَّبْ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا تَتَنَقَّبْ الْمُحْرِمَةُ * وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ

 

بَاب تَفْسِيرِ الْعَرَايَا وَقَالَ مَالِكٌ الْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ الْعَرِيَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْكَيْلِ مِنْ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ لَا يَكُونُ بِالْجِزَافِ وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِالْأَوْسُقِ الْمُوَسَّقَةِ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَتْ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنْ التَّمْرِ

2192 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَالْعَرَايَا نَخَلَاتٌ مَعْلُومَاتٌ تَأْتِيهَا فَتَشْتَرِيهَا

2383 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إِلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي بُشَيْرٌ مِثْلَهُ

2709 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ تُوُفِّيَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَرَضْتُ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا التَّمْرَ بِمَا عَلَيْهِ فَأَبَوْا وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ فِيهِ وَفَاءً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إِذَا جَدَدْتَهُ فَوَضَعْتَهُ فِي الْمِرْبَدِ آذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ ادْعُ غُرَمَاءَكَ فَأَوْفِهِمْ فَمَا تَرَكْتُ أَحَدًا لَهُ عَلَى أَبِي دَيْنٌ إِلَّا قَضَيْتُهُ وَفَضَلَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَسْقًا سَبْعَةٌ عَجْوَةٌ وَسِتَّةٌ لَوْنٌ أَوْ سِتَّةٌ عَجْوَةٌ وَسَبْعَةٌ لَوْنٌ فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَضَحِكَ فَقَالَ ائْتِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَخْبِرْهُمَا فَقَالَا لَقَدْ عَلِمْنَا إِذْ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَنَعَ أَنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا بَكْرٍ وَلَا ضَحِكَ وَقَالَ وَتَرَكَ أَبِي عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا دَيْنًا وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ

كِتَاب الْمَغَازِي

بَاب غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ أَوْ الْعُسَيْرَةِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَبْوَاءَ ثُمَّ بُوَاطَ ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ

3949 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقِيلَ لَهُ كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ قِيلَ كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ قَالَ سَبْعَ عَشْرَةَ قُلْتُ فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ قَالَ الْعُسَيْرَةُ أَوْ الْعُشَيْرُ فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ فَقَالَ الْعُشَيْرُ

بَاب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ وَمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ وَمَا أَرَادُوا مِنْ الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا } وَجَعَلَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَأُحُدٍ

 

بَاب غَزْوَةِ الرَّجِيعِ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبِئْرِ مَعُونَةَ وَحَدِيثِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ

 

4125 - قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ و قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ السَّابِعَةِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَوْفَ بِذِي قَرَدٍ وَقَالَ بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ جَابِرًا حَدَّثَهُمْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ يَوْمَ مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ سَمِعْتُ جَابِرًا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ فَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ وَأَخَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْ الْخَوْفِ وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سَلَمَةَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقَرَدِ

 

 

بَاب غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَانَ حَدِيثُ الْإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ

 

بَاب قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأَغَارَ وَأَصَابَ مِنْهُمْ نَاسًا وَسَبَى مِنْهُمْ نِسَاءً

 

وغيرها من عناوين أبواب للبخاري وبعض المتابعات والشواهد التي أشار إليها لتأكيد أحاديثه من خلال روايات ابن إسحاق، وعند مسلم في صحيحه:

 

[ 480 ] حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع ح وحدثني عيسى بن حماد المصري أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب ح قال وحدثني هارون بن عبد الله حدثنا بن أبي فديك حدثنا الضحاك بن عثمان ح قال وحدثنا المقدمي حدثنا يحيى وهو القطان عن بن عجلان ح وحدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثنا بن وهب حدثني أسامة بن زيد ح قال وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا حدثنا إسماعيل يعنون بن جعفر أخبرني محمد وهو بن عمر ح قال وحدثني هناد بن السري حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق كل هؤلاء عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي إلا الضحاك وابن عجلان فإنهما زادا عن بن عباس عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قالوا نهاني عن قراءة القرآن وأنا راكع ولم يذكروا في روايتهم النهي عنها في السجود كما ذكر الزهري وزيد بن أسلم والوليد بن كثير وداود بن قيس

 

[ 873 ] وحدثنا عمرو الناقد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت لقد كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين أو سنة وبعض سنة وما أخذت { ق والقرآن المجيد }  إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس

 

[ 1199 ] وحدثنيه فضل بن سهل حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن إسحاق عن نافع وعبيد الله بن عبد الله عن بن عمر رضى الله تعالى عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خمس لا جناح في قتل ما قتل منهن في الحرم فذكر بمثله

 

[ 1656 ] وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا حماد عن أيوب ح وحدثنا يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن بن عمر بهذا الحديث في النذر وفي حديثهما جميعا اعتكاف يوم

 

 

مما يدل على أنه ثقة خاصة في الأخبار التاريخية، بل ومستشهد به في متابعات الصحيحين لأحاديثهما، لكنه ضعيف من جهة علومهم الخاصة حسب تصورهم كعلم الإسناد ومن روى عن من وما شابه فلا يحتجون به في الأحكام، وفي نقدنا للإسلام هنا استعملناه كمرجع تاريخي معترف به عندهم فقط مع توثيقنا له بروايات الأحاديث المؤكدة لكلامه او معظم كلامه ورواياته، ولم ننتقد نصوصه من جهة نقد الأحكام والشرائع الإسلامية لكونه ليس هو المرجع لها.

 

ومما جاء في ترجمته وسيرته في سير أعلام النبلاء للذهبي:

 

محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، وقيل: ابن كوثان العلامة الحافظ الأخباري أبو بكر، وقيل: أبو عبد الله القرشي المطلبي مولاهم المدني، صاحب السيرة النبوية، وكان جده يسار من سبي عين التمر في دولة خليفة رسول الله [ ص: 34 ] - صلى الله عليه وسلم - وكان مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف - رضي الله عنه - ولد ابن إسحاق سنة ثمانين ورأى أنس بن مالك بالمدينة، وسعيد بن المسيب .

وحدث عن: أبيه وعمه موسى بن يسار، وعن أبان بن عثمان - فيما قيل - وعن بشير بن يسار، وسعيد بن أبي هند، وسعيد المقبري ، وأبي سفيان طلحة بن نافع، وعباس بن سهل بن سعيد، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعمرو بن شعيب ، ومحمد بن إبراهيم التيمي ، وأبي جعفر الباقر ، ومكحول الهذلي، ونافع العمري، وأبي سلمة بن عبد الرحمن - إن صح - وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، ومعبد بن كعب بن مالك، والزهري ، والقاسم بن محمد - فيما قيل - وعكرمة بن خالد المخزومي، وسعد بن إبراهيم ، وسعيد بن عبيد بن السباق.

وعاصم بن عمر بن قتادة
، وصدقة بن يسار، والصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث الهاشمي، وعباد بن الوليد بن عبادة، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وعبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي، وعبد الرحمن بن القاسم ، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن أبي أمامة بن سهل، ومحمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، ومحمد بن عمرو بن عطاء، ومحمد بن المنكدر ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، ونبيه بن وهب، ويزيد بن أبي حبيب، ويعقوب بن عتبة، وأبي عبيدة بن محمد بن عمار، ومحمد بن الزبير الحنظلي، وسليمان بن سحيم، وابن طاوس ، وخلق كثير، إلى أن ينزل إلى صالح بن كيسان، ومحمد بن السائب الكلبي ، وروح بن القاسم ، وشعبة وطائفة. [ ص: 35 ] وهو أول من دون العلم بالمدينة، وذلك قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحرا عجاجا، ولكنه ليس بالمجود كما ينبغي.

حدث عنه: يزيد بن أبي حبيب شيخه، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهما من التابعين وفاقا، وشعبة، والثوري ، والحمادان، وأبو عوانة، وهشيم، ويزيد بن زريع، وأبو شهاب الحناط ، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وزهير بن معاوية ، وموسى بن أعين ، وجرير بن حازم ، وجرير بن عبد الحميد ، وابن عون ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند - وهما أكبر منه - وسفيان بن عيينة ، وجرير بن عبد الحميد .

وحفص بن غياث
، وعبدة بن سليمان ، وأبو خالد الأحمر ، وابن إدريس، وابن نمير، وزياد البكائي، وسلمة الأبرش، وسعدان بن يحيى، وعبد الأعلى السامي، ومحمد بن سلمة الحراني، وابن فضيل، وابن أبي عدي ، ومحمد بن يزيد الواسطي، ويزيد بن هارون ، ويونس بن بكير ، ويعلى بن عبيد، وأخوه محمد بن عبيد، وعبد الرحمن بن مغراء، ويحيى بن سعيد الأموي، وأبو تميلة يحيى بن واضح ، وأحمد بن خالد الوهبي، وأمم سواهم يشق استقصاؤهم، ويبعد إحصاؤهم.

قال مصعب الزبيري: يسار مولى قيس بن مخرمة من سبي عين التمر، وهو أول سبي دخل المدينة من العراق.

وروى سلمة بن الفضل عن أبي إسحاق قال: رأيت أنس بن مالك عليه عمامة سوداء، والصبيان يشتدون، ويقولون: هذا رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يموت حتى يلقى الدجال.

محمد بن حميد: عن جرير قال: رأيت ابن إسحاق يخضب بالسواد.

قال المفضل الغلابي: سألت يحيى بن معين عن ابن إسحاق، فقال: كان ثقة، حسن الحديث: فقلت: إنهم يزعمون أنه رأى سعيد بن المسيب . [ ص: 36 ] فقال: إنه لقديم. وروى عباس عن يحيى، قال: قد سمع أبان بن عثمان ومن عطاء، ومن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، ومن القاسم، قال: وسمع من مكحول ومن عبد الرحمن بن الأسود .

قال ابن المديني، عن سفيان، عن الزهري، قال: لا يزال بالمدينة علم ما بقي هذا - عنى ابن إسحاق.

قال علي بن المديني : مدار حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ستة، فذكرهم، ثم قال: فصار علم الستة عند اثني عشر، أحدهم محمد بن إسحاق.

وقال نعيم بن حماد، عن سفيان قال: رأيت الزهري أتاه محمد بن إسحاق، فاستبطأه فقال له: أين كنت ؟ قال: وهل يصل إليك أحد مع حاجبك، قال: فدعا حاجبه، فقال له: لا تحجبه إذا جاء.

وقال: قال سفيان، قال أبو بكر الهذلي: سمعت الزهري يقول: لا يزال بالمدينة علم جم ما دام فيهم ابن إسحاق.

وقال علي: عن ابن عيينة، قال ابن شهاب، وسئل عن مغازيه، فقال: هذا أعلم الناس بها - يعني ابن إسحاق.

وروى حرملة عن الشافعي قال: من أراد أن يتبحر في المغازي، فهو عيال على محمد بن إسحاق.

وقال ابن أبي خيثمة : سألت يحيى بن معين عن ابن إسحاق، فقال:

قال عاصم بن عمر بن قتادة : لا يزال في الناس علم ما عاش محمد بن إسحاق.

ابن أبي خيثمة :
حدثنا هارون بن معروف، سمعت أبا معاوية يقول: [ ص: 37 ] كان ابن إسحاق من أحفظ الناس، فكان إذا كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر، فاستودعها عند ابن إسحاق قال: احفظها علي، فإن نسيتها كنت قد حفظتها علي.

قال الخليلي: قال ابن إدريس الحافظ: كيف لا يكون ابن إسحاق ثقة وقد سمع من الأعرج ، ويروي عنه، ثم يروي عن أبي الزناد عنه، ثم يروي عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عنه. ثم قال الخليلي: روى عن ابن إسحاق من أستاذيه: الزهري وصالح بن كيسان وعقيل ويونس.

وقال ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال - رأى ابن إسحاق مقبلا -: لا يزال بالحجاز علم كثير ما دام هذا الأحول.

النفيلي: عن عبد الله بن فائد، قال: كنا إذا جلسنا إلى محمد بن إسحاق، فأخذ في فن من العلم، قضى مجلسه في ذلك الفن.

قلت: قد كان في المغازي علامة.

قال الميموني: حدثنا أبو عبد الله بحديث استحسنه عن ابن إسحاق،

فقلت: يا أبا عبد الله ! ما أحسن هذه القصص التي يجيئ بها ابن إسحاق ! فتبسم إلي متعجبا.

ابن المديني: سمعت سفيان، وسئل عن ابن إسحاق: لم لم يرو أهل المدينة عنه ؟ فقال: جالست ابن إسحاق منذ بضع وسبعين سنة، وما يتهمه أحد من أهل المدينة، ولا يقول فيه شيئا. فقلت له: كان ابن إسحاق يجالس فاطمة بنت المنذر ؟ فقال: أخبرني أنها حدثته، وأنه دخل عليها.

قال محمد بن الذهبي هو صادق في ذلك بلا ريب. [ ص: 38 ]

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، سمعت يحيى بن سعيد يقول: سمعت هشام بن عروة يقول: تحدث ابن إسحاق عن امرأتي فاطمة بنت المنذر، والله إن رآها قط.

قلت: هشام صادق في يمينه، فما رآها، ولا زعم الرجل أنه رآها، بل ذكر أنها حدثته، وقد سمعنا من عدة نسوة وما رأيتهن. وكذلك روى عدة من التابعين عن عائشة، وما رأوا لها صورة أبدا.

قال عبد الله بن أحمد: فحدثت أبي بحديث ابن إسحاق ; فقال: ولم ينكر هشام ؟ لعله جاء، فاستأذن عليها، فأذنت له - يعني ولم يعلم.

قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن ابن إسحاق، فقال: هو حسن الحديث، ثم قال: وقال مالك، وذكره فقال: دجال من الدجاجلة.

قال الخطيب: ذكر بعضهم: أن مالكا عابه جماعة من أهل العلم في زمانه بإطلاق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والديانة والثقة والأمانة.

قلت: كلا، ما عابهم إلا وهم عنده بخلاف ذلك، وهو مثاب على ذلك، وإن أخطأ اجتهاده - رحمة الله عليه.

ثم قال الخطيب: أنبأنا البرقاني، حدثني محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك الآدمي، حدثنا محمد بن علي الإيادي، حدثنا زكريا الساجي، حدثني أحمد بن محمد البغدادي، حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فليح، قال: قال لي مالك: هشام بن عروة كذاب. قال أحمد - وهو الأثرم [ ص: 39 ] إن شاء الله -: فسألت يحيى بن معين ، فقال: عسى أراد في الكلام، أما في الحديث، فثقة، وهو من الرواة عنه.

قال: وقال إبراهيم بن المنذر: حدثني عبد الله بن نافع، قال: كان ابن أبي ذئب، وابن الماجشون ، وابن أبي حازم، وابن إسحاق يتكلمون في مالك، وكان أشدهم فيه كلاما محمد بن إسحاق، كان يقول: ائتوني ببعض كتبه حتى أبين عيوبه، أنا بيطار كتبه.

قال الخطيب: أما كلام مالك في ابن إسحاق فمشهور، وأما حكاية ابن فليح عنه في هشام بن عروة ، فليست بالمحفوظة، وراويها عن ابن المنذر لا يعرف.

قلت: فهي مردودة.

وقد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء لأشياء، منها: تشيعه، ونسب إلى القدر، ويدلس في حديثه، فأما الصدق، فليس بمدفوع عنه.

وقال البخاري : رأيت علي بن عبد الله يحتج بحديث ابن إسحاق. وذكر عن سفيان أنه ما رأى أحدا يتهمه.

قال: وقال إبراهيم بن المنذر: حدثنا عمر بن عثمان أن الزهري كان تلقف المغازي من ابن إسحاق فيما يحدثه عن عاصم بن عمر، والذي يذكر عن مالك في ابن إسحاق، لا يكاد يتبين، وكان إسماعيل بن أبي أويس من أتبع من رأينا لمالك، أخرج إلي كتب ابن إسحاق عن أبيه في المغازي وغيرها، فانتخبت منها كثيرا.

قال: وقال لي إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام، سوى المغازي. [ ص: 40 ]

قلت: يعني بتكرار طرق الأحاديث، فأما المتون الأحكامية التي رواها فما تبلغ عشر ذلك. وذكر البخاري هنا فصلا حسنا عن رجاله، وإبراهيم بن سعد، وصالح بن كيسان ، فقد أكثرا عن ابن إسحاق. قال البخاري : ولو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق، فلربما تكلم الإنسان، فيرمي صاحبه بشيء واحد، ولا يتهمه في الأمور كلها. قال: وقال إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح: نهاني مالك عن شيخين من قريش، وقد أكثر عنهما في " الموطأ " وهما ممن يحتج بهما، ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم، نحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة وفيمن كان قبلهم، وتناول بعضهم في العرض والنفس، ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة، والكلام في هذا كثير.

قلت: لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينهم وبينه شحناء وإحنة، وقد علم أن كثيرا من كلام الأقران بعضهم في بعض مهدر لا عبرة به ولا سيما إذا وثق [ ص: 41 ] الرجل جماعة يلوح على قولهم الإنصاف، وهذان الرجلان كل منهما قد نال من صاحبه، لكن أثر كلام مالك في محمد بعض اللين، ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة، وارتفع مالك، وصار كالنجم، والآخر، فله ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السير، وأما في أحاديث الأحكام، فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شذ فيه، فإنه يعد منكرا. هذا الذي عندي في حاله، والله أعلم.

قال يونس بن بكير : سمعت شعبة يقول: محمد بن إسحاق أمير المحدثين لحفظه.

وقال علي بن عبد الله: نظرت في كتب ابن إسحاق فما وجدت عليه إلا في حديثين، ويمكن أن يكونا صحيحين.

وقال بعض الأئمة: الذي يذكر عن هشام بن عروة من قوله: كيف يدخل على امرأتي ؟ لو صح هذا من هشام لجاز أن تكتب إليه فإن أهل المدينة يرون الكتاب جائزا ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب لأمير السرية كتابا، فقال له: " لا تقرأه حتى تبلغ موضع كذا وكذا " فلما بلغه قرأه وعمل به. وكذلك [ ص: 42 ] الخلفاء والأئمة يفضون بكتاب بعضهم إلى بعض. وجائز أن يكون سمع منها، وبينهما حجاب في غيبة زوجها.

قلت: ذاك الظن بهما كما أخذ خلق من التابعين عن الصحابيات، مع جواز أن يكون دخل عليها، ورآها وهو صبي، فحفظ عنها، مع احتمال أن يكون أخذ عنها حين كبرت وعجزت، وكذا ينبغي، فإنها أكبر من هشام بأزيد من عشر سنين، فقد سمعت من جدتها أسماء، ولما روت لابن إسحاق كان لها قريب من ستين سنة.

قال أبو زرعة الدمشقي: ابن إسحاق رجل قد اجتمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه، منهم: سفيان، وشعبة، وابن عيينة، والحمادان، وابن المبارك ، وإبراهيم بن سعد، وروى عنه من القدماء: يزيد بن أبي حبيب. وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا مع مدح ابن شهاب له، وقد ذاكرت دحيما قول مالك، فرأى أن ذلك ليس للحديث، إنما هو لأنه اتهم بالقدر. [ ص: 43 ]

وقال أبو إسحاق الجوزجاني: ابن إسحاق الناس يشتهون حديثه، وكان يرمى بغير نوع من البدع.

وقال سعيد بن داود الزبيري، عن عبد العزيز الدراوردي: كنا في مجلس ابن إسحاق نتعلم، فأغفى إغفاءة، فقال: إني رأيت في المنام الساعة: كأن إنسانا دخل المسجد ومعه حبل، فوضعه في عنق حمار فأخرجه. فما لبثنا أن دخل المسجد رجل معه حبل حتى وضعه في عنق ابن إسحاق فأخرجه، قال: فذهب به إلى السلطان فجلد. قال الزبيري: من أجل القدر.

وقال أبو العباس بن عقدة: حدثنا موسى بن هارون بن إسحاق، سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: كان ابن إسحاق يرمى بالقدر. وكان أبعد الناس منه.

وقال يعقوب بن شيبة: سمعت ابن نمير - وذكر ابن إسحاق - فقال: إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين، فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أتي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة.

قال إسحاق بن أحمد بن خلف، البخاري الحافظ: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: محمد بن إسحاق ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد.

وقال سليمان بن إسحاق الجلاب: سألت إبراهيم الحربي : تكلم أحد في ابن إسحاق ؟ فقال: أما سفيان بن عيينة فكان يقول - يعني عن الزهري -: [ ص: 44 ] لا يزال بالمدينة علم ما عاش هذا الغلام - يعني ابن إسحاق - ولكن حدثني مصعب قال: كانوا يطعنون عليه بشيء من غير جنس الحديث.

وقال يعقوب بن شيبة: سألت عليا: كيف حديث ابن إسحاق عندك، صحيح ؟ فقال: نعم، حديثه عندي صحيح. قلت: فكلام مالك فيه ؟ قال: مالك لم يجالسه ولم يعرفه، وأي شيء حدث به ابن إسحاق بالمدينة ؟ !

قلت: فهشام بن عروة قد تكلم فيه. فقال علي: الذي قال هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام، فسمع منها. إن حديثه ليتبين فيه الصدق. يروي مرة: حدثني أبو الزناد، ومرة ذكر أبو الزناد، ويروي عن رجل عمن سمع منه يقول: حدثني سفيان بن سعيد ، عن سالم أبي النضر ، عن عمير صوم يوم عرفة وهو من أروى الناس عن أبي النضر، ويقول: حدثني الحسن بن دينار، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب في سلف وبيع وهو من أروى الناس عن عمرو. [ ص: 45 ]

قال يعقوب الفسوي: قال علي: لم أجد لابن إسحاق إلا حديثين منكرين: نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا نعس أحدكم يوم الجمعة " والزهري ، عن عروة، عن زيد بن خالد " إذا مس أحدكم فرجه " هذان لم يروهما عن أحد، والباقون يقول: ذكر فلان، ولكن هذا فيه: حدثنا.

 

 

ومما وجدناه من رأي علماء الأحاديث فيه، ولو أن منهجهم وأفكارهم غير طريقة المؤرخين كابن إسحاق والواقدي والطبري، ننقل رأيهم فيه:

 

أقوال العلماء فيه:

تباينت أقوال العلماء في ابن إسحاق , وآراؤهم فيه ما بين مفرط في مدحه والثناء عليه , وبين معتدل في حكمه عليه , وبين مبالغ في اتهامه، فالثوري مثلاً يقول: " جالست ابن إسحاق منذ بضعة وسبعين سنة وما يتهمه أحد من أهل المدينة ولا يقول فيه شيئاً "(9).

وقال شعبة: " لو سود أحد في الحديث لسود ابن إسحاق "(10) وقال يحيى بن معين: " ثقة، وكان حسن الحديث "(11) قال الزهري: " لا يزال بالمدينة علم ما كان فيهم ابن إسحاق "(12) وقال عاصم بن عمر بن قتادة: " لا يزال في الناس علم ما عاش فيهم ابن إسحاق "(13) وقال أبو زرعة: " وقد اختبره أهل الحديث فرءوا صدقاً وخيراً "(14).

وقال ابن حبان: " كان يكتب عمن فوقه ومثله ودونه، ولو كان يتحمل الكذب لم يحتج إلى النزول فهذا يدل على صدقه(15) وقال العجلي: ثقة (16) وقال سفيان بن عيينة: أمير المؤمنين في الحديث (17).

أما من تكلموا فيه فمنهم مالك بن أنس الذي قال عنه: إنه كذاب(18) * وذكر يحيى بن معين عن يحيى القطان: أنه كان لا يرضى عن ابن إسحاق ولا يروي عنه(19) وقال أحمد بن حنبل: إنه كان لا يبالي عمن يأخذ عن الكلبي وغيره (20) وقال هشام بن عروة: كذاب (21) وقال أبو داود الطيالسي: حدثني بعض أصحابنا قال: سمعت ابن إسحاق يقول: حدثني الثقة، فقيل له: من؟ قال: يعقوب اليهودي (22) وهذه الرواية ليست دليلاً كافياً على الطعن في ابن إسحاق ؛ لأنها عن مجهول، وقد تكون من المتحاملين عليه.

وقد حاول بعض العلماء دفع هذه التهم عنه، ومن هؤلاء إبراهيم بن المنذر شيخ البخاري الذي قال: وأما كلام مالك فلا يكاد يبين (23) أي ليس هناك ما يدل على أنه كذاب أو يبين ذلك، وابن المديني الذي قال: مالك لم يجالسه ولم يسمع منه(24).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في اتهام هشام لابن إسحاق أنه لم ير امرأته قط سألت أبي فقال: " ولمّ ينكر هشام ؟ لعله جاء فاستأذن عليها فأذنت له ولم يعلم"(25)..

أما من توسط فيه فابن سعد الذي قال: ثقة ومن الناس من تكلم فيه (26) وكذلك ابن نمير الذي قال: " إذا حدث عمن سمع من المعروفين فهو صدوق، وإنما أوتي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة "(27) أي سبب حمل الناس عليه، وأما ابن عدي فقال: " لو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شيء إلى الاشتغال بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه لكانت هذه فضيلة سبق بها "(28).
وقال الذهبي: " مجمل القول فيه أنه صالح صادق، وما انفرد به ففيه نكارة "(29) وقال السخاوي: " كان بحراً جماً في معرفة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي السيرة عجائب ذكرها بلا إسناد وتلقفها، وفيها نفع كثير لمن له نقد ومعرفة "(30)..

وهذان القولان الأخيران هما ما يعنينا في دراستنا التاريخية، فقارئ تراث ابن إسحاق يحتاج إلى أن يكون ذا نقد ومعرفة ؛ حتى يستطيع أن يميز غثه من ثمينه.

التهم التي رمى بها ابن إسحاق *:

اتهم ابن إسحاق من بعض العلماء بتهم عديدة مثل التشيع، والميل إلى العباسيين، ومحاولة استرضائهم، والكلام في القدر، والتدليس في الحديث، والنقل عن كل من يقابله دون ورع، وأخذ كتب الناس ووضعها في كتبه دون سماعها، والرواية عن اليهود والنصارى، وأنه كانت تعمل له الأشعار , ثم يؤتى بها فيضعها في كتابه، فما مدى صحة هذه التهم ؟ وهل لها تأثير على مروياته ؟ هذا ما سأوضحه بعون الله وتوفيقه.

فأما بالنسبة لتشيعه , فهذا أمر ذكره كثير من القدماء، قال ابن المديني: سمعت ابن سعيد القطان يقول: كان ابن إسحاق والحسن بن حمزة وإبراهيم بن محمد كل هؤلاء يتشيعون، وقال أحمد بن يونس: أصحاب المغازي يتشيعون كابن إسحاق(31) ولعل هؤلاء قد استندوا في هذا إلى بعض ما نقله من روايات تتسم بسمة التشيع، أو تعبر عن أفكار الشيعة ووجهة نظرهم، ومن هذه الروايات:

ا- ما حدث به عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بتبليغ قومه أمر علي بن أبي طالب أن يجمع له قومه، ثم يصنع لهم طعاماً، وبعد أن فرغوا قال: " … فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي فيكم ؟ قال: - أي علي بن أبي طالب- فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لأحدثهم سناً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً ؛ أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: هذا أخي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع "(32).

ب- ما حدث به عن وهب بن كيسان عن عبد الله بن الزبير قال: " كنت مع أبي يوم اليرموك فلما تعبىاستعد المسلمون – لبس الزبير لأمته … فلما اقتتل المسلمون والروم نظرت إلى ناس وقوف على تل لا يقاتلون مع الناس، قال: فأخذت فرساً للزبير كان خلفه في رحله فركبته، ثم ذهبت إلى أولئك الناس فوقفت معهم، فقلت: أنظر ما يصنع الناس ؛ فإذا أبو سفيان في مشيخة من قريش مهاجرة الفتح وقوفاً لا يقاتلون ؛ فلما رأوني غلاماً حدثاً، فلم يتقوني.

قال: فجعلوا والله إذا مال المسلمون وركبتهم الروم، يقولون: إيه بلأصفر! فإذا مالت الروم وركبهم المسلمون، قالوا: يا ويح بلأصفر! فجعلت أعجب من قولهم، فلما هزم الله الروم ورجع الزبير، جعلت أحدثه خبرهم، قال: فجعل يضحك ويقول: قاتلهم الله ! أبوا إلا ضغناً ! وماذا لهم أن يظهر علينا الروم ! لنحن خير لهم منهم "(33).

ج- عن رجل – مجهولعن عكرمة عن ابن عباس قال: بينما عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - في بعض أصحابه يتذاكرون الشعر، فقال بعضهم: فلان أشعر، وقال بعضهم: بل فلان أشعر، فقال عمر: قد جاءكم أعلم الناس بها، فقال عمر: من شاعر الشعراء يابن عباس ؟ قال: فقلت: زهير بن أبي سلمى، فقال عمر: هلم من شعره ما نستدل به على ما ذكرت ! فقلت: امتدح قوماً من … فقال:- أي عمر – يابن عباس أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد ؟ فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني، فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا - فتفتخروا - على قومكم بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فقلت يا أمير المؤمنين: إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت، فقال عمر: تكلم يابن عباس، فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار الله عز وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.

وأما قولك: إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوماً بالكراهية فقال] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُم[(34) فقال عمر: هيهات والله يابن عباس ! قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرك عليها، فتزيل منزلتك مني، فقلت: وما هي يا أمير المؤمنين ؟ فإن كانت حقاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه، فقال عمر: بلغني أنك تقول إنما صرفوها عنا حسداً وظلماً، فقلت: أما قولك ظلماً فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسداً فإن إبليس حسد آدم ونحن ولده المحسودون , فقال عمر: هيهات ! أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا حسداً ما يحول، وضغناً وغشاً ما يزول(35 ) *.

وإذا تأملنا هذه الروايات السابقة وجدناها تدل على أن قائلها يعتنق التشيع، ولكنها ليست دليلاً على اتهام ابن إسحاق بذلك , وأرجح أنه أوردها على سبيل الحكاية، وقد كان من عادته أن يحشد كل ما وصل إليه في كتابته **.

كما أنه أورد روايات تناقض هذه الروايات تماماً، خذ مثلاً الرواية الأولى التي تحاول أن تثبت حق علي في الخلافة بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أول الدعوة الإسلامية، فإن ما أورده لأبي بكر الصديق يعارض ذلك تماماً، إذ ينص على أفضلية أبي بكر الصديق وأحقيته في الخلافة.

من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته: " انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد فسدوها إلا بيت أبي بكر، فإني لا أعلم أحداً كان أفضل في الصحبة عندي يداً منه"(36) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صحبة وإخاء وإيمان حتى يجمع الله بيننا "(37)..

وما حدث به عن حمزة بن عبد الله بن عمر أن عائشة قالت: لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم – اشتد به المرض - … قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: قلت: يا نبي الله إن أبا بكر رجل رقيق، ضعيف الصوت، كثير البكاء إذا قرأ القرآن، قال: مروه فليصل بالناس، قالت: فعدت بمثل قولي , فقال: إنكن صواحب يوسف، فمروه فليصل، قالت: فوالله ما قلت ذلك إلا لأني كنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر، وعرفت أن الناس لا يحبون رجلاً قام مقامه أبداً … "(38)..

وفي رواية له عن الزهري أن عمر لما صلى بالناس وأبو بكر غير موجود قال رسول الله: " يأبى الله ذلك والمسلمون" قال: فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس"(39).

فإذا كان الله والمسلمون يأبون غير أبي بكر في الصلاة أيرضون غيره في الخلافة ؟! وأما حديث ابن عباس مع عمر – أقصد المنسوب إليه – فيعارضه تماماً ما ذكره ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن ابن عباس " …خرج يومئذ علي بن أبي طالب – يقصد يوم أن خطب رسول الله خطبته الأخيرة في صحوة الموتوكان قد خف ما به من مرض، فقال له الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أصبح بحمد الله بارئاً.

قال: فأخذ العباس بيده ثم قال: يا علي، أنت والله عبد العصا بعد ثلاث، أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب، فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان الأمر فينا عرفنا، وإن كان في غيرنا أمرناه فأوصى بنا الناس، فقال له علي: إني والله لا أفعل ذلك ! والله لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده "(40).

وأما حديث وهب بن كيسان الذي يطعن في إسلام أبي سفيان، ويظهر أن هوى ابن إسحاق لم يكن مع بني أمية، وأنه كان متحاملاً عليهم، فليس دليلاً كافياً على الطعن فيه بذلك، لأنه أورد كثيراً من الروايات لصالح الأمويين منها:

ا- ما ذكره أن أبا سفيان لم يكن موافقاً على غزوة بدر أو على القتال يوم بدر , إذ يقول: " ولما رأى أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش: إنكم خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله، فارجعوا، فقال أبو جهل بن هشام: لا نرجع حتى نرد بدراً"(41).

ب- ما ذكره عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم في موقف أبي سفيان وزوجه هند بنت عتبة من هجرة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر إذ يقول: " حدثت عن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: بينا أنا أتجهز بمكة للحوق بأبي لقيت هند بنت عتبه فقالت: يا بنت محمد، ألم يبلغني عنك أنك تريدين اللحوق بأبيك ؟ قالت: فقلت: ما أردت ذلك فقالت: أي ابنة عمي لا تفعلي، إن كانت لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك أو بمال تبلغين به إلى أبيك، فإن عندي حاجتك، فلا تضطني – أي لا تستحي – مني , فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال، قالت: والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل "(42) , ويقول أبو سفيان في نفس الرواية لكنانة بن الربيع ": لعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة، وما لنا في ذلك من ثؤرة "(43).

وهذا معاوية بن أبي سفيان الذي صب عليه المتشيعون التهم صباً يقول عنه ابن إسحاق: إنه استعمل عبد الله بن زياد وقال له: " اتق الله، ولا تؤثر على تقوى الله شيئاً، فإن في تقواه عوضاً، وقِ عرضك من أن تدنسه، وإذا أعطيت عهداً ففِ به، ولا تبيعن كثيراً بقليل، ولا تخرجن منك أمراًً حتى تبرمه، فإذا خرج فلا يردن عليك، وإن لقيت عدوك فكن أكثر من معك، وقاسمهم على كتاب الله، ولا تطمعن أحداً في غير حقه، ولا تؤيسن أحداً من حق له ثم ودعه"(44) , ولو كان ابن إسحاق شيعياً أو متشيعاً لما أورد مثل هذه الروايات.

وقد ذكر بعضهم أنه يقدم علياً على عثمان – رضى الله عنهما – وإن صح هذا فلا شيء فيه , فأهل الشورى أنفسهم الذين عينهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانوا مختلفين فيمن يقدمونه منهما، حتى قر قرارهم على عثمان رضي الله عنه، وهذا لم يمنعه من أن يذكر كثيراً من الأخبار في فضل عثمان ومناقبه، ومن ذلك:

أ- قوله عند حديثه عن الاستعداد لغزوة تبوك "وأنفق عثمان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها "(45) وأما ما قاله الأعلمي - أحد علماء الشيعة - عنه: " إنه لم يكن عامياً – أي من أهل السنة – وإنما كان يخالط العوام "(46) فلا حجة فيه لأنه معروف عند الشيعة أنهم كانوا ينسبون إليهم من ليس منهم، خاصة إذا كان مشهوراً أو نابغاً.

وأما ما ذكره بعض المستشرقين أمثال هورفتش أنه كان يميل إلى العباسيين أو يحاول استرضاءهم(47) فإني أقول: إن ابن إسحاق أورد فعلاً مرويات مبالغاً فيها عن شخصية العباس بن عبد المطلب , والأدوار التي كان يقوم بها حتى قبل إسلامه، من ذلك ما رواه في قصة نذر عبد المطلب ذبح أحد أولاده ثم همه بذبح عبد الله " أن العباس هو الذي اجتذب عبد الله من تحت رجل أبيه حين وضعها عليه ليذبحه، فيقال: إنه شج وجهه شجاً لم يزل في وجهه إلى أن مات "(48) مع إن المشهور أن العباس كان يكبر رسول لله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين تقريباً، ومن ذلك أيضاً الروايات التي تحكي أدوار العباس يوم الفتح، وكيف أنه بات مهموماً حزيناً خوفاً مما قد يصيب قريشاً، ولكن ذلك لم يصل به إلى درجة وضع أو اختلاق الأخبار من أجل إرضاء بني العباس.

وأما اتهامه بأنه كان قدرياً فلم أجد له روايات تتعلق بهذا الأمر، وبحث ذلك مجاله العقيدة لا التاريخ، ويكفينا قول محمد بن عبد الله بن نمير: " كان ابن إسحاق يرمى بالقدر، وكان أبعد الناس منه "(49) وإن صح ما رمي به فهذا لا يوجب رد روايته إلا بضمينة أخرى كما قال ابن سيد الناس(50).

وكذلك اتهامه بالتدليس – وهذا حق – لا يوجب رد روايته فالتدليس " منه القادح في العدالة وغيره، ولا يحمل ما وقع فيه على التدليس القادح في العدالة "(51) وأما اتهامه بأنه كان يأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه , فإن أهل المدينة كما قال الذهبي: كانوا يرون الأخذ عن الكتاب جائزاً (52).

كما أن هذا الأمر إن عيب في الحديث فإنه لا يعاب في كتابة التاريخ , ما دام ينسب الكلام إلى صاحبه أو مصدره.
وأما اتهامه بأنه كان يروي عن اليهود والنصارى، ويكتب عن كل واحد، فإنه فعل ذلك حقاً في حديثه عن بعض أخبار السابقين، ولعله كان مستنداً إلى قول رسول الله لله صلى الله عليه وسلم: " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج … "(53) وعذره في ذلك أنه لم يجد أمامه مصدراً آخر لهذه الأخبار غير ما يُروى عنهم.

وأما اتهامه بأنه كانت تعمل له الأشعار , ثم يدخلها في كتابه , فقد أشار إليها أبو عمرو الشيباني حين قال: "سمعت أبي يقول: رأيت ابن إسحاق يعطي الشعراء الأحاديث يقولون عليها الشعر"(54) صحيح أن في مرويات ابن إسحاق أشعاراً تبدو بعيدة عن الصحة مثل ما نسب لأبي طالب وعبد المطلب وغيرهما من القصائد الشعرية *، ولكني لا أظن أن الأمر قد وصل بابن إسحاق إلى الدرجة التي وصفه بها أبو عمرو الشيباني، لأنه لا مصلحة له في أن يشارك في مثل هذا الأمر، وهو رجل يشتغل برواية الحديث، وأرجح أن هذه الأشعار كانت تتردد على ألسنة رواة الأخبار أو القصاص فأخذها منهم ابن إسحاق وأدمجها في مروياته.
الهوامش:

(1)
ابن أبي حاتم الرازي: الجرح والتعديل جـ8 صـ192

*
راجع الذهبي: سير أعلام النبلاء جـ7 صـ34 وما بعدها وتراجم رجال روى عنهم ابن إسحاق تحقيق المستشرق الألماني فيشر.

(2)
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد جـ1 صـ220.

(3)
الذهبي: سير أعلام النبلاء جـ7 صـ37.

(4)
السابق: جـ7 صـ39

(5)
الذهبي: سير أعلام النبلاء جـ7 صـ36

(6)
السابق جـ7 صـ36

(7)
ابن سيد الناس: عيون الأثر جـ1 صـ25

(8)
الكلاعي: الاكتفاء في مغازي رسول الله e والثلاثة الخلفاء جـ1 صـ4 تحقيق ا / مصطفى عبد الواحد. مكتبة الخانجي – القاهرة سنة 1387 هـ

(9)
الخطيب البغدادي تاريخ بغداد جـ1 صـ227 وهذا الكلام فيه مبالغة لأن ابن إسحاق ربما لم يعش هذه المدة، كما أن بعض علماء الجرح تكلموا فيه كما سنرى ولم يجمعوا على توثيقه

(10)
السابق جـ1 صـ218

(11)
السابق جـ1 صـ218

(12)
الذهبي سير أعلام النبلاء جـ7 صـ36

(13)
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد جـ1 صـ220

(14)
السابق: جـ1 صـ224

(15)
ابن حجر: تهذيب التهذيب جـ9 صـ36

(16)
محمد بن صالح العجلي: الثقات جـ2 صـ232 نشر

(17)
الذهبي: سير أعلام النبلاء جـ7 صـ47

(18)
البغدادي: تاريخ بغداد جـ1 صـ223

*
كان مالك – رحمه الله – من أشد الناس قولاً في ابن إسحاق فمرة يصفه بالكذب ومرة بأنه دجال ومرة يقول: يا أهل الكوفة من يغت –يفسد عليكم – بعد ابن إسحاق. سير أعلام النبلاء جـ9 صـ38، 53 ولعل الذي جعل مالكاً يشن عليه هذه الحملة - والله أعلم - هو تساهله في رواية بعض الأخبار والقصص التي شاعت على ألسنة العوام من غير أهل العلم، وأكثرها بعيد عن الصحة، ومن جانب آخر أنه كان يروي عن أهل الكتاب أخباراً عن الأنبياء والأمم السابقة لا أصل لها، ورغم ذلك كان يجله كعالم.
(19)
السابق: جـ1 صـ 227

(20)
السابق: جـ1 صـ230 يبدو أن ابن إسحاق أخذ عن محمد بن السائب الكلبي بعض الروايات في الأنساب، ولا عيب في ذلك ؛ لأن الكلبي كان حجة في ذلك ومقدماً على غيره.

(21)
الذهبي: سير أعلام النبلاء جـ7 صـ48 وقد دافع الذهبي عن ابن إسحاق في هذا الاتهام وبين أن هشاماً لم يقل ذلك ؛ لأن ابن إسحاق كان يكذب في حديثه، وإنما قصد بذلك أنه كذب في قوله أنه حدث عن امرأته. وقد قال ابن المديني: " الذي قال هشام ليس بحجة لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها " ابن سيد الناس: عيون الأثر جـ1 صـ17 وقد كانت زوجة هشام تكبر ابن إسحاق بقرابة أربعين عاماً

(22)
الذهبي: ميزان الاعتدال جـ3 صـ476.

(23)
ابن حجر: تهذيب التهذيب جـ9 صـ36

(24)
ابن سيد الناس: عيون الأثر جـ1 صـ17

(25)
الذهبي: سير أعلام النبلاء جـ7 صـ48

(26)
ابن سعد: الطبقات جـ7 صـ321، 322، دار صادر – بيروت

(27)
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد جـ1 صـ227

(28)
الذهبي: سير أعلام النبلاء جـ7 صـ48

(29)
الذهبي: ميزان الاعتدال جـ3 صـ477

(30)
السخاوي: التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة جـ2 صـ477، 478 نشر أسعد طرابزوني الحسيني سنة 1980 م

*
ردد كثير من الباحثين المعاصرين هذه التهم دون أن يكلفوا أنفسهم دراستها أو الاستدلال عليها اللهم إلا ما ذكر عن بعضهم من إشارات قليلة ومن هؤلاء ا / عبد العزيز الدوري: نشأة علم التاريخ عند العرب صـ29 وا/ شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون جـ1 صـ161 ود / عبد العزيز سالم: التاريخ والمؤرخون العرب صـ62 نشر مؤسسة شباب الإسكندرية سنة 1997 م.

([1])
ياقوت الحموي: معجم الأدباء جـ18 صـ6 وما بعدها.

(31)
الطبري: جـ2 صـ321

(32)
السابق: جـ3 صـ571، 572 وهذا الكلام بعيد عن الحقيقة ؛ لأن الطبري ذكر عن سيف بن عمر أن أبا سفيان كان يسير يوم ليرموك، فيقف على الكراديس، فيقول: الله الله أنتم ذادة العرب، أنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم، أنصار الشرك، اللهم أنزل نصرك على عبادك ! ( الطبري: جـ4 صـ397

(34)
سورة محمد الآية رقم 9

(35)
الطبري: جـ4 صـ223، 224

*
أعمر يقول هذا ؟! وهو القائل قبيل الفتح للعباس كما أورد ابن إسحاق نفسه " والله لإسلامك كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم وما بي إلا لأني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه من إسلام الخطاب … " ابن هشام: السيرة جـ2 صـ403.

**
وهذا الفعل للأسف فشا بين جل المؤرخين بعده.

* (36)
ابن هشام: السيرة جـ2 صـ649 والحديث في كتاب مجمع الزوائد للحافظ الهاشمي جـ9 رقم 14306 بلفظ الأبواب الشوارع بدلاً من اللافظة.

(37)
السابق: جـ2 صـ650 والحديث في البخاري جـ2 رقم 3456

(38)
السابق: جـ2 صـ652

(39)
السابق: جـ2 صـ652 والحديث في سنن أبي داود رقم 4651.

(40)
السابق: جـ2 صـ654

(41)
السابق:جـ1 صـ618

(42)
السابق: جـ1 صـ654

(43)
السابق: جـ1 صـ655

(44)
الطبري: جـ5 صـ296، 297 إنها لآلئ غاصت في قيعان البحار قلما يوصل إليها.

(45)
ابن هشام: السيرة جـ2 صـ518

(46)
الأعلمي: دائرة المعارف جـ26 صـ170 إصدار مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت جـ1 سنة 1391هـ

(47)
انظر: يوسف هورفتش: المغازي الأولى ومؤلفوها صـ81

(48)
ابن كثير: السيرة جـ1 صـ175

(49)
الذهبي:سير أعلام النبلاء جـ7 صـ43

(50)
ابن سيد الناس: عيون الأثر جـ1 صـ22

(51)
السابق: جـ1 صـ22

(52)
الذهبي: سير أعلام النبلاء جـ7 صـ41

(53)
مجمع الزوائد: جـ1 رقم 919

(56)
الذهبي: ميزان الاعتدال جـ3 صـ471 ولم أر أحداً من علماء الجرح والتعديل أيد مقولة أبي عمرو الشيباني هذه.أقول ذلك لأن هذه القصائد تحوي مفاهيم وقيم إسلامية لم تكن عرفت قبل البعثة.

 

ثناء أهل العلم على حديثه

قال عنه شعبة بن الحجاج: أمير المؤمنين في الحديث.
وقال فيه أبو معاوية الضرير: كان ابن إسحاق من أحفظ الناس، فكان إذا كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر، فاستودعها عند ابن إسحاق، قال: احفظها علي، فإن نسيتها، كنت قد حفظتها علي.
وقال سفيان الثوري: جالست ابن إسحاق منذ بضع وسبعين سنة، وما يتهمه أحد من أهل المدينة، ولا يقول فيه شيئا.
وقال علي بن عبد الله: نظرت في كتب ابن إسحاق، فما وجدت عليه إلا في حديثين، ويمكن أن يكونا صحيحين.

المطلب السابع: الجواب عن كلام مَن قدح فيه

القدح في ابن إسحاق يتلخص في ثمان قضايا:

القدح الأول: اتهامه بالقدرية حتى ذُكر أنه جلد بسببه.
القدح الثاني: اتهامه بالتشيع.
القدح الثالث: اتهامه بالتدليس.
ذكره ابن حجر في المرتبة الرابعة من مراتب المدلسين (ص/51) وقال: مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم، وَصَفَه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما.
وهذا لا يعتبر قدحا مطلقا في حديثه أيضا، فالمدلس المكثر من التدليس يُقبَل حديثه إذا صرح بالسماع، وإنما يُرَدُّ ما رواه بالعنعنة.
القدح الرابع: اتهامه بالكذب.
وهي تهمة باطلة لا تثبت عليه، وإن اتهمه بها هشام بن عروة (ت146هـ)، ومالك بن أنس (ت179هـ)، ويحيى القطان (ت198هـ)
أما اتهام هشام بن عروة له بالكذب – وأخذها عنه يحيى القطان - فسببه أنه قال: يحدث ابن إسحاق عن امرأتي فاطمة بنت المنذر، والله إن رآها قط.
وهذا السبب لا يكفي لاتهام علامة كابن إسحاق بالكذب، إذ يحتمل أن يكون سمع منها من وراء حجاب ولم يرها، ويحتمل أن يكون سمع منها قبل زواجها بهشام بن عروة، بل قال الذهبي: يحتمل أن تكون إحدى خالات ابن إسحاق من الرضاعة، فدخل عليها، وما علم هشام بأنها خالة له أو عمة.
قال سفيان الثوري: أخبرني – يعني ابن إسحاق - أنها حدثته، وأنه دخل عليها.
قال الذهبي: هو صادق في ذلك بلا ريب...وهشام صادق في يمينه، فما رآها، ولا زعم الرجل أنه رآها، بل ذكر أنها حدثته، وقد سمعنا من عدة نسوة، وما رأيتهن، وكذلك روى عدة من التابعين عن عائشة، وما رأوا لها صورة أبدا.
قال عبد الله بن أحمد: فحدثت أبي بحديث ابن إسحاق، فقال: ولِمَ يُنكِرُ هشام ؟ لعله جاء فاستأذن عليها فأذنت له – يعني: ولم يعلم -.
وأما تكذيب الإمام مالك له، وقوله عنه: دجَّال من الدجاجلة: فلم يقبله العلماء منه ؛ إذ لم يذكر دليلا على تكذيبه، وقد كان بين مجموعة من العلماء: كابن إسحاق، وابن أبي ذئب، وابن الماجشون شقاق ونفرة مع الإمام مالك، فلم يقبل العلماء المتأخرون كلام بعضهم في بعض لما عرف من عداوتهم، كما لم يقبلوا قول ابن إسحاق في الإمام مالك: ائتوني ببعض كتبه حتى أبين عيوبه، أنا بيطار كتبه.
وقال يعقوب بن شيبة: سألت عليا – يعني المديني -: كيف حديث ابن إسحاق عندك، صحيح ؟
فقال: نعم، حديثه عندي صحيح.
قلت: فكلام مالك فيه ؟
قال: مالك لم يجالسه، ولم يعرفه، وأي شيء حدث به ابن إسحاق بالمدينة ؟!
قلت: فهشام بن عروة، قد تكلم فيه ؟
فقال علي: الذي قال هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها، إن حديثه ليتبين فيه الصدق، يروي مرة: حدثني أبو الزناد، ومرة: ذكر أبو الزناد، ويروي عن رجل، عمن سمع منه يقول: حدثني سفيان بن سعيد، عن سالم أبي النضر، عن عمير: ( صوم يوم عرفة )، وهو من أروى الناس عن أبي النضر، ويقول: حدثني الحسن بن دينار، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب: ( في سلف وبيع )، وهو من أروى الناس عن عمرو.
وقال الإمام الذهبي رحمه الله: لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينهم وبينه شحناء وإحنة، وقد علم أن كثيرا من كلام الأقران بعضهم في بعض مهدر، لا عبرة به، ولا سيما إذا وثق الرجل جماعة يلوح على قولهم الإنصاف، وهذان الرجلان – يعني مالكا وابن إسحاق - كل منهما قد نال من صاحبه، لكن أثر كلام مالك في محمد بعض اللين، ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة، وارتفع مالك، وصار كالنجم، والآخر – يعني ابن إسحاق - فله ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السير.
القدح الخامس: اتهامه بمخالفة الثقات.
القدح السادس: اتهامه بالانفراد ببعض المناكير.
قال الذهبي رحمه الله: صدق القاضي أبو يوسف إذ يقول: من تتبع غريب الحديث كُذِّبَ. وهذا من أكبر ذنوب ابن إسحاق، فإنه يكتب عن كل أحد ولا يتورع سامحه الله.
ولذلك كان الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه لا يرتضي أحاديث ابن إسحاق.
قال يعقوب بن شيبة: سمعت ابن نمير - وذكر ابن إسحاق – فقال:
إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أتي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة.
قال إسحاق بن أحمد بن خلف البخاري الحافظ: سمعت محمد بن إسماعيل يقول:
محمد بن إسحاق ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها، لا يشاركه فيها أحد.
وقال أحمد: قدم ابن إسحاق بغداد، فكان لا يبالي عمن يحكي، عن الكلبي، وعن غيره، وقال: ليس هو بحجة. قال أبو العباس بن عقدة: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبي يتبع حديث ابن إسحاق، فيكتبه كثيرا بالعلو والنزول، ويخرجه في (المسند)، وما رأيته أبقى حديثه قط. قيل له: يحتج به ؟ قال: لم يكن يحتج به في السنن.
وقال العقيلي: حدثني الخضر بن داود، حدثنا أحمد بن محمد: قلت لأبي عبد الله: ما تقول في ابن إسحاق ؟ قال: هو كثير التدليس جدا. قلت: فإذا قال: أخبرني، وحدثني، فهو ثقة ؟ قال: هو يقول أخبرني، فيخالف.
واختلف الروايات عن ابن معين في حكمه على حديث ابن إسحاق، وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال الدراقطني: لا يحتج به.
على أن كلام من جرحه لا يسقط حديثه، وإنما ينزل به حديثه إلى درجة الحسن، وإلى الحكم على حديثه بالضعف في حال المخالفة أو التفرد بالغريب فقط، وليس في كل حال.
قال ابن عدي: وقد فتشت أحاديثه كثيرا، فلم أجد من أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ، أو يهم في الشيء بعد الشيء، كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة، وهو لا بأس به.
القدح السابع: روايته الإسرائيليات.
أجاب عن ذلك الإمام الذهبي رحمه الله بقوله:
"
ما المانع من رواية الإسرائيليات عن أهل الكتاب مع قوله صلى الله عليه وسلم: ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )، وقال: ( إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ) فهذا إذن نبوي في جواز سماع ما يأثرونه في الجملة، كما سمع منهم ما ينقلونه من الطب، ولا حجة في شيء من ذلك، إنما الحجة في الكتاب والسنة " انتهى.
"
ميزان الاعتدال " (6/58)
القدح الثامن: جمعه بين ألفاظ الشيوخ
قال أيوب بن إسحاق بن سافري: سألت أحمد بن حنبل، فقلت: إذا انفرد ابن إسحاق بحديث، تقبله ؟ قال: لا والله، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا.
وهذا القادح أيضا لا يضعف حديثه كله، وإنما يدعو إلى التوقف فيما يشك فيه أنه جمع فيه بين ألفاظ الشيوخ وخلط بعضها ببعض، وذلك لتمييز ألفاظ الثقات من غيرهم.

المطلب الثامن: وفاته

توفي رحمه الله في مدينة بغداد سنة واحد وخمسين ومائة على القول الأرجح الذي اختاره الذهبي.

والحاصل في حكم حديث ابن إسحاق ما قاله الإمام الذهبي رحمه الله:
أما في أحاديث الأحكام، فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شذ فيه، فإنه يعد منكرا

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"
ما ينفرد به وإن لم يبلغ الصحيح فهو في درجة الحسن إذا صرح بالتحديث " انتهى.
"
فتح الباري " (11/163)

ملاحظة: جميع النقول التي لم نذكر مصدرها في هذا البحث مأخوذة من كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي (7/33-55)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في ذكر مكانة الواقدي وصدقه

 

يقول عنه الدكتور راغب السرجاني:

 

محمد بن عمر الواقدي، آخر الكبار المؤسسين لعلم السيرة النبوية، وهو صاحب أشهر كتاب في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في أخبار الناس والسير والفقه وسائر الفنون ثقة بالإجماع.

الواقدي.. اسمه ونشأته
هو العلامة الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد، الأسلمي السهمي مولاهم، المدني ثم البغدادي، القاضي، الأخباري، المقرئ، السخي، الملقب بلقبه المشهور الواقدي, وهو مولى من الموالي، قيل مولى بني هاشم، وقيل مولى بني سهم بن أسلم، فكان جده واقد مولى لعبد الله بن بريدة الأسلمي.

ولد الواقدي بالمدينة المنورة في آخر خلافة مروان بن محمد، قيل سنة 129هـ، والأصح ما رواه كاتبه ابن سعد، أنه ولد سنة 130هـ/ 747م.

شيوخ الواقدي
سمع الواقدي من صغار التابعين فمن بعدهم، بالحجاز، والشام، وغير ذلك، فنال علوم المغازي والسيرة والتاريخ والفقه والحديث والقرآن والقضاء والفتيا والنحو، وغيرها، فمن شيوخه بدمشق: الأوزاعي وهشام بن الغاز وثور بن يزيد ومعاوية بن صالح، وبغير دمشق: معمر  وابن أبي ذئب وأبي سفيان الثوري وأبي بكر بن أبي سبرة ومحمد بن عبد الله بن أخي الزهري وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وأسامة بن زيد وربيعة بن عثمان وعبد الحميد بن جعفر. وروى القراءة عن نافع بن أبي نعيم، وعيسى بن وردان، وروى الحروف عن عدي بن الفضل عن أبي عمرو وله عن نافع نسخة، وغيرهم كثير.

ومن شيوخه الإمام مالك بن أنس، روى عنه حديثا كثيرا وفقها ومسائل، ومن أشهر شيوخه في السير والمغازي والتاريخ أبو معشر السندي، وقد استفاد الواقدي كثيرًا من علمه خاصة في المغازي والتاريخ عندما تتلمذ عليه وهو في المدينة.

تلاميذ الواقدي
وروى عن الواقدي: أبو بكر بن أبي شيبة وأبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني وكاتبه محمد بن سعد وأبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي وأحمد بن رجاء الفريابي وأحمد بن الفضل بن الدهقان ومحمد بن يحيى الأزدي وعلي بن يزيد الصدائي والحسن بن مرزوق وسليمان الشاذكوني وأحمد بن الخليل البرجلاني وعبد الله بن الحسن الهاشمي وأبو عبيد القاسم بن سلام، والإمام الشافعي ومات قبله، وغيرهم [1].

انتقال الواقدي إلى بغداد
كان الواقدي مع سعة علمه وفقهه يعمل في المدينة المنورة حناطا (تاجر حنطة)، قال الواقدي: كنت حناطًا بالمدينة في يدي مائة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت الدراهم فشخصت إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد، فكان انتقال الواقدي إلى العراق سنة 180هـ في أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد، فولاه الرشيد القضاء بشرقي بغداد.

علاقة الواقدي بالخلفاء العباسيين
اتصل الواقدي بالخلفاء العباسيين، بدءًا من هارون الرشيد عن طريق علمه وسعة معلوماته عن الغزوات ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك رواية تقول: إن أمير المؤمنين هارون الرشيد لما حج في أول سنة من خلافته سنة 170هـ، قال ليحيى بن خالد البرمكي: "ارتدْ لي رجلًا عارفًا بالمدينة والمشاهد، وكيف كان نزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أي وجه كان يأتيه، وقبور الشهداء". فسأل يحيى بن خالد عن العالم الذي تتوفر فيه تلك الصفات التي طلبها الخليفة فدله الناس على الواقدي، وذلك حسب قوله هو (أي الواقدي)، فقد قال: "كلهم دله عليَّ، فبعث إليَّ فأتيته، وذلك بعد العصر، فقال لي يا شيخ؛ إن أمير المؤمنين -أعزه الله- يريد أن تصلي العشاء الآخرة في المسجد، وتمضي معنا إلى هذه المشاهد، فتوقفنا عليها، ففعلتُ، ولم أدع موضعًا من المواضع، ولا مشهدًا من المشاهد إلا مررت بهما _يعني الخليفة هارون الرشيد ووزيره يحيى بن خالد البرمكي) عليه. ومنحاه مالًا كثيرًا.

ومن هذه الحادثة توطدت العلاقة بين الواقدي ويحيى بن خالد البرمكي، حتى طلب منه البرمكي أن يصير إليه في العراق، ففعل الواقدي بعد أن ضاق به الدَّيْن وذلك سنة 180هـ،  فأغدق عليه كثيرًا من الأموال وأخلص هو في حبه للبرامكة، حتى إنه بعد نكبتهم المشهورة سنة 187هـ، كان كثير الترحم على يحيى بن خالد كلما ذكر اسمه.

ورغم صلة الواقدي القوية بالبرامكة إلا أن مكانته في بلاط خلفاء بني العباس ظلت كما هي، ولم ينله ضرر بسبب تلك الصلة بعد نكبتهم، بل ازدادت مكانته وثقة الخلفاء فيه إلى الحد الذي جعل المأمون يوليه القضاء في عسكر المهدي، وهي المحلة المعروفة بالرصافة في شرق بغداد، وكان المأمون كثير الإكرام له، ويداوم على رعايته وظل في منصب القضاء حتى وفاته سنة 207هـ.

وكتب الواقدي إلى المأمون مرة يشكو ضائقة ركبه بسببها ديْن، وعيَّن مقداره، فوقع المأمون على قصته بخطِّه: فيك خلتان سخاء وحياء، فالسخاء أطلق يديك بتبذير ما ملكت، والحياء حملك على أن ذكرت لنا بعض دينك، وقد أمرنا لك بضعف ما سألت، وإن كنا قصرنا عن بلوغ حاجتك فبجنايتك على نفسك، وإن كنا بلغنا بغيتك فزد في بسطة يدك فإن خزائن الله مفتوحة ويده بالخير مبسوطة، وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير: "يا زبير إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش ينزل الله سبحانه للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثَّر كُثِّر له ومن قلل قُلِّل عليه"، قال الواقدي: وكنت نسيت الحديث، وكان تذكيره لي به أعجب من صلته

ومن المآخذ التي أخذها العلماء على الواقدي أن صلته بالخلفاء العباسيين قد أثرت في أمانته العلمية، فأعرض عن ذكر الأحداث التي تغضبهم، أو لا يرضون عنها، ومن أمثلة ذلك حذف اسم العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم من جملة أسماء الذين شاركوا في معركة بدر من مشركي مكة، ووقعوا أسرى في يد المسلمين [2].

منزلة الواقدي العلمية
يعتبر الواقدي الثاني بعد ابن إسحاق في سعة العلم بالمغازي والسير، قال كاتبه محمد بن سعد: "كان عالما بالمغازي، والسيرة والفتوح والأحكام واختلاف الناس واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه. وقد فسر ذلك في كتب استخرجها، ووضعها وحدث بها".

وقال الخطيب البغدادي: " وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحد -عرف أخبار الناس- أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير، والطبقات، وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، والأحداث التي كانت في وقته، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكتب الفقه، واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك، وكان كريمًا جوادًا مشهورًا بالسخاء".

وقال عنه الذهبي: " وهو رأس في المغازي والسير ويروي عن كل ضرب..، ولي قضاء بغداد، وكان له رئاسة وجلالة وصورة عظيمة".

وعن الواقدي، قال: "كانت ألواحي تضيع، فأوتى بها من شهرتها بالمدينة. يقال: هذه ألواح ابن واقد". قال الذهبي: "قد كانت للواقدي في وقته جلالة عجيبة، ووقع في النفوس، بحيث إن أبا عامر العقدي قال: نحن نسأل عن الواقدي؟ ما كان يفيدنا الشيوخ والحديث إلا الواقدي". وقال مصعب الزبيري: حدثني من سمع عبد الله بن المبارك يقول: "كنت أقدم المدينة، فما يفيدني ويدلني على الشيوخ إلا الواقدي".

وروى ابن سعد عن الواقدي أنه قال: "ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه، وحفظي أكثر من كتبي". و لما تحول الواقدي من الجانب الغربي يقال إنه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر، وقيل كان له ستمائة قمطر كتب.

وسُئل مالك بن أنس عن المرأة التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ما فعل بها؟ فقال: ليس عندي بها علم، وسأسأل أهل العلم، فلقي الواقدي فقال: يا أبا عبد الله ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة التي سمته بخيبر؟ فقال: الذي عندنا أنه قتلها؛ فقال مالك: قد سألت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها [3].

موقف العلماء من الواقدي
وقد وقف الناس من الواقدي مواقف متباينة فمنهم من قوَّاه، ومنهم من ضعفه حتى اتهمه غير واحد بالوضع في الحديث، ولكنه في المغازي والسير والأحداث غير مدفوع عن ذلك، بل له بها مزيد عناية واختصاص، وهو فيها رأس وله مكانة.

وقد جمع الخطيب البغدادي في تاريخه وكثير من المؤرخين أقوال من وثَّقه، ومنها: قال الإمام إبراهيم الحربي: الواقدي أمين الناس على الإسلام، وقال محمد بن إسحاق: والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه. وقال مصعب بن الزبير: والله ما رأينا مثل الواقدي. وقال أيضا: الواقدي ثقة مأمون. وقال الإمام إبراهيم الحربي: من قال إن     مسائل مالك وابن أبي ذئب تؤخذ من أوثق من الواقدي فلا تصدقه. وعن إبراهيم الحربي، قال: كان الواقدي أعلم الناس بأمر الإسلام، فأما الجاهلية فلم يعلم منها شيئا.

وقال الحافظ الدراوردي ومحمد بن الحسن الشيباني: الواقدي أمير المؤمنين في الحديث، وذلك قبل أن يصبح هذا اللقب مقصورًا على الإمام البخاري فيما بعد. وقال محمد بن سلام الجمحي: الواقدي عالم دهره. ووثقه يزيد بن هارون ووثقه كذلك أبو عبيد القاسم بن سلام.

وقد قال ياقوت: "وهو مع ذلك ضعَّفه طائفة من المحدثين كابن معين وأبي حاتم والنسائي وابن عدي وابن راهويه والدارقطني. أما في أخبار الناس والسير والفقه وسائر الفنون فهو ثقة بإجماع".

وقد نقل ابن الجوزي أقوال من ضعفوه واتهموه بالوضع، قال: "قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ كَذَّاب كَانَ يقلب الْأَحَادِيث يلقِي حَدِيث ابْن أخي الزُّهْرِيّ على معمر وَنَحْو ذَا، وَقَالَ يحيى (ابن معين): لَيْسَ بِثِقَة وَقَالَ مرّة لَيْسَ بِشَيْء لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ البُخَارِيّ والرازي وَالنَّسَائِيّ مَتْرُوك الحَدِيث، وَذكر الرَّازِيّ وَالنَّسَائِيّ أَنه كَانَ يضع الحَدِيث، وَقَالَ الدراقطني: فِيهِ ضعف وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه غير مَحْفُوظَة وَالْبَلَاء مِنْهُ".

وأمام هذا الاختلاف حول الواقدي، قال ابن كثير: "الواقدي عنده زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبًا،فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار ، وهو صدوق في نفسه مكثار". وقال الذهبي: "الواقدي، المديني، القاضي، صاحب التصانيف والمغازي، العلامة، الإمام، أبو عبد الله، أحد أوعية العلم على ضعفه، المتفق عليه..، وجمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا، فلا يستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة، وأخبارهم".

وقال كذلك: "والواقدي وإن كان لا نزاع في ضعفه فهو صادق اللسان كبير القدر". وقال بعد أن استعرض ما قاله مادحوه وقادحوه: "وقد تقرر أن الواقدي ضعيف يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر فهذه الكتب الستة، ومسند أحمد، وعامة من جمع في الأحكام نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء، بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا، مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه ويروى، لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه -وهم تمام عشرة محدثين، إذ انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي".

وقال عنه ابن سيد الناس: "سعة العلم مظنة لكثرة الأغراب، وكثرة الأغراب مظنة للتهمة، والواقدي غير مدفوع عن سعة العلم، فكثرت بذلك غرائبه" [4].

والظاهر أن مطاعن المحدثين عليه كمطاعنهم على غيره من كتاب المغازي والسير؛ لاختلاف المنهج بين الطائفتين. فهو لم يكن يتقيد بمذهبهم من ناحتين:

الأولى: أنه كان يأخذ من الصحف، ويعتمد على الكتب، وثقات المحدثين كانوا يكرهون تلك الطريقة أشد الكراهية، ويرون أنه لا يصح للمحدث أن يحدث بحديث إلا إذا كان قد سمعه بأذنه ممن روى عنه. الثانية: أنه كان يجمع الأسانيد المختلفة ويجيء بالمتن واحدًا، مع أن جزءًا من المتن لبعض الرواة، وجزءًا آخر لرواة آخرين، وكان المحدثون يعدون هذا عيبًا، وقد عابوا ذلك على الزهري وتلميذه ابن إسحاق من قبل.

وكان عذر الواقدي لاستعماله تلك الطريقة، أنه لو أفرد كل حديث بسنده لطال الأمر جدًّا، فقد روي أنه لما طالبه تلاميذه بإفراد كل حديث بسنده، أراد أن يبرهن لهم على سلامة منهجه، فجاءهم بالأحاديث الخاصة بغزوة أحد باتباع إفراد كل حديث بسنده فاستكثروا ذلك؛ وقالوا: "ردنا إلى الأمر الأول" [5].

تشيع الواقدي
وقد ذكر ابن النديم أن الواقدي يتشيع على مذهب الشيعة، فقال: "وكان يتشيع، حسن المذهب، يلزم التقية"، وقد نقل عنه بعض المؤرخين هذا القول. ولعل إيهام ابن النديم راجعا إلى وجود كتابين للواقدي، أحدهما في مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين، والآخر فى مقتل الحسين خاصة، يوهم أنه كان شيعيا.

ولوسلمنا لابن النديم أن الواقدي كان يلزم التقية، فإن تشيعه كان لا بد أن يظهر على نحو ما عند الحديث عن على أو في الرواية عنه، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، فحين نقرأ عدد القتلى من قريش يوم بدر عند ابن إسحاق مثلا نرى أن عليا قد قتل طعيمة بن عدى، ولكن الواقدي يذكر أن الذي قتله هو حمزة وليس عليا. وغير ذلك كثير في كتابه المغازي.

ومن الطريف أن يلاحظ أن ابن إسحاق يتهم هو الآخر بميوله الشيعية والقدرية، ويبدو لنا أن السبب في اتهام الواقدي وابن إسحاق بالتشيع لا يرجع إلى عقيدتهما الشخصية، وإنما يرجع إلى ما ورد في كتابيهما من الأقوال والآراء الشيعية التي يعرضانها، وليس ذلك عن عقيدة صحيحة فيها، مما تقتضيه طبيعة التأليف في مثل هذه الموضوعات. مما يجعل عبارات ابن النديم عن تشيع الواقدي قاصرة عن أن تنهض دليلا على تشيعه، وستظل تفتقر إلى دعائم أخرى تؤيدها، وخاصة من نصوص الواقدي نفسه [6].

كتب ومؤلفات الواقدي
وكان الواقدي غزير الإنتاج كثير التأليف حتى عدَّ له ابن النديم ما يقرب من أربعين كتابًا معظمها في المغازي والسير والتاريخ -تاريخ الفتوح بصفة خاصة- وقال ابن النديم: "خلف الواقدي بعد وفاته ستمائة قمطر كتبًا، كل قمطر منها حمل رجلين، وكان له غلامان مملوكان، يكتبان الليل والنهار، وقبل ذلك بيع له كتب بألفي دينار".

ومن كتبه، كما جاء في الفهرست لابن النديم، وغيره:
1- كتاب التاريخ والمغازي والمبعث. 2- كتاب أخبار مكة. 3- كتاب الطبقات. 4- كتاب فتوح لشام. 5- كتاب فتوح العراق. 6- كتاب الجمل.7- كتاب مقتل الحسين. 8- كتاب السيرة. 9- كتاب أزواج النبي. 10- كتاب الردّة والدّار. 11- كتاب حرب الأوس والخزرج. 12- كتاب صفيّن. 13- كتاب وفاة النبي. 14- كتاب أمر الحبشة والفيل. 15- كتاب المناكح. 16- كتاب السقيفة وبيعة أبى بكر. 17- كتاب ذكر القرآن. 18- كتاب سيرة أبى بكر ووفاته. 19- كتاب مراعى قريش والأنصار في القطائع، ووضع عمر الدواوين، وتصنيف القبائل ومراتبها وأنسابها. 20- كتاب الترغيب في علم القرآن وغلط الرجال. 21- كتاب مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين. 22- كتاب ضرب الدنانير والدراهم. 23- كتاب تاريخ الفقهاء. 24- كتاب الآداب. 25- كتاب التاريخ الكبير. 26- كتاب غلط الحديث. 27- كتاب السنة والجماعة، وذم الهوى، وترك الخوارج في الفتن. 28- كتاب الاختلاف. 29- تفسير القرآن

ومن مجموع تصانيف الواقدي هذه كتابان لا نشك في نسبتهما إليه هما "كتاب المغازي"، و"كتاب الردة"، على أن نقولا من كتبه الأخرى وجدت في التآليف المتأخرة. أما فتوح الشام وفتوح العراق للواقدي، فقد فقدا ولم نعثر على أثر لهما، وما يتداوله الناس اليوم باسم "فتوح الشام" و"فتوح العراق" وغيرها، ليست له، إذ أنها متأخرة عنه [7].

وفاة الواقدي
قضى الواقدي حياته بين المدينة والشام والرقة وبغداد ولم يزل على القضاء للخليفة المأمون بعسكر  المهدي، حتى مات ببغداد ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 207ه / 823م، وقد أوصى للخليفة المأمون فقَبِل وصيته وقضى دينه ولم يكن له كفن فبعث المأمون بكفنه، ودُفن يوم الثلاثاء في مقابر الخَيْزران، وهو ابن ثمان وسبعين سنة [8].


[1] انظر ترجمته في: ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 425. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، 4/ 5 - 6. ابن عساكر: تاريخ دمشق، 54/ 432. ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 6/ 2595. ابن خلكان: وفيات الأعيان، 4/ 348. المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 26/ 180. الذهبي: تاريخ الإسلام، 5/ 182. سير أعلام النبلاء، 9/ 454.  الصفدي: الوافي بالوفيات، 4/ 168. ابن الجزري: غاية النهاية في طبقات القراء، 2/ 219. قاسم علي سعد: جمهرة تراجم الفقهاء المالكية، 3/ 1158.
[2] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 425 – 427. ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 6/ 2596 – 2597.
[3] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 425. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، 4/ 5 - 6. ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، 23/ 131 – 140. الذهبي: تذكرة الحفاظ، 1/ 254، سير أعلام النبلاء، 9/ 457 - 459.
[4] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، 4/ 8 - 10. ابن الجوزي: الضعفاء والمتروكون، 3/ 87. ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 6/ 2595 – 2596.  المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 26/ 188 - 192. الذهبي: سير أعلام النبلاء، 7/ 142.  9/ 457 - 458، 9/ 469. الذهبي: تاريخ الإسلام، 5/ 182 - 186. ابن كثير: البداية والنهاية، 3/ 234 - 235. ابن سيد الناس: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، 1/ 24. فاروق حمادة: أعلام السيرة النبوية في القرن الثاني للهجرة، ص58 - 59.
[5] عبد الشافي محمد عبد اللطيف: أوائل المؤلفين في السيرة النبوية، ص80 - 81.
[6] ابن النديم: الفهرست، 1/ 127.  مارسدن جونس: مقدمة تحقيق كتاب مغازي الواقدي، المقدمة، ص16 - 18.
[7] ابن النديم: الفهرست، 1/ 128. ابن سيد الناس: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، 1/  12. مارسدن جونس: مقدمة تحقيق كتاب مغازي الواقدي، المقدمة، ص10 - 15.  فاروق حمادة: أعلام السيرة النبوية في القرن الثاني للهجرة، ص59 - 62. عبد الشافي محمد عبد اللطيف: أوائل المؤلفين في السيرة النبوية، ص79.
[8] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 433. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، 4/ 6. الذهبي: تاريخ الإسلام، 5/ 187.

-----------------------------------------------------------------------------------------------------

 

يقول محقق كتاب المغازي للواقدي، مارسدن جونز:

 

حقا إن أكثر النقاد من المحدثين الأوائل كانوا يضعفون الواقدي فى الحديث، فقد قال البخاري، والرازي، والنسائي، والدارقطني: إنه متروك الحديث. ولكن آراء المحدثين لم تكن ضد الواقدي بالإجماع، فإن منهم من وصفه بأوصاف لا تقل قدرا عما وصف به الثقات، فقد وصفه الحافظ الدراوردي بأنه: أمير المؤمنين فى الحديث. وقال يزيد بن هارون: الواقدي ثقة. ووثقه أبو عبيد القاسم بن سلام، وكذلك أبو بكر الصغاني، ومصعب الزبيري، ومجاهد بن موسى، والمسيب، وإبراهيم الحربي [ (1) ] .

ومع أن أغلب العلماء ينكرونه فى الحديث، فإنه- بغير شك- يعتبر إماما فى المغازي. قال ابن النديم: كان عالما بالمغازى والسير والفتوح واختلاف الناس فى الحديث والفقه والأحكام والأخبار [ (2) ] .

وبمثل ذلك ذكره ابن سعد [ (3) ] . وقال إبراهيم الحربي: الواقدي آمن الناس على أهل الإسلام [ (4) ] . ونجد فى تاريخ بغداد أقوالا تدل على عظم قدر الواقدي فى علم المغازي والسير.

 

حقا إن أكثر النقاد من المحدثين الأوائل كانوا يضعفون الواقدي فى الحديث، فقد قال البخاري، والرازي، والنسائي، والدارقطني: إنه متروك الحديث. ولكن آراء المحدثين لم تكن ضد الواقدي بالإجماع، فإن منهم من وصفه بأوصاف لا تقل قدرا عما وصف به الثقات، فقد وصفه الحافظ الدراوردي بأنه: أمير المؤمنين فى الحديث. وقال يزيد بن هارون: الواقدي ثقة. ووثقه أبو عبيد القاسم بن سلام، وكذلك أبو بكر الصغاني، ومصعب الزبيري، ومجاهد بن موسى، والمسيب، وإبراهيم الحربي.

ومع أن أغلب العلماء ينكرونه فى الحديث، فإنه- بغير شك- يعتبر إماما فى المغازي. قال ابن النديم: كان عالما بالمغازى والسير والفتوح واختلاف الناس فى الحديث والفقه والأحكام والأخبار.

وبمثل ذلك ذكره ابن سعد. وقال إبراهيم الحربي: الواقدي آمن الناس على أهل الإسلام. ونجد فى تاريخ بغداد أقوالا تدل على عظم قدر الواقدي فى علم المغازي والسير.

 

ويبدو واضحا للقارئ الحديث أن من أهم السمات التي تجعل الواقدي فى منزلة خاصة بين أصحاب السير والمغازي تطبيقه المنهج التاريخى العلمي الفنى، فإننا نلاحظ عند الواقدي- أكثر مما نلاحظ عند غيره من المؤرخين المتقدمين- أنه كان يرتب التفاصيل المختلفة للحوادث بطريقة منطقية لا تتغير. فهو مثلا يبدأ مغازيه بذكر قائمة طويلة من الرجال الذين نقل عنهم تلك الأخبار، ثم يذكر المغازي واحدة واحدة مع تأريخ محدد للغزوة بدقة، وغالبا ما يذكر تفاصيل جغرافية عن موقع الغزوة، ثم يذكر المغازي التي غزاها النبي بنفسه وأسماء الذين استخلفهم على المدينة أثناء غزواته، وأخيرا يذكر شعار المسلمين فى القتال، كل ذلك بالإضافة إلى وصفه لكل غزوة بأسلوب موحد، فيذكر أولا اسم الغزوة وتأريخها وأميرها، ويكرر فى بعضها اسم المستخلف على المدينة وتفاصيل جغرافية مما كان قد ذكرها فى مقدمة الكتاب.

وفى أماكن كثيرة يقدم لنا الواقدي قصة الواقعة بإسناد جامع- أى يجمع الرجال والأسانيد فى متن واحد.

وإذا كانت الغزوة قد نزل فيها آيات كثيرة من القرآن، فإن الواقدي يفردها وحدها مع تفسيرها ويضعها فى نهاية أخبار الغزوة.

وفى المغازي الهامة يذكر الواقدي أسماء الذين شهدوا الغزوة وأسماء الذين استشهدوا أو قتلوا فيها. ومن اليسير أن نستدل على فطنة الواقدي وإدراكه كمؤرخ من المنهج الموحد الذي يستعمله.

وإن ما أورده فى الكتاب من التفاصيل الجغرافية ليوحى بجهده ومعرفته للدقائق فى الأخبار التي جمعها فى رحلته إلى شرق الأرض وغربها طلبا للعلم وذلك أيضا دليل على أحقيته فى هذا الميدان بما وصفناه به.

وقد تبعه فى اهتمامه بهذه التفاصيل الجغرافية كاتبه وتلميذه محمد بن سعد، بل نراه يزيد على تلك التفاصيل التي عند أستاذه الواقدي.

وجدير بالذكر أن هذه التفاصيل الجغرافية التي أوردها الواقدي تعتبر بحق المرحلة الأولى فى الأدب الجغرافى العربي، إن لم تكن اللبنات والأسس التي بنى عليها كل من جاء بعده مثل ابن سعد، والبلاذري، ومن تلاهما فى التأليف لكتب الفتوح والبلدان.

ومن أهم الخصائص المميزة لمغازى الواقدي هي النظام المتكامل للتواريخ.

وكثير من المغازي غير المؤرخة عند ابن إسحاق مثل غزوة الخرار، وقتل أسماء بنت مروان، وقتل أبى عفك، وغزوة بنى قينقاع، وقتل كعب بن الأشرف، وسرية قطن، وغزوة دومة الجندل، وقتل سفيان بن خالد بن نبيح، وغزوة القرطاء، وسرية الغمر، وسرية ذى القصة، وغزوة بنى سليم، وسرية الطرف، وسرية حسمى، وسرية الكديد، وسرية ذات أطلاح، وغزوة ذات السلاسل، وسرية الخبط، وسرية خضرة، وسرية علقمة بن مجزز، وسرية على بن أبى طالب إلى اليمن، لها كلها عند الواقدي تأريخ معين محدد وذكر خاص.

قلنا إن منهج الواقدي متكامل فى التأريخ للحوادث بصورة أكمل منها عند ابن إسحاق، ولكنه يجب علينا- تحريا للإنصاف- أن نتقبله بحذر فى ذكر تأريخ بعض الحوادث، وهاكم الأمثلة:

(1) نرى الاختلاف فى نص تأريخ مقتل كعب بن الأشرف. قال الواقدي:

إن محمد بن مسلمة خرج إليه- أى إلى كعب- في ليلة أربع عشرة من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا من الهجرة ومشى معه النبي حتى أتى البقيع  (ب) ولكن فى قصة ذى أمر يزعم الواقدي أن النبي قد خرج من المدينة إلى غطفان يوم الخميس لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ولا يمكن أن يرافق النبي محمد بن سلمة فى الطريق بعد خروجه بيومين.

(ح) ونجد أيضا تأريخين لغزوة بحران فى مخطوطتين من المغازي للواقدي، ففي إحداهما جمادى الأولى وفى الثانية جمادى الآخرة.

 

(د) أرخ الواقدي غزوة الرجيع في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة وذكر أن الهجوم على المسلمين فى تلك الغزوة كان عقب مقتل سفيان ابن خالد بن نبيح الهذلى، ولكن فى مكان آخر أرخ مقتل سفيان بن خالد بن نبيح على رأس أربعة وخمسين شهرا.

(هـ) ونجد اختلافا آخر فى تفاصيل التأريخ عند الواقدي فى قصة غزوة القرطاء. قال محمد بن مسلمة: خرجت في عشر ليال خلون من المحرم على رأس خمسة وخمسين شهرا. ولكن الواقدي يقول فى مكان آخر: أربعة وخمسين شهرا.

(و) وفى خبر سرية الميفعة التي أرخها الواقدي فى رمضان سنة سبع ذكر يسارا مولى النبي مع أنه نفسه وصف قتل يسار فى شوال سنة سبع.

(ز) ذكر الواقدي فى أول خبر غزوة بنى لحيان أن النبي خرج من المدينة فى هلال ربيع الأول سنة ست، ولكنه فى نهاية القصة أرخها فى المحرم سنة ست، وفى تلك الغزوة قال إن خبيب بن عدى كان يومئذ فى أيدى قريش بمكة، مع أنه وصف قتل خبيب فى خبر غزوة الرجيع، التي أرخها فى صفر سنة أربع.

وعلى الرغم من هذه الاختلافات فى التواريخ، فإننا نجدها أدق وأثبت بعامة فى نظامها من التواريخ المماثلة فى كتب السيرة الأخرى. هذا فضلا عما انفرد به الواقدي حين يعرض فى مغازيه الأخبار الكثيرة التي لا نجدها عند غيره، مثل وصفه للسرية الأولى إلى ذى القصة، وسرية أبى بكر إلى نجد، والسريتين إلى ميفعة وذات أطلاح.

أضف إلى ذلك الإسهاب فى التفصيل والدقة فى الترتيب عند سرده للحوادث المشهورة، مثل أحد، والطائف، بأكثر وأحسن مما هو مذكور فى المراجع الأخرى للسيرة.

كما يلقى الواقدي أيضا الضوء على مشاهد كثيرة من الحياة فى فجر الإسلام، مثل الزراعة، والأكل، والأصنام، والعادات فى دفن الموتى، وعلى تكوين وتنظيم العيرات، وبالجملة على جميع مظاهر الحياة فى المجتمع الإسلامى فى الفترة بين الهجرة وموت النبي.

ومما يزيد فى قيمة هذه الأخبار أن الواقدي يذكر بكل وضوح أنه كان يتبع منهجا نقديا واعيا فنيا فى اختيار وتنظيم أخباره، ثم لا يلبث أن يذكر آراءه وأفكاره عن الأخبار التي كان يسجلها، وكثيرا ما يقول مثلا: «وهو المثبت» ، «والثابت عندنا» ، «والمجتمع عليه عندنا» ، «ولا اختلاف عندنا» ، «والقول الأول أثبت عندنا» ، «وهو أثبت» ، «وهذا الثبت عندنا» ، «ومجمع عليه لا شك فيه» إلى غير ذلك من العبارات التي تبرز رأيه الصريح فى تقويم تلك الأخبار.

والتعبير بمثل العبارات السابقة فى المغازي للواقدي شائع جدا فى أسلوبه إلى حد لم نره عند غيره من المؤلفين الأولين، حتى البلاذري الذي توفى بعد الواقدي بسبعين سنة، لا يقدم آراءه الشخصية فى متن أخباره كما فعل الواقدي.

وعلى الرغم مما ذكرت من آراء نقدية مثل الاختلاف الواقع فى بعض تواريخ الحوادث، فلا بد من الاعتراف بأن مغازي الواقدي أكمل وأتم مصدر محايد- دون تعصب- لتاريخ حياة النبي فى المدينة.

 

__________

[ (1) ] انظر تهذيب التهذيب، ج 9، ص 364، 365.

[ (2) ] الفهرست، ص 144.

[ (3) ] الطبقات، ج 7 (2) ، ص 77.

[ (4) ] عيون الأثر، ج 1، ص 18.

 

 

أما ملاحظاتي كمؤلف (لؤي عشري):

 

لما طالعت كتاب الواقدي ولاحظت قوة وجودة رواياته ودقتها، وأن معظمها له شواهد في كل كتب الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد والسنن الأربعة ومصنف ابن أبي شيبة شيخ وأستاذ البخاري ومصنف عبد الرزاق من كبار الرواة شيخ الأئمة الرواة، وإن كانوا لم يرووا عنه وأبغضه الكثير منهم ورموه بالكذب، لكني لم أجد في المغازي كذبًا بل صدقًا ووضوحًا وأمانة في الرواية، ولعل ما دفعهم لذلك أسباب سياسية ففي ترجمته وسيرته أنه كان صنيعة لإحسان يحيى البرمكي في الدولة العباسية، والثابت أنه كان يكتب كمؤرخ وبإسناد جمعي يجمع فيه كل الروايات بلا تمييز بين من منهم قال ماذا، والأسلوب التأريخي السليم لمؤرخ حقيقي يمارس العلم، لا على أسلوب علم الإسناد الخاص بأهل الحديث الذي سخر منه بالحق مفكر مسيحي قائلًا عنه أنه علم تأكيد الحكايات بحكايات! وقد تم إنصاف الرجل العالم في كتاب مهم جدًّا صدر عن وزارة التعليم العالي السعودية_الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، للدكتور عبد العزيز بن سليمان بن ناصر السلومي_كباحث مسلم وشيخ وبمنهج علمائهم ومشايخهم_بعنوان (الواقدي منهجه ومصادره) وقد فند الكثير من التهم التي اتُهِم بها الواقدي كالكذب والتشيع فقد أثبت التاريخ أن بعض ما كذّبوه من أحاديث وأسانيد له أكد صحته رواة آخرون، وإنما كذبوه لما لم يكن عندهم ما عنده من علم بالروايات. وهذه بعض أقوال من وثقوه ومنهم أبو بكر بن أبي شيبة صاحب المصنف المعروف، والذي هو شيخ لأصحاب كتب الحديث رووا عنه كالبخاري ومسلم وأحمد ومؤلفي السنن الأربعة، والرجل ذكر الأخبار بأسلوب مؤثر يبرز العنف الإجرامي الإسلامي ضد الإنسانية، وكذلك مروياته الفاضحة لأمور أخفاها آخرون كقصة محمد حينما جعل الجيش بغزوة خيبر يمكث قريبًا من حصن مدعيًا أن هذا عن أمر إلهي، أو قصة مكوثه ليوم رابع بخلاف شروط صلح الحديبية وغيرها من أمور تفضح ديانة الإسلام وتاريخ محمد الحقيقي لذا فهي لا تسرهم. ويرجى العودة إلى كتاب (الواقدي وكتابه المغازي، منهجه ومصادره) ففيه إنصاف كبير للواقدي ونفي للتهم التي اتهمه البعض بها زورًا، وهو بقلم عالم مسلم من المدينة النبوية بالسعودية.

 

قال المزى ( من كبار علماء الجرح والتعديل ) – فى “تهذيب الكمال في اسماء الرجال”:

محمد بن عمر الواقدي

و قال محمد بن سعد: محمد بن عمر بن واقد الواقدى مولى لبنى سهم من أسلم، و كان قد تحول من المدينة، فنزل بغداد، و ولى القضاء لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين بعسكر المهدى أربع سنين، و كان عالما بالمغازى، و السيرة، و الفتوح، و باختلاف الناس فى الحديث، و الأحكام، و اجتماعهم على ما اجتمعوا عليه، و قد فسر ذلك فى كتب استخرجها و وضعها و حدث بها. و قال أبو بكر الخطيب: قدم الواقدى بغداد، و ولى قضاء الجانب الشرقى منها، و هو ممن طبق شرق الأرض و غربها ذكره، و لم يخف على أحد عرف أخبار الناس أمره و سارت الركبان بكتبه فى فنون العلم من المغازى، و السير، و الطبقات، و أخبار النبى صلى الله عليه وسلم و الأحداث التى كانت فى وقته، و بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، و كتب الفقه، و اختلاف الناس فى الحديث، و غير ذلك، و كان جوادا كريما مشهورا بالسخاء. ثم روى بإسناده عن محمد بن سلام الجمحى، قال محمد بن عمر الواقدى عالم دهره. و عن إبراهيم الحربى، قال: الواقدى أمين الناس على أهل الإسلام. و عن إبراهيم بن سعيد الجوهرى، قال: سمعت المأمون يقول: ما قدمت بغداد إلا لأكتب كتب الواقدى. و عن إبراهيم الحربى، قال: كان الواقدى أعلم الناس بأمر الإسلام، فأماالجاهلية فلم يعلم منها شيئا. و عن موسى بن هارون، قال: سمعت مصعبا الزبيرى يذكر الواقدى، فقال: والله ما رأيت مثله قط. قال: و سمعت مصعبا يقول: حدثنى من سمع عبد الله ـ يعنى ابن المبارك ـ يقول: كنت أقدم المدينة فما يفيدنى و لا يدلنى على الشيوخ إلا الواقدى.و عن يعقوب مولى أبى عبيد الله، قال: سمعت الدراوردى و ذكر الواقدى، فقال: ذاك أمير المؤمنين فى الحديث. و عن يعقوب بن شيبة، قال: حدثنى بعض أصحابنا ثقة، قال: سمعت أبا عامر العقدى يسأل عن الواقدى، فقال: نحن نسأل عن الواقدى إنما يسأل الواقدى عنا، ما كان يفيدنا الشيوخ و الأحاديث إلا الواقدى. و قال يعقوب: حدثنى مفضل، قال: قال الواقدى: لقد كانت ألواحى تضيع بالمدينة فأوتى بها من شهرتها بالمدينة، يقال: هذه ألواح ابن واقد. و عن أحمد بن على الأبار، قال: سألت مجاهدا ـ يعنى ابن موسى ـ عن الواقدى، فقال: ما كتبت عن أحد أحفظ منه لقد جاءه رجل من بعض هؤلاء الكتاب، فسأله عن الرجل لا يستطيع أن يصلى قائما، فقال: اجلس فجعل يملى عليه، فقال لى أبو الأحوص الذى كان فى البغويين: تعال و سمع، فجعل يقول: حدثنا فلان عن فلان يصلى قاعدا، يصلى على جنبه، يصلى بحاجبيه. فقال لى: سمعت من هذا شيئا ؟ قلت: لا. قال: و بلغنى عن الشاذكونى أنه قال: إما أن يكون أصدق الناس، و إما أن يكون أكذب الناس، و ذلك أنه كتب عنه، فلما أراد أن يخرج جاء بالكتاب، فسأله فإذا هو لا يغير حرفا، و كان يعرف رأى سفيان، و مالك، ما رأيت مثله. و قال عبد الرحمن بن أبى حاتم: حدثنى أبى، قال: حدثنا معاوية بن صالح بن أبى عبيد الله الأشعرى الدمشقى، قال: سمعت سنيد بن داود يقول: كنا عند هشيم فدخل الواقدى فسأله هشيم عن باب ما يحفظ فيه، فقال له الواقدى: ما عندك ياأبا معاوية ؟ فذكر خمسة أحاديث أو سته فى الباب. ثم قال للواقدى: ما عندك ؟ فحدثه بثلاثين حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم و أصحابه و التابعين، ثم قال: سألت مالكا، و سألت ابن أبى ذئب، و سألت، و سألت، فرأيت وجه هشيم يتغير. و قام الواقدى فخرج، فقال هشيم: لئن كان كذابا فما فى الدنيا مثله، و إن كان صادقا فما فى الدنيا مثله. و قال إبراهيم بن جابر الفقيه: سمعت الصاغانى، و ذكر الواقدى، فقال: والله لولا أنه عندى ثقة ما حدثت عنه. حدث عنه أربعة أئمة: أبو بكر بن أبى شيبة، و أبو عبيد، و أحسبه ذكر أبا خثيمة و رجلا آخر. و قال إبراهيم لحربى: سمعت مصعبا الزبيرى، و سئل عن الواقدى، فقال: ثقة مأمون و سئل المسيبى عنه، فقال: ثقة مأمون، و سئل معن بن عيسى عنه، فقال: أأسأل أنا عن الواقدى، يسأل الواقدى عنى. و سئل عنه أبو يحيى الأزهرى، فقال: ثقة مأمون. و قال أيضا: سألت ابن نمير عن الواقدى، فقال: أما حديثه هنا فمستوى، و أما حديث أهل المدينة فهم أعلم به. و قال فى موضع آخر: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: الواقدى ثقة. قال إبراهيم: و أما فقه أبى عبيد فمن كتب محمد بن عمر الواقدى الاختلاف و الإجماع كان عنده. قال محمد بن سعد: أخبرنى أنه ولد فى أول سنة ثلاثين و مئة. و قال فى موضع آخر: محمد بن عمر بن واقد الأسلمى مولى عبد الله بن بريدة الأسلمى، كان من أهل المدينة، فقدم بغداد فى سنة ثمانين و مئة فى دين لحقه، فلم يزل بها، و خرج إلى الشام و الرقة، ثم رجع إلى بغداد، فلم يزل بها إلى أن قدم المأمون من خراسان، فولاه القضاء بعسكر المهدى، فلم يزل قاضيا حتى مات ببغداد ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة سنة سبع و مئتين، و دفن يوم الثلاثاء فى مقابر الخيزران، و هو ابن ثمان و سبعين سنة، و ذكر أنه ولد سنة ثلاثين و مئة فى آخر خلافة مروان بن محمد. و كذلك ذكر غير واحد أنه مات فى ذى الحجة سنة سبع و مئتين. روى ابن ماجة حديثا عن أبى بكر بن أبى شيبة عن شيخ له عن عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه، عن النبى صلى الله عليه وسلم: ” ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبى مهنته ”. و رواه عبد بن حميد، عن أبى بكر بن أبى شيبة، عن الواقدى، عن عبد الحميد بن جعفر.

__________

( تهذيب الكمال في اسماء الرجال – المزي )

وجاء في كتاب التهذيب:

 

 ولكن الخطأ في وصل حديثين لايعني جرح الواقدي مطلقًا، إذ أنه من المعروف لكل مطلع على كتاب المغازي للواقدي أنه فيه الروايات الكثيرة الصحيحة التي توافق صحيح الأخبار.

 

وهذه ترجمة الواقدي من سير أعلام النبلاء للذهبي نوردها على ما فيها من عداوة ظاهرة له وقصص غير معقولة كقصة تحفيظه سورة الجمعة، وهي قصة تافهة لا تعقل في مقام عالم همام كبير كهذا فندها مؤلف كتاب (الواقدي منهجه ومصادره)، يقول الذهبي:

 

الواقدي

الواقدي محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي المديني القاضي صاحب التصانيف والمغازي العلامة الإمام أبو عبد الله أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه ولد بعد العشرين ومئة وطلب العلم عام بضعة وأربعين وسمع من صغار التابعين فمن بعدهم بالحجاز والشام وغير ذلك حدث عن محمد بن عجلان وابن جريج وثور بن يزيد ومعمر ابن راشد وأسامة بن زيد الليثي وكثير بن زيد وعبد الحميد بن جعفر والضحاك بن عثمان وابن أبي ذئب وأفلح بن حميد والأوزاعي وهشام بن الغاز وأبي بكر بن أبي سبرة ومالك وفليح بن سليمان وخلق كثير إلى الغاية من عوام المدنيين وجمع فأوعى وخلط الغث بالسمين والخرز بالدر الثمين فاطرحوه لذلك ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم حدث عنه محمد بن سعد كاتبه وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي ومحمد بن شجاع الثلجي وسليمان بن داود الشاذكوني ومحمد بن يحيى الأزدي وأحمد بن عبيد بن ناصح وأبو بكر الصاغاني والحارث بن أبي أسامة ومحمد بن الفرج الأزرق وأحمد بن الوليد الفحام وأحمد بن الخليل البرجلاني وعبد الله بن الحسن الهاشمي وعدة

الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يقول لم نزل ندافع أمر الواقدي حتى روى عن معمر عن الزهري عن نبهان عن أم سلمة عن النبي قالت أفعمياوان أنتما فجاء بشيء لا حيلة فيه فهذا حديث يونس ما رواه غيره عن الزهري قال الحافظ ابن عساكره ورواه الذهلي أخبرنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري وقال الرمادي لما حدثني سعيد بن أبي مريم بهذا ضحكت فقال مم تضحك فأخبرته بما قال علي بن المديني وكتب إليه أحمد يقول هذا حديث تفرد به يونس وهذا أنت تحدث به عن نافع بن يزيد عن عقيل فقال إن شيوخنا المصريين لهم عناية بحديث الزهري قال وفيما كتب أحمد إلى ابن المديني كيف تستحل تروي عن رجل يروي عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة رواه الحافظ محمد بن المظفر عن عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني عن الرمادي إبراهيم بن جابر الحافظ سمعت الرمادي وحدث بحديث عقيل عن ابن شهاب فقال هذا مما ظلم فيه الواقدي قال محمد بن سعد محمد بن عمر الواقدي مولى لبني أسلم ثم بني سهم بطن من أسلم ولي القضاء ببغداد للمأمون أربع سنين وكان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح والأحكام واختلاف الناس وقد فسر ذلك في كتب استخرجها ووضعها وحدث بها أخبرني أنه ولد سنة ثلاثين ومئة وقال ابن سعد في الطبقات الكبير هو مولى عبد الله بن بريدة الأسلمي قدم بغداد في دين لحقه سنة ثمانين ومئة فلم يزل بها وخرج ولاه القضاء بعسكر المهدي فلم يزل قاضيا حتى مات ببغداد لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومئتين وذكره البخاري فقال سكتوا عنه تركه أحمد وابن نمير وقال مسلم وغيره متروك الحديث وقال النسائي ليس بثقة وقال الخطيب هو ممن طبق ذكره شرق الأرض وغربها وسارت بكتبه الركبان في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات والفقه وكان جوادا كريما مشهورا بالسخاء قال محمد بن سلام الجمحي الواقدي إلى الشام والرقة ثم رجع فولاه المأمون القضاء إذ قدم من خرسان عالم دهره وقال إبراهيم الحربي الواقدي أمين الناس على أهل الإسلام كان أعلم الناس بأمر الإسلام قال فأما الجاهلية فلم يعلم فيها شيئا وقال موسى بن هارون سمعت مصعبا الزبيري يذكر الواقدي فقال والله ما رأينا مثله قط وعن الدراوردي وذكر الواقدي فقال ذاك أمير المؤمنين في الحديث رواها يعقوب الفسوي عن عبيد بن أبي الفرج عن يعقوب مولى آل عبيد الله عنه وعن الواقدي قال كانت ألواحي تضيع فأوتى بها من شهرتها بالمدينة يقال هذه ألواح ابن واقد قد كانت للواقدي في وقته جلالة عجيبة ووقع في النفوس بحيث إن أبا عامر العقدي قال نحن نسأل عن الواقدي ما كان يفيدنا الشيوخ والحديث إلا الواقدي وقال مصعب الزبيري حدثني من سمع عبد الله بن المبارك يقول كنت أقدم المدينة فما يفيدني ويدلني على الشيوخ إلا الواقدي وقال معاوية بن صالح الدمشقي حدثني سيد بن داود قال كنا عند هشيم فدخل الواقدي فسأله هشيم عن باب ما يحفظ فيه فقال ما لا عندك يا أبا معاوية فذكر خمسة أحاديث أو ستة في الباب ثم قال هشيم للواقدي ما عندك فحدثه بثلاثين حديثا عن النبي وأصحابه والتابعين ثم قال وسألت مالكا وسألت ابن أبي ذئب وسألت وسألت فرأيت وجه هشيم يتغير فلما خرج قال هشيم لئن كان كذابا فما هي الدنيا مثله وإن كان صادقا فما في الدنيا مثله أحمد بن علي الأبار سمعت مجاهد بن موسى يقول ما كتبنا عن أحد أحفظ من الواقدي وقال إبراهيم الحربي قال سليمان الشاذكوني كتبت ورقة من حديث الواقدي وجعلت فيها حديثا عن مالك لم يروه إلا ابن مهدي عنه ثم أتيت بها الواقدي فحدثني إلى أن بلغ الحديث فتركني وقام ثم أتى فقال لي هذا الحديث سأل عنه إنسان بغيض لمالك فلم أكتبه ثم حدثني به قال محمد بن جرير قال ابن سعد كان الواقدي يقول ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي قال يعقوب بن شيبة لما أنتقل الواقدي من جانب الغربي يقال إنه حمل كتبه على عشرين ومئة وقر وعن أبي حذافة السهمي قال كان للواقدي ست مئة قمطر كتب قال إبراهيم الحربي سمعت المسيبي يقول رأينا الواقدي يوما جالسا إلى أسطوانة في مسجد المدينة وهو يدرس فقلنا أي شيء تدرس فقال جزئي من المغازي وقلنا يوما له هذا الذي تجمع الرجال تقول حدثنا فلان وفلان وجئت بمتن واحد لو حدثتنا بحديث كل واحد على حدة فقال يطول قلنا له قد رضينا فغاب عنا جمعة ثم جاءنا بغزوة أحد في عشرين جلدا فقلنا ردنا إلى الأمر الأول قال أبو بكر الخطيب كان الواقدي مع ما ذكرناه من سعة علمه وكثره حفظه لا يحفظ القرآن فأنبأني الحسين بن محمد الرافقي حدثنا أحمد بن كامل القاضي حدثني محمد بن موسى البربري قال قال المأمون للواقدي أريد أن تصلي الجمعة غدا بالناس فامتنع قال لا بد فقال والله ما أحفظ سورة الجمعة قال فأنا أحفظك فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى بلغ النصف منها فإذا حفظه ابتدأ بالنصف الثاني فإذا حفظه نسي الأول فأتعب المأمون ونعس فقال لعلي بن صالح حفظه أنت قال علي ففعلت فبقي كلما حفظته شيئا نسي شيئا فاستيقظ المأمون فقال لي ما فعلت فأخبرته فقال هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل اذهب فصل بهم واقرأ أي سورة شئت فهذه حكاية مرسلة والبربري فحافظ قال إبراهيم بن جابر الفقيه سمعت أبا بكر الصاغاني وذكر الواقدي فقال والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه قد حدث عنه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو عبيد وسمى غيرهما وقال إبراهيم الحربي سمعت مصعب بن عبد الله يقول الواقدي ثقة مأمون وسئل معن بن عيسى عن الواقدي فقال أنا أسأل عن الواقدي الواقدي يسأل عني وسألت ابن نمير عنه فقال أما حديثه هاهنا فمستو وأما حديث أهل المدينة فهم أعلم به وروى جابر بن كردي عن يزيد بن هارون قال الواقدي ثقة الحربي سمعت أبا عبد الله يقول الواقدي ثقة قال الحربي أما فقه أبي عبيد فمن كتب الواقدي الاختلاف والإجماع كانن عنده ثم قال إبراهيم الحربي وهو إمام كبير وإن أخطأ في اجتهاده هذا من قال إن مسائل مالك وابن أبي ذئب تؤخذ عمن هو أوثق من الواقدي فلا يصدق لأنه قال سألت مالكا وسألت ابن أبي ذئب قال أبو داود السجستاني أخبرني مع سمع علي بن المديني يقول روى الواقدي ثلاثين ألف حديث غريب وروى عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه قال عند الواقدي عشرون ألف حديث لم أسمع بها ثم قال لا يروى عنه وضعفه وعن يحيى بن معين قال أغرب الواقدي على رسول الله عشرين ألف حديث وقال يونس بن عبد الأعلى قال لي الشافعي كتب الواقدي كذب المغيرة بن محمد المهلبي سمعت ابن المديني يقول الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي قلت أجمعوا على ضعف الهيثم أحمد بن زهير عن ابن معين قال ليس الواقدي بشيء وقال مرة لا يكتب حديثه الدولابي حدثنا معاوية بن صالح قال لي أحمد بن حنبل الواقدي كذاب

النسائي في الكنى أخبرنا عبد الله بن أحمد الخفاق قال قال إسحاق هو عندي ممن يضع الحديث يعني الواقدي أبو إسحاق الجوزجاني لم يكن الواقدي مقنعا ذكرت لأحمد موته يوم مات ببغداد فقال جعلت كتبه ظهائر للكتب منذ حين وقال البخاري ما عندي للواقدي حرف وما عرفت من حديثه فلا أقنع به وقال أبو داود لا أكتب حديثه ما أشك أنه كان ينقل الحديث لا ينظر للواقدي في كتاب إلا تبين امره فيه روى في فتح اليمن وخبر العنسي أحاديث عن الزهري ليست من حديثه وكان أحمد لا يذكر عنه كلمة قال النسائي المعروفون بوضع الحديث على رسول الله أربعة ابن أبي يحيى بالمدينة والواقدي ببغداد ومقاتل بن سليمان بخراسان ومحمد بن سعيد بالشام وقال أبو زرعة ترك الناس حديث الواقدي قلت لا شيء للواقدي في الكتب الستة إلا حديث واحد عند ابن ماجة حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا شيخ لنا فما جسر ابن ماجة أن يفصح به وما ذاك إلا لوهن الواقدي عند العلماء ويقولون إن ما رواه عنه كاتبه في الطبقات هو أمثل قليلا من رواية الغير عنه قال أبو بكر بن الأنباري حدثنا أبي حدثنا أبو عكرمة الضبي حدثنا العنبري قال قال الواقدي كنت حناطا بالمدينة في يدي مئة ألف درهم للناس أضارب بها فتلفت الدراهم فشخصت إلى العراق فأتيت يحيى بن خالد البرمكي في دهليزه وآنست الخدم وسألتهم أن يوصلوني إليه فقالوا إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد ونحن ندخلك قال فأدخلوني فأجلسوني على المائدة فقال من أنت وما قصتك فأخبرته فلما رفع الطعام دنوت لأقبل رأسه فاشمأز من ذلك فلما خرجت لحقني خادم بألف دينار وقال الوزير يقرأ عليك السلام ويقول استعن بهذه وعد إلينا قال فعدت من الغد فوصلني بألف دينار أخرى وفي اليوم الثالث بألف وقال لم يمنعني أن أدعك تقبل رأسي إلا أنه لم يكن وصلك من معروفنا ما يوجب ذلك يا غلام أعطه الدار الفلانية وأعطه مئتي ألف درهم ثم قال الزمني وكن عندي فقلت أعز الله الوزير لو أذنت لي في الشخوص إلى المدينة لأقضي الناس أموالهم وأعود قال قد فعلت وأمر بتجهيزي قال فقضيت ديني ورجعت فلم أزل في ناحيته وروى حسين بن فهم عن أحمد بن مسبح حدثنا عبيد الله بن عبد الله قال قال لي الواقدي حج هارون الرشيد فورد المدينة فقال ليحيى بن خالد ارتد لي رجلا عارفا بالمدينة والمشاهد وكيف كان نزول جبريل على النبي ومن أي وجه كان يأتيه وقبور الشهداء فسأل يحيى فكل أحد دله علي فبعث إلى فأتيته فواعدني إلى عشاء الآخرة فإذا شموع فلم أدع مشهدا ولا موضعا إلا أريتهما فجعلا يصليان ويجتهدان في الدعاء فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر ثم أمر لي بكرة بعشرة آلاف درهم وقال لي الوزير لا عليك أن تلقانا حيث كنا قال فاتسعنا وزوجنا بعض الولد ثم إن الدهر أعضنا فقالت لي أم عبد الله ما قعودك فقدمت العراق فسألت عن أمير المؤمنين فقالوا هو بالرقة فمضيت إليها وطلبت الإذن على يحيى فصعب فأتيت أبا البختري وهو في عارف فقال أخطأت على نفسك وسأذكرك له وقلت نفقتي وتحرقت ثيابي فرجعت مرة في سفينة ومرة أمشي حتى وردت السيلحين فبينا أنا في سوقها إذ بقافلة من بغداد من أهل المدينة وإن صاحبهم بكارا الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة وهو أصدق الناس لي فقلت أدعه حتى ينزل ويستقر ثم أتيته فاستخبرني أمري فقال أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحد قلت أصير إلى المدينة قال هذا رأي خطأ ولكن صر معي فأنا الذاكر ليحيى بن خالد أمرك قال فصرت معهم إلى الرقة فلما كان من الغد ذهبت إلى باب الوزير فإذا الزبيري قد خرج فقال أبا عبد الله أنسيت أمرك قف حتى أدخل إليه فدخل ثم خرج الحاجب فقال لي ادخل فدخلت في حال خسيسة وقد بقي من رمضان ثلاثة أو أربعة أيام فلما رآني يحيى في تلك الحال رأيت الغم في وجهه فقرب مجلسي وعنده قوم يحادثونه فجعل يذاكراني الحديث بعد الحديث وقال أفطر عندنا فأفطرت عنده وأعطاني خمس مئة دينار وقال عد إلينا فذهبت فتجملت واكتسيت ولقيت الزبيري فلما رآني بتلك الحال سر وأخبرته الخبر ولم يزل الوزير يقربني ويوصلني كل ليلة خمس مئة دينار إلى ليلة العيد فقال لي يا أبا عبد الله تزين غدا لأمير المؤمنين بأحسن زي للقضاة واعترض له فإنه سيسألني عن خبرك فأخبره ففعلت قال وجعل أمير المؤمنين يلحظني في الموكب ثم نزلنا ومضيت مع يحيى بن خالد فقال لي يا أبا عبد الله ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وقد أمر بثلاثين ألف درهم ثم تجهزت إلى المدينة وكيف ألام على حب يحيى وساق حكاية طويلة قال أبو عكرمة الضبي حدثنا سليمان بن أبي شيخ حدثنا الواقدي قال أضقت مرة وأنا مع يحيى بن خالد وحضر عيد فجاءتني الجارية فقالت ليس عندنا من آلة العيد شيء فمضيت إلى تاجر صديق لي ليقرضني فأخرج إلى كيسا مختوما فيه ألف دينار ومئتا درهم فأخذته فما استقررت في منزلي حتى جاءني صديق لي هاشمي فشكا إلى تأجر غلته وحاجته إلى القرض فدخلت إلى زوجتي فأخبرتها فقالت علي أي شيء عزمت قلت على أن أقاسمه الكيس قالت ما صنعت شيئا أتيت رجلا سوقة فأعطاك ألفا ومئتي درهم وجاءك رجل من آل رسول الله تعطيه نصف ما أعطاك السوقة فأخرجت الكيس كله إليه فمضى فذهب صديقي التاجر إلى الهاشمي وكان صاحبه فسأله القرض فأخرج الهاشمي إليه الكيس بعينه فعرفه التاجر وانصرف إلي فحدثني بالأمر قال وجاءني رسول يحيى يقول إنما تأخر رسولنا عنك لشغلي فركبت إليه فأخبرته أمر الكيس فقال يا غلام هات تلك الدنانير فجاءه بعشرة آلاف دينار فقال خذ ألفي دينار لك وألفي دينار للتاجر وألفين للهاشمي وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم رواها المعافى والدارقطني عن ابن الأنباري حدثنا أبي حدثنا أبو عكرمة وقد روي بإسناد آخر إلى الواقدي نحو منها لكن أمر له بخمس مئة دينار ولكل من الثلاثة بمئتي دينار وهذا أشبه قال الحسن بن شاذان عنه صار إلى من السلطان ستة مئة ألف درهم ما وجبت علي زكاة فيها قال عباس الدوري مات الواقدي وهو على القضاء وليس له كفن فبعث المأمون بأكفانه وقال البخاري مات الواقدي في ذي الحجة سنة سبع ومئتين قرأت على المؤيد علي بن إبراهيم بن يحيى الكاتب أخبرنا عبد الرحيم بن نجم أخبرتنا فخر النساء شهدة وأخبرنا المؤيد أخبرنا علي بن باسويه المقرئ أخبرنا أبو السعادات القزاز قالا أخبرنا محمد ابن عبد الكريم الخشيشي أخبرنا الحسن بن أحمد أخبرنا محمد بن جعفر الأدمي القارىء حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبيد حدثنا محمد بن عمر الواقدي حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ما من مولود يولد إلا الشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة أقرؤوا إن شئتم أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم قرأت على أبي الفهم بن أحمد السلمي أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا مالك بن أحمد البانياسي حدثنا علي بن محمد المعدل أخبرنا أبو بكر الشافعي حدثنا محمد ابن الفرج حدثنا الواقدي حدثنا عاصم بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن أبي أروى السدوسي قال كنت مع رسول الله جالسا فطلع أبو بكر وعمر فقال الحمد لله الذي أيدني بكما أخبرنا إسماعيل بن الفراء أخبرنا ابن قدامة أخبرنا ابن البطي أخبرنا النعالي أخبرنا ابن بشران أخبرنا ابن البختري حدثنا أحمد ابن الخليل حدثنا الواقدي حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال نهى رسول الله عن سب أسعد الحميري قال هو أول من كسا البيت وقد تقرر أن الواقدي ضعيف يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ ونورد آثاره من غير احتجاج أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر فهذة الكتب الستة ومسند أحمد وعامة من جمع في الاحكام نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء بل ومتروكين ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه ويروى لأني لا أتهمه بالوضع وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه كيزيد وأبي عبيد والصاغاني والحربي ومعن وتمام عشرة محدثين إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة وأن حديثه في عداد الواهي رحمه الله

 

ملحوظة: ممن أخذوا عن الواقدي وعن تلميذه الشيخ محمد بن سعد في الأخبار التاريخية: ابن كثير في السيرة النبوية من كتابه البداية والنهاية وابن قيم الجوزية في زاد المعاد، وكلاهما عالما دين ومؤرخان لهما مقام معروف مرموق في الإسلام، وعن الواقدي تقول إحدى المقالات:

الأخيرة

 ولكن يَرِدُ على هذا الكلام ما أورده عليه الشيخ الألباني في بعض أشرطته الصوتية من أن الواقدي لا يعرف عنه كلام في الجرح والتعديل.


أقول: ولعله يصح أن يجاب عن هذا الإيراد بأحد الجوابين الآتيين أو بمجموعها:


الأول: أن ابن حجر ما قصد أن ابن سعد أخذ غالب أحكامه في الرواة من شيخه الواقدي، وإنما أراد أنه أخذ منه مادة تلك الأحكام وأصْلَها مثل مرويات المحدثين وجملة من تراجمهم وأخبارهم وسيرهم؛ ثم بنى هو على ذلك في بعضهم تعديلاً أو تجريحاً، ولعل هذا الجواب يؤيده معنى كلمة مادة، ولكنه يرد عليه قوله في العبارة الأخرى (يقلد الواقدي) فلينظر فيه.


الثاني: أن الواقدي كان عالماً بالجرح والتعديل كما كان عالماً بالتاريخ وأخبار الناس وتراجم الرواة والعلماء والأنساب وغيرهم؛ وإن لم يشتهر كلامه في الرواة؛ ولا يمنع كونه كذاباً من أن يكون عارفاً بالجرح والتعديل؛ وإليك بعض ما قاله فيه العلماء من جهة سعة العلم وغزارته وما يتعلق بذلك؛ إذ في تلك الأقوال ما يؤخذ منه أنه كان عارفاً بالحديث ورواته؛ قال الذهبي في (الميزان): «محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي---القاضي [هو قاضي بغداد] صاحب التصانيف وأحد أوعية العلم على ضعفه----.


قال مجاهد بن موسى ما كتبت عن أحد أحفظ من الواقدي؛ قلت: صدق كان إلى حفظه المنتهى في الأخبار والسير والمغازي والحوادث وأيام الناس والفقه وغيره ذلك.


وقال أحمد بن علي الأبار: بلغني عن سليمان الشاذكوني أنه قال: إما أن يكون الواقدي أصدق الناس، وإما أن يكون أكذب الناس، وذاك أنه كتب عنه فلما أن أراد أن يخرج بالكتاب أتاه به فسأله فإذا هو لا يغير حرفاً؛ قال: وكان يعرف رأي سفيان ومالك ما رأيت مثله قط.


وقال أبو داود: بلغني أن علي بن المديني قال: كان الواقدي يروي ثلاثين ألف حديث غريب.
وقال المغيرة بن محمد المهلبي: سمعت ابن المديني يقول: الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي، لا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب، ولا في شيء.

وقال محمد بن سلام الجمحي: هو عالم دهره؛ وقال إبراهيم الحربي: الواقدي أمين الناس على الإسلام، كان أعلم الناس بأمر الإسلام فأما الجاهلية فلم يعلم فيها شيئاً. 


وقال مصعب الزبيري: والله ما رأينا مثل الواقدي قط. وعن الدراوردي قال: الواقدي أمير المؤمنين في الحديث [كذا قال!!].


وقال ابن سعد: قال الواقدي: ما من أحد إلا كتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي.


وقال يعقوب بن شيبة: لما تحول الواقدي من الجانب الغربي يقال إنه حمل كتبه على عشرين ومئة وقر.


وقيل: كان له ستمئة قمطر كتب.


وقد وثقه جماعة فقال محمد بن إسحاق الصغاني والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه. وقال مصعب: ثقة مأمون؛ وسئل معن القزاز عنه فقال: أنا أُسأل عن الواقدي! الواقدي يسأل عني.
وقال جابر بن كردي سمعت يزيد بن هارون يقول: الواقدي ثقة، وكذا وثقه أبو عبيد.
وقال إبراهيم الحربي: من قال إن مسائل مالك وابن أبي ذئب تؤخذ عن أوثق من الواقدي فلا يصدق.
قال الخطيب في (تاريخه): قدم الواقدي بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي منها قال: وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره ولم يخف على أحد عرف أخبار الناس أمره وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم والأحداث الكائنة في وقته وبعد وفاته وكتب الفقه (((واختلاف الناس في الحديث))) وغير ذلك إلى أن قال: وكان جواداً مشهوراً بالسخاء.

 

قلت: وقد سقت جملة من أخبار الواقدي وجوده وغير ذلك في (تاريخي الكبير)؛ ومات وهو على القضاء سنة سبع ومئتين في ذي الحجة، واستقر الإجماع على وهن الواقدي». انتهى.
وعلى كل حال فهذه العبارة من ابن حجر تقتضيعند التأمل – إن كان مصيباً فيها وقاصداً لظاهرها قدحاً شديداَ في أحكام ابن سعد على الرجال، وربما اقتضت حكْماً بالترك على أحكامه فيهم؛ فتدبر ذلك؛ والله أعلم.


(2)
قال ابن حجر في التهذيب (2/ 147): «لم يحتج به النسائي، وإنما أخرج له في السنن حديثاً واحداً مقروناً بابن ميسرة، وآخر في اليوم والليلة متابعة، هذا جميع ما له عنده».

 

_______________________________________________________________

ويقول مقال آخر:

 

وتمتاز كتب السيرة المتخصصة بسهولة العرض، وتتابع الأحداث التأريخية واتصالها، ومراعاة الزمن في سردها، كما أنها تقدم وصفاً مفصلاً للأحداث بحكم تخصصها. وقد فقد العديد منها مثل مغازي عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، الزهري، ولكن ما اقتبسته المصادر اللاحقة يوضح الهيكل والأسلوب ومستوى الدقة.

   وتعد سيرة ابن اسحق أوثق كتب السيرة المتخصصة التي وصلت إلينا بتهذيب ابن هشام بالإضافة إلى القطع الأصلية منها، والتي نشرت خلال العقدين الأخيرين، فهو حجة في المغازي كما صرح الذهبي، رغم ما ذكره النقاد المحدثون من وجود المناكير والعجائب في رواياته، إذ أنهم قبلوا من أحاديثه في أمور العقيدة والشريعة ما صرح فيها بالتحديث ولم يدلس ما لم يخالف من هو أوثق منه، واعتبروها في مرتبة " الحسن " الذي يحتج به.

وقد حظت رواية البكائي لسيرة ابن سحق بالقبول لأنه اعتمد نسخة منقحة، خلافاً لرواية يونس بن بكير الذي اعتمد نسخة قديمة.

   أما المصدر الآخر من كتب السيرة فهو مغازي الواقدي، وقد رفض النقاد من المحدثين قبول مروياته، ولكن المؤرخين اهتموا بها لغزارة معلوماته، وتقديمه تفاصيل كثيرة ينفرد بها، سواء في وصف الغزوات، أو تحديد تواريخ الأحداث بدقة، وهذه الدقة، تثير الشك في صدقه. والملاحظ من استقراء مغازيه أنه يسوق روايات كثيرة بأسانيد فيها رواة لا نجد لهم تراجم في كتب علم الرجال، في حين أن نُقُول ابن سعد عنه في الطبقات الكبرى منتقاة. ونجد تراجم رجال الأسانيد في المصادر المعنية.

 وثالث كتب السيرة المهمة هو الطبقات الكبرى لمؤلفه محمد بن سعد ( ت.230هـ) وكان كاتباً للواقدي، مما جرَّ إلى اتهامه بسرقة مصنفاته، ولكن المحدثين النقاد رفضوا هذه الاتهامات ووثقوه، كما أن التحقيق والاستقراء لكتابه يكشف عن كونه مؤلفاً أصيلا، وأن رواياته عن الواقدي. - وقد صرح بالنقل عنه ـ لا تمثل معظم الكتاب الذي استقى مادته من شيوخ عديدين


وينبغي أن يعتبر القسم الأول من أنساب الأشراف للبلاذري هو المصدر الرابع من حيث الأهمية والقِدم. أما الطبري فإن جلَّ اعتماده على ابن اسحق، وإن أضاف روايات من مصادر أخرى.


ومن المفيد الإشارة إلى أن مصادر متأخرة نسبياً مثل ( الدرر في اختصار المغازي والسير ) لابن عبد البر القرطبي ( ت 463 هـ ) و ( جوامع السيرة ( لابن حزم( ت 456هـ) ليست إلا أصداء للمصادر القديمة، ولكن المصادر التي تلتها زمنياً استقت من كتب الحديث إلى جانب كتب السيرة المتخصصة، ويبدو هذا المسلك واضحاً عند ابن سيد الناس في ( عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير ) و الذهبي في ( السيرة النبوية ) و ابن كثير في قسم السيرة من كتابه ( البداية والنهاية )، لكن الأخيرين أبديا ملحوظات نقدية مهمة عن الأسانيد والمتون

 

---------------------------------------------------------------------------------------------

 

تعليق لؤي عشري:

 

نلاحظ تناقض كلام الذهبي أو علماء السنة عمومًا، فقد وثقه الكثيرون من العلماء الأجلاء عندهم، فلو شكوا في أقوالهم، فعليهم الشك في صحة كتبهم كالصحيحين لأن الموثقين له هم مشايخ أصحاب كتب الحديث ومعلموهم الذين رووا عنهم كلام محمد وأخباره كابن أبي شيبة. أما ذكره لعشرة محدثين وثقوه في الماضي ثم احتجاجه بتبرير غريب: أننا اليوم في العصر الحالي لا نوثقه ونحن مجمعون على ذلك، حيث يستعمل هنا برهانًا دائريًّا مغلوطًا من خلال لعبتهم المخترعة الشهيرة حينما يقعون في أمر محرج بقولهم أنهم أمة معصومة وإجماعهم على شيء يعني صحته، بقولهم حسب اختراعهم أن محمدًا قال لن تجتمع أمتي على ضلالة، في الواقع أمته مجتمعة على وهم جمعي اسمه دين واسمه إسلام وهم مجمعون خاصة علماءهم على كم قاذروات فكرية وهراء مقزز كالعنصرية ضد اليهود والمسيحيين وغير المسلمين ووجوب منع حرية التعبير وحق الرجل في ضرب زوجته وعدم وجود مشكلة في زواج رجل كبير من طفلة وختان الإناث وحد الردّة إلخ، فكل هذه ضلالات وكوارث هم متفقون متواطئون عليها، هنيئًا لهم! وفكرة الإجماع هذه مطابقة لفكرة العصمة البابوية والوحي الإلهي عند بابا الكاثوليك المسيحيين، نفس الشمولية الفكرية ومصادرة حريات الأقل عددًا مع فارق أن عندهم هي شمولية مجتمعية وعند المسيحيين هي جمعية وكذلك فردية دكتاتورية أو احتكارية لمؤسسة واحدة. ختامًا لقد كرهوا الواقدي لشدة أمانته مع كونه مسلمًا وذكره لكل الأمور البشعة بطريقة مؤثرة وحكى عن نقض العهود وخلافات أصحاب وأتباع محمد وغيرها مما ورد في تاريخ سيرة محمد وأصحابه. وخاصة كونه حكى روايات من لسان نسل من تعرضوا للاضطهاد والمذابح كالمنافقين المجبرين على الإسلام واليهود ممن أسلموا لينقذوا حيواتهم. من سيقرأ الواقدي يجده متفقًا جدًّا مع نصوص كتب الحديث، وواضح منه الصدق والدقة والتحري، ونرجو بشدة العودة إلى المرجع التالي الصادر عن الجامعة الإسلامية بالمدينة "المنورة": الواقدي وكتابه المغازي، منهجه ومصادره_للدكتور عبد العزيز بن سليمان بن ناصر السلومي، ففيه تأكيد لمكانة الرجل العلمية وصدقته ووثاقته ومرجعيته ونفي اتهامه بالكذب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مراجع الكتاب

 

 

 

السيرة النبوية _ لابن هشام (عن محمد بن إسحاق)

كتاب المغازي _ لمحمد بن عمر الواقدي

الطبقات الكبير ج1 و2_لمحمد بن سعد

دلائل النبوة_ للبيهقي

زاد المعاد في هدي خير العباد_ لابن قيم الجوزية

المحبَّر _ لمحمد بن حبيب الهاشمي

وفاء الوفا في "أخبار دار المصطفى_للسمهودي

تاريخ المدينة_ لابن شبة

المغازي النبوية لابن شهاب الزهري_ جمع واستخلاص د. سهيل زكار

مرويات الإمام الزهري في المغازي_ د.محمد بن محمد العواجي

أسد الغابة في معرفة الصحابة_ابن الأثير الجزريّ

الاستيعاب في معرفة الأصحاب_ يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي

الإصابة في تمييز الصحابة_ ابن حجر العسقلاني

كتاب الأصنام_ هشام بن محمد بن السائب الكلبي

السيرة النبوية _ لابن كثير القرشي الدمشقي (قطعة من كتاب البداية والنهاية)

صحيح البخاري

صحيح مسلم

مسند أحمد بن حنبل_طبعة وترقيم الرسالة

مصنف ابن أبي شيبة

مصنف عبد الرزاق

المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري

المعجم الكبير للطبراني

المعجم الأوسط للطبراني

سنن الدارمي

السنن الكبرى للبيهقي

مسند أبي يعلى الموصلى

سنن أبي داوود (داود)

سنن الترمذي

سنن النسائي المجتبى

السنن الكبرى للنسائي

مسند البزار

تفسير ابن كثير القرشي الدمشقي للقرآن

تفسير الطبري للقرآن

نصب الراية شرح أحاديث الهداية_للزيلعي

فتح الباري بشرح صحيح البخاري_ابن حجر العسقلاني

الفجر الساطع على الصحيح الجامع_ محمد الفضيل بن محمد الفاطمي الإدريسي الشبيـهي

معجم البلدان_لياقوت الحموي

معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع_ للبكري الأندلسي

أطلس السيرة النبوية_د. شوقي أبو خليل_دار الفكر_دمشق_سوريا

الواقدي وكتابه المغازي، منهجه ومصادره_للدكتور عبد العزيز بن سليمان بن ناصر السلومي

حروب دولة الرسول_ سيد محمود القمني

سيرة النبي محمد بن عبد الله_نقد الدين الإسلامي_مجموعة من كتاب منتدى الملحدين

 

 



[1] طبقت: قطعت . والذفران: عظمان ناتئتان خلف الأذنين، والأبيض: يريد به السيف، والقاضب: القاطع .

[2] ما بين بصرى ومأرب: بصرى بالشام، ومأرب باليمن، حيث كان السد، ومأرب: اسم قصر كان لسبأ، وقال المسعودى: مأرب اسم كل ملك ولى سبأ، كخاقان في الترك، وكسرى في الفرس، وقيصر في الروم، والنجاشي في الحبشة .

 

[3] الفلجات: جمع فلج، وهي العين الجارية، يقال: ماء فلج، وعين فلج . والمخاض: حوامل الإبل . والأوارك: التي ترعى شجر الأراك الذي تتخذ من أغصانه المساويك .

[4] الملائك: جمع ملك على غير لفظه، ولو جمعوه على لفظة لقالوا: أملاك، ولكن الميم من ملك زائدة فيما زعموا، وأصله مألك من الألوك، وهي الرسالة.

[5] الغور: ما انخفض من الأرض . وبطن عالج: مكان .

[6]  ونص ابن هشام: وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم. ......... وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهودَ بني عَوْف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظَلم وأثِم، فإنه لا يُوتِغ  إلا نفسَه، وأهلَ بيته، وإن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عَوْف، وإن ليهود بنى الحارث مثل ما ليهود بنى عَوْف، وإن ليهود بنى ساعدة مثل ما ليهود بني عَوْف، وإن ليهود بنى جُشَم مثل ما ليهود بني عَوْف، وإن ليهود بنى الأوْس مثل ما ليهود بنى عَوْف، وإن ليهود بنى ثَعْلبة مثل ما ليهود بنى عَوْف، إلا من ظَلم وأثِم، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن جَفْنةَ بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن لبنى الشُّطَيْبة مثل ما ليهود بنى عَوْف، وإن البر دون الإثم وإن موالى ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم، وإنه لا ينحجز على نار جُرْح، وإنه من فتك فبنفسه فتك، وأهل بيته، إلا من ظلم، وإن الله على أبر هذا وإن على اليهود نفقتَهم وعلى المسلمين نفقتَهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإِثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وإن الجار كالنفس غير مُضار ولا أثم، وإنه لا تُجار حُرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يُخاف فساده، فإن مردَّه إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه وإنه لا تُجار قريش ولا من نصرها وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دُعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم في جانبهم الذي قِبَلهم وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.

قال ابن هشام: ويقال: مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة.

قال ابن إسحاق: وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وإثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظَلم أو أثِم، وان الله جار لمن بَرَّ واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

[7] نوهت: شهرت .

[8] القبطية والجمع: القباطي: ثياب بيض كانت تصنع في مصر.

[9]الوثء:إصابة العظم بلا كسر.

[10]فاظ: مات

[11]مغرف: ملتف الأغصان .

[12]ذفف: سريعة القتل.

[13]مجحف: أجحف بفلان: كلفه ما لا يطيق .

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.