37 مصادر الإسلام من الحنفاء اللادينيين الربوبيين والوثنية العربية والزردشتية المجوسية

مصادر الإسلام من الحنفاء اللادينيين الربوبيين والوثنية العربية والزردشتية المجوسية شبه التوحيدية والصابئة المندائيين

 

ما أخذه محمد من تراث الأحناف (الشبه لادينيين ألوهيين)

 

محمد مارس العبادات الوثنية قبل توصله لفكرة التوحيد وإنشاء ديانة الإسلام للعرب واقتبس التوحيد من أفكار الحنفاء وغيرهم كزيد بن عمرٍو بن نفيل

 

 

{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)} غافر

 

{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)} الشرح

 

وجاء في كتاب الأصنام للكلبي:

 

وقد بلغنا أن رسول الله ‏"‏ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ذكرها يوما فقال‏:‏ لقد أهديت للعزى شاةً عفراء وأنا على دين قومي‏.‏ وكانت قريش تطوف بالكعبة وتقول‏:‏ واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى‏!‏ فإنهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى‏!‏ كانوا يقولون‏:‏ بنات الله ‏"‏ عز وجل عن ذلك‏!‏ ‏"‏ وهن يشفعن إليه‏.‏

 

قارن هذا مع زيد بن عمرو بن نفيل، الذي مات قبل دعوة محمد، كما روى البخاري:

 

3826 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُفْرَةٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ وَيَقُولُ الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السَّمَاءِ الْمَاءَ وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ

3827 - قَالَ مُوسَى حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا تَحَدَّثَ بِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنْ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ فَقَالَ إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ فَأَخْبِرْنِي فَقَالَ لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ قَالَ زَيْدٌ مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ قَالَ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا قَالَ زَيْدٌ وَمَا الْحَنِيفُ قَالَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ قَالَ مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ قَالَ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا قَالَ وَمَا الْحَنِيفُ قَالَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام خَرَجَ فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ اللَّيْثُ كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ لَا تَقْتُلْهَا أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا

 

قوله أن على اليهود والمسيحيين لعنة الله وأنهم قالوا له ذلك كلام مغرض غير معقول قاله الراوي لتشويه الصورة، لكن كما نرى فزيد فكَّر بسموٍّ بالغ ووصل إلى مذهب اللادينية الربوبية أو شيء قريب لها لما وجده من لا معقوليات وتكاليف وخزعبلات وعنصرية في كل الأديان.

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

1648- حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ هُوَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، فَمَرَّ بِهِمَا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، فَدَعَوَاهُ إِلَى سُفْرَةٍ لَهُمَا ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي ، إِنِّي لاَ آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ، قَالَ : فَمَا رُئِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَعْدَ ذَلِكَ أَكَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ، قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ ، وَلَوْ أَدْرَكَكَ لآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَسْتَغْفِرُ لَهُ ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ.

 

وانظر أحمد 5369 و5631 و6110

 

وفي المعجم الكبير للطبراني ج1:

 

350 - حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا عبد الله بن رجاء أبنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد عن أبيه عن جده قال: خرج ورقة بن نوفل و زيد بن عمرو يطلبان الدين حتى مرا بالشام فأما ورقة فتنصر وأما زيد فقيل له : إن الذي تطلب أمامك فانطلق حتى أتى الموصل فإذا هو براهب فقال : من أين أقبل صاحب المرحلة ؟ قال : من بيت إبراهيم قال : ما تطلب ؟ قال : الدين فعرض عليه النصرانية فأبى أن يقبل وقال : لا حاجة لي فيه قال : أما إن الذي تطلب سيظهر بأرضك فأقبل وهو يقول :

لبيك حقا حقا تعبدا ورقا

 البر أبغي لا الحال وهل مهاجر كمن قال

عذت بما عاذ به إبراهيم وهو قائم وأنفي لك اللهم عان راغم مهما تجشمني فإني جاشم

ثم يخر فيسجد للكعبة قال : فمر زيد بن عمرو بالنبي صلى الله عليه و سلم و زيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعياه فقال : يا ابن أخي لا آكل مما ذبح على النصب قال : فما رؤي النبي صلى الله عليه و سلم يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك حتى بعث قال : وجاء سعيد بن زيد إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إن زيدا كان كما رأيت أو كما بلغك فاستغفر له قال : ( نعم فأستغفر له فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده )

 

وروى الطبراني في ج 5:

 

4663 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو أسامة حماد بن أسامة حدثني محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب فذبحنا له شاء ثم صنعناها في الإرة فلما نضجت استخرجناها في سفرتنا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم ناقته وهو مردفي فلما كنا بأعلى مكة لقيه زيد بن عمرو بن نفيل فحيا أحدهما صاحبه بتحية الجاهلية فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : مالي أرى قومك قد شنفوك وكرهوك ؟ فقال : والله إن ذلك منهم لبغير ما ثائرة كانت مني إليهم إلا أني أراهم في ضلال فخرجت أبتغي هذا الدين حتى قدمت على أحبار خيبر فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فقلت : والله ما هذا بالدين الذي أبتغي به فخرجت حتى قدمت على أحبار الشام فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فقلت والله ما هذا بالدين الذي خرجت أبتغي فقال حبر من أحبار الشام : إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شخصا بالجزيرة فخرجت حتى قدمت عليه فأخبرته بالذي خرجت له فقال لي : إن كل من رأيت في ضلال وإنك لتسأل عن دين الله وملائكته وقد خرج في أرضك نبي أو هو خارج فارجع فصدقه وآمن به فرجعت فلم أختبر نبيا بعد قال : فأناخ رسول الله صلى الله عليه و سلم ناقته فوضع السفرة بين يديه فقال : ما هذا ؟ قال : شاة ذبحناها لنصب كذا وكذا فقال زيد بن عمرو إنا لا نأكل شيئا ذبح لغير الله ثم تفرقنا قال ومات زيد بن عمرو بن نفيل قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يبعث يوم القيامة أمة وحده

 

وفي مسند الربيع مرجع الحديث الأساسي للمذهب الإباضي:

 

63) ... قَالَ الرَّبِيعُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بَلَغَنِي عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ كَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو لأَوَّلَ مَنْ عَابَ عَلَيَّ عِبَادَةَ الأَصْنَامِ وَالذَّبْحَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنِّي أَقْبَلْتُ مِنَ الطَّائِفِ وَمَعِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَمَعَنَا خُبْزَةٌ وَلَحْمٌ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ آذَتْ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَمَرَرْتُ بِهِ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ السُّفْرَةَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَنْتُمْ تَذْبَحُونَ عَلَى أَصْنَامِكُمْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: لاَ آكُلُهَا، ثُمَّ عَابَ الأَصْنَامَ وَالأَوْثَانَ وَمَنْ يُطْعِمُهَا وَمَنْ يَدْنُو مِنْهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ مَا دَنَوْتُ مِنَ الأَصْنَامِ شَيْئًا حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِالنُّبُوَّةِ». قَالَ: وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقُرِنَ مَعَهُ إِسْرَافِيلُ ثَلاَثَ سِنِينَ وَلَمْ يَكُنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهُ إِسْرَافِيلُ وَقُرِنَ مَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ عَشْرَ سِنِينَ بِمَكَّةَ وَعَشْرَ سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ، فَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.

 

زيد بن عمرو بن نفيل ترك الخرافات والأصنام قبل محمد فبادعاء أن محمدًا نبيّ، يكون زيد رغم كونه بلا نبوة استطاع الوصول بعقله إلى هذا فهو خيرٌ من محمد الذي مارس الوثنية قبل ذلك، أعني على سبيل الجدل ضمن العقلية الإسلامية وأفكارها الدينية المحدودة. زيد هو كما وصفه فعلًا بعض المسيحيين الأستاذ والمعلم زيد بن عمرو الذي منه تعلم محمد ومن غيره من الحنفاء الربوبيين ومن المسيحيين واليهود والغنوسيين والصابئة وغيرهم الكثير من أفكاره التي اقتبسها وجمعها وصنع منها دين الإسلام، وللأسف أنه شوَّه كل الفكرة والعقيدة البسيطة المتألِّهة الطيبة بتبنيه لنهج العنف والنهب والاستعباد والاغتيالات والتعذيب وقتل المعارضين.

 

زيد بن عمرو قبل دعوة محمد تعرض للأذى من أقاربه وأنسبائه كذلك، يقول ابن هشام في السيرة:

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ أَجْمَعَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ، لِيَضْرِبَ فِي الْأَرْضِ يَطْلُبُ الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَتْ صفيةُ بِنْتُ الْحَضْرَمِيِّ كَلَّمَا رَأَتْهُ قَدْ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ، وَأَرَادَهُ، آذَنَتْ بِهِ الْخَطَّابَ بْنَ نُفَيل، وَكَانَ الْخَطَّابُ بْنُ نُفَيل عَمَّهُ وَأَخَاهُ لِأُمِّهِ، وَكَانَ يُعَاتِبُهُ عَلَى فِرَاقِ دِينِ قَوْمِهِ، وَكَانَ الْخَطَّابُ قَدْ وكَّل صَفِيَّةَ بِهِ. وَقَالَ: إذَا رَأَيْتِيهِ قَدْ هَمَّ بِأَمْرٍ فآذنيني به -فقال زيد:

لا تحسبيني فى الهوان ... صَفِيُّ مَا دَابِي وَدَابُهُ

إنِّي إذَا خِفْتُ الهوان ... مشيع ذلل ركابه

دعموص أبواب الملوك ... وجانب للخرق نابه

قطاع أسباب تذل ... بغير أقران صعابه

وإنما أخذ الهوان ... العير إذا يُوهَى إهَابُهْ

وَيَقُولُ: إنِّي لَا أُذل ... بِصَكِّ جنبيه صلابه

وأخي ابن أمي، ثم ... عمي لا يواتني خطابه

وإذا يعاتبني بسوء ... لست أَعْيَانِي جَوَابُهُ

وَلَوْ أَشَاءَ لَقُلْتُ مَا ... عِنْدِي مفاتحه وباب

 

1 دعموص أبواب الملوك. يريد: ولاّجا في أبواب الملوك، وأصل الدعموص: سمكة صغيرة كحية الماء، فاستعاره هنا، وكذلك جاء في حديث أبي هريرة يرفعه: صغاركم دعاميص الجنة.

2 إني لا أذل أي: يقول العير ذلك بصك جنبيه، صلابه، أي: صلاب لما توضع عليه، وأضافتها إلى العير؛ لأنها عبؤه وحمله.

... وَكَانَ الْخَطَّابُ قَدْ آذَى زَيْدًا؛ حَتَّى أَخْرَجَهُ إلَى أَعَلَى مَكَّةَ، فَنَزَلَ حِرَاءَ مقابلَ مَكَّةَ، ووكَّل بِهِ الْخَطَّابُ شَبَابًا مِنْ شَبَابِ قُريش وسفهاء من سفهائهم، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَتْرُكُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، فَكَانَ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا سِرًّا مِنْهُمْ، فَإِذَا عَلِمُوا بِذَلِكَ، آذَنُوا بِهِ الْخَطَّابَ، فَأَخْرَجُوهُ، وَآذَوْهُ كراهيةَ أَنْ يُفسدَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، وَأَنْ يُتَابِعَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى فِرَاقِهِ فَقَالَ، وَهُوَ يُعَظِّمُ حُرْمَتَهُ عَلَى مَنْ استحلَّ مِنْهُ مَا اسْتَحَلَّ مِنْ قَوْمِهِ:

لَا هُمَّ إنِّي مُحرِم لَا حِلّهْ ... وَإِنَّ بَيْتِي أوسطُ المَحِلَّهْ

عِنْدَ الصَّفا لَيْسَ بذي مَضَلَّهْ

 

شعر زيد كمصدر مؤكَّد لكثير من كلام قرآن محمد

 

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي فِرَاقِ دِينِ قَوْمِهِ وَمَا كَانَ لَقِيَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ:

أرَبًّا وَاحِدًا، أَمْ ألفَ رَبٍّ ... أدِينُ إذَا تُقُسمت الأمورُ

عَزَلْتُ اللاتَ والعُزَّى جميعًا ... كذلك يفعلُ الجَلْدُ الصبورُ

فَلَا العُزَّى أدينُ وَلَا ابنتيْها ... وَلَا صَنَمَيْ بَنِي عَمْرٍو أزورُ

وَلَا هُبَلًا أَدِينُ، وَكَانَ رَبًّا ... لَنَا فِي الدَّهْرِ إذْ حِلمي يسيرُ

عَجِبْتُ وَفِي اللَّيَالِي مُعْجَبات ... وَفِي الْأَيَّامِ يَعْرِفُهَا البصيرُ

بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَفْنَى رِجَالًا ... كَثِيرًا كَانَ شأنَهمُ الفجورُ

وَأَبْقَى آخَرِينَ ببرِّ قومٍ ... فَيَرْبِلُ منهمُ الطفلُ الصغير1

وبَيْنا المرءُ يعثر ثابَ يَوْمًا ... كَمَا يَتروَّح الغصنُ المطيرُ2

ولكنْ أعبدُ الرحمنَ ربِّي ... ليغفرَ ذنبيَ الربُّ الغفورُ

فَتَقْوَى اللهِ رَبِّكُمْ احْفَظُوهَا ... مَتَى مَا تَحْفَظُوهَا لَا تَبُورُوا

تَرَى الأبرارَ دارَهُم جِنانٌ ... وللكفارِ حَامِيَةً سعيرُ

وخزْي فِي الْحَيَاةِ وَإِنْ يَمُوتُوا ... يُلَاقُوا مَا تضيقُ بِهِ الصدورُ

 

1 ربل الطفل يربل إذا ثب وعظم. يربل بفتح الباء أي يكبر وينبت، ومنه أخذ تربيل الأرض.

2 يتروح الغصن: أي: ينبت ورقه بعد سقوطه.

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ نُفَيْلٍ:

وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالًا

دَحَاهَا فَلَمَّا رَآهَا اسْتَوَتْ عَلَى ... الْمَاءِ، أَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَا

وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالًا

إذَا هِيَ سِيقَتْ إلَى بَلْدَةٍ ... أطاعت، فصبت عليها سجالًا

 

لا شك كثير من ألفاظه وأفكاره هي نفسها اقتبسها واستعملها القرآن كقول محمد في سورة النازعات:

 

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)}

 

نهايته كباحث عن الحقيقة ومتحيِّرًا في الأسرار السرمدية غير مهتدٍ لنور المذهب العقلاني العلميّ

 

...ثُمَّ خَرَجَ يطلبُ دينَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَسْأَلُ الرهبانَ وَالْأَحْبَارَ، حَتَّى بَلَغَ الموصِل والجزيرةَ كلَّها، ثُمَّ أَقْبَلَ فجالَ الشامَ كلَّه، حَتَّى انْتَهَى إلَى رَاهِبٍ بميْفَعة مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، كَانَ يَنْتَهِي إلَيْهِ عِلْمُ أهلِ النَّصْرَانِيَّةِ فِيمَا يَزْعُمُونَ، فَسَأَلَهُ عَنْ الحنيفيةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: إنَّكَ لَتَطْلُبُ دِينًا مَا أَنْتَ بواجدٍ مَنْ يَحْمِلُكَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ قَدْ أظلَّ زمانُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ بِلَادِكَ الَّتِي خرجتَ مِنها، يُبعث بِدِينِ إبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيَّةِ، فالحقْ بِهَا، فَإِنَّهُ مَبْعُوثٌ الآنَ، هَذَا زمانُه، وَقَدْ كَانَ شَامَّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ، فَلَمْ يرضَ شَيْئًا مِنْهُمَا، فَخَرَجَ سَرِيعًا، حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الرَّاهِبُ مَا قَالَ، يُرِيدُ مكةَ، حَتَّى إذَا تَوَسَّطَ بلادَ لخم، عَدَوْا عليه فقتلوه.

ورقة يرثي زيدًا: فَقَالَ ورقةُ بنُ نَوْفَلِ بنِ أَسَدٍ يَبْكِيهِ:

رشدتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا ... تجنبْتَ تَنُّورًا مِنْ النَّارِ حَامِيَا

بِدِينِكَ رَبًّا لَيْسَ رَبٌّ كمثلِه ... وترككَ أوثانَ الطَّوَاغِي كَمَا هيَا

وَإِدْرَاكُكَ الدينَ الَّذِي قَدْ طلبتَه ... وَلَمْ تكُ عَنْ توحيدِ ربِّك ساهيَا

فأصبحتَ فِي دارٍ كريمٍ مقامُها ... تُعلَّلُ فِيهَا بالكرامةِ لَاهِيَا

تُلاقي خليلَ اللهِ فِيهَا، وَلَمْ تكنْ ... مِنْ الناسِ جَبَّارًا إلَى النارِ هاويَا

وَقَدْ تدركُ الإنسانَ رَحْمَةُ ربِّه ... ولوكان تحتَ الأرضِ سبعين واديَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرْوَى لِأُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْت الْبَيْتَانِ الأوَّلان مِنْهَا، وَآخِرُهَا بَيْتًا فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَوْلُهُ: "أَوْثَانِ الطَّوَاغِي" عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.

 

أخرج القصة بإسنادها إلى محمد بن إسحاق عند الشيعة الاثناعشرية كتاب كمال الدين وإتمام النعمة وكتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب وكتاب الخرائج.

 

قال ابن إسحاق: وحُدثت أن ابنه سعيد بن زيْد بن عمرو بن نُفَيْل وعمر بن الخطاب، وهو ابن عمه، قالا لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أتستغفر لزيد بن عمرو؟ قال: نعم، فإنه يُبْعث أمةً وحدَه.

 

أخرج القصة بإسنادها إلى محمد بن إسحاق عند الشيعة الاثناعشرية كتاب كمال الدين وإتمام النعمة

 

طبعًا قصة ذكر القسس لمحمد خرافة يمكن تجاهلها ببساطة لكن القصة مؤثرة لرجل تعرَّض للاضطهاد الدينيّ فاضُطَر للرحيل من بلده ومات مقتولًا غريبًا في غير وطنه، وهو الذي كان غريبًا مضطهدًا مطرودًا في وطنه نفسه. مأساة. قد يكون قص الراوي تبرير خروجه للبحث عن الدين خرافيًّا وأنه كان على بصيرة وراحة باختياره اللاديني الربوبي كأنسب حل في حدود علوم عصره وما توصل له وعرفه، وأنه خرج لضيق الحال به وهو استنتاج صحيح وطبيعيّ، أي إنسان يتعرض لظروفه سيحاول ترك بلاده والهجرة.

 

من شعر آخر للحنفاء ذكره ابن إسحاق

 

قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ نُفَيل أَيْضًا -قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ لِأُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ إلَّا الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَالْبَيْتَ الْخَامِسَ، وَآخِرَهَا بَيْتًا. وَعَجُزُ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ:

إلَى اللَّهِ أهْدِي مِدحتي وَثَنَائِيَا ... وَقَوْلًا رَصِينًا لَا يَنِي الدهرَ بَاقِيَا

إلَى الملكِ الأعلى الذي ليس ... فوقَه إلهٌ وَلَا رَبٌّ يكونُ مُدانيَا

أَلَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إيَّاكَ والرَّدَى ... فَإِنَّكَ لَا تُخْفِي مِنْ اللَّهِ خافيَا3

وإياكَ لَا تجعلْ مَعَ اللهِ غيرَهُ ... فإن سبيلَ الرُّشْد أصبحَ باديَا

حَنَانَيْكَ إن الجنَّ كانت رجاءَهم ... وأنتَ إلهي رَبَّنَا ورجَائيَا

رضيتُ بِكَ اللهمَّ رَبًّا فَلَنْ ... أرَى أدينُ إلها غيرك اللهُ ثانيَا

وَأَنْتَ الَّذِي مِنْ فَضْل مَن ورحمةٍ ... بعَثتَ إلَى مُوسَى رَسُولًا مناديَا

فَقُلْتُ لَهُ يَا اذْهب وَهَارُونَ فادْعُوَا ... إلَى اللَّهِ فرعونَ الذيِ كَانَ طَاغِيَا

وَقُولَا لَهُ آأنْتَ سَوَّيتَ هَذِهِ ... بلا وَتدٍ، حتى اطمأنت كما هيا

وَقُولَا لَهُ: آأنْتَ رَفَّعْتَ هَذِهِ بِلَا ... عَمَدٍ، أرفقْ إذن بِكَ بانيَا

وَقُولَا. لَهُ: آأنْتَ سوَّيت وَسْطَها ... مُنيرًا، إذ مَا جَنَّه الليلُ هاديَا

وَقُولَا لَهُ: مَنْ يرسلُ الشَّمْسَ غُدوةً ... فيُصبح مَا مَسَّتْ مِنْ الْأَرْضِ ضَاحِيَا

وَقُولَا لَهُ: مَنْ يُنبتُ الحبَّ فِي ... الثرَى فيصبحُ مِنْهُ البقلُ يهتزُّ رابيَا

ويُخرج مِنْهُ حبَّه فِي رءوسِه ... وَفِي ذَاكَ آياتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعيَا

وَأَنْتَ بفضلٍ مِنْكَ نجَّيت يُونُسَا ... وَقَدْ بَاتَ فِي أضعافِ حوتٍ لياليَا

وإني ولو سَبَّحْتُ بِاسْمِكَ رَبَّنَا ... لأُكْثِر إلَّا مَا غفرتَ خطائيَا

فَرَبَّ العبادِ أَلْقِ سَيْبًا وَرَحْمَةً ... عليَّ، وباركْ فِي بنيَّ وماليَا

 

3 إياك والردى: هنا تحذير من الردى، والردى هو الموت، فظاهر اللفظ متروك، وإنما هو تحذير مما يأتي به الموت

 

قارن مع كثير من نصوص قرآن محمد، كقوله:

 

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)} لقمان

 

 {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) } الرعد

{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)} الفرقان

 

اقتباس محمد من شعر وأفكار الحنفاء وأهل الكتاب

 

الجبال لا تثبِّت الأرض، بل هي دليل عدم ثباتها

 

تصور الذهن العربي قبل الإسلامي ثم محمد أن الجبال جسم من خارج سطح الأرض، كما يثبّت البدويّ البدائيّ منهم خيمته بالأوتاد المسامير الغلاظ، لكن العلم يثبت عكس ذلك، الجبال تنشأ بسبب حركة صفائح الأرض التكتونية وتصادمها ببعضها فتخرج أجزاء من باطن الأرض لتُشكِّل مع الزمن الجبال والتلال، بالتالي فالجبال لا تثبِّتْ الأرضَ بل هي دليل على عدم ثباتها فوق اللب الذائب داخلها، والجبال خارجة من رحم وداخل الأرض، وليست من خارجها.

 

{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32)} النازعات

 

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)} الرعد

 

{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)} الحِجْر

 

{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)} النحل

 

تميد: تهتزّ

 

{وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)} الأنبياء

 

{أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)} النمل

 

ومما لا شكَّ فيه أن محمدًا اقتبس من شعر من قبله من الحنفاء وأهل الكتاب والوثنيين العرب، وكان عند قدماء العرب نفس تصوره، فنقرأ من ديوان أمية بن أبي الصلت:

 

إله العالمين وكل أرض               ورب الراسيات من الجبال

بناها وابتنى سبعًا شدادًا            بلا عمدٍ يُرَيْنَ ولا رجال

وسوَّاها وزيًّنَها بنورٍ                 من الشمس المضيئةِ والهلالِ

وشقَّ الأرضَ فانبجسَتْ عيونًا     وأنهارًا من العذبِ الزلالِ

 

لا أريد التوسع في المسألة لأن كتبًا كثيرة غطتها وهي تحتاج لكتب كاملة، مثلًا الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية لخليل عبد الكريم، الأحناف لعماد الصبّاغ، والقرآن في الشعر الجاهلي لفيبي عبد المسيح، والجذور الوثنية للديانة الإسلامية لشاكر فضل الله النعماني، والدين في شبه الجزيرة العربية لأبكار السقّاف، والمعاني الدينية في شعر شعراء ما قبل الإسلام_جامعة مؤتة_ خالد علي العدوان، والكهانة العربية قبل الإسلام لتوفيق فهد، ويوم قبل وفاة محمد لمحمد حسّان المنيّر، وغيرها.

 

وروى مسلم عن رجل لم يسلم بعد من العرب قال لمحمد:

 

[ 12 ] حدثني عمرو بن محمد بن بكير الناقد حدثنا هاشم بن القاسم أبو النضر حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الأرض قال الله قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك قال نعم...إلخ

 

ورواه أحمد:

 

12457 - حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كنا قد نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك . قال: " صدق "، قال: فمن خلق السماء ؟ قال: " الله "، قال: فمن خلق الأرض ؟ قال: " الله "، قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل ؟ قال: " الله " . قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال آلله أرسلك ؟ قال: " نعم " . ...إلخ

 

سماع محمد لشعر أمية بن أبي صلت وغيره

 

روى مسلم:

 

[ 2255 ] حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر كلاهما عن بن عيينة قال بن أبي عمر حدثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئا قلت نعم قال هيه فأنشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت

 

 [ 2255 ] وحدثنيه زهير بن حرب وأحمد بن عبدة جميعا عن بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد أو يعقوب بن عاصم عن الشريد قال أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه فذكر بمثله

 

 [ 2255 ] وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا المعتمر بن سليمان ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال استنشدني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث إبراهيم بن ميسرة وزاد قال إن كاد ليسلم وفي حديث بن مهدي قال فلقد كاد يسلم في شعره

 

 [ 2256 ] حدثني أبو جعفر محمد بن الصباح وعلي بن حجر السعدي جميعا عن شريك قال بن حجر أخبرنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد

 ألا كل شيء ما خلا الله باطل

 

 

 [ 2256 ] وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون حدثنا بن مهدي عن سفيان عن عبد الملك بن عمير حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد

 ألا كل شيء ما خلا الله باطل

  وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم

 

 [ 2256 ] وحدثني بن أبي عمر حدثنا سفيان عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أصدق بيت قاله الشاعر

 ألا كل شيء ما خلا الله باطل

  وكاد بن أبي الصلت أن يسلم

 

 [ 2256 ] وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أصدق بيت قالته الشعراء

 ألا كل شيء ما خلا الله باطل

 

وانظر أحمد 7383 و2314 و9083 و9110 و9737 و9905 و10074 و10230.

 

وروى أحمد:

 

(19467) 19696- حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ ، يَقُولُ : قَالَ الشَّرِيدُ: كُنْتُ رِدْفًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لِي: أَمَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ ، فَقَالَ: أَنْشِدْنِي ، فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ لِي كُلَّمَا أَنْشَدْتُهُ: إِيهِ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِئَةَ بَيْتٍ . قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَكَتُّ.

 

قطعة من سلسلة مقالات متميزة لحسام مطلق

 

* أما والذي لا يعلم السر غيره ...ويُحيي العظام البيض وهي رميم
لقد كنت أطوي البطن والزاد يُشتهى ...مخافةً يوماً أن يُقال لئيم
وعجز البيت الأول لحاتم الطائي مشابه للآية 78 من سورة يس (ياسين): (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ).
ويذكر الآلوسي في بحثه (بلوغ الأرب) أن زهير بن أبي سلمى - قبيلة مزينة النجدية - كان يقول حين يمر بالقرب من شجرة أورقت وكانت قبلا يابسة : لولا أن تلومني العرب لقلت إن من أحياك بقادر على أن يحيي العظام وهي رميم.
النابغة الذبياني يقول :
الخالق البارئ المصور ...في الأرحام ماءً حتى يصير دماً
وهو ما يمكن مقارنته بالآية 24 من سورة الحشر: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
ويقول أمية بن الصلت :
وترى شياطينا تروغ مضافة ...ورواغها شتى إذا ما تطرد
تلقى عليها في السماء مذلة...وكواكب ترمى بها فتعرد
ومما قال بن الصلت أيضا وهو مشابه لما جاء في القرآن :
وسبحان ربي خالق النور لم يلد ...ولم يك مولودًا بذلك اشهد
وسبحانه من كل إفك وباطل...ولا والد ذو العرش أم كيف يولد
هو الصمد الحي الذي لم يكن له...من الخلق كفؤ قد يضاهيه مضدد
تسبحه الطير الحوائج في الخفا...وإذ هي في جو السماء تصعد
ومن خوف ربي سبح الرعد فوقنا...وسبحه الأشجار والوحش أبد
وهذه الأبيات يمكن مقارنتها بسورة الإخلاص: (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ.. الله الصَّمَدُ.. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، والآية 13 من سورة الرعد: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ).
وتقول الآيات 8 و9 من سورة الجن: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا.. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا).
وهو يقول أيضا :
لئن قال ربي للملائكة اسجدوا
لآدم لما أكمل الله خلقه
فخروا له طوعًا سجودًا وركدُ
فقال عدو الله للكبر والشقا
أطين على نار السموم يسودُ؟.
وهو ما يمكن مقارنته بالآية 61 من سورة الإسراء: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا).
وقال أيضا في سفينة نوح :
المسبح الخشب فوق الماء سخرها...خلال جريتها كأنها عوم
تجري سفينة نوح في جوانبه...بكل موج مع الأرواح تقتحم
نودي قم واركبن بأهلك أن...الله موف للناس ما زعموا
مشحونة ودخان الموج يرفعها...ملأ وقد صرعت من حولها الأمم
حتى تسوت على الجودي راسية...بكل ما استودعت كأنها اطم
فهذه الأبيات يمكن مقارنتها بالآيات 44 -49 من سورة هود: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). مع التنويه الى أن سفينة نوح في سفر التكوين في التوراة رست على جبل أرارات وليس جبل الجودي. فكيف عرف أمية أين رست سفينة نوح قرآنيا وهو المتوفى قبل نصها؟
في السماوات السبع أمية بن الصلت هو القائل :
ألا كل شيء هالك غبر ربنا... ولله ميراث الذي كان فانيا
له ما رأت عين البصير وفوقه... سماء الإله فوق سبع سمائيا.
ويمكن مقارنة هذه الأبيات بالآيات: (وَلله مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة آل عمران 180. (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) سورة المؤمنون 86. وهنا يمكننا أن نفسر لما قابل أهل الطائف, التي ينحدر منها أمية بن الصلت, نبي الإسلام بكل تلك السخرية والرفض الذي تنقله المصادر الإسلامية دون إيضاحات جانبية. لقد سمع أهل الطائف الكثير من الكلام المشابه لكلام القرآن من نبيهم أمية بن الصلت. ولابد هنا من التوضيح أن أمية بن الصلت أدعى النبوة قبل نبي الإسلام في الطائف . ونستدل على خصوصية ثقيف وأهل الطائف, في الوحدانية, عن باقي العرب بلجوء صاحب الدعوة المحمدية إليهم كي ينصروه بعد أن توفي عمه أبو طالب. أي أنه كان يتلمس منها تفهما أكبر من غيرها. وروي في ذلك الحديث التالي : " وكذلك لما هلك أبو طالب خرج رسول الله (ص) إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة وعمد إلى نفر من ثقيف فقال لهم : "أنا رسول الله إليكم". فقال له أحدهم : والله لا أكلمك كلمة أبداً، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول، لأنت أعظم حظا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، فما ينبغي لي أن أكلمك أبدا ". فهذا، ولا شك، كلام رجلٍ يعرف الله ويُعظمه. ومن العرض الشعري الذي قدمته لأمية بن الصلت في فقرة المتشابه من القرآن مع الشعر العربي يمكننا أن نقرأ بدقة أنه رجل موحد, وهنا يبرز لنا سؤالا مهما: لماذا لم يذهب صاحب الدعوة المحمدية إلى رجل يؤمن بمثل ما ينادي به فيطلب منه حماية قومه, وأمية كان ذا حظوة بين قومه, إن لم نقل كلهم فعلى الأقل جلهم, وما تباهي الحجاج بن يوسف الثقفي به لاحقا إلا دلالة على أن ثقيف كباقي العرب تفخر بأن منها من هم ذو شأن؟. أغلب الظن أن مشروع الدولة كان قد اختمر في ذهن صاحب الدعوة المحمدية وما كان لاستعانته بأمية إلا أن تجعل الرجل مقدما عليه, فهو أولا ابن ثقيف وثانيا سابق عليه بادعاء النبوة وثالث يقول مثل ما يقول, وقد تلمسنا تماثل القول بين شعر أمية وبين القرآن في الشواهد السابقة. لذا ذهب إلى ثقيف وعزمه أن يظهر فيها على ابنها ودار بينه وبين أهل الطائف جدل نستدل عليه من الآية القرآنية من سورة الزمر (الآية 38 ) "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله". فأهل الطائف كانوا موحدين بلا جدال. ولكنه حين ساق لهم الأمثلة مما " أنزل " الله عليه لم يجدوا منه إلا قولا سبق أن قاله نبيهم فما كان من القوم إلا أن سخروا منه وأصروا على نبيهم, لقد صار له برأيهم مقلدون في القبائل, وأي القبائل, قريش. وقيل أن أهل الطائف جاءوا نبيهم أمية بن الصلت فقالوا له : في قريش رجل يقول ببعض ما قلت, تنقل العرب أخباره ولا يعلم أمرك دوننا إلا قليل. فأجابهم : ديني ونبوتي وقولي, نحن من مشكاة واحدة, لولا قريش و هاشم ما علمت الناس به وجهلتني. وهو يريد من ذلك أن مكانة مكة هي التي أعطت صاحب الدعوة المحمدية ما افتقد إليه هو من العزوة القبلية مع أنه أسبق بالقول. فمكة تؤمها القبائل من كل حدب, للحج أو التجارة, ولا يأتي أهل الطائف إلا نفر قليل يريدون قوما فيها, هذا من جانب. ومن جانب آخر ما كان لقريش أن تقبل بأن يأتي غريب عنها يعرض دينه بين حجاجها ويسفه آلهتها فتغض الطرف عنه كما فعلت مع صاحب الدعوة المحمدية. وموقف ثقيف من دعوته لهم وقول أمية هذا الذي نقل لاحقا لصاحب الدعوة المحمدية كان ما دفع نبي الإسلام للانتقاص من ثقيف حين قال : "ثقيف من ثمود"، أي من نسب عبد مسترق لأبي رغال جد ثقيف وهذا في نظر العرب وقريش خاصة سبة وتسقط, إن صحت هذه النسبة, أي فرصة لأمية في أن يقبل نبيا بين العرب. فالأنبياء لا بد وأن يكونوا من النسب الشريف, ولا شرف في نسب من عبد مسترق. وهذا الحديث يعطينا فكرة عن تدرج الوعي في الحديث, فمن التعير بالرق إلى الاستكثار بهم لاحقا, وهو أمر سوف نرى دورا لخديجة فيه, كما يخبرنا يوحنا الدمشقي لاحقا.
خطأه القاتل في طريقة الاتصال بثقيف دون أن ينسق مع كبارها سوف يستفيد منه لاحقا حين ينتقل ليثرب, وهو ما سوف يرد شرحه معنا في الآيات القرآنية التي نزلت في حكم شهادة الزوج المتهم لزوجته بالزنا بالإضافة إلى ما نزل من القرآن ترضية لبعد الله بن سلول رغم أن النبي قال فيه أنه رأس المنافقين. هذا يعرف في السياسة بنضوج الوعي السياسي. المشروع السياسي كحلم بات واضح المعالم ولكن آليات التطبيق بدوها تتطلب نضوجا آخر كان صاحب الدعوة المحمدية يفتقر إليه هنا. لقد ظن بكل سهولة أنه وبما أن ثقيف حنفية وهو مدعي للحنفية فسوف يقبل بينهم سيدا, كما احتضنه ورقة بن نوفل وزوجته خديجة نفسها. ولكن اتضح أن العرف القبلي له دوره في النهاية ومن هنا كانت فكرة المؤلفة قلوبهم في الإسلام, أي شيوخ القبائل وما خصهم به القرآن من نصيب من بيت المال, وهي نقطة سوف يرد شرحها لاحقا.
هذا التحدي في العلاقة من جهة, والقضية التنظيمية في التبشير الأبيوني " أي ورقة بن نوفل ", كما سيرد شرحه في العلاقات اللاهوتية, هو ما منع أمية من التبشير في مكة أو الاجتماع بني الإسلام رغم ما عرف عنه من السفر للشام واليمن والعراق وأمصار أخرى طلبا للعلم, والكثير الذي نقل عنه في شعره عن الدين والآخرة وعن الجنة والنار والحساب والكتاب، وقد تضمن إشارات إلى حوادث وقعت في أيامه، أو في أيام ليست ببعيدة عن أيامه مثل قصة الفيل التي وردت لاحقا في القرآن، كما تضمن بعض قصص الأنبياء على نفس النحو الذي ورد في القرآن. ولكثرة ما دعا الناس إلى التوبة والخوف من الجساب نعت بشاعر الآخرة.
كما تذكر المصادر أنه استعمل كلاما غريبا على العرب في شعره كـ "الساهور" للقمر، وهي كلمة لم يسبق لهم أن استخدموها, وانه ذكر، "السلطيط"، اسماً لله, وانه أطلق كلمة "التغرور" عليه في موضع آخر وانه سمى السماء "صاقورة" و "حاقورة" . وكلها ألفاظ لم تكن تتداولها العرب ويردها المفسرين إلى ثقافته الواسعة فهو كان يقرأ السريانية ويكتب بها وجمع الكثير من المعرفة من أسفاره واتصالاته بالكهنة من اليمن للشام. هذا التفسير يبدو مقبولا حين نعلم أن كلمة " الساهور " مثلا المستخدمة في شعر أمية إنما هي كلمة آرامية الأصل من تلفظ على "سهرو" Sahro، بمعنى القمر، أي تماماً بالمعنى الوارد في شعر أمية. ويفسر بعض المحللين نزوع القرآن إلى بعض الألفاظ الغريبة، أو استخدامه للأحرف كترميز لم يفهم إلى اليوم مثل آلم ..الخ  أنها محاولة لمجاراة أمية الذي كان قد بهر نخب العرب الشعرية بمثل تلك الألفاظ فتناقلت بعض القوافل شعره وأنباء نبوته. وقد استمرت العلاقة بين الرجلين على حالها من التوتر حتى وقد أزفت المنية من أمية حيث قال حينها : "قد دنا أجلي، وهذه المرضى فيها منيتي, وأنا أعلم أن الحنفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد. وقال في نبي الإسلام قبل أن يموت [كما يزعمون]: " لا بريء فأعتذر, ولا قوي فأنتصر له" أي يريد أن نبي الإسلام يقول بالحق الذي أتيت به......, ولعل مرد [إخفاق محمد في دعوة ثقيف] لضعف أصاب نبي الإسلام خلال المجادلة التي دارت بينه وبين ثقيف فوقع في خطا ما مما عرفوه من نبيهم أو من اليهود عن سير الأنبياء أو صفات الله فلم يحتمل منهم فأغلظ لهم فرجموه. ...إلخ المقال

 

الجزء الثالث في الوحدانية وأنها كانت بين العرب قبل الإسلام ( وصف الجاهلية) :
1-
ذكر المؤرخ المسعودي المتوفى سنة 956م " ... أن العرب كانوا فرقا في الدين, فمنهم الموحد المقر بخالقه والمصدق بالبعث والقيامة, ومنهم من اعتنق اليهودية والنصرانية ... ". وقد عدد من أهل التوحيد في الفترة الممتدة بين المسيح وظهور الإسلام ممن كانوا يقرون بالبعث ونص قوله " وقد اختلف الناس فيهم،فمن الناس من رأى انهم أنبياء، ومنهم من رأى غير ذلك وقد ذكر من بينهم "حنظلة بن صفوان"، و "خالد بن سنان العبسى"، و "رئاب الشنى"، و "أسعد ابو كرب الحميري"، و "قس بن ساعدة الإيادي"، و "أمية بن أبي الصلت الثققي"، و "ورقة بن نوفل"، و "عداس" مولى "عتيبة بن ربيعة الثففي، و "ابو قيس" "صرمة بن أبي انس" الانصاري، و "أبو عامر الاوسي"، و "عبد الله بن جحش الاسدي"، و "بحيرا الراهب". ومن هؤلاء من كان على النصرانية "
2-
وذكر "ابن هشام" ان زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، اتفقوا في الرأي والعقيدة، وتعاهدوا على نبذ عبادة قومهم وما كانوا عليه من ضلال، وتصادقوا، وكوّنوا عصبة خرجت على عبادة قريش، فلم يشتركوا معهم في أعيادهم،ولم يشاركوهم في عبادتهم، وظلوا حتى ماتوا عن عبادة قومهم صابئين. وقد كانت لهم علامات وعادات ميزوا أنفسهم بها عن غيرهم، منها: الختان، وحلق العانة، وقص الشارب، وهي علامات جعلها بعض المفسرين من "كلمات ابراهيم" التي ذكرت في القرآن الكريم، في الآية: )وإذ ابتلى ابراهيم ربّه بكلمات فاًتمهن(. ذهب القائلون بهذا الرأي إلى أن تلك الكلمات هي عشر: "خمس في الرأس، وخمس في الجسد. فاًما التي في الرأس، فالمضمضة والاستنشاق وقصّ الشارب وفرق الرأس والسواك. وأما التي.في الجسد فألاستنجاء وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والختان". ومن سنن شريعة ابراهيم الاختتان.
ولم يكن لهم دين واحد كالمسيحية أو الإسلام ولكنهم كانوا جميعا يرفضون عبادة الأصناف وعرف منهم عبادة "ذو سموى" أي رب السماء والجنوبيون عرفوا بعبيد الرحمانا أي عبيد الرحمان وفقا للهجة قريش وربما يستوجب أن نوضح أن قريش لم تكن تحذف الألف من رحمان كما كتبها القرآن.
وقد اقتصر "محمد بن حبيب" على ذكر بعض من تقدم من الرجال، حين تكلم عن أسماء " الذين رفضوا عبادة الاصنام"، فذكرهم على هذا النحو: عمان ين الحويرث، وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل، وعبيد الله بن جحش ابن رئاب الاسدي. وذكر ان منهم من تنمر ومات على النصرانية، مثل: عمان بن الحويرث، وورقة بن نوفل، وعبيد الله بن.جحش بن رئاب الاسدي فأما قُس بن ساعسة الايادي.
أما عبيد الله بن جحش بن رئاب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فقد بقي مرتاباً في دين قومه، بعيداً عنهم وعن عبادتهم، حتى اذا ظهر الإسلام دخل فيه، ثم هاجر مع من هاجر إلى الحبشة، ومعه امرأته أم حبيية بنت أبي سفيان، وكانت مسلمة كذلك. فلما صار في الحبشة، فارق الإسلام وتنصر، وهلك هناك.
3-
المتلمس بن أمية" الكناني وكان قد اتخذ من فناء الكعبة موضعاً يخطب فيه، ويعظ قومه عظات دينية، فكان في جملة ما قاله لهم "انكم قد تفردتم بآلهة شتى، واني لأعلم ما الله راض به. وإن الله تعالى رب هذه الآلهة، وانه ليحب ان يعبد وحده"، فنفرت كلماته هذه وامثالها القوم منه وتجنبته، وقالوا عنه انه على دين بني تميم.
4-
ورد في تاريخ العرب قبل الإسلام – د. جواد علي " ... أسماء رجال من الجاهلية كانوا موحدين ومنهم عبدالله القضاعي والشاعرَ عبيد بن الأبرص الأسدي، وكعب بن لؤي بن غالب ويقول أن الرسول أدرك زيد بن عمرو بن نفيل ورآه يخطب في سوق عكاظ خطبته " الشهيرة المعروفة، غير انه لم يحفظها، وان ابا بكر، وكان من جملة من حضر السوق وسمع الخطبة، كان قد حفظها، فأعادها على الرسول. وهي الخطبة الشهيرة المتداولة بين الناس والمحفوظة في الكتب. وهناك رواية تذكر ان الرسول كان حفظها، وقد تلاها على من حضر عنده، وتلا بعضاً منها على وفد عبد القيس... وأوصل بعض الاخباريين قساً إلى القيصر، فزعموا انه ذهب إلبه واتصل به، وان القيصر أكرمه وعظمه. وانه سأله عن العلم قائلاً له: ما أفضل العلم ? قال: معرفة الرجل بنفسه. قال: فما أفضل العقل ? قال: وقوف المرء عند علمه. قال: فما افضل الادب ? قال: استبقاء الرجل ماء وجهه. قال: فما أفضل المروءة ? قال: قلة رغبة المرء في اخلاف وعده. قال: فما أفضل المال ? قال: ما قضى به الحق ... وقسُ هو مخترع أوجد للعرب أشياء عديدة على زعم أهل الأخبار، أحدث لهم أموراً كثيرة. فهو أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأول من توكأ - عند خطبته على سيف أو عصا وأول من علا على شرف وخطب عليه، وأول من قال: "أما بعد"، وأول من كتب "إلى فلان بن فلان". وأول من قال: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"... ان وفداً من إباد قدم على النبي: فسألهم عن قس، فقالوا: هلك. فقال: رحمه الله، كأني أنظر اليه بسوق عكاظ على جمل له أورق "أحمر" وهو يتكلم بكلام عليه حلاوة ما أوجدني أحفظه. فقال رجل من القوم،.أنا أحفظه يا رسول الله. سمعته يقول: ايها الناس اسمعوا وعوا... إلى آخر الخطبة، وما جاء بعدها من شعر، فقال رسول الله "يحشر أمة و حبر". وأنه قال: "رأيته في الجنة يسحب ذيولأ".
5-
وذكر "ابن حبيب" ان زيداً "أول من عاب على قريش ما هم عليه من عبادة الأوثان". وقال عنه "ابن دريد"، و كان قد "ترك دين العرب في الجاهلية وقلاه". وقصد ب "دين العرب" الوثنية ولا شك. وزعم انه "كان يحيي الموؤودة. يقول للرجل اذا أراد ان يقتل ابنته مهلاً: لا تقتلها أنا أكفيك مؤونتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها اليك، وإن شئت كفيتك مؤونتها". وقيل انه كان يقول: "اللهم لو أعلم أي الوجوه أحب اليك سجدت اليه.ولكني لا أعلمه. ثم يسجد على راحته". وانه كان "يقول: إلهي إلهَ ابراهيم، وديني دين ابراهيم وكان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: "يا معشر قريش: أيرسل الله قطر السماء، وينبت بقل الأرض، ويخلق السائمة فترعى فيه، وتذبحوها لغيره ! والله ما أعلم على ظهر الأرض أحداً على دين ابراهيم غيري". ويستقبل القبلة ثم يقول: أنفي لرب البيت عانٍ راغم مهما يُجشّمني فإني جاشم
عذت بما عاذ به ابراهـيم مستقبل القبلة وهو قـائم
وروى ان أسماء بنت أبي بكر "قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسنداً ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح أحد منكم على دين ابراهيم غيري. ثم يقول: اللهم اني لو أعلم أحب الوجوه اليك عبدتك به. ولكني لا أعلم. ثم يسجد على راحته"ثم يصلي إلى الكعبة ويقول: إلى إلَه ابراهيم، وديني دين ابراهيم.
6-
وذكر "ابن دريد" أن "زيد بن عمرو بن نفيل"، أدرك أيام الرسول، ثم قال: "وكان النبي عليه الصلاة والسلام قبل الوحي قد حبب اليه الانفراد، فكان يخلو في شعاب مكة، قال: فرأيت زيد بن عمرو بن نفيل في بعضى المشاعب، وكان قد تفرّد أيضاً، فجلست اليه وقربت اليه طعاماً فيه لحم، فقال لي يا ابن أخي اني لا آكل من هذه الذبائح".وذكر "ابن دريد"، ان زيد بن عمرو قال شعراً في تجنبه الأصنام، هو: فلا عُزى أدين ولا ابنتـيهـا ولا صنمي بني عمرو أزور
أربّـاً واحـداً أم ألـف ربّ أدين اذا تقسمـت الأمـور.
ويفهم من هذا الشعر ان "عزى"، إلهة، أي انثى، وان لها ابنتين اثنتين، ولم يشر "ابن دريد" إلى اسميهما وروي عنه ان قومه كانوا اذا دعوه إلى وليمة، كان ياًبى ان يأكل منها قائلاَ: "اني لست آكل مما تذبحون على انصابكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه". وذكر انه كان يأمر بالتوحيد وبعبادة إلهَ واحد. من ذلك قوله: لا تعبدنّ إلهاً غير خالقكـم وإن دعيتم فقولوا دونه حدد
وزُ عم انه كان يراقب الشمس، فإذا زالت استقبل الكعبة، فصلى وسجد سجدتين، ثم يقول: هذه قبلة ابراهيم واسماعيل لا اعبد حجراً ولا اصليّ له و لا آكل ما ذبح له، ولا أستقسم بالأزلام، وانما أصليّ لهذا البيت حتى أموت. وكان يحج فيقف بعرفة، وكان يلبي، فيقول: لبيك لا شريك لك، ولا ندّ لك. ثم يدفع من عرفة ماشياً، وهو يقول: لبيك متعبداً مرقوقاً.

7-
عبيد بن الأبرص (555م) من قبيلة أسد قال :
بالله يُدرك كل خير...والقول في بعضه تلغيب
والله ليس له شريك...علّام ما أخفت القلوب
ويقول في الموت
فاًبلغ بنيَّ وأعمامـهـم بان المنايا هي الـوارده
لها مدة فنفوس العـبـاد اليها وإن كرهت قاصده
فلا تجزعوا الحمام دنـا فللموت ما تلد الوالـده
وهذا ليس فقط إعلان وحدانية ولكنه قول يذهب في معناه لما جاء في القرآن في 163 الأنعام أو الآية 78 من سورة التوبة.
8-
قيس ين ساعده كان يقول : كلا بل هو إله واحد وليس بمولود ولا والد ( سبق إيراد شاهد له كنص قريب للبناء اللغوي القرآني ).
وهذه تشبه في معناها, وحتى في صياغتها, القول القرآني : قل هو الله أحد, الله الصمد, لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفو أحد. ( تاريخ الكعبة ).
9-
وللأعشى المتوفى سنة 629م بيت قاله في مرحلة مبكرة من حياته جاء فيه :
وربك لا تشرك به, إن شركه يحط من الخيرات, تلك البواقيا.
وهو قول قريب من القول القرآني : والباقيات الصالحات. فالخيرات كما قال الأعشى هم البواقيا.
وهو يقول أيضا :
بل الله فاعبده لا شريك له يكون لك فيما تكدح اليوما.
وقد جاء في القرآن : ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وعبادة الله كما قال الأعشى هي العون.
10-
للشاعر أوس بن مسجد ( 530 – 620م ) بيت يقول فيه :
وباللات والعزة ومن دان ... وبالله إن الله منهن أكبر.
هو قول حورب فيه بن مسجد, فهو ليس فقط ينكر على اللات والعزة الإلوهية, بل هو يعطينا مصدرا للكلمة الإسلامية الشهيرة : الله أكبر. لقد استخدم الإسلام هذا المصطلح دونا عن أي معنى مماثل كالقول : الله أعظم, مثلا. فالله أعظم لا يخرج عن العقيدة, وفيه خصوصية, ولكن الإسلام استخدم قولا كان رائجا, وفيه صراع فكري بين طرفين. أي هو نصر جهة على أخرى لا أكثر. لقد كان شعراء العرب بين مشرك وموحد, وكثرة طرف قياسا بأخر لا تلغي أن الطرفين كانا موجودين وأنهما كانا يقولان الشعر تأكيدا لما يعتقدان, وعلينا أن نعي أن الشعر الذي تطابق مع القرآن حرفيا تم حرق كل المصادر التي ذكرته منعا " للشبهة " على حد تبرير الفقهاء, بيد أن بعض المصادر القليلة أمكنها أن تنجو. كما وأرجو أن ينتبه الجميع إلى أن اسم الشاعر بذاته " مسجد " دلالة على أن كلمة مسجد لم تأتي مع الإسلام ولكنه استحوذ عليها من تراث ساكني الجزيرة العربية.

 

 

مدعو النبوة قبل محمد:

 

مسلمة أو مسيلمة الحنفي

يقول الواقدي:

 

وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُولُ: إنّى لأَجْمَعُ أَدْرَاعًا لِى يَوْمَ بَدْرٍ بَعْدَ أَنْ وَلّى النّاسُ فَإِذَا أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ وَكَانَ لِى صَدِيقًا فِى الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ اسْمِى عَبْدَ عَمْرٍو فَلَمّا جَاءَ الإِسْلامُ سُمّيت عَبْدَ الرّحْمَنِ فَكَانَ يَلْقَانِى فَيَقُولُ: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، فَلا أُجِيبُهُ. فَيَقُولُ: إنّى لا أَقُولُ لَك عَبْدَ الرّحْمَنِ إنّ مُسَيْلِمَةَ بِالْيَمَامَةِ يَتَسَمّى بِالرّحْمَنِ فَأَنَا لا أَدْعُوك إلَيْهِ. فَكَانَ يَدْعُونِى عَبْدَ الإِلَهِ فَلَمّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ رَأَيْته عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ وَمَعَهُ ابْنُهُ عَلِىّ، فَنَادَانِى: يَا عَبْدَ عَمْرٍو. فَأَبَيْت أَنْ أُجِيبَهُ فَنَادَى: يَا عَبْدَ الإِلَهِ. فَأَجَبْته، فَقَالَ: أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِى اللّبَنِ؟ نَحْنُ خَيْرٌ لَك مِنْ أَدْرَاعِك هَذِهِ. فَقُلْت: امْضِيَا فَجَعَلْت أَسُوقُهُمَا أَمَامِى....إلخ

 

وفي السيرة لابن هشام:

 

نفي القران أن رجلًا من اليمامة يعلمه: قال ابن إسحاق: وأنزل فِي قَوْلِهِمْ: إنَّا قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكَ إنَّمَا يُعَلِّمُكَ رجلٌ بِالْيَمَامَةِ، يُقَالُ لَهُ الرحمنُ، وَلَنْ نُؤْمِنَ بِهِ أَبَدًا: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30] .

 

ويقول محقق لكتاب الروض الأنف للسهيلي، هو عمر عبد السلام السلامي_دار إحياء التراث العربي_لبنان، وهو شرح للسيرة لابن هشام بهامشه: كان مسيلمة بن حبيب الحنفي، ثم أحد بني الدول قد تسمى: الرحمن في الجاهلية وكان من المعمرين ذكر وثيمة بن موسى أن مسيلمة تسمى بالرحمن قبل أن يولد عبد الله أو رسول الله - صلى الله عليه وسلم

 

والخبر الصحيح الوارد عند ابن هشام بخصوص مسلمة الحنفي (يحب المسلمون تسميته مسيلمة):

 

فحدثني بعضُ علمائنا من المدينة: إن بني حنيفة أتت به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه معه عَسيب من سَعَف النخل، في رأسه خُوصات؛ فلما انتهى إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتُكَه.

 

هذا أصح خبر في هذا الباب لأن الرجل كان معروفًا كمدعٍ آخر للنبوة حتى أن القرشيين رفضوا اسم الرحمن لله بسبب تسميته نفسه بهذا اللقب. وكان كبير السن راشدًا، وليس طفلًا كما ورد في موضع آخر من ابن هشام كذلك وغيره:

 

وروى البخاري:

 

4373 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أَرَيْتُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ

3620 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ ليَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رَأَيْتُ

 

يحتمل جدًّا وغالبًا أن راوي القصة أضاف إليها أساطير لتأكيد تكذيب زعم مسلمة أنه نبيّ كمحمد، العرب عمومًا لم يكونوا يستعملون المنطق والنقاش كثيرًا كاليونانيين مثلًا، بل يكفيهم تعليلات كهذه، ولا يفكرون مثلا ماذا يمنع تصديقه مثل محمد، أو العكس: لماذا لا يكون كل هؤلاء كاذبين؟!

 

قال ابن إسحاق: وقد حدثني شيخ من بنى حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا، زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وخلفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا مكانَه، فقالوا: يا رسول اللّه أنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وفي ركابنا يحفظها لنا، قال: فأمر له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم، وقال: أما أنه ليس بشرّكم مكانا أي لحفظه ضيعَةَ أصحابه، وذلك الذي يريد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: ثم انصرفوا عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: وجاءوه بما أعطاه، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدوُّ اللّه وتنبَّأ وتكذَّب لهم، وقال: إني قد أشركت في الأمر معه، وقال لوفده الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتمونى له: أما أنه ليس بشركم مكانا، ما ذاك إلا لما كان يعلم إني قد أشركت في الأمر معه، ثم جعل يَسْجع لهم الأساجيع، ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن..إلخ

 

هذا الخبر ورد كذلك في الطبقات لمحمد بن سعد ج1 بأخبار الوفود ودلائل النبوة للبيهقي، وقال عنه علماء الإسلام شاذ المتن ضعيف الإسناد. كما في فتح الباري لابن حجر ج7

 

ومن المشكوك به كثيرًا كما تقول الأبحاث التي بين يدي (مثل بحث القرآن وسجع الكهان للفاضل أستاذي سواح) في صحة ما نُسِب له من تقليدات سخيفة لقرآن محمد، ويحتمَل أن له إبداعات أخطر وأفكار أهم بلا شك. ولا شك أنه اتبع هو والأسود العنسي وسجاح وسائر أفراد الظاهرة التي أطلقها موت محمد من مدعي نبوة جدد بعده_عدا مسلمة الحنفي لأنه أقدم من محمد_نفس نهج العنف المحمدي الجنونيّ الرهيب. وحروب الردة بلا شك إحدى أقذر الحروب في تاريخ البشرية من كل الأطراف، والتي دارت رحاها بين المسلمين والوثنيين وأتباع مدعي النبوة الآخرين. يشير بحث أخينا الغريب بن ماء السماء (خلف النبيّ محمد) وهو بحث تاريخي أركيولوجي [أثريّ] قيِّم أن من أقدم العملات المعثور عليها من الفترة ذات الصلة بتاريخ محمد عملة عليها اسم مسلمة الحنفي وعملة علي بن أبي طالب. أقدم عملة عربية معروفة ضربها مسلمة الحنفي، فلا شك أن رجلًا كهذا كان أخطر شأنًا وأكثر وأوسع إدراكًا وتخطيطًا من سخافات رواة كتب التاريخ الإسلاميّ عنه كالطرائف الجنسية المحكية عنه مع سجاح النبية الأخرى أو الحماقات المنسوبة له كتقليد للقرآن وغيرها.

 

بحث العلامة محمد النجار عن مسلمة أو مسيلمة بن ثمامة الحنفي:

 

لأن كل مشروع كبير يعتمد على جهود من سبقوه أقدم بحث الأستاذ محمد النجار هنا كإضافة مفيدة للغاية وقيمة

 

مسيلمة، النبي المخلوع


ينقسم هذا المبحث إلى فصلين.
الفصل الأوّل:

في سجنه بنواحي باريس، كتب الناقد السينمائيّ Robert Brasillach في كتابه "الإخوة الأعداء" مقولةً ذهبتْ مثلا: "التاريخ يكتبه المنتصرون". وقد توجد استثناءات، فتصلنا كتابات المغلوب ورؤيته للأحداث والوقائع، بيد أنّ التاريخ، وفي أغلب الحالات، قد يشكو من فجوات لا يملؤها إلاّ النصّ الذي كتبه المنتصر، فلا يتوفّر لنا من معلومات إلاّ ما تفضّل به علينا، ولا نملك من رؤية إلاّ ما وجّهنا إليه بنفسه مسبّقا. فهل نسلك درب التسليم بهذه المعلومات ولسان حالنا يقول: مكره أخوك لا بطل؟ أم نسلك درب النفي الجذريّ ونرمي بكتابات المنتصر وشهاداته، مردّدين المقولة اللاتينيّة testis unus testis nullus أي شهادة واحدة تعادل اللاشهادة؟

قد نميل إلى أضعف الإيمان، ونمسك العصا من وسطها، ونضع رواة هذه الأخبار في ميزان الجرح والتعديل لنتبيّن مدى مصداقيّتهم، وهذا المنهج هو الذي اعتمدناه في بحثنا هنا عن مسيلمة.

تتّفق كلّ كتب التراث على السخريّة من مسيلمة والحطّ من شأنه وتقديمه لنا في صورة كاريكاتوريّة، وتفنّن المتفنّون في وضع كلام مسجوع تحت اسم "قرآن مسيلمة" أو "سجع مسيلمة" فتارة يقول: (ضفدع بنت ضفدعين، نقّى ما تنقّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين)(1) وتارة: (والشاة السوداء، واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تجتمعون)(2) وغير هذا كثير من السجع الكاريكاتوريّ، وقد بحثنا عن أسانيد هذه الروايات فوجدنا أنّها بلا سند حيث تُروى بصيغة " وجاء في الأثر" أو "وقال مسيلمة الكذّاب" أو "يقال" أو "وذكروا" إلاّ أربع روايات فقط، ممّا وقفنا عليه، مذكورة بالسند سنخضعها لمنهج الجرح والتعديل.

الرواية الأولى يرويها الطبري في تاريخه وهي أنّ مسيلمة قال: (سمع الله لمن سمع، وأطمعه بالخير إذا طمع، ولا زال أمره في كل ما سرّ نفسه يجتمع. رآكم ربّكم فحيّاكم، ومن وحشة خلاّكم، ويوم دينه أنجاكم، فأحياكم علينا من صلوات معشر أبرار، لا أشقياء ولا فجّار، يقومون الليل ويصومون النهار، لربّكم الكبّار، ربّ الغيوم والأمطار..). وقال أيضاً : (لمّا رأيت وجوههم حسنت، وأبشارهم صفت، وأيديهم طفلت، قلت لهم: لا النساء تأتون، ولا الخمر تشربون، ولكنّكم معشر أبرار، تصومون يوماً، وتكلفون يوماً، فسبحان الله، إذا جاءت الحياة كيف تحيون، وإلى ملك السماء ترقون، فلو أنّها حبّة خردلة، لقام عليها شهيد يعلم ما في الصدور، ولأكثر الناس فيها الثبور)(3). وسند الطبري في هذا الخبر هو: (سيف عن الصعب بن عطيّة بن بلال عن أبيه وسهم بن منجاب). لم أقف على ترجمة الصعب بن عطيّة ويبدو أنّه مجهول هو وأبوه، أمّا سيف المذكور هو سيف بن عمر ويقول فيه رجال الجرح والتعديل في تهذيب التهذيب:

(
سيف بن عمر التميمي البرجمي ويقال السعدي ويقال الضبعي ويقال الأسدي الكوفيّ صاحب كتاب الردّة والفتوح.

قال ابن معين: ضعيف الحديث وقال مرّة: فليس خير منه.

وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي.

وقال أبو داود: ليس بشيء.

وقال النسائي والدارقطني: ضعيف.

وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها.

وقال ابن حبّان: يروي الموضوعات عن الأثبات، وقالوا أنه كان يضع الحديث.

وقال البرقاني عن الدارقطني: متروك.

وقال الحاكم: اتّهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط.

قرأت بخطّ الذهبي مات سيف زمن الرشيد) (4)

وفي كتاب تقريب التهذيب قال ابن حجر عن سيف: (ضعيف في الحديث، عمدة في التاريخ)(5) وعلّق البرزنجي في كتابه القيّم "صحيح وضعيف الطبري" قائلا: (عقّب المحرّران، الشيخ شعيب والدكتور بشّار، على قول الحافظ "ضعيف الحديث عمدة في التاريخ" بقولهما: بل متروك فحديثه ضعيف جدّا... وحتّى أخباره في التاريخ ليست بشيء فقد قال أبو حاتم الرازي: متروك يشبه حديث الواقدي..)(6).

وهذا منطقيّ فإن كان الرجل لا يتورّع عن وضع الأحاديث والكذب على النبيّ فما بالنا برواية الأخبار والتاريخ، فالسند مجروح بوجود سيف فيه، ولا لوم على الطبري في اعتماده على سيف في تاريخه حيث أنّ منهج الطبري واضح في تقديمه لكتابه قائلا: (فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنّه لم يعرف له وجهاً في الصحّة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنّه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنّما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنّما أدّينا ذلك على نحو ما أدّى إلينا) فالطبري أدّى الخبر كما وصله بإسناده وأخلى ذمّته فإن كان هناك استنكار أو لوم، فعلى من نقل الخبر إليه.

والرواية الثانية عن قرآن مسيلمة والتي يذكرها الطبري هي أنّ مسيلمة قال: ( والليل الأطحم، والذئب الأدلم، والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم/ وقال: والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس/ وقال: إنّ بني تميم قوم طهر لقاح، لا مكروه عليهم ولا إتاوة، نجاورهم ما حيينا بإحسان، نمنعهم من كلّ إنسان، فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن/ وقال: والشاء وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تمجعون/ وقال: يا ضفدع ابنة ضفدع، نقّى ما تنقّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدّرين/ وقال: والمبذّرات زرعا، والحاصدات حصداً، والذاريات قمحاً، والطاحنات طحناً، والخابزات خبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً، إهالة وسمناً، لقد فضّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والمعترّ فآووه، والباغى فناوئوه)(7) وسند هذا الخبر هو: (سيف عن طلحة بن الأعلم عن عبيد بن عمير عن أثال الحنفي) وقد تقدّم الحديث عن سيف بن عمر رغم أنّه ينقل هذه الرواية عن طلحة بن الأعلم وهو صدوق من الطبقة السادسة، بيد أنّ ابن حبّان، أعلاه، أشار إلى أنّ سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الأثبات. فهذا السند، وفيه سيف، مجروح أيضا.

والرواية الثالثة يرويها الطبري عن ابن إسحاق ونصّها أنّ مسيلمة قال: (لقد أنعم الله على الحبلي، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وَحَشَى)(8) وهذا الخبر وصلنا أيضا مذكورا في سيرة ابن هشام(9) وإسناده: (ابن إسحاق، عن شيخ من بني حنيفة) ودون أن نتعرّض إلى قول رجال الجرح والتعديل في ابن إسحاق حيث أنّ الآراء فيه متضاربة ويكاد يتساوى عدد الذين يوثّقونه مع الذين يجرّحونه، والخلاصة في ابن إسحاق هي "حسن الحديث إذا صرّح بالتحديث" وقد صرّح ابن إسحاق هنا قائلا: (حدّثني شيخ من بني حنيفة) لكن من هو هذا الشيخ؟ فهذا إسناد مظلم، كما أنّ هذه "الآيات" مذكورة في مواطن أخرى ومنسوبة لغير مسيلمة حيث أخرج ابن ضريس في فضائل القرآن: (عن أبي وائل: أنّ وفد بني أسد، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أنتم؟ فقالوا: نحن بنو الزنية(10) أحلاس الخيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم بنو رشدة. فقال الحضرمي بن عامر: والله لا نكون كابن المحولة، وهم بنو عبد الله بن غطفان، كان يقال لهم : بنو عبد العزى بن غطفان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي : هل تقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم، فقال: اقرأه، فقرأ من عبس وتولى ما شاء الله أن يقرأ، ثم قال: وهو الذي منّ على الحبلى، فأخرج منها نسمة تسعى بين شراسيف(11) وحشا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزد فيها فإنّها كافية)(12) إسناده حسن. فقوله (الذي منّ على الحبلى، إلى آخره..) تنسب في هذا الإسناد وغيره إلى الحضرمي، فجعلها هذا الشيخ من بني حنيفة، الذي نقل عنه ابن إسحاق، منسوبة إلى مسيلمة، ونجد هذه الرواية مرّة أخرى تنسب إلى أعرابيّ قرأها أمام عائشة ونصّها: ( عن عائشة رضي الله عنها أنّها كانت في سفر، فصلّت خلف أعرابيّ، فقرأ: ألم تر كيف أنعم ربّك على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى، أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى، ألا بلى، ألا بلى، فقالت عائشة: ما لكم، لا آب غازيكم ولا زالت نساؤكم في رنة)(13) إسناده مظلم. ويصف ابن إسحاق مسيلمة نقلا عن شيخ بني حنيفة "المجهول" : (وأحلّ لهم الخمر والزنا، ووضع عنهم الصلاة)(14) رغم أنّ "الآيات" الأخرى المنسوبة لمسيلمة والتي نقلها الطبري عن سيف بن عمر تقول: (لا النساء تأتون، ولا الخمر تشربون، ولكنّكم معشر أبرار، تصومون يوماً، وتكلفون يوما) ويبدو أنّ ابن إسحاق نفسه غير متأكّد من هذه الأخبار إذ يقول بعد أن ذكرها: (فالله أعلم أيّ ذلك كان)

والرواية الرابعة يرويها ابن عساكر في تاريخ دمشق، وهذا نصّها: (أنّ قرّة بن هبيرة العامري قدم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأسلم فلمّا كان حجّة الوداع نظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو على ناقة قصيرة فقال يا قرّة، فقال الناس يا قرّة، فأتى النبيّ (صلى الله عليه وسلم) فقال: كيف قلت حين أتيتني؟ قال: قلت يا رسول إنّه كان لنا أرباب وربّات من دون الله ندعوهم فلا يجيبونا ونسألهم فلا يعطونا، فلمّا بعثك الله أجبناك وتركناهم. فلمّا أدبر قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أفلح من رزق لبّا، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمرو بن العاص إلى البحرين فتوفّي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعمرو ثَمّ.

قال عمرو: فأقبلت حتى مررت على مسيلمة فأعطاني الأمان ثمّ قال: إنّ محمّدا أرسل في جسيم الأمور وأرسلت في المحقرات، وقلت: أعرض عليّ ما تقول، فقال: يا ضفدع نقّي فإنّك نعم ما تنقّين، لا زادا تنقرين ولا ماء تكدّرين، ثمّ قال: يا وبر يا وبر إنّما أنت إبراد وصدر، وسائرك حفر نقر، ثمّ أتى بأناس يختصمون إليه في نخلات قطعها بعضهم لبعض فتسجى قطيفة ثم كشف رأسه ثمّ قال: والليل الأدهم والذئب الأصحم ما جاء ابن أبي مسلم من محرم، ثم تسجّى الثانية فقال: والليل الدامس والذئب الهامس ما حرمته رطبا إلا كحرمته يابس، قوموا فلا أرى عليكم في ما صنعتم بأسا، قال عمرو أما والله إنّك لكاذب وإنّا لنعلم أنّك لمن الكاذبين، فتوعّدني)(15) وسند هذا الخبر هو: (أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو الحسين بن النقور أنا عيسى بن علي أنا عبد الله بن محمد حدثني إبراهيم بن هانئ أنا عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير، واللفظ ليحيى، أنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن نشيط) وهذه رواية ضعيفة وموضوعة وذلك من ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: وجود "سعيد بن نشيط" في السند، وقال فيه ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل: مجهول.(16) وقال البخاري في كتاب الضعفاء: لا يصحّ (17) وقال ابن حجر في لسان الميزان: لا يُعرف، مجهول، ذكره ابن حبّان في ذيل الضعفاء.(18)

الوجه الثاني: أنّي تتبّعتُ المتن فرأيت أنّ أصل الخبر هو عن لقاء قرّة بالنبيّ ولا ذكر فيه لاستطراد الراوي فيما بعد عن مسيلمة وقرآنه، فأصل الرواية هو الخبر الأوّل فقط وقد ذكره البخاري، وغيره، في التاريخ الكبير معلّقا(19) بسند آخر، وهو عن يزيد بن جابر أخبره شيخ بالساحل عن قرّة بن هبيرة، ولا ذكر فيه لمسيلمة، وإنّما تمّ دمج الخبرين بسند واحد فيما بعد، ورغم أنّ الرواية ضعيفة ويمكن تجاوزها فإنّي أردت معرفة متى وقع التحريف فيها وإلصاقها بخبر مسيلمة مع عمرو بن العاص، فوجدت، ممّا وقفتُ عليه، أنّ الخرائطي ذكره في مساوئ الأخلاق(20) بسند ابن عساكر، ودليلي على وقوع خلط في الرواية هو أنّ ابن قانع في معجم الصحابة، وبالسند نفسه تقريبا، لا يذكر مسيلمة(21) وكذلك البيهقي في شعب الإيمان(22) وألخّص المسألة للقارئ:

سند ابن عساكر: عبد الله بن صالح =الليث بن سعد= خالد بن يزيد= سعيد بن أبي هلال=سعيد بن نشيط (وفيه مسيلمة)

سند الخرائطي: عبد الله بن صالح =الليث بن سعد= خالد بن يزيد= سعيد بن أبي هلال=سعيد بن نشيط (وفيه مسيلمة، والسند نفسه)

سند ابن قانع: ابن بكير =الليث بن سعد= خالد بن يزيد= سعيد بن أبي هلال=سعيد بن نشيط

(
لا يوجد فيه مسيلمة)

سند البيهقي: ابن وهب =الليث بن سعد= خالد بن يزيد= سعيد بن أبي هلال=سعيد بن نشيط

(
لا يوجد فيه مسيلمة)

ومن هنا نلاحظ أنّ قصّة مسيلمة دخلت في السند عند "عبد الله بن صالح" وهو الذي خلط القصّتين الضعيفتين بإسناد واحد، بينما القصّة من طريق غيره تقتصر فقط على لقاء قرّة بن هبيرة بالنبيّ ولا تزيد، وكالعادة نذهب إلى رجال الجرح والتعديل لنعرف من هو عبد الله بن صالح، وهناك من وثّقه وهناك من طعن فيه، وحتّى لا أطيل فإنّي سأقتصر على كلام ابن عديّ وأعتبره تلخيصا حيث قال: (هو عندي مستقيم الحديث إلاّ أنّه يقع في حديثه في أسانيده ومتونه غلط، ولا يتعمّد الكذب)(23) وكلام ابن حجر: (صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة)(24)

الوجه الثالث: متن هذه الرواية يحتوي على خبرين، فالأوّل هو إسلام قرّة بن هبيرة وحديثه مع النبيّ ثمّ ينتقل الراوي فجأة للحديث عن عمرو بن العاص وذهابه إلى البحرين ثمّ لقائه بمسيلمة أثناء العودة وتنتهي الرواية بأن يقول عمرو بن العاص لمسيلمة بعد سماع قرآنه: أنت كذّاب، فيتوعّده مسيلمة. فمتن القصّتين يحتوي على خلط بين الشخصيّات، حيث أنّ قرّة بن هبيرة كان قد ارتدّ بعد إسلامه فمرّ به عمرو بن العاص فتوعّده، فصارت القصّة تتحدّث عن توعّد مسيلمة لعمرو. وكي ألخّص القصّة الأصليّة للقارئ فإنّي لا أجد أحسن من تلخيص الفيلسوف ابن رشد الذي قال: (قال مالك: بلغني أنّ رجلا قال لعمرو بن العاص، وكان عمرو عاملا على البحرين في زمان النبيّ عليه السلام، إنّ النبيّ قد توفّي فالحقْ ببلدك، وإلاّ فعلنا وفعلنا، يتواعده، فقال له عمرو بن العاص: لو كنت في حفش أمّك لدخلنا عليك فيه.

قال محمّد بن رشد: القائل لعمرو [هو] قرّة بن هبيرة بن سلمة، كان ارتدّ وأتي به موثقا إلى أبي بكر مع عيينة)(25) فأصل القصّة هو أنّ قرّة(26) توعّد عمرو فأدخل الراوي مسيلمة في المشهد وصار هو الذي يتوعّده، وعلى كلّ حال فالرواية ضعيفة وموضوعة كما أشرنا منذ البداية.

ولقاء عمرو بن العاص بمسيلمة تذكره الأخبار أنّه كان قبل إسلامه، ويقول ابن كثير: (وذكروا أن وفد عمرو بن العاص على مسيلمة، وكان صديقا له في الجاهليّة، وكان عمرو لم يسلم بعد، فقال له مسيلمة: ويحك يا عمرو، ماذا أنزل على صاحبك-يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- في هذه المدّة؟ فقال: لقد سمعت أصحابه يقرؤون سورة عظيمة قصيرة، فقال وما هي؟ فقال: والعصر إنّ الإنسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر، ففكّر مسيلمة ساعة ثمّ قال: وقد أنزل عليّ مثله. فقال وما هو؟ فقال: يا وبر إنّما أنت أذنان وصدر، وسائرك حقر نقر، كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنّك لتعلم أنّي أعلم أنّك لتكذب)(27) وهذا الخبر لا سند له، ويعلّق جواد علي: (إنّ ما نسب إلى مسيلمة من آيات، وضع على وزن آيات القرآن ومحاكاة لها، وليس في "يا وبر يا وبر إلخ" أيّ شيء يضاهي : "والعصر" في النسق أو في المعنى، وعندي أنّ الخبر من الأخبار الموضوعة. وقد يكون عمرو بن العاص قد زار اليمامة، فهذا شيء غير مستبعد، فقد كان تاجرا وكان تجّار مكّة يسافرون إلى اليمامة وإلى غيرها للاتّجار، أمّا أنّه ذهب خاصّة لزيارة مسيلمة ومكالمته على نحو ما يرد في الخبر، فأسلوب يدلّ على وجود الصنعة فيه أكثر ممّا يدلّ على الصحّة وصدق الرواية)(28)

هذه هي الروايات المسنودة التي وقفنا عليها وتذكر بعض آيات من قرآن مسيلمة، وهي روايات ضعيفة مثلما أثبتنا ذلك، وبمنهج علم الرجال نفسه، أمّا بقيّة الروايات الأخرى في كتب التراث فإنّها بلا سند وتكرّر غالبا الأساجيع التي ذكرناها، وتأخذها بتسليم وبلا أدنى تحقيق، وهدفها السخريّة من مسيلمة والحطّ من شأنه.

وقبل أن ننهي هذا الفصل فقد بقيت مسألة واحدة وهي وجود خبر منسوب لأبي بكر الصدّيق، ذكره ابن سلام في غريب الحديث، وهذا نصّه: (لمّا قدم وفد اليمامة بعد مقتل مسيلمة قال لهم [أي أبو بكر]: ما كان صاحبكم يقول؟ فاستعفوه من ذلك، فقال: لتقولنّ، فقالوا: كان يقول: يا ضفدع نقّي كما تنقّين، لا الشراب تمنعين، ولا الماء تكدّرين، في كلام من هذا كثير، فقال أبو بكر: ويحكم، إنّ هذا الكلام لم يخرج من إل ولا بر، فأين ذهب بكم؟)(29) وهذا الخبر مهمّ بعكس الأخبار السابقة حيث أنّ الكلام منسوب لأبي بكر وهو رجل معاصر لمسيلمة.

وسند أبي عبيدة هو: (ويُروى عن ابن إسحاق)(30) هكذا معلّقا، ويبدو أنّ الراوي نقلها من كتاب الردّة لابن إسحاق، وهو كتاب مفقود، بيد أنّه ولحسن الحظّ وصلنا كتاب الردّة لمعاصره الواقدي، والواقدي مختصّ في إيراد التفاصيل وتفاصيل التفاصيل ولم يترك خبرا في المغازي، مهما كان، إلاّ وذكره، وإذ يروي خبر مجيء بني حنيفة إلى أبي بكر مع خالد بن الوليد فإنّه لا يتعرّض إلى هذه الرواية عن أبي بكر(31)، ولو كان يعرفها لذكرها، بل وليس من الثابت أنّ ابن إسحاق نفسه قد رواها، فالخبر معلّق وقد يكون موضوعا، وهذا الخبر غير موجود في كتاب المروزي "مسند أبي بكر الصدّيق" والذي جمع فيه كلّ أحاديثه(32) بغثّها وغثيثها، وقد يكون بعض الخبر صحيحا أي قول أبي بكر: "هذا كلام لم يخرج من إل" بمعنى لم يخرج من إله، فهذا ممكن، ولا أظنّ أنّ أبا بكر سيعتبر قرآن مسيلمة وحيا، لكن ما أراه موضوعا هو "الآيات" التي تتحدّث عن الضفدع، والتي دُسّت في الخبر.

والواقدي في كتاب الردّة يورد لنا "آيات" قالها مسيلمة أثناء لقائه بسجاح، وهي التالية: (لا أقسم بهذا البلدْ، ولا تبرح هذا البلدْ، حتّى تكون ذا مال وولدْ، ووفر وصفدْ، وخيل وعددْ، إلى آخر الأبدْ، رغم من حسدْ)(33) ويورد أبياتا على الرجز قالها مسيلمة أثناء لقائه بخالد بن الوليد في معركة اليمامة، وهي التالية: (أنا رسول وارتضاني الخالقُ/ القابض الباسط ذاك الرازقُ/ يا ابن الوليد أنت عندي فاسقُ/ وكافر بربّه منافقُ)(34) وإن كنّا نرجّح أنّ هذا الكلام موضوع أيضا إلاّ أنّه أحسن على الأقلّ ممّا نسب إليه فيما بعد، فكلّما تقادم الزمن تفنّن الرواة في وضع آيات كاريكاتوريّة ليصبح مسيلمة يتحدّث عن الضفادع أو عن الأفيال في قوله: الفيل وما أدراك ما الفيل، له زلقوم طويل، إلخ...وغير ذلك، وربّما بدأت هذه "الآيات" المضحكة تنتشر في القرن الثاني الهجري حيث ذكر النديم في الفهرست أنّ هشام الكلبي (توفّي 204 هـ) كتب كتابا بعنوان "كتاب مسيلمة الكذّاب (وسجاح) " (35)

ونختم هذا الفصل بقول جواد علي متحدّثا عن مسيلمة: (فالعادة أنّ من يفشل ويهلك، لا سيّما إذا كان قد نال حظّا من المكانة والجاه والاسم، يُحمل عليه كثيرا، ولا يتورّع حتّى أصحابه ومن كان يؤمن به من الدسّ عليه)(36)

انتهى الجزء الأوّل من هذا المبحث، ويليه الجزء الثاني وفيه تعريف بمسيلمة ودعوته وعلاقته بالنبيّ محمّد وحربه مع أبي بكر وبقاء دعوته من بعده.
الجزء الثاني:

ولد مسيلمة بمنطقة الهدّار(1) باليمامة، وتشير الأخبار إلى أنّ مولده كان قبل ولادة عبد الله والد النبيّ أو قبل ولادة النبيّ(2) وأنّه كان من المعمّرين وتوفّي عن سنّ تناهز 150 عاما(3) ولا أظنّه عاش كلّ هذا الزمن، وإنّما المعنى أنّه عاش كثيرا وربّما توفّي، أو بالأحرى قتل، عن ثمانين أو تسعين أو حتّى مائة سنة، واسمه الصحيح هو "مسيلمة" وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أنّ اسمه "مسلمة" وذكرته كتب التراث "مسيلمة" تصغيرا له وتحقيرا من شأنه، وهذا القول مردود من وجهين، الأوّل أنّ اسم مسيلمة ليس حكرا على نبيّ اليمامة وجاء في كتاب الردّة اسم "مسيلمة بن يزيد القشيري" كان مع الأشعث بن قيس حين ارتدّ في كندة(4) وذكر ابن الأثير في اللباب: (ناشر بن الأبيض بن كنانة بن مسيلمة بن عامر بن عمرو...بطن من همدان)(5) وجاء في معجم قبائل العرب: (عامر بن مسيلمة: بطن)(6) فالاسم بالتصغير لا يعني دائما التقليل والتحقير إذ قد يعني التعظيم والإكبار كقولنا "دويهية" لداهية، و"بطيل" لبطل، وربّما تستعمله العرب في أسماء الأعلام من باب التلطيف والإعزاز للمولود، فنجد من الأسماء "عمير" كعمير بن سعد، وكليب، وشريح بن الحارث، وطليحة، وسهيل، وعبيد، وعبيدة، وغيرهم كثير، ومثل ذلك مسلم ومسلمة ومسيلمة.
والوجه الثاني هو العملة التي نشرها Philippe De Saxe-Cobourg في المجلّة البلجيكيّة للعملة التابعة للجمعيّة الملكيّة، وترجمة نصّ العملة إلى العربيّة: (بأمر أبو ثمامة مسيلمه رسول الله أمير المؤمنين)(7) وهي مكتوبة بالأحرف اليونانيّة واللاتينيّة، وهي ذهبيّة وعليها صورة هرقل وابنه، ولا نتعجّب من أن يضرب مسيلمة العملة باسمه، إن صحّت هذه القراءة، فما سنراه في ثنايا هذا البحث يدعّم فرضيّة أنّه كانت له مكانة كبيرة.

ونسبه الكامل على قول ابن حزم في جمهرة أنساب العرب: (مسيلمة الكذّاب بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عديّ بن حنيفة، يكنّى أبا ثمامة)(8) وفي الاشتقاق لابن دريد: (مسيلمة بن حبيب، يكنّى أبا ثمامة الكذّاب)(9)، طبعا لفظة "الكذّاب" هي من إضافتهما، وبنو حنيفة يعودون إلى بكر بن وائل وهي من القبائل العربيّة المشهورة في الجاهليّة إن لم تكن أشهرها، ويقول ابن خلدون: (وأمّا بكر بن وائل ففيهم الشهرة والعدد [...] ففي بني حنيفة بطون متعدّدة أكثرهم بنو الدول بن حنيفة، فيهم البيت والعدد، ومواطنهم باليمامة)(10) وهم قوم أهل زراعة وتحضّر، يصدّرون المنتوجات الفلاحيّة إلى بلدان عديدة ومنها مكّة حتّى سمّيت "ريف مكّة"(11) وفي اليمامة "سوق حجر" وهو من الأسواق الموسميّة ويأتيه التجّار والشعراء وتجري فيه منافرات ومفاخرات مثلما هو الشأن في عكاظ(12) ومن مشاهيرهم الأعشى ميمون الشاعر وهو من الفحول وشعره من الطبقة الأولى، وهوذة بن عليّ الحنفي ويكنّى بذي التاج وكان ممّن يزور كسرى في المهمّات(13) وقال المبرّد في الكامل: (كان هوذة ذا قدر عال وكانت له خرزات فتجعل على رأسه تشبّها بالملوك [...] وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هوذة، كما كتب إلى الملوك)(14) ومنهم يقظان بن زيد الحنفي ويقال له "مباري الريح" لجوده، وقد شاركت بنو حنيفة مع إخوانها من أبناء بكر بن وائل في معركة ذي قار وانتصروا فيها على الفرس، ويقول ابن حبيب في المحبّر: (وكانت وقعة ذي قار التي انتصفتْ فيها العرب من العجم [...] ورسول الله بمكّة قبل أن يهاجر)(15) ورجّح أبو الفداء في المختصر تاريخ ذي قار بعد هجرة النبيّ عام وقعة بدر الأوّل(16) وصنّفها أبو عبيدة في "كتاب الديباج" ضمن أيّام العرب العظام(17) وقال النبيّ حين سمع بالانتصار في ذي قار: (بي نصروا)(18) وقد تعمّدتُ ذكر نبذة مقتضبة عن أبناء بكر بن وائل، حتّى نفهم فيما بعد حرب الردّة بين قريش وبني حنيفة وأسباب رفضهم لحكم قريش واعتزازهم بمآثرهم وماضيهم.

وكان اسم اليمامة "جو" وقد سُمّيت "اليمامة" نسبة إلى زرقاء اليمامة وقصّتها مشهورة، وكان قبل ذلك يسكن "جو" قبائل "طسم وجديس" فهاجمهم جيش "حمير" وهزمهم(19) وهذه الأخبار تتّفق مع نقش أركيولوجيّ في اليمن يعود إلى سنة 360 ميلادي وفيه أنّ الملك الحميري أرسل جيشا إلى "جو" وانتصر عليها(20) وفيها يقول الأعشى، إن صحّ الشعر إليه: ( فاستنزلوا أهل جوّ من مساكنهم**وهدّموا شاخص البنيان فاتّضعا) ثمّ سكن بنو حنيفة بعدهم، وفي ذلك قصّة كعادة الرواة.

وكان مسيلمة قد تنبّأ قبل مبعث النبيّ، داعيا إلى عبادة الرحمن حتّى سُمّي برحمان اليمامة، وحينما سمعت قريش "بسم الله الرحمن الرحيم" قال قائلهم للنبيّ محمّد: (دقّ فوك، إنّما تذكر مسيلمة رحمان اليمامة)(21) وذهب أهل التفسير إلى أنّ الآية 60 من سورة الفرقان (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن، قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا) كانت نقاشا حول مسيلمة، إذ يروي مقاتل في تفسيره: (قال أبو جهل: يا ابن أبي كبشة، تدعو إلى عبادة الرحمن الذي باليمامة)(22) وفي تفسير الطبري: (وذكر بعضهم أنّ مسيلمة كان يدعى الرحمن، فلمّا قال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اسجدوا للرحمن، قالوا: أنسجد لما يأمرنا رحمان اليمامة؟)(23) وفي معالم التنزيل للبغوي: (ما نعرف الرحمن إلاّ رحمان اليمامة، يعنون مسيلمة الكذّاب، كانوا يسمّونه رحمان اليمامة)(24) وفي تفسير القرطبي: (ما نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذّاب)(25) وفي الجواهر للثعالبي: (يعني أنّ كفّار قريش قالوا: ما نعرف الرحمن إلاّ رحمان اليمامة)(26) وفي تفسير الرازي ويتميّز بأنّه مسند للصحابة والتابعين: (قد بلغنا أنّه إنّما يعلّمك هذا الذي تأتي به رجل من أهل اليمامة يقال له الرحمن وإنّا والله لن نؤمن به أبدا)(27) إلخ... لكنّ مسيلمة لم يدّع الألوهيّة ولا أظنّ قريشا تعنيه بالسجود في قولها (أنسجد لما تأمرنا) وإنّما رفضت هذه التسمية لأنّها لإله مسيلمة وهي تعرفه بالاسم (الرحمن) ولذلك قالوا: (أنسجد لما تأمرنا) على سبيل المناكرة وليس (أنسجد لمن تأمرنا) وإذ أنّ مسيلمة كان يدعو إلى عبادة الرحمن فقد غلب عليه هذا اللقب، فسمّي برحمان اليمامة، ولا أظنّ قريشا تجهل أنّ الرحمن هو الله، وهي لفظة مشهورة وقتئذ، ويستعملها اليهود والمسيحيون، وإنّما اعتراضهم، حسب رأيي، كان على التسمية بوصفها تحيل على مسيلمة وما يتبع ذلك من انقياد دينيّ من قريش لبني حنيفة، ولهذا قالوا إنّ مسيلمة يعلّم محمّدا القرآن حيث جاء في تفسير القرطبي: (قالوا: إنّما يعلّمه بشر وهو رحمان اليمامة يعنون مسيلمة الكذّاب، فأنزل الله تعالى: الرحمن علّم القرآن [إلى آخر السورة] )(28) وفي الكشّاف للزمخشري أنّ الوليد بن المغيرة قال: (وما الذي يقوله إلاّ سحر يؤثر عن مسيلمة وعن أهل بابل)(29) وفي معالم التنزيل في تفسير سورة المدّثّر: (إن هذا إلاّ قول البشر يعني يسارا وجبرا فهو يأثره عنهما، وقيل يرويه عن مسيلمة صاحب اليمامة)(30) وفي معاني القرآن للفرّاء: ( وما قوله إلاّ السحر تعلّمه من مسيلمة الكذّاب)(31)


ملاحظة1: يتّفق تقريبا المفسّرون على أنّ الآيات (إنّه فكّر وقدّر فقتل كيف قدّر ثمّ قتل كيف قدّر ثمّ نظر ثمّ عبس وبسر ثمّ أدبر واستكبر فقال إن هذا إلاّ سحر يؤثر إن هذا إلاّ قول البشر) (المدثّر، 15-28) كانت نزلت في الوليد بن المغيرة ويكنّى "الوحيد" في قومه لمعرفته بالبلاغة وأشعار العرب، وهو يقول: (إنّ هذا إلاّ قول البشر) وبغضّ النظر عن أنّها شهادة من رجل جاهليّ ذي مكانة في اللغة، فقد وُضعت رواية منسوبة للوليد بن المغيرة، نراها تتكرّر كثيرا عند المدافعين عن إعجاز القرآن، تقول: (قال الوليد: إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله مغدق، وما هو بقول البشر) فالقرآن نفسه يؤكّد أنّ الوليد اعتبره من قول البشر، وذلك بعد أن فكّر وقدّر، فكيف ننسب إليه عكس ما قال القرآن؟ فانظرْ، يا أصلحك الله، كيف توضع الروايات.

ملاحظة2: نلاحظ تكرّر لفظة الرحمن كثيرا في القرآن المكّي بعكس القرآن المدني وقد شككت في يكون النبيّ قد تعلّم من مسيلمة، وزوجة مسيلمة كانت من قريش وهي كيسة بن الحارث، من بني عبد شمس جدّ الأمويّين، وهي بنت أخي أروى والدة عثمان بن عفّان، وهي أيضا بنت أخي فاختة التي تزوّجها أبو العاصي بن الربيع بعد وفاة زوجته زينب بنت النبيّ، ولا تذكر الأخبار أنّ كيسة قد ولدت لمسيلمة بل لا تذكر له عقبا أصلا، وجاء ذكر "شرحبيل بن مسيلمة" عند الذهبي في تاريخ الإسلام(32) وكان محاربا مع بني حنيفة في حروب الردّة، وربّما هو ابن مسيلمة فمات مع أبيه وانقطع ذكره. وجدّ كيسة بنت الحارث، كان متزوّجا من البيضاء بنت عبد المطّلب، عمّة النبيّ.(33) وليس من المستبعد أن يكون مسيلمة زار مكّة مرارا، وزوجته قرشيّة، لكنّنا لا نملك دليلا على تعلّم النبيّ من مسيلمة سوى الإشاعات التي أطلقتها قريش ونقلتها لنا الأخبار.


أرسل النبيّ سرايا وبعوثا وجيوشا من المدينة إلى عديد الأماكن في الجزيرة العربيّة لكنّه لم يحاول غزو بني حنيفة، بل أنّه أرسل جيشا إلى مؤتة لمحاربة الإمبراطوريّة البيزنطيّة بجيشها النظاميّ الكبير الذي يبلغ مائة ألف وخرج بنفسه إلى تبوك، ورغم ذلك لم يرسل جيشا واحدا إلى اليمامة خاصّة أنّ فيها شخصا يدّعي النبوّة، وهو ما يجعلنا نرجّح بعد تمحيص وغربلة للأخبار والأحاديث أنّ مسيلمة لم يكن معارضا للنبيّ ففي الأخير هما يدعوان إلى إله واحد توحيديّ، ولا إشكال، من حيث المبدأ، في أن يرسل الله أكثر من نبيّ في عصر واحد: (واضربْ لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، إذ أرسلنا إليهم إثنين فكذّبوهما فعزّزنا بثالث فقالوا إنّا إليكم مرسلون) (يس، 13-14) ففي هذه الآية أرسل الله رسولين ثمّ عزّزهما بثالث، وكذلك لا إشكال في أن يرسل الله مسيلمة ومحمّدا في عصر واحد، ولا يتعارض هذا مع كون النبيّ محمّد خاتم المرسلين. ونحن نعطي هذه الأمثلة لنوضّح أنّه لا مشكلة من الناحية النظريّة الإسلاميّة في أن يكون مسيلمة نبيّا مرسلا مع النبيّ محمّد، وأؤكّد أنّنا نتحدّث من ناحية المبدأ فقط دون أن نتناول صدق أو كذب النبيّ الآخر. كما أنّ مقتل مدّعي النبوّة لا يعني أنّه كان كاذبا، ونجاحه لا يعني أنّه كان صادقا، والقرآن نفسه يشير إلى أنّ بعض الأنبياء قد تعرّضوا إلى القتل: (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حقّ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلا) (النساء، 155) فقتل النبيّ وفشل دعوته لا يعني أنّه كان كاذبا، كذلك قتل مسيلمة وفشل دعوته. وإذ أشرنا إلى أنّ فشل الدعوة لا يعني أنّ مؤسّسها كاذب، فكذلك نضرب مثالا على أنّ نجاح الدعوة لا يعني صدق مؤسّسها، وأبلغ مثال عندنا هو الديانة المسيحيّة واعتبار عيسى ابن الله، فمليارات البشر آمنوا ويؤمنون وسيؤمنون بهذه العقيدة، رغم أنّها عقيدة كافرة من وجهة النظر الإسلاميّة، كقول القرآن (لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم) (المائدة، 17) وتكاد أن تنشقّ الأرض من كفر هذه العقيدة: (تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا) (مريم، 90) فمنذ ألفي سنة والجبال تكاد أن تخرّ ورغم ذلك فقد نجحت العقيدة المسيحيّة وانتشرتْ في أنحاء العالم.

والنبيّ لم يحارب مسيلمة وإنّما حاربته قريش في عهد أبي بكر تحت غطاء الردّة، وذلك بعد أن اقترنتْ النبوّة بالملك، فقريش تستمدّ شرعيّتها من النبيّ محمّد لتبسط سلطانها على جميع العرب، فرفضت بنو حنيفة هذا الحكم القرشيّ، فإن كان هناك تفاضل في المآثر والمجد فبنو حنيفة يرون أنّهم أحقّ بذلك وإن كان هناك تفاضل غيبيّ بالنبوّة فبنو حنيفة يرون أيضا أنّ النبوّة فيهم، ويروي الزمخشري إنّ رهط مسيلمة كانوا يقولون: (نحن أنبياء الله)(34) وتروي الأخبار أنّ مسيلمة قال: (يا بني حنيفة، أريد أن تخبروني بماذا صارت قريش أحقّ بالنبوّة والإمامة منكم؟ والله ما هم بأكثر منكم وأنجد، وإنّ بلادكم لأوسع من بلادهم، وأموالكم أكثر من أموالهم)(35) وقد وُضعت أحاديث كثيرة توطّد حكم قريش وإمامتها على العرب، حتّى وصلت درجة بعضها إلى درجة الحديث المتواتر، وأرجّح أنّ هذه الروايات التي تتحدّث عن فضل قريش وأحقيّتها بالإمارة والحكم إنّما برزتْ بعد وفاة النبيّ بعد حروب الردّة، وقد لاحظ فرج فودة ملاحظة ذكيّة قائلا: (وهي كلّها أحاديث وضعها من لا دين لهم إلاّ هوى الحكّام، ولا ضمير لهم ولا عقيدة، لكنّك في نفس الوقت تخشى من اتّهامك بالعداء للسنّة [...] ولا تجد مهرباً إلا بتداعيات اجتماع سقيفة بني ساعدة في المدينة، والذي اجتمع فيه الأنصار لانتخاب سعد بن عبادة، وسارع أبو بكر وعمر وأبو عبيده الجراح إليهم ورشّحوا أبا بكر، ودار حوار طويل بين الطرفين، انتهى بمبايعة أبي بكر، وأنت في استعراضك للحوار، لا تجد ذكراً للحديث النبويّ السابق، وهو إن كان حديثاً صحيحاً لما جرؤ سعد بن عبادة سيّد الخزرج على ترشيح نفسه، ولكفى أبا بكر وعمر والجرّاح مؤونة المناظرة، ولما فاتهم أن يذكروه وهو في يدهم سلاح ماض يحسم النقاش، ويكفي أن تعلم أنّ سعد بن عبادة ظل رافضاً لبيعة أبي بكر إلى أن مات، ولم يجد من يأخذ بيده إلى هذا الحديث فيبايع عن رضى وهو الصحابي الجليل ذو المواقف غير المنكورة في الإسلام)(36)

فلم يحدث الصدام بين قريش وبني حنيفة إلاّ بعد وفاة النبيّ، أمّا أثناء حياته فلم تكن العلاقة بين مسيلمة ومحمّد بهذه الحدّة، وقد كان لقرآن مسيلمة تأثير حتّى على الناس في المدينة وتحدّث الناس به حيث يروي الهيثمي في مجمع الزوائد: (أكثر الناس في شأن مسيلمة قبل أن يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه شيئا فقام رسول الله خطيبا فقال: أمّا بعد، ففي شأن هذا الرجل الذي قد أكثرتم فيه وأنّه كذّاب من ثلاثين كذّابا يخرجون من بين يدي الساعة وإنّه ليس من بلد إلاّ يبلغه رعب المسيح/ رواه أحمد والطبراني وأحد أسانيد أحمد والطبراني رجاله رجال الصحيح)(37) ونستشفّ من هذا الخبر أنّ مسيلمة شغل الناس، ولا يمكن أن يشغلهم بقرآن ركيك، ومن الواضح أنّه أهمّ النبيّ أيضا وشغل باله حيث جاء في الصحيح أنّ النبيّ رأى في المنام وكأنّ في يديه سوارين من ذهب، وهذا المنام يوحي نفسيّا بشعور من التقييد والهمّ، وفسّر النبيّ منامه بمسيلمة والعنسيّ(38) وأخرج الحاكم في المستدرك: (أتى رسول الله مسيلمة، فقال له مسيلمة: تشهد أنّي رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آمنت بالله ورسله، ثمّ قال: إنّ هذا رجل أخّر لهلكة قومه، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)(39) وكأنّ النبيّ كان يشكّ في حال مسيلمة فلم ينف ولم يؤكّد وإنّما بيّن إيمانه بالله ورسله وجاء في الحديث الصحيح أنّ مسيلمة زار النبيّ في المدينة حيث أخرج البخاري: (قدم مسيلمة الكذّاب على عهد رسول الله فجعل يقول: إن جعل لي محمّد الأمر من بعده تبعته وقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه رسول الله ومعه ثابت بن قيس بن شمّاس وفي يد رسول الله قطعة جريد حتّى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنّك الله وإنّي لأراك الذي أريت فيك ما رأيت)(40) ونحن نستبعد أن يكون مسيلمة قد طلب الإمارة بعد النبيّ، خاصّة أنّه جاء في جيش كبير إلى المدينة، وإنّما الدلائل تشير إلى أنّه جاء يطالب بتقاسم الأرض، فنصف لقريش ونصف لبني حنيفة، وهو نفسه الجواب الذي ردّ به ملك اليمامة هوذة بن عليّ على رسالة النبيّ قائلا: (إن جعل الأمر لي من بعده سرت إليه وأسلمت ونصرته وإلاّ قصدت حربه، فقال النبيّ: لا، ولا كرامة، اللهمّ اكفنيه)(41) ولا أظنّ أنّ هوذة بن عليّ طلب أن يكون الأمر له من بعد محمّد، فهذا غير منطقي وهو أصلا ملك على اليمامة وله من القوّة والعدد ما يستطيع أن يحافظ به على مكانته، وإنّما الراجح عندنا أنّ جواب هوذة الحقيقيّ هو أن يقتسم الأرض مع محمّد، أو أن يحافظ كلّ منهما على ما تحت يديه فلا يعتدي أحدهما على الآخر، ويبدو أنّه كان بينهما اتّفاق "دبلوماسيّ" بتعبير عصرنا وسلام وتبادل للهدايا، حيث يذكر ابن حجر في الإصابة شخصا اسمه "كركرة": ( كركرة، مولى رسول الله كان نوبيّا، أهداه له هوذة بن عليّ الحنفيّ اليماميّ)(42) كما أنّ هوذة حين أتاه رسول النبيّ، وهو سليط بن عمرو، أجازه بجائزة وكسوة، ولذلك نفهم الكلام المنسوب إلى مسيلمة قائلا: (إنّ قريشا قوم يعتدون)(43) ويجعل أهل الأخبار هذا الكلام في مراسلة بين النبيّ ومسيلمة ونحن نرجّح أنّه وقع بين أبي بكر ومسيلمة.

يردّد البعض أنّ بني حنيفة اتّبعتْ مسيلمة بسبب العصبيّة القبليّة، ويستشهدون بما ذكره الطبري في تاريخه قول أحد أتباع مسيلمة: ( كذّاب ربيعة أحبّ إليّ من صادق مضر) فالقائل يعلم أنّ مسيلمة، وهو من ربيعة، كذّاب، وأنّ محمّدا، وهو من مضر، صادق، لكنّه تبع مسيلمة عصبيّةً، لكنّ هؤلاء يغفلون عمّا أورده الطبري، برواية أخرى، في السطر الموالي مباشرة وهو أنّ هذا الرجل قال: (كذّاب ربيعة أحبّ إليّ من كذّاب مضر)(44) فالرجل يعتبر مسيلمة ومحمّدا كذّابين على السواء، والروايتان يرويهما سيف بن عمر وقد تقدّم الحديث بشأنه في الجزء الأوّل. ولو عقدنا مقارنة سريعة بين مسيلمة ومحمّد، للاحظنا أنّ النبيّ حينما كان بمكّة، وطيلة دعوته، لم يتّبعه إلاّ حوالي مائة شخص، ولم يؤثّر قرآنه فيهم، ولم يبدأ الناس في دخول الإسلام إلاّ بعد الهجرة بفضل الغزوات والغارات، بينما لم يذكر التاريخ أنّ مسيلمة أغار على غيره، وقد اتّبعه الآلاف، ممّا يشير إلى تأثير قرآنه عليهم.

وقد وصلنا بيتان من الشعر في مدح مسيلمة، فالأوّل على البحر البسيط من قصيدة لشاعر من بني حنيفة: ( سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا***وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا)(45) ويعلّق الزمخشري: ( وأمّا قول بني حنيفة في مسيلمة: رحمان اليمامة، وقول شاعرهم فيه: وأَنْتَ غَيْثُ الوَرَى لا زِلْتَ رَحْمَانَا، فباب من تعنّتهم في كفرهم)(46) والبيت الآخر، على الوافر، أورده فخر الدين الرازي في التفسير الكبير: ( وأمّا قول الشاعر: وجوه ناظرات يوم بدر***إلى الرحمن تنتظر الخلاصا، قلنا هذا الشعر موضوع، والرواية الصحيحة: وجوه ناظرات يوم بكر***إلى الرحمن تنتظر الخلاصا، والمراد من هذا الرحمن مسيلمة الكذّاب، لأنّهم كانوا يسمّونه رحمن اليمامة، فأصحابه كانوا ينظرون إليه ويتوقّعون منه التخلّص من الأعداء)(47) ونلاحظ الوفاء الشديد الذي يكنّه أتباع مسيلمة لنبيّهم، واستعدادهم للتضحية بأرواحهم، فقد جاء رسولان من مسيلمة إلى النبيّ وأحدهما يدعى ابن النوّاحة فقال له النبيّ: (أتشهد أنّي رسول الله؟ فقال: أشهد أنّ مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله: لو كنت قاتلا رسولا لقتلتك)(48) وهناك من أصحاب مسيلمة من أسلم وقرأ القرآن ثمّ ارتدّ وعاد إلى اليمامة حيث يروي ابن الأثير في الكامل: (وأمّا مجاعة والرجّال فأسلما، وأقام الرجّال عند رسول الله حتّى قرأ سورة البقرة وغيرها وتفقّه وعاد إلى اليمامة فارتدّ، وشهد أنّ رسول الله أشرك مسيلمة معه فكانت فتنته أشدّ من فتنة مسيلمة)(49) ولنا أن نتعجّب من شدّة تعلّق أصحاب مسيلمة به إذ أنّه حينما اتّجه خالد بن الوليد إلى اليمامة لمحاربة مسيلمة في الردّة قبض، في طريقه، على جماعة من بني حنيفة عددهم ثلاثة وعشرون رجلا: ( فقال لهم خالد: يا بني حنيفة، ماذا تقولون في صاحبكم مسيلمة؟ فقالوا: نقول إنّه شريك محمّد بن عبد الله في نبوّته [...] فقدّم خالد بقيّة القوم وضرب أعناقهم صبرا)(50) وقد قتلهم خالد صبرا وكان لهم متّسع من الوقت للتراجع أو "التوبة" ورغم ذلك أصرّوا على موقفهم حتّى قطعت أعناقهم.

ويشير ابن كثير في البداية والنهاية إلى عدد الجيش الضخم الذي كان يدافع عن مسيلمة: (وقد ذكر ذلك مستقصى في أيام الصديق حين بعث خالد بن الوليد لقتال مسيلمة وبني حنيفة، وكانوا في قريب من مائة ألف أو يزيدون، وكان المسلمون بضعة عشر ألفا)(51) وهذا رقم مهول مبالغ فيه، وإنّما المعنى الذي نستخلصه هو أنّ عدد بني حنيفة المساندين لمسيلمة كان كثيرا ويفوق عدد المسلمين، وقد استمات الحنفيّون في الدفاع حتّى استحرّ القتل بين الطرفين، ولهذا السبب قام أبو بكر بجمع القرآن في مصحف، قبل جمع عثمان، حيث قُتل الكثير من حملة القرآن في اليمامة، وكانت مذبحة بين قريش وأتباعها وحنيفة، وهذا هو طريق الملك والسلطان، طريق معبّد بالجماجم والدماء، وقد سبى المسلمون نساء بني حنيفة ومنهنّ خولة بنت قيس كانت من نصيب عليّ بن أبي طالب وأنجب منها محمّد بن الحنفيّة وكنيته "أبو القاسم" واسمه وكنيته وسيرته تتشابه كثيرا مع النبيّ محمّد وهو ما دفع سليمان بشير إلى القول بوجود خلط في أحداث السيرة النبويّة وإنّها مستمدّة من سيرة محمّد بن الحنفيّة(52)

وحينما قُتل مسيلمة صرخت جارية من فوق قصره تندب مسيلمة قائلة: (وا أمير المؤمنيناه)(53) وقال أحدهم يرثيه: (لهفي عليك أبا ثمامه***لهفي على ركني شمامه/ كم آية لك فيهمُ***كالشمس تطلع من غمامه)(54) وبعد موت مسيلمة لم تفتر دعوته تماما وإنّما بقي البعض يردّدون آيات من قرآنه ويصلّون بها حتّى زمن خلافة عثمان بن عفّان، وقد روى أحمد والدارمي والبزار والنسائي وغيرهم رواية بألفاظ مختلفة وخلاصتها: كان لبني حنيفة مسجد في الكوفة آذانه: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ مسيلمة رسول الله، وكانوا يقيمون الصلاة بقرآن مسيلمة، ويفشون أحاديثه، فسمعهم رجل فنقل خبرهم إلى عبد الله بن مسعود وكان والي الكوفة في زمن عثمان بن عفّان، فأرسل من قبض عليهم وجاء بهم، فاستتابهم، فتاب بعضهم وأبى بعضهم، فضرب أعناق الذين أبوا(55) ويبدو أن لا فرق بين دين محمّد ومسيلمة من حيث الجوهر وربّما من حيث العبادات أيضا، بل ربّما يكون مسيلمة متشدّدا في الدين أكثر من النبيّ إذ يذكر ابن سعد بإسناد حسن (عن أبي مريم الحنفي أنّ عمر بن الخطاب دخل مربدا له ثمّ خرج فجعل يقرأ القرآن، قال له أبو مريم: يا أمير المؤمنين إنك خرجت من الخلاء، فقال: أمسيلمة أفتاك بهذا؟)(56) وأبو مريم كان من أصحاب مسيلمة وهو قاتل زيد بن عمر بن الخطّاب في معركة اليمامة، وفي هذا الحديث أنّ عمرا خرج إلى الخلاء لقضاء حاجة ثمّ عاد وأخذ يقرأ القرآن فأشار عليه أبو مريم بضرورة الوضوء، فقال له عمر: هل هذا من فتاوى مسيلمة؟

هوامش الجزء الأول:

1-
الباقلاني، إعجاز القرآن، تحقيق السيّد أحمد صقر، دار المعارف، ط3، القاهرة، ص157

2-
المصدر السابق.

3-
الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، ط2، 1969، القاهرة، ج3، ص272

4-
ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، دار الفكر، بيروت، 1984، ج4، ص 259-260

5-
صحيح وضعيف تاريخ الطبري، تحقيق وتخريج وتعليق: محمّد بن طاهر البرزخي، إشراف ومراجعة: محمّد صبحي حسن الحلاّق، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، 2007، ج1، ص15

6-
المصدر السابق.

7-
تاريخ الطبري، مصدر سابق، ص 283-284

8-
المصدر السابق، ص138

9-
سيرة ابن هشام، تحقيق مصطفى السقّا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط2، 2004، ص852

10-
والزنية بالفتح والكسر آخر ولد الرجل والمرأة كالعجزة وبنو مالك يسمون بني الزنية والزنية لذلك وإنّما قال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل أنتم بنو الرشدة نفيا لهم عما يوهمه لفظ الزنية من الزنا (لسان العرب، مادة زنا)

11-
الشرسوف غضروف معلّق بكلّ ضلع مثل غضروف الكتف (لسان العرب، مادة شرسف)

12-
ابن الضريس، فضائل القرآن، تحقيق: عروة بدير، دار الفكر، دمشق، 1987، ص31

وقد جاء ذكر هذا الحديث مختصرا، بلا قرآن مسيلمة، بسند آخر، عند ابن سعد في الطبقات (1/292)، وعند ابن الأثير في أسد الغابة (1/270) وجاء في الإصابة (2/96) بمختلف الأسانيد وأحدها من طريق منجاب بن الحارث أنّ السورة التي تلاها الحضرمي هي سبّح باسم ربّك الأعلى، وليس عبس وتولّى. وذكره السيوطي في الدرّ المنثور (15/240) بالسند نفسه مع اختلاف في اللفظ، وبسند آخر عن ابن النجّار عن أنس.

13-
أبو بكر الدينوري، المجالسة وجواهر العلم، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن حزم، بيروت، 1998، ج7، ص187

14-
سيرة ابن هشام، مصدر سابق.

15-
ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: عمر بن غرامة العموري، دار الفكر، بيروت، 1997، ج46، ص153-154

16-
الرازي، كتاب الجرح والتعديل، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1953، ج4، ص69

17-
البخاري، كتاب الضعفاء الصغير، تحقيق محمّد إبراهيم زايد، دار المعرفة، بيروت، 1986، ص54

18-
ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، تحقيق عبد الفتّاح أبو غدّة، دار البشائر الإسلاميّة، بيروت، 2002، ج4، ص79

19-
البخاري، التاريخ الكبير، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، دائرة المعارف، 1361 هجري، ج4، ص182

20-
الخرائطي، مساوئ الأخلاق ومذمومها، تحقيق مصطفى بن أبو النصر الشلبي، مكتبة السوادي للتوزيع، جدّة، 1992، ص85

ويقول المحقّق في الهامش: إسناده ضعيف، في سنده عبد الله بن صالح، صدوق كثير الغلط، وسعيد بن نشيط...فهو مجهول.

21-
ابن قانع، معجم الصحّابة، تحقيق: صلاح المصراتي، مكتبة الغرباء الأثريّة، المدينة المنوّرة، 1418 هجري، ج2، ص357

22-
البيهقي، الجامع لشعب الإيمان، تحقيق مختار أحمد الندوي، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض، 2003، ج6، ص364

23-
ابن حجر ، تهذيب التهذيب، مصدر سابق، ج5، ص228

24-
ابن حجر، تقريب التهذيب، تحقيق أبو الأشبال الباكستاني، دار العاصمة للنشر والتوزيع، 1416هجري، ص515

25-
ابن رشد، البيان والتحصيل، تحقيق محمّد حجّي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 1988، ج16، ص371

26-
قرّة هو جدّ الشاعر الصمّة القشيري (العصر الأموي) الذي يقول :

وأذكر أيّام الحمى ثمّ أنثني***على كبدي من خشية أن تصدّعا

كأنّا خلقنا للنوى وكأنّما*** حرام على الأيّام أن نتجمّعا

وهي من عيون الشعر، وغنّتها السيّدة فيروز.

27-
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: نخبة من الأساتذة، مؤسّسة قرطبة للنشر والتوزيع، القاهرة، 2000، ج7، ص345

28-
جواد علي، المفصّل، بمساعدة جامعة بغداد، ط2، 1993، ج7، ص 295-296

29-
ابن سلام، غريب الحديث، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط2، 2003، ج2، ص14-15

وذكره ابن حبيش في كتاب الغزوات بسند (عن زيد بن أسلم عن أبيه) انظرْ كتاب الغزوات لابن حبيش، تحقيق أحمد عنيم، 1983، ص157
30-
المصدر السابق، ج1، ص68

31-
الواقدي، كتاب الردّة مع نبذة من فتوح العراق....، تحقيق يحيى الجبوري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1990، ص142-144

32-
المروزي، مسند أبي بكر الصدّيق، تحقيق شعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، 1399 هجري

وهي 142 حديثا، وهذا يتّفق مع ما أورده ابن حزم عن عدد ما رُوي عن أبي بكر، انظرْ:

ابن حزم، أسماء الصحابة وما لكلّ واحد منهم من العدد، تحقيق مسعد عبد الحميد السعدني، مكتبة القرآن للنشر، القاهرة، ص35

33-
الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص 111

34-
المصدر السابق، ص 129

35-
كتاب الفهرست للنديم، تحقيق رضا تجدّد، طهران، 1971، ص110 (اسم المؤلّف الصحيح هو "النديم" =محمّد بن أبي يعقوب إسحاق النديم، وليس "ابن النديم" كما هو شائع)

36-
جواد علي، المفصّل، مرجع سابق، ج6، ص95


هوامش الجزء الثاني:

1-
ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، 1977 ج5، ص394

2-
السهيلي، الروض الأنف، تحقيق مجدي بن منصور بن سيّد الشورى، دار الكتب العلميّة، بيروت، ج2، ص80

3-
الذهبي، تاريخ الإسلام...، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، 1989، ج3، ص 73

4-
الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص205

5-
ابن الأثير، اللباب في تهذيب الأنساب، مكتبة المثنّى، بغداد،1970، ج3، ص288-289

6-
عمر رضا كحّالة، معجم قبائل العرب....، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1997، ج2، ص713


(7-) Revue Belge de Numismatique, Philippe De Saxe-Cobourg, Curiosités orientales…, Bruxelles, 1891, 47 éme Année, p311-312


ويذكر عملة أخرى من مجموعة Th.Rhode وأظنّه خطأ مطبعيّا في الإسم بل Rohde أي Theodore Rohde وجاء في العملة: (ضرب محمّد رسول الله)، وهي ذهبيّة وعليها صورة هرقل وابنه، ولم تذكر كتب التاريخ أنّ محمّدا ضرب العملة باسمه، (انظرْ مثلا شذور العقود في ذكر النقود للمقريزي) ولكن كلّ شيء جائز، هذا إن صحّت هذه القراءة.


8-
ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، دار المعارف، ط5، القاهرة، 1982، ص310

9-
ابن دريد، الاشتقاق، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، دار الجيل، بيروت، 1991، ص347

10-
تاريخ ابن خلدون، تحقيق خليل شحادة، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر، بيروت، 2000، ج2، ص361

11-
الذهبي، تاريخ الإسلام، مصدر سابق، ج1، ص351

12-
سعيد الأفغاني، أسواق العرب في الجاهليّة والإسلام، دمشق، 1960، ص 358-359

13-
الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط15، 2002، ج8، ص 102

14-
المبرد، الكامل في اللغة والأدب، تحقيق محمّد أحمد الدالي، مؤسّسة الرسالة، 1992، ص911

15-
ابن حبيب، المحبّر، تحقيق إيلزه ليختن شتيتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ص360

16-
أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر، تحقيق نخبة من الأساتذة، سلسلة ذخائر العرب 69، دار المعارف، 1998، ج1، ص105

17-
أبو عبيدة، كتاب الديباج، تحقيق العثيمين وجربوع، مكتبة الخانجي للطباعة والنشر، 1991، ص62

18-
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (5:312) وأحمد في فضائل الصحابة (3:493) والهيثمي في مجمع الزوائد (3:76)

19-
المقدسي، البدء والتاريخ، البدء والتاريخ، مكتبة الثقافة الدينية، ج3، ص 28-30


(20-) Robert G.Hoyland, Arabia and the Arabs…., Routledge, USA, 2001, p49

et aussi : Revue du monde musulman et de la méditerranée, Christian Robin, Quelques épisodes marquants…., V 61, 1991, p64


21-
السهيلي، الروض الأنف، مصدر سابق، ج4، ص 355

22-
تفسير مقاتل بن سليمان، تحقيق أحمد فريد، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2003، ج2، ص441

23-
تفسير الطبري، تحقيق التركي، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، 2001، ج17، ص482

24-
تفسير البغوي، تحقيق نخبة من الأساتذة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، 1411 هجري، ج6، ص92

25-
تفسير القرطبي، تحقيق التركي بمشاركة عرقسوس وبركات، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 2006، ج15، ص 459

26-
تفسير الثعالبي، تحقيق نخبة من الشيوخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1997، ج4، ص 215

27-
تفسير ابن أبي حاتم الرازي، تحقيق أسعد محمّد الطيّب، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، 1997، ج8، ص 2715-2716

28-
تفسير القرطبي، مصدر سابق، ج20، ص112-113

29-
الكشّاف للزمخشري، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد معوّض، مكتبة العبيكان، الرياض، 1998، ج6، ص 257

30-
تفسير البغوي، مصدر سابق، ج8، ص 269

31-
الفراء، معاني القرآن، دار عالم الكتب، 1983، ج3، ص 202

32-
الذهبي، تاريخ الإسلام، مصدر سابق، ج3، ص 38

33-
السمعاني، الأنساب، تقديم وتعليق: عبد الله عمر البارودي، دار الجنان، بيروت، 1988، ج5، ص 61

34-
الكشّاف، مصدر سابق، ج2، ص 219

35-
الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص 108

36-
فرج فودة، الحقيقة الغائبة، دار الفكر للدراسات والنشر، القاهرة-باريس، ط3، 1988، ص 18-19

37-
رقم الحديث في الشاملة: مجمع الزوائد للهيثمي (3/343) مسند أحمد ( 19565 ) صحيح ابن حبّان(6778) الحاكم في المستدرك ( 8773)

38-
مصنّف أبي شيبة (31116) مسند أحمد (8106) صحيح البخاري (3351) صحيح مسلم (4218) سنن ابن ماجة (3912) سنن الترمذي (2216) سنن النسائي (7649) إلخ..

39-
مستدرك الحاكم: (4353)

40-
صحيح البخاري: 3351، صحيح مسلم: 4218

41-
أبو الفداء، المختصر، مصدر سابق، ج1، ص 177

42-
ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق التركي، بالتعاون مع مركز هجر للبحوث والدراسات العربيّة والإسلاميّة، القاهرة، ج9، ص 264

43-
الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، ط2، 1969، القاهرة، ج3، ص 146

44-
المصدر السابق، ج3، ص 286

45-
الألوسي، روح المعاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1، ص59

46-
الزمخشري، الكشّاف، مصدر سابق، ج1، ص 109

47-
فخر الدين الرازي، التفسير الكبير ومفاتيح الغيب، دار الفكر، 1981، ج30، ص 229

48-
أخرجه البزار في مسنده (1733) وبسند ولفظ مختلف أبو داود في سننه (2380) والحاكم في المستدرك (2583) وأحمد في مسنده (3524)

49-
ابن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق عبد الله القاضي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1987، ج2، ص 98

50-
الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص 119

51-
ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق التركي، هجر للطباعة والنشر...، 1998، ج9، ص 333

52-
سليمان بشير، مقدّمة في التاريخ الآخر، نحو قراءة جديدة للرواية الإسلاميّة، القدس، 1984، ص 163 وما بعدها.

53-
المصدر السابق، ص 334

54-
السهيلي، الروض الأنف، مصدر سابق، ج4، ص 355

55-
مسند أحمد (3644) سنن النسائي (8675) مسند البزار (1787) المعجم الأوسط للطبراني (8762) مصنّف ابن أبي شيبة (33411) سنن الدارمي (2558) مصنّف عبد الرزاق (18708)

56-
ابن سعد، الطبقات، مصدر سابق، ج9، ص 90

وانظرْ: مصنّف عبد الرازق (1318) وابن أبي شيبة (1110)

محمد النجار/ الأوان

 

وأكثر الأحاديث المسماة صحيحة الإسناد تزعم تنبؤ محمد بشخصين يتنبآن ويدعيان النبوة بعد موته، وإن كان الأمر كذلك فقد كان هناك كذلك غير مسلمة الحنفي والأسود العنسي، طلحة بن خويلد الأسدي وسجاح وغيرهما، بالتالي تكون نبوءة ناقصة وفاشلة، لكني وجدت أن الأصح أنهما خرجا وظهرا في عصر محمد،  أحدهما منذ ما قبل دعوة محمد وهو مسلمة الحنفي، والآخر العنسي وهو تافه الأقكار وذو شأن حقير تافه ظهر في آخر حياة محمد، والخبر الأصح كما حكاه أحمد بن حنبل يدل على أنها كانت خاطرة من العقل الباطن لمحمد وليست نبوءة بمستقبل:

 

8249 - وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أُوتِيتُ بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ (1) مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ: أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبُ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبُ الْيَمَامَةِ " (2)

 

(1) هكذا في (م) و (ظ 3) ، وفي بقية النسخ: سوارين، وهي رواية مسلم، وعليه تضبط "فَوَضَعَ" على البناء للمعلوم.

(2) إسناده صحيح على شرط الشيخين.

ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البخاري (4375) و (7037) ، ومسلم (2274) (22) ، والبيهقي في " السنن الكبرى" 8/175، وفي "دلائل النبوة" 5/335، والبغوي (3297) .

وقد سلف هذا الحديث في مسند ابن عباس برقم (2373) وبيَّنَّا هناك أن الذي حدث به ابنَ عباس هو أَبو هريرة.

وسيأتي من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة برقم (8460) .

"صاحب صنعاء" أي: العنسي، واسمه الأسود، وكان يقال له: ذو الحمار؛ لأنه علم حماراً، إذا قال له: اسجد، يخفض رأسه، قتله فيروز باليمن.

"وصاحب اليمامة" مسيلمة.

واليمامة: هي اليوم واحة في المملكة العربية السعودية من بلاد نجد تدعى العارض من أهم مدنها: العيينة، والدرعية.

 

8460 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنَّ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَنَفَخْتُهُمَا فَوَقَعَا (3) ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُسَيْلِمَةُ، وَالْآخَرَ الْعَنْسِيُّ " (4)

 

(3) في (م) والنسخ المتأخرة: فرفعا، والمثبت من (ظ3) و (ل) .

(4) إسناده حسن، محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي- روى له البخاري مقروناً، ومسلم متابعة، وهو صدوق حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح. يونس: هو ابن محمد المؤدب.

وأخرجه ابن أبي شيبة 11/58، ومن طريقه أخرجه ابن ماجه (3922) ، وابن حبان (6653) عن محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، بهذا الِإسناد.

وسيأتي من طريق حماد بن سلمة برقم (8530) . وانظر ما سلف برقم (8249) .

 

ورواه البخاري:

 

7036 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِيتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ

 

كان الاثنان يشكلان ما يشبه كماشة عسكرية خطيرة على امبراطوريته الناشئة وهذا كان مصدر خوفه إذن فهو (بينهما). وهذه الحكاية هكذا أصح وأكثر معقولية من خرافة تنبؤ محمد بالمستقبل بدون سابق معرفة ن قارن مع ما روى أحمد:

 

2373 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ، سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي ذَكَرَ ؟، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَكَرَ لِي أَنَّ (2) رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ (3) مِنْ ذَهَبٍ، فَفَظِعْتُهُمَا، فَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُ كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ " قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: " أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ، وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ " (4)

 

(2) لفظة "أن" سقطت من (م) ، وهي ثابتة في أصولنا الخطية المعتمدة.

(3) في (ظ9) و (ظ14) : وضع في يدي سوارين.

(4) إسناده صحيح على شرط الشيخين. صالح: هو ابن كيسان، وعبيد الله: هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي.

وأخرجه البخاري (4379) و (7033) و (7043) ، والنسائي في "الكبرى" (7648) من طريق يعقوب بن إبراهيم، بهذا الإسناد. إلا أن البخاري زاد في إسناده بين صالح بن كيسان وبين عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة عبدَ الله بن عُبيدة بن نَشِيط، وهو من المزيد في متصل الأسانيد.

وأما قول ابن عباس فيه: "ذُكر لي" فقد جاء من غير هذا الطريق أن الذي حدثه بذلك هو أبو هريرة فقد أخرجه البخاري (3621) و (4374) ، ومسلم (2274) ، والترمذي (2292) ، والنسائي (7649) ، وابن حبان (6654) ، والبيهقي في "الدلائل" 5/334 من طريق نافع بن جبير، عن ابن عباس قال: أخبرني أبو هريرة... فذكره. وسيأتي في "المسند" 9/312 من طريق همام بن منبه، و338 من طريق أبي سلمة، كلاهما عن أبي هريرة.

قوله: "ففُظعتهما"، أي: استعظمتهما وخفتهما.

وقوله: "فأولته كذابين يخرجان"، قال القاضي عياض فيما نقله عنه العراقي في "طرح التثريب" 8/217: إنما تأول ذلك -والله أعلم فيهما- لَما كان السواران في اليدين جميعاً من الجهتين، وكان حينئذٍ النبي بينهما، وتأول السوارين على الكذابين ومن ينازعه الأمرَ، لوضعهما غيرَ موضعهما، إذ هما من حلي النساء، وموضعهما أيديهن لا أيدي الرجال، وكذلك الكذب والباطل هو الإخبار بالشيء على غير ما هو عليه، ووضع الخبر على غير موضعه، مع كونهما من ذهب وهو حرام على الرجال، ولما في اسم السوارين من لفظ السور لقبضهما على يديه وليسا من حليته، ولأن كونهما من ذهب إشعار بذهاب أمرهما، وبطلان باطلهما.

 

وروى البخاري:

 

3621 - فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ

 

4373 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أَرَيْتُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنْ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ

 

وروى أحمد:

 

2373- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، قَالَ : قَالَ عُبَيْدُ اللهِ ، سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّتِي ذَكَرَ ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ذَكَرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ ، فَفَظِعْتُهُمَا ، فَكَرِهْتُهُمَا ، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا ، فَأَوَّلْتُهُ كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ قَالَ عُبَيْدُ اللهِ : أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ.

 

وانظر مسلم 2273 و2274.

 

حديث مهم عن تفكير محمد وإقدامه على حبس أو قتل مبعوثي مسلمة إليه:

 

للأسف لم أطلع عليه عندما كتبت عملي (حروب محمد الإجرامية)، فلنذكره كاستدراك هنا، روى الطبراني في المعجم الكبير ج22:

 

412 - حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة و أبو عبيد الله أحمد بن عبد الله بن مهدي الرامهرمزي قالا ثنا القاضي ثنا محمد بن يزيد الأسفاطي ثنا أبو بكر بن شبية الحزامي حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك حدثني موسى بن يعقوب الزمعي حدثني حاجب بن قدامة النفي حدثني عيسى بن خثيم حدثني وبر بن مشهر الحنفي قال: بعثني مسيلمة و ابن شلغاف وابن النواحة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقدمنا عليه فتقدماني في الكلام وكانا أسن مني فتشهدا ثم قالا نشهد أنك نبي وأن مسيلمة من بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما تقول يا غلام ؟ قلت : أشهد بما شهدت به وأكذب بما كذبت به قال: فإني أشهد عدد تراب الدنيا أن مسيلمة كذاب ثم قال : خذوهما فأخذوا وأمر بهما إلى بيت كيسان فشفع فيهما رجل من أصحابه فخلى عنهما

 

وروى أحمد:

 

(15989) 16085- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ الأَنْصَارِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ الأَشْجَعِيُّ وَهُوَ أَبُو مَالِكٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ ، قَالَ : سمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : حِينَ قَرَأَ كِتَابَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ ، قَالَ لِلرَّسُولَيْنِ : فَمَا تَقُولاَنِ أَنْتُمَا ؟ قَالاَ : نَقُولُ : كَمَا قَالَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاللَّهِ لَوْلاَ أَنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا.

3761- حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ رَسُولاَ مُسَيْلِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُمَا : أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ قَالاَ : نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ، لَوْ كُنْتُ قَاتِلاً رَسُولاً لَقَتَلْتُكُمَا قَالَ عَبْدُ اللهِ : قَالَ : فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ.

 

3851- حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ صِلَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، أَنَّ رَسُولَ مُسَيْلِمَةَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ فَقَالَ لَهُ شَيْئًا ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْلاَ أَنِّي لاَ أَقْتُلُ الرُّسُلَ ، أَوْ لَوْ قَتَلْتُ أَحَدًا مِنَ الرُّسُلِ ، لَقَتَلْتُكَ.

 

3708- حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ ، حَيْثُ قُتِلَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ : إِنَّ هَذَا وَابْنَ أُثَالٍ ، كَانَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَسُولَيْنِ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ؟ قَالاَ : نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللهِ فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ قَاتِلاً رَسُولاً ، لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا قَالَ : فَجَرَتْ سُنَّةً أَنْ لاَ يُقْتَلَ الرَّسُولُ ، فَأَمَّا ابْنُ أُثَالٍ ، فَكَفَانَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَّا هَذَا ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ فِيهِ ، حَتَّى أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ الآنَ.

 

وفي المعجم الكبير للطبراني ج9:

 

8956 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : إني مررت بمسجد من مساجد بني حنيفة فسمعتهم يقرأون شيئا لم ينزل الله الطاحنات طحنا العاجنات عجنا الخابزات خبزا اللاقمات لقما قال : فقدم ابن مسعود ابن النواحة إمامهم فقتله واستكثر البقية وقال : لا أجزرهم اليوم الشيطان سيروهم إلى الشام حتى يرزقهم الله توبة أو يفنيهم الطاعون

 قال : وأخبرني إسماعيل عن قيس بن أبي حازم أن ابن مسعود قال : إن هذا لابن النواحة أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم وبعثه إليه مسيلمة فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لو كنت قاتلا رسولا لقتلته

 

8957 - حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي و أبو خليفة قالا ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب: أنه أتى عبد الله بن مسعود فقال : ما بيني وبين أحد من العرب إحنة وإني مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة فأرسل إليهم عبد الله فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة فقال له سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لولا أنك رسول لضربت عنقك فأنت اليوم ليس برسول فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق ثم قال : من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا بالسوق

 

8958 - حدثنا بكر بن سهل الدمياطي ثنا عبد الله بن يوسف ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حارثة بن مضرب قال قال عبد الله لابن النواحة: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لولا أنك رسول لقتلتك فأما اليوم فلست برسول يا حرشة قم فاضرب عنقه فقام إليه فضرب عنقه

 

8959 - حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا يحيى الحماني ثنا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لابن النواحة: أتشهد أني رسول الله ؟ قال : أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لولا أنك رسول لقتلتك

 

8960 - حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا المسعودي عن القاسم قال: أتي عبد الله فقيل له : يا أبا عبد الرحمن إن ههنا ناس يقرؤون قراءة مسيلمة فرده عبد الله فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم أتاه فقال : والذي أحلف به يا أبا عبد الرحمن لقد تركتهم الآن في دار وإن ذلك المصحف لعندهم فأمر قرظة بن كعب فسار بالناس معه فقال : ائت بهم فلما أتى بهم قال عبد الله : ما هذا بعد استفاض الإسلام ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن نستغفر الله ونتوب إليه ونشهد أن مسيلمة هو الكذاب المفتري على الله ورسوله قال : فاستتابهم عبد الله وسيرهم إلى الشام وإنهم لقريب من ثمانين رجلا وأبى ابن النواحة أن يتوب فأمر به قرظة بن كعب فأخرجه إلى السوق فضرب عنقه وأمره أن يأخذ رأسه فيلقيه في حجر أمه قال عبد الرحمن بن عبد الله : فلقيت شيخا منهم كبيرا بعد ذلك بالشام فقال لي : رحم الله أباك والله لوقتلنا يومئذ لدخلنا النار كلنا

 

مثال للبشاعة والإكراه الدينيّ للناس على عقيدة، دون اختيار منهم، وانظر للبشاعة في آخر حديث من أن عبد الله بن مسعود أمر بوضع رأس من يسمونه ابن النوّاحة في حجرها! ربما المسكينة ظلت تنوح كثيرًا أو طول عمرها لتلك الصدمة ولذلك لقَّبوها بهذا الاسم؟!

 

مما أخذه محمد من تراث الوثنيين في شبه جزيرة العرب

 

النبي خالد بن سنان العبسيّ مثال لمفهوم النبوة عند وثنيي العرب

 

روى ابن أبي شيبة:

 

ما جاء فِي بنِي عبسٍ.

 

33160- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: جَاءَتِ ابْنَةُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَةِ أَخِي مَرْحَبًا بِابْنَةِ نَبِيٍّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ.

وفي المعجم الكبير للطبراني ج11 نقرأ أسطورة هذا النبي قبل عصر محمد، بتفاصيلها القبل إسلامية:

 

11793 - حدثنا علي بن عبد العزيز و خلف بن عمرو العكبري قالا: ثنا معلى بن مهدي الموصلي ثنا أبو عوانة عن أبي يونس عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس: أن رجلا من بني عيسى يقال له: خالد بن سنان قال لقومه أنا أطفي عنكم نار الحدثان قال: فقال له عمارة بن زياد رجل من قومه: والله ما قلت لنا يا خالد قط إلا حقا فما شأنك وشأن نار الحدثان؟ تزعم أنك تطفئها قال: فأنطلق معه عمارة بن زياد في ناس من قومه حتى أتوها وهي تخرج في شق جبل في حرة يقال لها: حرة أشجع قال: فخط لهم خالد خطة فأجلسهم فيها وقال: إن أبطأت عليكم فلا تدعوني باسمي فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضا فاستقبلها خالد فجعل يضربها بعصاه و يقول: بد بدا كل هدى مردا زعم ابن راعية المعزى أني لا أخرج منها وثيابي تندا حتى دخل معها الشق فأبطأ عليهم قال: فقال عمارة بن زياد: والله لو كان صاحبكم حيا لقد خرج إليكم بعد فقالوا: إنه قد نهانا أن ندعوه باسمه قال: فدعوه باسمه قال: فخرج إليهم وقد أخذ برأسه فقال: ألم أنهكم أن تدعوني باسمي؟ فقد والله قتلتموني فادفنوني فإذا مرت بكم الحمر فيها حمار أبتر فانبشوني فإنكم ستجدوني حيا قال: فمرت له الحمر فيها حمار أبتر فقالوا: انبشه فإنه قد أمرنا أن ننبشه فقال لهم عمارة بن زياد: لا تحدث مضر أن ننبش موتانا والله لا تنشوه أبدا قال: وقد كان خالد أخبرهم أن في عكم امرأته لوحين فإذا أشكل عليكم أمر فانظروا فيهما فإنكم سترون ما تسألون عنه وقال: لا يمسهما حائض قال: فلما رجعوا إلى امرأته سألوها عنهما فأخرجتهما وهي حائض فذهب ما كان فيها من علم قال: وقال أبو يونس: قال سماك: إن ابن خالد بن سنان أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم: مرحبا بابن أخي و أبو يونس حاتم بن أبي صغيرة

 

12250 - حدثنا أحمد بن زهير التستري ثنا يحيى بن المعلى بن منصور الرازي ثنا محمد بن الصلت ثنا قيس بن الربيع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاءت بنت خالد بن سنان إلى النبي صلى الله عليه و سلم فبسط له ثوبه وقال: بنت نبي ضيعه قومه

 

وفي السيرة النبوية لابن كثير، من كتابه (البداية والنهاية):

 

خبَرُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ....إلخ (هنا يسرد ما هو أعلاه)

 

وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ذُكِرَ خَالِدُ بْنُ سِنَانٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " ذَاكَ نَبِيٌّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ ".

ثُمَّ قَالَ: وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَكَانَ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ ثِقَةً فِي نَفْسِهِ إِلَّا أَنه كَانَ ردئ الْحِفْظِ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُدْخِلُ فِي أَحَادِيثِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

ويحاول نفي القصة:

 

وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا لَهُ أَحْوَالٌ وَكَرَامَاتٌ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"إن أولى النَّاس بِعِيسَى بن مَرْيَمَ أَنَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ ".  وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُم من نَذِير من قبلك}.

 

ويزعم الواقدي كما ورد نقلًا عنه في الطبقات الكبير لمحمد بن سعد ج1/ وفد عبس:

 

..... وسَأَلَهُمْ عَنْ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ. فَقَالُوا: لا عَقِبَ لَهُ. فَقَالَ: نَبِيٌّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ. ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ.

 

ومن الكتب المعاصرة يقول خير الدين الزركلي في (الأعلام):

 

خالد بن سنان العبسي: حكيم، من أنبياء العرب في الجاهلية. كان في أرض بني عبس، يدعو الناس إلى دين عيسى. قال ابن الأثير: من معجزاته أن نارا ظهرت بأرض العرب فافتتنوا بها وكادوا يدينون بالمجوسية، فأخذ خالد عصاه ودخلها ففرقها وهو يقول: (بدا بدا، كل هدي مؤدى، لادخلنها وهي تلظى ولاخرجن منها وثي أبي تندى !) وطفئت وهو في وسطها. أقول: هي النفط لا ريب، والرواة مجمعون على أن خالدا دخل نارا فانطفأت. واختلفوا في مكانها، قيل: بأرض عبس، بنجد، وقيل: بين مكة والمدينة، وقيل: في ناحية خيبر، وقيل: في حرة أشجع. وهناك روايات بأن النار كانت تخرج من بئر....إلخ

وراجع كتاب الإصابة في تراجم الصحابة/ ترجمة: خالد بن سنان العبسي، وبها أساطير عنه منها أنه دعا الله أن يبيد طائر العنقاء الخرافي الذي كان يخطف أطفال العرب فلم تعد له ذكرى سوى في الصور على البُسُط أي السجاجيد. وذكر حديثًا رجاله ثقات لكنه مرسل عن محمد في نبوة خالد.

 

رغم كل هذا النفي والتهرب يظل الأمر أن مفهوم النبوة في العديد من هذه القصص كان موجودًا عند العرب، متربطًا بالكهانة، لكن لا يمكن القول أن مفهوم الرسالة الإلهية والتشريع من إله بوحي على طريقة محمد واليهودية والمسيحية كان عندهم قبل محمد، سوى ما كان عند أهل الكتاب والغنوسيين والصابئة.

 

سنورد أدناه كذلك فقرات من الأصل الوثني لقصتي صالح وهود النبيين الأسطوريين للوثنيين اللذين اقتبس محمد من أسطورتيهما في قرآنه، لكن أود التوقف عند نقطة مهم، فقد روى البخاري:

 

7 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ لَا قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ....إلخ

 

ورواه أحمد 2370 و(2371) و (2372) والبخاري (2936) و(7) و (2978) و (3174) و (5980) و (6260) و (7196) ، والترمذي (2717) ، وابن منده في "الإيمان" (143) ، والبيهقي في "الدلائل" 4/381-383

 

برأيي أن الزعم بعدم وجود مدعي نبوة أو أنبياء عرب قبل محمد هو كذب، على الأقل إلى حدٍ ما، مفهوم الرسالة لم يكن عندهم، لكن مفهوم النبوة والتنبؤ كان راسخًا عندهم كما في ممارسات كهنتهم من تطير وضرب للقداح ونظر في النجوم وغيرها من ممارسات خرافية، وهذه درجة من مفهوم النبوة، كذلك وجود ذلك المفهوم عندهم في قصص خالد بن سنان وهود وصالح، كذلك هناك صراع طويل بمكة قبل محمد بين قريش وخزاعة، ثم بين بطون قريش نفسها على السلطة، ذكر بعضه ابن هشام في السيرة، وذكره ابن الأثير في الكامل في التاريخ، واستفاض فيه سيد محمود القمني في كتاباته، لعل معظمها مجموعة في (الإسلاميات) وجزء منه كتاب (قريش من القبيلة إلى االدولة المركزية) ولا نريد الخوض في هذا، لأنه يتعلق بما قبل محمد، فيمكن العودة إلى الكتب المذكورة، ويذكر عن قصي جد محمد أنه أقام شبه برلمان سماه (دار الندوة) به عشرة أشخاص يمثّلون بطون قريش لمناقشة مشاكلها، وكذلك كان صاحب فكرة مشروع قوميّ لتوحيد قريش، ويقول ابن كثير في السيرة النبوية من كتاب البداية والنهاية:

 

ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ

رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ يَجْمَعُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تسميه الْعَرُوبَةَ، فَيَخْطُبُهُمْ فَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَاسْمَعُوا وَتَعَلَّمُوا، وَافْهَمُوا وَاعْلَمُوا، لَيْلٌ سَاجٍ، وَنَهَارٌ ضَاحٍ وَالْأَرْضُ مِهَادٌ، وَالسَّمَاءُ بِنَاءٌ، وَالْجِبَالُ أَوْتَادٌ، وَالنُّجُومُ أَعْلَامٌ، والأولون كالآخرين، والأنثى وَالذكر، وَالزَّوْج وَمَا يَهِيجُ إِلَى بِلًى، فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَصْهَارَكُمْ، وَثَمِّرُوا أَمْوَالَكُمْ. فَهَلْ رَأَيْتُمْ مِنْ هَالِكٍ رَجَعَ؟ أَوْ مَيِّتٍ نُشِرَ؟ الدَّارُ أَمَامَكُمْ، وَالظَّنُّ غَيْرُ مَا تَقُولُونَ

 

ووجدت في معجم المعاني معجم معاصر: وعروبة اسم علم مذكر عربي، اشتهر بين المسلمين، وهو اسم آخر يوم من الأسبوع وعيد المسلمين، وهو يوم الجمعة وكان يدعى يومَ عَروبة . كان كعب بن لؤي أول من جمع الناس وخطب بهم، أو لأن العرب كانوا يجتمعون إلى قصي في دار الندوة ليخطب بهم فسُمي يوم الجمعة بفتح الجيم أي الاجتماع والتآلف . وكان قبلُ يدعى يوم عَروبة . وقيل : عَروبة كلمة نبطية أصلها "أُرُبا " أو سريانية أصلها "عَروبت "والمعنى واحد.

 

وجاء في السيرة لابن هشام من أخبار قصي جد محمد:

 

قال ابن إسحاق: فلما كان ذلك العام، فعلت صوفة كما كانت تفعل، وقد عرفت ذلك لها العرب وهو دِين في أنفسهم في عهد جرهم وخزاعة وولايتهم. فأتاهم قصي بن كلاب بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة، فقال: لنحن أولى بهذا منكم، فقاتلوه، فاقتتل الناس قتالا شديداً، ثم انهزمت صوفة، وغلبهم قُصى على ما كان بأيديهم من ذلك. قصي يقاتل خزاعة وبني بكر: وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصى، وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة، وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة. فلما انحازوا عنه باداهم، وأجمع لحربهم، وخرجت له خُزاعة وبنو بكر فالتَقَوْا، فاقتتلوا قتالا شديداً، حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعاً، ثم إنهم تداعَوْا إلى الصلح، وإلى أن يحكِّموا بينهم رجلا من العرب؛ فحكَّموا يَعْمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فقضى بينهم بأن قُصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة، وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر: موضوع يَشْدخه تحت قدميه، وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة، ففيه الدية مؤدَّاة، وأن يُخلَّى بين قصي وبين الكعبة ومكة.

فسُمى يعمر بن عوف يومئذ: الشدَّاخ لِمَا شَدَخ من الدماء ووضع منها.

 

قال ابن إسحاق: فولى قصى البيت وأمر مكة وجمع قومه في منازلهم إلى مكة وتملك على قومه وأهل مكة فملَّكوه، إلا أنه قد أقر للعرب ما كانوا عليه وذلك أنه كان يراه دِيناً في نفسه لا ينبغي تغييره، فاقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومُرة بن عوف على ما كانوا عليه، حتى جاء الإسلام؛ فهدم الله به ذلك كله. فكان قُصي أول بني كعب بن لؤىّ أصاب مُلكا أطاع له به قومه، فكانت إليه الحجابة، والسقاية، والرِّفادة، والندْوَة، واللواء، فحاز شرف مكة كلَّه، وقطع مكة رباعا بين قومه، فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التي أصبحوا عليها ويزعم الناس أن قريشا هابوا قطع شجر الحرم في منازلهم، فقطعها قصى بيده وأعوانه فسمته قريش: مُجَمِّعاً لما جمع من أمرها، وتيمنت بأمره، فما تُنكح امرأة، ولا يتزوج رجل من قريش، وما يتشاورون في أمر نزل بهم، ولا يعقدون لواءً لحرب قوم من غيرهم إلا في داره، يعقده لهم بعض ولده، وما تدَّرِع جارية إذا بلغت أن تَدَّرِع من قريش إلا في داره، يشق عليها فيها درعها ثم تَدَّرِعُه، ثم يُنطَلق بها إلى أهلها. فكان أمره في قومه من قريش في حياته، ومن بعد موته، كالدِّين المتبع لا يُعمل بغيره. واتخذ لنفسه دار الندوة، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة، ففيها كانت قريش تقضى أمورَها.

 

قال ابن هشام: وقال الشاعر:

قُصَي لعمري كان يُدعَى مُجمعاً به جمع الله القبائلَ من فِهْر

 

قال ابن إسحاق: حدثنى عبد الملك بن راشد عن أبيه، قال: سمعت السائب بن حَبَّاب صاحب المقصورة يُحدِّث، أنه سمع رجلا يُحدِّث عمرَ بن الخطاب - وهو خليفة - حديث قصي بن كلاب، وما جَمَع من أمر قومه وإخراجه خزاعة وبنى بكر من مكة، وولايته البيت وأمر مكة، فلم يرد ذلك عليه ولم يُنكره.

 

شعر رزاح بن ربيعة في هذه القصة: قال ابن إسحاق: فلما فرغ قُصيّ من حربه، انصرف أخوه رِزَاح بن ربيعة إلى بلاده بمن معه من قومه، وقال رِزاح في إجابته قُصيا:

لمَّا أتى من قصي رسول فقال الرسولُ: أجيبوا الخليلَا

نهضنا إليه نقودُ الجيادَ ... ونطرح عنَّا المَلولَ الثقيلاَ

نسير بها الليلَ حتى الصباح ... ونكمي النهارَ؛ لئلا تزولا

فهن سراعٌ كَورْد القَطا ... يُجِبْن بنا من قُصّي رسولَا

جمعنا من السرِّ من أشمذَيْن ومن كلِّ حي جمعنا قبيلَا

 

نفهم من هذا وصول الرجل بالصراع والدماء إلى الزعامة على مكة، وأنه قد أسس نظامًا اجتماعيًّا وسياسيًّا، وعادات كادت تكون نوعًا من الأعراف والشعائر الدينية، يمكننا القول أن محمدًا كان يريد تكملة مشوار جده والبناء على ما فعله لتنفيذ طموح سلطوي أكبر. محمد مارس سفك الدماء والقتل لأجل الأطماع بمثل جشع وحب جده للنفوذ والرئاسة. كثيرون من بني هاشم أهل محمد فهموا محاولته هذه بدرجة أو أخرى لذلك حموه رغم عدم اعتقادهم بما دعاهم له في أول الأمر من ديانة، وتأمل مثلًا قصة حضور العباس عم محمد وهو على وثنيته مع محمد لبيعة العقبة مع مندوبي أو نقباء اليثربيين (الأنصار) ليتوثَّق لابن أخيه ويأخذ عليهم العهود ويشدِّد عليها. قال ابن إسحاق في السيرة برواية ابن هشام:

 

...فاجتمعنا في الشِّعْب ننتظر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذٍ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضُرَ أمر ابن أخيه ويتوثَّقَ له. فلما جلس كان أول مُتكلم العباس بن عبد المطلب فقال: يا معشر الخزرج - قال: وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار: الخزرج، خزرجها وأوْسها -: إن محمداً منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه ومَنَعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم تَرَوْن أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم تَرَوْن أنكم مُسْلِموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدَعَوْه، فإنه في عِز ومَنَعة من قومه وبلده. قال: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت فتكلمْ يا رسول اللّه، فخذْ لنفسك ولربك ما أحببت.

****

 

المناخ الفكري الممهد لمحمد والإسلام

 

مثلما كتب بعض المسيحيين عن المناخ الممهد لظهور المسيحية وأفكارها، فكذلك كان للإسلام عوامل وظواهر مهدت له منها ما ذكره ابن إسحاق في السيرة ج1 عن ظهور أفراد مفكرين لادينيين ألوهيين أو أشبه بذلك ممن عرفوا تاريخيًّا بالحنفاء أو الأحناف، وذكر منهم زيد بن عمرو بن نفيل وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث، وممن تنصروا ورقة بن نوفل ابن عم زوجة محمد خديجة وادعى البعض أنه كان إبيونيًّا أو آريوسيًّا لكن لا يوجد دليل قاطع على ذلك، وكذلك روى مسلم وأحمد أن كثيرين في المجتمع في شبه جزيرة العرب رفضوا الوثنية وتقاليدها وعقائدها وطقوسها، ومنهم أبو ذر الغفاري الذي كان من الحنفاء، كما روى أحمد:

 

21525 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَامِتٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ، وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا ذِي مَالٍ وَذِي (2) هَيْئَةٍ، فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ، خَلَفَكَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا (3) عَلَيْهِ مَا قِيلَ لَهُ، فَقُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلَا جِمَاعَ لَنَا فِيمَا بَعْدُ. قَالَ: فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ وَجَعَلَ يَبْكِي، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، قَالَ: فَنَافَرَ أُنَيْسٌ رَجُلًا عَنْ صِرْمَتِنَا، وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْسًا، فَأَتَانَا بِصِرْمَتِنَا، وَمِثْلِهَا. وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ. قَالَ: فَقُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ. قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِي اللهُ، قَالَ: وَأُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ، قَالَ أَبُو النَّضْرِ (1) : قَالَ سُلَيْمَانُ: كَأَنِّي خِفَاءٌ، قَالَ: يَعْنِي خِبَاءً (2) تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ. قَالَ: فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ، فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ. قَالَ: فَانْطَلَقَ فَرَاثَ عَلَيَّ، ثُمَّ أَتَانِي، فَقُلْتُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ عَلَى دِينِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّهُ شَاعِرٌ وَسَاحِرٌ وَكَاهِنٌ، وَكَانَ أُنَيْسٌ شَاعِرًا، قَالَ: فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكُهَّانِ، فَمَا يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ، وَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ، فَوَاللهِ مَا يَلْتَامُ لِسَانُ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ كَافِيَّ حَتَّى أَنْطَلِقَ فَأَنْظُرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنِفُوا لَهُ، وَتَجَهَّمُوا لَهُ، وَقَالَ عَفَّانُ: شَئِفُوا لَهُ، وَقَالَ بَهْزٌ: سَبَقُوا لَهُ، وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ: شَفَوْا لَهُ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ قَالَ: فَأَشَارَ إِلَيَّ، قَالَ: الصَّابِئُ، قَالَ: فَمَالَ أَهْلُ الْوَادِي عَلَيَّ بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَغَسَلْتُ عَنِّي الدَّمَ، فَدَخَلْتُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، فَلَبِثْتُ بِهِ ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ، مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ. قَالَ: فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانٍ، وَقَالَ عَفَّانُ: إِصْحِيَانٍ، وَقَالَ بَهْزٌ: إِضْحِيَانٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو النَّضْرِ، فَضَرَبَ اللهُ عَلَى أَصْمِخَةِ أَهْلِ مَكَّةَ فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ غَيْرُ امْرَأَتَيْنِ، فَأَتَتَا عَلَيَّ وَهُمَا تَدْعُوَانِ إِسَافَ وَنَائِلَ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَنْكِحُوا أَحَدَهُمَا الْآخَرَ. فَمَا ثَنَاهُمَا ذَلِكَ، قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ، فَقُلْتُ: وَهَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ. غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُكَنِّ، قَالَ: فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ، وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَانِ مِنَ الْجَبَلِ، فَقَالَ: "مَا لَكُمَا " فَقَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. قَالَا: "مَا قَالَ لَكُمَا؟ " قَالَتَا: قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ. قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَصَاحِبُهُ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ صَلَّى، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: "عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، مِمَّنْ أَنْتَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ. قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ، فَوَضَعَهَا عَلَى جَبْهَتِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَهَيْتُ إِلَى غِفَارٍ. قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَ بِيَدِهِ، فَقَذَفَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي قَالَ: "مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا " قَالَ: كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ. قَالَ: "فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ " قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ. قَالَ: فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، وَإِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَفَعَلَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، حَتَّى فَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ، قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا، فَلَبِثْتُ مَا لَبِثْتُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي قَدْ وُجِّهَتْ إِلَيَّ أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، وَلَا أَحْسَبُهَا إِلَّا يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ؟ " قَالَ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ أَخِي أُنَيْسًا، قَالَ: فَقَالَ لِي: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ: قَالَ: فَمَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. ثُمَّ أَتَيْنَا أُمَّنَا، فَقَالَتْ: فَمَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ فَتَحَمَّلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا، فَأَسْلَمَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَقَالَ، يَعْنِي يَزِيدَ بِبَغْدَادَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا قَدِمَ، وَقَالَ بَهْزٌ: إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ، وَكَذَا قَالَ أَبُو النَّضْرِ، وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ خُفَافُ بْنُ إِيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَقَالَ بَقِيَّتُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْنَا، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ بَقِيَّتُهُمْ، قَالَ: وَجَاءَتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ. فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غِفَارٌ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ " وَقَالَ بَهْزٌ: وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ، وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ: إِيمَاءٌ.

 

(2) كذا في (م) على أنه صفة، وفي النسخ الخطية " ذو مالٍ وذو" على أنه خبر لمبتدأ محذوف.

(3) في (ر) ونسخة على هامش (ظ) : فثنَّى، أي: أعاده ثانية. وقوله: فنثا: أي: أشاعه وأفشاه.

(1) هو هاشم بن القاسم وروايته عند ابن سعد وأبي نعيم في "الحلية" كما سيأتي في التخريج.

(2) قوله: "قال: يعني خباء" سقط من (م) .

إسناده صحيح على شرط مسلم، سليمان بن المغيرة وعبد الله بن الصامت من رجال مسلم، وباقي رجاله على شرطهما.

وأخرجه ابن سعد 4/219 - 222، وابن أبي شيبة 14/215 - 219، ومسلم (2473) ، وأبو عوانة في المناقب كما في "الإتحاف" 14/158، وأبو نعيم في "الدلائل" (197) من طرق عن سليمان بن المغيرة، بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو عوانة أيضاً من طريق ابن عون، عن حميد بن هلال، به.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/157 من طريق أبي النضر، عن سليمان ابن المغيرة، به. مختصراً بقصة صلاة أبي ذر قبل الإسلام.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/157 من طريق أبي هلال محمد بن سليم، عن حميد بن هلال مختصراً بقصة صلاته أيضاً.

وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3334) من طريق يزيد بن هارون، به. مختصراً بقصة ذهاب أنيس إلى مكة وإيابه.

وأخرجه الطحاوي أيضاً (1595) من طريق يزيد بن هارون، به مختصراً بقصة سلام أبي ذر على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وأخرجه الدارمي (2524) و (2639) ، والبخاري في "الأدب المفرد"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (339) ، والطحاوي (1595) ، وأبو نعيم في "الحلية" 1/159 من طرق عن سليمان بن المغيرة، به مختصراً بقصة سلام أبي ذر على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (1640) ، و"الأوسط" (4282) من طريق خالد الحذاء، عن حميد بن هلال مختصراً بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زمزم: "إنها مباركة، إنها طعام طعم".

وأخرجه الطيالسي (456) و (457) و (458) عن سليمان بن المغيرة، به، مقطعاً ومختصراً.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/159 من طريقين عن سليمان بن المغيرة 1/159 مقطعاً ومختصراً.

وأخرجه أبو عوانة في المناقب كما في "الإتحاف" 1/156 من طريق حسين ابن محمد، عن سليمان بن المغيرة، به. مختصراً بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها" وسيأتي الحديث مختصراً بهذه القطعة برقم (21535) .

وأخرجه مطولاً بنحوه الطبراني في "الكبير" (773) ، وفي "الأحاديث الطوال" (5) ، والحاكم 3/339 - 341، وأبو نعيم في "الحلية" 1/157 - 158 من طريق الوليد بن مسلم، عن عباد بن الريان اللخمي، عن عروة بن رويم، عن عامر بن لُدَين، عن أبي ليلى الأشعري، عن أبي ذر. وانظر ما بعده.

وانظر قصة إسلام أبي ذر من حديث ابن عباس، عند البخاري (3861) ، ومسلم (2474) .

وفي باب قوله: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله" عن ابن عمر سلف برقم (4702) وانظر تتمة شواهده هناك.

قال السندي: قوله: صرمتنا: بكسر صاد مهملة: القطيع من الإبل، وتطلق على القطيع من الغنم.  قوله: فنافر: من المنافرة، وهي المفاخرة. وكانت مفاخرتهما في الشعر، أيهما أشعر، ومن كان أشعر فله صِرمةُ الرجلين، وهذا معنى: عن صِرمتنا وعن مثلها، أي: راهن كل منهما صِرمته، وقال: من كان أشعر فله الصِّرمتان، فخيَّر: أي حكم بأن أنيساً أشعر وأفضل.   خِفاء: بكسر خاء معجمة وتخفيف فاء ومد؛ وهو ككساء لفظاً ومعنى.  فَرَاث عليَّ: أي: أبطأ.  على دينك: أي رجلاً كائناً على دينك، وهو على دينك في ترك الأصنام، والتوجه إلى عبادة الرحمن تعالى.  أقراء الشعر: بالقاف والراء والمد، أي: طرقه وأنواعه.  شَنِفوا: بشين معجمة مفتوحة، ثم نون مكسورة، ثم فاء، أي: أبغضوه. قلنا: وبمعناه شئفوا بالهمز. وقوله: شَفوا له: أي: عالجوه بكلِّ ما يُشتفَى به، والمعنى على المجاز والله أعلم.  وأما قوله: سبقوا له، فلم نتبين وجهه، فلينظر.  وتجهموا:  أي: قابلوه بوجوه كريهة.  فتضعَّفت: أي: رأيته ضعيفاً، فوجدت أنه لا يصيبني بمكروه.  مَدَرة: قطعة من الطين اليابس.  نصب: بضمتين أو سكون الثاني، وهو صنم أو حجر كانوا يذبحون عليه، أي: صرت من كثرة الدماء التي سالت مني كأني نصب.  تكسَّرت، أي: انثنت من كثرة السِّمَن.  عُكَن: جمع عكنة، كغُرَف جمع غُرفة، وهي الطَّيُّ في البطن من السِّمَن.  سخفة: بفتح أو ضم فسكون: رقة الجوع وضعفه.  قمراء: أي طالع قمرها.  إضْحِيان: بكسر الهمزة والحاء وسكون ضاد معجمة بينهما، أي: مضيئة. أصْمِخَة: جمع صماخ، مثل سلاح وأسلحة، وهو الخرق الذي في الأذن، والمراد ها هنا الآذان، وهذا كناية عن النوم.  إساف: اسم صنم، وكذا نائلة، وهو المشهور، وفي نسخ المسند: نائل.  فقلت: وهَنٌ: بفتح الهاء وتخفيف النون، يكون كناية عن كل شيء، وهو ها هنا كناية عن الذَّكَر.

 

وفي الخبر هنا ورواه مسلم كذلك أن أبا ذر هو أول من حيا محمد بتحية الإسلام وأنه مصدرها، لكن هذه التحية قد وجدتها كذلك في بعض ترجمتي للمواد الهاجادية اليهودية (راجع بحث أصول أساطير الإسلام من الهاجادة) وكذلك يوجد عند المسيحيين تحيات مشابهة:

 

(وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَقُولُوا أَوَّلاً: سَلاَمٌ لِهذَا الْبَيْتِ. 6فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ابْنُ السَّلاَمِ يَحُلُّ سَلاَمُكُمْ عَلَيْهِ، وَإِّلاَّ فَيَرْجعُ إِلَيْكُمْ.) لوقا 10

 

(36وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسْطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ:«سَلاَمٌ لَكُمْ!») لوقا 24

 

(1سِمْعَانُ بُطْرُسُ عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَرَسُولُهُ، إِلَى الَّذِينَ نَالُوا مَعَنَا إِيمَانًا ثَمِينًا مُسَاوِيًا لَنَا، بِبِرِّ إِلهِنَا وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: 2لِتَكْثُرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا.) رسالة بطرس الثانية

 

(19تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ كَنَائِسُ أَسِيَّا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ كَثِيرًا أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِلاَّ مَعَ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِمَا. 20يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الإِخْوَةُ أَجْمَعُونَ. سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. 21اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ.) رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 16

 

(16وَرَبُّ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُعْطِيكُمُ السَّلاَمَ دَائِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. الرَّبُّ مَعَ جَمِيعِكُمْ.

17اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ، الَّذِي هُوَ عَلاَمَةٌ فِي كُلِّ رِسَالَةٍ. هكَذَا أَنَا أَكْتُبُ. 18نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.) رسالة بولس الثانية إلى تسالونيكي 3

 

(11أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ افْرَحُوا. اِكْمَلُوا. تَعَزَّوْا. اِهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا. عِيشُوا بِالسَّلاَمِ، وَإِلهُ الْمَحَبَّةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ. 12سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. 13يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ جَمِيعُ الْقِدِّيسِينَ.

14نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.) رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 13

 

(20وَإِلهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعًا. نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَكُمْ. آمِينَ.

21يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسُ الْعَامِلُ مَعِي، وَلُوكِيُوسُ وَيَاسُونُ وَسُوسِيبَاتْرُسُ أَنْسِبَائِي. 22أَنَا تَرْتِيُوسُ كَاتِبُ هذِهِ الرِّسَالَةِ، أُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ. 23يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ غَايُسُ مُضَيِّفِي وَمُضَيِّفُ الْكَنِيسَةِ كُلِّهَا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرَاسْتُسُ خَازِنُ الْمَدِينَةِ، وَكَوَارْتُسُ الأَخُ. 24نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ.) رسالة بولس إلى روما 16

 

(1يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ، إِلَى الْمَدْعُوِّينَ الْمُقَدَّسِينَ فِي اللهِ الآبِ، وَالْمَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ: 2لِتَكْثُرْ لَكُمُ الرَّحْمَةُ وَالسَّلاَمُ وَالْمَحَبَّةُ.) رسالة يهوذا أخي يعقوب

 

الليالي العشر من شهر ذي الحجة

 

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)} الفجر

 

هنا يقسم محمد بعظمة أيام مقدَّسة طقسيًّا وشعائريًّا عند وثنيي العرب_والتي تبّناها الإسلام بعد ذلك_وهي الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة العربي في موسم الحج، والشفع والوتر قيل هما اليوم العاشر والتاسع من ذلك الشهر، فكلمة شفع معناه زوجيّ (كما نقول رتبة شفعيات الأصابع) والوتر أي فرديّ، واليوم العاشر هو يوم الحج الأكبر وبه يكون ذبح الأضحية المقدَّمة لتوزَّع في مكة على الحاضرين، ونكتشف من هذا النصّ إن صح أنه من الفترة المكية المبكِّرة_وسماته الأسلوبية من قصر الآيات وسجعها المكثَّف تدلّ على ذلك فعلًا_فمنذ فترة مبكِّرة جدًّا ليس بعد أول الدعوة المحمدية بكثير نجد أنه قرَّر في ذهنه ضم عناصر من الديانة العربية الوثنية القديمة وشعائرها إلى جسم دينه الجديد بعد حذف الطابع التعدُّدي (الشِركيّ) منها، وليس كما يتخيَّل المعظم أنه فعل ذلك كمبدإٍ بعد هجرته، بل الأحرى أنه زاد فقط من وضع العنصر العربي واستبعاد بعض العناصر الكتابية بسبب غيظه من اليهود والمسيحيين لعدم اتّباع معظمهم لديانته الجديدة.

 

{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)} النمل

 

من الواضح إذن أن محمدًا منذ كان في مكة في ما يُعرَف بالفترة المكية، حسب تقسيم نولدكه الفترة المكية الثانية، كان قد اختمر في ذهنه بوضوح فكرة صنع ديانة تجمع عقائد وأفكار مخلوطة من عدة أديان لكل العرب، وهنا يذكر تقديس وتحريم مكة كأرضٍ حَرَمٍ وحرامٍ، لا يحل فيها قتالٌ ولا صيدٌ.

 

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}

 

الأدلة كما عرضتها في بحث أصول أساطير الإسلام من الهاجادة، من تحليل أصل قصة بناء أساس ما سيكون الهيكل حسب أسطورة الهاجادة في قصة أمر الله لإبراهيم بذبح ابنه إسحاق، وأنه في آخرها بنى معبدًا على جبل المريا (جبل صهيون) مع ابنه إسحاق، والذي هو أصل قصة محمد وسعيه لأسلمة مكة والكعبة وطقوس الوثنية القديمة الخاصة بالحج من خلال تحويل القصة إلى الكعبة بدلًا من الخرافة اليهودية الأصلية، تؤكد لنا اختمار هذه الأفكار في ذهن محمد منذ فترة مبكِّرة نسبيًّا في مكة، وسعيه لعمل دين_كأي دين آخر نشأ في الواقع_خليط من عدة أفكار وعقائد مما كان قبله. وذكر استغفار إبراهيم لمن يعصيه ولوالديه قبل وبعد الآيات في السورة يرجِّح صحة كونها مكية، لأن محمدًا لاحقًا صار يتصف بروح أكثر تعصبًا ولا يكرر نصوصًا كهذه وينهى عن الاستغفار والصلاة على موتى غير المسلمين.

 

{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)} القصص

 

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)} العنكبوت

 

نصان من الفترة المكية الثالثة كلاهما يعتبر مكة والكعبة حرَمًا حرَّمه وقدَّسه الله نفسه، خطوة تمهيدية تأسيسية من محمد لأسلمة الكعبة وطقوس الحج بإزالة العناصر الوثنية الواضحة منها. لا يزال الحجر الأسود بقية من تراث الوثنية ويقبله المسلمون ويتناولونه، والأغلب أنه في الأصل رمز لإله ربما هُبَل بالذات. كما نعلم من حالات أخرى كالحجر الأبيض رمز اللات. قال الكلبي في كتاب الأصنام:

 

واللات بالطائف وهي أحدث من مناة‏.‏ وكانت صخرةً مربعةً‏.‏ ....‏.‏ وكان سدنتها من ثقيف بنو عتاب بن مالكٍ‏.‏ وكانوا قد بنوا عليها بناءً‏.‏

 

قد تكون كانت مجرد صخرة، أو شيء كصورة العزى في مدينة البتراء الأردنية فهي عبارة عن مربع أو مستطيل مرسوم له عينان وأنف وفم، شكل تجردي هندسي نوعًا ما. ومن الآلهة لتي كان يرمز لها بصورة حجر: ذو الخلصة كما ذكر ابن الكلبي في (الأصنام)، وإله الجبل كما ذكر خزعل الماجدي في (المعتقدات الآرامية)، والعمود والزاقورا عند البابليين كرمز للإله، والصفا أو العمود كما ورد في التوراة كأقدم رمز لمعبد وليهوه وهو من أصل وثني واضح (18  وبكر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عمودًا وصب زيتًا على رأسه) التكوين 28، وحجر الـ بنبن الذي اعتقد المصريون القدماء أنه رمز لرع وأنه خرج من الماء وجلس عليه في أول الخلق والكون.

 

روى البخاري:

 

1597 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ

 

 

 

تمثيلات مجردة للعزّى وصورة لصنمها الأصلي في البتراء بالأردن

 

 

لا قبلة ثم صار هناك قبلة

 

{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)} البقرة

 

قال الطبري:

 

وقال آخرون: بل أنزل الله هذه الآية قبل أن يفرض على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين به التوجه شطر المسجد الحرام. وإنما أنزلها عليه معلما نبيه عليه الصلاة والسلام بذلك وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب، لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية، إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية، لأن له المشارق والمغارب، وأنه لا يخلو منه مكان،  كما قال جل وعز: (وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) [سورة المجادلة: 7] قالوا: ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض عليهم في التوجه شطر المسجد الحرام.

* ذكر من قال ذلك:

1835- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد عن قتادة: قوله جل وعز: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك، فقال الله: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام) [سورة البقرة: 149-150]

1836- حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) ، قال: هي القبلة، ثم نسختها القبلة إلى المسجد الحرام.

1837- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا همام قال، حدثنا يحيى قال، سمعت قتادة في قول الله: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) ، قال: كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وبعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، ثم وجه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام. فنسخها الله في آية أخرى: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) إِلَى (وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [سورة البقرة: 144] ، قال: فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر القبلة.

1838- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعته - يعني زيدا - يقول: قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هؤلاء قوم يهود يستقبلون بيتا من بيوت الله لو أنا استقبلناه! فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا، فبلغه أن يهود تقول: والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم! فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع وجهه إلى السماء، فقال الله عز وجل: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) الآية [سورة البقرة: 144] .

 

وفقًا لهذا النص فالله لا يبالي إلى أين يوجه  الإنسان وجهه، فهو في كل مكان، وما يهمه هو العبادة فقط، لكن لاحقًا سيغير الله رأيه! طبعًا أعني سيغير محمد رأيه. تحويل محمد للقبلة من اتجاه الشرق والقدس إلى مكة هو تناقض في الأفعال يكشف عدم إلهية الإسلام والقرآن، وهو علامة فارقة لبداية هجر محمد لاتباعه الشديد لليهودية في كل شيء واتخاذ عناصر عربية أخرى في دينه من التقاليد العربية الوثنية القبل إسلامية بل ومخالفة ومعاندة اليهود والمسيحيين كشعار جديد لدينه. سبب ذلك هو عواطف محمد الشخصية المتهوِّسة لرفض معظم اليهود لاتباعه.

 

بعد ذلك ببضع آيات في القرآن حسب ترتيبه المتاح تأتي لمحمد أو ربما تعود له فكرة تبني الكثير من عناصر التقليد والطقوس العربية القبل إسلامية ليستقطب العرب لدينه، ويبتدئ (مجددًا حسب ترتيب الصياغة والتأليف الذي اقترحه نولدكه وغيره) في امتداح الكعبة العربية تمهيدًا لإعلان جعلها قبلة المسلمين أتباعه، وهو كذلك تمهيد لأسلمتها هي ومكة:

 

{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)} البقرة

 

بعدها بآيات قلائل يعلن محمد عن حادثة تحويله لاتجاه القبلة:

 

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)}

 

الذين سألوا هذا السؤال ليسوا سفهاء، أسلوب محمد ضد المنطق والنقد العقلانيّ كان دومًا هو الشتيمة والتسفيه، بل هو سؤال منطقيّ، وردود محمد غير منطقية فهل يحتاج الله لعمل اختبار وتجربة بدونها لا يمكنه معرفة من يتبع رسوله المزعوم؟! يبدو أنه محدود العلم إذن! محمد لم يأتِ بأي معجزة مما زعم لا للوثنيين ولا لليهود ولا لأتباعه، وكل ما لدينا بعد نصوص كثيرة تنفي قدرة محمد وتماطل وتجادل دفاعًا عن عجزه التام، تتحفنا قصص الأحاديث وكتب السيرة بمعجزات في حكايات عنه ولا يوجد دليل عليها فهي مجرد قصص وأوهام وخيالات وأساطير، ولو أنهم كانوا يعلمون بصحة دعوة محمد لما كان وُجِد شيء يمنعهم من اتباعه لطالما يتعلق الأمر بمصيرٍ أبديٍّ كما زعموا، من سيتجاهل مصيرًا أبديًّا يعلم أنه سيلاقيه وبأي تفكير لو كان لديه يقين وعلم به؟! محمد كان يمارس تكرار الكذب حتى يصدقه الأتباع فقط.

 

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)} البقرة

 

قال الطبري:

 

فإن قال قائل: فأيّةُ حُجة كانت لأهل الكتاب بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحوَ بيت المقدس، على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟

قيل: قد ذكرنا فيما مضى ما روي في ذلك. قيل: إنهم كانوا يقولون: ما درَى مُحمد وأصحابهُ أين قبلتهم حتى هديناهم نحن! وقولهم: يُخالفنا مُحمد في ديننا ويتبع قبلتنا! فهي الحجة التي كانوا يحتجُّون بها عَلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، على وجه الخصومة منهم لهم، والتمويه منهم بها على الجهالّ وأهل الغباء من المشركين.

وقد بينا فيما مضى أن معنى حِجاج القوم إيَّاه، الذي ذكره الله تعالى ذكره في كتابه، إنّما هي الخصومات والجدال. فقطع الله جل ثناؤه ذلك من حجتهم وَحسمه، بتحويل قبلة نبيّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، من قبلة اليهود إلى قبلة خليله إبراهيم عليه السلام. وذلك هو معنى قول الله جل ثناؤه:"لئلا يكون للناس عليكم حجة"، يعني ب"الناس"، الذين كانوا يحتجون عليهم بما وصفت.

 

... 2292- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"لئلا يكون للناس عليكم حجة"، يعني بذلك أهلَ الكتاب. قالوا -حين صُرف نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة البيت الحرام-: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه!

 

محمد حل المشكلة بصنع مشكلة أكبر، كانت له قبلة وطقس معين، فقام بتغييره، وفي كل تناقضات القرآن نرى أدلة على عدم إلهية القرآن، ما فعله محمد لم يزِل أي إشكال، لا يزال معروفًا أن أول قبلة لمحمد والإسلام كانت بيت المقدس ناحية هيكل سليمان-المسجد الأقصى بتسمية القرآن، لا يزل معروفًا كما سنعرض في دراسة الأحاديث أنه كان قد تبنى كثيرًا من الشعائر اليهودية بحذافيرها، ثم لما لم يتبعه اليهود ألغى الكثير منها أو عدَّلَه كالاكتفاء بصيام عاشوراء (يوم الغفران اليهودي) وتحريم أكل ذبيحة عيد الأضحى بعد ثلاثة أيام (بالتوافق مع تشريع عيد الفصح اليهوديّ). كل الأمور واضحة، ودراسات مصادر الإسلام كالتي قام بها كلير تسدل وجون سي بلر وابن الوراق وأبراهام جيجر وغيرهم وما كتبته عن الموضوع يكشف الأمور، حقيقة السياق اليهودي لنشأة الإسلام واعتماده عليه في تأسيسه حقيقة لا مهربَ منها، إلى الأبد. لذلك لا يحب خبثاء علمائهم اطلاع الناس ودراستهم دراسة عقلانية غير موجَّهة دينيًّا بغسل المخ للأديان الأخرى ونصوصها.

 

ويبدأ محمد في التشريع لأداء طقوس الحج وتنظيمها، هنا مثلا ينص على ضرورة عمل السعي بين الصفا والمروة حيث بعض مذاهب العرب كانت لا تقوم به عند اليثاربة، جاعلًا من الكعبة "مسمار جحا" كما يُقال، ليدخل مكة بعد صلح الحديبية لعمل عمرة إسلامية غير وثنية:

 

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)} البقرة

يحتمل أن هذه نصوص متأخرة متزامنة مع ما بعد صلح الحديبية، إن أغبى شيء فعله وثنيو قريش المكيون هو قبول دخول محمد مكة مع أتباعه لعمل طقوس دين جديد في مكة حول الكعبة، لأنها كانت حيلته لأسلمة الكعبة وطقوسها، هم فقط فكروا سياسيًّا أنه لا يجوز وفق شرعهم وتقاليد قدمائهم منع جميع مذاهب العرب كما اعتيد على زيارة الكعبة والطواف حولها، باعتباره منعًا لزيارة بيت الله أو الآلهة، وهي المسألة التي ضغط محمد عليها بشدة في نصوصه لإحراجهم. الأديان الوثنية بطبيعتها تتسم بالتنوع الشديد في العقائد والممارسات، هذا يعلمه دارس كتب السيرة والحديث، ودارس ديانات مصر القديمة وجريس (اليونان) وروما والهندوسية.

 

وفسر الطبري ما يوضح الأصل الوثني لشعيرة السعي:

 

فإن قال قائل: وما وجه هذا الكلام، وقد قلت لنا، إن قوله:"إنّ الصفا والمروة من شعائر الله"، وإن كان ظاهرهُ ظاهرَ الخبر، فإنه في معنى الأمر بالطواف بهما؟ فكيف يكون أمرًا بالطواف، ثم يقال: لا جُناح على من حج البيت أو اعتمر في الطواف بهما؟ وإنما يوضع الجُناح عمن أتى ما عليه بإتيانه الجناحُ والحرجُ؟ والأمر بالطواف بهما، والترخيصُ في الطواف بهما، غيرُ جائز اجتماعهما في حال واحدة؟

قيل: إنّ ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ. وإنما معنى ذلك عند أقوام: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتمر عُمرة القضيَّة، تخوَّف أقوامٌ كانوا يطوفون بهما في الجاهلية قبل الإسلام لصنمين كانا عليهما تعظيمًا منهم لهما، فقالوا: وكيف نَطوف بهما، وقد علمنا أنَّ تَعظيم الأصنام وجميع ما كان يُعبد من ذلك من دون الله، شركٌ؟ ففي طوَافنا بهذين الحجرين أحرَجُ ذلك، لأن الطواف بهما في الجاهلية إنما كان للصنمين اللذين كانا عليهما، وقد جاء الله بالإسلام اليومَ، ولا سبيل إلى تعظيم شيء مع الله بمعنى العبادة له!

فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك من أمرهم:"إنّ الصفا والمروة من شعائر الله"، يعني: إن الطوافَ بهما، فترك ذكر"الطواف بهما"، اكتفاء بذكرهما عنه. وإذْ كان معلومًا عند المخاطبين به أن معناه: من معالم الله التي جعلها علَمًا لعباده يعبدونه عندهما بالطواف بينهما، ويذكرونه عليهما وعندهما بما هو له أهل من الذكر،"فمن حَج البيتَ أو اعتمر" فلا يتخوَّفنَّ الطواف بهما، من أجل ما كانَ أهل الجاهلية يطوفون بهما من أجل الصنمين اللذين كانا عليهما، فإن أهل الشرك كانوا يطوفون بهما كفرًا، وأنتم تَطوفون بهما إيمانًا، وتصديقًا لرسولي، وطاعةً لأمري، فلا جُناح عليكم في الطواف بهما.

* * *

و"الجناح"، الإثم، كما:-

2334- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فلا جُناح عليه أن يطوّف بهما"، يقول: ليس عليه إثم، ولكن له أجر.

* * *

وبمثل الذي قلنا في ذلك تظاهرت الرواية عن السلف من الصحابة والتابعين.

ذكر الأخبار التي رويت بذلك:

2335- حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا داود، عن الشعبي: أن وَثَنًا كان في الجاهلية على الصفا يسمى"إسافًا"، ووثنًا على المرْوة يسمى"نائلة"، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مَسحوا الوثَنين. فلما جاء الإسلام وكُسرت الأوثان، قال المسلمون: إنّ الصفا والمرْوة إنما كانَ يُطاف بهما من أجل الوَثنين، وليس الطواف بهما من الشعائر! قال: فأنزل الله: إنهما من الشعائر،"فمن حَجّ البيتَ أو اعتمر فلا جُناحَ عليه أن يطوّف بهما".

2336- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عامر قال: كان صنم بالصفا يدعى"إسافًا"، ووثَن بالمروة يدعى"نائلة"، ثم ذكر نحو حديث ابن أبي الشوارب - وزاد فيه، قال: فذكِّر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه، وأنِّت المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنثًا. (1)

2337- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، وذكر نحو حديث ابن أبي الشوارب عن يزيد، وزاد فيه - قال: فجعله الله تطوُّعَ خير.

2338- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرني عاصم الأحول قال، قلت لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الطواف بين الصفا والمرْوة حَتى نزلت هذه الآية؟ فقال: نعم كنا نكره الطواف بَينهما لأنهما من شعائر الجاهلية، حتى نزلت هذه الآية:"إنّ الصفا والمروة من شعائر الله". (2)

2339- حدثني علي بن سهل الرملي قال، حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا سفيان، عن عاصم قال، سألت أنسًا عن الصفا والمروة، فقال: كانتا من مَشاعر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكوا عنهما، فنزلت:"إن الصفا والمرْوَة من شَعائر الله". (3)

2340- حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثني أبو الحسين المعلم قال، حدثنا شيبان أبو معاوية، عن جابر الجعفي، عن عمرو بن حبشي قال، قلت لابن عمر:"إنّ الصفا والمروة من شعائر الله فمن حَج البيتَ أو اعتمر فَلا جُناحَ عليه أنْ يَطَّوَّف بهما" قال، انطلق إلى ابن عباس فاسأله، فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. فأتيته فسألته، فقال: إنه كان عندهما أصنامٌ، فلما حُرِّمْن أمسكوا عن الطواف بينهما، حتى أنزلت:"إنّ الصفا والمروة من شعائر الله فمن حَج البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أنْ يَطَّوَّفَ بهما" (1) .

2341- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"إنّ الصفا والمروة من شَعائر الله"، وذلك أنّ ناسًا كانوا يتحرجون أن يَطوفوا بين الصفا والمروة، فأخبر الله أنهما من شعائره، والطواف بينهما أحبُّ إليه، فمضت السُّنة بالطَّواف بينهما.

2343- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"إنّ الصفا والمروة من شعائر الله" قال، قالت الأنصار: إنّ السَّعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية! فأنزل الله تعالى ذكره:"إنّ الصفا والمروة من شَعائر الله"

2344- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن أبن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.

2345- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"فلا جُناح عليه أن يَطَّوَّف بهما" قال، كان أهل الجاهلية قد وَضَعوا على كل واحد منهما صَنمًا يعظمونهما، فلما أسلم المسلمون كرِهوا الطواف بالصفا والمروة لمكان الصنمين، فقال الله تعالى:"إن الصفا والمروةَ من شَعائر الله فمن حج البيتَ أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطَّوَّف بهما"، وقرأ: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [سورة الحج: 32] ، وسَن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما.

2346- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم قال، قلت لأنس: الصفا والمروة، أكنتم تكرَهون أن تطوفوا بهما مع الأصنام التي نُهيتم عنها؟ قال: نعم، حتى نزلت:"إنّ الصفا والمروة من شعائر الله".

2347- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير قال، أخبرنا عاصم قال، سمعت أنس بن مالك يقول: إنّ الصفا والمروة من مَشاعر قُريش في الجاهلية، فلما كان الإسلام تَركناهما.

 

وروى مسلم:

 

[ 1277 ] حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال قلت لها إني لأظن رجلا لو لم يطف بين الصفا والمروة ما ضره قالت لم قلت لأن الله تعالى يقول { إن الصفا والمروة من شعائر الله }  إلى آخر الآية فقالت ما أتم الله حج امريء ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة ولو كان كما تقول لكان فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما وهل تدري فيما كان ذاك إنما كان ذاك أن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما إساف ونائلة ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا المروة ثم يحلقون فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية قالت فأنزل الله عز وجل { إن الصفا والمروة من شعائر الله }  إلى آخرها قالت فطافوا

 

[ 1277 ] حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر جميعا عن بن عيينة قال بن أبي عمر حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن عروة بن الزبير قال قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا وما أبالي أن لا أطوف بينهما قالت بئس ما قلت يا بن أختي طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون فكانت سنة وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة فلما كان الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عز وجل { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما }  ولو كانت كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك وقال إن هذا العلم ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية وقال آخرون من الأنصار إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة فأنزل الله عز وجل { إن الصفا والمروة من شعائر الله }  قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها فقد نزلت في هؤلاء وهؤلاء

 

وروى الترمذي:

 

2965 - حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن عروة قال: قلت لعائشة ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا وما أبالي أن لا أطوف بينهما فقالت بئس ما قلت يا ابن أختي طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم وطاف المسلمون وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة فأنزل الله { فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } ولو كانت كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما قال الزهري فذكر ت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك وقال إن هذا العلم ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية وقال آخرون من الأنصار إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله } قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها نزلت في هؤلاء وهؤلاء

 قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

 

قال الألباني: صحيح

 

وروى الحاكم في المستدرك:

 

3070 - حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أسيد بن عاصم الأصبهاني ثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن عاصم قال  سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة قال : كانتا من مشاعر الجاهلية فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله : { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا }

 

3073 - أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الصفار العدل ثنا أحمد بن محمد بن نصر ثنا عمرو بن طلحة القناد ثنا أسباط بن نصر عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنهما  في قوله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } قال : كانت الشياطين في الجاهلية تعزف الليل أجمع بين الصفا والمروة وكانت فيهما آلهة لهم أصنام فلما جاء الإسلام قال المسلمون : يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شيء كنا نصنعه في الجاهلية فأنزل الله : { فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } يقول : ليس عليه إثم ولكن له أجر

 هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه

 

قال الذهبي: على شرط مسلم

 

وروى أحمد:

 

(25298) 25812- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} قَالَتْ : كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ يُهِلُّ لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَمَنَاةُ : صَنَمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللهِ ، إِنَّا كُنَّا نَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِمَنَاةَ ، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطُوفَ بِهِمَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}.

 

وهناك رواية بالعكس لكنها تدل كذلك على اختلاف الأصنام المعبودة وأولويات التعبد والتقديس بين قبائل العرب الوثنيين، فروى مسلم:

 

[ 1277 ] وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة أخبرني أبي قال قلت لعائشة ما أرى علي جناحا أن لا أتطوف بين الصفا والمروة قالت لم قلت لأن الله عز وجل يقول { إن الصفا والمروة من شعائر الله }  الآية فقالت لو كان كما تقول لكان فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما إنما أنزل هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم للحج ذكروا ذلك له فأنزل الله تعالى هذه الآية فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة

 

[ 1277 ] حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر جميعا عن بن عيينة قال بن أبي عمر حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن عروة بن الزبير قال قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا وما أبالي أن لا أطوف بينهما قالت بئس ما قلت يا بن أختي طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون فكانت سنة وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة فلما كان الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عز وجل { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما }  ولو كانت كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك وقال إن هذا العلم ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية وقال آخرون من الأنصار إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة فأنزل الله عز وجل { إن الصفا والمروة من شعائر الله }  قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها فقد نزلت في هؤلاء وهؤلاء

 

[ 1277 ] وحدثني محمد بن رافع حدثنا حجين بن المثنى حدثنا ليث عن عقيل عن بن شهاب أنه قال أخبرني عروة بن الزبير قال سألت عائشة وساق الحديث بنحوه وقال في الحديث فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة فأنزل الله عز وجل { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما }  قالت عائشة قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بهما

 

[ 1277 ] وحدثنا حرملة بن يحيى أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة وإنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك حين أسلموا فأنزل الله عز وجل في ذلك { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم } 

 

وروى البخاري:

 

1643 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ، كَانَتْ: لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ، الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ المُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. الآيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا»، ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَذْكُرُونَ: أَنَّ النَّاسَ، - إِلَّا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ - مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ، كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ فِي القُرْآنِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإِسْلاَمِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا، حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ، بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ»

 

1790 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَلَا أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَلَّا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

 

وروى أحمد:

 

(25112) 25625- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ ، يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَ : قُلْتُ : أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} قَالَ : فَقُلْتُ : فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا ، قَالَ : فَقَالَتْ عَائِشَةُ : بِئْسَمَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي ، إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى مَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ ، كَانَتْ : فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ، وَلَكِنَّهَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ أَنَّ الأَنْصَارَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ عِنْدَ الْمُشَلَّلِ ، وَكَانَ مَنْ أَهَلَّ لَهَا تَحَرَّجَ أَنْ يَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ، إِلَى قَوْلِهِ ، {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} قَالَتْ عَائِشَةُ : ثُمَّ قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بِهِمَا ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الطَّوَافَ بِهِمَا.

(25905) 26430- حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ، قَالَتْ : بِئْسَمَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي ، إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ ، كَانَتْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ أَنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الأَنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّوا لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ عِنْدَ الْمُشَلَّلِ ، وَكَانَ مَنْ أَهَلَّ لَهَا يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، قَالَتْ : ثُمَّ قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بِهِمَا ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الطَّوَافَ بِهِمَا. (6/227)

 

وروى أبو داوود:

 

1901 - حدثنا القعنبي عن مالك [ عن هشام بن عروة ح ] وثنا ابن السرح ثنا ابن وهب عن مالك عن هشام [ بن عروة ] عن أبيه أنه قال: قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله عزوجل { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ؟ فما أرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما قالت عائشة رضي الله عنها كلا لو كانن كما تقول كانت " فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فأنزل الله عزوجل { إن الصفا والمروة من شعائر الله } .

 

قال الألباني: صحيح

 

بعد ذلك يعود محمد ليقول بالتناقض مع ذلك:

 

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} البقرة

 

قال عبد الرزاق الصنعاني في تفسيره:

 

عبد الرزاق قال نا معمر عن قتادة قال كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصاري قبل المشرق فنزلت ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب

 

وقال الطبري:

 

وقال آخرون: عنى الله بذلك اليهود والنصارى. وذلك أن اليهود تصلي فتوجِّه قبل المغرب، والنصارى تصلي فتوَجَّه قبل المشرق، فأنزل الله فيهم هذه الآية، يخبرهم فيها أن البرّ غير العمل الذي يعملونه، ولكنه ما بيناه في هذه الآية

* ذكر من قال ذلك:

2518- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: كانت اليهود تصلي قبَل المغرب والنصارى تصلي قبل المشرق، فنزلت:"ليس البر أن تولوا وُجُوهكم قبل المشرق والمغرب".

2519- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"ليس البر أن تُولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر"، ذُكر لنا أن رَجلا سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البر فأنزل الله هذه الآية. وذُكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا الرجل فتلاها عليه. وقد كان الرجلُ قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ثم مات على ذلك يُرْجى له ويطمع له في خير، فأنزل الله:"ليسَ البر أن تولوا وجوهَكم قبل المشرق والمغرب". وكانت اليهود تَوجَّهت قبل المغرب، والنصارى قبل المشرق -"ولكن البر من آمنَ بالله واليوم الآخر" الآية.

 

إذا كان الأمر كذلك فما كان الداعي لتحديد وجهة لقبلة صلاة المسلمين، أما كان يتسق مع هذا أن يجعلها اعتباطيًّا وكيفما اتفق، على أن يكون المصلون إذا صلوا جماعة يلتزموا فقط بأن يكونوا في اتجاهٍ واحد؟!

 

وقال محمد في نص تعليقًا على حادث سرية نخلة الإرهابية التي كان قد أرسلها:

 

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} البقرة

 

هنا ينص على اعتبار الكعبة مقدسة عند أتباعه وديانته الجديدة، وهي خطوة لأسلمة الكعبة وطقوسها، الأمر أشبه بأن أدعي بأن ضريح صاحب السيخيّ المقدس للسيخ أو مزار من مزارات بودا أو كنيسة القيامة مقدسة لديانة جديدة أدعو لها، ثم أقوم بالاستيلاء على هذا المكان المقدس لديانة ومعتقدين آخرين! بنفس الطريقة بنى المسلمون مكان هيكل اليهود مسجدهم وإلى اليوم بسبب أفكار محمد التي تصادر الأماكن المقدسة وتستولي عليها لديانته يوجد نزاع بين العرب وأمة من أذكى الأمم وأكثرها تقدمًا علميًّا هي دولة إسرائيل، وخاض العرب من فلسطين ومصر وسوريا والعراق وغيرها حروبًا رهيبة مع إسرائيل، ولو أنه لم تكن هناك هذه المشاكل الدينية من ادعاء المسلمين أن مكان الهيكل يخصهم، وادعاء يهود العالم أن الله أباح لهم الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية التي لا تحق لهم، لكان حل الأمور والتوصل لسلام ومحبة وتسوية أيسر بكثير جدًّا بدون عنصر الجنون والهوس الديني لدى الطرفين، لحسن الحظ أن محمدًا ودينه لم يدعيا أحقيتهما في أماكن مقدسة خرافيًّا لأهل خرافات وأديان أخرى!

 

وعندما منع وثنيو مكة محمدًا وأتباعه من دخولها لعمل عمرة، واصطلحوا على صلح الحديبية، قال محمد في سورة البقرة:

 

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)} البقرة

 

هنا يشرع محمد في توضيح وترسيم المناسك وقواعدها لأتباعه.

 

وفي سورة الأنفال:

 

{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)} الأنفال

 

لا نعلم بصورة يقينية قاطعة متى صيغت هذه الآية، لطبيعة طريقة تأليف محمد وجمعه للنصوص، لكن جسم مجمل سورة الأنفال سنة 2 هجرية بعد موقعة بدر، وهنا ادعى محمد أن المسلمين أحق بالكعبة المعبد الوثني وأنها تخصهم وأنها رمز للتوحيد بزعمه كخطوة فكرية لأسلمة مكة والكعبة وثقافة عرب شبه جزيرة العرب الوثنيين.

 

من تعديلات محمد على طقوس الحج

 

روى أحمد:

 

275 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سُفْيَانَ . وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : سَمِعْتُ عُمَرَ - : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ - قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : وَكَانُوا يَقُولُونَ : أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ - يَعْنِي : فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين . أبو إسحاق : هو عمرو بن عبد الله السبيعي ، ورواية سفيان الثوري عنه قبل تغيره . وقد تقدم برقم (84) .

وثبير : جبل معروف بمكة على يسار الذاهب إلى مِنى من عرفة .

84 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ ، قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ بِجَمْعٍ الصُّبْحَ ، ثُمَّ وَقَفَ وَقَالَ : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين . أبو إسحاق : هو عمروبن عبد الله السبيعي ، وعمرو بن ميمون : هو الأودي .

وأخرجه الطيالسي (63) ، والبخاري (1684) ، والترمذي (896) ، والنسائي 5 / 265 من طرق عن شعبة ، بهذا الإسناد .

وأخرجه الدارمي (1890) ، وابن ماجه (3022) ، والطحاوي 2 / 218 ، من طريقين عن أبي إسحاق ، به . وسيأتي برقم (200) و (275) و (295) و (358) و (385) .

وأخرجه البخاري (3838) ، وابن خزيمة (2859) من طريق عبد الرحمن بن مهدي.

وأخرجه أبو دواد (1938) ، والطحاوي 2 / 218 ، وابن حبان (3860) من طريقين عن سفيان.

 

وروى مسلم:

 

[ 1289 ] حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب جميعا عن أبي معاوية قال يحيى أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها

 

رواه البخاري 1682 , وأحمد 4293 و4399.

 

وروى البخاري:

 

1675 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَمَرَ أُرَى فَأَذَّنَ وَأَقَامَ قَالَ عَمْرٌو لَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إِلَّا مِنْ زُهَيْرٍ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُمَا صَلَاتَانِ تُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ وَالْفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ

 

 

 

من قصة قوم ثمود ونبي العرب صالح مما لم يرد في القرآن وهو من الأصل الوثني:

 

ينقل ابن كثير في قصص الأنبياء من الأصل الوثني للقصة مما لم يرد في القرآن ولا الأحاديث:

 

.... قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 77] . وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى قَتْلَهَا مِنْهُمْ رَئِيسَهُمْ قُدَارَ بْنَ سَالِفِ بْنِ جُنْدَعٍ، وَكَانَ أَحْمَرَ أَزْرَقَ قَصِيرًا، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ وَلَدُ زَانِيَةٍ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ سَالِفٍ. وَهُوَ مِنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: صِيبَانُ، وَكَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِهِمْ؛ فَلِهَذَا نُسِبَ لْفِعْلُ إِلَى جَمِيعِهِمْ كُلِّهِمْ.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ ثَمُودَ اسْمُ إِحْدَاهُمَا صَدُوفُ بِنْتُ الْمُحَيَّا بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْمُحَيَّا، وَكَانَتْ ذَاتَ حَسَبٍ وَمَالٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَفَارَقَتْهُ فَدَعَتِ ابْنَ عَمٍّ لَهَا يُقَالُ لَهُ: مِصْدَعُ بْنُ مَهْرَجِ بْنِ الْمُحَيَّا، وَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا إِنْ هُوَ عَقَرَ النَّاقَةَ، وَاسْمُ الْأُخْرَى عُنَيْزَةُ بِنْتُ غُنَيْمِ بْنِ مِجْلَزٍ، وَتُكْنَى أُمَّ عُثْمَانَ، وَكَانَتْ عَجُوزًا كَافِرَةً، لَهَا بَنَاتٌ مِنْ زَوْجِهَا ذُؤَابِ بْنِ عَمْرٍو أَحَدِ الرُّؤَسَاءِ، فَعَرَضَتْ بَنَاتَهَا الْأَرْبَعَ عَلَى قُدَارِ بْنِ سَالِفٍ إِنْ هُوَ عَقَرَ النَّاقَةَ فَلَهُ أَيُّ بَنَاتِهَا شَاءَ، فَانْتُدِبَ هَذَانِ الشَّابَّانِ لِعَقْرِهَا، وَسَعَوْا فِي قَوْمِهِمْ بِذَلِكَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ سَبْعَةٌ آخَرُونَ فَصَارُوا تِسْعَةً، وَهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل: 48] . وَسَعَوْا فِي بَقِيَّةِ الْقَبِيلَةِ، وَحَسَّنُوا لَهُمْ عَقْرَهَا فَأَجَابُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَطَاوَعُوهُمْ فِي ذَلِكَ فَانْطَلَقُوا يَرْصُدُونَ النَّاقَةَ، فَلَمَّا صَدَرَتْ مِنْ وِرْدِهَا كَمَنَ لَهَا مِصْدَعٌ فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ عَظْمَ سَاقِهَا، وَجَاءَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْقَبِيلَةِ فِي قَتْلِهَا، وَحَسَرْنَ عَنْ وُجُوهِهِنَّ تَرْغِيبًا لَهُمْ، فَابْتَدَرَهُمْ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ فَشَدَّ عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ فَكَشَفَ عَنْ عُرْقُوبِهَا، فَخَرَّتْ سَاقِطَةً إِلَى الْأَرْضِ، وَرَغَتْ رَغَاةً وَاحِدَةً عَظِيمَةً، تُحَذِّرُ وَلَدَهَا، ثُمَّ طَعَنَ فِي لَبَّتِهَا فَنَحَرَهَا، وَانْطَلَقَ سَقْبُهَا، وَهُوَ فَصِيلُهَا فَصَعِدَ جَبَلًا مَنِيعًا، وَرَغَا ثَلَاثًا.

 

..... فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] . وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَطَا عَلَيْهَا قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَعَرْقَبَهَا فَسَقَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ ابْتَدَرُوهَا بِأَسْيَافِهِمْ يُقَطِّعُونَهَا، فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ سَقْبُهَا، وَهُوَ وَلَدُهَا شَرَدَ عَنْهُمْ فَعَلَا أَعْلَى الْجَبَلِ هُنَاكَ، وَرَغَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] . أَيْ غَيْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ أَيْضًا فِي هَذَا الْوَعْدِ الْأَكِيدِ، بَلْ لَمَّا أَمْسَوْا هَمُّوا بِقَتْلِهِ، وَأَرَادُوا فِيمَا يَزْعُمُونَ أَنْ يُلْحِقُوهُ بِالنَّاقَةِ {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [النمل: 49] . أَيْ لَنَكْبِسَنَّهُ فِي دَارِهِ مَعَ أَهْلِهِ فَلَنَقْتُلَنَّهُ، ثُمَّ نَجْحَدَنَّ قَتْلَهُ، وَنُنْكِرَنَّ ذَلِكَ إِنْ طَالَبَنَا أَوْلِيَاؤُهُ بِدَمِهِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل: 49] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل: 50] . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ الَّذِينَ قَصَدُوا قَتْلَ صَالِحٍ حِجَارَةً رَضَخَتْهُمْ سَلَفًا وَتَعْجِيلًا قَبْلَ قَوْمِهِمْ، وَأَصْبَحَتْ ثَمُودُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَيَّامِ النَّظِرَةِ، وَوُجُوهُهُمْ مُصْفَرَّةٌ، كَمَا أَنْذَرَهُمْ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا أَمْسَوْا نَادَوْا بِأَجْمَعِهِمْ: أَلَا قَدْ مَضَى يَوْمٌ مِنَ الْأَجَلِ، ثُمَّ أَصْبَحُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّأْجِيلِ، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَوُجُوهُهُمْ مُحْمَرَّةٌ، فَلَمَّا أَمْسَوْا نَادَوْا: أَلَا قَدْ مَضَى يَوْمَانِ مِنَ الْأَجَلِ، ثُمَّ أَصْبَحُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ الْمَتَاعِ، وَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَوُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ، فَلَمَّا أَمْسَوْا نَادَوْا: أَلَا قَدْ مَضَى الْأَجَلُ، فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الْأَحَدِ تَحَنَّطُوا وَتَأَهَّبُوا، وَقَعَدُوا يَنْظُرُونَ مَاذَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالنِّقْمَةِ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يُفْعَلُ بِهِمْ، وَلَا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ جَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَرَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَفَاضَتِ الْأَرْوَاحُ وَزَهَقَتِ النُّفُوسُ، وَسَكَنَتِ الْحَرَكَاتُ، وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ، وَحُقَّتِ الْحَقَائِقُ، {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: 78] جُثَثًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا، وَلَا حِرَاكَ بِهَا قَالُوا: وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا جَارِيَةٌ كَانَتْ مُقْعَدَةً، وَاسْمُهَا: كَلْبَةُ بِنْتُ السَّلْقِ، وَيُقَالُ لَهَا: الزُّرَيْعَةُ. وَكَانَتْ شَدِيدَةَ الْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةِ لِصَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْعَذَابَ أُطْلِقَتْ رِجْلَاهَا، فَقَامَتْ تَسْعَى كَأَسْرَعِ شَيْءٍ فَأَتَتْ حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ فَأَخْبَرَتْهُمْ بِمَا رَأَتْ وَمَا حَلَّ بِقَوْمِهَا، وَاسْتَسْقَتْهُمْ مَاءً، فَلَمَّا شَرِبَتْ مَاتَتْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الأعراف: 92] . أَيْ لَمْ يُقِيمُوا فِيهَا فِي سَعَةٍ، وَرِزْقٍ، وَغَنَاءٍ: {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} [هود: 68] . أَيْ نَادَى عَلَيْهِمْ لِسَانُ الْقَدَرِ بِهَذَا.

 

ملاحظة: ووردت القصة بمثلها عند الشيعة في بحار الأنوار للمجلسيّ ج11 ص154 و155 و156 نقلًا عن مصادرهم. ويوجد في كتاب (التيجان في ملوك حمير) لابن وهب نسخة مختلفة قليلًا في حبكتها أكثر تعقيدًا يمكن للقارئ مراجعتها، لا نثق بأي أجزائها أصيل.

 

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ النَّاقَةَ، وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَهَا، فَقَالَ: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس: 12] انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَارِمٌ عَزِيزٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ» .

 

ومن شعر زهير بن أبي سلمة في معلقته، وهو صاحب إحدى المعلقات وكان متأثرًا كما يقال بأفكار الكتابيين، وفيها ينهى الناس عن الحرب، ويشبهها في الشؤم بأحمر عاد، وبالرحى الطاحنة:

 

فَلاَ تَكْتُمُنَّ اللَّهَ ما في صُدُورِكُمْ لِيَخْفَى وَمَهْمَا يُكْتَمِ اللَّهُ يَعْلَمِ

يُؤخَّرْ فَيُوضَعْ في كِتابٍ فَيُدَّخَرْ ... لِيَوْمِ الحِسابِ أو يُعَجَّلْ فَيُنْقَمِ

وَمَا الحَرْبُ إلاّ ما عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بالحَديثِ المُرَجَّمِ

متى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوهَا ذَمِيْمَةً، ... وَتَضْرَ إذا ضَرّيْتُمُوها فَتَضْرَمِ

فَتَعْركُكُمْ عَرْكَ الرِّحَى بِثِفَالِهاوَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ

فَتُنْتِجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كَلُّهُمْ كَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ

فَتُغْلِلْ لَكُمْ ما لا تُغِلُّ لأهْلِهَا ... قُرىً بِالعِراقِ مِنْ قَفِيْزٍ وَدِرْهَمِ

كِرامٍ فَلا ذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبْلَهُ، وَلاَ الجارِمُ الجَاني عَلَيْهِمْ بِمُسْلَمِ

 

ولسببٍ ما افترض راوي القصة العربي الأصليّ أن عاقر الناقة كان أحمر الشعر، ربما كرهًا من العرب المنغلقين لمن خالفهم في لون البشرة والشعر كالأوربيين. يقال أن أحد الفراعنة فيما قرأت ربما رعمسيس الثاني كرهه البعض من المصريين بسبب شقرة في لون شعره لأن أمه كانت من أصل غير مصري.

 

وقال لبيد بن ربيعة، كما في جمهرة أشعار العرب:

 

نَحُلّ بلاداً، كلّها حُلَّ قَبلَها، ... ونَرجو الفَلاحَ بعدَ عادٍ وحِمْيَراٍ

 

الفلاح: البقاء، كقوله تعالى: " أولئك هم المفلحون "، أي الباقون،

 

ويقول عباس بن مرداس السلمي:

 

في كُلِّ عامٍ لَنا وَفْدٌ نُسَيِّرُهُمْ، ... نَخْتارُهمْ حَسَباً مِنّا وأحلامَا

كانُوا كَوَفدِ بني عادٍ أضَلَّهُمُ ... قَيْلٌ، فأَتبَعَ عامٌ مِنْهُمُ عامَا

عادوا فلمْ يجدوا في دارِ قَوْمِهِمُ، ... إلاّ مغانيَهُمْ قَفْراً وآرامَا

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

14160 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ، قَالَ: " لَا تَسْأَلُوا الْآيَاتِ، وَقَدْ سَأَلَهَا قَوْمُ صَالِحٍ، فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، فَعَقَرُوهَا، وَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا، وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا، فَعَقَرُوهَا، فَأَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ أَهْمَدَ اللهُ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْهُمْ، إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللهِ "، قِيلَ: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " هُوَ أَبُو رِغَالٍ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ "

حديث قوي، وهذا إسناد على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن عثمان بن خثيم، وأبي الزبير، فمن رجال مسلم، وأبو الزبير مدلس، وقد عنعن، وأخرجه الطبري 8/230 (14820)، والطحاوي في "المشكل" (3755)، والحاكم 2/320 من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد. وأخرجه البزار (1844)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3756)، وابن حبان (6197) وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (9065) من طريق عبد الله بن لهيعة، عن أبي الزبير، به. وابن لهيعة ضعيف. وأخرجه مختصراً الطبري 14/50، والطحاوي في "شرح المشكل" (3757) من طريقين عن يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد، عن داود بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، عن جابر. وسنده قوي.

 

وروى عبد الرزاق في المصنّف:

 

20989 - أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن إسماعيل بن أمية قال مر النبي صلى الله عليه و سلم بقبر فقال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا قبر أبي رغال قالوا ومن أبو رغال قال رجل كان من ثمود كان في حرم الله فمنعه حرم الله عذاب الله فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ها هنا ودفن معه غصن من ذهب فابتدره القوم فبحثوا عنه حتى استخرجوا الغصن

 

وروى الواقدي في كتاب المغازي قصة طويلة عن أبي رغال، ولا أراها الآن صحيحة لأنها تذكر أن النبي صالحًا كان يجمع صدقات قومه، وهذه فكرة مستمدة من ممارسات محمد أول من نظّم الدولة في جزيرة العرب بهذه الصورة، سوى اليمن التي كان لها مدنية وحضارات كبيرة.

 

وهناك بالسيرة لابن هشام عن ابن إسحاق وتاريخ الطبري قصة مختلفة تمامًا ضمن أسطورة أبرهة وزحفه لهدم الكعبة:

 

....حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف، فقال له: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، سامعون لك مطيعون ليس لك عندنا خلاف، وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد- يعنون اللات- إنما تريد البيت الذي بمكة- يعنون الكعبة- ونحن نبعث معك من يدلك. فتجاوز عنهم، وبعثوا معه أبا رغال، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال، حتى أنزله المغمس، فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك، فرجمت العرب قبره، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس.

 

وتقول الويكيبديا:

 

أبو رغال شخصية عربية توصف بأنها رمز الخيانة، حتى كان ينعت كل خائن عربي بأبي رغال. وكان للعرب قبل الإسلام شعيرة تتمثل في رجم قبر أبو رغال بعد الحج. وظلت هذه الشعيرة في الفترة بين غزو أبرهة الأشرم حاكم اليمن من قبل النجاشي ملك الحبشة عام الفيل 571 ميلادية وحتى ظهور الإسلام.

 

روى عبد الرزاق في مصنفه:

 

20989 - أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن إسماعيل بن أمية قال مر النبي صلى الله عليه و سلم بقبر فقال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا قبر أبي رغال قالوا ومن أبو رغال قال رجل كان من ثمود كان في حرم الله فمنعه حرم الله عذاب الله فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ها هنا ودفن معه غصن من ذهب فابتدره القوم فبحثوا عنه حتى استخرجوا الغصن

 

وفي تفسير الطبري :

 

قال عبد الرزاق، قال معمر: وأخبرني إسماعيل بن أمية: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر أبي رِغال، فقال: أتدرون ما هذا؟، قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: هذا قبر أبي رِغال؟ قالوا فمن أبو رِغال؟ قال: رجل من ثمود، كان في حرم الله، فمنعه حرم الله عذابَ الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن هاهنا، ودفن معه غصن من ذهب! فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عليه، فاستخرجوا الغصن


وروى أحمد بن حنبل:

 

4631- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ابْنُ جَعْفَرٍ، فِي حَدِيثِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ غَيْلاَنَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ: أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ، وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي لأَظُنُّ الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنَ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِكَ، فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِكَ، وَلَعَلَّكَ أَنْ لاَ تَمْكُثَ إِلاَّ قَلِيلاً، وَايْمُ اللهِ، لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ، وَلَتَرْجِعَنَّ فِي مَالِكَ، أَوْ لأُوَرِّثُهُنَّ مِنْكَ، وَلَآمُرَنَّ بِقَبْرِكَ فَيُرْجَمُ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ.

 

 حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، لكن المرفوع منه أخطأ فيه معمر، كما سلف بيانه برقم (4609) . ورواه الترمذي 1128 وأما الموقوف، فصححه البخاري كما في "علل الترمذي الكبير" 1/445، وقد قال أبو جعفر الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/253: أخطأ معمر، فجعل إسناد هذا الحديث فيه كلام عمر للحديث الذي فيه كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كشف مسلم في كتاب "التمييز فيما نقله الحافظ عنه في "الإصابة" (6929) في ترجمة غيلان عن علته، وبينها بيانا شافياً، فقال: إنه كان عند الزهري في قصة غيلان حديثان. أحدهما مرفوع والآخر موقوف، قال: فأدرج معمر المرفوع على إسناد الموقوف، فأما المرفوع فرواه عقيل، عن الزهري، قال: بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد، أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة... الحديث. وأما الموقوف: فرواه الزهري، عن سالم، عن أبيه أن غيلان طلق نساءه في عهد عمر، وقسم ميراثه بين بنيه... الحديث. وأخرج الموفوع منه ابن ماجه (1953)، والبيهقي 7/181 من طريق محمد بن جعفر، وإسماعيل ابن عُلية، بهذا الإسناد. وأخرجه بتمامه أبو يعلي (5437)، ابن حبان (4156) من طريق إسماعيل ابن علية، بهذا الإسناد.ورواه أحمد بن حنبل برقم (4609)  وعبد الرزاق (12216).

 

وهكذا رواه الشافعي والترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرهم عن إسماعيل بن عُلَيَّة وغُنْدَر ويزيد بن زُرَيع وسعيد بن أبي عَرُوبة، وسفيان الثوري، وعيسى بن يونس، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ، عن مَعْمَر -بإسناده -مثله إلى قوله: اختر منهن أربعا. وباقي الحديث في قصة عمر من أفراد أحمد وهي زيادة حسنة وهي مضعفة لما علل به البخاري هذا الحديث فيما حكاه عنه الترمذي، حيث قال بعد روايته له: سمعتُ البخاري يقول: هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى شُعَيْب وغيره، عن الزهري، حُدّثتُ عن محمد بن سُوَيد الثقفي أنّ غيلان بن سلمة، فذكره. قال البخاري: وإنما حديث الزهري عن سالم عن أبيه: أن رجلا من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لتراجعَنَّ نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغَال.



تفسير البغوي ـ باب 80 ـ جزء 3: وروى أبو الزبير عن جابر قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه: لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائهم ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم، ثم قال: أما بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم، فبعث الله الناقة فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج وتشرب ماءهم يوم ورودها، وأراهم مرتقى الفصيل من القارة، فعتوا عن أمر ربهم وعقروها، فأهلك الله تعالى من تحت أديم السماء منهم في مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلا واحدا يقال له أبو رُغَال، وهو أبو ثقيف كان في حرم الله، فمنعه 133/ب حرم الله من عذاب الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ودفن معه غصن من ذهب، وأراهم قبر أبي رغال، فنزل القوم فابتدروا بأسيافهم وحفروا عنه واستخرجوا ذلك الغصن



قصة هود في القرآن سقط منها تفاصيل مهمة

 

هناك تفصيلة مهمة ناقصة في القرآن حيث يقول:

 

{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24]

 

هذه التفصيلة ضمن الخرافة الأصلية هي امتناع المطر لثلاث سنوات، وقصة ذهاب أحدهم للاستسقاء عند الكعبة أقدس معابدهم لكن بطريقة تجديفية غير لائقة، هذا يوضّح سبب تلهفهم حسب سرد القرآن على السحاب الأسود الممطر:

 

يقول ابن كثير في قصص الأنبياء/ قصة هود، من كتابه (البداية والنهاية):

 

وَأَمَّا تَفْصِيلُ إِهْلَاكِهِمْ ; فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24] . كَانَ هَذَا أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَهُمُ الْعَذَابُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُمْحِلِينَ مُسْنِتِينَ فَطَلَبُوا السُّقْيَا، فَرَأَوْا عَارِضًا فِي السَّمَاءِ وَظَنُّوهُ سُقْيَا رَحْمَةٍ فَإِذَا هُوَ سُقْيَا عَذَابٍ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} [الأحقاف: 24] . أَيْ ; مِنْ وُقُوعِ الْعَذَابِ. وَهُوَ قَوْلُهُمْ: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأحقاف: 22] . وَمِثْلُهَا فِي الْأَعْرَافِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ هَاهُنَا الْخَبَرَ. الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا الْكُفْرَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أُمْسِكَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى جَهَدَهُمْ ذَلِكَ. قَالَ: وَكَانَ النَّاسُ إِذَا جَهَدَهُمْ أَمْرٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَطَلَبُوا مِنَ اللَّهِ الْفَرَجَ مِنْهُ إِنَّمَا يَطْلُبُونَهُ بِحَرَمِهِ وَمَكَانِ بَيْتِهِ. وَكَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَبِهِ الْعَمَالِيقُ مُقِيمُونَ وَهُمْ مِنْ سُلَالَةِ عِمْلِيقَ بْنِ لَاوَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَكَانَ سَيِّدُهُمْ إِذْ ذَاكَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ بَكْرٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ قَوْمِ عَادٍ، وَاسْمُهَا: جَلْهَدَةُ ابْنَةُ الْخَيْبَرِيِّ. قَالَ: فَبَعَثَ عَادٌ وَفْدًا قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا لِيَسْتَقُوا لَهُمْ عِنْدَ الْحَرَمِ، فَمَرُّوا بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ بِظَاهِرِ مَكَّةَ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ فَأَقَامُوا عِنْدَهُ شَهْرًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ تُغَنِّيهِمُ الْجَرَدَاتَانِ قَيْنَتَانِ لِمُعَاوِيَةَ وَكَانُوا قَدْ وَصَلُوا إِلَيْهِ فِي شَهْرٍ، فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهُمْ عِنْدَهُ، وَأَخَذَتْهُ شَفَقَةٌ عَلَى قَوْمِهِ، وَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِانْصِرَافِ، عَمِلَ شِعْرًا يُعَرِّضُ لَهُمْ بِالِانْصِرَافِ، وَأَمَرَ الْقَيْنَتَيْنِ أَنْ تُغَنِّيَهُمْ بِهِ، فَقَالَ:

أَلَّا يَا قَيْلُ وَيْحَكَ قُمْ فَهَيْنِمْ ... لَعَلَّ اَللَّهَ يُصْبِحُنَا غَمَامًا

فَيَسْقِي أَرْضَ عَادٍ إِنَّ عَادًا ... قَدَ أمْسَوْا لَا يُبِينُونَ اَلْكَلَامَا

مِنَ الْعَطَشِ اَلشَّدِيدِ فَلَيْسَ نَرْجُو ... بِهِ اَلشَّيْخَ اَلْكَبِيرَ وَلَا اَلْغُلَامَا

وَقَدْ كَانَتْ نِسَاؤُهُمْ بِخَيْرٍ ... فَقَدْ أَمْسَتْ نِسَاؤُهُمْ عِيَامًا

وَإِنَّ اَلْوَحْشَ يَأْتِيهِمْ جِهَارًا ... وَلَا يَخْشَى لِعَادِيٍّ سِهَامًا

وَأَنْتُمْ هَاهُنَا فِيمَا اِشْتَهَيْتُمْ ... نَهَارَكُمْ وَلَيْلَكُمُ اِلتَّمَامَا

فَقُبِّحَ وَفْدُكُمْ مِنْ وَفْدِ قَوْمٍ ... وَلَا لُقُّوا اَلتَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَا

قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ تَنَبَّهَ الْقَوْمُ لِمَا جَاءُوا لَهُ، فَنَهَضُوا إِلَى الْحَرَمِ وَدَعَوْا لِقَوْمِهِمْ فَدَعَا دَاعِيهِمْ، وَهُوَ قَيْلُ بْنُ عِتْرٍ فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَّابَاتٍ ثَلَاثًا ; بَيْضَاءَ، وَحَمْرَاءَ، وَسَوْدَاءَ. ثُمَّ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَلِقَوْمِكَ مِنْ هَذَا السَّحَابِ. فَقَالَ: اخْتَرْتُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ فَإِنَّهَا أَكْثَرُ السَّحَابِ مَاءً. فَنَادَاهُ مُنَادٍ: اخْتَرْتَ رَمَادًا رِمْدَدًا لَا تُبْقِي مِنْ عَادٍ أَحَدًا لَا وَالِدًا تَتْرُكُ وَلَا وَلَدًا، إِلَّا جَعَلَتْهُ هَمِدَا، إِلَّا بَنِي اللَّوْذِيَّةِ الْمُهْدَا. قَالَ: وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ عَادٍ كَانُوا مُقِيمِينَ بِمَكَّةَ فَلَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ قَوْمَهُمْ. قَالَ: وَمَنْ بَقِيَ مِنْ أَنْسَابِهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ هُمْ عَادٌ الْآخِرَةُ. قَالَ: وَسَاقَ اللَّهُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ الَّتِي اخْتَارَهَا. قَيْلُ بْنُ عِتْرٍ بِمَا فِيهَا مِنَ النِّقْمَةِ إِلَى عَادٍ حَتَّى تَخَرَّجَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَادٍ يُقَالُ لَهُ: الْمُغِيثُ، فَلَمَّا رَأَوْهَا اسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا. فَيَقُولُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 24] . أَيْ ; كُلَّ شَيْءٍ أُمِرَتْ بِهِ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَبْصَرَ مَا فِيهَا وَعَرَفَ أَنَّهَا رِيحٌ فِيمَا يَذْكُرُونَ امْرَأَةً مِنْ عَادٍ يُقَالُ لَهَا: مَهْدٌ، فَلَمَّا تَبَيَّنَتْ مَا فِيهَا صَاحَتْ، ثُمَّ صَعِقَتْ، فَلَمَّا أَفَاقَتْ قَالُوا: مَا رَأَيْتِ يَا مَهْدُ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رِيحًا فِيهَا كَشُهُبِ النَّارِ، أَمَامَهَا رِجَالٌ يَقُودُونَهَا. فَسَخَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7] . وَالْحُسُومُ: الدَّائِمَةُ. فَلَمْ تَدَعْ مِنْ عَادٍ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ. قَالَ: وَاعْتَزَلَ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا ذُكِرَ لِي فِي حَظِيرَةٍ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا يُصِيبُهُمْ إِلَّا مَا يَلِينُ عَلَيْهِمُ الْجُلُودُ، وَتَلْتَذُّ الْأَنْفُسُ، وَإِنَّهَا لِتَمُرُّ عَلَى عَادٍ بِالظَّعْنِ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَتَدْمَغُهُمْ بِالْحِجَارَةِ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْقِصَّةِ.

 

وقد روى أحمد بن حنبل جزءً من هذه القصة على لسان معاصر لمحمد وبحضور محمد دون اعتراض منه على التفاصيل:

(15953) 16049- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلاَّمٌ أَبُو الْمُنْذِرِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: مَرَرْتُ بِعَجُوزٍ بِالرَّبَذَةِ مُنْقَطِعٌ بِهَا، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، قَالَ: فَقَالَتْ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَاحْمِلُونِي مَعَكُمْ فَإِنَّ لِي إِلَيْهِ حَاجَةً . قَالَ: فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ غَاصٌّ بِالنَّاسِ، وَإِذَا رَايَةٌ سَوْدَاءُ تَخْفِقُ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ الْيَوْمَ؟ قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَجْهًا، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَجْعَلَ الدَّهْنَاءَ حِجَازًا بَيْنَنَا، وَبَيْنَ بَنِي تَمِيمٍ، فَافْعَلْ فَإِنَّهَا كَانَتْ لَنَا مَرَّةً، قَالَ: فَاسْتَوْفَزَتِ الْعَجُوزُ، وَأَخَذَتْهَا الْحَمِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ تَضْطَرُّ مُضَرَكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَمَلْتُ هَذِهِ وَلاَ أَشْعُرُ أَنَّهَا كَائِنَةٌ لِي خَصْمًا، قَالَ: قُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الأَوَّلُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا قَالَ الأَوَّلُ؟ قَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، يَقُولُ سَلاَّمٌ: هَذَا أَحْمَقُ، يَقُولُ لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيهْ يَسْتَطْعِمُهُ الْحَدِيثَ، قَالَ: إِنَّ عَادًا أَرْسَلُوا وَافِدَهُمْ قَيْلاً، فَنَزَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ شَهْرًا يَسْقِيهِ الْخَمْرَ، وَتُغَنِّيهِ الْجَرَادَتَانِ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى جِبَالَ مُهْرَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ آتِ لأَسِيرٍ أُفَادِيهِ، وَلاَ لِمَرِيضٍ فَأُدَاوِيَهُ، فَاسْقِ عَبْدَكَ مَا كُنْتَ سَاقِيَهُ، وَاسْقِ مُعَاوِيَةَ بْنَ بَكْرٍ شَهْرًا، يَشْكُرْ لَهُ الْخَمْرَ الَّتِي شَرِبَهَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَمَرَّتْ سَحَابَاتٌ سُودٌ فَنُودِيَ أَنْ خُذْهَا رَمَادًا، رِمْدِدًا لاَ تَذَرْ مِنْ عَادٍ أَحَدًا.

قَالَ أَبُو وَائِلٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ كَقَدْرِ مَا يَجْرِي فِي الْخَاتَمِ.

 

إسناده حسن من أجل سلّام أبي المُنذر- وهو ابنُ سليمان النحوي القارىء-، وعاصمِ بنِ أبي النَّجُود، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين، عفان: هو ابن مسلم الصفار، وأبو وائل: هو شقيق بن سلمة الأسدي. وأخرجه ابنُ الأثير في "أسد الغابة" 1/386، 387 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. وسياقه أتم. وأخرجه مختصراً بذكر دخول مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنُ سعد في "الطبقات" 6/35، والنسائي في "الكبرى" (8607) ، ومطولاً الطبراني في "الكبير" (3325) من طريق عفان، به. وأخرجه مطولاً ومختصراً الترمذي (3273) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1667) ، والطبراني في "الكبير" (3325) و (3326) عن سلام أبي المنذر، به. ولم يرد في رواية الترمذي تسمية الصحابي، بل جاء فيه: عن  رجل من ربيعة. وقال الترمذي: وقد روى غير واحد هذا الحديث عن سلاّم أبي المنذر، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن الحارث بن حسان، ويقال له: الحارث بن يزيد. قلنا: سيأتي تسميته الحارث بن يزيد في الرواية (15954) ، وقد سلف طرف منه برقم (15952) . وقصة قيلة بنت مخرمة العنبرية أخرجها الطبراني في "الكبير" 25/ (1) من حديثها، وسمت الصحابي: حريث بن حسان. وأورده الهيثمي في "المجمع" 6/12، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

الدهناء: موضع بنجد من ديار بني تميم. استوفزت: تهيأت للوقوف. على الخبير سقطت، أي : على العارف بقصة وافد عاد وقعت، وهو مثل سائر للعرب، انظر "مجمع الأمثال" 2/377. الجرادتان: قينتان لمعاوية بن بكر. رمدداً. قال ابن الأثير: بكسر الراء: المتناهي في الاحتراق والدِّقة، كما يقال: ليلٌ أليلٌ ويومٌ أيومٌ: إذا أرادوا المبالغة.

 

(15954) 16050- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْمُنْذِرِ سَلاَّمُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْبَكْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ أَشْكُو الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَإِذَا عَجُوزٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مُنْقَطِعٌ بِهَا، فَقَالَتْ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ، إِنَّ لِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَةً، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغِي إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَحَمَلْتُهَا، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا الْمَسْجِدُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، وَإِذَا رَايَةٌ سَوْدَاءُ تَخْفِقُ، وَبِلاَلٌ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَجْهًا، قَالَ: فَجَلَسْتُ، قَالَ: فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، أَوْ قَالَ: رَحْلَهُ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ، فَسَلَّمْتُ فَقَالَ: هَلْ كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي تَمِيمٍ شَيْءٌ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَكَانَتْ لَنَا الدَّبْرَةُ عَلَيْهِمْ، وَمَرَرْتُ بِعَجُوزٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مُنْقَطِعٌ بِهَا، فَسَأَلَتْنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلَيْكَ، وَهَا هِيَ بِالْبَابِ فَأَذِنَ لَهَا فَدَخَلَتْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِي تَمِيمٍ حَاجِزًا، فَاجْعَلِ الدَّهْنَاءَ، فَحَمِيَتِ الْعَجُوزُ، وَاسْتَوْفَزَتْ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِلَى أَيْنَ تَضْطَرُّ مُضَرَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّمَا مَثَلِي، مَا قَالَ الأَوَّلُ: مِعْزَاةُ حَمَلَتْ حَتْفَهَا، حَمَلْتُ هَذِهِ، وَلاَ أَشْعُرُ أَنَّهَا كَانَتْ لِي خَصْمًا أَعُوذُ بِاللَّهِ، وَرَسُولِهِ أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ قَالَ: هِيهْ، وَمَا وَافِدُ عَادٍ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَسْتَطْعِمُهُ، قُلْتُ: إِنَّ عَادًا قَحَطُوا فَبَعَثُوا وَافِدًا لَهُمْ، يُقَالُ لَهُ: قَيْلٌ، فَمَرَّ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا يَسْقِيهِ الْخَمْرَ، وَتُغَنِّيهِ جَارِيَتَانِ يُقَالُ لَهُمَا: الْجَرَادَتَانِ، فَلَمَّا مَضَى الشَّهْرُ خَرَجَ جِبَالَ تِهَامَةَ، فَنَادَى: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَجِئْ إِلَى مَرِيضٍ فَأُدَاوِيَهُ، وَلاَ إِلَى أَسِيرٍ فَأُفَادِيَهُ، اللَّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ مُسْقِيَهُ، فَمَرَّتْ بِهِ سَحَابَاتٌ سُودٌ فَنُودِيَ مِنْهَا: اخْتَرْ، فَأَوْمَأَ إِلَى سَحَابَةٍ مِنْهَا سَوْدَاءَ، فَنُودِيَ مِنْهَا: خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا ولاَ تُبْقِ مِنْ عَادٍ أَحَدًا، قَالَ: فَمَا بَلَغَنِي أَنَّهُ بُعِثَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ، إِلاَّ قَدْرَ مَا يَجْرِي فِي خَاتِمِي هَذَا، حَتَّى هَلَكُوا.

قَالَ أَبُو وَائِلٍ: وَصَدَقَ قَالَ: فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ إِذَا بَعَثُوا وَافِدًا لَهُمْ، قَالُوا: لاَ تَكُنْ كَوَافِدِ عَادٍ.

 

إسناده حسن، وهو مكرر ما قبله، إلا أن شيخ أحمد هنا هو زيد بن الحباب: وهو ثقة. وأخرجه مختصراً جداً الترمذي (3274) من طريق زيد بن الحباب، بهذا الإسناد.

وقوله: مِعزاة حَملت حتفها. ذكره أبو عبيد البكري في "فصل المقال" ص 456 بصدد شرحه للمثل الذي ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام: لا تكن كالعنز تبحث عن المدية، فقال البكري: ومثله قولهم: "حتفها تحمل ضأن بأظلافها".

 

وعند الشيعة توجد القصة نقلًا كذلك عن محمد بن إسحاق كذلك، لأن مصادر الفريقين سنة وشيعة الخاصة بسيرة محمد واحدة، ولو أن رواتها يغلب عليهم المذهب السني رغم كل ما قيل، في بحار الأنوار ج11 ص146

 

محمد لم يعترض على سرد الرجل للقصة على ما فيها من تناقض وعلات، فمن أين لناس لغتهم ليست العربية بل لغة سامية أخرى بشعر عربي؟! الشعر الجاهلي مليء بذكر هذه القصص والتلميح لها، هناك بحث قيم بعنوان (القرآن في الشعر الجاهلي) من أٌقيم وأثمن ما قرأت وطالعت حقًّا عن اقتباسات القرآن الأدبية من الشعر قبله، وهو فريد في بابه أوصي بشدة بقراءته لأنا لا يمكننا وضع كل شيء في كتاب واحد يغطي كل المسائل، وقد ألفته (فيبي عبد المسيح) ناهد متولي، وتقييمي لبحثها موضوعي، فلا يدفعني كون شخص ملحدًا على عقيدتي مثلًا للحكم فورًا مثلًا بقيمة بحثه بدون اطلاع على محتواه، لكن ينبغي على المتحري الدقيق أخذ النصوص بحذر لأن الكثير من الشعر المنسوب لما قبل الإسلام ألِّف بعده.

 

ومن شعر أبي زيد الطائي، في جمهرة أشعار العرب:

 

كلَّ عامٍ أرمي وَيَرمْي أمامي ... بِسهامٍ من مُخطئٍ أَوْ سَدِيدِ

ثُمَّ أَوْحَدْتَني وَأَثْلَلْتَ عَرْشي، ... عِنْدَ فِقْدَانِ سَيّدٍ وَمَسودِ

مِنْ رِجَالٍ كَانوا جَمَالاً نُجُوماً، ... فهُمُ اليَوْمَ صَحْبُ آلِ ثَمُود

 

ومن ديوان طرفة بن العبد:

 

لَقد بدا لي أَنَّه سيَغُولُني ... ما غالَ عاداً والقُرونَ، فاشعَبوا

أدُّوا الحُقوقَ تَفِرْ لكُم أعراضُكم ... إِنّ الكريم إذا يُحَرَّبُ يَغضَبُ

 

يغول: يهلك. أشعبوا: بادوا وهلكوا. تفر: تكتمل وتتم. يُحرَّب: يُسلب ماله وثروته.

 

ومن شعر لقيط بن يعمر الإيادي، في شرح القصائد العشر:

 

سَلاَمٌ فيِ الصَّحِيفَة مِنْ لَقِيطٍ ... إلى مَنْ بِالجَزِيرةِ مِنْ إِيَادِ

بِأَنَّ الليْثَ كِسْرَى قَد أَتَاكُمْ ... فَلاَ يَشْغَلْكُمُ سَوْقُ النِّقَادِ

أَتَاكُمْ مِنْهُمُ سِتُّونَ أَلْفاً ... يُزَجُّونَ الكَتَائِبَ كَالجَرَادِ

عَلَى حَنَقٍ أَتَيْنَكُمُ؛ فَهذَا ... أَوَانُ هَلاَكِكُمْ كَهَلاَكِ عَادِ

 

ومن معلقة الحارث بن حلزة:

 

(إرَمِيٌّ بِمِثْلِهِ جَالَتِ الجِ ... نُّ فَآبَتْ لَخِصْمِهَا الآجْلاَءُ)

 

(إرمي) نسبه إلى إرم عاد، أي ملكه قديم كان على عهد إرم، وقيل: كأن هذا الممدوح من إرم عاد في الحلم، لأنه يروى إنه كان من أحلم الناس، وقال آخرون: ذهب إلى أن جسمه وشدته يُشبهان أجسام عاد وشدتهم، وقوله (بمثله جالت الجن) الجن في هذا الموضع: دهاة الناس وأبطالهم، وجالت: فأعلت من المجالاة، وهي المكاشفة، يقول: بمثل عمرو بن هند كاشفت الجن الناس، وآبت: رجعت. وقد فلج خصمهم على كل من خاصمهم، والأجلاء: جمع جلا، والجلا: الأمر المنكشف، والمعنى أن من كاشف بفخر هذا الملك انكشف أمره وتبين؛ لأن فخره لا يخفى على أحد، فأمره مُنجل.

 

لقمان

 

تعود شخصية لقمان العربية في أصلها ومقولاتها الحكمية إلى شخصية أسطورية سريانية هي (أحيقار)، وتقول الأسطورة السريانية الأصلية أنه كان وزير ومستشار الملك سنحاريب الآشوري وله قصة طويلة يمكن مراجعتها في الكتب، وبمكتبتي عدة كتب عنه ونصوص القصة والحكم الأصلية مثل: حكمة أحيقار وأثرها في الكتاب المقدس للأب سهيل قاشا، أحيقار حكيم من الشرق القديم لأنيس فريحة، وThe Story of Ahikar, by F.C. Conybeare, J. Rendel Harris, & Agnes Smith، والكتاب الأخير به نصوص بلغاتها الأصلية منها العربية والسريانية، ويعتقد أنه مصدر حكم شخصية أيسوب[وس] اليونانية، أما أن العرب سمّوه لقمان، وجعلوه ممن حكموا عادًا الصغرى، وهي غير عاد وثمود، وأنه كان من الحكماء في حكمه وأحكامه، ويحكون عنه أساطير كثيرة متناثرة بكتب التراث ومعجم لسان العرب [جرب مثلا البحث عن كلمة لقمان وستجد عشرات الأمثلة والقصص المستمدة من شخصيته وأسطورته مثل حظية من حظيات لقمان يعني سقطة نادرة لشخص ماهر] وكتاب التيجان في ملوك حمير لابن وهب، لعل أهمها وأكثرها أصالة قصة مطوَّلة عن تخيير الله له بين أن يعيش عمر سبع بقرات أو سبع نسور، فاختار النسور، وتصوره القصة نبيًّا يكلمه الله في هذا الموقف، وكان آخرها كما تقول الأسطورة الذي سمَّاه لقمان لُبَد، أي دهر. ويحتمل أن الأسطورة العربية هي عن شخص آخر غير أحيقار لكنها استمدت من شخصية أحيقار الكثير من مقولاته الحكمية.

 

ومن حكم أحيقار ص14 من كتاب حكمة أحيقار وأثرها في الكتاب المقدّس، ونفس المحتوى في الكتاب الآخر لأنيس فريحة ص68 وبعده (مع اختلاف الأخير فقط في ترقيم الوصايا):

 

8- يا بنيّ، طأطئ عينيك إلى الأسفل، واخفض صوتك، وانظر إلى تحت باحتشام، لأن لو كان المرء يستطيع أن يبني بيتًا بالصوت العالي المرتفع لبنى الحمارُ بيتين في يوم واحد. ولو أن القوة الشديدة وحدها هي التي تجرّ المحراثَ لما فارق النِيِر منكبَ الجمل.

 

21-يا بني إن الأثيم يسقط ولا ينهض، والبار لا يتزعزع لأن الله معه.

 

26-يا بني، لا تجلب عليك لعنة أبيك وأمك، لئلا تُحرَم الفرحَ بنعمِ بنيك.

 

30-يا بني، لا تحسب نفسك حكيمًا عاقلًا في حين لا يحسبك الناس كذلك.

 

63-يا بني إذا صرت كاهنا لله فاحترس واتقه، وقف بحضرته طارهًا نقيًّا، ولا تنصرف من أمام وجهه.

 

ومن النادر أن نعرف بالضبط اسم الشخص الذي كان مصدرًا لمعلومة لمحمد، وهو سويد بن الصامت، كما في القصة التالية من السيرة لابن هشام:

... فتصدى له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين سمع به، فدعاه إلى اللّه وإلى الإسلام، فقال له سُوَيد: فلعل الذي معك مثل الذي معي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما الذي معك؟ قال: مجلة لُقمان- يعنى حكمة لقمان - فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أعرضها علي، فعرضها عليه، فقال له: إن هذا لكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله اللّه تعالى علىَّ، هو هُدى ونور، فتلا عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم القرآن، ودعاه إلى الإسلام، فلم يَبْعُد منه، وقال: إن هذا لقول حسن،

 

قال العلماء عن إسناده صحيح وورد في دلائل النبوة للبيهقي والبداية والنهاية لابن كثير من طريقه.

 

بالتالي نتيقَّن أن محمدًا اطلّع على سفر من أسفار حكمة لقمان كنسخة معرَّبة من بعض حكم أحيقار وغيرها واقتبسها في قرآنه حيث واتباعًا للتقاليد العربية والقصص جعله نبيًّا غير رسول ممن أوحى الله إليهم بالحكمة:

 

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} لقمان

 

تقول القصة السريانية أن أحيقار لم يكن ينجب فأوحى له الله بأن يتبنى نادان ابن أخته ولما كبر أحيقار في السن ترك المنصب والمال لابن أخته فأساء لاسم الأسرة فنزع ذلك منه، فتآمر ابن  أخته بمؤامرة ليوهم الملك سنحاريب أن أحيقار متآمر على الدولة ويريد تسليمها للمصريين والفرس فيأمر بقتله، لكن الجلّاد كان مدينًا لأحيقار بحياته فخبّأه..إلخ القصة وفيها يتحدى ملك مصر أحيقار بالرد على معضلات من نوع الأحاجي والأحازير لكي لا يحتل آشور كبناء قصر في الهواء وعمل سلم من النور ويحلها بطرق طريفة....إلخ.

 

أما عن شخصية لقمان العربية فنقتبس القليل من كتاب التيجان لوهب بن منبه:

 

...فلما مات شداد بن عاد صار الأمر إلى أخيه لقمان بن عاد وكان أعطى الله لقمان ما لم يعط غيره من الناس في زمانه أعطاه حاسة مئة رجل وكان طويلاً لا يقاربه أهل زمانه.

قال وهب: وكان لقمان بن عاد يدعو قبل كل صلاة ويقول:

 

اللهم يا رب البحار الخضر ... والأرض ذات النبت بعد القطر

أسألك عمرا فوق كل عمر

 

فنودي قد أجيبت دعوتك وأعطيت سؤالك ولا سبيل إلى الخلود واختر إن شئت بقاء سبع بقرات عفر في جبل وعر ولا يمسهن ذغر، وان شئت بقاء سبع نوايات من تمر - مستودعات في صخر لا يمسهن ندى ولا قطر وإن شئت بقاء سبعة نسور كلما هلك نسر عقب بعده نسر. قال: فكان ذلك إنه اختار سبعة نسور.

قال وهب: فيذكر إنه عاش ألفي سنة وأربعمئة سنة وهو صاحب لبد.

قال وهب: وكان لقمان يأخذ فرخ النسر من وكره فيربيه حتى يموت وهو يطير مع النسور ويرجع إليه.

 

..... وقد ذكر لقمان والنسور كثير من الشعراء فقال تيم اللات بعده:

رأيت الفتى ينسى من الدهر حقه ... حذار لريب الدهر والدهر آكله

ولو عاش ما عاشت للقمان انسر ... لصرف الليالي بعد ذلك يأكله

 

قال النابغة يصف لبداً:

أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد

 

وقال لبيد بن ربيعة فذكر لقمان وقصته ولبداً وقصته:

لله نافلة الأجل إلا فضل ... وله العلى واثبت كل موصل

لا يستطيع الناس محو كتابه ... أنىَّ وليس قضاؤه بمبدل

سوى فاعدل دون عزة عرشه ... سبعاً طباقاً فوق فرع المنقل

والأرض تحتهم مهاداً راسياً ... نبتت جنباتهم بصم الجندل

بل كان سعيك في حياتك باطل ... وإذا مضى شيء كأن لم يفعل

لو كان شيء خالد لتواءلت ... عصماء مؤلفة ضواحي مأقل

بظلوفها ورق البشام ودونها ... طود يزل سراته بالاجدل

أو ذو زوائد لا يطاف بأرضه ... يغشى المهجهج كالذنوب المرسل

في نابه عوج يجاوز شدقه ... ويخالف الأعلى وراء الأسف

فأصابه ريب الزمان فأصبحا ... أنيابه مثل الزجاج النصل

ولقد رأى صبح سواد خليله ... ما بين قائم سيفه والمحمل

صبحن صبحاً حين حق حذاره ... أصبحن صبحاً قائماً لم يعقل

لقد جرى لب فأدرك جريه ... ريب الزمان وكان غير مثقل

ولقد رأى لبد النسور تطايرت ... رفع القوادم كالفقير الأعزل

من تحت لقمان يرجو سعيه ... ولقد رأى لقمان ألا ياتلى

غلب الليالي بعد آل محرق ... وكما فعلن بتبع وبهرقل

 

من ديوان طرفة بن العبد:

 

فَكيفَ يُرجّي المرءُ دَهراً مُخلَّداً ... وأعمالُهُ عَمّا قَلِيلٍ، تُحاسِبُهْ

ألم تَرَ لُقمانَ بنَ عادٍ تَتابَعتْ ... عليه النّسورُ، ثمّ غابتْ كواكبه؟

وللصّعبِ أسبابٌ تَجُلُّ خُطوبُها ... أقامَ زماناً، ثمّ بانَتْ مَطالِبُه

إذا الصّعْبُ ذو القَرنَينِ أرخى لواءَهُ ... إلى مالكٍ ساماهُ، قامَتْ نَوادُبه

يَسيرُ بوجهِ الحَتْفِ والعَيشُ جَمعُهُ ... وتَمضي على وَجْهِ البِلادِ كَتائِبُه

__________

(1) لقمان بن عاد: شخص زعمت العرب أنه عمَّر حياة سبعة أنسر ثم مات والمعنى: أن ما من إنسان يعيش على هذه الأرض إلى الأبد.

(2) الخطوب: واحدها الخطب وهو الأمر العظيم. بانت: ابتعدت.

(3) ذو القرنين: الإسكندر الأكبر. اللواء: الجند. مالك: ابن عم الشاعر. طلب منه طرفة أن يرد عليه إبلاً أخذها أناس من بني مُضَر فلامه مالك في ذلك وقال له: ((فرطت فيها، ثم أقبلت تتعب في طلبها)). ساماه: وازاه في السمو وارتفع فوقه.

(4) الحتف: الموت. الكتائب: مفردها الكتيبة وهي الفرقة من الجيش.

ومن شعر زهير بن أبي سلمى وبه ذكر لقمان وأحد أبناء عاد الذين يردون في قصص الوثنيين، ولم يذكرهم الإسلام، من كتاب مختارات شعراء العرب لابن الشجري:

 

بدا لي أني عشتُ تسعين حجةً ... تباعاً وعشراً عشتها وثمانيا

بدا لي أن الله حقٌ فزادني ... إلى الحق تقوى اللهِ ما قد بدا ليا

بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقاً شياً إذا كان جائيا

وما إنْ أرى نفسي تقيها كريمتي ... وما أن ْتقي نفسي كريمةَ ماليا

ألا لا أرى على الحوادثِ باقياً ... ولا خالداً إلا الجبالَ الرواسيا

وإلاَّ السماَء والبلادَ وربنا ... وأيامنا معدودةً واللياليا

ألم ترَ أن الله أهلك تبعاً ... وأهلكَ لقمانَ بن عادٍ وعاديا    هو عادياءٌ - ممدود: اسم رجل من عاد، ولكنه قصره ضرورة.

وأهلكَ ذا القرنينِ من قبلِ ما ترى ... وفرعونَ أردى جنده والنجاشيا

ألا لا أرى ذا إمةٍ أصبحتْ به ... فنتركهُ الأيامُ وهيَ كما هيا

ألم تر للنعمان كان بنجوةٍ ... من الشرِّ لو أن امرأً كان نجيا               النجوة: المرتفع من الأرض.

فغير عنه رشد عشرين حجةً ... من الدهرِ يومٌ واحدٌ كان غاويا

فلم أرَ مسلوباً له مثلُ قرضِه ... أقلَّ صديقا معطياً أو مؤاسيا

فأينَ الذينَ كان يعطي جياده ... بأرسانهنَّ والحسانَ الحواليا

وأين الذين كان يعطيهم القرى ... بغلاتهن والمئينَ الغواليا

وأينَ الذين يحضرونَ جفانهُ ... إذا قدمتْ ألقوا عليها المراسيا

رأيتهم لم يشركوا بنفوسهم ... منيتهُ لما رأوا أنها هيا

 

ومن شعر النابغة:

 

أضْحَتْ خَلاءً وأَضْحَى أَهْلُها احْتُمِلوا          أَخْنَى عليها الذي أَخْنَى على لُبَد

 

من اقتباسات محمد من الشعر قبله

 

وأورد الطبري في تفسيره على سورة النازعات هذا البيت:

 

قَوْلُ أَخِي نَهْمٍ يَوْمَ ذِي قَارٍ لِفَرَسِهِ:

[البحر الرجز]

أَقْدِمْ مِحَاجُ إِنَّهَا الْأَسَاوِرَهْ ... وَلَا يَهُولَنَّكَ رِجْلٌ نَادِرَهْ

فَإِنَّمَا قَصْرُكَ تُرْبُ السَّاهِرَهْ ... ثُمَّ تَعُودُ بَعْدَهَا فِي الْحَافِرَهْ

مِنْ بَعْدِ مَا كُنْتَ عِظَامًا نَاخِرَهْ

 

قارن مع ما في القرآن:

 

{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)} النازعات

 

أصل خمار المرأة الإسلامي من وثنية العرب وتقاليدهم:

 

نستهل الموضوع بمجموعة من التماثيل النبطية للملكة زنوبيا قبل الإسلام مرتدية الخمار العربي بالطريقة القديمة

 

 

 

 


 

 

 

 

 


 


روى الواقدي في سياق فتح مكة:

 

وَأَقْبَلَ ابْنُ خَطَلٍ جَائِيًا مِنْ مَكّةَ، مُدَجّجًا فِى الْحَدِيدِ عَلَى فَرَسٍ ذَنُوبٍ بِيَدِهِ قَنَاةٌ. وَبَنَاتُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَدْ ذُكِرَ لَهُنّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ÷ قَدْ دَخَلَ فَخَرَجْنَ قَدْ نَشَرْنَ رُءُوسَهُنّ يَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ وُجُوهَ الْخَيْلِ فَضَرَبَهُنّ ابْنُ خَطَلٍ جَائِيًا مِنْ أَعْلَى مَكّةَ، فَقَالَ لَهُنّ: أَمَا وَاَللّهِ لا يَدْخُلُهَا حَتّى تَرَيْنَ ضَرْبًا كَأَفْوَاهِ الْمَزَادِ

 

وبموضع آخر قال:

 

وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ ÷ أَبُو بَكْرٍ ÷ إلَى جَنْبِهِ يَسِيرُ يُحَادِثُهُ فَمَرّ بِبَنَاتِ أَبِى أُحَيْحَةَ بِالْبَطْحَاءِ حِذَاءَ مَنْزِلِ أَبِى أُحَيْحَةَ وَقَدْ نَشَرْنَ رُءُوسَهُنّ يَلْطِمْنَ وُجُوهَ الْخَيْلِ بِالْخُمُرِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ ÷ إلَى أَبِى بَكْرٍ فَتَبَسّمَ، وَذَكَرَ بَيْتَ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ:

 

تَظِلّ جِيَادُنَا مُتَمَطّـــــــــــــرَاتٍ   يُلَطّمُهُــــنّ بِالْخُمُــــرِ النّسَــــاءُ

 

وروى ابن إسحاق من شعر حسان بن ثابت:

 

عَدِمنا خيلنَا إن لم تَرَوْها ... تُثير النقعَ موعدُها كَدَاءُ

يُنَازعْنَ الأعنَّةَ مُصغياتٌ ... على أكتافِها الأسَلُ الظِّماءُ

تَظلُّ جيادُنا متمطِّراتٍ ... يُلطمُهنَّ بالخُمُر النساءُ

 

ويقول كذلك:

 

وبلغنى عن الزهري أنه قال: لما رأى رسول اللّه صلي الله عليه وسلم النساءَ يَلْطِمْنَ الخيلَ بالخُمُرِ تبسم إلى أبي بكر الصديق رضى اللّه عنه.

 

ورواه البيهقي في دلائل النبوة وحسنه الحافظ بن حجر في فتح الباري 7/ 306 بنحوه

وجاء في الإصابة في تمييز الصحابة عن الشاعرة الخنساء من كبيرات الشعراء مشهورة برثاء أخيها صخر قبل الإسلام:

 

ويقال إنها دخلت على عائشة وعليها صدار من شعر فقالت لها يا خنساء هذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقالت ما علمت ولكن هذا له قصة زوجني أبي رجلا مبذرا فأذهب ماله فأتيت إلى صخر فقسم ماله شطرين فأعطاني شطرا خيارا ثم فعل زوجي ذلك مرة أخرى فقسم أخي ماله شطرين فأعطاني خيرهما فقالت له امرأته أما ترضي أن تعطيها النصف حتى تعطيها الخيار فقال

 والله لا أمنحها شرارها         وهي التي أرحض عني عارها

 ولو هلكت خرقت خمارها    واتخذت من شعر صدارها

 

وروى مسلم:

 

[ 2491 ] حدثنا عمرو الناقد حدثنا عمر بن يونس اليمامي حدثنا عكرمة بن عمار عن أبي كثير يزيد بن عبد الرحمن حدثني أبو هريرة قال كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قلت يا رسول الله اني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فاسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اهد أم أبي هريرة فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح قال قلت يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا قال قلت يا رسول الله ادع الله ان يحببني انا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حبب عبيدك هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني

 

رواه أحمد 8259 وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" 4/328، والبخاري في "الأدب المفرد" (34)، وابن حبان (7154) ، والطبراني في "الكبير" 25/ (76) ، والحاكم 2/621، والبغوي (3726) من طرق عن عكرمة بن عمار، بهذا الإسناد-

وروى البخاري:

 

3321 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ

 

رواه أحمد 10621.

 

 

ومن عادات العرب البدو في شبه جزيرة العرب وبعض بادية العراق والشام وقبائل الأنباط معهم حتى منذ ما قبل الإسلام وجود شمولية اجتماعية وذكورية متسلطة شديدة، ومنذ القدم وحتى اليوم قد تجد عاهرة مجاهرة بعهرها كمهنة وتسير باعوجاج وغنج وانحراف في الشارع ومع ذلك ترتدي خمارًا لمجرد التعرض لمشاكل اجتماعية وعدوان عليها، ومن طريف المواقف أذكر مشهدًا عجيبًا لشباب مصريين قبل أول يوم من رمضان ساروا مع عاهرة إلى بيتها ولعلهم كانوا خمسة عشر شابًّا! وكانت ترتدي خمارًا!

 

وقال ابن كثير في تفسير النور: 31

 

وَقَوْلُهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} يَعْنِي: الْمَقَانِعَ يُعْمَلُ لَهَا صَنفات ضَارِبَاتٌ عَلَى صُدُورِ النِّسَاءِ، لِتُوَارِيَ مَا تَحْتَهَا مِنْ صَدْرِهَا وَتَرَائِبِهَا؛ لِيُخَالِفْنَ شعارَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُنَّ لَمْ يَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ، بَلْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَمُرُّ بَيْنَ الرِّجَالِ مُسَفِّحَةً بِصَدْرِهَا، لَا يُوَارِيهِ شَيْءٌ، وَرُبَّمَا أَظْهَرَتْ عُنُقَهَا وَذَوَائِبَ شَعْرِهَا وَأَقْرِطَةَ آذَانِهَا. فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَسْتَتِرْنَ فِي هَيْئَاتِهِنَّ وَأَحْوَالِهِنَّ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الْأَحْزَابِ: 59] . وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} والخُمُر: جَمْعُ خِمار، وَهُوَ مَا يُخَمر بِهِ، أَيْ: يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النَّاسُ الْمَقَانِعَ.

 

وقال القرطبي في تفسير النور: 31

 

وسبب هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة وهي المقانع سدلنها من وراء الظهر. قال النقاش : كما يصنع النبط ؛ فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك ؛ فأمر الله تعالى بليّ الخمار على الجيوب ، وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها. روى البخاري عن عائشة أنها قالت : رحم الله نساء المهاجرات الأول ؛ لما نزل : {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن أزرهن فاختمرن بها.

 

يعني الشيء الكبير الآثم من وجهة نظر التابو الإسلامي الخرافي أن نساء الوثنية المقموعات كن يكشفن أطراف الشعر، مثلما تفعل بعض بنات إيران اليوم تمردًا على التشدد الإسلامي، ومثلما لا تستطيع بنت مصرية في مجتمع مصر المتشدد، هذا هو كبير تحرر وثنيي العرب، وأخذ محمد الخمار من هذه العادة الوثنية وجعل منه أكثر تشددًا وقمعًا.

 

كان الخمار عادة قديمة جدًّا، فقد ورد كذلك في قوانين آشور الوسطى، كعلامة تميِّز الزوجة الشرعية المعلَن عنها كمُلك للرجل ولها حقوق، وبين الصديقة العشيقة:

 

41A- لو شاء رجل أن يستر وجه خليلته فعليه أن يستدعي خمسا أو ستا من جيرانه ليكونوا شهداء على ذلك ثم يستر وجهها أمام ملإ من الرجال، والتي لم يردد صاحبها جملة "إنها زوجتي" فلا تكون زوجة بل تبقى خليلة. فإن مات ذلك الرجل دون أن يكون لزوجته المستورة الوجه أولاد، فأولاد الخليلة يكونون أولاده، ينالون تركته.

 

وقال المؤلف المترجم في الهامش كان الخمار ميزة تتمتع بها المرأة المتزوجة، وكان يحرم على النساء الأسيرات والخليلات أن يختمرن إلا عندما يخرجن بصحبة الزوجة الأساسية. (بتصرف)

 

كتاب شريعة حمورابي وأصل التشريع في الشرق القديم ص 64

 

قارن مع تشريع محمد وعمر لمنع النساء المستعبدات من لبس الخمار، الذي اعتبره العرب في خرافاتهم وتقاليدهم رمزًا لعفة وحرية المرأة ومكانتها، كتأكيد على تحقير المستعبدات وأنهن أقل مكانة:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} الأحزاب

 

قال الطبري:

 

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين: لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن ووجوههن. ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهنّ؛ لئلا يعرض لهن فاسق، إذا علم أنهن حرائر، بأذى من قول.

 

... حدثني محمد بن سعد قال ثني أَبي قال ثني عمي قال: ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس، قوله (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ... ) إلى قوله (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن. وإدناء الجلباب: أن تقنع وتشد على جبينها.

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ) أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَينَ) وقد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء، فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله (يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة.

حدثنا ابن حميد قال ثنا حكام عن عنبسة عمَّن حدثه عن أَبي صالح، قال: قدم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المدينة على غير منزل، فكان نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وغيرهن إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهن. وكان رجال يجلسون على الطريق للغزل. فأنزل الله (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) يقنعن بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة.

وقوله (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) يقول تعالى ذكره: إدناؤهن جلابيبهن إذا أدنينها عليهن أقرب وأحرى أن يعرفن ممن مررن به، ويعلموا أنهن لسن بإماء فيتنكبوا عن أذاهن بقول مكروه، أو تعرض بريبة (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا) لما سلف منهن من تركهن إدناءهن الجلابيب عليهن (رَحِيمًا) بهن أن يعاقبهن بعد توبتهن بإدناء الجلابيب عليهن.

 

يعني لم تكن هناك مشكلة في مجتمع محمد من شتيمة وإهانة المستعبدات والتحرش بهن أو حتى اغتصابهن، هن كن مغتصبات على أي حال بامتلاك رجل لهن واستعبادهن، لا فرق كبير بين اغتصاب خاص واغتصاب متعدد إلا القليل. لم يحاول محمد عمل ثورة فكرية وأخلاقية ضد قيم فاسدة كهذه بل رعاها.

 

أما عمر فكان يضرب المستعبدات لو لبسن الخمار:

 

روى مالك في الموطأ (ترقيم رواية يحيى الليثي):

 

1773 - وحدثني مالك أنه بلغه أن أمة كانت لعبد الله بن عمر بن الخطاب رآها عمر بن الخطاب وقد تهيأت بهيئة الحرائر فدخل على ابنته حفصة فقال ألم أر جارية أخيك تجوس الناس وقد تهيأت بهيئة الحرائر وأنكر ذلك عمر

 

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه/ 499- فِي الأَمَةِ تُصَلِّي بِغَيْرِ خِمَارٍ:

 

6294- حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ مَعْمَرِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : رَأَى عُمَرُ جَارِيَةً مُتَقَنِّعَةً فَضَرَبَهَا ، وَقَالَ : لاَ تَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ.

6295- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَةٌ ، قَدْ كَانَ يُعَرِّفُهَا لِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ ، أَوِ الأَنْصَارِ وَعَلَيْهَا جِلْبَابٌ ، مُتَقَنِّعَةً بِهِ ، فَسَأَلَهَا : عَتَقَتِ ؟ قَالَتْ : لاَ ، قَالَ : فَمَا بَالُ الْجِلْبَابِ ؟ ضَعِيهِ عَنْ رَأْسِكَ ، إِنَّمَا الْجِلْبَابُ عَلَى الْحَرَائِرِ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَتَلَكَّأَتْ فَقَامَ إِلَيْهَا بِالدَّرَّةِ ، فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهَا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْ رَأْسِهَا.

6296- حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : سَأَلَهُ أَبُو هُبَيْرَةَ : كَيْفَ تُصَلِّي الأَمَةُ ؟ قَالَ : تُصَلِّي كَمَا تَخْرُجُ.

6297- حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لاَ يَدْعُ فِي خِلاَفَتِهِ أَمَةً تَقَنَّعُ . قَالَ : وَقَالَ عُمَرُ : إِنَّمَا الْقِنَاعُ لِلْحَرَائِرِ ، لَكَيْ لاً لاَ يُؤْذَيْنَ.

 

6281- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : تُصَلِّي كَمَا تَخْرُجُ.

6282- حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ؛ أَنَّ عَلِيًّا ، وَشُرَيْحًا كَانَا يَقُولاَنِ : تُصَلِّي الأَمَةُ كَمَا تَخْرُجُ.

6283- حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : تُصَلِّي أُمُّ الْوَلَدِ بِغَيْرِ خِمَارٍ ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ سِتِّينَ سَنَةً.

6284- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : لَيْسَ عَلَى الأَمَةِ خِمَارٌ ، وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا.

6285- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : لَيْسَ عَلَى الأَمَةِ خِمَارٌ.

6286- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : تُصَلِّي الأَمَةُ كَمَا تَخْرُجُ.

6287- حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنِ الْحَارِثِ ، قَالَ : تُصَلِّي الأَمَةُ كَمَا تَخْرُجُ.

6288- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ شُرَيْحٍ ، قَالَ : تُصَلِّي الأَمَةُ كَمَا تَخْرُجُ.

6289- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عَامِرٍ ، قَالَ : لَيْسَ عَلَى الأَمَةِ خِمَارٌ ، وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا.

6291- حَدَّثَنَا وَكِيعٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : رَأَى عُمَرُ أَمَةً لَنَا مُتَقَنِّعَةً ، فَضَرَبَهَا ، وَقَالَ : لاَ تَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ.

 

وروى عبد الرزاق في مصنفه:

 

5061 - عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن عمر رأى جارية خرجت من بيت حفصة متزينة عليها جلباب أو من بيت بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فدخل عمر البيت فقال من هذه الجارية فقالوا أمة لنا - أو قالوا أمة لآل فلان - فتغيظ عليهم وقال أتخرجون إماءكم بزينتها تفتنون الناس

 

5062 - عبد الرزاق عن بن جريج عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد حدثته أن عمر رأى - وهو يخطب الناس - أمة خرجت من بيت حفصة تجوس الناس ملتبسة لباس الحرائر فلما انصرف دخل على حفصة ابنة عمر فقال من المرأة التي خرجت من عندك تجوس الرجال قالت تلك جارية جارية عبد الرحمن قال فما يحملك أن تلبسي جارية أخيك لباس الحرائر فقد دخلت عليك ولا أراها إلا حرة فأردت أن أعاقبها

 

5063 - عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال إذا صلت أمة غيبت رأسها بخمارها أو خرقة كذلك كن يصنعن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده وكذلك رأيته في كتاب الثوري

 

5064 - عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أن عمر ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة قال اكشفي رأسك لا تشبهين بالحرائر

 

الإسلام ديانة عنصرية واستعباد وعسف وعنف وقهر للبشر وللنساء.

 

صور لتماثيل نساء نبطيات بالخمار

 

  


الصورتان الأوليان من مقبرتين نبطيتين، إحداهما لشهيدة مسيحية وطفلها

 

تمثال متقن لامرأة نبطية

 

صورة للإلهة النبطية أتراجاتيس Atargatis بالخمار بعود إلى ما بين 50- 150م عثر عليه في خربة تنور في البتراء بالأردن وحولها إطار من دائرة الأبراج

 

 

 


من أقدم التماثيل مما قبل الميلاد للإلهة عشتار العراقية إلهة الخصوبة والحمل، ورغم عريها نسبيًّا فإنهار ترتدي خمارًا، وقرأت في (مقدمة إلى نصوص الشرق القديم) لفراس السواح جملة (وعلى وجه عشتار ينسدل النقاب) في ترنيمة لها، وهي تُصوَّر عند الوثنيين على أنها ترضِع العالم، يعني ترزقهم

العنف ضد النساء كشريعة

 

راجع باب العنصرية ضد النساء، سورة النساء

 

قارن مع تشريع آشور الوسطى 59A

 

عطفًا على العقوبات المنصوص عليها في الألواح والمفروضة على المرأة المتزوجة، فيحق للزوج أن يجلد زوجته أو أن يقتلع شعرها، أو أن يشرم أذنها أو يقطعها دون أن يترتب على ذلك أي أثرٍ قانوني."

 

شريعة حوارابي وأصل التشريع في الشرق القديم ص65

 

ختان الذكور

 

يقول الواقدي في سياق غزوة حنين:

 

قالَ: حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: حَضَرَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بِأَفْرَاسٍ وَعَبِيدٍ وَمَوَالٍ، فَقُتِلُوا يَوْمَئِذٍ مَعَهُ وَقُتِلَ مَعَهُ غُلامٌ لَهُ نَصْرَانِىّ أَغْرَلُ فَبَيْنَا طَلْحَةُ يَسْلُبُ الْقَتْلَى مِنْ ثَقِيفٍ إذْ مَرّ بِهِ فَوَجَدَهُ أَغْرَلَ فَصَاحَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَحْلِفُ بِاَللّهِ أَنّ ثَقِيفًا غُرْلٌ مَا تَخْتَتِنُ، قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: وَسَمِعْتهَا وَخَشِيت أَنْ يَذْهَبَ عَلَيْنَا مِنْ الْعَرَبِ، فَقُلْت: لا تَفْعَلْ فِدَاك أَبِى وَأُمّى، إنّمَا هُوَ غُلامٌ لَنَا نَصْرَانِىّ، ثُمّ جَعَلْت أَكْشِفُ لَهُ عَنْ قَتْلَى ثَقِيفٍ، فَأَقُولُ أَلا تَرَاهُمْ مُخْتَتَنِينَ؟ وَيُقَالُ: إنّ الْعَبْدَ كَانَ لِذِى الْخِمَارِ وَكَانَ نَصْرَانِيّا أَزْرَقَ فَقُتِلَ مَعَ سَيّدِهِ يَوْمَئِذٍ. وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَسْلُبُ الْقَتْلَى، فَجَرّدَهُ فَإِذَا هُوَ أَغْرَلُ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ لِلأَنْصَارِ فَأَقْبَلُوا إلَيْهِ، فَقَالَ: أَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا تَخْتَتِنُ ثَقِيفٌ وَسَمِعَهَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَوَجَدَ فِى نَفْسِهِ، قَالَ: فَقَالَ: أُرِيك يَا أَبَا طَلْحَةَ فَجَرّدَ لَهُ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ رَبِيعَةَ، فَقَالَ: هَذَا سَيّدُ ثَقِيفٍ ثُمّ أَتَى إلَى ذِى الْخِمَارِ سَيّدِ الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ مَخْتُونٌ.

قَالَ الْمُغِيرَةُ: وَجَاءَنِى أَمْرٌ قَطَعَنِى، وَخَشِيت أَنْ تَسِيرَ عَلَيْنَا فِى الْعَرَبِ، حَتّى أَبْصَرَ الْقَوْمُ وَعَرَفُوا أَنّهُ عَبْدٌ لَهُمْ نَصْرَانِىّ.

والقصة ذكرها ابن إسحاق في السيرة:

 

قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس: أنه قُتل مع عثمان بن عبد اللّه غلام له نصراني أغْرَل، قال: فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف، إذ كشف العبدَ يسلبه، فوجده أغْرل. قال: فصاح بأعلى صوته: يا معشر العرب، يعلم اللّه أن ثقيفا غُرْل. قال المغيرة بن شعبة: فأخذت بيده، وخشيت أن تذهب عنا في العرب، فقلت: لا تقل ذاك، فداك أبي وأمي، إنما هو غلام لنا نصراني. قال: ثم جعلت أكشف له عن القتلى، وأقول له: ألا تراهم مختتنين كما ترى.

 

وختان الذكور كان عادة ثابتة عند اليهود وقدماء المصريين، نهى بولس في المسيحية عن الختان كخرافة لا ضرورة لها، لكن القبط المصريين يمارسونه أو يمارسه بعضهم كما قالوا لي_لا يمكنني معرفة ذلك يقينًا كما تعلم!_ ربما بتأثير العادة المصرية القديمة وربما مع تأثيرت إسلامية وعروبية.

 

تقديس يومي الاثنين والخميس له أصل وثني عربي

 

روى مسلم:

 

[ 2565 ] حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا

 

 [ 2565 ] حدثنيه زهير بن حرب حدثنا جرير ح وحدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن عبدة الضبي عن عبد العزيز الدراوردي كلاهما عن سهيل عن أبيه بإسناد مالك نحو حديثه غير أن في حديث الدراوردي إلا المتهاجرين من رواية بن عبدة وقال قتيبة إلا المهتجرين

 

 [ 2565 ] حدثنا بن أبي عمر حدثنا سفيان عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح سمع أبا هريرة رفعه مرة قال تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اركوا هذين حتى يصطلحا اركوا هذين حتى يصطلحا

[ 2565 ] حدثنا أبو الطاهر وعمرو بن سواد قالا أخبرنا بن وهب أخبرنا مالك بن أنس عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا أو اركوا هذين حتى يفيئا

 

رواه أحمد 7639

 

وروى أحمد:

 

6880- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ دَارَهُ ، فَسَأَلَنِي ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنِّي مِنْ بَنِي أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ عُقْبَةَ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّمَا أَنَا لِلْكَلْبِيَّةِ ابْنَةِ الأَصْبَغِ ، وَقَدْ جِئْتُكَ لأَسْأَلَكَ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْكَ ، أَوْ قَالَ لَكَ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَقُولُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لأَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَلأَصُومَنَّ الدَّهْرَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي ، فَجَاءَنِي ، فَدَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي ، فَقَالَ : أَلَمْ يَبْلُغْنِي يَا عَبْدَ اللهِ أَنَّكَ تَقُولُ : لأَصُومَنَّ الدَّهْرَ ، وَلأَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى ، قد قُلْتُ ذَاكَ يَا نَبِيَّ اللهِ ، قَالَ : فَلاَ تَفْعَلْ ، صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، قَالَ : فَقُلْتُ : إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : فَصُمِ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ ، قَالَ : فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا ، فَإِنَّهُ أَعْدَلُ الصِّيَامِ عِنْدَ اللهِ ، وَهُوَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَكَانَ لاَ يُخْلِفُ إِذَا وَعَدَ ، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى ، وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً ، قَالَ : قُلْتُ : إِنِّي لأَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ ، قَالَ : فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ نِصْفِ شَهْرٍ مَرَّةً ، قَالَ : قُلْتُ : إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ ، قَالَ : فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ لاَ تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

(8361) 8343- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رِفَاعَةَ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ ، فَقِيلَ لَهُ ، فَقَالَ : إِنَّ الأَعْمَالَ تُعْرَضُ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ ، أَوْ : كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ، أَوْ : لِكُلِّ مُؤْمِنٍ ، إِلاَّ الْمُتَهَاجِرَيْنِ ، فَيَقُولُ : أَخِّرْهُمَا. (2/329).

 

(21781) 22124- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، يَعْنِي الدَّسْتُوَائِيَّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ ، أَنَّ مَوْلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ حَدَّثَهُ أَنَّ مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، حَدَّثَهُ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، كَانَ يَخْرُجُ فِي مَالٍ لَهُ بِوَادِي الْقُرَى فَيَصُومُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ ، فَقُلْتُ لَهُ : لِمَ تَصُومُ فِي السَّفَرِ وَقَدْ كَبِرْتَ وَرَقَقْتَ ؟ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لِمَ تَصُومُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ ؟ قَالَ : إِنَّ الأَعْمَالَ تُعْرَضُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ. (5/204)

 

(21791) 22134- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، أَخْبَرَنِي ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أُسَامَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ. (5/206)

 

(22537) 22904- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ : شُعْبَةُ قُلْتُ : لِغَيْلاَنَ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ : بِرَأْسِهِ ، أَيْ نَعَمْ ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِهِ ؟ فَغَضِبَ . فَقَالَ عُمَرُ : رَضِيتُ ، أَوْ قَالَ : رَضِينَا ، بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِِسْلاَمِ دِينًا . قَالَ : وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَدْ قَالَ : وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً ، وَبَيْعَتِنَا بَيْعَةً . قَالَ : فَقَامَ عُمَرُ ، أَوْ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، رَجُلٌ صَامَ الأَبَدَ قَالَ : لاَ صَامَ وَلاَ أَفْطَرَ ، أَوْ مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ . قَالَ : صَوْمُ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ . قَالَ : وَمَنْ يُطِيقُ ذَاكَ ؟ قَالَ : إِفْطَارُ يَوْمَيْنِ وَصَوْمُ يَوْمٍ . قَالَ : لَيْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَوَّانَا لِذَلِكَ . قَالَ : صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ . قَالَ : ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ . قَالَ : صَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ؟ قَالَ : ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ . قَالَ : صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ صَوْمُ الدَّهْرِ وَإِفْطَارُهُ . قَالَ : صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ ؟ قَالَ : يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ . قَالَ : صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ؟ قَالَ : يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ.(5/297).

 

(24508) 25013- حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، قَالَ حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ ثَوْرٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ صَوْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ ، وَيَتَحَرَّى الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ. (6/80)

(24509) 25014- قَالَ عَبْد اللهِ بْنُ أَحْمَدَ : وَجَدْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو سُفْيَانَ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَ شَعْبَانَ ، وَصَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. (6/80)

 

(26463) 26995- حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ ، عَنْ سَوَاءٍ الْخُزَاعِيِّ ، عَنِ حَفْصَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ يَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ : الاِثْنَيْنِ ، وَالْخَمِيسَ ، وَالاِثْنَيْنِ مِنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. (6/287)

 

قارن مع ما ذكره محمد بن سعد في (الطبقات الكبير) ج1/ ذكر حضور رسول الله هدم قريش الكعبة وبناءها:

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ قُرَيْشًا يَفْتَحُونَ الْبَيْتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ. فَكَانَ حُجَّابُهُ يَجْلِسُونَ عَلَى بَابِهِ. فَيَرْقَى الرَّجُلُ فَإِذَا كَانُوا لا يُرِيدُونَ دُخُولَهُ دُفِعَ فَطُرِحَ. فَرُبَّمَا عَطِبَ. وَكَانُوا لا يَدْخُلُونَ الْكَعْبَةَ بِحِذَاءٍ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ. يَضَعُونَ نِعَالَهُمْ تَحْتَ الدَّرَجِ.

 

وجاء في زاد المعاد:

 

وذكر ابن سعد فى "الطبقات" عن عثمان بن طلحة، قال: كنا نفتحُ الكعبةَ فى الجاهلية يومَ الاثنين، والخميس، فأقبلَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً يُريد أن يدخُلَ الكعبة مع الناس، فأغلظتُ له، ونِلتُ منه، فحلمَ عنِى، ثم قال: "يا عثمانُ؛ لعلَّك سترى هذا المِفتاح يوماً بيدى أضعهُ حيث شِئْتُ"، فقلتُ: لقد هلكت قريشٌ يومئذ وذلَّت، فقال: "بل عَمَرَتْ وعزَّتْ يومئذ"، ودخل الكعبة، فوقعت كلمتُه منى موقِعاً ظننتُ يومئذ أن الأمرَ سيصيرُ إلى ما قال، فلما كان يومُ الفتح، قال: يا عثمان؛ ائتنى بالمفتاح، فأتيتُه به، فأخذه منِّى، ثم دفعه إلىَّ وقال: "خُذُوها خَالِدَةً تَالِدَةً لا يَنْزِعُها مِنْكُم إلاَّ ظَالِمٌ، يا عُثمانُ؛ إنَّ اللهَ اسْتَأْمَنَكُم عَلَى بَيْتهِ، فَكُلُوا مِمَّا يَصِلُ إلَيْكُم مِنْ هذا البَيْت بالمَعْرُوف"، قال: فلما ولَّيتُ، نادانى، فرجَعْتُ إليه فقال: "أَلَمْ يَكُنِ الَّذى قُلْتُ لَكَ"؟ قال: فذكرتُ قوله لى بمكة قبل الهجرة: "لعلك سترى هذا المفتاح بيدى أضعه حيث شِئتُ"، فقلتُ: بلَى أَشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ الله.

 

لكن لم أجد الخبر في الطبقات.

 

وفي أخبار مكة للأزرقي:

 

حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد الله ابن يزيد عن سعيد بن عمرو الهذلي عن أبيه قال: رأيت قريشاً يفتحون البيت في الجاهلية يوم الاثنين والخميس وكان حجابه يجلسون عند بابه فيرتقي الرجل إذا كانوا لا يريدون دخوله فيدفع ويطرح وربما عطب وكانوا لا يدخلون الكعبة بحذاء يعظمون ذلك ويضعون نعالهم تحت الدرجة. أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن أشياخه قالوا: لما فرغت قريش من بناء الكعبة كان أول من خلع الخف والنعل فلم يدخلها بهما الوليد بن المغيرة إعظاماً لها فجرى ذلك سنة.

 

وفي تاريخ مكة لابن الضياء:

 

ويروى عَن عُثْمَان بن أبي طَلْحَة أَنه قَالَ: كُنَّا نفتح الْكَعْبَة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا يُرِيد أَن يدْخل مَعَ النَّاس فتكلمت بِشَيْء فحلم عني ثمَّ قَالَ: " يَا عُثْمَان لَعَلَّك سترى الْمِفْتَاح يَوْمًا سَهْما ضَعْهُ حَيْثُ شِئْت " فَقلت: لقد هَلَكت قُرَيْش يَوْمئِذٍ وذلت. فَقَالَ: " بل عزت ". وَدخل الْكَعْبَة وَوَقعت كَلمته مني موقعاً ظَنَنْت أَن الْأَمر سيصر إِلَى مَا قَالَ. فَأَرَدْت الْإِسْلَام فأخافوني بزبر ديني زبراً شَدِيدا فَلَمَّا دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة عَام الغصبة غير الله قلبِي ودخله الْإِسْلَام، وَلم يقدر لي أَن آتيه حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ قدر لي الْخُرُوج إِلَيْهِ فأدلجت فَلَقِيت خَالِد بن الْوَلِيد فاصطحبنا فلقينا عَمْرو بن الْعَاصِ فاصطحبنا فقدمنا الْمَدِينَة، فَبَايَعته وأقمت مَعَه حَتَّى خرجت مَعَه فِي غَزْوَة الْفَتْح فَلَمَّا دخل مَكَّة قَالَ: " يَا عُثْمَان ائْتِ بالمفتاح ". فَأَتَيْته بِهِ فَأَخذه مني ثمَّ دَفعه إليّ فَقَالَ: " خذوها يَا بني طَلْحَة خالدة تالدة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يَنْزِعهَا مِنْكُم إِلَّا ظَالِم ". وَفِي ذَلِك أنزل الله: " إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا ". وَفِي الصَّحِيح، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " كل مأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة فَهِيَ تَحت قدمي هَاتين إِلَّا سِقَايَة الْحَاج وسدانة الْبَيْت ".

 

فصل: ذكر الْوَقْت الَّذِي كَانُوا يفتحون فِيهِ الْكَعْبَة وَأول من خلع النَّعْل عِنْد دُخُولهَا

عَن عَمْرو الْهُذلِيّ قَالَ: رَأَيْت قُريْشًا يفتحون الْبَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس، وَكَانَ حجابه يَقْعُدُونَ عِنْد بَابه فيرتقي الرجل إِذا كَانُوا لَا يُرِيدُونَ دُخُوله فَيدْفَع ويطرح وَرُبمَا عطب، وَكَانُوا لَا يدْخلُونَ الْكَعْبَة بحذاء يعظمون ذَلِك ويضعون نعَالهمْ تَحت الدرجَة. وَأول من خلع الْخُف والنعل فَلم يدخلهَا بهما الْوَلِيد بن الْمُغيرَة؛ إعظاماً لَهَا فَجرى ذَلِك سنة.

 

راية الغدر

 

روى البخاري:

 

3186 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَحَدُهُمَا يُنْصَبُ وَقَالَ الْآخَرُ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ

 

3187 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَحَدُهُمَا يُنْصَبُ وَقَالَ الْآخَرُ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ

 

هناك لفظ صعب في صحيح مسلم ومسند أحمد، واللفظ لأولهما:

 

[ 1738 ] حدثنا محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد قالا حدثنا عبد الرحمن حدثنا شعبة عن خليد عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة

 

ورواه بمثله أحمد:

 

5096- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : قُلْتُ : لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَقْرَأُ خَلْفَ الإِِمَامِ ؟ قَالَ : تُجْزِئُكَ قِرَاءَةُ الإِمَامِ . ...إلخ قُلْتُ : الرَّجُلُ يَأْخُذُ بِالدَّيْنِ أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ ، قَالَ : لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ عَلَى قَدْرِ غَدْرَتِهِ.

 

(11038) 11052- سَمِعْتُ سُفْيَانَ ، قَالَ : وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا ، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ.

 

(11303) 11323- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنَا خُلَيْدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ عِنْدَ اسْتِهِ.

 

وإسته يعني عدم المؤاخذة فتحة الشرج! بذاءة ألفاظ شديدة، تُرى من أول من يستحق هذا المصير لنقضه العهود؟! وكانت عادة العرب أن يرفعوا في مواسمهم التجارية والشعرية ألوية لغدرات الغادرين وسفاكي الدماء بغدر، من الخلعاء الذين خلعهم قومهم وتبرؤوا منهم لسوء أفعالهم والمجرمين الفارّين ومن على شاكلتهم، ومن هنا جاء تصور محمد أو من صاغ الحديث. وأنقل من كتاب (الأزمنة والأمكنة للمرزوقي)/ ذو المجاز ونطاة خيبر وحجر اليمامة:

 

وكانوا إذا غدر الرّجل، أو جنى جناية عظيمة انطلق أحدهم حتى يرفع له راية غدر بعكاظ، فيقوم رجل يخطب بذلك الغدر فيقول: ألا إنّ فلان ابن فلان غدر فاعرفوا وجهه، ولا تصاهروه، ولا تجالسوه، ولا تسمعوا منه قولا فإن أعتب وإلّا جعل له مثل مثاله في رمح، فنصب بعكاظ فلعن ورجم وهو قول الشّماخ شعرا:

ذعرت به القطا ونفيت عنه ... مقام الذّئب كالرّجل اللّعين

وإنّ عامر بن جوين بن عبد الرّضى رفعت له كندة راية غدر في صنيعه بامرئ القيس بن حجر في وجهه إلى قيصر، ورفعت له فزارة راية وفاء في صنيعه بمنظور ابن سيار، حيث اقحمته السّنة فصار بماله وإبله وأهله إلى الجبلين، فأجاره ووفى وصار النّاس بين حامد له، وذام فذهبت مثلا.

 

وقد ضرب المرزوقي كما نلاحظ مثلًا لهذا بعامر بن جوين بن عبد الرضا، فقد رفعت له كِندة راية غدر في صنيعه بامرئ القيس بن حجر عندما استعان بقيصر بعد مصرع أبيه.

 

خرافة النجاسة أو الجنابة الناتجة عن الجنس

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)} النساء

 

توصيف طريقة الاغتسال من الجنابة حسب سنة محمد كما وردت بدقة في كتب الأحاديث تؤكد لنا أنها خرافة قديمة مما قبل الإسلام متعلقة بتابو (محظور)، انظر ما جاء مثلًا في السيرة لابن هشام عن هجمة أو غارة أو غزوة السويق التي قام بها أبو سفيان أيام وثنيته ضد يثرب:

 

...فكان أبو سفيان كما حدثنى محمد بن جعفر بن الزبير، ويزيد بن رُومَان ومن لا أتَّهم، عن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان من أعلم الأنصار، حين رجع إلى مكة، ورجع فَلُّ قريش من بدر، نذر أن لا يُمس رأسَه ماءً من جنابة حتى يغزوَ محمداً صلى الله عليه وسلم...إلخ

 

وهو نفس تشريع التوراة اليهودية:

 

(11«إِذَا خَرَجْتَ فِي جَيْشٍ عَلَى أَعْدَائِكَ فَاحْتَرِزْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ رَدِيءٍ. 10إِنْ كَانَ فِيكَ رَجُلٌ غَيْرَ طَاهِرٍ مِنْ عَارِضِ اللَّيْلِ، يَخْرُجُ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ. لاَ يَدْخُلْ إِلَى دَاخِلِ الْمَحَلَّةِ. 11وَنَحْوَ إِقْبَالِ الْمَسَاءِ يَغْتَسِلُ بِمَاءٍ، وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَدْخُلُ إِلَى دَاخِلِ الْمَحَلَّةِ. 12وَيَكُونُ لَكَ مَوْضِعٌ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ لِتَخْرُجَ إِلَيْهِ خَارِجًا.) التثنية 23

 

(18وَالْمَرْأَةُ الَّتِي يَضْطَجِعُ مَعَهَا رَجُلٌ اضْطِجَاعَ زَرْعٍ، يَسْتَحِمَّانِ بِمَاءٍ، وَيَكُونَانِ نَجِسَيْنِ إِلَى الْمَسَاءِ.) اللاويين 15

 

(31فَتَعْزِلاَنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ نَجَاسَتِهِمْ لِئَلاَّ يَمُوتُوا فِي نَجَاسَتِهِمْ بِتَنْجِيسِهِمْ مَسْكَنِيَ الَّذِي فِي وَسَطِهِمْ.) اللاويين 15

 

ولا يعمل بها المسيحيون ولا البهائيون، وهي فكرة ومعتقد خرافي، لأنه لا نجاسة من الممارسة الجنسية أو احتلام النوم، والسائل المنوي نفسه وإفرازات مهبل المرأة ليست نجسة، بل تتطلب غسل مكانها فقط لأنها مواد طبيعية بروتينية وغيرها تتعفن وتتحلل لو تُرِكَت بلا غسل بطبيعة الحال، لكن لا يتطلب الأمر استحمامًا طقسيًّا  لكل الجسم كالذي شرّعه الإسلام في تشريعه الخرافي، حسب تشريع الإسلام سيضطر شخص يمارس الجنس يوميًّا في دولة شديدة البرودة في الشتاء للاستحمام اليومي، بل ربما استحمام أكثر من مرة في اليوم بحكم أن المسلم لديه خمس صلوات خرافية لا يمكن تأديتها دون الاستحمام الطقسيّ الخرافيّ من نجاسة وهمية. لم يوجد في الزردشتية خرافة كهذه في كتابهم الأﭬستا، وإنما وجدت تابوهات تتطلب الاغتسال كمس أي جثة.

 

تحرير أمهات الأولاد من المستعبَدات بعد موت "مالكهن" كما شرعه عمر بن الخطاب

 

قارن مع تشريع حمورابي:

 

المادة (171): أو (إذا) لم يقل الأب في حياته للأطفال الذين ولدتهم له الآمة (يا أولادي) فبعد ذهاب الوالد إلى أجله، لا يتقاسم أبناء أموال بيت الوالد مع أبناء الزوجة الأصلية. ويجب أن تمنح الأمة وأبناؤها الحرية ولا يحق لأبناء الزوجة الأصلية الادعاء بعبودية أبناء الآمة وتأخذ الزوجة الأصلية هديتها التي جلبتها من بيت أبيها والهبة التي منحها زوجها وثبت لها بذلك رقيما مختوما ولها الحق أن تعيش في مسكن زوجها. ولها الحق (كذلك) بالاستفادة منها طيلة مدة حياتها، ولا يحق لها أن تبيعه لأنه يعود بعدها لأبنائها.

 

يحتمل أن عمر استوحى من تقليد مستمر لذلك في موضع ما من المناطق العربية في الشام أو العراق.

 

 

 

عدم مساواة حياة المستعبد بحياة الحر غير المسعتبد

 

تشريع عنصري بشع ذكرناه من القرآن وكتب الحديث، وعليه كان في الزمن القديم رأي بعض فقهاء الإسلام، راجعه في باب العبودية والاستعباد، قارن مع تشريع حمورابي:

 

المادة (211): إذا أسقطت بنت مولى بسبب ضربة ما في جوفها، فعليه (أي الذي ضربها) ان يدفع خمسة شيقلات من الفضة.

المادة (212): إذا توفيت المرأة، فعليه ان يدفع نصف المنا من الفضة.

المادة (213): إذا ضرب (رجل) أمة وسبب لها إسقاط ما في جوفها،فعليه أن يدفع شيقيلين من الفضة.

المادة (214): إذا توفيت تلك الأمة،فعليه أن يدفع ثلث المنا من الفضة.

واضح أن ممارسات الوثنية العربية ثم الإسلام متابعًا لها هي استمرار لهذه التقاليد العنصرية القديمة.

 

وجاء في شريعة حمورابي عن ضمان البائع للمستعبد كسلعة من السلع:

 

278: إذا سقط عبد أو أمة مريضًا بعد أن اشتراه رجل ولما يمض على مدة الضمانة شهر، يرده إلى صاحبه (بائعه) ويسترد الفضة التي دفعها.

 

قارن مع ما أوردناه من أحاديث فيها نفس الحكم والقاعدة في باب (الاستعباد والعبودية) وهي ممارسات وأحكام أقدم من الإسلام، أخذوا بها كأحكام إسلامية.

 

قطع يد السارق الوارد في القرآن

 

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} المائدة

 

عقوبة همجية وحشية أصلها من تقاليد بعض عرب بدو شبه جزيرة العرب، قارن مع ما ذكره ابن هشام في السيرة:

 

....فلما بلغ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم  خمساً وثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة وكانوا يهمُّون بذلك ، ليسقفوها ويهابون هدمَها، وإنما كانت رَضْماً فوق القامة، فأرادوا رفعَها وتسقيفَها، وذلك أن نفراً سرقوا كنزاً للكعبة، وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة، وكان الذي وُجد عنده الكنز دُوَيْكاً مولى لبنى مُلَيْح بن عمرو من خزاعة .

قال ابن هشام : فقطعت قريش يده .

 

وذكر جواد العلي في المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج4/ ص110:

 

ومن سادات قريش: قيس بن عديّ بن سعد بن سهم. وقد ضرب به المثل في العز، حتى قيل: "كأنه في العزّ قيس بن عديّ". وكان يأتي الخمار وبيده مقرعة، فيعرض عليه خمره، فإن كانت جيدة، وإلا قال له: "أجد خمرك، ثم يقرع رأسه وينصرف"(1). وذكر انه كانت له قينتان يجتمع إليهما فتيان قريش: أبو لهب وأشباهه، وهو الذي أمرهم بسرقة الغزال من الكعبة، ففعلوا، فقسمه على قيانه، وكان غزالاً من ذهب مدفوناً، فقطعت قريش رجالاً ممن سرقه، وأرادوا قطع يد أبي لهب، فحمته أخواله من خزاعة (2).

وذكر أن "مقيس بن عبد قيس بن قيس بن قيس بن عديّ بن سعد بن سهم"، هو صاحب قصة الغزال (3).

 

1-المحبر لمحمد بن حبيب، جمهرة النسب ص156

2-فلذلك يقول بعض شعرائها:

همو منعوا الشيخ المنافيَّ بعدما        رأى حمة الإزميل فوق البراجم، الاشتقاق ص76

3-شرح ديوان حسان، ص47 للبرقوقي

 

وفي المفصل ج4، ص671:

 

... وحرم قوم من الجاهلين الخمر على أنفسهم، وأكثرهم ممن يسموّن الأحناف، ومنهم من كان يشربها ويقبل عليها، ولكنه وجد نفسه وقد قام بأعمال لم يرتضِها، جعلته يشعر بالخجل منها، فتركها وحرمها على نفسه. ويذكر أهل الأخبار إن أول من حرمها على نفسه وامتنع منها في الجاهلية، هو "الوليد بن المغيرة". وهو رجل ينسب إليه أهل الأخبار جملة أمور، منها انه أول من خلع نعليه لدخول الكعبة في الجاهلية، فخلع الناس نعالهم في الإسلام " وأول من قضى بالقسامة في الجاهلية فأقرها الإسلام، وأول من قطع في السرقة في الجاهلية، فأقرّها الإسلام. ويذكرون إن الجاهليين كانوا يقولون: " لا وَثَوْبَيْ الوليد، الخلق منهما والجديد". (1)

 

1-المعارف لابن قتيبة

 

وفي ج5، ص82:

 

....ويظهر أن المخمصة، كانت شديدة، شدة حملت البعض على السطو على أموال الناس وعلى سرقة ما يجدونه أمامهم. ففزع من ذلك أهل مكة، وعمل زعماؤها على التفكير في اتخاذ أقسى العقوبات في حق السارق، فكان أن حكم "الوليد بن المغيرة" بقطع يد السارق، ذكر أنه كان أول من حكم بقطع يد السارق فىِ الجاهلية فصار القطع سنّة عندهم (1).

وكان أن نادى "هاشم"، وهو "عمرو بن عبد مناف" إنصاف الفقراء والمحتاجين وتقديم المعونة لهم، حتى يصير فقيرهم كالكافي، فما ربح الغني أخرج منه نصيبا ليكون للفقراء (2). وبذلك يخفف من حدة وطأة الفقر في هذه المدينة المتاجرة.

وذكر في تعليل دعوة "هاشم" إلى إنصاف الفقراء ومساعدتهم، انه "كان سيداً في زمانه، وله ابن يقال له: أسد، وكان له ترب من بني مخزوم، يحبه ويلعب معه. فقال له: نحن غداً نعتفد. فدخل أسد على أمه يبكي، وذكر ما قاله تربه.. فأرسلت أم أسد إلى أولئك بشحم ودقيق، فعاشوا به أياماً. ثم إن تربه أتاه أيضاً، فقال: نحن غداَ نعتفد، فدخل أسد على أبيه يبكي، وخبره خبر تربه، فاشتد ذلك على عمرو بن عبد مناف، فقام خطيباً في قريش وكانوا يطيعون أمره، فقال: إنكم أحدثتم حدثاً تقلون فيه وتكثر العرب، وتذلون وتعزّ العرب، وأنتم أهل حرم الله جل وعز، وأشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، ويكاد هذا الاعتفاد يأتي عليكم. فقالوا: نحن لك تبع. قال: ابتدئوا بهذا الرجل - يعني أبا ترب أسد - فأغنوه عن الاعتفاد، ففعلوا. ثم انه نحر البدن، وذبح الكباش والمعز، ثم هشم الثريد، وأطعم الناس، فسميّ هاشماً. وفيه قال الشاعر: عمرو الذي هشم الثريد لقومه  ورجال مكة مسنتون عجاف

تم جمع كل بني أب على رحلتين: في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام للتجارات، فما ربح الغني قسّمه بينه وبين الفقير، حتى صار فقيرهم كغنيهم، فجاء الإسلام وهم على هذا، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالاً ولا أعز من قريش، وهو قول شاعرهم:

 والخالطون فقيرهم بغنيهّـم      حتى يصير فقيرهم كالكافي 

فلم يزالوا كذلك حتى بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، فقال: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع" بصنيع هاشم "وآمنهم من خوف" أن تكثر العرب ويقلوا.

وورد أنّ "حكيم بن حزام" كان يقاسم ربحه من تجارته الفقراء وأهل الحاجة والمحاويج. وذكر أن قريشأَ كانت تتراحم فيما بينها وتتواصل. وأن تفسير " لإيلاف قريش"، هو " لتراحم قريش وتواصلهم". فالإيلاف التراحم والتواصل. وذكر أن قريشاً كانوا "يتفحصون عن حال الفقراء ويسدّون خلة المحاويج". ويظهر أن هذا إنما حدث بفعل "هاشم" وبتنظيمه وجمعه وبدعوته تلك. فصار أصحاب القلوب الرقيقة يخرجون منذ يومئذ من دخلهم نصيباً يجمعونه ويوحدونه، لينفقوا منه على من به حاجة من أهل مكة ومن الغرباء(3).

والإيلاف هو التطبيق العملي لدعوة "هاشم" إلى إنصاف الفقراء والمساكين والمحاويج. فبعقد "الإيلاف" وإجماع قريش على تلبية دعوة هاشم بإخراج نصيب من أموالهم يخصص لمساعدة المحتاج، تمكن "هاشم" من تطبيق دعوته تطبيقاً عملياً، ومن مساعدة المحتاجين. حتى صار عمله سنة لمن جاء بعده. فحسن حال المحتاجين، ونعش فقراء مكة. يؤيد ذلك ما نجده من قول "ابن حبيب": "أصحاب الإيلاف من قريش الذين رفع الله بهم قريشاً ونعش فقراءها".

والرفادة والسقاية، هما من ثمرات دعوة "هاشم"، فالرفادة، هي إقراء ضيوف مكة وإطعام المحتاجين من أهلها. والسقاية إسقاءهم الماء، والنبيذ واللبن.

 

1- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 6/ 160

2- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 20/ 205

3- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 20/ 205 وينسب البيت إلى مطرود بن كعب، راجع سمط النجوم للبكري547 وما بعدها، وأمالي القالي 1/ 241 ومجمع البيان للطبرسي 10/ 546 وتاريخ اليعقوبي 1/ 202 وأنساب الأشراف للبلاذري 1/ 58 ومحاضرات الأبرار لابن عربي2/ 1190 وتاريخ الخميس للدياربكري1/ 156 وأمالي المرتضى 1/ 178 وما بعدها.

 

وفي المفصل ج5، ص605:

 

... أما بالنسبة الى شريعة الجاهليين في معاقبة السارق، فليست لدينا فكرة واضحة عنها وبالنسبة إلى عقوبته عند جميع الجاهلين. أما أهل مكة، وهم من قريش، فقد كانوا يعاقبون السارق بقطع يده. ويظهر من روايات الأخباريين أن هذه العقوبة سنت في وقت لم يكن بعيد عهد عن الإسلام، إذ يذكرون أن أول من سنهّا هو "عبد المطلب"(1). ومنهم من يرجع سنها إلى "الوليد بن المغيرة"، فيقولون إنه أول من قطع يد السارق، فصار عمله هذا سنة في معاقبة السرقة، وقطع رسول الله في الإسلام(2). وروي أن اول سارق قطعه رسول الله في الإسلام، من الرجال: "الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف"، ومن النساء "مرة بنت سفيان بن عبد الأسد" من "بني مخزوم". (3)

وذكر "محمد بن حبيب"، ان العرب "كانوا يقطعون يد السارق اليمنى"، "وقطعت قريش رجالاً في الجاهلية في السرق". منهم "وابصة بن خالد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم"، و "عوف بن عبيد بن عمر بن مخزوم"، و "مرار"، ثم سرق فرجم حتى مات، و "الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف"، وعبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب،قطع في سرقة إبل، ومدرك بن عوف بن عبيد بن عمر بن محروم، ومليح بن شريح بن الحارث ابن أسد، ومقيس بن قيس بن عدي السهمي، وكانا سرقا حلي الكعبة في الجاهلية، فقطعا. (4)

ويلاحظ أن ثلاثة من السرّاق المذكورين كانوا من عائلة واحدة هي عائلة "عمر بن مخزوم". وأن سارقين من هؤلاء السراق الثلاثة كانا أباً وابناً. فالأب هو "عوف بن عبيد بن عمر بن مخزوم"، والابن هو "مدرك بن عوف بن عبيد بن عمر بن مخزوم".

وذكر أهل الأخبار أن أشهر سارق عرف عند الجاهليين، هو سارق اسمه "شظاظ". فقالوا: شظاظ أسرق رجل عند العرب.

ونحن لا نستطيع أن نتحدث عن موقف بقية العرب من عقوبة قطع يد السارق، لأننا لا نملك موارد تتحدث عن ذلك.

 

1-ابن رسته، الأعلاق ص191.

2-تفسير الطبري6/148 وما بعدها، تفسير القرطبي6/ 160، المعارف لابن قتيبة 240، صبح الأعشى1/ 435

3-تفسير القرطبي6/ 160

4-المحبر لابن حبيب

 

وجاء في تشريع حمورابي:

 

المادة (253): إذا استأجر رجل رجلا وعينه على حقله وسلمه كمية من الحبوب وأوكل إليه مراقبة البقر وتعاهد معه (كذلك) على زراعة الحقل، فإذا سرق هذا الرجل البذور أو الطعام، ومسكت في يده، فعليهم قطع يده.

المادة (254): إذا اخذ (لنفسه) الحبوب وجوع البقر، فعليه أن يعوض الحبوب التي استلمها مضاعفة.

أما قوانين آشور الوسطى 4أ : لو أخذ عبد أو أمة شيئا من يد امرأة متزوجة، تقطع أذني العبد والأمة ويجدع أنفه (وبذلك) تكون الأملاك المسروقة قد عُوِّضت...إلخ، ونفس التشريع في القوانين الحثية 95

ما لم يلاحظه العلّامة جواد العليّ أنه ربما يكون للتقليد العربي علاقة بتشريع حمورابي وتقاليد وقوانين بابل القديمة.

 

عقوبة قطع الطريق بالصلب

 

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} المائدة

 

كتب جواد العلي في المفصل:

 

قاطع الطريق

ذكر "محمد بن حبيب" ان العرب يصلبون قاطع الطريق، وقد صلب "النعمان بن المنذر" رجلاً من "بني عبد مناف بن دارم"، من تميم كان يقطع الطريق

 

المحبر لابن حبيب

 

القسامة

 

... وحرم قوم من الجاهلين الخمر على أنفسهم، وأكثرهم ممن يسموّن الأحناف، ومنهم من كان يشربها ويقبل عليها، ولكنه وجد نفسه وقد قام بأعمال لم يرتضِها، جعلته يشعر بالخجل منها، فتركها وحرمها على نفسه. ويذكر أهل الأخبار إن أول من حرمها على نفسه وامتنع منها في الجاهلية، هو "الوليد بن المغيرة". وهو رجل ينسب إليه أهل الأخبار جملة أمور، منها انه أول من خلع نعليه لدخول الكعبة في الجاهلية، فخلع الناس نعالهم في الإسلام " وأول من قضى بالقسامة في الجاهلية فأقرها الإسلام، وأول من قطع في السرقة في الجاهلية، فأقرّها الإسلام. ويذكرون إن الجاهليين كانوا يقولون: " لا وَثَوْبَيْ الوليد، الخلق منهما والجديد". (1)

 

1- المعارف لابن قتيبة

وفي ج4، ص108:

 

وقد كان "الوليد" [أحد] الحُكّام الذين تحوكم إليهم، وإليه تحاكم بنو عبد مناف في موضوع قتل "خداش" إنساناً منهم(1). وقد عرف ب "ابن صخرة" نسبة إلى أمه. وذكر انه كان في جملة من حَرّم في الجاهلية الخمر على نفسه وضرب فيها ابنه هشاماً على شربها(2). وقد عدّه "ابن حبيب" في جملة زنادقة قريش، وذكر انه وجماعته تعلموا الزندقة من نصارى الحِيرة، ولم يفسر قصده من الزندقة.

ويذكرون إن "الوليد" كان أسنّ قريش يوم حكم في قضية "خداش"، وحكم فيها ب "القَسامة"، فكان بذلك أول من سنّ "القسامة" في قريش(3).

ومات الوليد بعد الهجرة بثلاثة أشهر أو فيها، ودفن بالحجون، وذكر "محمد بن حبيب" إن "أبا أحيحة" كان نديماً للوليد بن المغيرة. على عادة القوم في اتخاذ الندماء.(4)

 

1و2 و3- المحبر لابن حبيب

4-أنساب الأشراف للبلاذري

 

وفي آخر الفصل 56 (في الفقه الجاهلي/ موضوع: القسامة)، ص524، ذكر:

 

القسامة

ومن لفظة "القسم"، وردت "القسامة"، ويراد بها حلف معين عند التهمة بالقتل على الإثبات أو النفي، وقد كانت مستعملة عند الجاهلين. فإذاُ قتل شخص ولم يعرف قاتله،ولم تظهر على معرفة القاتل بينة ظاهرة ثابتة عادلة كاملة، واعتقد أهل القتيل والمطالبون بحق دمه أن فلاناً قتله، لعلامة دلتهم على ذلك، أو لخبر سمعوه أو للطخ دم وجد في شخص كان قد مرَ بالقاتل أو اشتبه به، أو لعداوة سابقة، أو لوجود رجل مشكوك في أمره في دار القتيل وقت وقوع القتل، أو الرسالة حملها رجل تخبر باسم القاتل، وأمثال ذلك، فإن اهل القتيل والمطالبين بثأره ودمه، يستعملون عندئذ "القسامة". وذلك بأن يحلف خمسون من أولياء القتيل خمسين يميناُ أن فلاناً قتله، انفرد بقتله ما شركه في دمه احد.

فإذا حلفوا خمسين يمينأَ، استحقوا دية قتيلهم، وإن أبوا أن يحلفوا مع اللوث الذي أدلوا به، حلف المدعى عليه انه بريء، وإن نكل المدعى عليه عن اليمين خير ورثة القتيل تسليمه إليهم لقتله، أو اخذ الدية من مال المدعى عليه.

ومن أمثلة ما ذكره أهل الأخبار عن القسامة والعقوبة المعجلة التي تلحق بصاحب اليمين الكاذبة، ما ذكروه عن استئجار رجل من قريش، اسمه خداش بن عبد الله ابن أبي قيس العامري في رواية، رجلاً من بني هاشم، فانطلق الأجير معه في إبله إلى الشام فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه، فقال للاجير: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي، فأعطاه عقالاً، فشد به جوالقه. فلما نزلوا، عقلت الإبل، إلا بعيراً واحداً. فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل. قال الأجير: ليس له عقال. قال المستأجر له: فأين عقاله ? فحذفه بعصا،.كان فيها أجله. فمر رجل من أهل اليمن، فقال: أتشهد الموسم ? قال: ما أشهد، وربما شهدته. قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر ? قال: نعم. قال: فكنت إذا شهدت الموسم فناد: يا آل قريش. فإذا أجابوك، فناد يا آل بني هاشم، فإن أجابوك، فاسَأل عن أبي طالب، فأخبره أن فلاناً قتلني في عقال. ومات المستأجر. فلما قدم الذي استأجره، أتى أبو طالب، فقال له: ما فعل صاحبنا ? قال: مرض، فأحسنت القيام عليه، وتوفيَ فوليت دفنه. قال أبو طالب: قد كان أهل ذاك منك، فمكث حيناً. ثم ان الرجل اليماني الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه، وافى الموسم، فقال: يا آل قريش. قالوا له هذه قريش. قال: يا آل بني هاشم. قالوا: هذه بنو هاشم. قال: أين أبو طالب ? قالوا: هذا أبو طالب. قال له: أمرني فلان ان ابلغك رسالة: إن فلاناً قتله في عقال. فأخبره بالقصة، وخداش يطوف بالبيت، لا يعلم بما كان. فقام رجال من بني هاشم إلى خداش فضربوه، وقالوا: قتلت صاحبنا، فحمد. وأتاه أبو طالب، فقال له: اختر منا إحدى ثلاث: ان شئت ان تؤدي مئة من الإبل، فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك انك لم تقتله، فإن أبيت، قتلناك به. فأتى قومه، فقالوا نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم، قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب، أحب أن تجيز ابني هذا من اليمين، وتعفو عنه برجل من الخمسين، ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان. ففعل. فأتاه رجل منهم، فقال: يا أبا طالب، أردت خمسين رجلاً أن يحلفوا مكان مئة من الإبل، يصيب كل رجل بعيران. هذان بعيران، فاقبلهما عني، ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان، فقبلهما. وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا. ويذكر رواة هذا الخبر أنهم كذبوا في يمينهم، فما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف. (اهـ)

 

روى البخاري:

 

3845 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَطَنٌ أَبُو الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ إِنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَفِينَا بَنِي هَاشِمٍ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرَى فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِي إِبِلِهِ فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ فَقَالَ أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لَا تَنْفِرُ الْإِبِلُ فَأَعْطَاهُ عِقَالًا فَشَدَّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِهِ فَلَمَّا نَزَلُوا عُقِلَتْ الْإِبِلُ إِلَّا بَعِيرًا وَاحِدًا فَقَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مَا شَأْنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ قَالَ لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ قَالَ فَأَيْنَ عِقَالُهُ قَالَ فَحَذَفَهُ بِعَصًا كَانَ فِيهَا أَجَلُهُ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ أَتَشْهَدُ الْمَوْسِمَ قَالَ مَا أَشْهَدُ وَرُبَّمَا شَهِدْتُهُ قَالَ هَلْ أَنْتَ مُبْلِغٌ عَنِّي رِسَالَةً مَرَّةً مِنْ الدَّهْرِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَتَبَ إِذَا أَنْتَ شَهِدْتَ الْمَوْسِمَ فَنَادِ يَا آلَ قُرَيْشٍ فَإِذَا أَجَابُوكَ فَنَادِ يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَسَلْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي فِي عِقَالٍ وَمَاتَ الْمُسْتَأْجَرُ فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا قَالَ مَرِضَ فَأَحْسَنْتُ الْقِيَامَ عَلَيْهِ فَوَلِيتُ دَفْنَهُ قَالَ قَدْ كَانَ أَهْلَ ذَاكَ مِنْكَ فَمَكُثَ حِينًا ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي أَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ فَقَالَ يَا آلَ قُرَيْشٍ قَالُوا هَذِهِ قُرَيْشٌ قَالَ يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ قَالُوا هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ قَالَ أَيْنَ أَبُو طَالِبٍ قَالُوا هَذَا أَبُو طَالِبٍ قَالَ أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أُبْلِغَكَ رِسَالَةً أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ فِي عِقَالٍ فَأَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ اخْتَرْ مِنَّا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّكَ قَتَلْتَ صَاحِبَنَا وَإِنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ إِنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ فَإِنْ أَبَيْتَ قَتَلْنَاكَ بِهِ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالُوا نَحْلِفُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ فَقَالَتْ يَا أَبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنْ الْخَمْسِينَ وَلَا تُصْبِرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الْأَيْمَانُ فَفَعَلَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَرَدْتَ خَمْسِينَ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ يُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ هَذَانِ بَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا عَنِّي وَلَا تُصْبِرْ يَمِينِي حَيْثُ تُصْبَرُ الْأَيْمَانُ فَقَبِلَهُمَا وَجَاءَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَحَلَفُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ

 

وروى عبد الرزاق:

 

18251 - عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني بشير بن عبد الحارث بن عبيد بن عمير بن مخزوم وكان حكم قريش في الجاهلية وكان أول من حكم في الجاهلية بالقسامة في رجل قتل آخر بمئة من الإبل وكان عقل أهل الجاهلية الغنم قال وأول من فدى عبد المطلب كان نذر إن وفي له عشر ذكور من صلبه لينحرن أحدهم فتوافوا ففداه بمئة من الإبل

 

 

واضح أنهم كاذبون فهم يقسمون بما لم يروه، بصرف النظر عن خرافات العاقبة الإلهية، ولذلك انتقدت هذا التشريع المعيب الباطل الذي تبنّاه محمد ولو أنه لم تحدث حالة لتطبيقه، ولم أسمع أن أحدًا قام به بجدية في الإسلام، ربما يكونون كانوا يطبقونه فقط للصلح في حالات الثأر المعروفة المتبادلة بدفع دية من القبيلة التي يُعتقَد أن أفرادها قام بالقتل لأهل القتيل من القبيلة الأخرى لمنع الحروب والثارات. لكن من الصعب أن يقسم خمسون شخصًا على ما لم يروه بقسم كاذب ثم يُقبَل منهم قسم وشهادة باطلة كهذه.

 

تحريم الخمر

 

جاء في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج4، من أول ص670:

 

وحرم قوم من الجاهلين الخمر على أنفسهم، وأكثرهم ممن يسموّن الأحناف، ومنهم من كان يشربها ويقبل عليها، ولكنه وجد نفسه وقد قام بأعمال لم يرتضيها، جعلته يشعر بالخجل منها، فتركها وحرمها على نفسه. ويذكر أهل الأخبار أن أول من حرمها على نفسه وامتنع منها في الجاهلية، هو "الوليد بن المغيرة". وهو رجل ينسب إليه أهل الأخبار جملة أمور، منها انه أول من خلع نعليه لدخول الكعبة في الجاهلية، فخلع الناس نعالهم في الإسلام " وأول من قضى بالقسامة في الجاهلية فأقرها الإسلام، وأول من قطع في السرقة في الجاهلية، فأقرّها الإسلام(1). ويذكرون إن الجاهليين كانوا يقولون: " لا وَثَوْبَيْ الوليد، الخلق منهما والجديد".

وممن ترك الخمر في الجاهلية "عبد الله بن جدعان"، وسبب تركه لها انه شرب مع أمية بن أبي الصلت الثقفي، فلطم وجه "أمية" بعد أن ثمل، فأصبحت عينه مخضرة فخاف عليها الذهاب، فسأله عبد الله: ما بال عينك? فقال: أنت أصبتها البارحة. قال: وبلغ مني الشراب ما أبلغ معه من جليسي هذا المبلغ، فأعطاه عشرة آلاف درهم، وقال: الخمر عليّ حرام، لا أذوقها أبداً(2). وذكر أيضاً انه سكر فجعل يساور القمر. فلما اصبح أخبر بذلك، فحرمها(3). إلى غير ذلك من قصص.

وممن حرمها في الجاهلية، قيس بن عاصم المنقري، وعامر بن الظرب العدواني، وصفوان بن أمية بن محرث الكناني، وعفيف بن معد يكرب الكندي، والاسلوم ابن اليامي من هَمْدان، ومقيس بن عدي السهمي، والعباس بن مرداس السلمي، وسعيد بن ربيعة بن عبد شمس، وورقة بن نوفل، والوليد بن المغيرة، وأبوه أمية بن المغيرة، والحارث بن عبيد المخزومى، وزيد بن عمر. بن نفيل، وعامر ابن جذيم الجمحي، وأبو ذر الغفاري، ويزيد بن جعونة الليثي، وأبو واقد الحارث بن عوف الكناني، وعمرو بن عَبسة، وقسّ بن ساعدة الإيادي، وعبيد ابن الابرص، وزهير بن أبي سُلمى المزني، والنابغتان الذبياني والجعدي، وحنظلة الراهب بن أبي عامر، وقبيصة بن اياس الطائي، واياس بن قبيصة بن أبي غفر، وحاتم الطائي، و "سويد بن عدي بن عمرو بن سلسلة الطائي". (4)

وذكر إن ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية: "بشير الثقفي". وكان نذر في الجاهلية ألا يأكل الجزور ولا يشرب الخمر.(5)

وروي أن "عفيف بن معد يكرب الكندي"، عم الأشعث بن قيس، كان قد طلق الخمر وحرّمها على نفسه وحَرَّمَ معها القمار والزنى، والثلاثة من أهم وسائل التلهي والتمتع بالحياة عند الجاهليين(6). وكان قيس بن عاصم يأتيه في الجاهلية تاجر خمر فيبتاع منه ولا يزال الخمار في جواره حتى ينفد ما عنده. فشرب قيس ذات يوم فسكر سكراً قبيحاً، فجذب ابنته وتناول ثوبها، ورأى القمر فتكلم بشيء ثم نهب ماله ومال الخمار. فلما صحا أخبرته ابنته بما صنع وما قال فآلى لا يذوق الخمر(7).

وبعض هؤلاء هم من الحنفاء، وبعضهم من السادة الأشراف الذين لم يتذوقوها، أو انهم تعاطوها ثم رأوا ضرَرَها فتركوها وحرموها على أنفسهم. ويظهر إن بعضهم قد حرمها على نفسه وعلى آله أيضاً، فذكر مثلاً إن الوليد بن المغيرة ضرب فيها ابنه هشاماً على شربها، ولعلّ منهم من كان يستعمل، الحدّ، وهو الجزاء الذي قرره الإسلام على شاربي الخمر.

وقد أشار أهل الأخبار إلى وقوع حوادث لأكثر من ذكرتهم دفعت بهم إلى تحريم الخمر على أنفسهم، كالذي ذكرته من أمر عبد الله بن جدعان، وكالذي أشار إليه أهل الأخبار من تحرش بعضهم بمحارمهم تحرشاً لا يفعله إنسان سويّ، أو تخليطهم أثناء سكرهم وقيامهم بأعمال مضحكة صيّرتهم سخرية الحاضرين، فلما صحوا وسمعوا بما فعلوا ندموا على ما بدا منهم، وقرروا اجتنابها وتحريمها على أنفسهم منذ ذلك اليوم(8).

وكان الجاهليون يشتدون على النساء في شرب الخمر حتى لم يُحفظ إن امرأة سكرت(9).

 

1-المعارف لابن قتيبة

2-نهاية الأرب4/ 88

3 المحبر لابن حبيب

4 المحبر لابن حبيب، نهاية الأرب4/ 88 وما بعدها، بلوغ الأرب2/ 294، الأمالي للقالي 1/ 204، الأغاني5/ 9 

5 الإصابة في تمييز الصحابة

6-بلوغ الأرب2/ 294

7-بلوغ الأرب2/ 297   

8- المحبر لابن حبيب

9- بلوغ الأرب2/ 297

وضع اليد اليمين على اليسار في الصلاة الإسلامية أصله من وثنية عرب شبه الجزيرة العربية

 

روى البخاري:

 

740 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اليَدَ اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ اليُسْرَى فِي الصَّلاَةِ» قَالَ أَبُو حَازِمٍ لاَ أَعْلَمُهُ إِلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ يَنْمِي

 

وروى مسلم:

 

[ 401 ] حدثنا زهير بن حرب حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا محمد بن جحادة حدثني عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر وصف همام حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما ثم كبر فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه

 

وروى أحمد بن حنبل:

 

18846 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ "

 

إسناده صحيح، رجاله ثقات. وكيع: هو ابن الجراح. وأخرجه ابن أبي شيبة 1/390 عن وكيع، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في "الكبير" 22/ (1) - ومن طريقه المزي في "تهذيبه" (ترجمة موسى بن عمير) - والبيهقي في "السنن" 2/28 من طريق أبي نعيم، عن موسى بن عمير، به. وزاد الطبراني: ورأيت علقمة يفعله. وأخرجه النسائي 2/125-126 من طريق عبد الله بن المبارك، عن موسى ابن عمير العنبري وقيس بن سليم العنبري، قالا: حدثنا علقمة بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان قائماَ في الصلاة قبض بيمينه على شماله. وسيرد بالأرقام: (18852) (18853) (18854) (18866) (18870) (18871) (18873) (18875) (18876) (18878). وفي الباب عن جابر، سلف برقم (15090) ، وانظر تتمة شواهده هناك.

 

(18866) 19071- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ ، وَمَوْلًى لَهُمْ ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ ، عَنْ أَبِيهِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ ، وَصَفَ هَمَّامٌ حِيَالَ أُذُنَيْهِ ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنَ الثَّوْبِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا ، فَكَبَّرَ فَرَكَعَ ، فَلَمَّا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَفَعَ يَدَيْهِ ، فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ.

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، عبد الجبار وعلقمة وأبوهما وائل بن حجر من رجاله، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. عفان: هو ابن مسلم الصفار، وهمام: هو ابن يحيى العوذي.

وأخرجه مسلم (401) ، وابن خزيمة (906) ، وأبو عوانة 2/97، والبيهقي في "السنن" 2/28 و71، وفي "معرفة السنن والآثار" (2972) من طريق عفان، بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو داود (736) ، والبيهقي 2/98-99 من طريق حجاج بن منهال، والطبراني في "الكبير" 22/ (60) من طريق أبي عمر الحوضي، كلاهما عن همام، عن محمد بن جحادة، به، دون ذكر علقمة في الإسناد، وزادا فيه ذكر صفة الركوع.

وأخرجه أبو داود (723) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2619) ، وابن حبان (1862) ، وابن عبد البر في "التمهيد" 9/227 من طريق عبد الوارث بن سعيد، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، قال: كنت غلاماً صغيراً لا أعقل صلاة أبي، فحدثني وائل بن علقمة، عن أبي وائل

ابن علقمة. فقلب اسم علقمة، وزاد فيه: وإذا رفع رأسه من السجود أيضاً رفع يديه، وهذه الزيادة سلف نحوها والكلام عليها في الرواية (18861) ، فانظرها لزاماً.

وأخرجه ابن خزيمة (905) من طريق عمران بن موسى القزاز، عن عبد الوارث، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار قال: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي، فحدثني وائل بن علقمة أو علقمة بن وائل، عن أبي وائل بن حجر. وقال ابن خزيمة: هذا علقمة بن وائل لا شك فيه، لعل عبد الوارث. أو من دونه شَك في اسمه.

قلنا: وقد جاء اسمه على الصواب من طريق عبد الوارث فيما أخرجه الطبراني في "الكبير" 22/ (61) عن طريق محمد بن عبيد بن حساب وأبي عمر المقعد، عنه، عن محمد بن جحادة، به.

وقد سلف برقم (18858) ، وانظر (18846) .

قال السندي: قوله: "ثم التحف"، أي: تستر، يعني أخرج يديه من الثوب حين كبر للإحرام، فإذا فرغ من التكبير أدخل يديه في الثوب.

 

22849 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: " كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعُوا الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ " قَالَ أَبُو حَازِمٍ: وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا يُنْمِي ذَلِكَ

قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يُنْمِي يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين .

وهو في "الموطأ" 1/159، ومن طريق مالك أخرجه البخاري (740) ، والطبراني في "الكبير" (5772) ، والبيهقي 2/28 . ولم يذكر فيه الطبراني قول أبي حازم في آخره .

وفى الباب عن غير واحد من الصحابة . انظر حديث جابر السالف برقم (15093) .

 

16967 - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ، أَوِ الْحَارِثِ بْنِ غُضَيْفٍ، قَالَ: مَا نَسِيتُ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا نَسِيتُ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَاضِعًا يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ ".

 

حديث حسن على قول من عدَّ غُضَيفاً صحابياً، يونس بن سيف- وهو الكلاعي- روى عنه جمع، وقال ابن سعد: كان معروفاً، له أحاديث، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ووثقه الدارقطني، وذكر- فيما نقل عنه العلائي- أنه لا يعلم أسمع من غضيف أم لا؟ قلنا: وإذا لم يثبت سماعه منه، فقد جاء بينهما أبو راشد الحُبْراني عند الطبراني، كما سيرد، وباقي رجاله ثقات رجال مسلم سوى غضيف. حماد بن خالد: هو الخياط، ومعاوية بن صالح: هو الحضرمي.

وأخرجه ابن الأثير في "أسد الغابة" 4/340، من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" 2/316، من طريق حماد بن خالد، به.

وأخرجه ابن سعد 7/429، والبخاري في "التاريخ الكبير" 7/113 من طريق معن بن عيسى، وابن أبي شيبة 1/390- ومن طريقه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2433) ، والطبراني في "الكبير" (3399) - من طريق زيد ابن الحباب، والبخاري في "تاريخه" 7/113، والطبراني كذلك (3399) من طريق عبد الله بن صالح، ثلاثتهم، عن معاوية بن صالح، به.

وخالفهم ابن وهب- فيما رواه عنه عبد العزيز بن عمران ابن مقلاص عند الطبراني في "الكبير" (3400) ، فرواه عن معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن أبي راشد الحُبْراني، عن غضيف، به، وهذا إسناد متصل حسن، من أجل عبد العزيز بن عمران ابن مقلاص، وأبي راشد الحبراني.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 2/104، وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير"، ورجاله ثقات.

وقد ثبت من أحاديث عددٍ من الصحابة وضعُ اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة. منها حديث جابرِ بن عبد الله، سلف برقم (15093). وحديث وائلِ بن حجر، سيرد 4/317-318. وحديث سهل بن سعد عند البخاري (740) ، سيرد 5/336. وحديث هُلْبٍ الطائي، سيرد 5/227.

قال ابن عبد البر- فيما نقله عنه الحافظ في "الفتح" 1/224-: لم يأتِ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه خلاف، وهو قولُ الجمهور من الصحابة والتابعين، وهو الذي ذكره مالك في "الموطأ"، ولم يَحْكِ ابنُ المنذر وغيره عن مالك غيره، وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر الصحابة.

 

وروى النسائي في المجتبى:

 

887 - أخبرنا سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله عن موسى بن عمير العنبري وقيس بن سليم العنبري قالا حدثنا علقمة بن وائل عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما في الصلاة قبض بيمينه على شماله.

 

قال الألباني: صحيح

 

ولعل هذا الوصف أشبه بمعظم الصور التي سنعرضها أدناه من آثار العالَم الشرقيِّ.

 

صورة من معبد غوبكلي تيبي ، أقدم معبد مكتشَف حتى اليوم في كل العالم بتركيا

 

 

صور لمتعبدين من ملوك وأشخاص من حضارات سومر واكاد العراقية وماري السورية واليمن وغيرها

 

 


 

تمثال ملك من ملوك مملكة ماري (تقع في سوريا حاليًّا) Statue of Ebih II-، 

 


تمثال من مدينة أور في جنوبي العراق، بمتحف جامعة شيكاجو


 

 

 

 

 

 

 

 


 


 


تشريع الإيلاء (أن يأتلي ويقسم الرجل بألا يعاشر زوجته) وأصله الوثني

 

{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} البقرة

 

قال ابن أبي حاتم في أسباب النزول:

 

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بن الفضل قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يعقوب قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مرزوق قال: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبراهيم قال: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عبيد قال: حَدَّثَنَا عَامِرٌ

الْأَحْوَلُ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إِيلَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَقَّتَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ كَانَ إِيلَاؤُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ الْإِيلَاءُ مِنْ ضِرَارِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ لَا يُرِيدُ الْمَرْأَةَ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فَيَحْلِفُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَبَدًا، وَكَانَ يَتْرُكُهَا كَذَلِكَ لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَجَلَ الَّذِي يَعْلَمُ بِهِ مَا عِنْدَ الرَّجُلِ فِي الْمَرْأَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةَ.

 

معنى ذلك أن محمدًا حوّله من إيلاء دائم إلى إيلاء مؤقت إذن.

 

الأشهر الحرم الأربعة

 

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)} التوبة

 

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} البقرة

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} المائدة

 

{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)} المائدة

 

وروى البخاري:

 

3197 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ

 

4406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ صَدَقَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ

 

رواه مسلم 1679 وأحمد 20386 و20387

 

كان عرب شبه جزيرة العرب وأطراف الشام معها، على عكس متحضري الشام والعراق، قبائل همجية تعتدي وتغير على بعضها البعض، لتنهب بعضها البعض وتقتل وتأسر وتخطف (تسبي) النساء والأطفال للاستعباد، ولأجل مواسم القوافل التجارية وموسم الحج إلى كعبة مكة شرّعوا واصطلحوا على جعل أربعة شهور هلالية عربية حرامًا فيها القتال عليهم.

 

قال الشاعر الحارث بن حلزة اليشكري في معلقته (قصيدته المختارة للتعليق) على الكعبة قبل الإسلام:

 

ثم مِلْنا على تَميمٍ فأَحرَمْـ ـنا وَفِينا بَنَاتُ مُرٍّ إِمَاءُ

 

يتفاخر بأنهم قبل دخول زمن الأشهر الحرم بقليل هجموا على قبيلة أخرى وخطفوا من نسائها للاستعباد والإذلال، ثم دخلوا في الأشهر الحرم فتوقفوا ورجعوا لبلدهم! يتفاخرون بالعدوان وهذه هي القيم والبيئة التي نشأ الإسلام في وسطها، فخرج كما ترون.

 

وقال جواد العلي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام:

 

ولم تُعَدّْ "الغارة" سرقة ولا عملاً مشيناً يلحق الشين والسبة بمن يقوم به. بل افتخر بالغارات وعدّ المكثر منها "مغواراً". لما فيها من جرأة وشجاعة وإقدام وتكون الغارة بالخيل في الغالب، ولذلك قال علم اللغة: " أغار على القوم غارة وإغارة دفع عليهم الخيل " . وقد عاش قوم على الغارات، كانوا يغيرون على أحياء العرب، ويأخذون ما تقع أيديهم عليه، ومن هؤلاء "عروة بن الورد "، إذ كان يغير بمن معه على أحياء العرب، فيأخذ ما يجده أمامه، ليرزق به نفسه وأصحابه. بعد أن انقطعت بهم سبل المعيشة، وضاقت بهم الدنيا. فاختاروا الغارات والتعرض للقوافل سبباً من أسباب المعيشة والرزق. وذكر أهل الأخبار أسماء رجال عاشوا على الغارات وعلى التربص للمسافرين لسلب ما يحملونه معهم من مال ومتاع.

 

... والسارق عند العرب من جاء مستتراً إلى حرز فأخذ منه ما ليس له، فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس ومستلب ومنتهب ومحترس، فإن مَنعَ مما في يديه فهو غاصب. والسرقة عيب عند الجاهليين، أما الاستيلاء على مال الغير عنوة، أي باستعمال القوة، فلا يعد سرقة، بل هو اغتصاب وانتهاب إذا كان في داخل القبيلة، أما إذا كان اغتصاب مال شخص من قبيلة أخرى ليس لها حلف ولا جوار ولا عقد مع قبيلة المغتصب، فيعد مغنماً ومالاً حلالاً. ولا يرى المغتصب فيه أي دناءة، بل قد يعدّ ذلك شجاعة وفخراً، لأنه أخذه عن قوة وجدارة، وعلى صاحب الحق أخذ حقه بنفسه، أو بمساعدة اًهله أو أبناء عشيرته.

 

وعن الأشهر الحرم والنسيء قال ابن إسحاق في السيرة برواية ابن هشام:

 

النسأة: والنسأة: الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية، فيحلُّون الشهر من الأشهر الحرم، ويحرمون مكانَه الشهرَ من أشهرِ الحل، ليواطئوا عدةَ ما حرَّم الله. ويؤخرون ذلك الشهر، ففيه أنزل الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله} [التوبة:37]

قال ابن هشام: ليوافقوا، والمواطأة: الموافقة، تقول العرب: واطأتُك على هذا الأمر، أي وافقتك عليه، والإيطاء في الشعر: الموافقة، وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد وجنس واحد، نحو قول العَجّاج - واسم العَجاج (1): عبد الله بن رُؤبة أحد بني سعد بن زيد مَناة بن تميم ابن مُر بن أدّ بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار -:

في أثْعبان المَنْجَنون المرسَل (2)

ثم قال:

مدّ الخليجِ في الخليجِ (3) المرْسَل

وهذان البيتان في أرجوزة له.

أول من ابتدع النسيء: قال ابن إسحاق: وكان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلت منها ما أحلّ، وحرمت منها ما حرم القَلمس (4)، وهو حُذَيفة بن عبد بن فُقَيْم بن عدى بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خُزَيمة، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد ابن حذيفة، ثم قام بعد عباد: قَلَع بن عبَّاد، ثم قام بعد قَلَع: أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية: عَوف بن أمية، ثم قام بعد عَوْف: أبو ثُمامة، جُنَادة بن. عَوْف، وكان آخرهم، وعليه قام الإسلام (1)، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فحرم. الأشهر الحرم الأربعة: رجبا، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم. فإذا أراد أن يحل شيئاً أحلَّ المحرم فأحلوه وحرم مكانه صفر فحرَّموه؛ ليواطئوا عدَّةَ الأربعة الأشهر الحُرُم. فإذا أرادوا الصَّدَر (2) قام فيهم فقال: " اللهم إني قد أجللت لك أحد الصَّفرَيْن، الصفر الأول، ونسأت الآخرَ للعام المقبل (3)

 

وقال المحقق طه عبد الرؤوف سعد في الهوامش:

 

____________

(1) وجد السهيلي خبراً عن إسلام أبي ثمامة فقد حضر الحج في زمن عمر، فرأى الناس يزدحمون على الحج فنادى: أيها الناس، إني قد أجرته منكم فخفقه عمر بالدرة وقال: ويحك، إن الله أبطل أمر الجاهلية.

(2) الصدر هنا: الرجوع من الحج.

(3) وذكر أبو على القالي في الأمالي: أن الذي نسأ الشهور منهم: نُعَيْم بن ثعلبة، وليس هذا بمعروف، وأما نَسَؤُهُم للشهر، فكان على ضربين. أحدهما: ما ذكر ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات وطلب الثارات .. والثاني: تأخيرهم الحج عن وقته تحرياً منهم للسنة الشمسية، فكانوا يؤخرونه في كل عام أحد عشر يوماً أو أكثر قليلا، حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة، فيعود إلى وقته، ولذلك قال عليه السلام في حجة الوداع: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السمواتِ والأرض " وكانت حجة الوداع في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته، ولم يحج رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة غير تلك الحجة، وذلك لإخراج الكفار الحج عن وقته، ولطوافهم بالبيت عراة

 (2) الأثعبان: ما يندفع من الماء من مثعبه، والمثعب: المجرى. والمنجنون: أداة السانية - الدلو العظيمة وأداتها - والميم في المنجنون أصلية في قول سيبويه، وكذلك النون، لأنه يقال فيه: منجنين مثل عرطليل - الضخم - وقد ذكر سيبويه أيضا في موضع آخر من كتابه أن النون زائدة، وقيل مَنْحَنون بالحاء. والمنجنون: الدولاب التي يستقى عليها.

(3) مد الخليج: الخليج: الجبل، والخليج أيضاً: خليج الماء.

(4) وسمي القلمس لجوده  إذ أنه من أسماء البحر.

 

... وكان الغوْثُ بن مُرّ - فيما زعموا - إذا دفع بالناس قال:

لَاهُمَّ إني تابع تَبَاعهْ إن كان إثم فعلى قُضَاعَهْ (1)

 

وشرح الشارح طه عبد الرؤوف سعد في الهامش:

 

(1) سبب قوله: إن كان إثما فعلى قضاعة. إنما خص قضاعة بهذا؛ لأن منهم محلين يستحلون الأشهر الحرم، كما كانت خثعم وطيّى تفعل، وكذلك كانت النسأة تقول إذا حرمت صفراً أو غيره من الأشهر بدلا من الشهر الحرام يقول قائًلهم: قد حرمت عليكم الدماء إلا دماء المُحِلين.

 

وقال الأزرقي في أخبار مكة:

 

قال الكلبي: فكان أول من انسأ الشهور من مضر، مالك بن كنانة، وذلك إن مالك بن كنانة نكح إلى معاوية بن ثور الكندي وهو يومئذ في كندة، وكانت النساءة قبل ذلك في كندة، لأنهم كانوا قبل ذلك ملوك العرب من ربيعة ومضر، وكانت كندة من أرداف المقاول فنسأ ثعلبة بن مالك ثم نسأ بعده الحارث بن مالك بن كنانة وهو القلمس، ثم نسأ بعده سرير بن القلمس، ثم كانت النساءة في بني فقيم من بني ثعلبة حتى جاء الاسلام، وكان آخر من نسأ منهم أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أمية بن عبد بن فقيم، وهو الذي جاء في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الركن الأسود، فلما رأى الناس يزدحمون عليه قال: أيها الناس أنا له جار فأخروا عنه فخفقة عمر بالدرة ثم قال: أيها الجلف الجافي قد أذهب الله عزك بالاسلام، فكل هؤلاء قد نسأ في الجاهلية والذي ينسأ لهم إذا أرادوا أن لا يحلو المحرم قام بفناء الكعبة يوم الصدر فقال: أيها الناس لا تحلوا حرماتكم، وعظموا شعائركم فإني أجاب ولا أعاب، ولا يعاب لقول قلته فهنالك يحرمون المحرم ذلك العام، وكان أهل الجاهلية يسمون المحرم صفر الأول، وصفر، صفر الآخر، فيقولون صفران وشهرا ربيع وجماديان ورجب وشعبان وشهر رمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة، فكان ينسأ الانساء سنة ويترك سنة، ليحلوا الشهور المحرمة ويحرموا الشهور التي ليست بمحرمة، وكان ذلك من فعل ابليس ألقاه على ألسنتهم فرأوه حسناً، فإذا كانت السنة التي ينسأ فيها، يقوم فيخطب بفناء الكعبة ويجتمع الناس إليه يوم الصدر فيقول: يا أيها الناس إني قد انسأت العام صفر الأول يعني المحرم فيطرحونه من الشهور ولا يعتدون به، ويبتدئون العدة فيقولون: لصفر وشهر ربيع الأول صفرين ويقولون لشهر ربيع الآخر ولجمادي الاولى، شهري ربيع، ويقولون لجمادي الآخرة ولرجب جماديين، ويقولون لشعبان، رجب، ولشهر رمضان شعبان، ويقولون لشوال شهر رمضان، ولذي القعدة شوال، ولذي الحجة ذا القعدة، ولصفر الأول وهو المحرم، الشهر الذي أنسأه ذا الحجة، فيحجون تلك السنة في المحرم، ويبطل من هذه السنة شهراً ينسئه ثم يخطبهم في السنة الثانية في وجه الكعبة أيضاً فيقول: أيها الناس لا تحلوا حرماتكم، وعظموا شعائركم، فإني أجاب ولا أعاب، ولا يعاب لقول قلته، اللهم إني قد أحللت دماء المحلين طيء وخثعم في الأشهر الحرم، وانما أحل دماءهم، لأنهم كانوا يعدون على الناس في الأشهر الحرم من بين العرب فيعرونهم يطلبون بثارهم ولا يقفون عن حرمات الأشهر الحرم كما يفعل غيرهم من العرب، فكان سائر العرب من الحلة والحمس، لا يعدون في الأشهر الحرم على أحد ولو لقي أحدهم قاتل أبيه أو أخيه، ولا يستاقون مالا، اعظاما للشهور الحرم، الا خثعم وطئ فإنهم كانوا يعدون في الأشهر الحرم، فهنالك يحرمون من تلك السنة المحرم وهو صفر الأول ثم يعدون الشهور على عدتهم التي عدوها في العام الأول فيحجون في كل شهر حجتين، ثم ينسأ في السنة الثانية، فينسأ صفر الأول في عدتهم هذه وهو صفر الآخر في العدة الثانية حتى تكون حجتهم في صفر أيضاً حجتين، وكذلك الشهور كلها حتى يستدير الحج في كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم الذي ابتدؤا منه الانساء، يحجون في الشهور كلها في كل شهر حجتين، فلما جاء الله بالاسلام، أنزل في كتابه "انما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم اللّه فيحلوا ما حرم اللّه" فأنزل الله تعالى {إن عدة الشهور عند اللّه اثني عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم}.

 

وقد اختلف الفقهاء في دوام العمل بهذا التقليد الوثني من عدمه، فذكر ابن قيم الجوزية في زاد المعاد:

 

ولا خلاف فى جواز القتال فى الشهر الحرام إذا بدأ العدو، إنما الخلاف أن يُقاتل فيه ابتداءً، فالجمهور: جوَّزوه، وقالوا: تحريمُ القِتَال فيه منسوخٌ، وهو مذهبُ الأئمة الأربعة، رحمهم الله.

وذهب عطاء وغيرُه إلى أنه ثابتٌ غيرُ منسوخ، وكان عطاء يحلِفُ بالله: ما يَحِلُّ القِتَالُ فى الشهر الحرام، ولا نسَخَ تحريمَه شىءٌ.

وأقوى من هذين الاستدلالين الاستدلالُ بحصار النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للطائف، فإنه خرج إليها فى أواخِر شوَّال، فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، فبعضُها كان فى ذى القَعَدة، فإنه فتح مكة لِعَشرٍ بقينَ مِن رمضان، وأقام بها بعد الفتح تسع عشرةَ يقصُرُ الصلاة، فخرج إلى هَوازن وقد بقى من شوَّال عشرون يوماً، ففتح الله عليه هَوازِنَ، وقسم غنائمها، ثم ذهب منها إلى الطائف، فحاصرها بضعاً وعشرين ليلة، وهذا يقتضى أن بعضها فى ذى القَعَدة بلا شك.

 

وقال ابن كثير في تفسير المائدة: 1-2

 

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدة، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَر الَّذِي بَيْنَ جُمادى وَشَعْبَانَ".

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ تَحْرِيمِهَا إِلَى آخِرِ وَقْتٍ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} يَعْنِي: لَا تَسْتَحِلُّوا قِتَالًا فِيهِ. وَكَذَا قَالَ مُقَاتل بْنُ حَيَّان، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الجزَريُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا، وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التَّوْبَةِ:5] قَالُوا: وَالْمُرَادُ أَشْهَرُ التَّسْيِيرِ الْأَرْبَعَةُ، [ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ] قَالُوا: فَلَمْ يَسْتَثْنِ شَهْرًا حَرَامًا مِنْ غَيْرِهِ.

وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ [رَحِمَهُ اللَّهُ] الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ قِتَالَ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَغَيْرِهَا مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ لو قلد عنقه أو ذِرَاعَيْهِ بِلِحَاءِ جَمِيعِ أَشْجَارِ الْحَرَمِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ أَمَانًا مِنَ الْقَتْلِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَقْدُ ذِمَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَمَانٍ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحْثٌ آخَرُ، لَهُ مَوْضِعٌ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا.

 

.... وقَدْ ذَكَرَ عِكْرِمة، والسُّدِّي، وَابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الحُطم بْنِ هِنْدٍ الْبَكْرِيِّ، كَانَ قَدْ أَغَارَ عَلَى سَرْح الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ اعْتَمَرَ إِلَى الْبَيْتِ، فَأَرَادَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يَعْتَرِضُوا فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْبَيْتِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} .

وَقَدْ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ يَجُوزُ قَتْلُهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمَانٌ، وَإِنْ أمَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ أَوِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ فِي حَقِّهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

ومما قاله الطبري من الآراء:

10999- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولا يجرمنكم شنآن قوم أن تعتدوا"، قال: بغضاؤهم، حتى تأتوا ما لا يحل لكم. وقرأ:"أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا"، وقال: هذا كله قد نسخ، نسخه الجهاد.

 

أليست حقًّا ديانة لطيفة متحضرة؟! القتل لأجل اختلاف الدين!

ترك وضع قطرات من دم ذبيحة العقيقة على رأس الرضيع

 

روى أحمد:

 

20083 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، وَيَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، وَبَهْزٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَقَالَ بَهْزٌ فِي حَدِيثِهِ: وَيُدَمَّى ، وَيُسَمَّى فِيهِ، وَيُحْلَقُ "، قَالَ يَزِيدُ: " رَأْسُهُ ".

 

إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وقد صرح الحسن البصري بسماعه لهذا الحديث من سمرة، فقد روى البخاري في "صحيحه"بإثر الحديث (5472) ، والترمذي بإثر الحديث (182) ، والنسائي 7/166، والطحاوي في "شرح المشكل" (1030) ، والبيهقي 9/299، وابن عبد البر في "التمهيد" 4/307 عن قريش بن أنس قال: أخبرنا حبيب بن الشهيد أن ابن سيرين أمره أن يسأل الحسنَ: ممَّن سمع حديثه في العقيقة؟ قال: فسألتُه فقال: سمعته من سمرة. ومع ذلك فقد توقف بعض أهل العلم في تصحيح رواية قريش هذه كما ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" 9/593. يزيد: هو ابن هارون، وبهز: هو ابن أسد العَمَّي، وهمام: هو ابن يحيى العَوْذي. وأخرجه الترمذي (1522) من طريق يزيد بن هارون، بهذا الإسناد. وقال: حسن صحيح. وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" (910) من طريق يزيد بن هارون، عن شعبة، عن قتادة، به. وأخرجه أبو داود (2837) ، والطبراني في "الكبير" (6828) من طريق حفص بن عمر أبي عمر الحوضي، عن همام بن يحيى، به. وأخرجه ابن أبي شيبة 8/236 و240 و14/222، وأبو داود (2838) ، وابن ماجه (3165) ، والنسائي 7/166، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1032) و (1033) ، والطبراني في "الكبير" (6831) و (6832) ، والبيهقي في "السنن" 9/299، وفي "الشعب" (8630) من طرق عن سعيد بن أبي عروبة وحده، به. وأخرجه الطيالسي (909) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1031) ، والطبراني في "الكبير" (6827) و (6829) و (6830) ، وأبو نعيم في "الحلية" 6/191، وابن عبد البر في "التمهيد" 4/306-307 من طرق عن قتادة، به. وأخرجه الترمذي (1522) ، والطبراني في "الكبير" (6931) و (6936) و (6955) ، والحاكم كما في "إتحاف المهرة"6/33 من طرق عن الحسن، به. وأخرجه مرسلاً الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1030) من طريق أشعث، عن الحسن، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وسيأتي بالأرقام (20133) و (20139) و (20188) و (20193) و (20194) و (20256). وله شاهد من حديث سلمان بن عامر الضبعي، سلف برقم (16226) .

قلنا: قوله في الحديث: "ويُدَمَّى" هو في رواية همام فقط عن قتادة، فقد تفرّد بهذا الحرف عنه، وذكر أبو داود أنه وهمٌ من همام ولا يؤخذ به، قال: ويُسَمَّى أصحُّ.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 9/593: واستُشكل ما قاله أبو داود بما في بقية رواية همام عنده (وسيأتي برقم: 20194) أنهم سألوا قتادة عن الدم كيف يصنع به؟ فقال: إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت به أوداجها، ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على رأسه مثل الخيط، ثم يغسل رأسه بعدُ ويحلق. فيَبْعُد مع هذا الضبط أن يقال: إن هماماً وهم عن قتادة في قوله: "ويدمَّى" إلا أن يقال: إن أصل الحديث: "ويسمَّى"، وإن قتادة ذكر الدم حاكياً عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، ومن ثَم قال ابنُ عبد البر: لا يُحتَمَل همامٌ في هذا الذي انفرد به، فإن كان حفظه فهو منسوخ.

وروى عبد الرزاق (في "مصنفه": 7971) عن معمر، عن قتادة: يُسمَّى يوم يُعَق عنه ثم يحلق، وكان يقول: يطلى رأسه بالدم.

وقد ورد ما يدلُّ على النسخ في عدة أحاديث، منها: ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (5308) عن عائشة قالت: كانوا في الجاهلية إذا عَقوا عن الصبي خضبوا قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا رأس الصبي وضعوها على رأسه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "اجعلوا مكان الدم خَلُوقاَ". زاد أبو الشيخ: ونهى أن يُمسَّ رأسُ المولود بدم.

وأخرج ابن ماجه (3166) من رواية أيوب بن موسى، عن يزيد بن عبد الله المزني، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يُعَق عن الغلام، ولا يُمسُّ رأسه بدم" وهذا مرسل، فإن يزيد لا صحبة له، وقد أخرجه البزار من هذا الوجه فقال: عن يزيد بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومع ذلك فقالوا: إنه مرسل.

ولأبي داود (2843) ، والحاكم 4/238 من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كنا في الجاهلية... فذكر نحو حديث عائشة، ولم يصرح برفعه، قال: فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران. وهذا شاهد لحديثِ عائشة، ولهذا كره الجمور التدمية.

نقل ابن حزم استحباب التدمية عن ابن عمر وعطاء. ولم ينقل ابن المنذر استحبابها إلا عن الحسن وقتادة، بل عند ابن أبي شيبة (في "مصنفه" 8/89) بسند صحيح عن الحسن: أنه كره التدمية.

 

20194 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " وَيُسَمَّى "، قَالَ هَمَّامٌ فِي حَدِيثِهِ: وَرَاجَعْنَاهُ: " وَيُدَمَّى "، قَالَ هَمَّامٌ: فَكَانَ قَتَادَةُ يَصِفُ الدَّمَ فَيَقُولُ: " إِذَا ذَبَحَ الْعَقِيقَةَ تُؤْخَذُ صُوفَةٌ، فَتُسْتَقْبَلُ أَوْدَاجُ الذَّبِيحَةِ، ثُمَّ تُوضَعُ عَلَى يَافُوخِ الصَّبِيِّ، حَتَّى إِذَا سَالَ غُسِلَ رَأْسُهُ، ثُمَّ حُلِقَ بَعْدُ ".

 

 

 

 

إسناده صحيح وهو مكرر 20188

 

20193 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُدَمَّى ".

 

إسناده صحيح، رجاله ثقات رجالا الشيخين، والحسن- وهو البصري- قد صرح بأنه سمع حديث العقيقة من سمرة كما سلف بيانه عند الحديث رقم (20083) . همام: هو ابن يحيى العَوْذي. وأخرجه الدارمي (1969) عن عفان، بهذا الإسناد.

 

وروى عبد الرزاق:

 

7971 - عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال يسمي ثم يعق يوم سابعه ثم يحلق وكان يقول يطلى رأسه بالدم

 

7963 - عبد الرزاق عن بن جريج قال حدثت حديثا رفع إلى عائشة انها قالت عق رسول الله صلى الله عليه و سلم عن حسن شاتين وعن حسين شاتين ذبحهما يوم السابع قال ومشقهما وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اذبحوا على اسمه وقولوا بسم الله اللهم لك وإليك هذه عقيقة فلان قال وكان أهل الجاهلية يخضبون قطنة بدم العقيقة فإذا حلقوا الصبي وضعوها على رأسه فأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقا يعني مشقهما وضع على رأسهما طين مشق مثل الخلوق

 

أما رواية أبي داوود فلا تذكر محمدًا في الموضوع، وقد توحي بتطور الطقوس والأفكار فقط:

 

2843 - حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت قال ثنا علي بن الحسين قال ثنا أبي قال حدثني عبد الله بن بريدة قال سمعت أبي بريدة يقول: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران

 

قال الألباني: حسن صحيح

 

2837 - حدثنا حفص بن عمر النمري قال ثنا همام قال ثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويدمى" فكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به ؟ قال إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت به أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على رأسه مثل الخيط ثم يغسل رأسه بعد ويحلق

قال أبو داود وهذا وهم من همام . " ويدمى " قال أبو داود خولف همام في هذا الكلام وهو وهم من همام وإنما قالوا " يسمى " فقال همام " يدمى "

قال أبو داود وليس يؤخذ بهذا .

 

وروى ابن ماجة:

 

3166- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدٍ الْمُزَنِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ : يُعَقُّ عَنِ الْغُلاَمِ ، وَلاَ يُمَسُّ رَأْسُهُ بِدَمٍ.

 

وصححه الألباني في الإرواء 4/ 388-389، والسلسة الصحيحة 2452

 

والرأي عندي أنه حديث ظاهر التلفيق بصورة مفضوحة جدًّا ومفصَّل تفصيلًا، فقال محمد فؤاد عبد الباقي في تحقيق لسن ابن ماجه: يعقوب بن حميد مختلف فيه، وليس ليزيد سوى هذا الحديث وليس له شيء في بقية كتب الحديث. والحديث ضعيف لأنه مرسل فيزيد هذا ليس صحابيًّا ولم يذكر عمن روى الحديث الذي زعمه. وقال المحققون لابن ماجه وهم شعيب الأرنؤوط وسعيد اللحام وعادل مرشد: إسناده ضعيف لجهالة يزيد بن عبد المزي، ثم إنه قد أرسله كما قال البخاري وأبو حاتم، وقد رواه بعضهم عن أبيه، لكن تبقى جهالة يزيد، ويعقوب بن حميد متابع. وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 1108 والطبراني الأوسط 333 وابن الأثير في أسد الغابة 3/ 517 من طرق عبد الله بن وهب بهذا الإسناد. ونقل ابن القيم في تهذيب السنن4/ 127 عن مهنا بن يحيى قال: ذكرت لأبي عبد الله بن أحمد بن حنبل حديث يزيد بن عبد المزني عن أبيه أن النبي ص قال: "يعق عن الغلام...) الحديث، فقال أحمد: ما أظرفه.

 

وروى البيهقي في الكبرى:

 

19071 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا أحمد بن محمد بن ثابت ثنا علي بن الحسين ثنا أبي ثنا عبد الله بن بريدة قال سمعت أبي بريدة رضي الله عنه يقول: كنا في الجاهلية إذا ولد لاحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران

قال الشيخ رحمه الله وفي حديث أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله المزني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في الإبل فرع وفي الغنم فرع ويعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم

 

19072 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأ الحسن بن علي بن زياد ثنا أبو حمة محمد بن يوسف أنبأ أبو قرة عن بن جريج حديثا ذكره عن يحيى بن سعيد ح وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الأصبهاني أنبأ أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن عبد الله بن رسته ثنا محمد بن بكار الصيرفي ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن بن جريج عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها في حديث العقيقة قالت: وكان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونه على رأس الصبي فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل مكان الدم خلوقا

قال الفقيه رحمه الله وقوله في حديث سلمان بن عامر أميطوا عنه الأذى يحتمل أن يكون المراد به حلق الرأس والنهي عن أن يمس رأسه بدمها

 

19073 - وأما الحديث الذي أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا أبو جعفر الرزاز ثنا جعفر بن محمد بن شاكر ثنا عفان ثنا همام ثنا قتادة ح وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو بكر القطان أنبأ محمد بن جبلة ثنا أبو عمر حفص بن عمر صاحب الحوض ثنا همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: كل غلام رهينة بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويدمى زاد الحوضي في روايته قال وكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به قال إذا ذبحت العقيقة أخذت صوفة منها فاستقبل بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي حتى تسيل مثل الخيط ثم يغسل رأسه ويحلق بعد

 

هذا بلا شك تقليد كان شائعًا عند الوثنيين، وليس العرب فقط، وكان القدماء يعتقدون أن تلطيخ الطفل أو البيت بدم قربان لإلهٍ ما يؤدي إلى حماية الإله له ولعدم أذيته له كذلك، ولا شك أن هذه العادة المذكورة في بعض الأحاديث تعود إلى الأصل الوثني ككثير من الأمور الإسلامية الطقسية والتشريعية، ومع تطور الإنسان وعقله عن الطقوس البدائية تملَّص المسلمون من هذه الرواية وهذا الطقس بادعاء أنه منسوخ كعادتهم بدون دليل أو تفسيره بوهم ما من الراوي. لهذا نحن أمام نصوص وآراء متناقضة متضاربة كالعادة. ورغم أني لم أطالع نصوص الوثنية الرومانية واليونانية والخاصة بالـﭭايكنج والآيسلنديين والسلت والجرمان ووثني الأنجلوالسكسكونيين أو السكسونيين والفرانكيين القدماء رغم توفر ترجماتها الإنجليزية لكن لضيق الوقت أقول من نظر لبعض الأعمال الأجنبية كالأفلام والمسلسلات عنهم يرى طقوس الدم الكثيرة عندهم ومنها ولعله من أكثرها بشاعة وغرابة كما في  مسلسل Vikings دهن الرأس أو الجبهة بدم الذبيحة وعند مباركة أرض زراعية بفتح الأرض للبذر ثم رش الدم في المجاري المحفورة، وجاء في توراة اليهود:

 

ختان الذكور كقربان دم جسديّ

 

(24وَحَدَثَ فِي الطَّرِيقِ فِي الْمَنْزِلِ أَنَّ الرَّبَّ الْتَقَاهُ وَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَهُ. 25فَأَخَذَتْ صَفُّورَةُ صَوَّانَةً وَقَطَعَتْ غُرْلَةَ ابْنِهَا وَمَسَّتْ رِجْلَيْهِ. فَقَالَتْ: «إِنَّكَ عَرِيسُ دَمٍ لِي». 26فَانْفَكَّ عَنْهُ. حِينَئِذٍ قَالَتْ: «عَرِيسُ دَمٍ مِنْ أَجْلِ الْخِتَانِ».) الخروج 4: 24-26

 

طقوس عيد العبور أو الفصح اليهودي الخرافي

 

(1وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ فِي أَرْضِ مِصْرَ قَائِلاً: 2«هذَا الشَّهْرُ يَكُونُ لَكُمْ رَأْسَ الشُّهُورِ. هُوَ لَكُمْ أَوَّلُ شُهُورِ السَّنَةِ. 3كَلِّمَا كُلَّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ قَائِلَيْنِ: فِي الْعَاشِرِ مِنْ هذَا الشَّهْرِ يَأْخُذُونَ لَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ شَاةً بِحَسَبِ بُيُوتِ الآبَاءِ، شَاةً لِلْبَيْتِ. 4وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كُفْوًا لِشَاةٍ، يَأْخُذُ هُوَ وَجَارُهُ الْقَرِيبُ مِنْ بَيْتِهِ بِحَسَبِ عَدَدِ النُّفُوسِ. كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أُكْلِهِ تَحْسِبُونَ لِلشَّاةِ. 5تَكُونُ لَكُمْ شَاةً صَحِيحَةً ذَكَرًا ابْنَ سَنَةٍ، تَأْخُذُونَهُ مِنَ الْخِرْفَانِ أَوْ مِنَ الْمَوَاعِزِ. 6وَيَكُونُ عِنْدَكُمْ تَحْتَ الْحِفْظِ إِلَى الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هذَا الشَّهْرِ. ثُمَّ يَذْبَحُهُ كُلُّ جُمْهُورِ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ فِي الْعَشِيَّةِ. 7وَيَأْخُذُونَ مِنَ الدَّمِ وَيَجْعَلُونَهُ عَلَى الْقَائِمَتَيْنِ وَالْعَتَبَةِ الْعُلْيَا فِي الْبُيُوتِ الَّتِي يَأْكُلُونَهُ فِيهَا. 8وَيَأْكُلُونَ اللَّحْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَشْوِيًّا بِالنَّارِ مَعَ فَطِيرٍ. عَلَى أَعْشَابٍ مُرَّةٍ يَأْكُلُونَهُ. 9لاَ تَأْكُلُوا مِنْهُ نِيئًا أَوْ طَبِيخًا مَطْبُوخًا بِالْمَاءِ، بَلْ مَشْوِيًّا بِالنَّارِ. رَأْسَهُ مَعَ أَكَارِعِهِ وَجَوْفِهِ. 10وَلاَ تُبْقُوا مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ. وَالْبَاقِي مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ، تُحْرِقُونَهُ بِالنَّارِ. 11وَهكَذَا تَأْكُلُونَهُ: أَحْقَاؤُكُمْ مَشْدُودَةٌ، وَأَحْذِيَتُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ، وَعِصِيُّكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ. وَتَأْكُلُونَهُ بِعَجَلَةٍ. هُوَ فِصْحٌ لِلرَّبِّ. 12فَإِنِّي أَجْتَازُ فِي أَرْضِ مِصْرَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، وَأَضْرِبُ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَأَصْنَعُ أَحْكَامًا بِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا الرَّبُّ. 13وَيَكُونُ لَكُمُ الدَّمُ عَلاَمَةً عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ، فَلاَ يَكُونُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَةٌ لِلْهَلاَكِ حِينَ أَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ. 14وَيَكُونُ لَكُمْ هذَا الْيَوْمُ تَذْكَارًا فَتُعَيِّدُونَهُ عِيدًا لِلرَّبِّ. فِي أَجْيَالِكُمْ تُعَيِّدُونَهُ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً.) من الخروج 12

 

(21فَدَعَا مُوسَى جَمِيعَ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمُ: «اسْحَبُوا وَخُذُوا لَكُمْ غَنَمًا بِحَسَبِ عَشَائِرِكُمْ وَاذْبَحُوا الْفِصْحَ. 22وَخُذُوا بَاقَةَ زُوفَا وَاغْمِسُوهَا فِي الدَّمِ الَّذِي فِي الطَّسْتِ وَمُسُّوا الْعَتَبَةَ الْعُلْيَا وَالْقَائِمَتَيْنِ بِالدَّمِ الَّذِي فِي الطَّسْتِ. وَأَنْتُمْ لاَ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ بَابِ بَيْتِهِ حَتَّى الصَّبَاحِ، 23فَإِنَّ الرَّبَّ يَجْتَازُ لِيَضْرِبَ الْمِصْرِيِّينَ. فَحِينَ يَرَى الدَّمَ عَلَى الْعَتَبَةِ الْعُلْيَا وَالْقَائِمَتَيْنِ يَعْبُرُ الرَّبُّ عَنِ الْبَابِ وَلاَ يَدَعُ الْمُهْلِكَ يَدْخُلُ بُيُوتَكُمْ لِيَضْرِبَ. 24فَتَحْفَظُونَ هذَا الأَمْرَ فَرِيضَةً لَكَ وَلأَوْلاَدِكَ إِلَى الأَبَدِ. 25وَيَكُونُ حِينَ تَدْخُلُونَ الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكُمُ الرَّبُّ كَمَا تَكَلَّمَ، أَنَّكُمْ تَحْفَظُونَ هذِهِ الْخِدْمَةَ. 26وَيَكُونُ حِينَ يَقُولُ لَكُمْ أَوْلاَدُكُمْ: مَا هذِهِ الْخِدْمَةُ لَكُمْ؟ 27أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: هِيَ ذَبِيحَةُ فِصْحٍ لِلرَّبِّ الَّذِي عَبَرَ عَنْ بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ لَمَّا ضَرَبَ الْمِصْرِيِّينَ وَخَلَّصَ بُيُوتَنَا». فَخَرَّ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا. 28وَمَضَى بَنُو إِسْرَائِيلَ وَفَعَلُوا كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ. هكَذَا فَعَلُوا.

29فَحَدَثَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ أَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ الأَسِيرِ الَّذِي فِي السِّجْنِ، وَكُلَّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ. 30فَقَامَ فِرْعَوْنُ لَيْلاً هُوَ وَكُلُّ عَبِيدِهِ وَجَمِيعُ الْمِصْرِيِّينَ. وَكَانَ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي مِصْرَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْتٌ لَيْسَ فِيهِ مَيْتٌ. 31فَدَعَا مُوسَى وَهَارُونَ لَيْلاً وَقَالَ: «قُومُوا اخْرُجُوا مِنْ بَيْنِ شَعْبِي أَنْتُمَا وَبَنُو إِسْرَائِيلَ جَمِيعًا، وَاذْهَبُوا اعْبُدُوا الرَّبَّ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ. 32خُذُوا غَنَمَكُمْ أَيْضًا وَبَقَرَكُمْ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ وَاذْهَبُوا. وَبَارِكُونِي أَيْضًا». 33وَأَلَحَّ الْمِصْرِيُّونَ عَلَى الشَّعْبِ لِيُطْلِقُوهُمْ عَاجِلاً مِنَ الأَرْضِ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «جَمِيعُنَا أَمْوَاتٌ».) من الخروج 12

 

ملاحظة: ولا تزال عادة المصريين وغيرهم عند الذبح تلطيخ الأبواب بالدم بسكبه على العتبات وعمل بصمات أيدي به كبركة حسب خرافاتهم الشعبية.

 

العهد بالدم

 

(3فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ الشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ الرَّبِّ وَجَمِيعِ الأَحْكَامِ، فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: «كُلُّ الأَقْوَالِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ نَفْعَلُ». 4فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ. وَبَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحًا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَاثْنَيْ عَشَرَ عَمُودًا لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 5وَأَرْسَلَ فِتْيَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ، وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ مِنَ الثِّيرَانِ. 6فَأَخَذَ مُوسَى نِصْفَ الدَّمِ وَوَضَعَهُ فِي الطُّسُوسِ. وَنِصْفَ الدَّمِ رَشَّهُ عَلَى الْمَذْبَحِ. 7وَأَخَذَ كِتَابَ الْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ، فَقَالُوا: «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ». 8وَأَخَذَ مُوسَى الدَّمَ وَرَشَّ عَلَى الشَّعْبِ وَقَالَ: «هُوَذَا دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ الرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هذِهِ الأَقْوَالِ».) من الخروج 24

 

طقوس بالدم

 

(1وَدَعَا الرَّبُّ مُوسَى وَكَلَّمَهُ مِنْ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ قَائِلاً: 2«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا قَرَّبَ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ مِنَ الْبَهَائِمِ، فَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ تُقَرِّبُونَ قَرَابِينَكُمْ. 3إِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مُحْرَقَةً مِنَ الْبَقَرِ، فَذَكَرًا صَحِيحًا يُقَرِّبْهُ. إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ يُقَدِّمُهُ لِلرِّضَا عَنْهُ أَمَامَ الرَّبِّ. 4وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْمُحْرَقَةِ، فَيُرْضَى عَلَيْهِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْهُ. 5وَيَذْبَحُ الْعِجْلَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَيُقَرِّبُ بَنوُ هَارُونَ الْكَهَنَةُ الدَّمَ، وَيَرُشُّونَهُ مُسْتَدِيرًا عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 6وَيَسْلَخُ الْمُحْرَقَةَ وَيُقَطِّعُهَا إِلَى قِطَعِهَا. 7وَيَجْعَلُ بَنُو هَارُونَ الْكَاهِنِ نَارًا عَلَى الْمَذْبَحِ، وَيُرَتِّبُونَ حَطَبًا عَلَى النَّارِ. 8وَيُرَتِّبُ بَنُو هَارُونَ الْكَهَنَةُ الْقِطَعَ مَعَ الرَّأْسِ وَالشَّحْمِ فَوْقَ الْحَطَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ الَّتِي عَلَى الْمَذْبَحِ. 9وَأَمَّا أَحْشَاؤُهُ وَأَكَارِعُهُ فَيَغْسِلُهَا بِمَاءٍ، وَيُوقِدُ الْكَاهِنُ الْجَمِيعَ عَلَى الْمَذْبَحِ مُحْرَقَةً، وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.

10«وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مِنَ الْغَنَمِ الضَّأْنِ أَوِ الْمَعْزِ مُحْرَقَةً، فَذَكَرًا صَحِيحًا يُقَرِّبُهُ. 11وَيَذْبَحُهُ عَلَى جَانِبِ الْمَذْبَحِ إِلَى الشِّمَالِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَيَرُشُّ بَنُو هَارُونَ الْكَهَنَةُ دَمَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ مُسْتَدِيرًا. 12وَيُقَطِّعُهُ إِلَى قِطَعِهِ، مَعَ رَأْسِهِ وَشَحْمِهِ. وَيُرَتِّبُهُنَّ الْكَاهِنُ فَوْقَ الْحَطَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ الَّتِي عَلَى الْمَذْبَحِ. 13وَأَمَّا الأَحْشَاءُ وَالأَكَارِعُ فَيَغْسِلُهَا بِمَاءٍ، وَيُقَرِّبُ الْكَاهِنُ الْجَمِيعَ، وَيُوقِدُ عَلَى الْمَذْبَحِ. إِنَّهُ مُحْرَقَةٌ، وَقُودُ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.

14«وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ لِلرَّبِّ مِنَ الطَّيْرِ مُحْرَقَةً، يُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ مِنَ الْيَمَامِ أَوْ مِنْ أَفْرَاخِ الْحَمَامِ. 15يُقَدِّمُهُ الْكَاهِنُ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَيَحُزُّ رَأْسَهُ، وَيُوقِدُ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَيُعْصَرُ دَمُهُ عَلَى حَائِطِ الْمَذْبَحِ. 16وَيَنْزِعُ حَوْصَلَتَهُ بِفَرْثِهَا وَيَطْرَحُهَا إِلَى جَانِبِ الْمَذْبَحِ شَرْقًا إِلَى مَكَانِ الرَّمَادِ. 17وَيَشُقُّهُ بَيْنَ جَنَاحَيْهِ. لاَ يَفْصِلُهُ. وَيُوقِدُهُ الْكَاهِنُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ الَّذِي عَلَى النَّارِ. إِنَّهُ مُحْرَقَةٌ، وَقُودُ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.) اللاويين 1

(5لِكَيْ يَأْتِيَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِذَبَائِحِهِمِ الَّتِي يَذْبَحُونَهَا عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ وَيُقَدِّمُوهَا لِلرَّبِّ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ إِلَى الْكَاهِنِ، وَيَذْبَحُوهَا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ. 6وَيَرُشُّ الْكَاهِنُ الدَّمَ عَلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَيُوقِدُ الشَّحْمَ لِرَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.) اللاويين 17

 

وكانت عادة العرب كما نقرأ من كتب السيرة ذبح الذبائح عند أقدام الأصنام وهي عادة كل وثنيي التاريخ عامة، واستعمل اليهود الدم في طقوس الهيكل القديمة حسب اللاويين 1 و3 و و17، ويبدو لي أن هدم تيتُس الروميّ للهيكل أفاد اليهود في التخلص من طقوس بدائية قديمة خاصة بالبشرية القديمة البدائية.

 

وجاء في السيرة لابن هشام:

 

الاختلاف بين قريش في وضع الحجر: قال ابن إسحاق: ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها، كل قبيلة تجمع على حِدَةٍ، ثم بَنَوْها، حتى بلغ البنيانُ موضعَ الركن، فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعَه إلى موضعِه دون الأخرى، حتى تحاوروا وتحالفوا؛ وأعدُّوا للقتال.

لعقَة الدم: فقرَّبتْ بنو عبد الدار جَفْنة مملوءة دماً؛ ثم تعاقدوا هم وبنو عَدي بن كعب بن لُؤَي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجَفْنة، فسُمُّوا: لَعَقَةَ الدم، فمكثت قريش على ذلك أربعَ ليالٍ أو خمساً، ثم إنهم اجتمعوا في المسجدِ، وتشاوروا وتناصفوا.

 

وجاء في كتاب الأصنام لابن الكلبي:

 

صنم يقال له سعد وكان صخرةً طويلةً‏.‏ فأقبل رجل منهم بإبلٍ له ليقفها عليه يتبرك بذلك فيها‏.‏ فلما أدناها منه نفرت منه وكان يهراق عليه الدماء‏.‏ فذهبت في كل وجهٍ وتفرقت عليه‏.‏ وأسف فتناول حجراً فرماه به وقال‏: لا بارك الله فيك إلها‏!‏ أنفرت على إبلي‏!‏‏.‏ ثم خرج في طلبها حتى جمعها وانصرف عنه وهو يقول‏:‏

 

أتينا إلى سعدٍ ليجمع شملنا                      فشتتنا سعد‏  فلا نحن من سعد‏!‏

وهل سعد إلا صخرة بتنوفةٍ                     من الأرض لا يدعى لغِيٍّ ولا رشد‏.‏

 

وجاء في المغني لابن قدامة:

 

[فَصْلٌ يُكْرَهُ أَنْ يُلَطَّخَ رَأْسُ الْمَوْلُود بِدَمِ]

(7900) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُلَطَّخَ رَأْسُهُ بِدَمٍ. كَرِهَ ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُدْمَى» . رَوَاهُ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا إلَّا الْحَسَنَ وَقَتَادَةَ، وَأَنْكَرَهُ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَرِهُوهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُمَسَّ بِدَمٍ؛ لِأَنَّهُ أَذًى. وَرَوَى يَزِيدُ بْنُ عَبْدٍ الْمُزَنِيّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ، وَلَا يُمَسُّ رَأْسُهُ بِدَمٍ» . قَالَ مُهَنَّا: ذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِأَحْمَدَ، فَقَالَ: مَا أَظْرَفَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ أَبِيهِ. وَلِأَنَّ هَذَا تَنْجِيسٌ لَهُ، فَلَا يُشْرَعُ، كَلَطْخِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَقَالَ بُرَيْدَةَ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، إذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ، ذَبَحَ شَاةً، وَيُلَطِّخُ رَأْسَهُ بِدَمِهَا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ، كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً، وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

فَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى: " وَيُدْمَى " فَقَالَ أَبُو دَاوُد " وَيُسَمَّى " أَصَحُّ. هَكَذَا قَالَ سَلَّامٍ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَإِيَاسُ بْنُ دَغْفَلٍ، عَنْ الْحَسَنِ، وَوَهَمَ هَمَّامٌ، فَقَالَ: " وَيُدْمَى "، قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ فِيهِ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ " يُسَمَّى ". وَقَالَ هَمَّامٌ " يُدْمَى " وَمَا أُرَاهُ إلَّا خَطَأً. وَقَدْ قِيلَ: هُوَ تَصْحِيفٌ مِنْ الرَّاوِي.

 

أما ابن حزم فباعتباره من الظاهريين فقال بصحة الحديث في كتابه (المحلى بالآثار):

 

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ نَا قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُلُّ غُلاَمٍ مُرْتَهِنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى". وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ نَا هَمَّامٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى نَا قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ حَتَّى تُذْبَحَ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُدَمَّى" فَكَانَ قَتَادَةَ إذَا سُئِلَ، عَنِ الدَّمِ كَيْفَ يُصْنَعُ قَالَ: "إذَا ذُبِحَتْ الْعَقِيقَةُ أُخِذَتْ مِنْهَا صُوفَةٌ فَاسْتُقْبِلَتْ بِهَا أَوْدَاجُهَا, ثُمَّ تُوضَعُ عَلَى يَافُوخِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَسِيلَ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الْخَيْطِ, ثُمَّ يُغْسَلُ رَأْسُهُ بَعْدُ وَيُحْلَقُ" . قَالَ أَبُو دَاوُد: أَخْطَأَ هَمَّامٌ إنَّمَا هُوَ يُسَمَّى.

قال أبو محمد: بَلْ وَهَمَ أَبُو دَاوُد; لأَنَّ هَمَّامًا ثَبَّتَ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا قَتَادَةَ، عَنْ صِفَةِ التَّدْمِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَوَصَفَهَا لَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ نَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ قَالَ: أَمَرَنِي ابْنُ سِيرِينَ أَنْ أَسْأَلَ الْحَسَنَ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ فَسَأَلْته فَقَالَ: مِنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ.

قَالَ عَلِيٌّ: لاَ يَصِحُّ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ سَمُرَةَ إِلاَّ حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَحْدَهُ

 

وقال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء/ باب مسائل من العقيقة:

 

وقد اختلفوا في طلي رأس الصبى يوم العقيقة، فكان الحسن، وقتادة يقولان: يطلي رأس الصبي بدم يوم العقيقة، فأنكر ذلك غيرهم، وكرهه، وممن كره ذلك الزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

قال أبو بكر: وكذلك نقول.

 

إن في حديث عائشة أن أهل الجاهلية كان يخضبون قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا وضع على رأسه.

 

وأمرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن يجعلوا مكان الدم خلوقاً.

وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "أهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى".

فإذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا يإماطة الأذى عنه والدم أذى، وهو من أكبر الأذى، فغير جائز أن ينجس رأس الصبي بدم.

وقد تكلم في حديث سمرة الذي فيه: "ويدمى".

 

وجاء في مصنف ابن أبي شيبة/ كتاب الطب/ 46- فِي دَمِ الْعَقِيقَةِ يُطْلَى بِهِ الرَّأْسُ.

 

24167- حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، وَمُحَمَّدٍ ؛ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ أَنْ يُطْلَى رَأْسُ الصَّبِيِّ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَة ، وَقَالَ الْحَسَنُ : رِجْسٌ.

 

 

 

مما أخذه الإسلام في القرآن والأحاديث من الزردشتية (مجوسية الفرس)

 

وجود الزردشتية (المجوسية) في بلاد شبه جزيرة العرب

 

يقول ابن حزم في جمهرة أنساب العرب:

 

وكانت المجوسية قد ظهرت في بني تميم، وقيل: إن لقيط بن زرارة كان قد تمجس. وكانت سائر قبائل العرب عباد أوثان.

 

ويقول جواد العلي في (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) ج2:

 

وأما البحرين، فجلّ سكانها من "بني عبد القيس" وبكر بن وائل وتميم. وهم بين أهل شرك أو نصرانية وبين شراذم من يهود ومجوس. أما الوالي عليها في أيام ظهور الرسول، فكان "المنذر بن ساوى".. وهو من بني عبد الله ابن زيد" من "بني تميم". وكانوا ملوك المشقر بهجر، وكانت ملوك الفرس قد استعملتهم عليها. و "عبد الله بن زيد" هذا هو "الأسبذي"، نسبة إلى قرية ب "هجر" يقال لها "الأسبذ"، ويقال انه نسب إلى "الأسبذيين"، وهم قوم كانوا يعبدون الخيل بالبحرين.

 

وروى البخاري:

 

3156 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرًا قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ سَنَةَ سَبْعِينَ عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ عِنْدَ دَرَجِ زَمْزَمَ قَالَ كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ 3157 - حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ

 

جاء في القرآن نقدًا للزردشتية على الأغلب: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)} النحل

 

ومن المعروف أن سلمان الفارسي مثلًا كان زردشتيًّا في الأصل، وكان مستعبَدًا في يثرب حرَّره محمد بمساعدته على شراء حريته بالمكاتَبة كما ذكرت الأحاديث مثل أحمد (23737) 24138 وكتب السيرة كابن هشام عن ابن إسحاق. وذكرت في بحث أصول أساطير الإسلام من الأبوكريفا المسيحية خبرًا من كتاب المنمَّق في أخبار قريش وغيره عن كون بعض أفراد قريش كانوا على الغنوسية أو المانوية...الزندقة حسب تعبير ابن حبيب الكاتب المسلم، وبعض مذاهب الغنوس وخاصة المانوية هي خليط من عقائد الزردشتية والمسيحية وغيرهما. وقال ابن المقفع في بحثنا المشترك عن أصول أساطير الإسلام من الهاجادة وأبوكريفا العهد القديم أن اسمي هاروت وماروت لهما أصل فارسي وليسا يهوديين.

 

تشريعات الجلد الهمجية مشابهة لما في التلمود اليهودي وتشريعات الأحبار الشمولية الهمجية وربما بعض ممارسات الأديرة في القرون الوسطى، وكذلك مشابه لهمجية تشريعات الأﭬستا الزردشتية بتشريعات همجية خرافية لآثام وهمية دينية، انظر مثلًا فارجارد 4 و6 من ترجمة د.خليل عبد الرحمن وفريقه للأﭬستا. وتشريعات الجلد مئات الجلدات وليس فقط كما نص القرآن الهمجي والأحاديث على ثمانين ومئة أشبه بممارسة الحكم السعودي الشمولي وكهنة السعودية الخائفين على تغير الأوضاع القائمة وتهديد عروشهم واستبدادهم المحتمي بالدين وتقديس الحكام.

 

خرافة دخول كل البشر لجهنم فتكون بردًا وسلامًا على الصالحين

 

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)} مريم

 

وروى البخاري:

 

1251 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

 

وروى مسلم:

 

[ 2496 ] حدثني هارون بن عبد الله حدثنا حجاج بن محمد قال قال بن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول أخبرتني أم مبشر انها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة لا يدخل النار ان شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها قالت بلى يا رسول الله فانتهرها فقالت حفصة { وإن منكم إلا واردها } فقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله عز وجل { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }

 

ورواه أحمد (26440) 26972

 

وروى أحمد:

 

4128- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ السُّدِّيِّ ، عَنْ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} ، قَالَ : يَدْخُلُونَهَا ، أَوْ يَلِجُونَهَا ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ قُلْتُ لَهُ : إِسْرَائِيلُ ، حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هُوَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ كَلاَمًا هَذَا مَعْنَاهُ

 

4141- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنِ السُّدِّيِّ ، عَنْ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ : {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ كُلُّهُمْ ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ.

 

هذا يعود أصله إلى أسطورة إسخاتولوجية [أخروية] زردشتية:

 

في ياسنا [هايتي] 51: 9، ص94 من الترجمة العربية للأﭬستا:

 

9- ما هو الجزاء الذي ستمنحه لكلا الطرفين بوساطة نارك الحمراء ومعدنك المنصهر، أعطنا إشارة عن ذلك في أرواحنا، ما يجلب الدمار للشرير، والبركات للصالح.

 

وفي ياسنا 32: 7، ص68

 

7-إنكَ المدركُ يا آهورامازاد ما يتركه هؤلاء المذنبون خلفهم. لا تدعْ نصيرًا لكَ يطلب المكافأة التي لن ينالها إنسانٌ إلا بعد اختبار المعدن المنصهر.

 

كما فسرتها التفاسير المتأخرة البهلوية وغيرها يخرج الصالحون من الجحيم سليمين وآمنين.

 

خرافة الصراط كجسر على نار جهنم

 

{اهدنا الصراطَ المستقيمَ (6) صراطَ الذين أنعمتَ عليهم غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالين(7)} الفاتحة

 

{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)} الزخرف

 

لم يكن مقصود محمد الواضح والأصليّ من ذكره كلمةَ  الصراط سوى بمعنى الدين والنهج والطريقة، أما اللاحقون ذكروا أسطورة منقولة عن خرافة جسر جنيـﭭات أو جينـﭭاتو chinvat, kinvat or cinvatô or Chinwad  bridge في الرزدشتية المجوسية الفارسية وأنه فوق جهنم، وأدق من الشعرة، يمر عليه الناس فيسقط غير المؤمنين منه إلى الجحيم، فيما يجتازه الصالحين إلى الفردوس، وورد ذكره بعدة مواضع مثلًا جاء في الأﭬستا/ النسك الأول (ياسنا)/ هايتي أو الفصل chapter 46/ ص 83-84 من الترجمة العربية لها للدكتُر خليل عبد الرحمن وفريقه، وهي كذلك في النسخة الإنجليزية والأصل الفارسي القديم بنفس الفصل المذكور:

 

10- أيًا من كان رجلًا أو امرأةً، يا آهورامازدا، الذي حقق لي كل ما اعتبرته الأفضل من أجل العالم، فامنحه الجنة ثوابًا على عمله الصادق، وكذلك الناس الذين سأقنعهم بعبادتك. معهم سوف أعبر جسر جنيـﭭات الفاصل. 11 الذين يقدمون التضحيات، والأمراء المشعوذون قد أخضعوا البشر لنير سيادتهم ليدمروا الوجود بواسطة أعمال الشر. سوف يلقون العذاب بأرواحهم وضمائرهم عندما يأتون إلى جسر جنيـﭭات، وإلى الأبد سينزلون في مقر الشر.

 

وجاء في الترجمة العربية لـ فاركارد 19، ص374:

 

27- يا خالق العلم الدنيويّ، أيها المقدس! من أين تُجزى المكافآت؟ وأين يحدث التكافؤ؟ وأين يتحقق التكافؤ؟ وإلى أين يأتي الرجال الذين يرغبون في الحصول على المكافأة من أجل أروحاهم؟

28-أجاب آهورامازدا: "عندما يقضي الإنسان نحبه تذهب الأشرار ببصره. وفي الليلة الثالثة، عندما ينبلج الفجر، عندما يصل مِثرا المدجج بالسلاح إلى جبال السعادة المقدسة وعندما تشرق الشمس.

29-حينئذٍ تأتي الشيطانة ﭬازرَشكا، يا زرادشت سـﭙيتاما! تحمل أرواح الأشرار من عباد الأبالسة مكبَّلة بالسلال، تدخل الأرواح طريقًا صنعها الزمن لتفتح أمام الشرير والتقيّ. عند جسر جنيـﭭات المقدس، الذي خلقه مازدا، يلتمسون من أجل أرواحهم مكافأة لأجل المنافع الدنيوية، والتي قد تم توزيعها في الأسفل هناك.

 

30-ثم تأتي فتاة جميلة هيفاء، قوية ورائعة، بجوارها كِلَابٌ، وتستطيع أن تميِّز الرجلَ الذي له أطفال كثر، سعداء وأذكياء، والرجل بدون ذرية [يبدو أن المقصود هنا الأعمال الصالحة أو واجب تكوين الأسرة]. إنها تجعل روح التقي تصعد إلى هارابيرازايتي وتضعه فوق جسر جنيـﭭات، في حضرة آلهة السماوات نفسها.

 

ﭬازرشا: حسب التقاليد التفسيرية البهلوية شيطان يحاول جذب أرواح الموتى لمدة ثلاثة أيام إلى الجحيم، ولا يستطيع ذلك مع الأرواح الصالحة، وفي الآخرة يجلس عند بوابة الجحيم. وتحرس جسر جنيـﭭات كلاب. وحسب النصوص المتأخرة التفسيرية فشكل الفتاة الجميلة هو روح الشخص المتدين نفسه أو دينه نفسه متجسِّدًا، وهو تجسُّد مجازيّ، غير حسيّ ولا شهواني، وربما منه استوحى محمد فكرة الحور العين نساء الجنة.

 

 

وفي فاركارد 13: 8- 9، حسب الترجمة العربية للنص

 

8- الذي قتل كلبا من الكلاب التي تحرس القطيع، أو البيت، أو من كلاب الصيد، أو الكلاب المتعلمة، ستنتقل روحه إلى العالم الآخر مع الصراخ والعويل الكبيرين، مثل عويل الذئب عندما يقع في فخ عميق جدا.

9-ولن تسانده أية روح أخرى، ولن يسانده أي من الكلبين الحارسين لجسر جنيـﭭات.

 

وجاء بالأﭬستا الصغرى أو الخردا أﭬستا وهي تفسير لكتابهم المقدس ما ترجمتي له كالتالي :

 

KHORDEH AVESTA/ DOĀ NĀM SETĀYESHNE/ hand hu-boe hamā-nekash

 

بسجدة أؤدي الإجلال لذلك الإله الكلي العلم والرحيم الذي من خلال زرتوشي [زردشت] سـﭙيتاما الفراﭬاشي المقدس أرسل معرفة الدين الموثوق بها لأجل ناس العالم بقصد جلب الصداقة تجاه نفسه، والتي يمكن أن تُكتسَب عن طريق الحكمة الغريزية وإرشاد كل الأشخاص الذين كانوا والذين سيكونون، لقد أرسل علم العلوم، والتي هي فائدة المانترا، والتي هي مشرِّفة الروح مساعِدةً على عبور جسر جنيـﭭات بسهولة، والمنقِذة من الجحيم، والمرشدة على الطريق إلى المسكن الأفضل (الجنة) للصالحين، المتألق والحسن الرائع وكلي الخيرية.

 

....أيها الفاضل! وفقًا لمشيئتك يمكنني ممارسة التعبد لك بأفكار صالحة وكلمات صالحة وأفعال صالحة. ولأجل روحي أبقي السبيل الصالح المستقيم مفتوحًا (أي طريق نيل الجنة)، لكي (بعد موتي) لا يقع عقاب الجحيم الأليم على روحي. سأعبر على جسر جنيـﭭات وأنال الفردوس مليئة بالعطر مزينة تمامًا ومريحة تمامًا.

 

وورد ذكره في Denkard الفصول أو الكتب 3و 6 و8 و9 وكذلك في كتاب [معراج أو صعود] ﭬيراف الصالح Arda Viraf ورد في الفصل الخامس وهو متاح بترجمة عربية في ترجمة د.خليل عبد الرحمن وفريقه للأﭬستا وبعض ملاحقها وصف للجسر، لكن ربما لا نحسب هذين لأنهما مؤلفان كلاهما في القرن التاسع أو العاشر الميلادي بعد حكم الإسلام. وكذلك في بنداهيشن Greater Bundahishn أو قصة الخلق في الفصلين 3 و4 حسب الترقيم الإنجليزي (وتتوفر ترجمته في نسخة د.خليل عبد الرحمن وفريقه للأﭬستا) وهو سرد مستمد من تقاليد الزردشتية القديمة لكنه مؤلف بعد الإسلام،  وفي قرارات المتدينين/ فصل 21 Dadestan-i Denig (Religious Decisions) وفيه وصف أسطوري له وأنه يتسع للصالحين وينحل ويضيق لغير المؤمنين لكن يبدو أنه متأخر الكتابة.

 

على الأغلب ليس محمد نفسه من روى هذه الأسطورة ولم تكن من أفكار الإسلام الأصلية، وقد لاحظت في بحثي عن الأبوكريفا المسيحية سابقًا أنهم دمجوا فكرة السلم المليء بالأشواك والسيوف في أسطورة استشهاد بِربِتْوا المسيحية مع أسطورة الصراط الرزدشتية، فجعلوه مليئًا بالحسك والشوك. روى البخاري:

 

من حديث رقم 806 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنْ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو...إلخ

من حديث رقم 7439 - .....ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجَسْرُ قَالَ مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ ....إلخ

 

وجاء في بحار الأنوار من كتب الشيعة، مجلد 10 من ص 393 سطر 19 إلى ص 401 سطر 18:

 

...والإقرار بالحوض والشفاعة للمذنبين من أصحاب الكبائر ، والإقرار بالصراط والحساب والميزان واللوح والقلم والعرش والكرسي...

وفي ج1/ باب5 النوادر: - وعنه عليه السلام أيضا : العلم أفضل من المال بسبعة : الاول : أنه ميراث الانبياء  والمال ميراث الفراعنة ، الثاني : العلم لا ينقص بالنفقة والمال ينقص بها ، الثالث : يحتاج  المال إلى الحافظ والعلم يحفظ صاحبه ، الرابع ، العلم يدخل في الكفن ويبقى المال ، الخامس :  المال يحصل للمؤمن والكافر والعلم لا يحصل إلا للمؤمن خاصة ، السادس : جميع الناس  يحتاجون إلى صاحب العلم في أمر دينهم ولا يحتاجون إلى صاحب المال ، السابع : العلم  يقوي الرجل على المرور على الصراط والمال يمنعه .

وفي ج7/ باب 6 مواقف القيامة: - لى : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم ، عن المفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما نزلت هذه الآية : " وجئ يومئذ بجهنم " سئل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : أخبرني الروح الامين أن الله - لا إله غيره - إذا جمع الاولين والآخرين اتي بجهنم تقاد بألف زمام ، أخذ بكل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد ، لهاهدة وتغيظ وزفير ، وإنها لتزفر الزفرة ، فلو لا أن الله عز وجل أخرهم إلى الحساب لاهلكت الجمع ، ثم يخرج منها عنق يحيط بالخلائق : البر منهم والفاجر ، فما خلق الله عز وجل عبدا من عباده ملكا ولا نبيا إلا نادى : رب ! نفسي نفسي ، وأنت يا نبي الله تنادي امتي امتي ، ثم يوضع عليها صراط أدق من حد السيف عليه ثلاث قناطر ، أما واحدة فعليها الامانة والرحم ، وأما الاخرى فعليها الصلاة ، وأما الاخرى فعليها عدل رب العالمين لا إله غيره ، فيكلفون الممر عليه فتحبسهم الرحم والامانة فأن نجوا منها حبستهم الصلاة ، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين عز وجل ، و هو قوله تبارك وتعالى : " إن ربك لبالمرصاد " والناس على الصراط فمتعلق ، وقدم تزل ، وقدم تستمسك ، والملائكة حولهم ينادون : ياحليم اغفر ، واصفح ، وعد بفضلك وسلم سلم ، والناس يتهافتون فيها كالفراش ، وإذا نجا ناج برحمة الله عز وجل نظر إليها فقال : الحمدلله الذي نجاني منك بعد أياس بمنه وفضله ، إن ربنا لغفور شكور .

فس : أبي ، عن عمرو بن عثمان ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام مثله. واللفظ للصدوق ، وقد أثبتناه في باب النار واللفظ لعلي بن إبراهيم .

ايضاح : الهدة : صوت وقع الحائط ونحوه ، وقال الجزري : فيه : يخرج عنق من النار أي طائفة منها .

وفي ج3/ باب 10 أدنى ما يجزئ : - يد : الدقاق والوراق معا ، عن الصوفي ، عن الروياني ، عن عبد العظيم  الحسني قال : دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن  الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فلما بصر بي قال لي : مرحبا بك يا أبا القاسم أنت  ولينا حقا . قال : فقلت له : يا ابن رسول الله إني اريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان  مرضيا ثبتت عليه حتى ألقى الله عز وجل . فقال : هاتها أبا القاسم .  فقلت : إني أقول : إن الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شئ ، خارج من  الحدين : حد الابطال وحد التشبيه ، وأنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ،  بل هو مجسم الاجسام ، ومصور الصور ، وخالق الاعراض والجواهر ، ورب كل شئ  ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم  القيامة ، وأقول : إن الامام والخليفة وولي الامر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ،  ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى  ابن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم أنت يا مولاي .  فقال عليه السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ قال :  فقلت : وكيف ذلك يا مولاي ؟ قال : لانه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى  يخرج فيملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .  قال : فقلت : أقررت وأقول : إن وليهم ولي الله ، وعدوهم عدو الله ، وطاعتهم  طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله ، وأقول : إن المعراج حق ، والمسائلة في القبر حق ، وإن الجنة حق ، والنار حق ، والصراط حق ، والميزان الحق ..إلخ

وفي ج6/ باب6 سكرات الموت: 19 - ل : أبي ، عن سعد ، عن الاصبهاني ، عن المنقري عن عبد الرزاق ، عن معمر عن الزهري قال : قال علي بن الحسين عليهما السلام : أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات : الساعة التي يعاين فيها ملك الموت ، والساعة التي يقوم فيها من قبره ، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى فإما إلى الجنة وإما إلى النار. ثم قال : إن نجوت يابن آدم عند الموت فأنت أنت وإلا هلكت ، وإن نجوت يابن آدم حين توضع في قبرك فأنت أنت وإلا هلكت ، وإن نجوت حين يحمل الناس على الصراط فأنت أنت وإلا هلكت ، وإن نجوت حين يقوم الناس لرب العالمين فأنت أنت وإلا هلكت .

وفي باب 7 منه، ما يعاين الكافر والمؤمن: من حديث7.... يا حارث إن الحق أحسن الحديث والصادع به مجاهد ، وبالحق اخبرك فارعني سمعك ، ثم خبر به من كانت له حصانة من أصحابك ، ألا إني عبد الله ، وأخو رسوله ، وصديقه الاول قد صدقته وآدم بين الروح والجسد ، ثم إني صديقة الاول في امتكم حقا فنحن الاولون ، ونحن الآخرون ، ونحن خاصته يا حارث وخالصته وأنا صفوه ووصيه ووليه ، وصاحب نجواه وسره ، اوتيت فهم الكتاب ، وفصل الخطاب وعلم القرون والاسباب ، واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب ، يفضي كل باب إلى ألف عهد ، وايدت واتخذت وامددت بليلة القدر نفلا ، وإن ذلك ليجري لي ولمن تحفظ  من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الارض ومن عليها ، وابشرك ياحارث لتعرفني عند الممات ، وعند الصراط ، وعند الحوض ، وعند المقاسمة .

46 - وعن الحارث الاعور قال : قال أتيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم نصف النهار فقال : ما جاء بك ؟ قلت : حبك والله ، قال : إن كنت صادقا لتراني في ثلاث مواطن حيث تبلغ نفسك هذه - وأومأ بيده إلى حنجرته - وعند الصراط ، وعند الحوض .

وفي باب8 منه أحوال البرزخ: - خص ، ير : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن أبي الفضل المديني ، عن أبي مريم الانصاري ، عن منهال بن عمرو ، عن زر بن حبيش  قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : إن العبد إذا ادخل حفرته أتاه ملكان اسمهما : منكر ونكير ، فأول من يسألانه عن ربه ، ثم عن نبيه ، ثم عن وليه ، فإن أجاب نجا ، وإن عجز عذباه ، فقال له رجل : ما لمن عرف ربه ونبيه ولم يعرف وليه ؟ فقال : مذبذب لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء ، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ، ذلك لا سبيل له. وقد قيل للنبي صلى الله عليه واله من الولي يانبي الله ؟ قال: وليكم في هذا الزمان علي ، ومن بعده وصيه ، ولكل زمان عالم يحتج الله به لئلا يكون كما قال الضلال قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم : " ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى " تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات وهم الاوصياء ، فأجابهم الله : " قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى " وإنما كان تربصهم أن قالوا : نحن في سعة عن معرفة الاوصياء حتى نعرف إماما ، فعيرهم الله بذلك ، والاوصياء هم أصحاب الصراط ، وقوف عليه ، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه لانهم عرفاء الله ، عرفهم عليهم عند أخذ المواثيق عليهم ، ووصفهم في كتابه فقال عز وجل " وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم " هم الشهداء على أوليائهم ، والنبي الشهيد عليهم ، أخذ لهم مواثيق العباد بالطاعة ، وأخذ النبي صلى الله عليه واله عليهم المواثيق بالطاعة

وفي ج7/ باب5 صفة المحشر: - ما : الغضائري ، عن علي بن محمد العلوي ، عن محمد بن موسى الرقي ، عن علي ابن محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن أبيه ، عن أبان مولى زيد بن علي ، عن عاصم بن بهدلة،  عن شريح القاضي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة طويلة قال : اسمع يا ذا الغفلة والتصريف من ذي الوعظ والتعريف ، جعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال والحباء والنكال ، يوم تقلب إليه أعمال الانام ،...إلخ فهم يعدون سراعا إلى مواقف الحشر يساقون سوقا ، فالسماوات مطويات بيمينه كطي السجل للكتب ، والعباد على الصراط وجلت قلوبهم يظنون أنهم لا يَسلمون ...إلخ

133 - وروى الصدوق رحمه الله في كتاب فضائل الشيعة عن أبيه ، عن المؤدب ، عن أحمد بن علي الاصفهاني ، عن محمد بن أسلم الطوسي ، عن أبي رجاء ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في حديث طويل : ألا ومن أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد رضي الله عنه ، ومن رضي عنه كافاه الجنة ألا ومن أحب عليا لا يخرج من الدنيا حتى يشرب من الكوثر ، ويأكل من طوبى ، ويرى مكانه في الجنة ،ألا ومن أحب عليا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخلها من أي باب شاء بغير حساب ، ألا ومن أحب عليا أعطاه الله كتابه بيمينه وحاسبه حساب الانبياء ، ألا ومن أحب عليا هون الله عليه سكرات الموت ، وجعل قبره روضة من رياض الجنة ، ألا ومن أحب عليا أعطاه الله بكل عرق في بدنه حوراء ، وشفع في ثمانين من أهل بيته ، وله بكل شعرة في بدنه حوراء ومدينة في الجنة ، ألا ومن أحب عليا بعث الله إليه ملك الموت كما يبعث إلى الانبياء ، ودفع الله عنه هول منكر ونكير ، وبيض وجهه ، وكان مع حمزة سيد الشهداء ، ألا ومن أحب عليا جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ، ألا ومن أحب عليا وضع على رأسه تاج الملك ، والبس حلة الكرامة ، ألا ومن أحب عليا جاز على الصراط كالبرق الخاطف ، ألا ومن أحب عليا كتب الله له براءة من النار ، وجوازا على الصراط ، وأمانا من العذاب ، ولم ينشر له ديوان ، ولم ينصب له ميزان ، وقيل له : ادخل الجنة بلا حساب ، ألا ومن أحب آل محمد أمن من الحساب والميزان والصراط . ، ألا ومن مات على حب آل محمد فأنا كفيله بالجنة مع الانبياء ، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة .

وفي ج7/باب 10 الميزان: 2 - أقول : روي الصدوق في كتاب فضائل الشيعة بإسناده عن أبي جعفر الباقر ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة : عند الوفاة ، وفي القبر ، وعند النشور ، وعند الكتاب ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط .

ن : فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون : وتؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير والبعث بعد الموت والميزان والصراط ، الخبر . "

ومنه في باب 11 محاسبة العباد بعد حديث 52: وروي فيه أيضا ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : أي بعير حج عليه ثلاث سنين يجعل من نعم الجنة ، وروي سبع سنين . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله : استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط .

ملاحظة: هذا شبيه بما رواه مسلم في صحيحه عند السنة 2861 بل قد يكون توضيحًا لمعناه كوصية بالتصدق.

ومنه في باب15 الخصال التي توجب التخلص من شدائد القيامة: 1 - لى : صالح بن عيسى العجلي ، عن محمد بن علي بن علي ، عن محمد بن الصلت ، عن محمد بن بكير ، عن عباد بن عباد المهلبي ، عن سعيد بن عبد الله ، عن هلال بن عبد الرحمن ، عن يعلى بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الرحمن بن سمرة قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله يوما فقال : إني رأيت البارحة عجائب ، قال : فقلنا : يا رسول الله وما رأيت ؟ حدثنا به فداك أنفسنا وأهلونا وأولادنا ، فقال : رأيت رجلا من امتي وقد أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فمنعه منه ، ورأيت رجلا من امتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوؤه فمنعه منه ، ورأيت رجلا من امتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله عز وجل فنجاه من بينهم ، ورأيت رجلا من امتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فمنعته منهم ، ورأيت رجلا من امتي يلهث عطشا كلما ورد حوضا منع فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه ، ورأيت رجلا من امتي والنبيون حلقا حلقا كلما أتى حلقة طرد فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده فأجلسه إلى جنبي ، ورأيت رجلا من امتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن تحته ظلمة مستنقعا في الظلمة ، فجاءه حجه وعمرته فأخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور ، ورأيت رجلا من امتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه فجاءه صلته للرحم فقال : يا معشر المؤمنين كلموه فإنه كان واصلا لرحمه فكلمه المؤمنون وصافحوه وكان معهم ، ورأيت رجلا من امتي يتقي وهج  النيران وشررها بيده ووجهه فجاءته صدقته فكانت ظلا على رأسه وسترا على وجهه ، ورأيت رجلا من امتي قد أخذته الزبانية من كل مكان فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فخلصاه من بينهم وجعلاه مع ملائكة الرحمة ، ورأيت رجلا من امتي جاثيا على ركبتيه ، بينه وبين رحمة الله حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذه بيده فأدخله في رحمة الله ، ورأيت رجلا من امتي قد هوت صحيفته قبل شماله فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فجلعها في يمينه ، ورأيت رجلا من امتي قد خفت موازينه فجاءه أفراطه فثقلوا موازينه ، ورأيت رجلا من امتي قائما على شفير جهنم فجاءه رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه من ذلك ، ورأيت رجلا من امتي قد هوى في النار فجاءته دموعه التى بكى من خشية الله فاستخرجته من ذلك ، ورأيت رجلا من امتي على الصراط يرتعد كما ترتعد السعفة في يوم ريح عاصف فجاءه حسن ظنه بالله فسكن رعدته ومضى على الصراط ، ورأيت رجلا من امتى على الصراط يزحف أحيانا ويحبو أحيانا ويتعلق أحيانا فجاءته صلاته علي فأقامته على قدميه ومضى على الصراط ، ورأيت رجلا من امتي انتهى إلى أبواب الجنة كلما انتهى إلى باب اغلق دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله صادقا بها ففتحت له الابواب ودخل الجنة .

17 - وعنه عليه السلام في فضل قراءة سورة يس - وساق الحديث إلى أن قال - : ولم يزل في قبره نور ساطع إلى أعنان السماء إلى أن يخرجه من قبره ، فإذا أخرجه لم تزل ملائكة الله تعالى معه يشيعونه ويحدثونه ويضحكون في وجهه ويبشرونه بكل خير حتى يتجاوزوا به الميزان والصراط ، ويوقفوه من الله موقفا لا يكون عند الله خلق أقرب منه إلا ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون ، وهو مع النبيين واقف بين يدي الله ، لا يحزن مع من يحزن...إلخ

31- وعنه عليه السلام : من أدمن قراءة سورة لا اقسم وكان يعمل بها بعثها الله معه من قبره في أحسن صورة تبشره وتضحك في وجهه حتى يجوز على الصراط والميزان . " 117 " 31 - وعنه عليه السلام : من قرأ والنازعات لم يمت إلا ريان ، ولم يبعثه الله إلا ريان ولم يدخله الجنة إلا ريان . " 117 " 32 - وعنه عليه السلام : من كان قراءته في الفريضة ويل للمطففين أعطاه الله الامن يوم القيامة من النار ولم تره ولا يراها ، ولم يمر على جسر جهنم ، ولا يحاسب يوم القيامة .

وفي باب17 الوسيلة وما يظهر من منزلة النبي وأهل بيته: 12 - كنز : روى محمد بن موسى الشيرازي في كتابه حديثا يرفعه بإسناده إلى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا كان يوم القيامة أمر الله مالكا أن يسعر النيران السبع ، ويأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثمان ، ويقول : يا ميكائيل مد الصراط على متن جهنم ، ويقول : يا جبرئيل انصب ميزان العدل تحت العرش ، ويقول : يا محمد قرب امتك للحساب ، ثم يأمر الله أن يعقد على الصراط سبع قناطر طول كل قنطرة سبعة عشرة ألف فرسخ ، وعلى كل قنطرة سبعون ألف ملك يسألون هذه الامة نساؤهم ورجالهم في القنطرة الاولى عن ولاية أمير المؤمنين وحب أهل بيت محمد عليهم السلام فمن أتى به جاز القنطرة الاولى كالبرق الخاطف ، ومن لم يحب أهل بيته سقط على ام رأسه في قعر جهنم ، ولو كان معه من أعمال البر عمل سبعين صديقا .

13 - قال : وروى الشيخ أبوجعفر الطوسى في مصباح الانوار حديثا يرفعه بإسناده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا كان يوم القيامة جمع الله الاولين و الآخرين في صعيد واحد ونصب الصراط على شفير جهنم فلم يجز عليه إلا من كان معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام .

14 - وروى أيضا في الكتاب المذكور حديثا يرفعه بإسناده عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا كان يوم القيامة أقف أنا وعلي على الصراط ، وبيد كل واحد منا سيف ، فلا يمر أحد من خلق الله إلا سألناه عن ولاية علي ، فمن كان معه شئ منها نجا وفاز وإلا ضربنا عنقه وألقيناه في النار .

15 - فر : عبيد بن كثير معنعنا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : أتاني جبرئيل عليه السلام فقال : ابشرك يا محمد بما تجوز على الصراط ؟ قال : قلت : بلى ، قال : تجوز بنور الله ، ويجوز علي بنورك ونورك من نور الله ، ويجوز امتك بنور علي ونور علي من نورك ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور "

وفي نهج البلاغة وهو تجميع لخطب الإمام علي وهو مقبول من السنة كذلك:

وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ...إلخ                

 

 

 

 

المهدي المنتظر                           

 

لا تخلو أي ديانة رئيسية كبيرة عدد الأتباع من خرافة شخص مقدس منتظر من الأتباع العامة السذج كأمل وهمي مستقبلي لتحسن حال حياة الشعوب على هذا الكوكب، ففي اليهودية أسطورة المسيح من نسل داوود ومن سبط يهوذا كما وردت في كتاب اليهود، وفي المسيحية القدوم الثاني للمسيح، وفي الإسلام المهدي المنتظر من نسل محمد واسمه كاسم محمد، وفي البودية مايتريا أحد البودوات المنتظرين

 

وهي خرافة موجودة كذلك عند اليهود عن المسيح المنتظر ابن داوود، ووردت في الكتب البهلوية الزردشتية من القرون الوسطى، وأنه يحقق السلام وسيادة الدين، ولها ذكر قديم في الأﭬستا نفسها، ولو بتفصيل أقل، ففي ياشت19: 89، ص578 من الترجمة العربية:

 

89- سيشقّ هﭭارنو طريقَه نحو الناصر ساوشيانت ومساعديه أثناء تجديد العالم، ومن تلك اللحظة لن يصبح الإنسان فيه عجوزًا ولن يموت أبدًا، لن يفنى ويفسد.

 

وفي ياسنا [هايتي46]، ص82 من الترجمة العربية:

 

3- متى يا مازدا [الإله] ستحل أيام الثور؟ متى ستأتي لتحقق في العالم النظامَ الأمثل؟....إلخ

 

وجاء في تأويل (فاهومان ياشت) فصل 3 وهو من النصوص المتأخرة الكتابة والأقل أصالة وقدمًا عما سبق أعلاه:

 

39- سينال "فارهاران فارجافان" المجد التام بمساندته الأخلاق الحسنة وسيحتل منصب رئيس الكهنة اللائق به. وسيقدم التأويل الصحيح للدين، وسيعيد بناء البلدان الآرية التي خلقها أورمازد، وسيطهر العالم من البخل والجشع والكراهية والغضب والغل والحسد والشر.

40- سينتهي زمن النهب ويحل زمن الهناء، وسيعيدو تنصيب نار "فارنباك" ونار "كوشناسب" ونار "بورزين-ميهر" في الأماكن الخاصة بها، وسيوفَّر لها الحطب والمواد العطرية، وسيصيب روح الشر مع جميع قوى الظلام الضعفُ واليأس.

41- سيقول بيوشتان المجيد: "فليهلك الأبالسة! فليهلك أنسال الأبالسة المظلمين! فلتزدهر ديانة مازداياسنا، فلتزدهر إلى الأبدز فلتزدهر الأسر الشريفة وكل من يقوم بأعمال الخير. فليتسلم النصير عرش الديانة وسيادتها.

42- ومن ثم سيأتي بيوشتان المجيد مع مئة وخمسين من أنصاره، لا بسي السواد، وسيعيدون حكم الديانة ويرفعون مجده عاليًا.

43- قال أورمازد لزردشت سبيتاما: "هذا ما أتنبأ به عن نهاية ألفيتك، وتلك ستكون بداية عصر أوشيدار:

44-كما هو معلوم عن أوشيدار فإنه سيولد في سنة 1600، وفي الثلاثين من عمره سيقيم علاقة متينة معي أنا أورمازد، وسيتعمق في الدين كمؤمن مخلص.

45- عندئذ سيمكنه أن يأمر الشمس: توقفي!".

46-وستتوقف الشمس عشرة أيام بلياليها، وعندما يحدث ذلك سيعتنق كل الناس ديانة مازداياسنا الخيِّرة.

47-سيقول ميهر ذو المراعي الشاسعة لأوشيدار ابن زردشت: "يا أوشيدار، يا معيد بناء ديانة الحق! قل للشمس أن تسير من جديد لأن الظلام يسود في مناطق....إلخ

50-قال أورمازد: يا زردشت سبيتاما! إليك ما أتنبأ به: هو سيعيد المخلوقات إلى وضعها الصحيح.

 

ومن الفصل الثالث من فاهومان ياشت:

 

26- سيأتي نيريوسانك مع سروش الصالح من "جاكاد-دايتيك" الغريب حتى "كانكديز" الذي بناه المجيد "سيافارشان" وسيناديك "تقدم أكثر أيها الماجد بيوشتان! أيها الجيتروميان ابن فيشتاسبا، البطل الكياني ومعيد بناء العقيدة! تقدم أكثر نحو البلدان الارية التي خلقها أورمازد وأعِدْ سلطةَ الإيمان كاملةً!".

 

27-ويذهب هؤلاء اليازاديون ويترحمون عليهم بالقرابين، وسيحتفل الماجد بيشوتنا بـ "دفازد- هوامست" وبمئة وخمسين عيدًا مع تلاميذه بثيابٍ قاتمة اللون (ربما ثياب من جلود الخيول السوداء) مثل ثياب الروح الصالحة.

رغم أن تأويل فاهومان ياشت لا يمكن اعتماده كاعتمادنا للأﭬستا القديمة باعتبارها أقدم من الإسلام، فقد ورد فيه نص عن أسطورة مهمة أقدم من تاريخ كتابته استغلها العباسيون لإنشاء دولتهم:

 

42- ومن ثم سيأتي بيوشتان المجيد مع مئة وخمسين من أنصاره، لابسي السواد، وسيعيدون حكم الديانة ويرفعون مجده عاليًا.

 

هذه الأسطورة الزردشتية عن الرايات السوداء أو السود عندما أسلم الإيرانيون ثم اتبعوا مذهب الشيعة الإسلامي انتقلت من الزردشتية إلى النصوص الشيعية، لذلك عندما شرع العباسيون في التحريض سرًّا على الثورة والانقلاب على دولة الأمويين جعلوا حركتهم تنطلق من خراسان وإيران على يد أبي مسلم الخراساني، داعين إلى رجل من آل البيت، بصيغة غامضة دون تحديد أنه من بني العباس وليس بني علي الذي يناصر ويحب الشيعة ولا سيما الإيرانيون نسله لأنهم نسل بنت ملكهم كسرى كذلك، واتخذت التحركات العسكرية العباسية الرايات السود شعارًا لها كمغازلة لقومية وعاطفة الإيرانيين.

 

تاريخ الطبري : إن إبراهيم الإمام أنفذ إلى أبي مسلم لواء النصرة وظل السحاب ، وكان أبيض طوله أربعة عشر ذراعا ، مكتوب عليها بالحبر {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}  فأمر أبو مسلم غلامه أرقم أن يتحول بكل لون من الثياب ، فلما لبس السواد قال : معه هيبة ، فاختاره خلافا لبني أمية وهيبة للناظر ، وكانوا يقولون : هذا السواد حداد آل محمد صلى الله عليه واله و شهداء كربلاء وزيد ويحيى .

 

الغيبة للشيخ: الفضل ، عن محمد بن علي ، عن عثمان بن أحمد السماك ، عن إبراهيم بن عبدالله الهاشمي ، عن إبراهيم بن هانئ ، عن نعيم بن حماد ، عن سعيد ، عن أبي عثمان ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة فاذا ظهر المهدي بعث إليه بالبيعة .

 

جاء في بحار الأنوار ج51/ ص97:

 

الباب الرابع والعشرون في إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله بأن المهدي خليفة الله تعالى وبإسناده عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة لايصير إلى واحد منهم ثم تجئ الرايات السود فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم ثم يجيئ خليفة الله المهدي فإذا سمعتم به فائتوه فبايعوه فانه خليفة الله المهدي قال : هذا حديث حسن المتن وقع إلينا عاليا من هذا الوجه بحمد الله و حسن توفيقه وفيه دليل على شرف المهدي بكونه خليفة الله في الارض على لسان أصدق ولد آدم وقد قال الله تعالى : " ياأيها الرسول بلغ ماانزل إليك من ربك " الآية

 

وفي ص 87 من بحار الأنوار:

 

الباب الرابع في أمر النبي صلى الله عليه وآله بمبايعة المهدي عليه السلام عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ثم ذكر شيئا لا أحفظه قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فاذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فانه خليفة الله المهدي أخرجه الحافظ ابن ماجة .

 

الباب الخامس في ذكر نصرة أهل المشرق للمهدي عليه السلام عن عبدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه .
هذا حديث حسن صحيح روته الثقات والاثبات أخرجه الحافظ أبوعبدالله بن ماجة القزويني في سننه .

 

وعن علقمة بن عبدالله قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله : إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي صلى الله عليه وآله اغرورقت عيناه وتغير لونه قال : فقلنا : مانزال نرى في وجهك شيئا نكرهه قال : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتى سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق ومعهم رايات سود فيسألون الخير ولا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ماسألوا ولا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملاها قسطا وعدلا كما ملاوها جورا فمن أدرك ذلكم منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج .

الأحاديث الملونة بالأرجواني كلها من كتب السنة وستأتي، وكما قلت في السنة تشيع كذلك كما اتضح من البحث فهم أحفظ لأحد أحاديث التشيع وأساطيره القديمة أكثر من الشيعة أنفسهم!

 

وروى ابن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : ويحا للطالقان فإن لله عز وجل بها كنوزا ليست من ذهب ولا فضة ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته وهم أيضا أنصار المهدي في آخر الزمان .

 

كتاب سليم بن قيس الهلالي/ الحديث أو الخبر الثالث والعشرون: ...وحدثني ابن أبي المعيط أنك أخبرته أنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الاشعري وبعث إليه بحبل طوله خمسة أشبار وقال له : أعرض من قبلك من أهل البصرة فمن وجدت من الموالي ومن أسلم من الاعاجم قد بلغ خمسة أشبار فقدمه فاضرب عنقه فشاورك أبوموسى في ذلك فنهته وأمرته أن يراجع فراجعه وذهبت أنت بالكتاب إلى عمر وإنما صنعت ما صنعت تعصبا للموالي وأنت يومئذ تحسب أنك ابن عبد ثقيف فلم تزل بعمر حتى رددته عن رأيه وخوفته فرقة الناس فرجع وقلت له يومئذ وقد عاديت أهل هذا البيت : أخاف أن يثوروا إلى علي فينهض بهم فيزيل ملكك فكف عن ذلك وما أعلم يا أخي ولد مولود من أبي سفيان أعظم شؤما عليهم منك حين رددت عمر عن رأيه ونهيته عنه .
وخبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك قلت : أنك سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : لتضربنكم الاعاجم على هذا الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا .
وقال : ليملان الله أيديكم من الاعاجم وليصيرن أسدا لايفرون فليضربن أعناقكم وليغلبنكم على فيئكم .
فقال لك وقد سمع ذلك من علي يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله : فذلك الذي دعاني إلى الكتاب إلى صاحبك في قتلهم وقد كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في ساير الامصار .
فقلت لعمر : لا تفعل يا أميرالمؤمنين فإني لست آمن أن يدعوهم علي عليه السلام إلى نصرته وهم كثير وقد علمت شجاعة علي وأهل بيته وعداوته لك ولصاحبك فرددته عن ذلك فأخبرتني أنك لم ترده عن ذلك إلا عصبية وأنك لم ترجع عن رأيه جبنا وحدثتني أنك ذكرت ذلك لعلي في إمارة عثمان فأخبرك أن أصحاب الرايات السود .
وفي رواية أخرى : وخبرتني أنك سمعت عليا في إمارة عثمان يقول : إن أصحاب الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الاعاجم وأنهم الذين يغلبون بني أمية على ملكهم ويقتلونهم تحت كل كوكب . فلو كنت يا أخي لم ترد عمر عن ذلك لجرت سنة ولاستأصلهم الله وقطع أصلهم وإذا لانتست به الخلفاء بعده ( 1 ) حتى لا يبقى منهم شعر ولا ظفر ولا نافخ نار فإنهم آفة الدين

فما أكثر ما قد سن عمر في هذه الامة بخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فتابعه الناس عليها وأخذوا بها فتكون هذه مثل واحدة منهن فمنهن تحويله المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وصاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده حين غيره وزاد فيه ونهيه الجنب عن التيمم وأشياء كثيرة شتى أكثر من ألف باب أعظمها وأحبها إلينا وأقرها لاعيننا زيله الخلافة عن بني هاشم وعن أهلها ومعدنها لانها لا تصلح إلا لهم ولا تصلح الارض إلا بهم فإذا قرأت كتابي هذا فاكتم ما فيه ومزقه .

________________________________________________
( 1 ) لانتست به الخلفاء : اقتدت به وجعلوه أسوة .

 

وفي أخبار دمشق عن أبي الحسين محمد بن عبدالله الرازي قال ثوبان : قال النبي صلى الله عليه واله : يكون لبني العباس رايتان مركزهما كفر وأعلاهما ضلالة ، إن أدركتها يا ثوبان فلا تستظل بظلهما.


ابي بن كعب : أول الرايات السود نصر وأوسطها غدر وآخرها كفر ، فمن أعانهم كان كمن أعان فرعون على موسى .


تاريخ بغداد قال أبوهريرة : قال النبي صلى الله عليه واله : إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق فإن أولها فتنة وأوسطها هرج وآخرها ضلالة .
أخبار دمشق عن النبي صلى الله عليه واله : أبوأمامة في خبر : أولها منشور وآخرها مثبور

 

وهذه الأسطورة الشيعية الفارسية كأشياء كثيرة أخرى تسربت بدورها إلى كتب السنة، وقد اتضح من الدراسة أن السنة فيهم تشيع كذلك، فروى أحمد:

 

8775 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ قَبِيصَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ، لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ "

 

إسناده ضعيف جداً، رشدين بن سعد ضعفه غير واحد من الأئمة، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وفيه غفلة، ويحدث بالمناكير عن الثقات، ضعيف الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال في موضع آخر: ضعيف الحديث لا يكتب حديثه. وأخرجه الترمذي (2269) عن قتيبة بن سعيد وحده، بهذا الِإسناد. وقال: حديث غريب.

وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (3560) ، والبيهقي في "الدلائل" 6/516 من طريق عبد الله بن يوسف، عن رشدين بن سعد، به. وقال البيهقي: تفرد به رشدين بن سعد، عن يونس بن يزيد، ويروى قريب من هذا اللفظ عن كعب الأحبار ولعله أشبه، ثم أورده عن كعب من طريق يعقوب بن سفيان: حدثنا محدث، عن أبي المغيرة عبد القدوس، عن ابن عياش، عمن حدثه عن كعب، قال: تظهر رايات سود لبني العباس حتى ينزلوا الشام ويقتل الله على أيديهم كل جبار وعدو لهم. وهذا سند فيه مجهولان، ومع ذلك فقد رجحه البيهقي على المرفوع، مما يدل على أن المرفوع لا شيء عنده.

وفي الباب عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سيأتي 5/277، بلفظ: "إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فأتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي". وسنده ضعيف.

وعن عبد الله بن مسعود عند ابن ماجه (4082) ، وسنده ضعيف.

قلنا: ولا يصح في هذا الباب شيء، وكل ما فيه أخبار ضعيفة مؤوفة.

إِيلياء: هو بيت المقدس.

 

(22387) 22746- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ ، فَأْتُوهَا ؛ فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللهِ الْمَهْدِيَّ.(5/277).

 

إسناده ضعيف، شريك -وهو ابن عبد الله النخعي- سيىء الحفظ، وعلي بن زيد -وهو ابن جدعان- ضعيف وكان يغلو في التشيع، وأبو قلابة -وهو عبد الله بن زيد الجرمي- لم يسمع من ثوبان، بينهما أبو أسماء عمرو ابن مرثد الرحبي كما جاء مصرحاً به في بعض الروايات .

وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1445) من طريق عبد الله بن  أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد .

وأخرجه البيهقي في "الدلائل" 6/516 من طريق كثير بن يحيى، عن شريك بن عبد الله، عن علي بن زيد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان . وأورده الذهبي في "الميزان" 3/128 وعده من منكرات علي بن زيد بن جدعان، فقال: أراه منكراً .

وأخرجه ابن ماجه (4084) ، والبيهقي 6/515 من طريق عبد الرازق، والحاكم 4/463-464 من طريق الحسين بن حفص، كلاهما عن سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أسماء الرحبي، عن ثوبان رفعه: "يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قومٌ" ثم ذكر شيئاً لا أحفظه، فقال: "فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفةُ الله المهديُّ" ورجاله ثقات رجال الصحيح، لكن خالف الثوريَّ في إسناده عبدُ الوهاب بن عطاء، فأخرجه الحاكم 4/502، وعنه البيهقي في "الدلائل" 6/516 من طريق يحيى بن أبي طالب، عن عبد الوهاب ابن عطاء، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان موقوفاً .

وفي الباب عن أبي هريرة، سلف برقم (8775) ، وهو ضعيف جداً .

وعن ابن مسعود عند ابن ماجه (4082) ، وهو ضعيف. وعن عبد الله بن الحارث بن جزء بنحوه عند ابن ماجه (4088) ، وهو ضعيف أيضاً .

 

وروى ابن ماجه:

 

4082 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ ابْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَلَمَّا رَآهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا نَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَقَالَ: "إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا وَتَطْرِيدًا، حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ، فَيَسْأَلُونَ الْخَيْرَ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا، فَلَا يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَدْفَعُوهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَيَمْلَؤُهَا قِسْطًا، كَمَا مَلَؤوهَا جَوْرًا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ، فَلْيَأْتِهِمْ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ".

 

حديث منكر، ويشبه أن يكون موضوعا. قال الإمام أحمد فيما نقله العقيلي في "الضعفاء" 4/ 381: حديث ليس بشئ ورواه كذلك عن شيخ أحمد وكيع بن الجراح، وقال الذهبي في "تلخيص المستدرك" 4/ 464: هذا موضوع، وروى العقيلي أيضًا عن أبي أسامة حماد بن أسامة قال في حديث عبد الله بن مسعود في الرايات السود: لو حلف يزيد بن أبي زياد عندي خمسين يمينًا قسامة ما صدقتُه، أهذا مذهب إبراهيم! أهذا مذهب علقمة! أهذا مذهب عبد الله! قلنا: ويزيد بن أبي زياد سيئ الحفظ وكان يتلقن، وقد يكون تلقنه من بعض الوضاعين.

وأخرجه ابن أبي شيبة 15/ 235 - 236، وابن أبي عاصم في "السنة" (1499)، والبزار في "مسنده" (1556) و (1557)، وأبو يعلى في "مسنده" (5084)، والعقيلي في "الضعفاء" 4/ 381، والهيثم الشاشي في "مسنده" (329)، والطبراني في "الأوسط" (5699)، وابن عدي في "الكامل" 5/ 1783، وأبو عمرو الداني في "الفتن" (546) و (547)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 2/ 12 من طريق يزيد بن أبي زياد، بهذا الإسناد.

وأخرجه الحاكم 4/ 464 من طريق حبان بن سُدير، عن عمرو بن قيس المُلائي، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس وعبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود. وصححه على شرط الشيخين، لكن تعقبه الذهبي بقوله: هذا موضوع. قلنا: حبان بن سُدير فيه قال عنه الدارقطني وابن ماكولا: من شيوخ الشيعة.

وأخرجه البزار في "مسنده" (1491)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 1543 من طريق عبد الله بن داهر بن يحيى الرازي، عن أبيه، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس -وقرن به ابنُ عدي الأسودَ النخعى- عن عبد الله بن مسعود. وابن أبي ليلى سيئ الحفظ، وعبد الله بن داهر قال عنه ابن معين وأحمد: ليس بشئ، وقال ابن عدي: عامة من يرويه في فضائل علي، وهو فيه متهم.

 

4088 - حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى الْمِصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنَ جَزْءٍ الزَّبِيدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ الْمَشْرِقِ، فَيُوَطِّئُونَ لِلْمَهْدِيِّ" (1) يَعْنِي سُلْطَانَهُ.

 

إسناده ضعيف جدًا. أبو زرعة عمرو بن جابر الحضرمي من غلاة الشيعة ضعيف في حديثه، وكان يزعم أن عليًا أمير المؤمنين في السحاب، وابنُ لهيعة -واسمه عبد الله- سيئ الحفظ. وأخرجه البزار في "مسنده" (3784) عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، بهذا الإسناد.

 

النهي عن النواح على الميت حسب الزردشتية

 

جاء في فارجارد 1 من الأﭬستا:

 

8- سادسًا، من بين أفضل بلدان وأماكن السكن أنا آهورامازدا خلقتُ "هارويا" مع البيوت المهجورة [؟] (1)، عندئذٍ صنع أنجَراماينيو البكاءَ والتأوهَ المهُلِكَيْنِ (2).

 

هامش التوضيح:

 

(1) وتعني وفق التفسير البهلوي لهذا المقطع: "حيث يهجرون بيوتهم عند حدوث موت رب البيت"، وحسب القراآت الأخرى: "التي تفرق بينها المياه" (من أريانا العليا، حيث تجري منها الأنهار من جهتين: الشرق والغرب).

(2) البكاء بالأﭬستية "دري فيكا" وبالكردية جيري، وربما يُفهَم من عبارة "البكاء والتأوه" مصيبة ما مرافقة لم يذكرها النص، والتي تستدعي بكاء وتأوه الناس، وربما يكونان عبارة عن تقليد وعرف قاسٍ في فترة العزاء، حيث يرافقها بكاء وتأوه شديدان على الميت، وهذا ما حرمته الزردشتية تمامًا.

نقلًا عن الترجمة العربية للأﭬستا بتصرف بسيط لأجل الفصاحة والنحو.

 

النص السابق يشير إلى اعتبار النواح والبكاء على الميت إثمًا فقط، يعني يتحمل وزره الديني الفاعل/ الفاعلون.

 

وجاء في معراج ﭬيراز، (وهو مؤلف من القرن التاسع-العاشر الميلادي، يعني في عصر حكم الإسلام، لكن يشهد لقدم فكرته النص الأقدم السالف من الأﭬستا نفسها)، وهو ملحق بالترجمة العربية للأﭬستا، في ص 883 منه:

 

ثم أخذني سراوش النبيل والإله آدور من يدين وذهبتُ من هناك إلى مكان آخر، حيث رأيتُ نهرًا عظيمًا من الصعب تجاوزه، وفيه أرواح خالدة؛ إحدى هذه الأرواح لم تستطع تجاوز النهر، وإحداها تجاوزته بصعوبه والأخريات تجاوزته بيسر. فسألتُ: "ما هذا النهر، ومن هم هؤلاء الناس ولماذا يتعذبون؟". أجاب سراوش النبيل والإله آدور: "هذا النهر هو مأوى الدموع التي يذرفها الناس على موتاهم. فهم ينتحبون ويحزنون ويصرخون ويذرفون الدموع إثمًا، والتي تملأ هذا النهر. إن الأرواح التي لم تتجاوز النهر العظيم هي تلك التي انتُحِبَ عليها وحُزِن وبُكِيَ عليها كثيرًا بعد الموت، أما الأرواح المجتازة النهرَ بيسرٍ فهي التي بُكِيَ عليها قليلًا بعد الموت. بلِّغ الدنيويين: "لا تنتحبوا، ولا تحزنوا، ولا تبكوا بإثمٍ ما دمتم أحياء على الأرض، فإن فعلتم العكس فستُسبِّبون ضررًا بالغًا ومصاعب جمَّة لأرواح موتاكم.

 

نقلًا عن الترجمة العربية للأﭬستا وملحقاتها من كتب دينية أخرى من الأزمنة اللاحقة بتصرف بسيط لأجل الفصاحة والنحو.

 

هنا النص يقول بوجود ضرر على أرواح الموتى رغم أنهم لم يفعلوا فعلة النواح، بل أهلهم من فعلوها بعد موتهم، وهو ما جاء بمعناه أحاديث منسوبة إلى محمد، روى البخاري:

 

1286 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا أَوْ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَلَا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ


1287- فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ادْعُهُ لِي فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ

 

1290 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ وَهْوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ وَا أَخَاهُ فَقَالَ عُمَرُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ

 

1292 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ * تَابَعَهُ عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ وَقَالَ آدَمُ عَنْ شُعْبَةَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ

1304 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ فَقَالَ قَدْ قَضَى قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا فَقَالَ أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَضْرِبُ فِيهِ بِالْعَصَا وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ وَيَحْثِي بِالتُّرَابِ

3978 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ فَقَالَتْ وَهَلَ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ قَالَتْ وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ إِنَّمَا قَالَ إِنَّهُمْ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ ثُمَّ قَرَأَتْ { إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } يَقُولُ حِينَ تَبَوَّءُوا مَقَاعِدَهُمْ مِنْ النَّارِ

 

وروى مسلم:

 

 [ 927 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير جميعا عن بن بشر قال أبو بكر حدثنا محمد بن بشر العبدي عن عبيد الله بن عمر قال حدثنا نافع عن عبد الله أن حفصة بكت على عمر فقال مهلا يا بنية ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه

 

 [ 927 ] حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب عن بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الميت يعذب في قبره بما نيح عليه

 

 [ 927 ] وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا بن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الميت يعذب في قبره بما نيح عليه

 

 [ 927 ] وحدثني علي بن حجر السعدي حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح عن بن عمر قال لما طعن عمر أغمي عليه فصيح عليه فلما أفاق قال أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء الحي

 

 [ 927 ] حدثني علي بن حجر حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن أبي بردة عن أبيه قال لما أصيب عمر جعل صهيب يقول واأخاه فقال له عمر يا صهيب أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء الحي

[ 927 ] وحدثني علي بن حجر أخبرنا شعيب بن صفوان أبو يحيى عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى قال لما أصيب عمر أقبل صهيب من منزله حتى دخل على عمر فقام بحياله يبكي فقال عمر علام تبكي أعلي تبكي قال إي والله لعليك أبكي يا أمير المؤمنين قال والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يبكى عليه يعذب قال فذكرت ذلك لموسى بن طلحة فقال كانت عائشة تقول إنما كان أولئك اليهود

 

 [ 927 ] وحدثني عمرو الناقد حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن عمر بن الخطاب لما طعن عولت عليه حفصة فقال يا حفصة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المعول عليه يعذب وعول عليه صهيب فقال عمر يا صهيب أما علمت أن المعول عليه يعذب

 

 [ 928 ] حدثنا داود بن رشيد حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة قال كنت جالسا إلى جنب بن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان وعنده عمرو بن عثمان فجاء بن عباس يقوده قائد فأراه أخبره بمكان بن عمر فجاء حتى جلس إلى جنبي فكنت بينهما فإذا صوت من الدار فقال بن عمر كأنه يعرض على عمرو أن يقوم فينهاهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت ليعذب ببكاء أهله قال فأرسلها عبد الله مرسلة

 

 [ 927 ] فقال بن عباس كنا مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو برجل نازل في شجرة فقال لي اذهب فاعلم لي من ذاك الرجل فذهبت فإذا هو صهيب فرجعت إليه فقلت إنك أمرتني أن أعلم لك من ذاك وإنه صهيب قال مره فليلحق بنا فقلت إن معه أهله قال وإن كان معه أهله وربما قال أيوب مره فليلحق بنا فلما قدمنا لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب فجاء صهيب يقول واأخاه وا صاحباه فقال عمر ألم تعلم أو لم تسمع قال أيوب أو قال أو لم تعلم أو لم تسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله قال فأما عبد الله فأرسلها مرسلة وأما عمر فقال ببعض

   

 [ 928 ] حدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد قال بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة قال توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة قال فجئنا لنشهدها قال فحضرها بن عمر وابن عباس قال وإني لجالس بينهما قال جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان وهو مواجهه ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه

 

 [ 927 ] فقال بن عباس قد كان عمر يقول بعض ذلك ثم حدث فقال صدرت مع عمر من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل شجرة فقال اذهب فانظر من هؤلاء الركب فنظرت فإذا هو صهيب قال فأخبرته فقال ادعه لي قال فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق أمير المؤمنين فلما أن أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول وا أخاه وا صاحباه فقال عمر يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه  

 

 [ 929 ] وحدثنا عبد الرحمن بن بشر حدثنا سفيان قال عمرو عن بن أبي مليكة كنا في جنازة أم أبان بنت عثمان وساق الحديث ولم ينص رفع الحديث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما نصه أيوب وابن جريج وحديثهما أتم من حديث عمرو

 

 [ 930 ] وحدثني حرملة بن يحيى حدثنا عبد الله بن وهب حدثني عمر بن محمد أن سالما حدثه عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت يعذب ببكاء الحي

   

 [ 932 ] حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال ذكر عند عائشة أن بن عمر يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه فقالت وهل إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن وذاك مثل قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب يوم بدر وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال إنهم ليسمعون ما أقول وقد وهل إنما قال إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ثم قرأت { إنك لا تسمع الموتى } الآية { وما أنت بمسمع من في القبور } يقول حين تبوؤا مقاعدهم من النار    

 

 [ 933 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سعيد بن عبيد الطائي ومحمد بن قيس عن علي بن ربيعة قال أول من نيح عليه بالكوفة قرظه بن كعب قال المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة  

وروى أحمد:

 

294 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَقَالَ سَالِمٌ : فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ، يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ : أَرْسِلُوا إِلَيَّ طَبِيبًا يَنْظُرُ إِلَى جُرْحِي هَذَا . قَالَ : فَأَرْسَلُوا إِلَى طَبِيبٍ مِنَ الْعَرَبِ ، فَسَقَى عُمَرَ نَبِيذًا فَشُبِّهَ النَّبِيذُ بِالدَّمِ حِينَ خَرَجَ مِنَ الطَّعْنَةِ الَّتِي تَحْتَ السُّرَّةِ ، قَالَ : فَدَعَوْتُ طَبِيبًا آخَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ ، فَسَقَاهُ لَبَنًا ، فَخَرَجَ اللَّبَنُ مِنَ الطَّعْنَةِ صَلْدًا أَبْيَضَ ، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، اعْهَدْ . فَقَالَ عُمَرُ : صَدَقَنِي أَخُو بَنِي مُعَاوِيَةَ ، وَلَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ كَذَّبْتُكَ . قَالَ : فَبَكَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ ، فَقَالَ : لَا تَبْكُوا عَلَيْنَا ، مَنْ كَانَ بَاكِيًا فَلْيَخْرُجْ ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : " يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " . فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللهِ لَا يُقِرُّ أَنْ يُبْكَى عِنْدَهُ عَلَى هَالِكٍ مِنْ وَلَدِهِ وَلا غَيْرِهِمْ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين . يعقوب : هو ابن إبراهيم بن سعد ، وصالح : هو ابن كيسان. وأخرجه الترمذي (1002) ، والنسائي 4 / 15 - 16 عن يعقوب بن إبراهيم ، بهذا الإسناد . وقد تقدم برقم (180). والبكاء المنهي عنه إنما هو النياحة ، أو أن يكون قد أوصى هو بذلك ، وانظر (288) .

 

288 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ جَنَازَةَ أُمِّ أَبَانَ ابْنَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُودُهُ قَائِدُهُ ، قَالَ : فَأُرَاهُ أَخْبَرَهُ بِمَكَانِ ابْنِ عُمَرَ ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي وَكُنْتُ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا صَوْتٌ مِنَ الدَّارِ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " فَأَرْسَلَهَا عَبْدُ اللهِ مُرْسَلَةً

، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كُنَّا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ نَازِلٍ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ ، فَقَالَ لِي : انْطَلِقْ فَاعْلَمْ مَنْ ذَاكَ . فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هُوَ صُهَيْبٌ ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : إِنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَعْلَمَ لَكَ مَنْ ذَاكَ، وَإِنَّهُ صُهَيْبٌ . فَقَالَ : مُرُوهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا . فَقُلْتُ : إِنَّ مَعَهُ أَهْلَهُ . قَالَ : وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ - وَرُبَّمَا قَالَ أَيُّوبُ : مَرَّةً فَلْيَلْحَقْ بِنَا - فَلَمَّا بَلَغْنَا الْمَدِينَةَ لَمْ يَلْبَثْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أُصِيبَ ، فَجَاءَ صُهَيْبٌ فَقَالَ : وَا أَخَاهُ ، وَا صَاحِبَاهُ . فَقَالَ عُمَرُ : أَلَمْ تَعْلَمْ ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ - أَوْ قَالَ : أَوَلَمْ تَعْلَمْ ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " ؟ فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَأَرْسَلَهَا مُرْسَلَةً ، وَأَمَّا عُمَرُ فَقَالَ : " بِبَعْضِ بُكَاءِ ".

فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ عُمَرَ ، فَقَالَتْ : لَا وَاللهِ ، مَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَحَدٍ ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْكَافِرَ لَيَزِيدُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا " وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام : 164] .

قَالَ أَيُّوبُ : وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ ، قَالَ : لَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ ، قَالَتْ : إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونِي عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلا مُكَذَّبَيْنِ ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين . أيوب : هو ابن أبي تميمة السختياني. وأخرجه مسلم (928) (22) ، والبيهقي 4 / 73 من طريق إسماعيل بن علية ، بهذا الإسناد. وأخرجه النسائي 4 / 18 - 19 ، وابن حبان (3136) من طريقين عن عبد الله بن أبي مليكة ، به . وانظر ما بعده .

 

هذا الحديث مناقض لنص القرآن {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، وهو يدل على تناقض أفكار محمد وعدم وضوحها وغموضها وتضاربها، وقد حاولت عائشة كعادتها رفأ هذا الثقب والخرق بتبرير وتفسير للتهرب من التناقض، روى البخاري:

 

1288- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَقَالَتْ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عِنْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ {هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْأً

 

1289 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا

 

وروى مسلم:

 

[ 931 ] وحدثنا خلف بن هشام وأبو الربيع الزهراني جميعا عن حماد قال خلف حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه قال ذكر عند عائشة قول بن عمر الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقالت رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئا فلم يحفظه إنما مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي وهم يبكون عليه فقال أنتم تبكون وإنه ليعذب

 

[ 932 ] وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول إن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها

 

[ 929 ] فقال بن عباس فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد ولكن قال إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه قال وقالت عائشة حسبكم القرآن { ولا تزر وازرة وزر أخرى }  قال وقال بن عباس عند ذلك والله { أضحك وأبكى } قال بن أبي مليكة فوالله ما قال بن عمر من شيء

 

[ 929 ] فقمت فدخلت على عائشة فحدثتها بما قال بن عمر فقالت لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إن الميت يعذب ببكاء أحد ولكنه قال إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا وإن الله لهو { أضحك وأبكى } { ولا تزر وازرة وزر أخرى }  قال أيوب قال بن أبي مليكة حدثني القاسم بن محمد قال لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطىء

 

 [ 932 ] حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال ذكر عند عائشة أن بن عمر يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه فقالت وهل إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن وذاك مثل قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب يوم بدر وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال إنهم ليسمعون ما أقول وقد وهل إنما قال إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ثم قرأت { إنك لا تسمع الموتى } الآية { وما أنت بمسمع من في القبور } يقول حين تبوؤا مقاعدهم من النار

 

[ 927 ] وحدثني علي بن حجر أخبرنا شعيب بن صفوان أبو يحيى عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى قال لما أصيب عمر أقبل صهيب من منزله حتى دخل على عمر فقام بحياله يبكي فقال عمر علام تبكي أعلي تبكي قال إي والله لعليك أبكي يا أمير المؤمنين قال والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يبكى عليه يعذب قال فذكرت ذلك لموسى بن طلحة فقال كانت عائشة تقول إنما كان أولئك اليهود

 

واضح أن محاولات عائشة بها بعض التناقض مثلًا الروايات عنها تذكر مرة يهوديّ وفي أخرى يهودية، وقد أشار علماء الحديث لكونهم شكليين لاستحالة خطإ كل هؤلاء الصحابة أتباع محمد في رواية هذا الحديث، وصحة زعم عائشة ضدهم، ككتاب (استدراكات عائشة) للسيوطي، وواضح أن غرضها هو عمل دفاع لاهوتي وتصحيح للتناقضات بنظرة إلى البعيد وما ستتعرض له النصوص من نقد.

 

وانظر أحمد (268) و(294) و(288) ، و(354) و (4865) و(4959) (5262) (6182) ، وانظر (6195). وفي الباب عن عمر برقم (180). وعن المغيرة بن شعبة 4/245. وعن أبي موسى الأشعري 4/414. وعن سمرة بن جندب 5/10.

 

وبعض ألفاظ الروايات لا تترك مجالًا لتبرير وتأويل عائشة، فروى مسلم:

 

[ 933 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سعيد بن عبيد الطائي ومحمد بن قيس عن علي بن ربيعة قال أول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب قال المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة

 

وروى أحمد:

 

5262 - حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يُنَحْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. سعيد بن عبيد: هو الطائي. وأخرجه ابن أبي شيبة 3/389 عن وكيع، بهذا الِإسناد. وقد سلف برقم (4865) .

 

والنهي العام عن النواح:

روى البخاري:

 

7215 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ بَايَعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْنَا { أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا } وَنَهَانَا عَنْ النِّيَاحَةِ فَقَبَضَتْ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا فَقَالَتْ فُلَانَةُ أَسْعَدَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ فَمَا وَفَتْ امْرَأَةٌ إِلَّا أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ الْعَلَاءِ وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ أَوْ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ

 

رواه مسلم 936 وأحمد (20791) و(20796) و (20797) و (20798) وحديث محمد بن سيرين عند أحمد من طريق هشام بن حسان وحبيب بن الشهيد عنه 6/408 ولفظه: أن رسول الله أخذ على النساء أن لا ينُحن. فقالت امرأة: يا رسول الله إن امرأة أسعدتني أفلا أسعدها؟ فقبضت يدها وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده فلم يُبايعها. ومن طريق هشام بن حسان برقم (20791) و (20798) ، ومن طريقه 6/408 عن حفصة. ومن طريق عبد الواحد بن زياد، عن عاصم الأحول، عن حفصة 6/408. والنهي عن الإسعاد من حديث أنس بن مالك برقم (13032) وغيره

 

1306 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ نِسْوَةٍ أُمِّ سُلَيْمٍ وَأُمِّ الْعَلَاءِ وَابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ ابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى


1305 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ لَمَّا جَاءَ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنِي أَوْ غَلَبْنَنَا الشَّكُّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَوْشَبٍ فَزَعَمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ

 

وروى أحمد:

 

3658 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي زُبَيْدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ "

إسناده صحيح على شرط الشيخين. يحيى: هو ابن سعيد القطان، وسفيان: هو الثوري، وزبيد: هو ابن الحارث اليامي، وابراهيم: هو ابن يزيد النخعي، ومسروق: هو ابن الأجدع الهمْداني. وأخرجه الترمذي (999) ، والنسائي في "المجتبى" 4/20، وفي "الكبرى" (1989) ، وابن ماجه (1584) ، وابن الجارود في "المنتقى" (516) ، من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأخرجه البخاري (1294) و (3519) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/134-135، والشاشي (384) ، وأبو نعيم في "الحلية" 5/39، والبيهقي في "السنن" 4/64، من طرق عن سفيان الثوري، به. وأخرجه الدولابي في "الكنى" 2/149 من طريق منصور، عن زبيد، به. وسيأتي من طريق سفيان برقم (4215) ، ومن طريق الأعمش برقم (4111) و (4361) و (4430) . وفي الباب عن أبي موسى الأشعري عند مسلم (104) ، سيرد 4/396 و404 و416. وعن أبي أمامة عند ابن ماجه (1585) ، وابن حبان (3156) .

قوله: "ليس منا": من أهل طريقتنا وسنتنا. والمقصود أن هذا الفعل خارج من طريقتنا. قاله السندي.

 

13032 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ حِينَ بَايَعَهُنَّ أَنْ لَا يَنُحْنَ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ نِسَاءً أَسْعَدْنَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَنُسْعِدُهُنَّ فِي الْإِسْلَامِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا إِسْعَادَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا شِغَارَ ، وَلَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا جَلَبَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا جَنَبَ ، وَمَنْ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. وهو في "مصنف عبد الرزاق" (6690) ، ومن طريقه أخرجه مقطعاً عبد بن حميد (1253) ، وأبو داود (3222) ، والترمذي (1601) ، والنسائي 4/16، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1895) ، وابن حبان (3146) ، والبيهقي 4/62 .

والنهي عن الشِّغار سلف من هذا الطريق برقم (12686) ، وشُرح معناه هناك.

وسلف النهي عن النهبة من طريق الربيع بن أنس وحميد، كلاهما عن أنس برقم (12422) .

وانظر أيضاً ما سلف برقم (12658) .

وفي باب مبايعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النساء على عدم النياحة، انظر ما سيأتي في مسند أم عطية 6/407.

قوله: "ولا عقْر" قال السندي: العقْر: ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم، وكانوا يعقرون الإبل على قبور الموتى، أي: ينحرونها، ويقولون: صاحب القبر كان يعقر للأضياف، فنكافئه بمثله. وبقية الحديث قد سبقت شروحه، انظر (12658) .

 

 

7560 - حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثٌ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُهُنَّ أَهْلُ الْإِسْلَامِ: النِّيَاحَةُ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاءِ " وَكَذَا قُلْتُ لِسَعِيدٍ: وَمَا هُوَ ؟ قَالَ: " دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ: يَا آلَ فُلَانٍ، يَا آلَ فُلَانٍ

 

إسناده حسن، عبد الرحمن بن إسحاق -وهو ابن عبد الله بن الحارث المدني- استشهد به البخاري ومسلم ولم يحتجا به، وهو حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات. سعيد: هو ابن أبي سعيد المقبري.

وأخرجه ابن حبان (3141) عن أحمد بن علي بن المثنى أبي يعلى الموصلي، عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن ربعي بن إبراهيم، بهذا الإسناد، بغير هذه السياقة، فهو عنده بلفظ "ثلاث من عمل الجاهلية، لا يتركهن أهل الإسلام: النياحة، والاستسقاء بالأنواء، والتعاير" .

فكأن سعيدا -كما قال الشيخ أحمد شاكر- نسي الثالثة، وشك فيها، فقال في رواية "المسند" هنا: "وكذا " حتى سأله عبد الرحمن بن إسحاق فقال: "دعوى الجاهلية" ثم لعله استذكر أو استيقن مرة أخرى فلم يشك، وقال دون سؤال: "والتعاير"، يعني التعاير في الأنساب والطعن فيها، وهذا هو الثابت في سائر الروايات التي رأينا من حديث أبي هريرة وغيره.

قلنا: وقد روي عن سعيد المقبري من غير هذا الوجه، فلم يذكر فيه سوى اثنتين، فإنه سيأتي عند المصنف برقم (9574) من طريق محمد بن عجلان، عن أبيه عجلان وسعيد المقبري، عن أبى هريرة رفعه: "شعبتان من أمر الجاهلية لا يتركهما الناس أبداً: النياحة، والطعن في النسب" وهو حديث قوي.

وسيأتي برقم (7908) من طريق أبي الربيع المدني، عن أبي هريرة رفعه: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعوهن: التطاعن في الأنساب، والنياحة، ومطرنا بنوء كذا وكذا، والعدوى..." . وإسناده حسن.

وبرقم (8905) من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة رفعه: "اثنتان هما كفر: النياحة، والطعن في النسب" . وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري (3850). وعن أبي مالك الأشعري، سيرد 5/342-343. وعن غير واحد من الصحابة، انظر "مجمع الزوائد" 3/12 و13.

 

7908 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْبَعٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَنْ يَدَعَهُنَّ النَّاسُ: التَّعْيِيرُ فِي الْأَحْسَابِ ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْأَنْوَاءُ ، وَالْعَدْوَى، وَأَجْرَبَ بَعِيرٌ فَأَجْرَبَ مِائَةً، مَنْ أَجْرَبَ الْبَعِيرَ الْأَوَّلَ ؟ "

 

حديث صحيح، المسعودي متابَعٌ، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير = أبي الربيع -وهو المدني- فقد روى له البخاري في "الأدب" والترمذي، وروى عنه ثلاثة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات". وأخرجه الطيالسي (2395) ، ومن طريقه الترمذي (1001) ، والبيهقي في "الشعب" (5143) عن شعبة والمسعودي، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن.

وسيأتي برقم (9872) و (9365) و (9878) و (10809) و (10871) ، وانظر ما سلف برقم (7560) و (7620) ، وما سيأتي برقم (9165) .

 

وتبدو هذه الأحاديث كإدانات اتخذت شكل نبوآت ملفَّقة منسوبة إلى محمد بأثر رجعي وإدراك متأخر، ممن عاشوا بعد محمد بقرون.

 

وروى البخاري:

 

3850 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خِلَالٌ مِنْ خِلَالِ الْجَاهِلِيَّةِ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ قَالَ سُفْيَانُ وَيَقُولُونَ إِنَّهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاءِ

 

وروى مسلم:

 

[ 103 ] حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع ح وحدثنا بن نمير حدثنا أبي جميعا عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية هذا حديث يحيى وأما بن نمير وأبو بكر فقالا وشق ودعا بغير ألف

   

[ 104 ] حدثنا الحكم بن موسى القنطري حدثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن القاسم بن مخيمرة حدثه قال حدثني أبو بردة بن أبي موسى قال وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال أنا بريء مما بريء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة والحالقة والشاقة

[ 104 ] حدثنا عبد بن حميد وإسحاق بن منصور قالا أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا أبو عميس قال سمعت أبا صخرة يذكر عن عبد الرحمن بن يزيد وأبي بردة بن أبي موسى قالا أغمي على أبي موسى وأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة قالا ثم أفاق قال ألم تعلمي وكان يحدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق

 

 [ 104 ] حدثنا عبد الله بن مطيع حدثنا هشيم عن حصين عن عياض الأشعري عن امرأة أبي موسى عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثنيه حجاج بن الشاعر حدثنا عبد الصمد قال حدثني أبي حدثنا داود يعني بن أبي هند حدثنا عاصم عن صفوان بن محرز عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثني الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الصمد أخبرنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث غير أن في حديث عياض الأشعري قال ليس منا ولم يقل بريء

 

وروى الطبراني في ج12 من المعجم الكبير:

 

13606- حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَابْلُتِّيُّ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ نَهِيكٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَطَاءً ، يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : وَعَادَ أَبَا سَلَمَةَ وَهُوَ وَجِعٌ ، فَسَمِعَ قَوْلَ أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي فَنَكَلَ نَبِيُّ اللهِ عَنِ الدُّخُولِ حِينَ سَمِعَهَا تَبْكِيهِ بِكِتَابِ اللهِ تَقُولُ : {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} فَدَخَلَ , ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ ، فَلَمَّا خَرَجَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ لَهُ : رَأَيْتُكَ يَا رَسُولَ اللهِ كَرِهْتَ الدُّخُولَ ، لأَنَّهُمْ يَنُوحُونَ ، قَالَ : لَسْتُ أَدْخُلُ دَارًا فِيهَا نَوْحٌ وَلاَ كَلْبٌ أَسْوَدُ.

 

عمومًا النياحة كانت واجبًا دينيًّا عند الشعوب الشرقية القديمة، كمصر وبابل وفارس واليهود القدماء كما في كتابهم المقدس، وكانت تعتبر واجبًا وتكريمًا للراحلين عن الحياة، رغم نهي محمد عن النياحة، وهو كما سنورد بباب المصادر متشابه أو مقتبَس من الزردشتية الفارسية، فكما نلاحظ لم تترك أغلب نساء تلك الشعوب النوح والنياحة والعويل بصورة تعتبر من التقاليد والطقسيات، فربما نجد من يبكين من نساء الغرب موتاهن لكن ليس بتلك الطريقة الهستيرية الصراخية الشبه طقسية، أذكر أن امرأة ماتت لها قريبة فعالت وصاحت تلك الصيحات في البناية، فهربت قططي البلدية فزعاتٍ من نافذة الشباك في الدور الأرضي حيث تقع شقتي! ونلاحظ من الحديث عدم الجدية من أول وضع التشريع في تنفيذه، فمن البدابة تؤخر إحداهن أمام محمد مبايعتها حتى ترد المجاملة لامرأة جاملتها بالعويل في جنازة لقريب لها (وكانوا يسمونه الإسعاد)!. وعمليًّا لم تعمل الكثيرات من الشرقيات التقليديات بهذا الحكم، يتعلق الأمر بدين وتقليد قديم جدًّا متجذر في الوعي الجمعي الشعبي لهذه الشعوب، وحقيقة بحكم تنشئتي الثقافية لم أكتسب مثل هذا الوعي القطيعي، ولن تجد ممارسات كهذه في الأوساط الراقية منذ عدة أجيال أو كابرًا عن كابر غالبًا لاختلاف الوسط الثقافي لهم عن الطبقات الشعبية التي تشكل أغلبية العرب. ومنذ ما قبل محمد نهت الزردشتية عن النوح وكما ترى لم تترك الفارسيات النياحة والعويل، ديانتان لم تنجحا في إزالة تقليد قديم كهذا! ربما يخبرنا هذا شيئًا عن الوعي الجمعي للعقول البدائية للشعوب القديمة وتفاعلات التقاليد والأديان المتبادلة. محمد نفسه قبل التحريم كان حزينًا لما مات محمد فقال (لكن حمزة لا بواكي له) فجاملته اليثربيات بالبكاء له كما ذكرنا في باب (أول من خالف) وباب (تناقضات الأحاديث). وعند موت جعفر بن أبي طالب لم يهتم كثيرًا بنهي نسائه وقريباته عن النياحة، روى البخاري:


1305 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ لَمَّا جَاءَ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنِي أَوْ غَلَبْنَنَا الشَّكُّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَوْشَبٍ فَزَعَمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ

 

لو كان محمد مهتمًّا جدًّا بالتشديد على نساء مصابات في فقيدهن بهذا التعليم الديني بطريقة لا تراعي مشاعرهن لكان ذهب بنفسه لهن لإحراجهن وإلزامهن ذلك، لكن رده بالأمر بحثو التراب في أفواههن رد يدل على عدم رغبته في ذلك لأن لا أحد طبيعي عنده انعدام لياقة كافٍ ليفعل شيئًا كهذا. وتقول الأحاديث أنه أمهل آل جعفر ثلاثة أيام للبكاء والنوح، روى أحمد:

 

1750 - حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي يَعْقُوبَ، يُحَدِّثُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا، اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ " فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ " فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَتَى خَبَرُهُمِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: " إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ، وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ -، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ - أَوِ اسْتُشْهِدَ - ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ "  فَأَمْهَلَ، ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ - ثَلاثًا - أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: " لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا إلِي ابْنَيِ أخِي " قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلاقَ، فَجِيءَ بِالْحَلاقِ فَحَلَقَ رُءُوسَنَا، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي " ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا ، فَقَالَ: " اللهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ "، قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالَ: فَجَاءَتِ أمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا، وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ، فَقَالَ: " الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؟!"

 

إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الحسن بن سعد، فمن رجال مسلم. محمد بن أبي يعقوب: هومحمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، نسب هنا إلى جده. وأخرجه بتمامه ابن سعد 4/36-37، والنسائي في "الكبرى" (8604) من طريق وهب بن جرير، بهذا الإسناد. وليس عند النسائي قوله: "فجاءت أمنا فذكرت له..." إلى آخر الحديث. وأخرجه مختصراً أبو داود (4192) ، وابن أبي عاصم في"الآحاد والمثاني" (434) ، والنسائي في "المجتبى" 8/182- وسقط من المطبوع: "الحسن بن سعد" وهوثابت في "الكبرى" (9295) -، وفي "الكبرى" (8160) من طريق وهب بن جرير، به.

وقوله: "فأشالها" أي: رفعها. وقوله: "جعلت تفرح له" قال ابن الأثير في "النهاية" 3/423: قال أبو موسى: هكذا وجدته بالحاء المهملة، وقد أضرب الطبراني عن هذه الكلمة فتركها من الحديث، فإن كان بالحاء، فهو من أفرحه: إذا غَمه وأزال عنه الفرح، وافرحه الدينُ: إذا أثقله، وإن كانت بالجيم فهو من المُفْرَج الذي لا عشيرة له، فكأنها أرادت أن أباهم توفي ولا عشيرة لهم، فقال النبىِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتخافين العيلة وأنا وليهم؟"   والعيلة: الفاقة والفقر والحاجة.

 

ومن الطريف أن عائشة ناحت على محمد نفسه مع باقي النساء من قومه وأتباعه، كما روى أحمد:

 

26348 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَقُولُ: " مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي، وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنِّي أَنَّ رَسُولَ اللهِ قُبِضَ وَهُوَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ وَضَعْتُ رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ، وَقُمْتُ أَلْتَدِمُ مَعَ النِّسَاءِ، وَأَضْرِبُ وَجْهِي ".

 

إسناده حسن من أجل ابن إسحاق: وهو محمد، وقد صرح بالتحديث هنا، فانتفت شبهة تدليسه. وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أخرج له أصحاب السنن، وهو ثقة، يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.

وأخرجه أبو يعلى (4586) ، والبيهقي في "الدلائل" 7/213 من طريقين عن ابن إسحاق، بهذا الإسناد.

وأخرجه مختصراً ابن سعد 2/261-262 و262 من طريق عيسى بن معمر، وأبي الأسود، كلاهما عن عباد بن عبد الله، عن عائشة، به. قلنا: لكن في طريقهما الواقدي، وهو متروك.

وأخرجه ابن سعد 2/262 من طريق زيد بن أبي عتاب، عن عروهَ، عن عائشة، به. قلنا: وفي طريقه الواقدي كذلك، وهو متروك.

وقد سلف نحوه برقم (24039) و (24216) .

قلنا: وقولها: وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي. فيه نكارة ولم نجده إلا في هذه السياقة، والسيدة عائشة زوجة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخفى عليها حديث ابن مسعود مرفوعاً: ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية" وهو حديث صحيح سلف في مسند ابن مسعود برقم (3658) ، وقال السندي في تفسيره هناك: ليس منا، أي: ليس من أهل طريقتنا وسنتنا.

 

أما البكاء المعتدل كحزن وشعور بالأسى على الميت فلا ينهي عنه الإسلام وأحاديث محمد، بل النهي هو عن النواح المتخذ صورة هستيرية كتقليد وشبه طقس قديم وعُرْف.

 

روى أحمد:

 

(21776) 22119- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ ، يُحَدِّثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : أَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُ بَنَاتِهِ : أَنَّ صَبِيًّا لَهَا ابْنًا أَوِ ابْنَةً قَدِ احْتُضِرَتْ ، فَاشْهَدْنَا . قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا يَقْرَأُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ : إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ ، فَقَامَ وَقُمْنَا ، فَرُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَى حِجْرِ ، أَوْ فِي حِجْرِ ، رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ ، وَفِي الْقَوْمِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَأُبَيٌّ ، أَحْسِبُ ، فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : هَذِهِ رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ.

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين . عاصم الأحول: هو ابن سليمان، وأبو عثمان: هو عبد الرحمن بن ملٍّ النَّهدي .

وأخرجه الطيالسي (636) ، والبخاري (5655) و (6655) ، وأبو داود (3125) ، وأبو عوانة في الجنائز كما في "إتحاف المهرة" 1/294، والبغوي (1527) من طرق عن شعبة، بهذا الإسناد . وقرن الطيالسيُّ بشعبةَ ثابتاً أبا زيد .

وأخرجه بنحوه البخاري في "الصحيح" (1284) و (6602) و (7377) و (7448) ، وفي "الأدب المفرد" (512) ، ومسلم (923) ، وابن ماجه (1588) ، وابن أبي الدنيا في "العيال" (259) ، والبزار في "مسنده" (2593) و (2594) ، والنسائي 4/21-22، وابن حبان (461) ، والطبراني في "الكبير" (398) ، والبيهقي في "السنن" 4/65، وفي "الآداب" (925) من طرق عن عاصم بن سليمان الأحول، به .

وسيأتي عن أبي معاوية برقم (21779) و (21799) ، وعن عبد الرزاق عن سفيان برقم (21789) ، كلاهما عن عاصم الأحول .

قال السندي: "قد احتُضرت" على بناء المفعول، أي: حَضَرها الموتُ .

"تَقعقَعُ" أي: تضطرب وتتحرَّك .

 

2475 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتًا لَهُ تَقْضِي فَاحْتَضَنَهَا، فَوَضَعَهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَمَاتَتْ وَهِيَ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، فَصَاحَتْ أُمُّ أَيْمَنَ، فَقِيلَ: أَتَبْكِي عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ: أَلَسْتُ أَرَاكَ تَبْكِي يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " لَسْتُ أَبْكِي، إِنَّمَا هِيَ رَحْمَةٌ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ بِكُلِّ خَيْرٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إِنَّ نَفْسَهُ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ وَهُوَ يَحْمَدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ "

 

إسناده حسن، سفيان -وهو الثوري- روى عن عطاء بن السائب قبل اختلاطه.

أبو أحمد: هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري.

وأخرجه الترمذي في "الشمائل" (318) من طريق أبي أحمد الزبيري، بهذا الإسناد. وانظر (2412) و (2704) .

ويشهد لقوله: "هذه رحمة" ما عند البخاري (1284) ، ومسلم (923) من حديث أسامة بن زيد، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة ابن ابنته حين أتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به وهو في الموت فبكى، ثم قال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحمُ الله مِن عباده الرحماءَ". وسيأتي في "المسند" 5/204.

ويشهد لقوله: "إن المؤمن تخرج نفسه..." حديث أبي هريرة عند أحمد 2/361 عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قال الله عز وجل: إن المؤمنَ عندي بمنزلة كل خيرٍ، يَحمَدُني وأنا أنْزِعُ نفسه من بين جنبيه" وإسناده جيد.

2412 - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى بَعْضِ بَنَاتِهِ وَهِيَ فِي السَّوْقِ، فَأَخَذَهَا وَوَضَعَهَا فِي حِجْرِهِ حَتَّى قُبِضَتْ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَبَكَتْ أُمُّ أَيْمَنَ، فَقِيلَ لَهَا: أَتَبْكِينَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ: أَلا أَبْكِي وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي ؟ قَالَ: " إِنِّي لَمْ أَبْكِ، وَهَذِهِ رَحْمَةٌ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ تَخْرُجُ نَفْسُهُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ وَهُوَ يَحْمَدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ "

 

حديث حسن، عطاء بن السائب روى له أصحاب السنن، وهو صدوق لكنه اختلط، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير عكرمة، فمن رجال البخاري، وسيأتي الحديث برقم (2475) من طريق سفيان الثوري عن عطاء بن السائب، به، وسفيان الثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط. معاوية بن عمرو: هو ابن المهلب بن عمرو الأزدي، وأبو إسحاق: هو إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري.

وأخرجه ابن أبي شيبة 3/394، وعبد بن حميد (593) من طريق سعيد بن زيد أخي حماد بن زيد، والبزار (808 - كشف الأستار) من طريق جرير بنِ عبد الحميد، والنسائي 4/12 من طريق أبي الأحوص، ثلاثتهم عن عطاء بن السائب، بهذا الإسناد. ولفظ المرفوع منه عند البزار: "إني لست أبكي، ولكنها رحمة، نظرتُ إليها على هذه الحال ونفسها تنزع". وسيأتي الحديث برقم (2475) و (2704) .

 

وروى البخاري:

 

1303 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ هُوَ ابْنُ حَيَّانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ رَوَاهُ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ المُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ


1284 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ قَالَ حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا فَقَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ

 

وللاطلاع على تكرار لهذه النصوص جميعها في كتب الشيعة راجع موسوعة العلامة المجلسي (بحار الأنوار) ج79 من النسخة الإلكترونية الجامعة للمئة والعشرة أجزاء في ملف إلكتروني واحد/ باب 16 : التعزية والماتم وآدابهما وأحكامهما

 

طول مدة الحيض بسبب شيطان يؤذي الرحم!

 

جاء في الأﭬستا/ فارجارد16: 11، ص 356 من الترجمة العربية:

 

11- فإذا رأت المرأةُ الدمَ بعد مضي تسع ليالٍ، تكون الأبالسة قد أصابتها بسبب عبادة وتمجيد الأبالسة. يختار عباد مازدا طريقًا خاليًا من الخشب والنباتات ولأشجار. 12- ويحفرون ثلاث حفر في الأرض، ويغسلون المرأة ببول الثور عند حفرتين من تلك الحفر، وبالماء عند الحفرة الثالثة. ...إلخ.

 

روى الترمذي:

 

128 - حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما تأمرني فيها قد منعتني الصيام والصلاة ؟ قال أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم قالت هو أكثر من ذلك ؟ قال فتلجمي قالت هو أكثر من ذلك ؟ قال فاتخذي ثوبا قالت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجا ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم سآمرك بأمرين أيهما صنعت أجزأ عنك فإن قويت عليهما فأنت أعلم فقال إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي وصلي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن فإذا قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين - فافعلي وتغسلين مع الصبح وتصلين وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ و ] هو أعجب الأمرين إلي

قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ورواه عبيد الله بن عمرو و الرقى و ابن جريح و شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة إلا أن ابن جريج يقول عمر بن طلحة والصحيح عمران بن طلحة [ قال ] وسألت محمدا عن هذا الحديث ؟ فقال هو حديث حسن [ صحيح ] [ و ] هكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح وقال أحمد و إسحق في المستحاضة إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره وإقباله أن يكون أسود وإدباره أن يتغير الى الصفرة - فالحكم لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرانها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش [ وكذلك قال أبو عبيد ] وقال الشافعي المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنها تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوما فإذا طهرت في خمسة عشر يوما أو قبل ذلك فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوما ثم تدع الصلاة و بعد ذلك أقل ما تحيض النساء وهو يوم وليلة قال أبو عيسى واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره فقال بعض أهل العلم أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يأخذ ابن المبارك وروى عنه خلاف هذا وقال بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر [ يوما ] وهو قول مالك و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و أحمد و إسحق و أبي عبيد

 

قال الألباني: حسن

 

روى أبو داوود:

 

296 - حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن سهيل يعني ابن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس قالت قلت: يا رسول الله إن فاطمة بننت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله إن هذا من الشيطان لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا وتغتسل للفجر غسلا واحدا وتتوضأ فيما بين ذلك "

 قال أبو داود رواه مجاهد عن ابن عباس لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين

 قال أبو داود ورواه إبراهيم عن ابن عباس وهو قول إبراهيم النخعي وعبد الله بن شداد .

 

قال الألباني: صحيح

المركن: إناء يغسل فيه الثياب 

 

287 - حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت يا رسول الله إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها ؟ قد منعتني الصلاة والصوم ؟ فقال: " أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم " قالت هو أكثر من ذلك قال " فاتخذي ثوبا " فقالت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم " قال لها " إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك وكذلك فافعلي [ في ] كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الفجر فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " وهذا أعجب الأمرين إلي "

 قال أبو داود ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل قال فقالت حمنة [ فقلت ] هذا أعجب الأمرين إلي لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه و سلم جعله كلام حمنة

 قال أبو داود وعمرو بن ثابت رافضي [ رجل سوء ولكنه كان صدوقا في الحديث وثابت بن المقدام رجل ثقة ] وذكره يحيى بن معين

 قال أبو داود سمعت أحمد يقول حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء .

 

قال الألباني: حسن لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه و سلم جعله كلام حمنة

 

وروى أحمد:

 

24972 - حدثنا أحمد بن الحجاج، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة، أن أم حبيبة بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وأنها استحيضت ، فلا تطهر، فذكر شأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ليست بالحيضة ، ولكنها ركضة من الرحم، فلتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض له، فلتترك الصلاة، ثم لتنظر ما بعد ذلك، فلتغتسل عند كل صلاة، ولتصل "

 

حديث صحيح ، دون قوله : "فلتغتسل عند كل صلاة ولتصل" فهو غير محفوظ ، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير أحمد بن الحجاج - وهو المروزي - فمن رجال البخاري ، أبو بكر : هو ابن محمد بن عمرو بن حزم ابن أخت عمرة بنت عبد الرحمن. وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1 / 98 ، والبيهقي في "السنن" 1 / 349 - 350 ، وفي "معرفة السنن والآثار" (2208) من طريقين عن عبد العزيز ابن أبي حازم ، بهذا الإسناد. وأخرجه النسائي في "المجتبى" 1 / 120 - 121 و183 ، وفي "الكبرى" (218) ، وأبو عوانة 1 / 323 - 324 ، والبيهقي 1 / 349 - 350 من طريقين عن يزيد بن الهاد ، به. وقد سلف برقم (24523) و (24538) بإسناد صحيح . وقوله : "فلتغتسل عند كل صلاة ولتصل". ورد هنا من قوله وأمره صلى الله عليه وسلم ، وقد صرح الزهري في الرواية (24523) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالغسل عند كل صلاة ، وإنما فعلته أم حبيبة من نفسها. ونقل البيهقي 1 / 350 عن أبي بكر بن إسحاق قوله : قال بعض مشايخنا : خبر ابن الهاد غير محفوظ. وسيأتي بنحو رواية ابن الهاد ، من طريق ابن إسحاق برقم (26005) وإسناده ضعيف. وانظر أحمد (27474).

قال السندي : قوله : "ولكنها ركضة" ، أي : ركضة من الشيطان ، كما في رواية ، وهي الضرب بالرجل والإصابة بها ، ونسب إلى الشيطان لأنه وجد به طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها ، ومعنى "من الرحم"، أي : في الرحم .

 

معروف علميًّا اليوم أن حالة طول فترة الحيض تستدعي استشارة طبيب أمراض تناسلية أو نساء وتوليد، وهو مرتبط إما بخلل هرموني أو شيء في الأوردة الدموية. لا علاقة لذلك بخرافات كشيطان خرافي لا وجود له، هذه خرافة غير مفيدة عمليًّا وليس لها أي فائدة، عكس العلم الطبي النافع للعلاج. وهذا الحديث كما سنكمل نقاشه في باب التناقضات سبب مشكلة للفقهاء لأنه يطلب شيئًا صعبًا جدًّا على المريضة وهو الغسل عند كل صلاة أو صلاتين وهو أمر مستحيل! وبعض أسانيده صحيحة.

 

تطهير الأواني بحكها بالتراب

 

طريقة بدائية للتنظيف، والصابون أقوى منها وأكثر فاعلية بملايين المرات.

 

جاء في الأﭬستا،

 

73- يا خالق العالم الدنيوي، أيها المقدس! هل يمكن لأواني الطعام أن تعود طاهرةً بعد أن لامستها جيفة كلبٍ أو جثة إنسان؟

74- أجاب آهورامازدا: "يمكن تطهيرها، يا زردشت المقدس!".

- وكيف ذلك؟

إذا كانت الأواني من ذهب فيجب غسلها ببول الثور مرة، وفركها بالتراب مرة، وغسلها بالماء مرة فتتطهر.

75- وإذا كانت من نحاس فيجب غسلها ببول الثور ثلاث مرات، وفركها بالتراب ثلاث مرات، وغسلها بالماء ثلاث مرات فتتطهر.

وإذا كانت من معدن فيجب غسلها ببول الثور ست مرات، وفركها بالتراب ست مرات، وغسلها بالماء ست مرات فتتطهر.

وإذا كانت من تراب أو خشب أو طين فستبقى نجسة إلى أبد الآبدين.

 

قار مع خرافة نجاسة الكلب في الإسلام وطقس تطهير الأواني من لعقه لها (ولو أن الكتاب الزردشتي المقدس على العكس اعتبر الكلب حيوانًا له احترامه وتقديره لدرجة تحديد كمية طعامه اليومية لو امتلكه واستعمله أحد بنفس الكمية المماثلة لإنسان، وكذلك توجد دية وكفارة على قتله بالخطإ وعقوبة شديدة بالجلد على قتله عمدًا، وغيرها من تشريعات لرعاة مادي وفارس الذين كان يمثل الكلب لهم قائمًا بدور هام في الرعي والحراسة من اللصوص والذئاب)

 

روى مسلم:

 

 [ 279 ] وحدثني علي بن حجر السعدي حدثنا علي بن مسهر أخبرنا الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليُرِقْهُ ثم ليغسله سبع مرار

 

 [ 279 ] وحدثني محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الأعمش بهذا الإسناد مثله ولم يقل فليرقه

 

 [ 279 ] حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات

 

 [ 279 ] وحدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب

 

 [ 279 ] حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات

 

 [ 280 ] وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي التياح سمع مطرف بن عبد الله يحدث عن بن المغفل قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وقال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب

 

وروى أحمد:

 

20566 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَبَهْزٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: " مَا لَكُمْ وَلِلْكِلَابِ "، ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ، وَالْغَنَمِ

وَقَالَ فِي الْإِنَاءِ: " إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ اغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ فِي الثَّامِنَةِ بِالتُّرَابِ "

 

إسناده صحيح على شرط الشيخين. بهز: هو ابن أسد، وأبو التياح: هو يزيد بن حُميد الضُّبعي، ومطرِّف: هو ابن عبد الله بن الشِّخِّير. وأخرجه تاماً ومختصراً مسلم (280) و (1573) (49) ، وابن ماجه (3201) من طريق محمد بن جعفر وحده، بهذا الإسناد. وأخرجه النسائي 1/177، والدارقطني 1/65 من طريق بهز بن أسد وحده، به. وسلف الحديث في مسند المدنيين عن يحيى القطان عن شعبة برقم (16792) . وانظر ما سيأتي برقم (20568) .

 

7604 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ، فَاغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ "

 

إسناداه صحيحان على شرط الشيخين . وهو بالإِسناد الأول في "مصنف عبد الرزاق" (330) ، ومن طريقه أخرجه أبو عوانة 1/207-208. وأخرجه أبو داود (71) ، وابن خزيمة (95) و (97) ، وأبو عوانة 1/207-208 و208 من طرق عن هشام بن حسان، بهذا الإسناد. وزادوا في آخره: "أولاهن بالتراب وسيأتي الحديث بهذه الزيادة برقم (9511) عن ابن عُلية، وبرقم (10595) عن يزيد بن هارون، كلاهما عن هشام بن حسان. وهو بالإِسناد الثاني في "المصنف" أيضاً (331) ، ومن طريقه أخرجه أبو عوانة 1/208. وأخرجه الحميدي (968) عن سفيان بن عيينة، وابن الجارود (52) عن علي بن سلمة، عن سفيان بن عيينة، عن أيوب، به -وزاد فيه: "أولاهن أو إحداهن بالتراب". وأخرجه الشافعي 1/23-24، ومن طريقه أبو عوانة 1/208، وأبو نُعيم في "الحلية" 9/158، والبيهقي 1/241، والبغوي (289) عن سفيان بن عيينة، عن أيوب، به -لكن قال فيه: "أولاهن أو أخراهن بالتراب"! قلنا: ورواية الحميدي أرجح، فهو أثبتُ الناس في ابن عيينة، وأجلّ أصحابه، وكان راويته، ثم إنه قد تابعه على لفظه راوٍ آخر، وهو علي بن سلمة عند ابن الجارود. وأخرجه الترمذي (91) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/21، وفي "مشكل الآثار" (2650) من طريق معتمر بن سليمان، عن أيوب، به -وفيه عند الترمذي: "أولاهن أو أخراهن من التراب"، وفي "مشكل الآثار": "أولاهن أو قال: أولهنَّ بالتراب"، وفي "شرح المعاني": "أولاهن بالتراب" فقط . قال الترمذي: حسن صحيح. وسيأتي مثل ما في "شرح المعاني" برقم (10341) من طريق سعيد عن أيوب. وأخرجه موقوفاً أبو داود (72) من طريق معتمر بن سليمان وحماد بن زيد، والدارقطني 1/64 من طريق حماد بن زيد، كلاهما عن أيوب، به. وأخرجه أبو داود (73) ، والنسائي 1/177-178، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/21، والدارقطني 1/64، والبيهقي 1/241 من طريق قتادة، وأخرجه الطحاوي أيضاً 1/21، وفي "مشكل الآثار" (2648) ، والدارقطني 1/64 من طريق قرة بن خالد، والدارقطني 1/64 و240 من طريق الأوزاعي، والخطيب  فى "تاريخه" 11/109 من طريق ابن عون، أربعتهم عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعاً. وفيه عندهم: أولاهن بالتراب، غير قتادة فقد اختلف عليه، فبعضهم قال عنه: أولاهن بالتراب، وبعضهم قال: السابعة بالتراب!

قال الحافظ في "الفتح" 1/276: رواية "أولاهن" أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية، ومن حيث المعنى أيضاً، لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسله أخرى لتنظيفه، وقد نص الشافعي في "حرملة" على أن الأولى أولى، والله أعلم. وانظر تمام كلامه فيه. وسلف الحديث برقم (7346) من طريق الأعرج عن أبي هريرة، دون هذه الزيادة.

 

خرافات عجيبة مضحكة، لو أن الكلب مربى بعناية في حديقة المنزل ولا يخرج خارجًا ليأكل قمامة وهو يتلقى تطعيماته، فلا مشكلة البتة من لعابه أو سؤره، إننا نجد الغربيين يقومون مع أصحابهم الكلاب بأشياء طريفة أحيانًا كإطعامهم من نفس الطبق أو تشريبهم بعض النبيذ من نفس الزجاجة أو تقبيل فتاة لكلب صغير من فمه في بعض المجلات بصورة مضحكة. هؤلاء الناس أكثر ثقافةً وعلمًا ولم يمرض أحد منهم فهم يعرفون ما يفعلون فعلًا، تمامًا كأكلهم لحم الخنزير عكس تشريع الإسلام واليهودية، في شيء آخر ضار كشرب الخمور ستجد عند كثيرين منهم وعيًا بالضرر ولا يحبّذون شربها وإدمانها. افترضت النصوص سكب ما في الطبق وإراقته أولًا! ثم غسله بالماء ست أو سبع مرات على تناقض الروايات، ثم مرة أخرى بالتراب، في الواقع اعتبر متخلفوهم اليوم مسألة التراب هذه معجزة رهيبة، يا سلاااام على البلاهة والتخلف! الصابون والمعقمات لها فاعلية تطهيرية وليس للتراب فاعلية في ذلك لو المسألة مرتبطة بكائن أجرب يأكل من الشارع أو فأر أو أي اتساخ في طبق.

 

أما عن التناقض البسيط الهامشي بين الروايات هل أول مرة أم آخر مرة بالتراب، وهل هن سبع أم ثماني غسلات، فلنسمع هذه النكتة القوية من النووي على شرح مسلم، فإن شر البلية ما يضحك، وعنزة ولو طارت!

 

قلنا: وأما قوله: "في الثامنة بالتراب" فقد قال النووي في "شرح مسلم" 3/185: مذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد: اغسلوه سبعاً واحدة منهن بالتراب مع الماء، فكأن التراب قائم مقام غسلةٍ فسمِّيت ثامنة لهذا، والله أعلم.

 

7+0 (واحدة من السبعة بالتراب)= 8!

هذا هو ملخص رأي النووي، وأنا المغنية شاكيرا ربما متنكرة كذلك لو صح ذلك! ولدي جناحان أطير بهما وأرجل زرافة! وأنا مسلم ومسيحي وملحد وكل شيء ممكن كما ترى وإنسان برأس فيل ومن حولي تطير الفيلة بأجنحة والنملة تحمل فيلًا! لأن 7+0= 8. ياللجنون والخبل!. هذا عالم لا منطقيّ لا علميّ لا عقل فيه حسب تصور هؤلاء القدماء عبيد الخرافة والدجل، عقول هؤلاء الفقهاء كانت منعدمة، عقل الطفل خير منها.

 

ظهور نجم في السماء علامة على مولد نبي أو شخص منتظَر أسطوري

 

تأويل (فاهومان ياشت) أو (زند فاهومان ياشت) وهو نص يبدو أنه كتب بشكله الحالي في عصور حكم الإسلام، لكن فيه أسطورة قديمة لها شواهد اقتباس واضحة في إنجيل متى بوضوح وبذكر المجوس بالذات، فجاء فيه هكذا، في الفصل الثالث:

 

12- سأل زردشت أورمازد: "يا أورمازد، أيها الروح الفاضلة، وخالق العالم المادي! بما أن عددهم لا يُحصى فهل هناك أمل بالقضاء عليهم؟"

13- أجاب أورمازد: يا زردشت سـﭙيتاما! عندما يظهر الأبالسة الشعث وليدو الأهوال من الشرق، ستظهر علامة ظلماء وسيولد أوشيدار ابن زردشت من بحيرة "فرازدان".

14- وسيعرفني أنا أورمازد يا زردشت سـﭙيتاما! فبالقرب من "جينيسيان" سيولد الأمير "كاي"، أبوه حاكم الشعب الكيانيدي، سيقترب إلى المرأة التي ستنجب الحاكم الديني المستقبلي، وسيعطيه اسم "فاهران فَرزَند" الذي سيسمونه أيضًا "شابور".

15- وفي ليلة مولده ستعطي النجوم العلامات التي تعلن عن قدومه".

 

لقد عرضت في بحثي (أصول أساطير الإسلام من الهاجادة) في موضوع (إبراهيم) كيف أن هذه الأسطورة الزردشتية الأصيلة انتقلت واقتُبِست في الأديان الثلاثة التوراتية المنابع: اليهودية والمسيحية والإسلام، فبدون أن نعيد سرد النصوص التي أوردتها هناك أكتفي بالإشارة والإحالة إلى الكتاب المذكور، ففي ص209 ذكرت (النموذج الثاني للقصة الهاجادية لمولد إبراهيم) وفيه اقتباس لنفس القصة فظهور نجم كان علامة على مولد إبراهيم عرفها المتنبؤون لذلك حاول الملك نمرود قتله، وفي إنجيل متى إصحاح2 قصة قدوم المجوس للكهف الذي وُلِدَ فيه يسوع بن مريم حسب الأسطورة المسيحية ليبجلوه (يمكن العودة للأصل من الإنجيل وسردتها في ص214 من المرجع المذكور بأرقام صفحات آخر إصدارة)، ونلاحظ هناك التأكد من زردشتية المصدر بذكر المؤلف للمجوس بالذات كقادمين من سفر، فلا توجد نبوءة وأسطورة كهذه في الأصول اليهودية يعني الكتاب اليهودي المقدس، بل هي زردشتية فارسية/ إيرانية، وفي الإسلام ورد حديث البخاري رقم 7:

 

(....قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْيَهُودِ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ....)

 

وفي السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق:

 

قال ابن إسحاق : وحدثني صالحُ بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زُرَارة الأنصاري . قال : حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت ، قال : والله إنى لغلام يفعَة، ابن سبع سنين أو ثمان ، أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديّاً يصرخ بأعلى صوته على أطَمَة بيثْرب : يا معشرَ يهود ! حتى إذا اجتمعوا إليه ، قالوا له : ويلك ما لك ؟! قال : طلع الليلةُ نَجمُ أحمد الذي وُلد به .

 

وكتاب السيرة لابن هشام معتمد عمومًا لكل المذاهب الإسلامية ويستعملونه، وإن لم يحكم عليه أي مؤرخ أو محدث أو فقيه بأن كل ما فيه صحيح أو دقيق، وتوجد قصة النجم في كتب الشيعة الاثناعشرية كذلك.

 

وفي دلائل النبوة للبيهقي:

 

وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى.

(ح) قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عن يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي مِمَّنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:

إِنِّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كلّما رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ، إِذَا يَهُودِيٌّ بِيَثْرِبَ يَصْرُخُ ذَاتَ غَدَاةٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ.

قَالُوا: ويلك مالك؟ قَالَ: طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي وُلِدَ بِهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ.

 

إسناده صحيح كما قال سامي أنور جاهين في تحقيقه للسيرة النبوية لابن هشام.

 

ورواه الحاكم في المستدرك:

 

6056 - حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير حدثني محمد بن إسحاق حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة حدثني الثبت من رجال قومي عن حسان بن ثابت قال  والله إني لغلام يفعة ابن سبع أو ثمان سنين أعقل ما سمعت إذ سمعت يهوديا وهو على أطمة يثرب يصرخ : يا معشر اليهود فلما اجتمعوا قالوا : ويلك ما لك ؟ فقال : قد طلع نجم الذي يبعث الليلة

 

وعند الشيعة الاثناعشرية:

 

الاحتجاج للطبرسي: قال له اليهودي فإن هذا عيسى ابن مريم يزعمون أنه تكلم في المهد صبيا قال له علي ع لقد كان كذلك ومحمد ص سقط من بطن أمه واضعا يده اليسرى على الأرض ورافعا يده اليمنى إلى السماء يحرك شفتيه بالتوحيد وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بصرى من الشام  وما يليها  القصور الحمر من أرض اليمن و ما يليها والقصور البيض من إصطخر  وما يليها و لقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي ص حتى فزعت الجن والإنس و الشياطين و قالوا حدث في الأرض حدث و لقد رئي الملائكة ليلة ولد تصعد و تترل و تسبح و تقدس و تضطرب النجوم وتتساقط علامة لميلاده و لقد هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك الليلة و كان له مقعد في السماء الثالثة والشياطين يسترقون السمع فلما رأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع فإذا هم قد حجبوا من السماوات كلها و رموا بالشهب دلالة لنبوته ص...إلخ

 

إكمال الدين وتمام النعمة: ك : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان يرفعه بإسناده قال : لما بلغ عبدالله بن عبدالمطلب زوجه عبدالمطلب آمنة بنت وهب الزهرى ، فلما تزوج بها حملت برسول الله صلى الله عليه واله ، فروي عنها أنها قالت : لما حملت برسول الله صلى الله عليه واله لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النسآء من ثقل الحمل ، ورأيت في نومي كأن آتيا أتاني وقال لي : قد حملت بخير الانام ، فلما حان وقت الولادة خف ذلك علي حتى وضعه صلى الله عليه واله ، وهو يتقي الارض بيده وركبتيه، وسمعت قائلا يقول : وضعت خير البشر ، فعوذيه بالواحد الصمد ، من شر كل باغ وحاسد ، فولد رسول الله صلى الله عليه واله عام الفيل لثنتى عشرة ليلة من شهر ربيع الاول يوم الاثنين ، فقالت آمنة : لما سقط إلى الارض اتقى الارض بيديه وركبتيه ، ورفع رأسه إلى السمآء ، وخرج مني نور أضاء ما بين السمآء والارض ، ورميت الشياطين بالنجوم ، وحجبوا عن السمآء ، ورأيت قريش الشهب والنجوم تسير في السمآء ، ففزعوا لذلك وقالوا : هذا قيام الساعة ، واجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك ، وكان شيخا كبيرا مجربا ، فقال : انظروا إلى هذه النجوم التي تهتدوا بها في البر والبحر ، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة ، وإن كانت هذه ثابتة فهو لامر قد حدث ، وابصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه بأنهم قد منعوا من السمآء ، ورموا بالشهب ، فقال : اطلبوا ، فإن أمرا قد حدث ، فجالوا في الدنيا ورجعوا فقالوا : لم نر شيئا ، فقال : أنا لهذا ، فخرق ما بين المشرق والمغرب فلما انتهى  إلى الحرم فوجد الحرم محفوفا بالملائكة ، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل فقال : اخسأ ياملعون ، فجاء من قبل حرآء فصار مثل الصر قال : يا جبرئيل ما هذا ؟ قال : هذا نبي قد ولد وهو خير الانبياء ، قال : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا ، قال : ففي امته ؟ قال : نعم ، قال : قد رضيت ، قال : وكان بمكة يهودي ، يقال له : يوسف ، فلما رأى النجوم يقذف بهاو تتحرك قال : هذا نبي قد ولد في هذه الليلة ، وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد وهو آخر الانبياء رجمت الشياطين ، وحجبوا عن السمآء ، فلما أصبح جاء إلى نادي قريش وقال : يا معشر قريش هل ولد فيكه الليلة مولود ؟ قالوا : لا ، قال : أخطأكم والتوراة ، ولد إذا بفلسطين ، وهو آخر الانبياء وأفضلهم ، فتفرق القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كل رجل أهله بما قال اليهودي ، فقالوا : لقد ولد لعبد الله بن عبدالمطلب ابن في هذه الليلة ، فأخبروا بذلك يوسف اليهودي ، فقال : قبل أن أسألكم أو بعده ، فقالوا : قبل ذلك ، قال : فأعرضوه علي ، فمشوا إلى باب بيت آمنة  فقالوا : اخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهودي ، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه ، وكشف عن كتفيه ، فرأى شامة سودآء بين كتفيه ، عليها شعرات ، فلما نظر إليه وقع إلى الارض مغشيا عليه ، فتعجبت منه قريش و ضحكوا منه ، فقال : أتضحكون يا معشر قريش ، هذا نبي السيف ليبيرنكم ( في نسخ: ليبترنكم) ، وقد ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الابد ، وتفرق الناس يتحدثون بما أخبر اليهودي

 

كتاب فرج المهموم في علم النجوم: حدثنا ( 6 ) ابن حميد ، عن سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : كان من حديث كسرى كما حدثني ( 7 ) به بعض أصحابي عن وهب بن منبة : كان سكر ( 8 ) دجلة الغورآء ، وأنفق عليها من الاموال ما يدرى ما هو ، وكان طاق مجلسه قد بنى بنيانا لم ير مثله ، وكان يعلق به تاجه فيجلس فيه إذا جلس للناس ، وكان عنده ستون وثلاث مائة رجل من العلمآء من بين كاهن وساحر ومنجم ، قال : وكان فيهم رجل من العرب يقال له : السائب ، يعتاف اعتياف ( 1 ) العرب ، قلما يخطئ ، بعث إليه باذان ( 2 ) من اليمن ، وكان كسرى لاذا حزنه أمر جمع كهانه وسحاره ومنجميه وقال : انظروا في هذا الامر ما هو ، فلما أن بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه واله أصبح كسرى ذات غداة وقد انقضت طاق ملكه من وسطها ، وانخرقت عليه دجلة الغوراء ( 3 ) ، فلما رأى ذلك حزنه ، وقال : انقضت طاق ملكي من وسطها من غير ثقل ، وانخرقت دجلة الغوراء ( شاه بشكست ( 4 ) ) يقول : الملك انكسر ، ثم دعا بكهانه وسحاره ومنجمه ودعا السائب معهم وقال : انقضت طاق ملكي من غير ثقل ، وانخرقت دجلة الغوراء ( شاه بشكست ) انظروا في هذا الامر ما هو ، فخرجوا من عنده فنظروا في أمره فاخذ عليهم بأقطار السمآء ، وأظلمت ( 5 ) عليهم الارض ، وتسكعوا في علمهم ، فلا يمضي لساحر سحره ، ولا لكاهن كهانته ، ولا يستقيم لمنجم عم نجومه ، وبات السائب في ليلة ظل ( 6 ) على ربوة من الارض يرمق برقا نشأ من قبل الحجاز ، ثم استطار حتى بلغ المشرق ، فلما أصبح ذهب ينظر إلى ما تحت قدميه فإذا روضة خضرآء ، فقال فيما يعتاف : لئن صدق ( 7 ) ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق ، يخصب ( 8 ) عنه الارض كأفضل ما أخضبت عن ملك كان قبله ، فلما خلص الكهان والمنجمون بعضهم إلى بعض ورأوا ما قد أصابهم ورأى السائب ما قد رأى قال بعضهم لبعض : تعلمون ؟ والله ما حيل بينكم وبين علمكم إلا لامر جاء من السمآء ، وإنه لنبي قد بعث أو هو مبعوث يسلب هذا الملك ويكسره ، ولئن نفيتم لكسرى ملكه ليقتلنكم ، فأقيموا بينكم أمرا تقولونه حتى تؤخرونه عنكم إلى أمر ما شاع ( 1 ) ، فجاؤا إلى كسرى فقالوا له : قد نظرنا في هذا الامر فوجدنا حسابك الذي وضعت به طاق ملكك وسكرت دجلة الغوراء وضعوه على النحوس ، فلما اختلف عليهم ( 2 ) الليل والنهار وقعت النحوس على مواقعها ، فذلك كل وضع عليها ( 3 ) ، وإنا سنحسب ( 4 ) لك حسابا تضع عليه بنيانك فلا تزول ، قال : فاحسبوا ، فحسبوا له ، ثم قالوا له : ابنه ، فبنى فعمل في دجلة ثمانية أشهر ، وأنفق فيها من الاموال ما لا يدرى ما هو حتى إذا فرغ ، قال لهم : أجلس على سورها ؟ قالوا : نعم ، فأمر البسط ( 5 ) والفرش والرياحين فوضعت عليها ، وأمر بالمرازبة فجمعوا إليه النقابون ، ثم خرج حتى جلس عليها ، فبينا هو هنالك إذ انتسفت دجلة بالبنيان من تحته فلم يخرج إلا بآخر رمق ، فلما أخرجوه جمع كهانه وسحاره ومنجميه فقتل منهم قريبا من مائة ، وقال : نميتكم ( 6 ) وأدنيتكم دون الناس فأجريت عليكم أرزاقي تلعبون بي ؟ قالوا : أيها الملك أخطأنا كما أخطأ من قبلنا ، ولكنا سنحسب حسابا فنبينه حتى تضعها على الوثاق من السعود ، قال : انظروا ماتقولون ، قالوا : فإنا نفعل ، قال : فاحسبوا ، فحسبوا ثم قالوا له : ابنه فبنى وأنفق من الاموال ما لا يدرى ما هو ثمانية أشهر ( 7 ) ، فلما فرغوا قال : أفأخرج وأقعد ( 8 ) عليها ؟ قالوا : نعم ، فهاب الجلوس عليها ، وركب برذونا له ، وخرج يسير عليها فبينا هو يسير إذا انتسفت دجلة بالبنيان فلم يدرك إلا بآخر رمق ، فدعاهم فقال : والله لآمرن على آخركم ، ولانزعن أكتافكم ، ولاطر حنكم تحت أيدي الفيلة ، أو لتصدقني ما هذا الامر الذى تلقون علي ؟ قالوا لا نكذبنك أيها الملك ، أمرتنا حين انخرقت عليك دجلة وانقضت ( 1 ) عليك طاق مجلسك من غير ثقل أن ننظر في علمنا ( 2 ) ، فأظلمت علينا بأقطار السمآء ( 3 ) فتردد علمنا في أيدينا ، فلا يستقيم لساحر سحره ، ولا لكاهن كهانته ، ولا لمنجم علم نجومه فعرفنا أن هذا الامر حدث من السمآء ، وأنه قد بعث نبي أو هو مبعوث ، فلذلك حيل بيننا وبين علمنا ، فخشينا إن نفينا ( 4 ) إليك ملكك أن تقلنا ، فكرهنا من الموت ما يكره الناس فعللناك عن أنفسنا بما رأيت ، قال : ويحكم فهلا يكون بينتم لي هذا فأرى فيه رأيي ؟ ! قالوا : منعنا من ذلك ما تخوفنا منك ، فتركهم ولها عن دجلة حين غلبته ( 5 ) .
________________________________________________________
( 6 ) اخرج ابن طاوس ذلك عن تاريخ الطبرى ، فالقائل لقوله : حدثنا هو الطبرى .
( 7 ) في المصدر : ما حدثنى .
( 8 ) في المصدر : إن كسرى كان سكر دجلة العوراء اه وتقدم الكلام في ضبط العوراء عن المصنف .

( 1 ) الاعتياف : عمل العيافة أى زجر الطير ، والتشأم أو التفاؤل بطيرانها .
( 2 ) هو باذان بن ساسان ، عده المسعودى من مولك اليمن ، راجع مروج الذهب 2 : 87 .
( 3 ) في المصدر والطبرى : العوراء .
( 4 ) في المصدر : شاه بشكسته .
قلت : أى وخرج من الدجلة صوتافيه : شاه بشكسته .
( 5 ) في المصدر : وضافت .
( 6 ) في المصدر : ظل فيها .
وفي تاريخ الطبرى : ظلماء .
( 7 ) في المصدر : والطبرى : لئن صدق ما أرى .
( 7 ) في المصدر : والطبرى : لئن صدق ما أرى .
( 8 ) في المصدر : وتاريخ الطبرى : تخصب .

( 1 ) في المصدر : فاقيموا بينكم أمرا تلقونه فيه حتى تؤخروا أمره إلى آخر ساعة .
( 2 ) في المصدر : عليه ، وفي تاريخ الطبرى : م عليهما .
أى على الطاق ودجله .
( 3 ) في المصدر : فدك كل ما وضع عليها .
وفي تاريخ الطبرى : فزال كل ما وضع عليهما .
( 4 ) سأحسب خ ل .
( 5 ) في المصدر والطبرى : بالبسط .
( 6 ) هكذا في النسخة ، وفي المصدر : سميكم .
قلت : هو مصحف سمنتكم كما في تاريخ الطبرى .
( 7 ) في المصدر : ثمانية أشهر كذى قبل .
وفي تاريخ الطبرى : من ذى قبل وبعده : ثم قالوا : قد فرغنا ، قال : أفأخرج .
( 8 ) أقصد خ ل .
( 1 ) في المصدر وتاريخ الطبرى : وانقصمت .
( 2 ) في المصدر وتاريخ الطبرى : أن ننظر في علمنا لم ذلك ، فنظرنا فأظلمت .
( 3 ) في تاريخ الطبرى : فأظلمت علينا الارض ، وأخذ علينا بأقطار السماء فتردد علينا علمنا في أيدينا وفي المصدر : فتردى علمنا وسقط في أيدينا .
( 4 ) في المصدرو تاريخ الطبرى : إن نعينا .
( 5 ) فرج المهموم : 32 35 .
والرواية توجد في الطبرى 1 : 596 598 .

 

 

القيم والتابوهات الجنسية كانت هي نفسها عند العرب الوثنيين

 

روى أحمد:

 

25175 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ تُبَايِعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ عَلَيْهَا: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] الْآيَةَ " قَالَتْ: " فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا حَيَاءً، فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى مِنْهَا " فَقَالَتْ عَائِشَةُ: " أَقِرِّي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، فَوَاللهِ مَا بَايَعَنَا إِلَّا عَلَى هَذَا " قَالَتْ: فَنَعَمْ إِذًا، فَبَايَعَهَا بِالْآيَةِ.

 

حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، ومعمر: وهو ابن راشد، وإن كان شك هنا في روايته عن الزهري أو غيره، فقد جزم بأنه عن الزهري عند عبد الرزاق في "المصنف"، وعند البزار .

وهو في "مصنف" عبد الرزاق (9827) و (21020) ، ومن طريقه أخرجه ابن حبان (4554) ، والبزار (70) (زوائد) . وفيه: عن الزهري دون شك.

قال البزار: لا نعلم رواه إلا معمر بهذا.

وأورده الهيثمي في "المجمع" 6/37، وقال: رواه أحمد، إلا أنه قال: عن معمر، عن الزهري أو غيره، عن عروة، والبزار لم يشك، ورجاله رجال الصحيح.

وقد سلف برقم (24829) .

 

(22211) 22564- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا حَرِيزٌ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا : مَهْ . مَهْ . فَقَالَ : ادْنُهْ ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا . قَالَ : فَجَلَسَ قَالَ : أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ ؟ قَالَ : لاَ ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ ؟ قَالَ : لاَ ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لاَ ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لاَ ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لاَ ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ . قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.

 

إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح . حريز: هو ابن عثمان الرَّحَبي، وسُليم بن عامر: هو الكَلاعي الخَبائِري .

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (7679) من طريق أبي اليمان الحكم بن نافع، عن حريز بن عثمان، بهذا الإسناد .

 

نعتقد كملحدين عقلانيين أنه يحق لكل امرأة غير متزوجة ولكل رجل (غير متزوج في العادة) إقامة أي علاقة شاء أو شاءت إقامتها، طالما أن المرأة غير متزوجة، ومعظم المجتمعات الغربية ترى منع ذلك بالنسبة للرجل المتزوج كذلك كضرورة وواجب الإخلاص، وفي العادة تعتبَر العلاقة الجادة بدون زواج نوعًا مشابهًا للزواج وفي حالة وجود اتفاق ضمني بين الطرفين يستوجب ذلك الإخلاص كذلك.

 

هذه المعلومة عن منع الوثنية للحرية الجنسية قد تكون غريبة على الكثيرين ،فكلام وكتابات المسلمين قد توحي إن قرأناها بسطحية  ليس فقط بإباحة الجاهلية للحرية الجنسية،بل والشيوعية الجنسية الجماعية،وهذا خطأ بالأدلة فلقد حفظت لنا كتب كالبخاري ومسلم وسيرة ابن هشام والقرآن وقصائد المعلقات السبع والشعر الجاهلي وكتب التاريخ كالطبري وابن الجوزي، مما يكفي إن جمعنا أو قرأنا كل هذه النصوص لتكوين صورة نقية وواضحة جداً لتلك الديانة القديمة

 
الدليل الأول: (قصة أجأ  وسلْمى(


في الجزء الأول من سيرة ابن هشام والذي يذكر في معظمه أحوال وعادات وتاريخ وعقائد والجاهلية قبل الإسلام،فيقول تحت عنوان/ذكر أصنام العرب/وتحته عنوان فرعي آخر:فلس وعُبَّاده وهدمه:قال ابن إسحاق :وكانت فلس لطيئ ومن يليها بجبلي طيئ ،يعني سلمى وأجأ


هذا هو كلام ابن هشام بتمامه،وهوكلام ابن إسحاق الذي معظم مادة السيرة تعود له وليس لابن هشام،لكن عندي طبعة صادرة من مكتبة الكليات الأزهرية ،بتحقيق العالم الأزهري الكبير (طه عبد الرؤوف سعد) فيقول في تحقيقه وشرحه في الهامش من أسفل  هكذا : (ويذكر القاموس عن ابن الكلبي أو غيره أن أجأ اسم رجل بعينه،وهو :أجأ بن عبد الحيّ،وكانَ فَجَرَ بسلمى بنت حام،أو اتُهِمَ بذلك،فصُلِبا في ذينك الجبلين،وعندهما جبل ثالث يقال له:العوجاء،وكانت العوجاء حاضنة سلمى _فيما ذكر _ وكانت السفير بينها وبين أجأ فصُلِبتْ في الجبل الثالث فسُمِيَ بها.) ص 80 من هذه الطبعة المذكورة.


أين إذن الحرية الجنسية في المجتمع الوثني العربي القديم،لقد تبخرت بعد قراءتنا لهذا النص القاسي البشع القبيح،بل إن هذا أقسى مما في الإسلام؟،لأن الإسلام لا يعاقب (الزاني ) غير المتزوج أي  غير المحصن إلا بالجلد، وليس بالقتل، وإنما الإسلام يعاقب بالرجم في حالة ال(زنا) الذي يقوم به رجل محصن أي متزوج أو امرأة محصنة أي متزوجة.


الدليل الثاني:أقوال النساء والفتيات لامرئ القيس حين كان يزورهم سراً لممارسة الجنس معهن سراً والسهر والسمر معهن:ك

ان  الشاعر الجاهلي امرؤ القيس هذاك صاحب إحدى المعلقات السبع،هذا غير أعماله الشعرية الأخرى،وكان يعشق النساء والجنس والمغامرات الجنسية والعاطفية وحب النساء وكسر قواعد المجتمع المتخلفة ،ولم يكن يحب أو يعاشر امرأة واحدة بل شعره ذكر فيه عدة نساء كان يحبهن كلهن بنوع عجيب من الحب ،وهو نوع نادر شاذ لأن شعره يدل على حب واحترام شديد وولع بكل واحدة منهن،وعندما كان يتسلل إلى خيمة إحداهن أو خبائها في غفلة من أهلها  ليسهر معهن ويقضي الليل في الكلام وحلو الحديث ولطيف الوقت وجميل السمر وتعاطي الغرام والجنس،فكن يطلبن منه الانصراف وعدم غوايتها وألا يفضحها وتعلن خشيتها  أن يراها أهلها ويعرفوا،أو يراهما بعض السُمََّار الساهرين لأنس وحديث اليل،وكانت الواحدة منهن تحرص على إخفاء وإعفاء آثار أقدامهما هي وامريئ القيس بمرط يعني ملاءة تسحبه وراءها ،وكان هو يتسلل في سرية تامة وحيلة ماكرة ليصل الى خيمة المرأة التي يريد أن يصيب منها غرضه،ويعلن أن لو رآه أحد الأهلين لأُهين وضُرِبَ أو قُتِلَ، وإن سر تفاخر امرئ القيس بهكذا أحداث  صغيرة في حياته هو كونها محرمة ممنوعة و(قطفاً للثمار الشهية المحرمة)، فكان حديثه وقصصه مثيرا للناس ومشوقا وكسرا لحدود المجتمع، ولو كانت تلك الأشياء عادية عند الوثنيين العرب القدماء مثلما لدى دول الغرب اللاديني اليومَ؛ لما كانت مثيرة تدعو لأن يحكيها ويتفاخر بها، وكان سيصبح مثار السخرية والاتهام بالسخافة


وبيضة خدرٍ لا يُرم خباؤها        تمتعتُ من لهوٍ بها غيرَ معجلِ

تجاوزت أحراساً إليها ومعشراً  علي حراصاً لو يُسِروُّن مقتلي

إذا ما الثريا تعَرَّضَتْ              تَعَرُضَ أثناءِ الوِشاحِ المفصَّلِ

فجئتُ وقد نَضَّت لنومٍ ثيابها      لدى الستر إلا لبسة المتفضِّلِ

فقالت يمين الله مالك حيلةٌ        وما إن أرى عنك الغواية تنجلي

خرجتُ بها تمشي تجر وراءَنا  على أثرينا ذيلَ مرْطِ مرحَّلِ

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى    بنا بطن خبتٍ ذي حقاف عقنقلِ

هصرتُ بِفَودَيْ رأسِها فتمايلتْ  عليَّ هضيمَ الكشحِ،ريَّا المخلخلِ

مهفهفةً بيضاءَ غيرَ مفاضةٍ        ترائبها مصقولة كالسجنجلِ

كبكر المفاضاة والبياض بصفرةٍ  غذاها نمير الماء غير المحلَّلِ

تصد وتُبدي عن أسيلٍ وتتقي    بناظرة من وحشِ وجرةَ مُطفِل

وجيد كجيد الرئم  ليس بفاحشٍ    إذا هي نَصَّتْهُ، ولا بمعطلِ

وفرع يزين المتنَ أسودَ فاحم      أثيث كقنو النخلة المتعثكِل

غدائره مستشزرات إلى العلا      تضل العقاص مثنى ومرسل

وكشح لطيف كالجديل مخصر    وساق كأنبوب بالسقي المُذَلَّلِ

وتُضحي فتيت المسك فوق فراشها  نئوم الضحى لم تتنطق عن تفَضُّلِ

وتعطو برخصٍ غير شَثنٍ كأنه    أساريع ظبيٍ أو مساويك إسْحلِ

تضيء الظلام كأنها                منارة  ممسى راهبٍ متبتلِ

إلى مثلها يرنو الحليم صبابةً    إذا ما اسبكرت بين درعٍ  ومِجولِ


ويقول عن مغامرة له لدخول خباء امرأة وعدم خوفه من سيوف أهل المرأة التي يسعى إليها، وعندما تُفاجأ به وتتضرع إليه أن يرحل ولا يفضحها لأن الناس وسهارى الليل يقظون يقسم لها بالله أنه لن يتركها ولو قطعوه إرباً، ثم يحلف بالله كاذباً أن كل من حولها نام، ويترفق معها في الحديث حتى تستجيب له ويروضها وينال بغيته منها وتمكنه من نفسها ،فيقول:

 

سموتُ إليها بعدما نام أهلها    سموَ حباب الماء حالاً على حالِ

فقالت سَبَاكَ اللهُ إنك فاضحي  ألست ترى السُمَّار أحوالي

فقلت يمين الله أبرح قاعداً    ولو قطَّعوا رأسي لديكِ وأوصالي

حلفتُ لها بالله حلفةَ فاجرٍ      لناموا وما من حديثٍ و لا صالي(1(

فلما تنازعنا الحديثَ وأسمَحَتْ  هصرت بغصنٍ ذي شماريخَ ميالِ

وصرنا إلى الحسنى ورقَ كلامنا  ورُضْتُ فذلت صعبةً أي إذلالِ(2(


(1)
صالي: متدفئ أمام النار

(2) هصرت:طويت، رضتُ:أي رَوَّضْتُ ،الصعبة:الممتنعة البرية من الخيول يروضها الفارس بالسياسة،الإذلال :أي الترويض والتمكن والتعويد  على الطاعة مثلما يقال(فرس مذلَّل)،ومقصوده جنسيّ المعنى وتمكنه من فعل كل ما كان يرغب وأكثر

(3) حباب الماء:أي كفقاقيعه أي أنه كان يمشي ظاهراً غير مستخفٍ

 

إذن كيف كان يفخر امرؤ القيس وغيره بمثل تلك الأشعار والأحدجاث،إن هذا يرجع إلى كونهن غالبا ما كانوا من قبائل غير قبيلته،ولأن المجتمعه الجاهلي كمجتمع معتل الحكم والرؤية ومزدوج المعايير _مثل المجتمع الإسلامي الحالي_يعاقب المرأة المتحررة الحرة بشدة على الحرية الجنسية بالقتل أو الضرب أو التعذيب والجلد والإهانة والعنف الشديد ،في حين لايحاسب الرجل المتحرر جنسياً و قد يكتفي بزجره ولكزه ولومه وإعطائه نصحاً،فالأب لا لايبالي أو لا يتأثر كثيراً بأن يمارس أخوه الجنس مع امرأة أوابنُه أو حفيدُه. لكنه يعلن الغضب والجبروت والقسوة والجنون والعذاب الأليم  ويمارس كل أشكال العنف إن قامت بهذا أختُه أو ابنتُه أو أمُه أو حفيدتُه.

ولا داعيَ للإطالة بفحش القصائد الجاهلية مثل اليوم الذي سرق فيه  امرؤ القيس ابن حجر  الكندي ملابس الفتيات المستحمات في النهر وأصر أن من أرادت أن تأخذ ثوبها أن تخرج وتأتي لأخذه من يده،وقصة أخرى في شعره عن الليلة التي مارس فيها الجنس مع عدة نساء في وقت واحد سوياً!


 
وخلال دراستي لكل الأديان الحية  والمنقرضة،الحديثة والبدائية،لم أجد ديانة  نظامية واحدة تعطي الإنسان حقه في الحرية الجنسية، وتسمح بحرية العلاقة الجنسية والعاطفية بين الرجل والمرأة (سوى الدين المزدكي لكنه دين قبيح التعاليم  كان يدعو للإباحية البهيمية كالعلاقات المتعددة وسفاح المحارم، ولم يتبعه إلا شواذ من الفرس، ولم يتبعه الشعب الفارسي، وسوى بعض أديان الوثنية القديمة في أوربا لغير المتزوجات فقط)، وحتى بعض أكثر الأديان بدائية كأقلية الشنتو في اليابان أو الهنود الحمر أو  قبائل الأفارقة العائشين في الغابات وفي الجزر. وإن وجدت كذلك في قراآتي قبائل بدائية لها أسلوب حياة معاكس مشهورة بالمشاعية الجنسية افباحية التعددية.


الحرية الجنسية  هي قيمة لادينية عصرية وليدة العصر الحديث المستنير وتحضر الإنسان وهي لم توجد لا في الفرعونية ولا أديان العراق الثلاث الوثنية ولا الإغريقية الرومانية ولا الزرادشتية و لا الهندوسية و لا البودية ولا الأديان الإبراهيمية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، ولا الصابئة المندائيون ولا السيخ ولا الجانية ولا الشنتو ولا الكنفوشيوسية، ولكن ربما سمحت بها بعض أديان أوروبا الوثنية القديمة لغير المتزوجات وكان مسموحًا بوجود عشيقات للرجال عمومًا في اليونان وروما وأوربا وإسكندنافيا.

 

بقي أن أقول أن الحرية الجنسية اللادينية هي كذلك لها ضوابط أخلاقية إنسانية محددة في المجتمعات الغربية العلمانية ،وهي مثل ما في الإسلام واليهودية والمسيحية والهندوسية والبودية والفرعونية وغيرهن ، من تحريم العلاقات المحرمة كالجمع بين الأختين محرم او تحريم  الزواج من أخت أو ابنة او خالة

 

ومن ذلك كذلك أن قريشا كانت تفرض على الناس ألا يطوفوا إلا بثياب يأخذونها من أهل الحرم (وهم الحُمس) فإن لم يجد الزوار تلك الثياب فإما أن يطوفوا عراة وإما أن يطوفوا بثياب سفرهم الخاصة ثم بعد الطواف يخلعونها ويلقونها على قارعة الطريق فلا تلبس بعد ذلك وتسمى (اللقيات) أو (اللقى)،هذا رواه ابن اسحاق في سيرة ابن هشام ج1/حديث الحمس وما ابتدعوه


وروى مسلم في صحيحه /في كتاب التفسير،/باب:في قول تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد)/حديث رقم3028 عن ابن عباس، قال:كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة .فتقول :من يعيرني تطوافاً؟ تجعله على فرجها. وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله    فما بدا منه فلا أحله

فنزلت هذه الآية (خذوا زينتكم عند كل مسجد) الأعراف31

 

 

 

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.