مزاعم حماية الله للكعبة وتناقضها مع هدمها في التاريخ
ادعت نصوص محمد حماية الله للكعبة، لكن توجد نصوص تاريخية وفي الأحاديث تؤكد هدمها عد مرات خلال حروب
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)} الفيل
هذه القصة تناولتها في باب (الأخطاء التأريخية) نقلًا عن إسماعيل أدهم، فراجعها.
وروى مسلم:
[ 2884 ] وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن محمد بن زياد عن عبد الله بن الزبير أن عائشة قالت عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا يا رسول الله صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله فقال العجب إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس قال نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم
ورواه أحمد 24738
هذه الخرافة الملفقة مصدرها عبد الله بن الزبير وعائشة، وكان مقصده منها التخويف الديني للجيش الأموي الشامي وعمل دعاية دينية لنفسه، لكن واضح أن هذا لم ينطلِ على الأمويين لأنه حاصروا مكة وقتلوه ليتخلصوا من المنافس على الحكم لهم، وخلال حصارهم وضرب مكة بالمنجنيق ضربوا الكعبة فهدموها وحرقوها. اللاحقون من المفسرين ادعوا أن الحديث إشارة إلى المهديّ المنتظر الخرافي، راجع الموضوع في باب (مما أحدثوه في دينهم ولم يكن منه).
في الأحاديث التالية نذكر خبر تهدم واحتراق الكعبة عندما حاصر الحجاج بن يوسف الثقفي مكة وضربها بالمنجيق لمحاربة عبد الله بن الزبير بن العوام المنشق المتمرد على الدولة الأموية في ثورة شملت الحجاز وخاصة مكة والمدينة يثرب، فوجدها ابن الزبير فرصة لتنفيذ وصية سمعها من عائشة عن محمد بأنه كان يرغب في إعادة الكعبة فيما تزعم الأحاديث إلى بناء أصلي قديم مستدير، وأن قريشًا كما جاء في السيرة لابن هشام قصرت بهم النفقة والمال عن البناء لما تهدمت الكعبة قبل عصر الإسلام فبنوها أقل مما كانت في الأصل، لذلك هناك جزء معروف حول الكعبة بجوارها عليه سلسلة لمنع الطواف والصلاة فيه وهذا معروف عند المسلمين والسبب أنها تعتبر جزءً من داخل الكعبة، ثم لما انهزم ابن الزبير وتم قتله وصلبه، ولم يكن يعلم الخليفة الملك الأموي عبد الملك بن مروان بذلك الخبر وصحته عن محمد؛ قام بهدم الكعبة وردها على الشكل المربع المكعب، ثم لما علم بصحته ندم وتضايق لكنه لم يردها على بناء ابن الزبير، ولاحقًا فكر أحد الخلفاء العباسيين في تنفيذ ما قد يعتبر وصية لمحمد وفعل ما كان قد فعله ابن الزبير لكن العلماء عند استشارته إياهم أوصوه وأشاروا عليه بأن يتركها كما هي لكي لا تصير الكعبة لعبة للملوك، وهكذا ظلت الكعبة حتى اليوم على الشكل المخالف لما كان يريده وأوصى به تقريبًا محمد.
روى مسلم:
[ 1333 ] حدثنا هناد بن السري حدثنا بن أبي زائدة أخبرني بن أبي سليمان عن عطاء قال لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام فكان من أمره ما كان تركه بن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرئهم أو يحر بهم على أهل الشام فلما صدر الناس قال يا أيها الناس أشيروا علي في الكعبة أنقضها ثم ابني بناءها أو أصلح ما وهي منها قال بن عباس فإني قد فرق لي رأي فيها أرى أن تصلح ما وهى منها وتدع بيتا أسلم الناس عليه وأحجارا أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال بن الزبير لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده فكيف بيت ربكم إني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على أمري فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء حتى صعده رجل فألقى منه حجارة فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض فجعل بن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه وقال بن الزبير إني سمعت عائشة تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر وليس عندي من النفقة ما يقوى على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع ولجعلت لها بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه قال فانا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس قال فزاد فيه خمس أذرع من الحجر حتى أبدى أسا نظر الناس إليه فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع وجعل له بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه فلما قتل بن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ويخبره أن بن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة فكتب إليه عبد الملك أنا لسنا من تلطيخ بن الزبير في شيء أما ما زاد في طوله فأقره وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه وسد الباب الذي فتحه فنقضه وأعاده إلى بنائه
رواه بنحوه أحمد 25463 لكن فيه لفظ ستة أذرع، وبدون الخبر عن ابن الزبير.
[ 1333 ] حدثني محمد بن حاتم حدثنا محمد بن بكر أخبرنا بن جريج قال سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء يحدثان عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة قال عبد الله بن عبيد وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته فقال عبد الملك ما أظن أبا خبيب يعني بن الزبير سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها قال الحارث بلى أنا سمعته منها قال سمعتها تقول ماذا قال قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قومك استقصروا من بنيان البيت ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبعة أذرع هذا حديث عبد الله بن عبيد وزاد عليه الوليد بن عطاء قال النبي صلى الله عليه وسلم ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقيا وغربيا وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها قالت قلت لا قال تعززا أن لا يدخلها إلا من أرادوا فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقى حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط قال عبد الملك للحارث أنت سمعتها تقول هذا قال نعم قال فنكت ساعة بعصاه ثم قال وددت أني تركته وما تحمل
[ 1333 ] وحدثني محمد بن حاتم حدثنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن أبي قزعة أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال قاتل الله بن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول سمعتها تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر فإن قومك قصروا في البناء فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا قال لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى بن الزبير
رواه أحمد 26151 و26256
وروى البخاري:
1586 - حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى هَدْمِهِ قَالَ يَزِيدُ وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنْ الْحِجْرِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ قَالَ جَرِيرٌ فَقُلْتُ لَهُ أَيْنَ مَوْضِعُهُ قَالَ أُرِيكَهُ الْآنَ فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ هَا هُنَا قَالَ جَرِيرٌ فَحَزَرْتُ مِنْ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا
1585 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ ثُمَّ لَبَنَيْتُهُ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بِنَاءَهُ وَجَعَلْتُ لَهُ خَلْفًا قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ خَلْفًا يَعْنِي بَابًا
3368 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
رواه أحمد 25440
وروى ابن أبي شيبة:
14308- حدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَوْ كَانَ عِنْدَنَا سَعَةٌ لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ ، وَلَبَنَيْتُهَا وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ ؛ بَابًا يَدْخُلُ مِنْهُ النَّاسُ ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ ، قَالَ : فَلَمَّا وَلِيَ ابْنُ الزُّبَيْرِ هَدَمَهَا ، فَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ ، فَلَمَّا ظَهَرَ الْحَجَّاجُ عَلَيْهِ هَدَمَهَا وَأَعَادَ بِنَاءَهَا الأَوَّلَ.
وروى أحمد:
16637 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ خَالِهِ مُسَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أُمِّ مَنْصُورٍ قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَلَدَتْ عَامَّةَ أَهْلِ دَارِنَا، أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ ـ وَقَالَ مَرَّةً: إِنَّهَا سَأَلَتْ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ ـ لِمَ دَعَاكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: "إِنِّي كُنْتُ رَأَيْتُ قَرْنَيِ الْكَبْشِ حِينَ دَخَلْتُ الْبَيْتَ، فَنَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَهُمَا ، فَخَمِّرْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ"، قَالَ سُفْيَانُ: لَمْ تَزَلْ قَرْنَا (1) الْكَبْشِ فِي الْبَيْتِ حَتَّى احْتَرَقَ الْبَيْتُ فَاحْتَرَقَا (2)
(1) في النسخ الخطية: "قرني "، وضبب فوقها في (س) .
(2) إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير مُسافع: وهو ابن عبد الله الحَجَبي، فمن رجال مسلم، وهو ثقة. سفيان: هو ابن عُيينة .
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (9083) ، والحميدي (565) ، وابن أبي شيبة 2/46، وأبو داود (2030) ، والبيهقي في "السنن" 2/438 من طريق سفيان بن عُيينة، بهذا الإسناد.
أما قصة قرني الكبش فمشكوك فيهما، وليس بالضرورة أن يكونا كما زعمت الأحاديث أو محمد، فربما كانتا مجرد بقايا عملية ذبح لقربان نسيت بإهمال، أو رمزًا لإله وثني كبش رمز للخصوبة، وقد أثبت أن مصدر خرافة الإسلام عن بناء إبراهيم وإسماعيل الكعبةَ هو مصدر هاجادي خاص بخرافة بناء إبراهيم وإسحاق لمعبد صار هو أساس وموضع الهيكل أي المعبد الذي بناه سليمان لاحقًا فيما يقال، على جبل المُرَيَّا وهو جبل صهيون في فلسطين. وهذه القصة الهاجادية هي توشية على ما ورد في سفر التكوين 22 حيث ذكر بناء إبراهيم هناك لمذبح بسيط مرتجل، وليس في القصة التوراتية الأصلية ما قالته الهاجادة بمساعدة إسحاق له لأنه كان طفلًا صغيرًا حسب الأسطورة التوراتية الأصلية.
وروى مسلم:
[ 1333 ] حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم قالت فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم
[ 2940 ] حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم قال سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي يقول سمعت عبد الله بن عمرو وجاءه رجل فقال ما هذا الحديث الذي تحدث به تقول إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا فقال سبحان الله أو لا إله إلا الله أو كلمة نحوهما لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيئا أبدا إنما قلت إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما يحرق البيت ويكون ويكون...إلخ
[ 2940 ] وحدثني محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم قال سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود قال سمعت رجلا قال لعبد الله بن عمرو إنك تقول إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا فقال لقد هممت أن لا أحدثكم بشيء إنما قلت إنكم ترون بعد قليل أمرا عظيما فكان حريق البيت قال شعبة هذا أو نحوه قال عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الدجال في أمتي وساق الحديث بمثل حديث معاذ وقال في حديثه فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته قال محمد بن جعفر حدثني شعبة بهذا الحديث مرات وعرضته عليه
رواه أحمد 6555 والنسائي في "الكبرى" (11629) ، وابن حبان (7353) ، والحاكم 4/550-551، والبيهقي في "الاعتقاد" ص 142-143 من طريق محمد بن جعفر.
الحديثان الأخيران نبوءتان مزعومتان قيلتا على لسان عبد الله بن عمرو بن العاص بطريقة غموض المتنبئين لتنطبق على أي حدث ممكن، وشخصيات كابن عمرو وحذيفة اليمان كانا مغرمين بمزاعم كهذه ولهما نفس أسلوب الكلام الغامض الممكن انطباقه على أي شيء.
وروى أحمد:
25438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، لِلْأَسْوَدِ: حَدِّثْنِي عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (4) ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُفْضِي إِلَيْكَ . قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: " لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِجَاهِلِيَّةٍ لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، ثُمَّ لَجَعَلْتُ (5) لَهَا بَابَيْنِ " فَلَمَّا مَلَكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ هَدَمَهَا، وَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ (6)
(4) في (م) : عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
(5) في (ظ7) : لجعلتها.
(6) إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه الطيالسي (1382) -ومن طريقه الترمذي (875) - والنسائي في المجتبى" 5/215-216، وفي "الكبرى" (3884) و (5903) ، وابن حبان (3817) من طرق عن شعبة، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقد سلف برقم (24709) .
وجاء في الروض الأنف للسهيلي وهو شرح للسيرة لابن هشام:
ثم لما بناها ابن الزبير زاد فيها تسع أذرع، فكانت سبعا وعشرين ذراعا، وعلى ذلك هي الآن وكان بناؤها في الدهر خمس مرات. الأولى: حين بناها شيث بن آدم والثانية حين بناها إبراهيم على القواعد الأولى، والثالثة حين بنتها قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام والرابعة حين احترقت في عهد ابن الزبير بشرارة طارت من أبي قبيس، فوقعت في أستارها، فاحترقت وقيل إن امرأة أرادت أن تجمرها، فطارت شرارة من المجمر في أستارها، فاحترقت فشاور ابن الزبير في هدمها من حضره فهابوا هدمها، وقالوا: نرى أن تصلح ما وهى، ولا تهدم. فقال لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل صلاح. ولا يكمل إصلاحها إلا بهدمها. فهدمها حتى أفضى إلى قواعد إبراهيم فأمرهم أن يزيدوا في الحفر. فحركوا حجرا فرأوا تحته نارا وهولا. أفزعهم فأمرهم أن يقروا القواعد وأن يبنوا من حيث انتهى الحفر. وفي الخبر أنه سترها حين وصل إلى القواعد فطاف الناس بتلك الأستار فلم تخل قط من طائف حتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير اشتدت الحرب واشتغل الناس فلم ير طائف يطوف بالكعبة إلا جمل يطوف بها، فلما استتم بنيانها، ألصق بابها بالأرض وعمل لها خلفا أي بابا آخر من ورائها، وأدخل الحجر فيها، وذلك لحديث حدثته به خالته عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ألم تري قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم حين عجزت بهم النفقة" ثم قال عليه السلام: "لولا حدثان عهد قومك بالجاهلي لهدمتها، وجعلت لها خلفا1 وألصقت بابها الأرض وأدخلت فيها الحجر" أو كما قال - عليه السلام - قال ابن الزبير فليس بنا اليوم عجز عن النفقة فبناها على مقتضى حديث عائشة فلما قام عبد الملك بن مروان، قال لسنا من تخليط أبي خبيب2 بشيء فهدمها وبناها على ما كانت عليه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغ من بنيانها جاءه الحارث بن أبي ربيعة المعروف بالقباع3 وهو أخو عمر بن أبي ربيعة الشاعر ومعه رجل آخر فحدثاه عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديث المتقدم فندم وجعل ينكت في الأرض بمخصرة في يده ويقول وددت أني تركت أبا خبيب وما تحمل من ذلك فهذه المرة الخامسة فلما قام أبو جعفر المنصور، وأراد أن يبنيها على ما بناها ابن الزبير وشاور في ذلك فقال مالك بن أنس: أنشدك الله يا أمير المؤمنين وأن تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك، لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره4 فتذهب هيبته من قلوب الناس فصرفه عن رأيه فيه وقد قيل إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين لأن السيل كان قد صدع حائطه ولم يكن ذلك بنيانا على نحو ما قدمنا، إنما كان إصلاحا لما وهى منه وجدارا بني بينه وبين السيل بناه عامر الجارود وقد تقدم هذا الخبر،
1 وردت في معناه أحاديث رواها البخاري ومسلم وغيرها.
2 هو عبد الله بن الزبير ويقال عنه عن ابنه أو أخيه مصعب: الخبيبان.
3 القباع: مكيال ضخم.
4 نقل النووي وعياض أن هذا الحديث حصل للرشيد أو أبيه المهدي، وأن مالكاً قال: مالك يا أمير المؤمنين لا تجعل كعبة الله ملعبة للملوك لا يشاء أحد أن يهدمها إلا هدمها.
وجاء في المعجم الكبير للطبراني ج14 من أخبار التاريخ وما فعله المسلمون من حروب أهلية بعد موت محمد:
14813- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذِّمَارِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ تَثَاقَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ طَاعَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَظْهَرَ شَتْمَهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ ، فَأَقْسَمَ لاَ يُؤْتَى بِهِ إِلاَّ مَغْلُولاً وَإِلاَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَقِيلَ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ : أَلاَ نَصْنَعُ لَكَ أَغْلاَلاً مِنْ فِضَّةٍ تَلْبَسُ عَلَيْهَا الثَّوْبَ ، وَتَبَرُّ قَسَمَهُ فَالصُّلْحُ أَجْمَلُ بِكَ ، قَالَ : فَلاَ أَبَرُّ وَاللَّهِ قَسَمَهُ ، ثُمَّ قَالَ :. وَلاَ أَلِينُ لِغَيْرِ الْحَقِّ أَسْأَلُهُ ... حَتَّى يَلِينَ لِضِرْسِ الْمَاضِغِ الْحَجَرُ. ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لَضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ فِي عِزٍّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ فِي ذُلٍّ ، ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ وَأَظْهَرَ الْخِلاَفَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمري فِي جَيْشِ أَهْلِ الشَّامِ ، وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ سَارَ إِلَى مَكَّةَ ،
قَالَ : فَدَخَلَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ الْمَدِينَةَ وَهَرَبِ مِنْهُ بَقَايَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَبَثَ فِيهَا وَأَسْرَفَ فِي الْقَتْلِ
، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إِلَى مَكَّةَ مَاتَ وَاسْتَخْلَفَ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ الْكِنْدِيَّ ، وَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ بَرْذَعَةِ الْحِمَارِ ، احْذَرْ خَدَائِعَ قُرَيْشٍ ، وَلاَ تُعَامِلْهُمْ إِلاَّ [بِالثقافِ] ، ثُمَّ بِالْقِطَافِ ، فَمَضَى حُصَيْنٌ حَتَّى وَرَدَ مَكَّةَ ، فَقَاتَلَ بِهَا ابْنَ الزُّبَيْرِ أَيَّامًا ، وَضَرَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فُسْطَاطًا فِي الْمَسْجِدِ ، فَكَانَ فِيهِ نِسَاءٌ يَسْقِينَ الْجَرْحَى وَيُدَاوِينَهُمْ ، وَيُطْعِمْنَ الْجَائِعَ وَيَكْتُمْنَ إِلَيْهِنَّ الْمَجْرُوحَ ، فَقَالَ حُصَيْنٌ : مَا يَزَالُ يَخْرُجُ علينا مِنْ ذَلِكَ الْفُسْطَاطِ أَسَدٌ كما يَخْرُجُ مِنْ عَرِينِهِ ، فَمَنْ يَكْفِينِيهِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ : أَنَا ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَضَعَ شَمْعَةً فِي طَرْفِ رُمْحِهِ ، ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ ، ثُمَّ طَعَنَ الْفُسْطَاطَ ، فَالْتَهَبَ نَارًا ، وَالْكَعْبَةُ يَوْمَئِذٍ مُؤَزَّرَةٌ بِالطَّنَافِسِ ، وَعَلاَ أَعْلاَهَا [الحبرة] ، فَطَارَتِ الرِّيحُ بِاللَّهَبِ عَلَى الْكَعْبَةِ حَتَّى احْتَرَقَتْ ، وَاحْتَرَقَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ قَرْنَا الْكَبْشِ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْحَاقُ
....إلخ
قَالَ : ثُمَّ مَاتَ مَرْوَانُ فدَعَا عَبْدُ الْمَلِكِ إلى نفسه وَقَامَ ، فَأَجَابَهُ أَهْلُ الشَّامِ ، فَخَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَقَالَ : من لاِبْنِ الزُّبَيْرِ مِنْكُمْ ؟ فَقَالَ الْحَجَّاجُ : أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْكَتَهُ ، ثُمَّ عَادَ فَأَسْكَتَهُ ، فَقَالَ : أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ أَنِّي انْتَزَعْتُ جُبَّتَهُ فَلَبِسْتُهَا ، فَعَقَدَ لَهُ فِي الْجَيْشِ إِلَى مَكَّةَ ، حَتَّى وَرَدَهَا عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَاتَله بِهَا ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لأَهْلِ مَكَّةَ : احْفَظُوا هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَلُوا بِخَيْرٍ أَعِزَّةً مَا لَمْ يَظْهَرُوا عَلَيْهَما ، قَالَ : فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ ظَهَرَ الْحَجَّاجُ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَنَصَبَ عَلَيْهِ الْمَنْجَنِيقَ ، فَكَانَ يَرْمِي بِهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدَاةُ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ ابْنَةُ مِئَةِ سَنَةٍ لَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ ، وَلَمْ يَفْسُدْ لَهَا بَصَرٌ ، فَقَالَتْ لاِبْنِهَا : يَا عَبْدَ اللهِ ، مَا فَعَلْتَ فِي حَرْبِكَ ؟ قَالَ : بَلَغُوا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : وَضَحِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَ : إِنَّ فِي الْمَوْتِ لَرَاحَةٌ ، فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّ ، لَعَلَّكَ تَتَمَنَّاهُ لِي، مَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ حَتَّى آتِيَ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْكَ إِمَّا أَنْ تَمْلِكَ فَتَقَرُّ بِذَلِكَ عَيْنِي ، وَإِمَّا أنْ تُقْتَلَ فَأَحْتَسِبُكَ ، قَالَ : فَوَدَّعَهَا ، فَقَالَتْ لَهُ : يَا بُنَيَّ ، إِيَّاكَ أَنْ تُعْطِيَ خَصْلَةً مِنْ دِينِكَ مَخَافَةَ الْقَتْلِ ، وَخَرَجَ عَنْهَا فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ جَعَلَ مِصْرَاعَيْنِ عَلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ يَتَّقِي أَنْ يُصِيبَهُ الْمَنْجَنِيقُ ، وَأَتَى ابْنُ الزُّبَيْرِ آتٍ وَهُوَ جَالِسٌ عَنْدَ الْحَجَرِ ، فَقَالَ لَهُ : أَلاَ نَفْتَحُ لَكَ الْكَعْبَةَ فَتَصْعَدُ فِيهَا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : مِنْ كُلِّ شَىءٍ تَحْفَظُ أَخَاكَ إِلاَّ مِنْ نَفْسِهِ ، يَعْنِي : مِنْ أَجَلِهِ ، وَهَلْ لِلْكَعْبَةِ حُرْمَةٌ لَيْسَتْ لِهَذَا الْمَكَانِ ، وَاللَّهِ لَوْ وَجَدُوكُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ لَقَتَلُوكُمْ ، فَقِيلَ لَهُ : أَلاَ تُكَلِّمُهُمْ فِي الصُّلْحِ ؟ فَقَالَ : أَوَحِينُ صُلْحٍ هَذَا ؟ وَاللَّهِ لَوْ وَجَدُوكُمْ فِي جَوْفِهَا لَذَبَحُوكُمْ جَمِيعًا ، ثُمَّ أَنْشَأَ ، يَقُولُ :.
وَلَسْتُ بِمُبْتَاعِ الْحَيَاةِ بِسُبَّةٍ ... وَلاَ مُرْتَقٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَوْتِ سُلَّمَا.
أُنَافِسُ سَهْمًا إِنَّهُ غَيْرُ رابح ... مُلاَقِي الْمَنَايَا أَيَّ صرفٍ تَيَمَّمَا.
....إلخ
يعني مرة احترقت في حربهم ومرة أخرى بضربات المنجنيق على يد جنود الحجاج بن يوسف الثقفي القائد العسكري للدولة الأموية مما حطمها وهدمها.
- وذكر الطبري في تاريخه:
...فَقَالَ لَهُ المختار وأنا أسمع بعد أن تبدأ فِي أول منطقه، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إنه لا خير فِي الإكثار من المنطق، وَلا فِي التقصير عن الحاجة، إني قَدْ جئتك لأبايعك على أَلا تقضي الأمور دوني، وعلى أن أكون فِي أول من تأذن لَهُ، وإذا ظهرت استعنت بي عَلَى أفضل عملك فَقَالَ لَهُ ابن الزُّبَيْر: أبايعك عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه ص، فَقَالَ: وشر غلماني أنت مبايعه عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا لي فِي هَذَا الأمر من الحظ مَا ليس لأقصى الخلق مِنْكَ، لا وَاللَّهِ لا أبايعك أبدا إلا عَلَى هَذِهِ الخصال.
قَالَ عباس بن سهل: فالتقمت أذن ابن الزُّبَيْر، فقلت لَهُ: اشتر مِنْهُ دينه حَتَّى ترى من رأيك، فَقَالَ لَهُ ابن الزُّبَيْر: فإن لك مَا سألته، فبسط يده فبايعه، ومكث مَعَهُ حَتَّى شاهد الحصار الأول حين قدم الحصين بن نمير السكوني مكة، فقاتل فِي ذَلِكَ الْيَوْم، فكان من أحسن الناس يَوْمَئِذٍ بلاء، وأعظمهم غناء فلما قتل المنذر بن الزُّبَيْرِ والمسور بن مخرمة ومُصْعَب بن عبد الرحمن ابن عوف الزُّهْرِيّ، نادى المختار: يَا أهل الإِسْلام، الى الى! انا ابن ابى عبيد ابن مسعود، وأنا ابن الكرار لا الفرار، أنا ابن المقدمين غير المحجمين، إلي يَا أهل الحفاظ وحماة الأوتار فحمى الناس يَوْمَئِذٍ، وأبلى وقاتل قتالا حسنا
ثُمَّ أقام مع ابن الزُّبَيْر فِي ذَلِكَ الحصار حَتَّى كَانَ يوم أحرق البيت، فإنه أحرق يوم السبت لثلاث مضين من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، فقاتل المختار يومئذ في عصابه معه نحو من ثلاثمائة أحسن قتال قاتله أحد مِنَ النَّاسِ، إن كَانَ ليقاتل حَتَّى يتبلد، ثُمَّ يجلس ويحيط بِهِ أَصْحَابه، فإذا استراح نهض فقاتل، فما كَانَ يتوجه نحو طائفة من أهل الشام إلا ضاربهم حَتَّى يكشفهم.
قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي أَبُو يُوسُف مُحَمَّد بن ثابط، عن عباس بن سَهْل بن سَعْدٍ، قَالَ: تولى قتال أهل الشام يوم تحريق الكعبة عَبْد اللَّهِ بن مطيع وأنا والمختار، قَالَ: فما كَانَ فينا يَوْمَئِذٍ رجل أحسن بلاء من المختار.
قَالَ: وقاتل قبل أن يطلع أهل الشام عَلَى موت يَزِيد بن مُعَاوِيَة بيوم قتالا شديدا، وَذَلِكَ يوم الأحد لخمس عشرة ليلة مضت من ربيع الآخر سنة أربع وستين، وَكَانَ أهل الشام قَدْ رجوا أن يظفروا بنا، وأخذوا علينا سكك مكة.
قَالَ: وخرج ابن الزُّبَيْر، فبايعه رجال كثير عَلَى الموت، قَالَ:
فخرجت فِي عصابة معي أقاتل فِي جانب، والمختار فِي عصابة أخرى يقاتل فِي جميعة من أهل اليمامة فِي جانب، وهم خوارج، وانما قاتلوا ليدفعوا عن البيت، فهم فِي جانب، وعبد اللَّه بن المطيع فِي جانب.
...إلخ
ذكر الخبر عن هدم ابن الزبير الكعبة
قَالَ أَبُو جَعْفَر: وفي هَذِهِ السنة هدم ابن الزُّبَيْر الكعبة، وكانت قَدْ مال حيطانها مما رميت بِهِ من حجارة المجانيق، فذكر مُحَمَّد بن عُمَرَ الْوَاقِدِيّ أن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى حدثه عَنْ عِكْرِمَةَ بن خَالِدٍ، قَالَ: هدم ابن الزُّبَيْر البيت حَتَّى سواه بالأرض، وحفر أساسه وأدخل الحجر فِيهِ، وَكَانَ الناس يطوفون من وراء الأساس، ويصلون إِلَى موضعه، وجعل الركن الأسود عنده فِي تابوت فِي سرقة من حرير، وجعل مَا كَانَ من حلي البيت وما وجد فِيهِ من ثياب أو طيب عِنْدَ الحجبة فِي خزانة البيت، حَتَّى أعادها لما أعاد بناءه.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عمر: وَحَدَّثَنِي معقل بن عَبْدِ اللَّهِ، عن عطاء، قَالَ: رأيت ابن الزُّبَيْر هدم البيت كله حَتَّى وضعه بالأرض.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة عَبْد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ.
ومما ذكره الطبري في سياق حرب سليمان بن صرد وجماعة التوابين الدينية ومن معهم من مناصري ومتشيعي الحسين محاربي الدولة الأموية جيوشها:
قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي الحصين بن يَزِيدَ الأَزْدِيّ، عن حميد بن مسلم الأَزْدِيّ، قَالَ: كَانَ ذَلِكَ المزني صديقا لي، فلما ذهب لينصرف ناشدته اللَّه، فَقَالَ: أما إنك لم تكن لتسألني شَيْئًا من الدُّنْيَا إلا رأيت لك من الحق علي إيتاءكه، وهذا الَّذِي تسألني أريد اللَّه بِهِ، قَالَ: ففارقني حَتَّى لقي القوم فقتل، قال: فو الله مَا كَانَ شَيْء بأحب إلي من أن ألقى إنسانا يحدثني عنه كيف صنع حين لقي القوم! قَالَ: فلقيت عَبْد الْمَلِكِ بن جزء بن الحدرجان الأَزْدِيّ بمكة، فجرى حديث بيننا، جرى ذكر ذَلِكَ الْيَوْم، فَقَالَ: أعجب مَا رأيت يوم عين الوردة بعد هلاك القوم أن رجلا أقبل حَتَّى شد علي بسيفه، فخرجنا نحوه، قَالَ: فانتهى إِلَيْهِ وَقَدْ عقر بِهِ وَهُوَ يقول:
إني من اللَّه إِلَى اللَّهِ أفر ... رضوانك اللَّهُمَّ أبدي وأسر
قَالَ: فقلنا لَهُ: ممن أنت؟ قَالَ: من بني آدم، قَالَ: فقلنا: ممن؟
قَالَ: لا أحب أن أعرفكم وَلا أن تعرفوني يَا مخربى البيت الحرام، قال:
فتزل إِلَيْهِ سُلَيْمَان بن عَمْرو بن محصن الأَزْدِيّ من بني الخيار، قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ من أشد الناس، قَالَ: فكلاهما أثخن صاحبه، قَالَ: وشد الناس عَلَيْهِ من كل جانب، فقتلوه، قال: فو الله مَا رأيت واحدا قط هُوَ أشد مِنْهُ، قَالَ: فلما ذكر لي، وكنت أحب أن أعلم علمه، دمعت عيناي، فَقَالَ: أبينك وبينه قرابة؟ فقلت لَهُ: لا، ذَلِكَ رجل من مضر كَانَ لي ودا وأخا، فَقَالَ لي: لا أرقأ اللَّه دمعك، أتبكي عَلَى رجل من مضر قتل عَلَى ضلالة! قَالَ: قلت: لا، وَاللَّهِ مَا قتل عَلَى ضلالة، ولكنه قتل عَلَى بينة من ربه وهدى، فَقَالَ لي: أدخلك اللَّه مدخله، قلت: آمين، وأدخلك اللَّه مدخل حصين بن نمير، ثُمَّ لا أرقأ الله لك عَلَيْهِ دمعا، ثُمَّ قمت وقام.
ذكر خبر بناء عبد الله بن الزبير البيت الحرام
وفي هَذِهِ السنة بنى عَبْد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ البيت الحرام، فأدخل الحجر فِيهِ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ خَالِدِ بْنِ رُسْتُمَ الصَّنْعَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ جِيلٍ أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ يَوْمَ غُلِبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَسَمِعَهُ يَقُولُ: إِنَّ أُمِّي أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ حدثتني ان رسول الله ص قَالَ لِعَائِشَةَ: [لَوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ رَدَدْتُ الْكَعْبَةَ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَزِيدُ فِي الْكَعْبَةِ مِنَ الْحَجَرِ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَحُفِرَ،] فَوَجَدُوا قِلاعًا أَمْثَالَ الإِبِلِ، فَحَرَّكُوا مِنْهَا صَخْرَةً، فَبَرَقَتْ بَارِقَةٌ فَقَالَ: أَقِرُّوهَا عَلَى أَسَاسِهَا، فَبَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ: يَدْخُلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَخْرُجُ مِنَ الآخَرِ.
مقتل عبد الله بن الزبير.
ذكر الخبر عن صفة ذَلِكَ:
حدثني الحارث، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر.
قال: حدثني إسحاق بن يحيى، عن عبيد الله بن القبطية، قال: كانت الحرب بين ابن الزبير والحجاج ببطن مكة ستة أشهر وسبع عشرة ليلة.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عمر: وَحَدَّثَنِي مُصْعَب بن ثابت، عن نافع مولى بني أسد- وكان عالما بفتنة ابن الزبير- قال: حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين وقتل لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وكان حصر الحجاج لابن الزبير ثمانية أشهر وسبع عشرة ليلة.
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قال: أخبرنا محمد ابن عمر: قال: حدثني إسحاق بن يحيى، عن يوسف بن ماهك، قال: رأيت المنجنيق يرمى به، فرعدت السماء وبرقت، وعلا صوت الرعد والبرق على الحجارة، فاشتمل عليها، فأعظم ذلك أهل الشام، فأمسكوا بأيديهم، فرفع الحجاج بركة قبائه فغرزها في منطقته، ورفع حجر المنجنيق فوضعه فيه، ثم قال: أرموا، ورمى معهم قال: ثم أصبحوا، فجاءت صاعقة تتبعها أخرى، فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا، فانكسر أهل الشام، فقال الحجاج: يا أهل الشام، لا تنكروا هذا فإني ابن تهامة، هذه صواعق تهامة، هذا الفتح قد حضر فأبشروا، إن القوم يصيبهم مثل ما أصابكم، فصعقت من الغد فأصيب من أصحاب ابن الزبير عدة، فقال الحجاج: ألا ترون أنهم يصابون وأنتم على الطاعة، وهم على خلاف الطاعة! فلم تزل الحرب بين ابن الزبير والحجاج حتى كان قبيل مقتله وقد تفرق عنه أصحابه، وخرج عامة أهل مكة إلى الحجاج في الأمان.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنى إسحاق بن عبد الله، عن المنذر بن جهم الأسدي، قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد تفرق عنه أصحابه وخذله من معه خذلانا شديدا، وجعلوا يخرجون إلى الحجاج حتى خرج إليه نحو من عشرة آلاف.
وذكر أنه كان ممن فارقه وخرج إلى الحجاج ابناه حمزة وخبيب، فأخذا منه لأنفسهما أمانا، ....إلخ
سنة أربع وسبعين
(ذكر ما كان فيها من الأحداث الجليلة) قال أبو جعفر: فمما كان فيها من ذلك عزل عبد الملك طارق بن عمرو عن المدينة، واستعماله عليها الحجاج بن يوسف، فقدمها- فيما ذكر- فأقام بها شهرا ثم خرج معتمرا.
وفيها كان- فيما ذكر- نقض الحجاج بن يوسف بنيان الكعبة الذي كان ابن الزبير بناه، وكان إذ بناه أدخل في الكعبة الحجر، وجعل لها بابين، فأعادها الحجاج على بنائها الأول في هذه السنة، ثم انصرف إلى المدينة في صفر، فأقام بها ثلاثة أشهر يتعبث بأهل المدينة ويتعنتهم، وبنى بها مسجدا في بني سلمة، فهو ينسب إليه.
واستخف فيها بأصحاب رسول الله ص، فختم في أعناقهم، فذكر مُحَمَّد بن عمران بن أبي ذئب، حدثه عمن رأى جابر بن عبد الله مختوما في يده.
وعن ابن أبي ذئب، عن إسحاق بن يزيد، أنه رأى أنس بن مالك مختوما في عنقه، يريد أن يذله بذلك.
قال ابن عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أبيه، قال: رأيت الحجاج أرسل إلى سهل بن سعد فدعاه، فقال: ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان! قال: قد فعلت قال: كذبت، ثم أمر به فختم في عنقه برصاص.
- وجاء في أخبار مكة للفاكهي:
1667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أنا الْمُثَنَّى الْقَسَّامُ قَالَ: ثنا أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ قَالَ: " لَمَّا بَلَغَنِي تَحْرِيقُ الْبَيْتِ خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ أُرِيدُ قِتَالَ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَدِمْتُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَأَكْرَمَنِي، وَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حَتَّى عَرَفَنِي وَاسْتَأْنَسَ بِي قَالَ: فَأَصَبْتُ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْهُ خَلْوَةً، فَقَالَ لِي: " يَا أَبَا حَمْزَةَ أَلَا تُحَدِّثُنِي مَا أَقْدَمَكَ بَلَدَنَا هَذَا؟ " قُلْتُ: بَلَى، قَدِمْتُ أُرِيدُ قِتَالَ أَهْلِ الشَّامِ الَّذِينَ اسْتَحَلُّوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: " تَرْجِعُ إِلَى مِصْرِكَ فَتَقْعُدُ عَلَى بَغْلَتِكَ وَتُجَنِّبُ فَرَسَكَ حَتَّى تَأْتِيَ خُرَاسَانَ فَتُقَاتِلَ عَلَى حَظِّكَ مِنَ اللهِ، وَتَدَعَهُمْ يُقَاتِلُونَ عَلَى حَظِّهِمْ مِنَ الدُّنْيَا " قَالَ: فَكَأَنِّي كُنْتُ نَائِمًا فَنَبَّهَنِي فَرَجَعَ إِلَى الْبَصْرَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خُرَاسَانَ
1668 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عِيسَى قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: " يَا مُجَاهِدُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ رَجَعُوا كُفَّارًا؟ " قَالَ: قُلْتُ: مَاذَا؟ قَالَ: " عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يَضْرِبُ بَعْضُهُمْ رِقَابَ بَعْضٍ "
هذه المقولة لابن عمر مما اختاره الإباضية في مسند الربيع الخاص بمذهبهم.
27 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: ثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " نَظَرْتُ إِلَى الرُّكْنِ حِينَ نَقَضَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا الْبَيْتَ، فَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ دَاخِلُ الْبَيْتِ أَبْيَضُ، قَالَ عَتَّابٌ: ثُمَّ وَصَفَهُ لِي خُصَيْفٌ مِثْلَ الْحُوتِ،
قَالَ مُجَاهِدٌ: " إِنَّمَا اسْوَدَّ مَا ظَهَرَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُلَطِّخُونَهُ بِالدَّمِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّهُ سَيُرَدُّ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَنَّهُ سَيُجْعَلُ لَهُ لِسَانٌ حَتَّى يَشْهَدَ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
ذِكْرُ مَا أَصَابَ الرُّكْنَ مِنَ الْحَرِيقِ , وَذَرْعِ مَا يَدُورُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْفِضَّةِ وَتَفْسِيرِهِ
144 - أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: " انْصَدَعَ الرُّكْنُ بِثَلَاثِ فِرَقٍ فَرَأَيْتُهُ مُتَكَسِّرًا حَتَّى شَدَّهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِالْفِضَّةِ، وَأَدْخَلَ الْحَجَرَ فِي الْبَيْتِ "
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: " رَأَيْتُ الْبَيْتَ كَأَنَّهُ حُمَمَةٌ وَالْحَجَرُ مُلْقًى بِالْأَرْضِ بَائِنًا، وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَوَّلَ مَنْ رَبَطَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ , زَعَمُوا لَمَّا أَصَابَهُ مِنَ الْحَرِيقِ مَا أَصَابَهُ، ثُمَّ كَانَتِ الْفِضَّةُ الَّتِي عَلَيْهِ قَدْ رَقَّتْ وَتَزَعْزَعَتْ وَتَقَلْقَلَتْ حَوْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، حَتَّى خَافُوا عَلَى الرُّكْنِ أَنْ يَنْقَضَّ، فَلَمَّا اعْتَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونُ الرَّشِيدُ عُمْرَتَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الطَّحَّانِ، وَمَوْلَى ابْنِ الْمُشَمْعِلِ وَكَانَا بَصِيرَيْنِ بِالْهَنْدَسَةِ، فَأَمَرَهُمَا بِعَمَلِهِ، وَأَمَرَ بِالْحِجَارَةِ الَّتِي بَيْنَهَا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ فَثُقِبَتْ بِالْمَاسِ مِنْ فَوْقِهَا وَتَحْتِهَا، ثُمَّ أَفْرَغَ فِيهَا الْفِضَّةَ وَهِيَ الْفِضَّةُ الَّتِي عَلَيْهِ إِلَى الْيَوْمِ "
......قَالَ: ثُمَّ مَاتَ مَرْوَانُ، فَدَعَا عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى نَفْسِهِ وَقَامَ، فَأَجَابَهُ أَهْلُ الشَّامِ، فَخَطَبَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: مَنْ لِابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْكُمْ؟ فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَأَسْكَتَهُ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِيَ النَّوْمِ أَنِّي انْتَزَعْتُ جُبَّتَهُ فَلَبِسْتُهَا قَالَ: فَعَقَدَ لَهُ وَوَجَّهَهُ فِي الْجَيْشِ إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى وَرَدَهَا عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَاتَلَهُ بِهَا، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا لِأَهْلِ مَكَّةَ: احْفَظُوا هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ؛ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا أَعِزَّةً مَا لَمْ يَظْهَرُوا عَلَيْهِمَا قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ ظَهَرَ الْحَجَّاجُ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، فَنَصَبَ عَلَيْهِ الْمَنْجَنِيقَ، فَكَانَ يَرْمِي بِهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدَاةُ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ بِنْتُ مِائَةِ سَنَةٍ لَمْ يَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ وَلَمْ يَفْسُدْ لَهَا بَصَرٌ، فَقَالَتْ لِابْنِهَا عَبْدِ اللهِ: مَا فَعَلْتَ فِي حَرْبِكَ؟ قَالَ: بَلَغُوا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَضَحِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَقَالَ: إِنَّ فِي الْمَوْتِ لَرَاحَةً قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَعَلَّكَ تَمَنَّاهُ لِي؟ مَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ إِمَّا تَمْلِكُ فَتَقَرُّ عَيْنِي، وَإِمَّا أَنْ تُقْتَلَ فَأَحْتَسِبَكَ قَالَ: ثُمَّ وَدَّعَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ دِينِكَ مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدَهَا فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَجَعَلَ شَيْئًا يَسْتُرُ بِهِ الْحَجَرَ أَنْ يُصِيبَهُ الْمَنْجَنِيقُ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا نُكَلِّمُهُمْ فِي الصُّلْحِ؟ قَالَ: أَوَحِينُ صُلْحٍ هَذَا؟ وَاللهِ لَوْ وَجَدُوكُمْ فِي جَوْفِهَا يَعْنِي الْكَعْبَةَ لَذَبَحُوكُمْ جَمِيعًا ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
وَلَسْتُ بِمُبْتَاعِ الْحَيَاةِ بِسُبَّةٍ ... وَلَا مُرْتَقٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَوْتِ سُلَّمَا
أَنَا لَابْنُ أَسْمَا إِنَّهُ غَيْرُ نَازِحٍ ... مُلَاقِي الْمَنَايَا أَيَّ صَرْفٍ تَيَمَّمَا
....إلخ
1656 - حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ أَبُو خَالِدٍ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ سَبْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ، قَالَ: رَأَيْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ وَقَدْ وَضَعَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَذَلِكَ لَمَّا أَعْيَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَرَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَكِرُّ عَلَى أَصْحَابِ الْحَجَّاجِ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِمُ الْأَبْطَحَ، ثُمَّ يَجِيءُ إِلَى الْبَيْتِ فَيَسْتَجِيرُ بِهِ، فَلَمَّا رَمَى الْحَجَّاجُ بِالْمَنْجَنِيقِ وَسَمِعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا صَوْتَ الْحِجَارَةِ تَقَعُ عَلَى الْكَعْبَةِ، خَرَجَ فَقَالَ: " يُذْهَبُ بِنَفْسِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تُهْدَمَ الْكَعْبَةُ فِي سَبَبِي "
...قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كُنْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَهُوَ يُصَلِّي خَلْفَ الْمَقَامِ وَحِجَارَةُ الْمَنْجَنِيقِ تَهْوِي مُلَمْلَمَةٌ مَلْسَاءُ كَأَنَّهَا خُرِطَتْ، وَمَا يُصِيبُهُ مِنْهَا شَيْءٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ يَسَارٌ، فَقَالَ: قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ آنِفًا، فَكَلَّمُوا الْحَجَّاجَ فِي أَنْ يَدَعَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ مُنِعَ النَّاسُ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ الْمَنْجَنِيقِ وَعَلَيْهِمْ طَارِقُ بْنُ عَمْرٍو أَنْ يَكُفُّوا، فَكَفُّوا حَتَّى صَدَرَ النَّاسُ مِنَ الطَّوَافِ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ الْمَنْجَنِيقِ وَعَلَيْهِمْ طَارِقُ بْنُ عَمْرٍو، فَكَانَ مِنْ قَوْلِ الْحَجَّاجِ: إِنِّي لَكَارِهٌ لِمَا تَرَوْنَ، وَلَكِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَجَأَ إِلَى الْبَيْتِ، وَالْبَيْتُ لَا يَمْنَعُ خَالِعَ طَاعَةٍ وَلَا عَاصِيًا، وَلَوْ أَنَّهُ اتَّقَى اللهَ تَعَالَى وَخَرَجَ إِلَيْنَا فَأَصْحَرَ لَنَا، فَإِمَّا أَنْ يَظْفَرَ وَإِمَّا أَنْ نَظْفَرَ بِهِ، فَيَسْتَرِيحُ النَّاسُ مِنْ هَذَا الْحَصْرِ قَالَ: فَدَخَلَ الْقَوْمُ الْمَسْجِدَ وَقَدْ كُفُوا رَمْيَ الْمَنْجَنِيقِ، فَمَرُّوا بِابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي خَلْفَ الْمَقَامِ، فَتَرَكُوهُ حَتَّى طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ فَذَكَرُوا لَهُ مَا قَالَ لَهُمُ الْحَجَّاجُ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لَوْ كَانَ لِهَذَا كَارِهًا لَمْ يَرْمِ الْكَعْبَةَ نَفْسَهَا , وَاللهِ مَا تَقَعُ حِجَارَتُهُ إِلَّا فِيهَا قَالَ: فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى الْكَعْبَةِ مُتَوَهِّنَةً مِنَ الْحِجَارَةَ "
وهناك أخبار مفيدة في أخبار مكة للفاكهي عن غلاء الأسعار والضيق في حصار الأمويين لابن الزبير حتى اضطروا لأكل بعض الأفراس والبغال (البراذين).
1681 - فَحَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى الْفَرْوِيُّ قَالَ: قَالَ شَاعِرٌ مِنَ الْعَرَبِ أَسْمَاهُ فَذَهَبَ عَلَيَّ اسْمُهُ يَرْثِي الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَمُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَيُذَكِّرُ بِحَرِيقِ أَهْلِ الشَّامِ الْبَيْتَ:
إِنَّ الْإِمَامَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَإِنْ أَبَى فَذَرُوا الْخِلَافَةَ فِي بَنِي الْخَطَّابِ
لَسْتُمْ لَهَا أَهْلًا وَلَسْتُمْ مِثْلَهُ فِي فَضْلِ سَابِقَةٍ وَفَضْلِ خِطَابٍ
وَغَدَا النَّعِيُّ بِمُصْعَبٍ وَبِمُنْذِرٍ وَكُهُولِ صِدْقٍ سَادَةٍ وَشَبَابِ
قُتِلُوا غَدَاةَ قُعَيْقِعَانَ وَحَبَّذَا قَتْلَاهُمُ قَتْلَى وَمِنْ أَسْلَابِ
أَقْسَمْتُ لَوْ أَنِّي شَهِدْتُ فِرَاقَهُمْ لَاخْتَرْتُ صُحْبَتَهُمْ عَلَى الْأَصْحَابِ
قَتَلُوا حَوَارِيَّ النَّبِيِّ وَحَرَّقُوا بَيْتًا بِمَكَّةَ طَاهِرَ الْأَثْوَابِ
وَقَالَ: وَقُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، فَرَثَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ بِمَرَاثِيَ كَثِيرَةٍ اخْتَصَرْنَاهَا...إلخ.
وروى أحمد:
24297 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، وَأَبُو أُسَامَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ الْمَعْنَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، ثُمَّ جَعَلْتُهَا عَلَى أُسِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ قُرَيْشًا يَوْمَ بَنَتْهَا اسْتَقْصَرَتْ ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا " قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: " خِلْفًا ".
إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه مسلم (1333) من طريق عبد الله بن نمير، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (1585) ، وابن خزيمة (2742) من طريق حماد بن أسامة أبي أسامة، بهذا الإسناد.
وأخرجه إسحاق (671) - ومن طريقه النسائي في "المجتبى" 5/15، وفي "الكبرى" (3885) - ومسلم (1333) ، والدارمي (1868) ، وابن خزيمة (2742) و (3019) من طرق عن هشام، به.
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (6247) من طريق عمرو بن الحارث، عن قتادة، عن عروة، به، وقال: لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا عمرو بن الحارث.
وسيرد بالأرقام (24384) و (24616) و (24709) و (24827) و (25048) و (25438) و (25440) و (25463) و (25466) و (26029) و (26100) و (26151) و (26256) .
قوله: "ولجعلت لها خلفاً" قال ابن الأثير في "النهاية" 2/68: الخَلْف: الظهر، كأنه أراد أن يجعل لها بابين، والجهة التي تقابل الباب من البيت ظهره، فإذا كان لها بابان فقد صار لها ظهران، ويروى بكسر الخاء، أي: زيادتين كالثديين، والأول أوجه.
24709 - حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ الزُّبَيْرِ: حَدِّثْنِي بَعْضَ مَا كَانَتْ تُسِرُّ إِلَيْكَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، فَرُبَّ شَيْءٍ كَانَتْ تُحَدِّثُكَ بِهِ تَكْتُمُهُ النَّاسَ، قَالَ: قُلْتُ: لَقَدْ حَدَّثَتْنِي حَدِيثًا حَفِظْتُ أَوَّلَهُ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِجَاهِلِيَّةٍ " أَوْ قَالَ: " بِكُفْرٍ "، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: ، " لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ فِي الْأَرْضِ، بَابًا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَبَابًا يُخْرَجُ مِنْهُ "، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: " فَأَنَا رَأَيْتُهَا كَذَلِكَ ".
حديث صحيح، زهير -وهو ابن معاوية ، وإن كان سماعه من أبي إسحاق ، وهو عمرو بن عبد الله السبيعي بعد الاختلاط - قد توبع . وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير أبي كامل: وهو مُظَفَّر بن مدرك الخراساني ، فقد روى له أبو داود في كتاب "التفرد" والنسائي ، وهو ثقة . الأسود: هو ابن يزيد النخعي، وابن الزبير: هو عبد الله الصحابي الجليل.
وأخرجه البخاري (126) عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، بهذا الإسناد.
وأخرجه الطيالسي (1393) ، وإسحاق (1559) ، والبخاري (1584) و (7243) ، ومسلم (1333) (405) و (406) ، وابن ماجه (2955) ، والدارمي (1869) ، وأبو يعلى (4627) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2 / 184 ، والبيهقي في "السنن" 5 / 89 ، وابن عبد البر في "التمهيد" 10 / 28 ، والبغوي في "شرح السنة" (1904) من طريق أشعث بن أبي الشعثاء، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجَدْر ، أمن البيت هو؟ قال: "نعم" قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: "إن قومك قصَّرت بهم النفقة". قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: "فعل ذلك قومُك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا ، ولولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية ، فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت ، وأن ألصق بابه بالأرض".
وأخرجه عبد الرزاق (9157) - ومن طريقه ابن راهويه (552) - عن أبيه ، عن مرثد بن شرحبيل ، قال : أدخل ابن الزبير على عائشة سبعين رجلاً من خيار قريش ومكبرتهم فأخبرتهم ... فذكره مطولاً.
وأخرجه البخاري في "تاريخه" 6 / 378 - 379 من طريق عمرو بن الوليد ، عن سالم بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة ، فذكره.
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (7375) من طريق يعقوب بن محمد الزهري، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن الزبير ، عن عائشة ، به.
وقال: لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا ابنه ، تفرد به يعقوبُ بن محمد الزهري.
وقد سلف برقم (24297) .
وروى النسائي في المجتبى:
2911 - أخبرنا أحمد بن سعيد الرباطي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا قرة بن خالد عن عبد الحميد بن جبير عن عمته صفية بنت شيبة قالت حدثتنا عائشة قالت قلت: يا رسول الله ألا أدخل البيت؟ قال: ادخلي الحِجْر فإنه من البيت.
قال الألباني: صحيح
وانظر أحمد 24384 و24616
مقالة لدبلوماسيّ سعوديّ عن تهدمات واحتراقات الكعبة عبر التاريخ خلال الحروب والحوادث، وإحدى المرات التي دنّسَها فيها شخص مجهول، ربما شخص مجنون، وقيام الحكومة بقتل ناس أبرياء لمجرد تسكين خواطر العوام ولكي لا يشكوا في الدين وخرافاته، وهي مقتبسة من كتاب تاريخ الكعبة المعظم للمؤرخ حسين عبد الله باسلامة:
الكعبة المشرفة.. أحداث بناء وهدم وحرق وتدنيس تعرضت لها على مر القرون
مقذوفات تركية من قلعة أجياد تصيب قباب المسجد الحرام وتحرق شظاياها ثوبها * سيل عظيم يسقط معظم البيت المعظم قبل 390 عاما ويقتل ألف انسان داخل وخارج الحرم * تلطيخ الكعبة بالنجاسة وسرقة مفتاحها الذهبي وحريقها من حوادث الحرم المشهورة
الرياض: بدر الخريف
مرت عمارة الكعبة بمحطات هامة ولافتة، حيث شهد أول بيت وضع للناس عبر قرون أحداثاً
متباينة ما بين بناء وهدم وحرق، كما طرأ على كسوتها تغييرات وتبديلات، وتبادل على
سدنتها أشخاص كثيرون من أسر متعددة جاهلية وإسلامية.
ورغم أن كتب التفسير والحديث والفقه والمناسك والتاريخ والمعاجم واللغة قد أوردت أخباراً وروايات تتعلق بشؤون الكعبة المشرفة إلا أن كتاباً خاصاً عن تاريخ الكعبة بشكل مسهب لم يؤلف مع التأكيد على أن أكثر كتب الاسلام التي تؤرخ لذلك قد ذهب الدهر بأكثرها.
وقبل ثمانية عقود نجح الراحل حسين عبد الله باسلامة في تأليف كتاب عن تاريخ الكعبة من حيث عمارتها وكسوتها وسدنتها وأهدى مؤلفه للملك عبد العزيز وقال في الاهداء:
يا مولاي ان الذي دعاني إلى تقديمهما لجلالتكم هدية هو لان الله تعالى قد خصكم بخدمة الحرمين الشريفين، وجعلكم حامين حمى بلده الأمين ومدينة نبيه سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد حميتموهما من تعدي المعتدين وقطعتم دار المفسدين. ونظمتم الدوائر، وأمنتم السبل، وأصلحتم الطرق، حتى أصبحت وفود بيت الله الحرام يؤدون مناسكهم في أمان واطمئنان تحت رعاية الله تعالى ثم رعايتكم. وكنتم أول من أسس دار معمل الكسوة بأم القرى وكسوتم الكعبة المعظمة بكسوة محاكة بمكة على أحسن منوال وأبدع تطريز ولأنكم قمتم بعمارة كل ما وهى وتداعى إلى الخراب بالمسجد الحرام مرات عديدة. وعملتم المظلات بالمسجد الحرام وقاية لوفود بيت الله الحرام الآوين إليه من كل فج عميق من حر الظهيرة. وأنشأتم السبيلين اللذين هما خارج زمزم وجعلتموهما سقاية الحاج. وكنتم أول من رصف شارع المسعى بالحجر الصوان بعد أن كان يتلوث من وحله وغباره كل من يتطوف بين الصفا والمروة من حاج ومعتمر. وأتيتم بأعظم ساعة ضخمة منبهة للمسجد الحرام ولم يأت بمثلها أحد قبلكم أو بما يضاهيها. وقد قام جلالتكم بطبع ونشر كثير من كتب السنة من تفسير وحديث، وتوحيد، وفقه ومناسك حج، وتاريخ وغير ذلك. وشجعتم المصنفين وأعنتموهم ببدر المال على طبع ونشر مؤلفاتهم بما جعلتموهم مدينين لاحسانكم مدى الزمان.
هذا بعض ما لجلالتكم من المزايا العظيمة، والمآثر الشريفة، والاصلاحات القيمة، وما يرجى من جلالتكم في المستقبل أعظم مما مضى، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيبكم على حسن أعمالكم ويمدكم بروح منه، ويديم سعدكم، ويخلد مسلككم، ويعلي مجدكم. ويرفع ذكركم، ويجعلكم من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. آمين.
ورصد المؤلف روايات حول تاريخ عمارة الكعبة ولعل اهمها بناء الحجاج لها عام 693م منها ما رواه مسلم في صحيحه عن عطاء أنه قال: فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ويخبره ان الزبير قد وضع البناء على أسس نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب اليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء أما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه، وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه ثم روى مسلم حديثاً آخر عن ابن جريح قال سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء يحدثان عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال عبد الله بن عبيد وفد الحارث بين عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته فقال عبد الملك ما أظن أباخبيب يعني ابن الزبير سمع من عائشة ما كان يزعم انه سمعه منها، قال الحارث: بلى أنا سمعته منها. قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قومك استقصروا من بنيان البيت ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه، فإن بدا لقومك من بعدي ان يبنوه، فهلمي لأريك ما تركوا منه» فأراها قريباً من سبعة أذرع. هذا حديث عبد الله بن عبيد، وزاد عليه الوليد بن عطاء قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقياً وغربياً، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا باباها؟» قالت قلت لا، قال: «تعززاً أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط» قال عبد الملك للحارث: أنت سمعتها تقول هذا ؟ قال نعم، فمكث ساعة بعصاه ثم قال: وددت أني تركته وما تحمل وروى مسلم أيضاً عن أبي قزعة أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول سمعتها تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر انقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر فإن قومك قصروا في البناء» فقال الحارث بن عبد الله ان أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا. قال: لو كنت سمعت قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير عليه، ففعل الحجاج ذلك وبناؤه في الكعبة في الجدار الذي من جهة الحجر، والباب الغربي المسدود في ظهر الكعبة عند الركن اليماني، وما تحت عتبة الباب الشرقي وهو أربعة أذرع وشبر على ما ذكره الأزرقي وترك بقية الكعبة على بناء ابن الزبير، وهذا ملخص ما ذكره الأزرقي في ذلك بالمعنى وكان ذلك في سنة أربع وسبعين من الهجرة على ما ذكره ابن الأثير، وقيل سنة ثلاث وسبعين على ما ذكره الذهبي في العبر، ثم ابن عبد الملك بن مروان ندم على ما وقع منه في أمر الكعبة. وذكر القصة المتقدمة ولم يرد شيئا.
قال الحافظ بن حجر في فتح الباري: لم يذكر المصنف رحمه الله تعالي ـ يعني البخاري ـ قصة تغيير الحجاج لما صنعه ابن الزبير، وقد ذكرها مسلم، ثم قال: وللفاكهي من طريق أبي أويس عن هشام بن عروة فبادر يعني الحجاج فهدمها وبنى شقها الذي يلي الحجر، ورفع بابها، وصد الباب الغربي. قال ابواويس: فأخبرني غير واحد من أهل العلم أن عبد الملك ندم على إذنه للحجاج في هدمها ولعن الحجاج. ولابن عينيه عن داود بن سابور عن مجاهد فرد الذي كان ابن الزبير ادخل فيها من الحجر، قال فقال عبد الملك ودننا أنا تركتا أبا خبيب وما تولى من ذلك. قال الحافظ بن حجر (تنبيه) جميع الروايات التي جمعتها في هذه القصة متفقة على أن ابن الزبير جعل الباب بالأرض، ومقتضاه أن يكون الباب الذي زاده على سمته، وقد ذكر الازرقي ان جملة ما غير الحجاج الجدار الذي من جهة الحجر والباب المسدود الذي في الجانب الغربي عن يمين الركن اليماني وما تحت عتبة الباب الأصلي وهو أربعة أذرع وشبر. وهذا موافق لما في الروايات المذكورة لكن المشاهد الآن في ظهر الكعبة باب مسدود يقابل الباب الأصلي وهو في الارتفاع مثله ومقتضاه أن يكون الباب الذي كان على عبد بن الزبير لم يكن لاصقاً بالأرض فيحتمل ان يكون لاصقاً كما صرحت به الروايات، لكن الحجاج لما غيره رفعه ورفع الباب الذي يقابله ايضاً ثم بدا له فسد الباب المجدد، لكن لم أر النقل بذلك صريحا، وذكر الفاكهي في أخبار مكة أنه شاهد هذا الباب المسدود من داخل الكعبة في سنة 263 فإذا هو مقابل باب الكعبة وهو بقدره في الطول والعرض وإذا في أعلاه كلاليب ثلاثة كما في الباب الموجود سواء والله أعلم.
وقد ذكر الحافظ بن كثير في تفسيره الأحاديث التي رواها مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها المتقدم ذكرها ثم قال فهذا الحديث كالمقطوع به إلى عائشة لأنه قد روى عنها من طرق صحيحة متعددة عن الأسود بن يزيد، والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، فدل هذا على صواب ما فعله ابن الزبير فلو ترك لكان جيداً، ولكن بعدما رجع الأمر إلى هذا الحال فقد كره بعض العلماء أن يغير عن حاله كما ذكر عن أمير المؤمنين هارون الرشيد أو ابيه المهدي انه سأل الامام مالكا عن هدم الكعبة وردها إلى ما فعله ابن الزبير، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا تجعل كعبة الله ملعبة للملوك لا يشاء أحد ان يهدمها إلا هدمها فترك ذلك الرشيد، نقله عياض والنووي.
قال النووي في شرح مسلم وقد ذكروا ان هارون الرشيد سأل مالك بن أنس عن هدمها وردها إلى بناء ابن الزبير للأحاديث المذكورة في الباب فقال مالك أناشدك الله يا أمير المؤمنين ان لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك لا يشاء إلا نقضه وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس ثم قال النووي قال اصحابنا يعني علماء الشافعية. ستة أذرع من الحجر مما يلي البيت محسوبة من البيت بلا خلاف، وفي الزائد خلاف، فإن طاف في الحجر وبينه وبين البيت اكثر من ستة أذرع ففيه وجهان لاصحابنا أحدهما يجوز لظواهر هذه الأحاديث، وهذا هو الذي رجحه جماعات من أصحابنا الخراسانيين، والثاني لا يصح طوافه في شيء من الحجر ولا على جداره، ولا يصح حتى يطوف خارجا من جميع الحجر وهذا هو الصحيح وهو الذي نص عليه الشافعي، وقطع به جماهير أصحابنا العراقيين ورجحه جمهور الأصحاب، وبه قال جميع علماء المسلمين سوى أبي حنيفة فإنه قال ان طاف في الحجر وبقي في مكة أعاده وإن رجع من مكة بلا إعادة أراق دما واجزاه طوافه، واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر، وقال: «لتأخذوا مناسككم» ثم أطبق المسلمون عليه. من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الآن وسواء كان كله من البيت أم بعضه فالطواف يكون من ورائه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى الحافظ نجم الدين بن فهد القرشي في كتابه «اتحاف الورى» انه في سنة اربع وسبعين كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان ان ابا خبيب عبد الله بن الزبير زاد في البيت ما ليس منه واحدث فيه بابا آخر فكتب اليه عبد الملك ان سد بابها الغربي الذي كان قد فتحه ابن الزبير، وأهدم ما كان زاد فيها من الحجر واكبس ارضها بالحجارة التي تفضل من أحجارها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهدم الحجاج منها ستة أذرع وشبراً مما يلي الحجر وبناها على أساس قريش الذي كانت قد استقرت عليه وكبس ارضها بالحجارة التي فضلت من أحجارها وسد الباب الغربي الذي كان في ظهرها وتحت عتبة الباب الشرقي وهو اربعة اذرع وشبر، وترك سائرها لم يحرك منها شيئاً فكل شيء فيها بناء ابن الزبير إلا الجدار الذي في الحجر فإنه بناء الحجاج وسد الباب الذي في ظهرها وما تحت عتبة الباب الشرقي الذي يدخل منه اليوم إلى الأرض كل هذا بناء الحجاج والدرجة التي في بطنها اليوم والبابان اللذان عليها اليوم هما ايضاً من عمل الحجاج وذكر المؤلف كان بين بناء قريش وبناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ثمانون سنة، وبين بناء ابن الزبير وعمارة الحجاج عشر سنين، ثم بقيت الكعبة المشرفة على حالها من يوم أن اقتطع الحجاج منها ما أدخله ابن الزبير فيها من الحجر وسد بابها الغربي ورفع بابها الشرقي إلى سنة 1039 أي تسعمائة واربع وستين سنة لم يصبها وهن ولا خراب غير بعض مرمات بسيطة ، ثم قدر الله سبحانه وتعالى الذي لا راد لقضائه ولا مانع لقدره ان يدخل المسجد الحرام سيل عظيم في تلك السنة التي هي سنة 1039 لم ير الراؤون مثله فكان سببا لسقوط معظم البيت المعظم. وأورد المؤلف تفصيلاً لذلك بالقول: ذكر العلامة ابن علال، والعلامة علي بن عبد القادر الطبري في كتابه الأرج المسكي، والعلامة السنجاري في كتابه منائح الكرم ما كان من عمارة السلطان مراد خان العثماني للكعبة المعظمة سنة 1040 هجرية فأحدهم فصل في جانب من القصة وبين الاسباب التي اقتضت عمارة الكعبة المعظمة، واختصر جانبا منها، واحدهم اسهب في بعضها ولخص البعض، فاضطررت ان أوحد عبارة الروايات الثلاث في قصة واحدة واصوغها في قالب واحد شامل لعموم تلك الروايات ليتم للقارئ الوقوف على عموم القصة مفصلة، حيث انها من اعظم ما وقع للكعبة المعظمة بعد الذي وقع في زمن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما من الحصين بن نمير، فكان ذلك من فعل البشر، وهذه من فعل السيل والمطر، وكلاهما بقضاء وقدر واليك القصة بتمامها.
لما كان يوم الاربعاء تاسع عشر من شعبان، سنة تسع وثلاثين وألف حصل بمكة المكرمة مطر عظيم كان ابتداؤه في الساعة الثانية صباحا واشتد نزوله بين الصلاتين الظهر والعصر، وحصل معه برد واستمر كذلك الى اثناء ليلة الخميس 20 شعبان، وجرى منه في آخر يوم الاربعاء سيل عظيم لم تر العين مثله في هذه الازمنة القريبة ودخل المسجد الحرام وملأ غالبه، ودخل الكعبة المشرفة من بابها ووصل الى نصف جدارها وبلغ في الحرم الى طوق القناديل ودخل بيوت اهل مكة المكرمة واخرج الامتعة وذهب بها الى اسفل مكة، ومات بسبب ذلك داخل المسجد الحرام وخارجه خلق كثير من كبير وصغير وجليل وحقير، قال العلامة أحمد بن علان: وخرصت من مات فيه في النهار والليل نحو ألف انسان وبات تلك الليلة السيل بالمسجد الحرام الى الصباح، ثم لما كان آخر نهار يوم الخميس عشرين شعبان سنة 1039 سقط الجدار الشامي من الكعبة المشرفة وبعض الجدارين الشرقي والغربي وسقطت درجة السطح، وكان ذلك بعد صلاة عصر ذلك اليوم، فحينئذ وقع الضجيج العام والانزعاج في قلوب الناس ثم قال ابن علان وذكر لي بعض الناس انه ذاق ماء ذلك البرد فكان ملحا او مرا، ولما كان صبح اليوم الثاني وهو يوم الخميس نزل أمير مكة المكرمة الشريف مسعود بن ادريس بن حسن وأمر بفتح سراديب باب ابراهيم التي هي مجاري مياه المسجد الحرام وخرج الماء منها الى اسفل مكة المكرمة، ثم لما سقط جدار الكعبة المشرفة قبيل غروب ذلك اليوم وكان أمير مكة المكرمة قد عاد الى داره باجياد وبلغه الخبر خرج من داره فزعا الى المسجد الحرام وحضر معه السادة الاشراف وفاتح البيت الشيخ محمد بن ابي القاسم الشيبي والعلماء والفقهاء والصلحاء، وأمر باقياد الشموع الكائنة في حاصل المسجد الحرام فأوقدت وأمر فاتح البيت ان يدخل الكعبة ويخرج القناديل التي بها خشية عليها من الضياع فعين الشيخ شخصا من خدام الكعبة المشرفة لذلك لكون معه أثر مرض يمنعه من الحركة، فدخل ذلك الخادم ومعه جماعة وأخرجوا القناديل وكانت عشرين قنديلا من الذهب احدها مرصع باللؤلؤ، وغيرها من المعادن والميزاب، ووضعت في بيت الشيخ جمال الدين محمد بن أبي القاسم الشيبي العبدري بعد ان ضبط ذلك بحضرة أميرة مكة المكرمة، وكان منزل فاتح الكعبة المشار اليه بالصفا من اوقاف السلطان مراد على الحجبة فوضعه في مخزن وختم عليه بختم أمير مكة المكرمة، والقاضي ونائب الحرم كما ذكره الطبري المكي وأجلس عليه حرسا، وكل ذلك كان قبل الغروب في ذلك اليوم، ثم انصرف الناس الى دورهم. فلما كان يوم الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور وصل الشريف مسعود أمير مكة المكرمة الى المسجد الحرام ومعه السادة والاشراف والاعيان بعد النداء العام لتنظيف المسجد الحرام فتهافت الناس من كل جانب وشرعوا في ازالة الطين الكائن بالمطاف فشمر مولانا الشريف عن ساعده وأخذ مكتلاً وحمل فيه شيئا من الطين وفعل الناس الاخرون معه كذلك فما كان بأسرع من تنظيف المطاف وما حوله، فباشر الخطيب بخطبة الجمعة وكان الخطيب (فائز بن ظهيرة القرشي المخزومي) وأقام شعارها ثم صلى بالناس في المطاف ثم بعد الفراغ من الصلاة شرعوا في رفع الحجارة التي سقطت من الكعبة المشرفة فمنها ما جعلوه خلف المقام الحنفي ومنها ما جعلوه عند ممشى باب السلام بقرب المنبر وصفوا الصغار منها بين المقام الحنفي وحاشية المطاف ونقل العتالون الاحجار الكبار ووضعوها في صحن المسجد ونقلوا الجباب الى ما تحت مدرسة السلطان سليمان التي هي الآن مركز المحكمة الشرعية الكبرى.
وأرسل الشريف مسعود الى جدة لاحضار خشب يجعل على الكعبة سترا الى ان يشرعوا في عمارتها كما فعل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فوصل الخشب من جدة في آخر شهر رمضان وتحصلوا على خشب آخر من مكة المكرمة فشرعوا في عمل للستارة الخشبية، وكان ذلك يوم الخميس 26 من شهر رمضان سنة 1039 في صبح اليوم المذكور وجاء مهندس مكة المكرمة علي بن شمس الدين بأخشاب من جذوع النخل وقطع نصف العرض من طرف الجذع ووضع رأس كل عود منها في رأس العود الآخر وربط عليها بالزواير ثم بالمسامير الحديد، وجعلت تحت الشاذروان ونقر فيها لاخشاب سواحي وسمر زنانير في هذه الاخشاب وجعلها اطواقا ثلاثة تطيف بالكعبة ليمسكها، وصفح ما بين أعواد السواحي من جهة الجدر الساقط الى اعلا البيت وستر به البيت كله، وتم العمل في يوم الاحد 23 من شهر شوال وجعلوا فيه بابا لطيفا من الخشب في الجهة الشرقية وعمل الشريف مسعود ثوبا اخضر ألبسه الكعبة المشرفة ثم بعد ان ألبسها ذلك الثوب دخلها وصلى فيها، ثم خرج وطاف.
وقد ذكر ابراهيم رفعت باشا المصري في كتابه (مرآة الحرمين) انه ذرع الكعبة المشرفة بالمتر فقال ارتفاعها 15 مترا، وطول ضلعها الشمالية 9.92 متر والغربية 12.15 متر والجنوبية 10.25 متر والشرقية 11.88 متر، فأما ما ذكره ابراهيم رفعت باشا من ذرع الطول والعرض فهو لا يختلف عن ذرع الفاسي والازرقي.
* وأما ما كان من الحوادث التي وقعت على الحجر الاسود من عهد عبد الله بن الزبير الى العمارة الاخيرة التي حصلت في عصر السلطان مراد خان سنة 1040 هـ ثم الى العصر الحاضر قال الازرقي حدثني جدي قال كان ابن الزبير اول من ربط الركن الاسود بالفضة لما اصابه الحريق، ثم قال في حديث طويل عن ابن جريج عن غير واحد من اهل العلم ممن حضر بناء ابن الزبير للكعبة قال وكان الركن قد تصدع من الحريق بثلاث فرق فانشظت منه شظية كانت عند بعض آل بني شيبة بعد ذلك بدهر طويل فشده ابن الزبير بالفضة الا تلك الشظية من اعلاه بين موضعها من اعلى الركن.
وقال الازرقي في رواية اخرى، وكان ابن الزبير قد ربط الركن الاسود بالفضة لما أصابه من الحريق. ثم كانت الفضة قد تزلزلت ونزعت وتقلقلت حول الحجر حتى خافوا عليه ان ينقص، فلما اعتمر هارون الرشيد وجاور في سنة تسع وثمانين ومائة أمر بالحجارة التي بينها الحجر الاسود ان تنقب بالماس، فنقبت بالماس من فوقها ومن تحتها ثم افرغ فيها الفضة، وكان الذي عمل ذلك ابن الطحان متولي بن الشمعل وهي الفضة التي هي عليه اليوم.
وقد ذكر هذه الرواية التقي الفاسي في شفاء الغرام ولم يعلق عليها بشيء، كما ان نجم الدين بن فهد ذكرها في اتحاف الورى مختصرة ولم يعلق عليها ايضا والظاهر انهم اعتبروا صحة الرواية واكتفوا بايرادها لثبوتها بدون تعليق حيث لو كان عندهم خبر يخالفها الالوية على قاعدتها في التثبت من الأخيار والله اعلم.
الحجر الأسود غاب 22 عاما
واما حادثة القرامطة واخذهم الحجر الاسود وتغييبه عندهم نحو اثنتين وعشرين سنة، والفظائع التي ارتكبوها في مكة المكرمة، من قتل الطائفين والعاكفين والركع السجود فليك تفصيلها.
قال التقي الفاسي في شفاء الغرام، ذكر اهل التاريخ ان عدو الله أبا طاهر القرموطي وافى مكة في سابع ذي الحجة سنة سبع عشرة وثلاثمائة وفعل فيها هو واصحابه امورا منكرة منها ان بعضهم ضرب الحجر الاسود بدبوس فكسره ثم قلعه، وقيل قلعه جعفر بن علاج البناء بأمر ابي طاهر يوم الاثنين بعد الصلاة لأربع عشرة خلت من ذي الحجة سنة 317هـ وذهب به معه الى بلاده هجر، وبقي موضعه من الكعبة المعظمة خاليا يضع الناس فيه ايديهم للتبرك الى حين رد الى موضوعه من الكعبة المعظمة وذلك يوم الثلاثاء يوم النحر من سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة على ما ذكره المسبحي وذكر ان الذي وافى به مكة سنير بن الحسن القرمطي وان سنير لما صار بفناء الكعبة ومعه امير مكة اظهر الحجر من سقط وعليه ضبه فضة قد عملت من طوله وعرضه تضبط شقوقا حدثت عليه بعد اقتلاعه واحضر معه جصا يشد به، فوضع سنير الحجر بيده وشده الصناع بالجص وقال سنير لما رده، اخذناه بقدرة الله ورددناه بمشيئة الله. ونظر الناس الى الحجر فتبينوه وقبلوه وتسلموه وحمدوا الله تعالى. وكان رد الحجر الاسود في موضعه قبل حضور الناس لزيارة الكعبة يوم النحر. وكانت مدة كينونته عند القرمطي واصحابه اثنتين وعشرين سنة الا اربعة ايام هذا معنى كلام المسبحي.
وأما ما وقع من الترميمات بعد عمارة السلطان مرادخان المشار اليه فقد ذكر الطبري المكي في الاتحاف انه في سنة 1045 ورد المعمار رضوان بك لعمارة سقف الكعبة وكان الشريف قد عرض ذلك الى السلطان لما اخبره الحجبة (آل شيبي) والمهندسون بذلك فجاء الامر باصلاح ما تحتاج اليه وان يحدد بابها ويرسل بالباب العتيق اليه فلما وصل رضوان بك المذكور الى مكة عقد مجلسا بالحرم الشريف وحضر البكري وقاضي المدينة حنفي زادة، وحضر أمير مكة والفقهاء وبعد ان قرأووا القرآن قاموا الى الكعبة وأشرفوا على ذلك وشرع المعمار الامير رضوان بك في عمله في اوائل شهر محرم من السنة المذكورة وفرض سطح الكعبة الشريفة بالرخام الابيض.
وذكر الطبري أيضا في الاتحاف انه في سنة 1073 انكسرت خشبة من سقف الكعبة فاقتضى الحال الى كشف السقف وازالة تلك الخشبة وعمر السقف عمارة جديدة واحاطوا الكعبة سقايل الخشب من الارض الى السقف وستروا على المعلمين بالخصف من خارج السقايل.
مقذوفات وحرائق تصيب الكعبة
* وتناول المؤلف حوادث متفرقة تتعلق بالكعبة وسدنتها منها ما قاله السنجاري: حكى الفاسي ان خالد بن عبد الله القسري ـكان أميرا على مكة من قبل سليمان بن عبد الملك بن مروان الاموي أخاف عبد الله بن شيبة الحجي فهرب منه الى سليمان بن عبد الملك مستجيرا به منه. فكتب اليه سليمان كتابا يأمره فيه (ان لا تهيجه) فجاء عبد الله بن شيبة بن عثمان بالكتاب فلما أعطاه لخالد أخذه ووضعه ولم يقرأه وأمر بعبد الله بن شيبة فجلد، ثم فتح الكتاب وقرأه وقال لو قرأته قبل لم أجلدك فرجع عبد الله الى سليمان فأخبره بذلك فأمر سليمان بالكتابة في خالد وأن تقطع يده فكلمه فيه يزيد بن المهلب وشفع فيه، فكتب له ان تقيده فاقيد منه عبد الله. قال الفاسي: ولعل هذا الفعل سبب عزله فانه عزله وولى مكة طلحة بن داود الحضري. فهذا يدل على كرامة آل شيبة عند أمراء المؤمنين حيث لما اعتدى خالد القسري بصفته أمير مكة على عبد الله بن شيبة: أمر أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك بقطع يده ثم بقوده أي أخذ القصاص منه بعد شفاعة يزيد بن المهلب ثم بعد أن أقتص منه عزله، وقد حدث من خالد القسري جملة أمور بمكة تدل على تطرفه الشنيع في ابتداء ولايته ثم لما تولى العراق صلح أمره ثم امتحن.
وروى السنجاري في تاريخه قال: ذكر الشيخ محيي الدين بن عربي في كتابه المسامرة أن المهدي لما حج سنة 160هـ دخل الكعبة ومعه منصور الحجي فقال له المهدي في جوف الكعبة اذكر حاجتك، فقال منصور اني استحي من الله ان اسأل في بيته غيره. فسكت المهدي فلما خرج بعث اليه بعشرة آلاف دينار. وروي ايضا ان السلطان قايتباي أمر في سنة 884 هـ بغسل الكعبة وتطييبها ظاهراً وباطناً. فحضر شريف مكة الشريف محمد بن بركات وقاضي مكة برهان الدين ظهيرة وجردت الكعبة وغسلت ظاهراً وباطناً وطيبت بماء الورد والمسك ثم أعيد ثوبها. ونقل عن الجزيري في تاريخه انه في سنة 954 هـ يوم السابع من ذي الحجة رأي الطائفون وقت السحر دخانا صاعدا من جهة الكعبة فوصل الخبر الى الشريف فنزل بنفسه ومعه أكابر الدولة ففتحت الكعبة فوجدوا نارا في عقب الدرفة اليمنى من باب الكعبة فعزلوا الباب المذكور واطفئوا النار وأعادوه على حاله، وذكر في حوادث سنة 976 هـ أنه لثلاث بقين من رمضان فتح الشيخ عبد الواحد الشيبي الكعبة المشرفة للنساء على جري العادة فسرق من حجره مفتاح الكعبة وهو مصفح بالذهب فوقعت الضجة وأغلقت أبواب الحرم وفتشت الناس فلم يظفروا به ثم وجده سنا باشا باليمن مع رجل أعجمي فأخذه وقرره وكبس داره فوجد عنده المفتاح وغيره من سرقات أقر بها فقطع رأسه وأعاد المفتاح الى الشيخ عبد الواحد. وروي السنجاري في حوادث سنة 1087 هـ أنه لما كان يوم الخميس 8 شوال من السنة المذكورة قد اصبح الناس فإذا الكعبة المشرفة ملطخة بعذرة أو بما يشبه العذرة مع جميع جوانبها، وكذلك الحجر الاسود، الركن اليماني فاتهم بهذا الفعل الشيعة فاشتدت حمية الاتراك المجاورين فأخذوا من الحرم خمسة أنفس من العجم بعد شروق الشمس وأوقعوا فيهم بالضرب والرجم بالحجارة وضربا بالسيوف وألقوهم على بعضهم ولم يطالب فيهم أحد، وكان يوما أغبر على الشيعة بمكة، وذكر في سنة 1099 انه في يوم الخميس غرة ربيع الثاني عمّر محمد بك شيئا من أخشاب الكعبة وطلعوا ارسال من جدة جعلوها حول الكعبة من الخارج وركبوا الكسوة لتغير افريز السطح من التي تربط فيها الكسوة لأنه استأكل. وذكر في حوادث سنة 1100 انه في يوم الجمعة 29 المحرم طلع امير مكة الشريف أحمد بن غالب سطح الكعبة المشرفة للاشراف على افريز الكعبة التي تربط فيه الكسوة لاخبار المعلمين له بأنه استأكل ويحتاج الى التغيير وجاءه أمر من السلطان بعمارة ما يحتاج اليه من الكعبة وتعريف جهة السلطنة بما صرف في ذلك فاتفق ان وجبت الجمعة ودخل الخطيب وهو في الكعبة فصلى الجمعة وهو في جوفها ولما ان فرغ العمل أخلع (أي البس) الشيخ عبد الواحد الشيبي، وولده الشيخ عبد المعطي، والمهندسين.
وختم المؤلف باسلامة كتابه بذكر الحادث العظيم الذي وقع للكعبة المعظمة في نهضة الشريف الحسين بن علي فقال:
انه في عصر يوم السبت الموافق 23 شعبان سنة 1334 اثناء الحرب المشتعلة بين الشريف الحسين بن علي والجنود العثمانية حين حصاره لقلعة اجياد. اطلق أحد الجنود التركية المحصورة في قلعة أجياد قنبلة من مدفعه على جهة المسجد الحرام فوقعت شظية من شظايا القنبلة المقذوفة على الكعبة المعظمة من الجهة الجنوبية قريبا من سطح الكعبة فاشعلت النار في ثوب الكعبة. من أعلاها في تلك الجهة وبقرب الحجر الأسود فلما رأى ذلك الناس فزعوا فزعا شديدا واجتمع أهل البلاد من كل اطرافها واحتشدوا في المسجد الحرام وبعث رئيس السدنة المرحوم الشيخ محمد صالح بن أحمد الشيبي ابنه الشيخ محمد الذي هو رئيس السدنة الآن (ايام تاليف الكتاب قبل 75 عاماً) ففتح باب الكعبة وصعد الناس فاطفئوا النار في لحظة. والحمد لله.
وقد وقع من تلك المقذوفات التي كانت تقذف من قلعة أجياد إصابات كثيرة في قباب المسجد الحرام، وأغلبها كانت تقع في قباب باب الزيادة وبعض الجهة الشمالية من المسجد الحرام، وباب أم هاني وبعض الجهة الجنوبية، وسبب ذلك ان الشريف الحسين وضع من رجاله أناسا في بعض الدور المجاورة للمسجد الحرام وصعد منهم أناس في بعض منائر المسجد الحرام وصاروا يطلقون بنادقهم على القلعة المذكورة فقابلوهم بإطلاق المدافع التي وقعت مقذوفاتها على بعض قباب المسجد الحرام واحترق من شظاياها ثوب الكعبة وقد أبقى الشريف الحسين بعد نهاية الحرب تلك الإصابات والخراب الذي وقع من مقذوفات الجنود التركية من قلعة أجياد بالمسجد الحرام على حالها مدة من الزمن لأجل أن يشاهد ذلك الوافدون من حجاج بيت الله الحرام من كل فج عميق، ثم بعد انقضاء الموسم أمر بإصلاح كل الخراب.
ملاحظة: حذفت جزءً من المقال تحدّث عن تطييب وغسل الكعبة وتاريخه. وهناك فضيحة أو فضائح في ذلك الكتاب عندما قلبت في صفحاته حيث حمَّلته وحصلت عليه من الإنترنت، فعند تبويب (هدايا الكعبة) نفهم منه أن الملوك والقادة سرقوا ونهبوا وأخذوا كل أو معظم ما أهُدِيَ من العامة والملوك المسلمين للكعبة كالقناديل المعلقة الذهبية والفضية والأشياء القيمة وتمثال ذهبيّ شهير لبودا مذكور في كتب التاريخ أهداه ملك بوديّ آسيويّ أسلم فأرسله كتذكار وعلامة على إسلامه وتركه البودية فقبله الفقهاء على هذا الأساس وظل لفترة بها ضمن كنوزها.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.